المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌القسم الثاني: توثيق متون السنة ‌ ‌مدخل … تقدمة: 588- في القسم الأول تعرفنا على - توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته

[رفعت بن فوزي عبد المطلب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات:

- ‌مقدمة:

- ‌تمهيد

- ‌مدخل

- ‌السنة والحديث:

- ‌توثيق السنة والمراد منه:

- ‌نظرة عامة على التوثيق في القرن الأول الهجري:

- ‌دوافع التوثيق في القرن الهجري:

- ‌الموثقون في القرن الثاني الهجري:

- ‌القسم الأول: توثيق سند الحديث

- ‌الفصل الأول: نقل السنة بالتواتر والآحاد

- ‌مدخل

- ‌حجية المتواتر والدفاع عن هذه الحجية:

- ‌حجية خبر الآحاد:

- ‌حجية المشهور عند الحنفية:

- ‌الفصل الثاني: توثيق الراوي

- ‌مدخل

- ‌ الإسلام:

- ‌ العقل:

- ‌ العدالة:

- ‌ الضبط:

- ‌الفصل الثالث: مناهج تلقي الحديث وأدائه

- ‌السماع ومصطلحات الأداء عنه

- ‌ القراءة على الشيخ أو العرض:

- ‌ المناولة ومصطلحات الأداء عنها:

- ‌ المكاتبة ومصطلحات الأداء عنها:

- ‌ الإجازة ومصطلحات الأداء عنها:

- ‌ إعلام الشيخ:

- ‌ الوصية بالكتب:

- ‌ الوجادة:

- ‌التوثيق بالكتاب في نقل الحديث:

- ‌الفصل الرابع: المتصل والمنقطع من الأسانيد

- ‌عناية النقاد بالأسانيد واتصالها:

- ‌المرسل والاتجاهات في الأخذ به وتوثيقه وعدم الأخذ به:

- ‌القسم الثاني: توثيق متون السنة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: عرض أخبار الآحاد على كتاب الله وعز وجل

- ‌الفصل الثاني: عرض أحاديث الآحاد على السنة المشهورة

- ‌الفصل الثالث: عرض الحديث على عمل الصحابة وفتاواهم

- ‌الفصل الرابع: عرض الحديث على عمل أهل المدينة

- ‌الفصل الخامس: عرض أخبار الآحاد على القياس

- ‌الفصل السادس: الرواية بالمعنى

- ‌الخاتمة:

- ‌ملخص الرسالة:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌ ‌القسم الثاني: توثيق متون السنة ‌ ‌مدخل … تقدمة: 588- في القسم الأول تعرفنا على

‌القسم الثاني: توثيق متون السنة

‌مدخل

تقدمة:

588-

في القسم الأول تعرفنا على جهود علماء القرن الثاني الهجري من محدثين وفقهاء في توثيق السنة من خلال توثيقهم لراوي الحديث وسنده، وهي طريقة استولت على معظم جهودهم وجهود من بعدهم؛ لأنه -حقًّا- إذا نقل السنة رواة ثقات، وأسلمها بعضهم إلى بعض بطريقة سليمة، فإنه -مما لا شك فيه- ستنتقل كما صدرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تبديل أو تغيير أو دخيل.

589-

وعلى الرغم من أن هذه الجهود كانت كافية في توثيق السنة، مما جعل كثيرًا من المحدثين يكتفون بها -فقد كانت هناك كثير من المشكلات والصعوبات التي رأى بعض الفقهاء أمامها البحث في متن الحديث وتوثيقه بعيدًا عن الرواة والأسانيد، أو بعبارة أخرى أدق: دون الاهتمام الكثير بنقلة الحديث، على حين يركزون الضوء، ويعملون الذهن والفكر فيما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه: هل يتلاءم مع اعتبارات معينة -من وجهة نظرهم- فيكون وثيق الصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم، أم يتناقض مع هذه الاعتبارات، فيكون دخيلًا ومزورًا.

590-

ومما أباح لهم تلك النظرة أن الحكم بصحة الأسانيد وتوثيق الرواة إنما هو حكم من حيث الظاهر، والله سبحانه وتعالى هو -وحده- العليم ببواطن الأمور وحقائقها، ومن ثم فقد يأتي الحديث بإسناد يبدو صحيحًا، ولكنه في واقع الأمر وحقيقته على خلاف ذلك وتدل على هذا اعتبارات أخرى كما أشرنا، فقد يبدو خبر الواحد متناقضًا مع النصوص الثابتة، وقد يكون متناقضًا مع عمل أهل بلد معين، وخاصة إذا كان هذا العمل هو عمل أهل المدينة، وهم أبناء المهاجرين والأنصار الذين توارثوا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل

وغير ذلك من الاعتبارات التي سنبحثها، ونسير مع من وضعوها مقاييس العمل بخبر الآحاد أو تركه، وبعبارة أخرى توثيقه أو عدم توثيقه.

