الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البالغ وهو أنس، على أنه يحتمل أن يكون ابن عمر بالغًا في ذلك الحين، فقد كانت سنه أربع عشرة سنة، وابن هذه السن يجوز أن يكون بالغًا وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد رده في هذا الوقت عن القتال لضعف بنيته يومئذ لا لأنه كان صغيرًا1.
218-
وإذا كان من الجائز العمل بخبر الكافر إذا كان الاحتياط في العمل به -عند محمد بن الحسن- مع كفره واتهامه بعداوة المسلمين، فإنه -من باب أولى- يجوز العمل في الاحتياط بخبر الصبي المسلم2.
219-
وذا كانت رواية الصغير لا تصح ولا تقوم بها الحجة، فرواية المجنون كذلك من باب أولى؛ لأن الصغير عنده قدر من التمييز لا يوجد عند المجنون.
1 كشف الأسرار 3/ 742، 744.
2 المصدر السابق.
3-
العدالة:
220-
وهي صفة راسخة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة، والمراد بالتقوى اجتناب الأعمال السيئة، من فسق وبدعة، والمراد بالمروءة احتراز الإنسان عما يذم به عرفًا1، والعدل هو الذي يطيع الله سبحانه وتعالى فيتبع أوامره، ويجتنب نواهيه، وهو الذي لا يعصي الله سبحانه وتعالى ولا يرتكب الكبائر وبعض الصغائر. وقد سئل ابن المبارك عن العدل فقال:"من كان فيه خمس خصال: يشهد الجماعة، ولا يشرب هذا الشراب "يعني المسكر"، ولا تكون في دينه خزية، ولا يكذب، ولا يكون في عقله شيء"2
…
وقد عبر الإمام الشافعي عن الراوي العدل بقوله، في بيان ما تقوم الحجة بخبره: أن يكون "ثقة في دينه معروفًا
1 توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار: محمد بن إسماعيل الأمير الحسني الصنعاني "ت 1182" تحقيق محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الأولى 1366هـ - مكتبة الخانجي 2/ 118 - شرح نخبة الفكر ص8.
2 الكفاية: ص137 الطبعة المصرية.
بالصدق في حديثه
…
بريئًا من أن يكون مدلسًا، يحدث عمن لقي ما لم يسمع منه1".
221-
وليس المقصود من العدل أن يكون بريئًا من كل ذنب، وإنما المراد أن يكون الغالب عليه التدين، والتحري في فعل الطاعات يقول سعيد بن المسيب: "ليس من شريف ولا عالم ولا ذي سلطان إلا وفيه عيب لا بد، ولكن من الناس من لا تذكر عيوبه؛ من كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله
…
". ويقول الإمام الشافعي في هذا المعنى أيضًا: "لا أعلم أحدًا أعطي طاعة الله، حتى لم يخلطها بمعصية الله إلا يحيى بن زكريا عليه السلام
…
ولا عصى الله، فلم يخلط بطاعة، فإذا كان الأغلب الطاعة فهو المعدل، وإذا كان الأغلب المعصية، فهو المجرح"2
…
ويعبر أبو يوسف عن هذا الاتجاه حين يقول: "من سلم أن تكون منه كبيرة من الكبائر التي أوعد الله تعالى عليها النار، وكانت محاسنه أكثر من مساوئه فهو عدل"3.
222-
هذا هو مذهب أكثر العلماء، ولكن يروى عن أبي حنيفة وأهل العراق أن العدالة هي إظهار الإسلام، والسلامة من فسق ظاهر فمتى كانت هذه حال المرء وجب أن يكون عدلًا4
…
وهذه حالة مجهول الحال عند الإمام الشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم، فلا بد من معرفة سيرته، وكشف سريرته أو تزكية من عرفت عدالته له، وتعديله له5.
223-
ومعرفة العدالة في الراوي تكون على مستويين:
1-
مستوى يتساوى في معرفته الخاصة والعامة، وهو الصحة في البيع والشراء والأمانة ورد الودائع وإقامة الفرائض وتجنب المآثم، لهذا ونحوه
1 الرسالة: ص370، 371.
2 الكفاية الطبعة المصرية ص138.
3 نشأة علوم الحديث ص158 نقلًا عن اختلاف الفقهاء لأبي جعفر الطحاوي 2/ 36ب.
4 الكفاية هـ، ص87 وانظر مناقشة الخطيب لهذا الرأي من ص81 - 84.
5 نشأة علوم الحديث ومراجعه ص158.
يشترك الناس في علمه
…
وربما تشدد بعض الأئمة في توافر هذا الجانب من العدالة في الراوي، فاعتبروا الركض على البرذون، وسماع القراء بالتطريب1، مما يذهب العدالة، ويوجب ترك حديث الراوي، يقول أبو العالية:"كنا إذا أتينا الرجل لنأخذ عنه نظرنا إلى صلاته، فإن أحسن الصلاة أخذنا عنه، وإن أساء الصلاة لم نأخذ عنه2"، ويقول الحسن بن صالح: كنا إذا أردنا أن نكتب عن الرجل سألنا عنه، حتى يقال لنا: أتريدون أن تزوجوه3؟! واشتهر شعبة بن الحجاج "160هـ" بهذا المذهب، قيل له: لم تركت حديث فلان؟. قال: رأيته يكرض على برذون، فتركت حديثه، وقال: أتيت منزل المنهال بن عمرو، فسمعت صوت الطنبور، فرجعت. فقيل له: إنكارًا لهذا التشدد: فهلا سألت عنه إذ لا يعلم هو؟!.
وممن غالى في هذا الحكم ابن عتيبة، قال له شعبة: لِمَ ترو عن زاذان؟. قال: كان كثير الكلام4.
وربما تساهل بعضهم، مثل الإمام عبد الله بن المبارك الذي كان لا يترك حديث الرجل حتى يبلغه الشيء الذي لا يستطيع أن يدفعه5، وفي رواية عنه تبين لنا ما هو هذا الشيء الذي لا يستطيع أن يدفعه، وهو أن يتهم الرجل بالكذب أو يكثر منه الغلط، ويغلب عليه6.
2-
ومتسوى آخر، وهو الأهم؛ لأنه يتصل برواية السنة مباشرة ولهذا لا يعرفه إلاعلماء الحديث والفقه وأئمتهم، وهو ملاحظة روايته، وهل هو يكذب فيها أو يصدق، وهل يوافق العدول الآخرين أو يخالفهم أو يتحرز في روايته أو لا، وغير ذلك مما لا يجوز الرجوع فيه إلى قول العامة، "بل التعويل فيه على مذاهب نقاد الحديث وملاحظاتهم ومعرفتهم،
1 الجرح والتعديل جـ4 قسم1 رقم 3062.
2 المحدث الفاصل: النسخة المخطوطة بكلية دار العلوم "قسم من رسالة" ص236.
3 الكفاية الطبعة المصرية ص155.
4 تدريب الراوي 1/ 306.
5 تقدمه المعرفة ص270، 274.
6 الكفاية: الطبعة المصرية ص227.
فمن عدلوه، وذكروا أنه يعتمد على ما يرويه جاز حديثه، ومن قالوا فيه خلاف ذلك وجب التوقف في روايته1.
224-
ومن المعرفات لهذا المستوى حكم الحاكم وعمل المجتهد برواية الراوي، وسكوت السلف عند اشتهار روايته؛ إذ لا يسكتون على منكر، فإن قبله بعض ورده بعض، فالكثير على رد روايته، ويقبلها الحنفية؛ لأن العمل عندهم توثيق، أما الرد فهو ترك، والترك ليس بجرح، ومثلوا لهذا بحديث معقل بن سنان "أنه عليه السلام قضى لبروع الأشجعية حين مات عنها زوجها قبل التسمية بمهر المثل"، فقد قبله ابن مسعود، ورده علي قائلًا:"ما نصنع بقول أعرابي بوال على عقبيه -حسبها الميراث لا مهر لها"2.
225-
وقد وجبت العدالة شرطًا لقبول حديث الراوي؛ لأنه غير معصوم عن الكذب، وخبره يحتمل الصدق وغيره، والعدالة هي التي تجعل خبر الراوي يميل إلى جانب الصدق، وإذا كان الراوي عدلًا فإنه يكون منزجرًا عن الكذب في أمور الدنيا، وذلك دليل على انزجاره عن الكذب في أمور الدين بالطريق الأولى.
226-
أما إذا لم يكن عدلًا فإن جانب الكذب يرجح في خبره؛ لأنه إذا لم يكن غير مبال بارتكاب سائر المحظورات مع اعتقاده حرمتها، فالظاهر أنه لا يبالي من الكذب مع اعتقاده حرمته، ولا نطمئن إلى أنه صدق فيما يرويه3.
227-
وعدالة الراوي هنا تفترق عن عدالته في الشهادة؛ فالعدل يكون جائز الشهادة في أمور مردودها في أمور تجوز فيها روايته، وذلك لأن الدوافع النفسية هنا وهناك قد تكون مختلفة فينشأ عنها الاختلاف في
1 الكفاية. الطبعة المصرية ص156.
