الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن شعره في هديّة:
هذا إليكم ومنكم كان حاصله
…
فلست أعزى إلى بخل ولا كرم
فاقبل براحتك اليمنى الّذى بعثت
…
به يسارك فاعذرنى ولا تلم
وله:
ولما تبّدى لى من السّجف حاجب
…
ومقلة ليلى من وراء نقابها
بعثت الرّسول الدّمع بينى وبينها
…
ليأذن في قربى وتقبيل بابها
فما أذنت إلّا بإيماء لحظها
…
ولا سمحت إلّا بلثم ترابها
823 - يعيش بن علىّ بن يعيش العدل الخطيب النّحوىّ المدعو بالموفّق
«1»
الموصلىّ الأصل، الحلبىّ المولد والمنشأ، لو أنصفته ما أجريته في حلبة النحاة، ولولا أنّ النحو قنطرة الآداب، لنّزهته عن مشاركة من قصده ونحاه، فإنّنى إن وصفته بالنّحو فهو أديب، أو بالبلاغة فهو خطيب، أو بالعدالة [1] فهو أبو ذرّها، أو بالمعانى فهو مكنون درّها، أو بجميع الفضائل وجمعها فهو حالب درّها. إمام إذا قاس قطع، وإذا تربّع ربع الأدب برع [2]، وإن سئل بيّن المشكل، وإن
[1] فى الأصلين: «وبالعدالة» .
[2]
كذا في ب، وهو الصواب، وفي الأصل:«وبرع» .
استفسر فصّل المجمل. تصدّر في زاوية [أبى] علىّ [1]، وجلّى للطلبة غامض كلامه وما تعبير كلّ متصدر جلىّ. حملته على إدراكه العلوم نفسه الأبيّة، وإلّا فهو فى شغل بأحكام العيال عن أحكام العربيّة، لأنه سلك طريق الصّفوة والأصفياء [2]، فى امتثال قول النبىّ صلى الله عليه وسلم:«تناكحوا تناسلوا فإنّى أكاثر بكم الأنبياء [3]» ، هذا مع ما منى به من موت أبناء نجباء ساءوه بعد أن سرّوا، وأمرّوا عيشه عند ما مرّوا، وتسلّى عنهم بآخرين سلكوا مسلكه في البلاغة والنّباهة، إذا الولد سرّ أبيه في الوجه والوجاهة، وأسأل الله حراستهم له فقد أخذ الدّهر حقّه، وأن يوفّر خاطره للإفادة فما أولاه بذلك وما أحقّه. [ولو رام هذا الموفّق سموّ الاسم لاغترب، لأنه في وطنه كالمندل الرطب الذى هو في أوطانه حطب][4].
فأما تصانيفه في العربيّة وفنونها فقد سارت مسير الركبان، وتناقلها الأجلّاء المتأصّلون في هذا الشان، فمنها كتاب «شرح التصريف الملوكى [5]» لابن جنّى، ولو رآه لجنّ طربا، وتحقّق مصنّفه لهذه الصّنعة أمّا وأبا، «وشرح كتاب المفصّل [6]» للزمخشرىّ فوصل به ما فصّله، وفرّق على المستفيدين ما أجمله، واستقى له من ركّية النّحو ما جمّ [7] له، وشرّفه بعنايته وإعانته فنوّه بذكره وجمّله، وبسط فيه القول بسطا أعيا الشّارحين، وأظهر من عونه وعيونه ما فتح به بابا للمادحين.
[1] هو أبو على الفارسى، والتكمله من ب.
[2]
ب: «النبوية» .
[3]
رواية الحديث في الجامع الصغير 1: 228: «تناكحوا تناسلوا فانى أباهى بكم الأمم يوم القيامة» نقله عن عبد الرازق، برواته عن سعد بن أبى هلال، مرسلا.
[4]
تكملة ب.
[5]
منه نسخة خطية بدار للكتب برقم 3 ش- صرف.
[6]
طبع في أوربا ومصر مرارا.
[7]
جمّ: اجتمع.
وقد تجر قوم في ذلك كتجارته، فرجعوا غير رابحين [1]، فمنهم شيخ بغداد [2].