ص: 283

591-

وجدير بالذكر -كما أشرت- أن معظم المحدثين اكتفوا بتوثيق الأسانيد وسيلة إلى توثق المتن، وهم في هذه الحالة لا يرون تعاوضًا بسبب هذه الاعتبارات يشكل خطرًا على الحديث، ويهدم ما بنوه من توثيق بعض الأسانيد وتوثيق متونها، تبعًا لذلك.. ووجهة نظرهم أننا ما دمنا قد وثقنا من الحديث عن طريق الثقة بنقلته -فإن أية محاولة أخرى إنما هي هروب من العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحكيم الآراء التي قد تخطئ وقد تصيب، وأن أي تعارض إنما هو من وجهة نظرنا، ولا يزيله إلا أن نؤمن بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بالإسلام ومبادئه منا، وقد عبر الإمام الشافعي عن هذا الاتجاه وأكده في أكثر من موضع، وفي كل مناسبة أوضح تعبير، يقول:"فلم يكن له -يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولا لأحد إدخال "لم"؟ و"كيف" ولا شيئًا من الرأي على الخبر عن روسل الله صلى الله عليه وسلم، ولا رده على من يعرفه بالصدق في نفسه، وإن كان واحدًا1 ".. فلا اعتبار فوق اعتبار أن الحديث قد نقل نقلًا صحيحًا، برواة عدول ضابطين، وقد ضرب المثل على أن الحديث قد يبدو معارضًا لكتاب الله عز وجل، ومع هذا نقبله، وليس لنا حجة في ذلك إلا أن الذي نقله ممن يثبت أهل الحديث حديثه، يقول: "قد روينا ورويت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر امرأة أن تحج عن أبيها، ورجلًا أن يحج عن أبيه، فقلنا نحن وأنت به، وقلنا نحن وأنت معًا لا يصوم أحد عن أحد، أفرأيت إن احتج له أحد ممن خالفنا فيه، فقال: الحج عمل على البدن كالصلاة والصوم، فلا يجوز أن يعمله المرء عن نفسه، وتأول قول الله عز وجل:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} 2 وتأول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} 3 وقال: السعي العمل، والمحجوج عنه غير عامل، فهل الحجة عليه إلا أن الذي روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ممن يثبت أهل الحديث حديثه، وأن الله فرض طاعة رسوله، وأن ليس لأحد خلافه،

1 اختلاف الحديث ص21 وانظر شبيهًا بهذا في ص 339 منه.

2 سورة النجم: 39.

3 سورة الزلزلة: 7، 8.

ص: 284

ولا التأول معه؛ لأنه المنزل عليه الكتاب المبين عن الله معناه1؟

592-

فالإمام الشافعي هنا يقول: إنه قد يبدو لنا تعارض بين الحديث وبعض الآيات القرآنية، مما يجعل البعض يترك حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم ويستعمل القياس فيما يثبت خلاف السنة، ولكن لا تعارض في الحقيقة؛ لأنه ما دام الحديث قد نقله الصادقون فإننا نتأكد أنه صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لحكمة يعلمها الله ورسوله إن خفيت علينا وعلينا العمل به، تنفيذًا لأمر الله عز وجل بطاعة رسوله، صلى الله عليه وسلم، ويكون الحديث حينئذ مخصصًا لهذه الآيات، حتى لو فهمناها كما فهمها من قال بالتعارض بينهما وبين الحديث.

ويوضح الإمام الشافعي هذا مرة أخرى، فيقول:"فوجب على كل عالم ألا يشك أن سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم إذا قامت هذا المقام مع كتاب الله عز وجل في أن الله أحكم فرضه بكتابه، وبين كيفما فرض على لسان نبيه، صلى الله عليه وسلم، وأبان على لسان نبيه، صلى الله عليه وسلم ما أراد به العام والخاص -كانت كذلك سنته في كل موضع لا تختلف. وأن قول من قال: تعرض السنة على القرآن، فإن وافقت ظاهره، وإلا استعلمنا ظاهر القرآن، وتركنا الحديث- جهل، لما وصفت.. فأبان الله لنا أن سنن رسوله فرض علينا بأن ننتهي إليها، لا أن لنا معها من الأمر شيئًا إلا التسليم لها واتباعها، ولا أنها تعرض على قياس ولا على شيء غيرها وأن كل ما سواها من قول الآدميين تبع لها"2.

593-

فهو هنا يؤكد أنه من الجهل عرض السنة على القرآن لتثبيتها أو ردها، وأنه يجب ألا نأخذ بهذا المقياس من أجل ذلك، كما ينبغي ألا تعرض على القياس أو شيء آخر.

594-

وفي الفصول التالية سنمضي -إن شاء الله عز وجل مع الفقهاء الذين أخذوا بهذه المقاييس والذين ردوها مقارنين بين هؤلاء

1 اختلاف الحديث ص31، 32.

2 اختلاف الحديث ص44، 45.

ص: 285

وأولئك

إنه -بصرف النظر عن اختلافهم- سيتضح لنا بيقين افتراء الحاقدين على سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعلى علمائنا حينما قالوا: إنهم لم يقدموا الأحاديث موثقة، وإنهم انشغلوا بأسانيدها، ولم يعتنوا بمتونها وأنه إذا كان هذا ينطبق على فئة من العلماء -فإنه لا ينطبق عليهم جميعًا.

الأمر الذي أدى إلى وضع المقاييس التي لا تقل أهمية في توثيق السنة عن المقاييس التي وضعت لتوثيقها من حيث السند.

595-

وهذا وذاك أدى -بفضل من الله عز وجل إلى تثبيت سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وحفظها نقية خالصة للمسلمين؛ كي ينهلوا من معينها، تبين لهم كتاب ربهم وتهديهم -مع كتاب الله الكريم- إلى التي هي أقوم

ص: 286