2 مسلم الثبوت: محب الله بن عدب الشكور البهاري الهندي المطبعة الحسنية بالقاهرة 2/ 112.
3 أصول السرخسي 1/ 346.
القبول والرد ويتطلب الأمر الاطمئنان إلى رسوخ العدالة في الشهادة ما لا يتطلب في عدالة راوي الحديث، فدواعي الصدق والأمانة أقوى هنا منها في الشهادة، ولهذا اهتم الإمام الشافعي ببيان الفروق بينهما من هذه الناحية:
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: إن أهل العلم قد اتفقوا على أن ترد شهادة العدل، إذا شهد في موضع يجربه إلى نفسه أو إلى ولده أو والده زيادة من أي وجه أو يدفع بها عن نفسه أو عنهما غرمًا، ومثل هذا من المواضع التي لا يطمأن فيها إلى عدالته.
والشاهد قد يشهد على واحد، ليلزمه غرمًا أو عقوبة، وللرجل ليؤخذ له غرم أو عقوبة، وهو غير ملزم بما لزم غيره من غرم، غير داخل في غرمه ولا عقوبته، ولعله قد يجر بشهادته ذلك إلى من لعله أن يكون أشد تحاملًا له منه لولده أو والده، ولكن تقبل شهادته؛ لأنه لا ظنة ظاهرة كظنته في نفسه وولده ووالده، وغير ذلك مما يبين فيه من مواضع الظنن.
والمحدث خلاف ذلك، فعندما يروي ما يحل أو يحرم "لا يجر إلى نفسه، ولا إلى غيره، ولا يدفع عنها ولا عن غيره، شيئًا مما يتمول الناس، ولا مما فيه عقوبة عليهم ولا لهم"
…
وهو ومن حدثه ذلك الحديث من المسلمين سواء، إن كان يروي ما يحل أو يحرم، فهو شريك المسلمين فيه لا تختلف حالاته كما تختلف في الشاهد "فيكون ظنينًا مرة مردود الخبر، وغير ظنين أخرى مقبول الخبر"1.
228-
ثم بين الإمام الشافعي كيف أن التقوى تحمل الناس على الصدق في أخبارهم، فيقول: إن هناك للناس حالات تكون أخبارهم فيها أصح وأحرى أن يحضرها التقوى من الحالات الأخرى، وتلك عند خوف الموت بالمرض أو في السفر
…
في هذه الحالات تكون النيات فيها سليمة، والفكر
1 الرسالة ص390 - 392.
فيها أدوم، والغفلة فيها أقل، وهذا موجود في العامة، حتى عند أهل الكذب:"فإذا كان موجودًا في العامة وفي أهل الكذب الحالات يصدقون فيها الصدق الذي تطيب به نفس المحدثين -كان أهل التقوى والصدق في كل حالاتهم أولى أن يتحفظوا عند أولي الأمور بهم أن يتحفظوا عندها"، فهم وضعوا موضع الأمانة، ونصبوا أعلامًا للدين وكانوا عالمين بما ألزمهم الله من الصدق في كل أمر، وهم يعلمون أن الحديث في الحلال والحرام أعلى الأمور، وأبعدها من أن يكون فيه موضع ظنة أو تهمة، لا سيما وقد عرفوا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مِنْ أَفْرَى الْفِرَى مَنْ قَوَّلَنِي مَا لَمْ أَقُلْ، وَمَنْ أَرَى عَيْنَيْهِ فِي الْمَنَامِ مَا لَمْ يَرَهُ، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ"1. وقال: "من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار"2. وقال: "إن الذي يكذب علي يبنى له بيت في النار"3.
وقيل لأبي قتادة: ما لك لا تحدث عن رسول الله كما يحدث الناس عنه؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"من كذب علي فليلتمس لجنبه مضجعًا من النار"، فجعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول، "ويمسح الأرض بيده" 4، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، وحدثوا عني ولا تكذبوا علي" 5، ويعلق الشافعي على هذا الحديث، فيقول: هذا أشد حديث روي عن رسول الله في هذا، وعليه اعتمدنا مع غيره في ألا نقبل إلا عن ثقة، ونعرف صدق من حمل الحديث من حين ابتدئ إلى أن يبلغ به منتهاه؛ لأنه، صلى الله عليه وسلم إذ أباح الحديث عن بني إسرائيل، فليس معناه إباحة الكذب
1 هذا الحديث رواه البخاري 4/ 180 - 181 طبعة السلطان عبد الحميد، مع اختلاف يسير في اللفظ. والفرى جمع فرية وهي الكذبة، وأفرى أفعل منه للتفصيل، أي أكذب الكذب.
2 رواه أحمد "المسند 2/ 501".
3 رواه أحمد في المسند 2/ 22، 103 دون حرف "إن" في أوله وص 144.
4 ومعناه عن أبي قتادة في المسند 5/ 297 ومسند الدارمي 1/ 77.
5 رواه أحمد 3/ 12، 13 وسنده غير صحيح؛ لأن فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف.
عليهم، وإنما معناه قبول ذلك عمن حدث به ممن يجهل صدقه وكذبه، وليس معناه أيضًا إباحة الكذب عليهم، لأنه، صلى الله عليه وسلم، قال:"من حدث بحديث وهو يراه كذبًا فهو أحد الكاذبين" 1، فالكذب الذي نهاهم عنه هو الكذب الخفي، وذلك الحديث عمن لا يعرف صدقه؛ لأن الكذب إذا كان منهيًّا عنه على كل حال -فلا كذب أعظم من كذب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم2.
229-
وقد حذر غير واحد من الأئمة في القرن الثاني الهجري من الرواية عن غير العدول؛ من الكذابين، والفاسقين، والسفهاء، وأصحاب الأهواء.
ومن هذا ما يقول الإمام مالك بن أنس: "لا تأخذ العلم من أربعة وخذ ممن سوى ذلك: لا تأخذ من سفيه معلن بالسفه، وإن كان أروى الناس، ولا تأخذ من كذاب يكذب في أحاديث الناس إذا جرب عليه ذلك، وإن كان لا يتهم أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من شيخ له فضل وعبادة إن كان لا يعرف ما يحدث"3
…
ويقول شعبة بن الحجاج: لم يكن شيء أحب إلي من أن أرى رجلًا يقدم من مكة، فأسأله عن أبي الزبير؛ حتى قدمت مكة فسمعت منه فبينما أنا عنده، إذ جاءه رجل فسأله عن شيء، فافترى عليه، فقلت: تفتري على رجل مسلم؟!. قال: إنه غاظني قلت: يغيظك، فتفتري عليه؟!
…
فآليت ألا أحدث عنه، فكان يقول: في صدري منه أربعمائة
…
ولا والله لا أحدثكم عنه بشيء
1 رواه مسلم في صحيحه: ولفظه عنده: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" 1/ 51 بشرح النووي.
2 الرسالة ص 392 - 400.
3 ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة مذهب مالك: أبو الفضل عياض بن موسى ابن عياض اليحصبي السبتي "554 هـ - 11449م" تحقيق د. أحمد بكير محمود -مكتبة الحياة ببيروت- لبنان 1/ 123 - المحدث الفاصل "المخطوطة بدار العلوم" ص23- الكفاية ط مصر ص189.
أبدًا
…
وقال يحيى بن سعيد القطان: سمعت النضر بن مطرف يقول: إن لم أحدثكم فأمي زانية. قال يحيى: تركت حديثه لهذا
…
وقيل لزيد بن أسلم: عمن يا أبا أسامة، قال: ما كنا نجالس السفهاء1.
230-
وقال محمد بن الحسن: "إن الفاسق إذا أخبر بحل أو حرمة فالسامع عليه أن يحكم رأيه فيه، لأن ذلك أمر خاص لا يستقيم طلبه وتلقيه من جهة العدول دائمًا، فوجب التحري في خبره، فأما هنا في رواية الحديث، فلا ضرورة في المصير إلى روايته، وفي العدول كثرة، وبهم غنية، إذ يمكن الوقوف على معرفة الحديث بالسماع منهم فلا حاجة إلى الاعتماد على خبر الفاسق"2.
ويرى محمد رحمه الله -مع هذا- أنه في باب الاحتياط يستحب العمل بخبر الفاسق، وإن لم يكن خبره حجة؛ مثله في ذلك مثل خبر الكافر، وإن كان الاستحباب هنا أقوى3.
الكذب والكذابون:
231-
وإذا كانت العدالة تراعى في الراوي، حتى لا يكذب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم -فإن الأئمة قد وقفوا طويلًا عند الكذابين يحذرون من رواياتهم ويبينون صور كذبهم وتحريفهم لحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول الإمام الشافعي، وذكر له حرام بن عثمان، فقال:"الحديث عن حرام بن عثمان حرام"، ويفسر ابن أبي حاتم قول الشافعي هذا -وهو الخبير بعلل الرواة-:"يعني أنه ليس بصدوق، فالتحديث عمن يكذب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم حرام"4
…
وذكر للشافعي أبو بكر البياضي، فقال:"بيض الله عيني من يروي عنه"، ويقول: ابن أبي حاتم أيضًا: يريد بذلك تغليظًا على من يكذب على رسول الله،
1 الكفاية ط مصر: ص 187، 188.