المتأخّر الزمان، المذكور في مكانته من العربية بالإمكان، ولمّا تعرّض لشرحه اختزل، وعند ما رام أن يرقى عقبته نزل، وأتى برائجة دون ثمرتها حجاب، وعاقه عن التصدّر في صدر هذا الكتاب بوّاب وحجّاب، ولو رآه الخوارزمى [3] المدعوّ بصدر الأفاضل [لما [4]] تعرّض لشرحه فشرّحه، وما ملحّه، فتغيّر في يديه [5]، وتمزّقت بشرحه اوصاله لمّا عجز عمّا قصد إليه، وأراد أن يعرب فأعجم، ورام أن يسرج ليركب فأسرج وما ألجم، وسماه «التخمير» لما خامره من الجهل بالبلاغة فى العبارة، وعبّر عن الشرح بالتشريح، فقبح الاسم وإن وافق الإشارة.
والذى صنفه فيه ابن الحاجب الكردىّ [6] فهو عن القصد محجوب، وعن الأسلوب الموفّقىّ مسلوب، لأنه نبّه المستيقظ من المعانى، فالمعانى للاستفادة منه
[1] كذا في ب، وفي الأصل:«فهم غير رابحين» ، وهو وجه أيضا.
[2]
يبدو أنه محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود المعروف بابن النجار البغدادى المتوفى سنة 643، ذكره صاحب كشف الظنون ص 1774، 1775؛ ضمن شراح المفصل.
[3]
هو أبو محمد مجد الدين القاسم بن الحسين المعروف بصدر الأفاضل الخوارزمى، شرح المفصل شرحا بسيطا في ثلاث مجلدات، سماه التخمير، ووسيطا، ومختصر أسماه مجمرة، وتوفى سنة 617.
كشف الظنون 1775.
[4]
زيادة تقتضيها السياق.
[5]
فى الأصلين: «يده» والسجع السائد في الترجمة يقتضى ما أثبته.
[6]
هو عثمان بن عمر بن يونس جمال الدين أبو عمر بن الحاجب، الكردى الأصل، الأستانى المولد، المتوفى بالإسكندرية سنة 646، وذكر السيوطىّ في ترجمته في بغية الوعاة 2: 35 أنه شرح المفصل شرحا سماه الإيضاح.
عانى، ومن أين لابن لبون في الفقه يشغله التدريس، الجرى في حلبة النّحو مع البزل القناعيس [1].
والذى تولّاه أبو القاسم النحوىّ اللّورقىّ [2] الأندلسىّ من شرح هذا الكتاب؛ فإنما تبع الموفّق في طريقه، ووفّق بذلك إلى مرتبة ترتيبه وحقيقة تحقيقه، واقتدى به في إزالة الإشكال والاشتباه، ونقلا جميعا النّحو من كلام النّحاة، فقبض أحدهما وبسط الآخر، ووجد الثانى بالأول شرعا واضحا فسفر عن وجهه فيه وسافر، غير أنّ التصنيف الموفّقى خطب من أقصى مكان، وبذل في نسخه أوفر الأثمان، وأصبح مستعملا بين أئمة هذا الشأن.
وأمّا ما زعمه الفخر الرازىّ المعروف بابن الخطيب [3] من شرحه، فقد عرّض عرضه فيه للاستهزاء، وأظهر من ضعف علمه بهذا النوع ما أهدفه [4] للاستزراء، وعجز في أوّل شرحه عن حدّ الاسم، وأورد الحدّ له بلفظ الرّسم، فلا طريقة المنطقىّ لزم، ولا بالرّسوم النحوية ارتسم، لأن المنطقىّ يحد الاسمّ بما هو السّمة الواقعة على المسمّى، فيشمله شخصا كان أو معنى، والنحوىّ يشاركه في ذلك، وينفرد باعتبار نفى الاجتهاد في تحصيله لذيذ الطيف، وهى الجملة المفيدة من تساند
[1] ابن اللبون: ولد الناقة إذا كان في العام الثانى واستكمله، أو إذا دخل في الثالث. وبزل البعير يبزل: فطر نابه، أى انشق، فهو بازل، ذكرا كان أو أنثى، وذلك في السنة التاسعة.
والقناعيس: جمع قنعاس، وهو الجمل الضخم، والكلام على الاستعارة.
[2]
هو القاسم بن أحمد بن الموفق بن جعفر الأندلسى المرسى، وسماه بعضهم محمدا، وكناه أبا القاسم. شرح المفصل في أربع مجلدات، وتوفى سنه 375. بغية الوعاه 2:250.
[3]
هو الإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازى، المتوفى سنة 606، ذكره صاحب كشف الظنون ممن شرح المفصل.
[4]
أهدفه: جعله هدفا.