2 أصول البزدوي 3/ 740 - 741.
3 كشف الأسرار 3/ 744.
4 آداب الشافعي ص217، 218.
صلى الله عليه وسلم1، ويقول الشافعي أيضًا: إذا حدثت بالحديث، فيكون عندنا كذبًا، فأنت أحد الكاذبين في المأثم"2. ويبين أن آفة كذب الحديث، في الأغلب، إنما تأتي من الرواة الكذابين، فيقول: "ولا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المخبر وكذبه إلا في الخاص القليل من الحديث"3.
232-
صور الكذب:
1-
وهناك صور عديدة للكذب أشدها وأشنعها اختراع الأحاديث والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال الإمام أحمد وأبو بكر الحميدي والشافعي؛ رضوان الله عليهم: إن التائب من الكذب في حديث الناس وغيره من أسباب الفسق تقبل روايته، ولكن التائب من الكذب متعمدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تقبل روايته أبدًا، وإن حسنت توبته. ومما روي عن الشافعي في هذا: "كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب، وجدناه عليه، لم نعد لقبوله بتوبة تظهر4.
2-
وذكر عبد الله بن الزبير الحميدي "219 هـ"، أن من صور الكذب أن يحدث الرجل عن آخر أنه سمعه ولم يدركه؛ لأنه توفي مثلًا قبل أن يولد، أو قبل أن يكبر ويميز سماع الأحاديث، أو عن رجل أدركه، ثم لوحظ عليه أنه لم يسمع منه. يقول:"فإن قال قائل: فما الذي لا يقبل به حديث الرجل أبدًا؟ قلت: هو أن يحدث عن رجل أنه سمعه ولم يدركه، أو عن رجل أدركه، ثم وجد عليه أنه لم يسمع منه، أو بأمر يتبين عليه في ذلك كذب، فلا يجوز حديثه أبدًا، لما أدرك عليه من الكذب فيما حدث به"5.
1 آداب الشافعي ص217، 218.
2 مناقب الشافعي: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي "384 - 458هـ" تحقيق السيد أحمد صقر الطبعة الأولى 1391هـ - 1971م، دار التراث بالقاهرة 2/ 26.
3 الرسالة ص399.
4 مقدمة ابن الصلاح بشرح التقييد والإيضاح ص 150 - 151، تدريب الراوي 1/ 329.
5 الكفاية ط مصر: ص191.
ومما يستدل به على كذب الراوي في هذه الحالة معرفة تاريخ المروي عنه ومولد الراوي والأمكنة التي ارتحل إليها والتي لم يرتحل إليها. وقد قام الأئمة بذلك خير قيام، وتنبهو لذلك غاية التنبه، ومن الأمثلة على ذلك في القرن الثاني الهجري ما قاله عقير بن معدان، يكشف عن أحد الكذابين من هذا النوع: قدم علينا عمر بن موسى حمص، فاجتمعنا إليه في المسجد، فجعل يقول: حدثنا شيخكم الصالح، فلما أكثر قلت: من شيخنا هذا الصالح؟ سمه لنا نعرفه، فقال: خالد بن معدان. قلت له: في أي سنة لقيته؟. قال: لقيته في غزاة أرمينية، وقلت له: اتق الله يا شيخ، لا تكذب، مات خالد بن معدان سنة أربع ومائة، وأنت تزعم أنك لقيته بعد موته بأربع سنين!. وأزيدك أخرى: أنه لم يغز أرمينية قط، كان يغزو الروم ويوضح الإمام سفيان الثوري هذا الاتجاه بقوله:"لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ"، ويقول حفص بن غياث:"إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين"1.
3-
ومن صور الكذب أن يكثر الراوي من الروايات التي تخالف الأئمة المعروفين بالصدق والضبط، قيل لشعبة بن الحجاج: من الذي يترك حديثه؟. قال: إذا روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون، فأكثر ترك حديثه2، ويقول الإمام أحمد عن موسى بن عبيدة الربذي: لا يشتغل به، وذلك أنه يروي عن عبد الله بن دينار شيئًا لا يرويه الناس، لا تحل الرواية عندي عن موسى بن عبيدة3.
وقد يكون كل ما خالف فيه الراوي هو شيء من الإسناد، أما المتن فهو واحد من حيث المعنى، وذلك حتى يأخذوا بالحيطة، فالذي يغير في السند ويخالف فيه الثقات يمكنه أن يغير في المتن، ومن هذا ما يقوله يحيى بن سعيد القطان: كلمني السري بن إسماعيل مرة، فسمعته يقول: حدثنا عامر، قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
1 الكفاية ط مصر ص193.
2 المحدث الفاصل "المخطوطة" ص237. معرفة علوم الحديث ص63.
3 الجرح والتعديل مجلد 4 قسم 1 رقم 686.
يقول: "الخمر من خمسة" فتركته، ويفسر ابن أبي حاتم السبب في تركه له، فيقول:"ترك السري؛ لم يحمل عنه لإنكاره ما حدث به عن الشعبي؛ لأن الثقات يروون عن أبي حيان التميمي عن الشعبي عن ابن عمر عن عمر قوله: "إن الخمر نزل تحريمها يوم نزل وهي خمسة 1.
4-
ومن صور الكذب أن يحدث الراوي عن شيخ، ثم يسأل هذا الشيخ، فيروي خلاف ما روى هذا الراوي عنه، قال شعبة لأبي داود الطيالسي: " إيت جرير بن حازم، فقل له: لا يحل لك أن تروي عن الحسن بن عمارة، فإنه يكذب فسأل أبو داود: ما علامة كذبه؟. قال: روى عن الحكم أشياء لم نجد لها أصلًا
…
قلت للحكم: صلى النبي، صلى الله عليه وسلم، على قتلى أحد؟. لم يصل عليهم، وقال الحسن بن عمارة: حدثني الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي، صلى الله عليه وسلم، صلى عليهم ودفنهم.
وإذا كان الخلاف بين ما قاله الحكم، وما رواه الحسن بن عمارة عنه هو: هل صلى النبي، صلى الله عليه وسلم، على شهداء أحد أو لا، فإن هناك رواية أخرى تبين أن الاختلاف في شيء آخر، وهو هل غسل النبي، صلى الله عليه وسلم، شهداء أحد أو لا؟. تقول هذه الرواية: "هذا الحسن بن عمارة يحدث عن الحكم عن مقسم، عن ابن عباس، وعن الحكم بن يحيى الجزار، عن علي أن النبي، صلى الله عليه وسلم، صلى على قتلى أحد وغسلهم
…
وأنا سألت الحكم عن ذلك، فقال: يصلى عليهم ولا يغسلون. قلت: عمن؟ قال: بلغني عن الحسن البصري.
ويقول الرامهرمزي: إن هذه الرواية هي الأصح، لأن راويها أحفظ من راوي الرواية الأولى وأضبط2.
1 الجرح والتعديل مح 2 قسم 2 رقم 1216.
2 المحدث الفاصل: "المخطوطة" ص154 - 155، الجرح والتعديل مجلد 1 قسم 2 رقم 116.
والذي يهمنا هو ما تثبته هذه الرواية أو تلك، وهو أن الأئمة كانوا يستوثقون من صدق الراوي بسؤال من روى عنه، فإذا روى خلاف ما نقل عنه كان هذا علامة من علامات كذب هذا الراوي، وبالتالي ترك حديثه، كما أنهم بهذا يصونون روايات كل راو من أن يغير فيها، أو يزاد عليها.
وإذا لم يكن المروي عنه حيًّا فإنهم يلجئون إلى أصحابه القدامى الذين استوعبوا أحاديثه وحفظوها، فيسألونهم عما نسب إلى صاحبهم من أحاديث، يقول عبد الرحمن بن مهدي في أحد الرواة: أتيته أنا وبشر بن السري، فكلمناه في حديث مالك في التسليمة، فحدث عن مالك بإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم في التسليمة وعن فلان وفلان. فكتبت إلى إبراهيم بن حبيب المديني، وكان من أصحاب مالك العتق، فجاءني كتابه: إني سألت مالكًا، فلم يكن عنده فيه حديث إلا عن يحيى بن سعيد بن عبد الرحمن بن القاسم، عن عائشة، وأنكر ذا كله1.
5-
ومن صور الكذب أن يحدث الراوي بغير المعقول من الروايات فإن ذلك دليل على الوضع والكذب؛ لأن حديث الرسول صلى الله عليه
وسلم، منطقي ومعقول، وله ضوء كضوء النهار -كما يعبر بعض المحدثين- سئل الشافعي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فضعفه، وقال: إنه أتاه رجل فقال: أحدثك أبوك أن سفينة نوح طافت بالبيت سبعًا، وصلت خلف المقام ركعتين؟. فقال: نعم
…
ولا يقال: إن هذا حدث بهذا عن أبيه فتكون العهدة عليه؛ لأن أباه زيد بن أسلم ليس من الوضاعين والكذابين، ولكنه اخترع نسبة الحديث إلى أبيه، كما اخترع الحديث2.
6-
ومن صور الكذب نسبة الأحاديث التي غير رواتها، مما يدلنا على مقدار تشدد الأئمة في صدق الراوي وعدالته، ويقدم لنا الإمام أحمد بن حنبل صورة من هذا -فيما يرويه عنه ابنه عبد الله الذي يقول: سمعت أبي وذكر حبيبًا الذي يقرأ لهم على مالك بن أنس، فقال: "ليس بثقة، قدم
1 الجرح والتعديل مج4 قسم 1 رقم 1548.
2 آداب الشافعي ص229.
علينا رجل -أحسبه قال: من خراسان، كتب عن حبيب كتابًا عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن سالم والقاسم، وإذا هي أحاديث ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن القاسم وسالم.... فقال أبي: أحالها على ابن أخي ابن شهاب عن عمه، قال أبي: قال أبي: كان حبيب يحيل الحديث ويكذب، وأثنى عليه شرًّا وسوءًا".
وكانوا يسمون هذا النوع "قلبًا" يقول الإمام أحمد عن عباد بن جويرية: كذاب، أفاك، أتيته أنا وعلي -يعني ابن المديني وإبراهيم ابن عرعرة، فقلنا له: أخرج إلينا كتاب الأوزاعي، فإذا فيه مسائل أبي إسحاق الفزراي: سألت الأوزاعي، وإذا هو قد جعلها عن الزهري وقلبها، وقال: خصيف -هذا خصيف الكبير، فتركناه وكان كاذبًا2".
ومن هذا نستنتج أن الأئمة كانوا يعرفون مرويات كل محدث وأصلها حتى إذا أتى كذاب وزور أحاديث ونسبها إليهم كشفوا أمره، ولا شك أن هذا كان مسلك الوضاعين عندما يريدون أن يروجوا أحاديثهم، فيخترعوا لها الأسانيد الجيدة، حتى يعتقد، تبعًا لهذا، أن المتن جيد أيضًا.
7-
ومنها أن يسمع التلميذ من الشيخ بعض الأحاديث، فيغير من ألفاظها عند إملائها، يقول الإمام أحمد عن إبراهيم بن بشار الرمادي:"كان يحضر معنا عند سفيان، ثم يملي على الناس ما سمعوه من سفيان، وربما أملى عليهم ما لم يسمعوا من سفيان؛ كأنه يغير الألفاظ، فتكون زيادة ليست في الحديث، فقلت له: ألا تتقي الله! تملي عليهم ما لم يسمعوا، وذمه في ذلك ذمًّا شديدًا"3.
1 العلل ومعرفة الرجال: 1/ 229، 232.
2 المصدر السابق 1- 224 - الجرح والتعديل مج3 ق1 رقم 400 وانظر مثل هذا في مج3 ق1/ 589، وفي مج1 ق 1/ 891 كلام لابن معين في راو آخر يصنع الشيء نفسه.
3 الجرح والتعديل مج1 ق1/ 225.
ولعل هذا يعطينا مقدار عناية نقاد الحديث وحرصهم على أن ينقل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقلا جيدًا لا تحريف فيه ولا تبديل.
8-
ومنها أن يأخذ الراوي آراء أحد الأئمة المجتهدين -كأنه يريد أن تروج بين الناس- فينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيقول الإمام أحمد في إسحاق بن نجيح الملطي: "من أكلب الناس، يحدث عن النبي صلى الله علي وسلم، برأي أبي حنيفة1. ومعنى هذا أن الإمام أحمد عندما لا يكتفي بأن يقول عن هذا الراوي إنه كذاب ويبين أصل كذبه يبين الدافع الذي دفعه إلى الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الترويج لمذهب أبي حنيفة.
9-
ومنها أن يأخذ الراوي أحاديث الرواة، فينسبها لنفسه، ويسقط الرواة الذين حدثوه بها، يقول يحيى بن معين في مطرف بن مازن الكناني: قال لي هشام بن يوسف: جاءني مطرف بن مازن، فقال لي: أعطني حديث ابن جريج ومعمر حتى أسمعه منك، فأعطيته، فكتبها، ثم جعل يحدث بها عن معمر نفسه وعن ابن جريج، وأراد هشام أن يؤكد قوله ليحيى بن معين، فقال له: انظر في حديثه، فهل مثل حديثي سواء. قال ابن معين: فأمرت رجلًا فجاءني بأحاديث مطرف بن مازن، فعارضت بها، فإذا هي مثلها سواء، فعلمت أنه كذاب2.
10-
ومن صور الكذب أن يحدث الراوي عن الكاذبين، فيقع في حبالهم، وسمى هذا الإمام الشافعي "الكذب الخفي" كما سبق أن ذكرنا3.
11-
ومن صور الكذب أن يحدث الرجل بالأحاديث المنكرة، التي أنكرها العلماء ووضحت نكارتها، ويحكم على هذا الرجل بأنه غير صدوق،
1 المصدر السابق مج1 ق1/ 832.
2 المصدر السابق مج4 ق1/ 1452.
3 انظر ص134 من هذا البحث.
قيل ليحيى بن معين: "ما تقول في رجل حدث بأحاديث منكرة، فردها عليه أصحاب الحديث -إن هو رجع عنها، وقال: ظننتها، فأما إذا أنكرتموها ورددتموها علي فقد رجعت عنها، فقال: لا يكون صدوقًا أبدًا، إنما ذلك الرجل يشتبه له الحديث الشاذ والشيء، فيرجع عنه.... فأما الأحاديث المنكرة التي لا تشتبه لأحد فلا"1.
التدليس والمدلسون:
233-
والتدليس قد يكون نوعًا من أنواع الكذب وتنتفي به عدالة الراوي، وذلك إذا كان متعمدًا، ويخفي به الراوي ضعفًا في أحد الرواة ليروج به الأحاديث الضعيفة، ويتحقق ذلك بإسقاط الراوي الضعيف أو إخفاء اسمه المشهور به بكنية غير معروفة.
234-
فهناك نوعان من المدلسين:
1-
عدل ربما أرسل حديثه بعبارة تحتمل السماع، وربما أسنده وربما حدث به على سبيل المذاكرة أو الفتيا أو المناظرة، فلم يذكر له سندًا، وربما اقتصر على ذكر بعض رواته دون بعض، فهذا لايضره، ولا يضر سائر مروياته؛ لأن هذا ليس جرحًا ولا غفلة، ولو طلب منه أن يسند لأسند، ولو كان في مجلس التحديث فإنه يسند أحاديثه، عن عبد الرزاق قال: كان معمر يرسل لنا أحاديث، فلما قدم عليه ابن المبارك أسندها له".
235-
وقد فعل هذا النوع كثير من أئمة الحديث: كالحسن البصري، وأبي إسحاق السبيعي، وقتادة بن دعامة السدوسي، وعمرو بن دينار، وسليمان بن مهران الأعمش، وأبي الزبير، وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وقد أدخل الدراقطني فيهم مالك. ويقول ابن عبد البر: إنه لم يكن يسلم من
1 الكفاية ط مصر: ص192.
التدليس على هذا النحو أحد من العلماء إلا شعبة بن الحجاج ويحيى بن سعيد القطان1.
236-
والحق أن هذا نوع من التدليس في بادئ الأمر، ولكن هؤلاء الحفاظ عند ما يسندون ما أرسلوه، خرجوا من دائرة التدليس إلى دائرة الإرسال، ومن دائرة الإبهام إلى دائرة التوضيح.
237-
ومثال ذلك ما يرويه علي بن خشرم قال: كنا عند سفيان بن عيينة، فقال:"قال الزهري كذا"، فقيل له: أسمعت منه هذا!؟ قال: "حدثني عبد الرزاق عن معمر عنه" كما روي بالعنعنة عن عمرو بن دينار، ثم تبين حين سئل: أن بينهما علي بن المديني، عن أبي عاصم عن ابن جريح وكذا قيل في حميد الطويل؛ إنه لم يسمع من أنس، وجل حديثه إنما هو عن ثابت عنه، ولكنه يدلسه
…
ومن أمثلته أيضًا ما رواه هشيم عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن الزهري، عن عبد الله بن الحنفية عن أبيه هو محمد ابن الحنفية عن علي في تحريم لحوم الحمر الأهلية، فقد قالوا: إن يحيى لم يسمعه من الزهري، وإنما سمعه من غيره، إنما أخذه عن مالك عنه، ولكن هشيمًا قد سوى الإسناد، كما جزم به ابن عبد البر وغيره2.