الاسمين فيدخل في ذلك أين وكيف، وهذا النوع عند المنطقىّ من الأدوات، لا من الأسماء السامية على مسمّياتها ولا من السّمات، ثم سلك هذا المسلك في أماكن رام فيها تناسب الأداة وما يصدر عنها فحلط، وركب بهما في الجمع بين النّحوين:
العربىّ واليونانىّ فسلكهما في عشواء وخبط، وجاء كتابه على صغر حجمه كثير الخطا، وعلى سعة وهمه قصير الخطا.
وأما ما صنّفه الأديب المروزىّ خازن كتب المهتر الفقاعىّ [1] السّجزىّ، فإنه وقف مع الألفاظ النّحوية، والمعانى العربية، ولم يتعرّض لشرح العبارة الزمخشرية، وأعانته الخزانة الّتى يتولّاها فوسّع القول في الأسماء والعوامل، ونقل عن الكتب الكبار نقل المسطرة ولم يأت من عنده بطائل، فجاء كتابه مفيدا للنّحو لا للعبارة، وضابطا لمنتشر العربية لا للإشارة، فكتاب الموفّق إذا أوسطها حجما، وأسعدها نجما، وأوفقها قصدا، وأقصدها رشدا، لا يوفّق من جهله، لأنه عمله لله والله يحفظ ما عمل له.
وفي هذا الموفّق خصلة فاق بها أقرانه- ولا قرن له- وإخالها منحة من الله والله يهنّئه ما خوّله، وهو السّكوت عن الإجابة عند السؤال، والسّكون فى أداء الجواب إذا تسرّع غيره إلى الخطأ في المقال، ولقد سألته من سنين عن مسألة في موانع الصرف فصمت عن الجواب، وكان في صمته الصّواب، فإنّها أشكلت على الأئمة المتقدّمين، حتى غلط في الإجابة عنها المبرّد وناهيك به تقدّما في السابقين الأوّلين، فاستدللت بإمساكه على تحصيله، واعتددت بطوله في تطويله، والسعيد من سكت عند الإشكال، والشّقىّ من تسرّع إلى الخطأ وعدم الاستقلال.
[1] كذا في الأصلين، ولم أجده ممن شرح المفصل في كشف الظنون.
وقد كنت لقرب داره أستفيد من مذاكرته أنواع الفضل، إلى أن انتقلت عن جواره إلى محلّة الجهل، ولزمت جانب المنزل، وأصبحت عن إيناس النّاس بمعزل، ففاتتنى فوائده، وانفردت عنّى فرائده، ولى أعوام ما حظيت منه بنظرة، وذلك لتقدير؛ إذ اللّقاء مقدّر لا لنفرة، ومع هذا فإننى أسمع فوائده من تلاميذه المشتغلين، وألتقط فرائده من أصحابه المقيمين والمنتقلين، فتقوم عندى مقام شخصه وإن غاب، وتنوب عنه في الإفادة وان لم يغن عنه مناب، وهو إلى وقت هذا التأليف متصدر لإفادة [1] ما هو بصدده، يعذب لكلّ قاصد إلى فضله عذب مورده، وينثال عليه أجلّة الأصحاب، مستسقين لفضله استسقاء السحاب.
مولده لثلاث خلون من شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، ورحل من حلب في صدر عمره ليدرك ابن الأنبارى [2] وطبقته، ولمّا وصل إلى الموصل بلغته وفاته، فوقف حيث انتهى وسمع شيئا من الحديث وعاد.
واجتمع بالكندىّ [3]- بدمشق عند ما عزم على التصدّر والإقراء، وسأل الكندىّ عن إعراب كلمة [4] وردت في المقامات، فقال له الكندىّ عند إبهام جوابها عليه: قد علمت قصدك، وأنك أردت إعلامى مكانتك من هذا العلم.
وكتب له خطّه بمدحه والثناء عليه، ووصف تقدّمه في هذا النّوع الأدبى.
[1] فى الأصلين: «للإفادة» .
[2]
هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأنبارى أبو البركات المتوفى سنة 577.
[3]
هو زيد بن الحسن بن زيد التاج أبو اليمن الكندى المتوفى سنة 613.
[4]
حاشية ب: الذى سأل عنه في المقامة العاشرة الرحبية قوله: «فلما لألأ الأفق ذنب السرحان وآن انبلاج الفجر وحان» ، وهل الأفق وذنب السرحان مرفوعان أو منصوبان، أم الأفق مرفوع وذنب السرحان منصوب، أو بالعكس؟ والأربعة أوجه جائزة والمختار نصب الأفق ورفع ذنب السرحان.
وانظر مقامات الحريرى ص 95.