238-
وتدليس هؤلاء مقبول إذا صرحوا بالتحديث، وأثبتوا ما أبهموه من الوسائط. وعند الحنفية يقبل ما دلسوه حتى ولو لم يصرحوا أو يثبتوا، وهذا خاص بأهل القرون الثلاثة؛ لأنهم يقبلون مراسيلهم كما سنرى -إن شاء الله تعالى، وذلك لأن أهل هذه القرون، الصحابة والتابعين وتابعيهم لا يفعلون ذلك خداعًا أو تغريرًا، وما كانوا ليجزموا بنسبة قول أو فعل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، إلا وهم عالمون أو ظانون أن النبي، صلى الله
1 الإحكام لابن حزم 1/ 125، 126- فتح المغيث، شرح ألفية الحديث: شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي "902هـ" المكتبة السلفية بالمدينة المنورة الطبعة الثالثة 1388هـ - 1968م 10/ 171.
2 فتح المغيث 1/ 173 - 175 و183.
عليه وسلم، قال ذلك أو فعله، وذلك يستلزم تعديل من لم يسموه من الوسائط1.
239-
وقد قام الأئمة بجهد محمود في رواية أحاديث هؤلاء موصولة، وبيان أنها مسندة وإن دلسوها وأرسلوها، وممن قام بذلك شعبة بن الحجاج، الذي فعل ذلك في أحاديث أئمة كبار مثل الأعمش والسبيعي وقتادة2.
2-
ونوع آخر من المدلسين، وهم الكذابون، غير العدول، هؤلاء الذين يسقطون من لا خير فيهم من أسانيدهم عمدًا حتى لا يكون في السند إلا الأقوياء، وهم يفعلون ذلك تلبيسًا على من يحدثون. وتغريرًا بمن يأخذون عنهم وسترًا لأسانيدهم وأحاديثهم الضعيفة.
240-
وقد حدد الإمام الشافعي، رضي الله عنه بدء هذا النوع بالقرن الثاني الهجري، وعلى عهده، حيث لم يعرف قبل ذلك، يقول: "ولم نعرف بالتدليس ببلدنا، فيمن مضى، ولا من أدركنا من أصحابنا إلا حديثًا
…
فإن منهم من قبله عمن لو تركه عليه كان خيرًا له، وكان قول الرجل:"سمعت فلانًا يقول: عن فلان وقوله: "حدثني فلان عن فلان" سواء عندهم، لا يحدث واحد منهم عمن لقي إلا ما سمع منه، ممن عناه بهذه الطريق، قبلنا منه "حدثني فلان عن فلان"3. فالعنعنة هنا في نظر الإمام الشافعي تساوي السماع، ولا تدل إلا عليه.
241-
وهذا النوع من المدلسين ساقط العدالة غاش لأهل الإسلام باستجازته ذلك، وحذر منه الأئمة، ورفضوا روايات أصحابه ورفضوهم أيضًا. وكان أشدهم إنكارًا له في القرن الثاني الهجري شعبة بن الحجاج، فقد روي
1 قفو الأثر في صفو علوم الأثر، في المصطلح على مذهب السادة الحنفية: محمد بن إبراهيم الربعي الحلبي الحنفي التاذفي. الطبعة الأولى 1326هـ. مطبعة السعادة بمصر ص16.
2 معرفة السنن والآثار 1/ 65.
3 الرسالة ص: 378، 379.
عنه قوله: "التدليس أخو الكذب"، وقوله: "لأن أزني أحب إلي من أن أدلس
…
ولأن أسقط من السماء أحب إلي من أن أدلس"1 وكان الشافعي يتوقف فيمن عرف بالتدليس على هذا النحو، ولو مرة واحدة، فلا يعتبر صاحبه في دائرة أهل الصدق، يقول: "ومن عرفناه دلس مرة واحدة فقد أبان لنا عورته في روايته،
وليست تلك العورة بالكذب، فنرد بها حديثه ولا النصيحة في الصدق فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق، فقلنا لا نقبل من مدلس حديثًا حتى يقول فيه "حدثني"2.
وذمه أيضًا أبو الوليد الطيالسي، الذي قال عبارة شبيهة بما قال شعبة، قال:"لأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أقول: زعم فلان، ولم أسمع ذلك الحديث منه". وابن المبارك الذي قال: إن الله لا يقبل التدليس، وسليمان بن داود المنقري "234هـ" الذي قال: والتدليس والغش والغرور والخداع والكذب تحشر يوم تبلى السرائر في نفار واحد "أي طريق واحد".
وحماد بن زيد الذي قال: "هو متشبع بما لم يعط"، ونحوه قول أبي عاصم:"أقل حالاته عندي أنه داخل في حديث المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور"، وقال وكيع بن الجراح منكرًا التدليس:"الثوب لا يحل تدليسه فكيف الحديث!. وقال يعقوب بن أبي شيبة: وكرهه جماعة من المحدثين، وممن أطلق على فاعله الكذب أبو أسامة "201هـ"3.
242-
وإنما أنكروا هذا الإنكار الشديد على التدليس والمدلسين؛ لأنه باب لو فتح لأدخل منه الكذابون الأحاديث الموضوعة، ونسبوها إلى المحدثين العدول بعبارات توهم سماعهم لها منهم، كما أنه -كما قلنا- يلبس الأحاديث الضعيفة ثوب الأحاديث الصحيحة حينما يسقط المدلس من أسانيده الضعفاء فتبدو صحيحة الإسناد وليست كذلك. وفي هذا من الخطورة ما فيه؛ إذ يختلط الحابل بالنابل، ولا يدري الصحيح من غير الصحيح.. ومن خطوروته أيضًا أنه يظلم الثقات من الرواة ويضعفهم؛ إذ يسند المدلس إليهم أنهم
1 فتح المغيث 1/ 177.
2 الرسالة ص379 - 380.
3 فتح المغيث 1/ 178.
يروون عن الثقات الأحاديث الضعيفة، وممن نبه إلى ذلك صنيع الوليد بن مسلم "194هـ"، فقد كان يحذف شيوخ الأوزاعي الضعفاء، ولا يذكر من إسناده إلا الثقات، فسئل عن ذلك؟ فأجاب بأن الأوزاعي أسمى من أن يروي عن مثل هؤلاء ولذلك أسقط الضعفاء، فقيل له: فإذا روي عن هؤلاء، وهم ضعفاء، أحاديث مناكير، أسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات ضعف الأوزاعي1.
أصحاب الأهواء:
243-
وكما وقف النقاد طويلًا أمام الكذابين يكشفون أمرهم ويبينون صورهم وأساليهم، وقفوا طويلًا أيضًا أمام أصحاب المذاهب التي خرجت على السنة والجماعة، من خوارج وشيعة ورافضة وقدرية وجبرية ومرجئة.
244-
وقد أطلق أهل السنة والجماعة على هذه الفرق اسم "أهل الأهواء"؛ لأنهم اتبعوا أهواءهم، أو أهل البدع؛ لأنهم أحدثوا في الدين بعض الأمور التي لم تكن في عهده، صلى الله عليه وسلم، أو التي لم تؤثر عنه وعن أصحابه، رضوان الله عليهم أجمعين 2.
245-
وقد سبق أن ذكرنا أن فرقًا من هؤلاء اعتبرهم النقاد من الكفار وإن كان كفرهم بالتأويل فعاملوهم معاملة الكفار المعاندين3.
246-
أما الفرق الأخرى التي لم تخرج عن المبادئ الإسلامية الأساسية، كالخوارج والشيعة المعتدلين الذين لم يصلوا في تشيعهم إلى درجة تقديس علي كرم الله وجهه، وسب غيره من الصحابة الأبرار كأبي بكر وعمر وعائشة -رضوان الله عليهم- أما هؤلاء فقد اختلف نقاد الحديث في صحة السماع منهم وصحة رواياتهم.
1 علوم الحديث ومصطلحه د. صبحي الصالح. الطبعة الخامسة. دار العلم للملايين بيروت ص173.
2 نشأة علوم الحديث ص42 وانظر تعريفًا لهذه الفرق جميعًا في كتاب التنبيه والرد لأبي الحسين الملطي، وسنرى من خلال كلام أئمة الحديث شيئًا من معتقداتهم وأقوالهم.
3 انظر ص: 125، 126 من هذا البحث.
247-
ولا يهمنا هنا أن نقوِّم عقائد هذه الفرق وتطورها، وهل بعضها زاغ فعلًا أو عنده نوع من الفهم المعقول، وإن كان مخالفًا لما عليه الجماعة
…
وإنما الذي يهمنا هو نظرة أئمة الحديث والفقه من أهل السنة إلى هؤلاء، وأثر هذه النظرة في قبولهم لرواياتهم أو رفضهم لها.
فذهب فريق منهم إلى عدم قبول رواياتهم؛ لأنهم من الفسقة غير العدول فالخارج على الجماعة في العقيدة، مثل هؤلاء؛ كالخارج عليها في ارتكاب ما حرم الله. وهو ينظر إلى أهل السنة نظرة عداء تجعله يبيح الكذب من أجل نصرة ما ذهب إليه، وتسفيه رأي الجماعة. وقد رأى النقاد أن هذا قد حدث فعلًا، فقد سمع ابن لهيعة المحدث المصري رجلًا من أهل البدع رجع عن بدعته، يقول: انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه، فإنا كنا إذا رأينا رأيًا جعلناه حديث".
وفي رواية: أنه سمع شيخًا من الخوارج وهو يقول: إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمرًا صيرناه حديثًا1. ورأى شعبة بن الحجاج صحيفة من صحف هؤلاء الذين وضعوها لنصرة مذهبهم فرفضها، يقول مبينًا هذا: "كنت أتلقى الركبان أسأل عن أبي هارون العبدي، فقدم، فرأيت عنده كتابًا فيه أشياء منكرة في علي رضي الله عنه، فقلت: ما هذا الكتاب؟. قال: هذا كتاب حق2. وفي رواية: أتيت أبا هارون، فقلت له: أخرج إلي ما سمعت من أبي سعيد، فأخرج إلي كتابًا، فإذا فيه: "حدثنا أبو سعيد أن عثمان أدخل حفرته، وإنه لكافر بالله" فدفعت الكتاب في يده وقمت، وقال ابن معين: "كانت عند أبي هارون صحيفة، يقول: هذه صحيفة الوصى"3.
248-
ويبين زائدة بن قدامة الثقفي "161هـ" السبب في عدم قبول رواية أصحاب المذاهب المخالفة لرأي أهل السنة والجماعة، وعدم تحديثهم بأنه يخاف أن يكون العلم عندهم، فيصيروا أئمة يحتاج إليهم، فيبدلوا كيف
1 الكفاية: الطبعة المصرية: ص198 - المحدث الفاصل "المخطوطة"242.
2 تقدمة المعرفة: ص 149.
3 ميزان الاعتدال؛ 3/ 174.
شاءوا. وربما كان هذا هو السبب في عدم كتابة سفيان الثوري عن مرجئ مباشرة، وإنما كتب عن رجل عنه، وعلل ذلك بأنه مرجئ1.
249-
وجاءت روايات كثيرة في القرن الثاني يرفض فيها بعض الأئمة الذين يقولون بهذا الرأي رواة لأنهم على مذهب من هذه المذاهب، ومن أهل الأهواء والبدع كما يعبرون، فقد قيل لسفيان بن عيينة: لم أقللت الرواية عن سعيد بن أبي عروبة؟. قال: وكيف لا أقل الرواية عنه، وسمعته يقول: هو رأيي ورأي الحسن -يعني ابن دينار2- وكان الحسن ابن دينار يرى رأي القدرية، كما يقول ابن المبارك3. وكان يقول لأصحابه وتلاميذه:"ألا فاحذروا ابن أبي رواد المرجئ لا تجالسوه، واحذروا إبراهيم بن أبي يحيى القدري لا تجالسوه"4. وروى عن مالك بن أنس قوله: "لا يصلى خلف القدرية ولا يحمل عنهم الحديث"، وترك أبو بكر بن عياش "187هـ"، الرواية عن فطر بن خليفة لمذهبه، وكان فطر شيعيًّا، وقال أبو بكر: ما تركت الرواية عنه إلا لسوء مذهبه5. وقال الحميدي: كان بشر بن السري جهميًّا.
250-
وكان هذا الرأي امتدادًا لما كان موجودًا قبل ذلك ويعبر عنه ابن سيرين حينما تكلم عن السبب في التمسك بالإسناد، يقول:"كان في زمن الأول، الناس لا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة، فلما وقعت الفتنة سألوا عن الإسناد، ليحدث حديث أهل السنة ويترك حديث أهل البدعة" وفي رواية: "كانوا لا يسألون عن الإسناد حتى كان بآخرة، فكانوا يسألون عن الإسناد لينظروا من كان صاحب سنة كتبوا عنه، ومن لم يكن صاحب سنة لم يكتبوا عنه"6.
1 تقدمة المعرفة ص80 - 81 - المحدث الفاصل "المخطوطة" ص386.
2 الكفاية هـ ص123 - 124.
3 ميزان الاعتدال 1/ 489.
4 معرفة علوم الحديث ص136.
5 ميزان الاعتدال 3/ 364.
6 الكفاية "الطبعة المصرية" ص197.
251-
وذهب فريق آخر -على رأسه الإمام الشافعي- إلى قبول رواية أصحاب هذه المذاهب إلا الذين يستحلون منهم الكذب، والشهادة لمن وافقهم بما ليس عندهم فيه شهادة؛ يقول الإمام الشافعي:"وتقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم"1. ويقول: "لم أر أحدًا من أهل الأهواء أشهد بالزور من الرافضة"، وهذا هو مذهب أبي يوسف الذي يقول: "أجيز شهادة أهل الأهواء؛ أهل الصدق منهم إلا الخطابية والقدرية الذين يقولون: "إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون". كما يحكى أن ابن أبي ليلى وسفيان الثوري يذهبان إلى هذا الرأي. ويحكي إبراهيم النخعي كيف يستحل هؤلاء الشهادة على ما لا يشهدونه فيقول: إذا كان لك على رجل ألف درهم، ثم جئت إلي، فقلت: إن لي على فلان ألف درهم، وأنا لا أعرف فلانًا، فأقول لك: وحق الإمام: إنه هكذا، فإذا حلفت ذهبت فشهدت لك، هؤلاء الخطابية.
352-
وذهب أبو حنيفة رحمه الله تعالى إلى هذا الرأي تقريبًا، إذ أنه يجيز رواية أصحاب المذاهب إلا الشيعة الذين غلوا، فحكموا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالضلال؛ فقد سأله سائل: ممن تأمرني أن أسمع الآثار؟. فقال من كل عدل في هواه إلا الشيعة؛ فإن أصل عقدهم تضليل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أتى السلطان طائعًا"2.
253-
وقد رأى أصحاب هذا الرأي أن أصحاب المذاهب ليسوا كالفاسقين الذين يتوقف في رواياتهم، كما يقول أصحاب الرأي الأول فالفاسق المتعمد أوقع الفسق مجانة، ويعلم أنه بارتكاب المحرمات يخالف
1 الكفاية "الطبعة المصرية" ص194، 195: وقال أبو الحسين الملطي عن الخطابية: هم يزعمون أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما الجبت والطاغوت، وكذلك الخمر والميسر عليهم لعنة الله، وقد فسروا في كتاب الله أشياء كثيرة ما يشبه هذا. "التنبيه والرد ص162" وهم أتباع أبي الخطاب الأسدي يقولون: إن الإمامة كانت في أولاد علي، وكانوا يبيحون شهادة الزور لموافقيهم "نشأة علوم الحديث ومصادره ص44".
2 الكفاية ص202- 203. "م".
أمر الله تعالى ويعصيه، وأنه بهذا يذهب عنه خلق التقوى، فلا يستبعد أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما هؤلاء فقد اعتقدوا ما اعتقدوه ديانة. وأن ما هم عليه هو العقيدة الصحيحة فلم تنتف عنهم الخشية والخوف من الله وتقواه التي تعصم المرء من الوقوع في الكذب1.
254-
والحقيقة أن عقيدة بعضهم تحمله على الاحتراز عن الكذب أشد الاحتراز لا على الإقدام عليه، مثل الاعتقاد بكفر من ارتكب الذنب أو الخروج من الإيمان به، "فكان هذا الفسق نظير تناول متروك التسمية عمدًا، أو شرب المثلث على اعتقاد الإباحة، فلا يصير به مردود الشهادة"2 ومن احترز عن الكذب على غير الرسول كان أشد تحرزًا من الكذب عليه؛ لأنه أعظم جناية، فتقبل روايته، كما تقبل شهادته. وهذا ما شوهد على كثير منهم من تحري الصدق في روايتهم، مما جعل كثيرًا من الصحابة والتابعين يأخذون برواياتهم.
255-
ويبين الخطيب البغدادي حجة من يجوز الرواية عن أصحاب المذاهب وقبولها بقوله: "والذي يعتمد عليه في تجويز الاحتجاج بأخبارهم "ما" اشتهر من قبول الصحابة أخبار الخوارج وشهاداتهم، ومن جرى مجراهم من الفساق بالتأويل، ثم استمرار عمل التابعين والخالفين بعدهم على ذلك؛ لما رأوا من تحريهم الصدق وتعظيمهم الكذب، وحفظهم أنفسهم عن المحظورات من الأفعال، وإنكارهم على أهل الريب والطرائق المذمومة، ورواياتهم الأحاديث التي تخالف آراءهم، ويتعلق بها مخالفوهم في الاحتجاج عليهم، فاحتجوا برواية عمران بن حطان، وهو من الخوارج وعمرو بن دينار، وكان ممن يذهب إلى القدر والتشيع، وكان عكرمة إباضيًّا، وابن أبي نجيح كان معتزليًّا، وعبد الوارث بن سعيد، وشبل بن عباد، وسيف بن سليمان، وهشام الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة، وسلام بن مسكين، وكانوا قدرية، وعلقمة بن مرثد، وعمرو بن مرة، ومسعر بن كدام، وكانوا مرجئة، وعبيد الله بن موسى، وخالد بن مخلد، وعبد الرزاق بن
1 الكفاية ص200 "م".
2 كشف الأسرار 2/ 746.
همام، وكانوا يذهبون إلى التشيع في خلق يتسع ذكرهم -دون أهل العلم رواياتهم، واحتجوا بأخبارهم، فصار ذلك كالإجماع منهم"1.
256-
ويبدو أن الأحاديث التي نقلها أصحاب المذاهب هؤلاء كانت كثرة، وبتركهم من أجل مذاهبهم ترك كل هذه الكثرة من الأحاديث وهذا هو ما عبر عنه علي بن المديني بقوله:"لو تركت أهل البصرة لحال القدر، ولو تركت أهل الكوفة لذلك الرأي -يعني التشيع- خربت الكتب يعني لذهب الحديث".
وقيل ليحيى بن سعيد: إن عبد الرحمن بن مهدي قال: أنا أترك من أهل الحديث كل من كان رأسًا في البدعة، فضحك يحيى بن سعيد، وقال: كيف يصنع بقتادة "وقد رمي بالقدر"؟. كيف يصنع بعمر بن ذر الهمداني "وكان رأسًا في الإرجاء"؟!. كيف يصنع بابن أبي رواد
…
وعد يحيى قومًا
…
ثم قال: إن ترك عبد الرحمن هذا الضرب ترك كثيرًا2.
257-
وذهب فريق ثالث إلى رأي وسط بين هؤلاء وهؤلاء، وهو عدم قبول رواية الدعاة منهم إلى مذاهبهم، وقبول رواية غيرهم، وذلك لأن الدعاة هم الذين يخشى منهم الكذب في الرواية لتوافق ما يدعون إليه. ولأن الدعوة إلى المذهب تحمل في حقيقتها تعصبًا له وبغضًا لما يخالفه من المذاهب، وقد تجر هذه العصبية وذلك البغض إلى التحريف في الأحاديث بما يوافق مذاهبهم.
أما غير الدعاة فليست عندهم تلك العصبية التي تدفعهم إلى الكذب أو التحريف في الرواية، يقول الخطيب البغدادي:"إنما منعوا أن يكتب عن الدعاة خوفًا من أن تحملهم الدعوة إلى البدعة والترغيب فيها على وضع ما يحسنها"3، ويقول صاحب كشف الأسرار فيه: "إن هذا هو مذهب عامة أهل الفقه والحديث4.
258-
وممن يذهب إلى هذا الرأي الإمام أحمد بن حنبل، فقد قيل له:
1 الكفاية "الطبعة المصرية" ص201.
2 المصدر السابق ص206.
3 الكفاية ص 205.
4 3/ 246.
"أيكتب عن المرجئ والقدري؟. قال: نعم، يكتب عنه إذا لم يكن داعيًا"، وقيل له مرة أخرى: يكتب عن القدري؟ قال: إذا لم يكن داعيًا: وقيل له: يا أبا عبد الله، سمعت عن أبي قطن القدري؟. قال: لم أره داعية، ولو كان داعية لم أسمع منه. وممن يذهب إلى ذلك أيضًا عبد الله ابن المبارك، فقد قيل له: سمعت من عمرو بن عبيد، فقال بيده هكذا، أي: كثرة، فقيل له: لِمَ لا تسمه، وأنت تسمي غيره من القدرية؟ قال: لأن هذا كان رأسًا. وقيل له مرة أخرى: تركت عمرو بن عبيد، وتحدث عن هشام الدستوائي، وسعيد، وفلان، وهم كانوا في عداده؟ قال: إن عمرًا كان يدعو. ويذهب إلى هذا أيضًا يحيى بن معين الذي قال: "ما كتبت عن عباد بن صهيب، وقد سمع عباد من أبي بكر بن نافع، وأبو بكر بن نافع قديم، يروي عنه مالك بن أنس"، فقيل له: هكذا تقول في كل داعية لا يكتب حديثه؛ إن كان قدريًّا أو رافضيًّا أو كان غير ذلك من أهل الأهواء ممن هو داعية؟ قال: لا نكتب عنهم إلا أن يكونوا ممن يظن بهم ذلك، ولا يدعو إليه، كهشام الدستوائي وغيره ممن يرى القدر ولا يدعو إليه. وقال عبد الرحمن بن مهدي مبينًا هذا الاتجاه: من رأى رأيًّا ولم يدع إليه احتمل، ومن رأى رأيًا ودعا إليه فقد استحق الترك1 وقد سبق قول الإمام مالك في في أن صاحب الهوى الذي يدعو الناس إلى هواه يترك حديثه2، كما أنه يترك الأحاديث التي يحتج بها أهل البدع زيادة في الحيطة والحذر3.
259-
هذا وقد عد قوم أهل الحديث مدرسة الرأي بالعراق مبتدعة، فلم يأخذوا برواياتهم، يقول معاذ بن معاذ: كنت عند سوار بن عبد الله، فجاء الغلام، فقال: زفر بالباب، فقال: زفر الرائي؟
…
لا تأذن له، فإنه مبتدع، وقيل ليزيد بن هارون: ما تقول في الحسن بن زياد اللؤلؤي؟. فقال: أو مسلم هو4؟!.
1 الكفاية هـ: ص126، 128.
2 انظر ص134 من هذا البحث.
3 ترتيب المدارك 1/ 150.
4 معرفة علوم الحديث ص 137/ 139
والحق أن مدرسة الرأي -على الرغم من هذا الظلم الذي وقع عليها لم تقابل -فيما أعلم- هذا العدوان بالمثل، وكانت في أصحابها سماحة نأت بهم عن أن يضربوا على الوتر الذي ضرب عليه خصومهم.
260-
وأخيرًا فقد رأى أبو حنيفة رحمه الله ألا يؤخذ الحديث ممن يغشى مجلس السلطان مختارًا، ويرى في هذا مثلما لعدالته. وربما كانت ظروف عصر أبي حنيفة هي التي جعلته يتخذ هذا الموقف، فالخلافة وعمالها في هذه الأثناء، لا تتمسك تمسكًا دقيقًا بتكاليف الشرع، وكان اتصال المحدث -مناط القدوة- بهم -في رأيه- دليلًا في نظر العامة على أنه راض بسلوكهم ولا يرجعون عما هم سائرون فيه، يقول الإمام في جوابه لمن سأله: عمن يأخذ الآثار -يقول: من كل عدل في هواه إلا الشيعة
…
ومن أتى السلطان طائعًا
…
أما إني لا أقول إنهم يكذبونهم، أو يأمرونهم بما لا ينبغي ولكن وطأوا لهم، حتى انقادت العامة بهم، فهذان لا ينبغي أن يكونا من أئمة المسلمين"1.
المجهول وحكم روايته:
261-
وإذا كنا قد عرفنا العدول من الرواة وحكم رواياتهم، وحكم روايات غير العدول، من الفاسقين والسفهاء والكذابين وأصحاب المذاهب الخارجة على مذهب أهل السنة والجماعة
…
إذا كنا قد عرفنا ذلك فما حكم مجهول العدالة؟.
المجهولون على أنواع:
262-
1- فمنهم مجهولو العدالة ظاهرًا وباطنًا.
2-
ومنهم مجهولو العدالة باطنًا فقط وهم المستورون
…
وهذا النوع في الحقيقة ليس مجهولًا إلا على رأي الجمهور الذي يشترط في العدالة أن
1 الكفاية هـ ص 126.
تتحقق في الظاهر والباطن
…
أما على رأي أبي حنيفة وأهل العراق فيعتبرون الراوي -من هذا النوع- من العدول؛ لأن العدالة عندهم هي ظهور الإسلام والسلامة من الفسق ظاهرًا.1
3-
ونوع الثالث: وهو مجهول العين، وهو كل من لا يعرفه العلماء2.
1-
مجهول العدالة ظاهرًا وباطنًا:
263-
أما هذا النوع فلا تقبل روايته عند الجمهور من العلماء؛ لأنه بجهالته هذه لا يعرف إن كان عدلًا أو غير عدل، فلا يترجح جانب الصدق في خبره، وهو ما اشترطت العدالة من أجله.
264-
وعلى رأس من ذهب إلى ذلك في القرن الثاني الهجري الإمام الشافعي رضي الله عنه3، يقول: فإن جهل منهم واحد وقف عن روايته حتى يعرف بما وصفت "من العدالة"، فيقتل خبره أو بخلافه فيرد خبره، كما يقف الحاكم عمن شهد عنده حتى يتبين عدله فيقبل شهادته، أو جرحه فيرد شهادته4.
265-
ولهذا قال في حديث عبد العزيز بن عمر، عن ابن موهب، عن تميم الداري أن رجلًا أسلم على يدي رجل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أنت أحق الناس بحياته وموته" - قال: إنه لا يثبت، لأن ابن موهب مجهول5.
266-
وقد ذهب بعض الناس إلى أن من باع سلعة من السلع إلى أجل
1 الإحكام للآمدي 2/ 70 وفي ص 71 و72 مناقشة لهذا الرأي.
2 قواعد في علوم الحديث ظفر أحمد العثماني التهانوي. تحقيق عبد الفتاح أبو غدة -مكتب المطبوعات الإسلامية- حلب. بيروت. الطبعة الثالثة 1392هـ - 1972م ص 204.
3 كشف الأسرار 2/ 720.
3 مناقب الشافعي 2/ 27.
4 المصدر السابق 2/ 13.
من الآجال، وقبضها المشتري لا يجوز له أن يشتريها بأقل من الثمن، واحتج بحديث أبي إسحاق عن امرأته عالية بنت أنفع دخلت مع امرأة أبي السفر على عائشة، فذكرت لعائشة أن زيد بن أرقم باع شيئًا إلى العطاء، ثم اشتراه بأقل مما باعه، فقالت عائشة: أخبري زيد بن أرقم أن الله قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب1.
267-
ولم يأخذ الشافعي بهذا الحديث؛ لأنه لا يقبل الحديث عن مجهول، ولهذا فقد رد على هؤلاء بأن امرأة أبي إسحاق هذه مجهولة، لا نعرف عنها شيئًا غير أن زوجها روى عنها، ولهذا رأى أن من باع سلعة من السلع إلى أجل من الآجال، وقبضها المشتري، فلا بأس أن يبيعها الذي اشتراه بأقل من الثمن، أو أكثر، أو دين، أو نقد؛ لأنها بيعة غير البيعة الأولى2.
268-
وقال بعض الناس: تقبل روايته، وهو يبني رأيه على أساس أنه يكفي في الراوي أن يكون مسلمًا، ويحتج بقوله صلى الله عليه وسلم:"المسلمون عدول بعضهم على بعض"، فهذا من الشرع تعديل لكل مسلم وتعديل صاحب الشرع أولى من تعديل المزكي"3.
269-
ويرى الحنفية أن خبر المجهول في القرون الثلاثة الأولى حجة؛ لأنه عدل بتعديل صاحب الشرع إياه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"4. هذا ما لم يتبين منه ما يزيل عدالته، وخبر من بعد القرون الثلاثة عندهم غير حجة؛ لغلبة الفسق5.
270-
والحق أن هذا يكاد يكون نفس الرأي الذي لا يشترط إلا
1 الإجابة ص137 - 139 وفيه كلام مفيد آخر حول هذا الحديث.
2 مناقب الشافعي 2/ 14، 15.
3 كشف الأسرار 3/ 740.
4 قواعد في علوم الحديث ص208 - 209. وقد روى الحديث الشيخان: البخاري في كتاب الشهادات ومسلم في فضائل الصحابة، وانظر مجمع الزوائد 10/ 18، 21.
5 المصدر السابق نفسه.
الإسلام فقط؛ لأن القرون الثلاثة الأولى هي التي كان عليها مدار نقل الحديث، وروايتها هي التي كانت لها الآثار في الفقه واستنباط الأحكام، وتدوين المصنفات كان في القرن الثاني الهجري، فلم يكن هناك -في واقع الأمر- حاجة إلى غير أهل هذه القرون، حتى نقول: إنه مجهول فنرفض روايته أو عدل فنقبلها.
المستور:
271-
أما النوع الثاني، وهو المستور المعروف العدالة ظاهرًا فقط، فمذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وأكثر أهل العلم أنه غير مقبول الرواية؛ إذ لا بد من خبرة باطنة بحاله، ليترجح جانب الصدق في خبره؛ ولأنه إذا كانت العدالة مشروطة في الراوي فلا يكتفى بوجودها ظاهرًا، بل لا بد أن يكون الراوي معروفًا بها ظاهرًا وباطنًا، وهذا هو رأي محمد بن الحسن أيضًا، فقد ذكر في كتاب الاستحسان أن خبره مثل خبر الفاسق.
272-
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه بمنزلة في رواية الأخبار؛ لثبوت العدالة له ظاهرًا، بل هو على رأي أبي حنيفة هو عدل بظهور الإسلام والسلامة من الفسق1 كما سبق أن عرفنا.
273-
وعلى كل حال فالأحناف متفقون على أن رواية أهل القرون الثلاثة الأولى مقبولة إذا كان فيها مجهول الظاهر والباطن، فكذلك تكون من المستور من باب أولى؛ لأنه يزيد بظهور العدالة عليه2. وإذا كنا قد رأينا ذلك الخوف بين أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى فعلى ما بعد هذه القرون3.
مجهول العين:
274-
أما النوع الثالث فقد اختلف العلماء في تحديده، وفي حكم روايته
1، 2 كشف الأسرار 3/ 740 -مسلم الثبوت 2/ 108- وانظر مناقشة أبي حنيفة في رأيه في حاشية الأزميري على شرح مختصر ملا خسرو المسمى مرآة الأصول في شرح مرقاة الوصول -طبعة بولاق 1262هـ الطبعة الثانية 2/ 210.
3 قفو الأثر ص 15.
فمدار جهالة العين ومعرفتها عند المحدثين على الرواة عنه، فمن روى عنه واحد فقط هو مجهول العين عندهم، ومن روى عنه عدلان صار معروفًا وارتفعت جهالة عينه1.
275-
والذي يقرأ في "كتاب العلل"، لعلي بن المديني "187هـ" يجده قد اهتم بإيراد الأمثلة الكثيرة لهذا النوع، وتجتزئ بعض هذه الأمثلة:
1-
يقول: حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث"، رواه ابن أبي حبيب عن شيخ لا أعلم روى عنه أحد غيره عن أبي عبيد.
2-
وحديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "تصدقن يا معشر النساء
…
" رواه منصور والحكم والأعمش عن ذر بن عبد الله الهمداني، عن وائل بن مهانة، ولا نعلم أحدًا روى عن وائل بن مهانة إلا ذر.
3-
وحديث سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من يرد هوان قريش يهنه الله"
…
هذا حديث مدني، في إسناده رجلان، لا أعلم روى عنهما شيء من العلم، حدثناه يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن محمد بن أبي سفيان عن محمد بن سعد ابن أبي وقاص، عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من يهن قريشًا يهنه الله"، فترك يعقوب بن إبراهيم أحد الرجلين اللذين وصفنا أنه لا يروي عنهما، سمى محمد بن سفيان وترك الآخر.
وعن محمد بن سعد، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"من يرد هوان قريش يهنه الله" فسمى أبو أيوب الهاشمي "أحد الرواة في هذا الطريق" الرجل الذي لم يسمه يعقوب بن إبراهيم وهو يوسف أبو الحجاج بن يوسف.
1 تدريب الراوي 1/ 316.
4-
وإذا كان المثال السابق من حديث المدنيين، فإن المثال التالي من حديث الكوفيين، وهو حديث ابن مسعود "أن النبي، صلى الله عليه وسلم كان يكره عشر خلال".
يقول ابن المديني: "هذا حديث كوفي وفي بعض إسناده من لا يعرف في هذا الطريق. ورواه الركين بن الربيع، عن القاسم بن حسان، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن ابن مسعود، ولا أعلم روى عن عبد الرحمن بن حرملة هذا شيئًا إلا من هذا الطريق، ولا نعرفه في أصحاب عبد الله"1.
276-
ولم يجمعوا على رد رواية مجهول العين بهذا التحديد، قال بعضهم: لا تقبل مطلقًا، وقال بعضهم:تقبل مطلقًا، وهو قول من لا يشترط في الراوي مزيدًا على الإسلام. وقال بعضهم: إن تفرد بالرواية عنه من لا يروي إلا عن عدل؛ كابن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان -قبلت روايته لأن هذا دليل على عدالته
…
وقال بعضهم: إن زكاه واحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قبلت روايته
…
وقال آخرون: إن كان مشهورًا في غير العلم بالزهد أو النجدة قبلت روايته
…
2.
277-
وأما مجهول العين عند الحنفية فهو من لم يعرف إلا بحديث أو حديثين، وجهلت عدالته، سواء انفرد بالرواية عنه واحد، أو روى عنه اثنان فصاعدًا، وهذا المجهول إن كان صحابيًّا فلا تضر جهالته عندهم وعند غيرهم؛ لأن الصحابة -رضوان الله عليهم- كلهم عدول عند الجمهور من العلماء، وإن كان غير صحابي؛ فإما أن يظهر حديثه في القرن الثاني أو لا، فإن لم يظهر جاز العمل به في القرن الثالث لا بعده، وإن ظهر؛ فإن شهد له السلف بصحة الحديث أو سكتوا عن الطعن فيه قبلت روايته، وإن ردوه ردت روايته، وإن قبله البعض ورده البعض الآخر، مع نقل الثقات عنه؛ فإن وافق حديثه قياسًا ما قبل وإلا رد3.
1 العلل، لابن المديني ص104 و105، 106، 107.
2 تدريب الراوي 1/ 316.
3 قفو الأثر ص20.