الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8-
الوجادة:
461-
وهو الوقوف على كتاب بخط محدث مشهور، ويعرف الواقف الخط وتصحيحه ولكنه لم يسمع هذا الكتاب.
462-
وهذا الضرب موجود منذ عصر الصحابة وعصر التابعين ومن بعدهم. حيث كثرت الكتب وكثر الرواة الذين لم يكن من السهل عليهم اللقاء بالمحدثين وأخذ الأحاديث عنهم سماعًا أو قراءة أو مناولة أو كتابة أو إجازة.
ففي عصر الصحابة وجدنا رواية عن ابن عمر أنه وجدد في قائم سيف أبيه عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، صحيفة فيها:"ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة.." إلى آخره1.
وفي عصر التابعين وجدنا أكثر من رواية عن بعض الصحف التي انتقلت من الصحابة إلى التابعين عن طريق الوجادة:
فعن ابن عائذ قال: وجدنا في نسخة عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه "أن النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى أن يدخل على المغيبات2".
وقال التميمي: ذهبوا بصحيفة جابر إلى الحسن فرواها أو قال: فأخذها وأتوني بها، فلم أروها3.
وعن محمد بن سعيد قال: لما مات محمد بن مسلمة الأنصاري، وجدنا في ذؤابة سيفه كتابًا:"بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم يقول: "إن لربكم في بقية دهركم نفحات، فتعرضوا له، لعل دعوة أن توافق رحمة يسعد بها صاحبها سعادة لا يخسر بعدها أبدًا"4.
1 الكفاية "هـ" ص 354.
2 المحدث الفاصل "المطبوع" ص 498. المغيبات: جمع مغيبة، وهي التي غاب عنها زوجها.
3 الكفاية "هـ" ص 354.
4 المحدث الفاصل "المطبوع" ص 497.
وانتقلت كتب بعض التابعين إلى بعض، وإلى تابعيهم، ومنها ما قاله همام بن يحيى: قدمت أم سليمان اليشكري بكتاب سليمان، فقرئ على ثابت وقتادة وأبي بشر والحسن ومطرف، فردوها كلها، وأما ثابت فروى منها حديثًا وحدًا1.
463-
ظلت هذه الظاهرة موجودة في عصر تابعي التابعين ومن بعدهم.
وعلى الرغم من ظهورها بكثرة فإن الأحاديث التي كانت تنقل عبرها لم يعتبرها نقاد الحديث صحيحة، وإنما رفضوها، وحكموا عليها بالضعف. اللهم إلا إذا اقترنت الوجادة بسماع أو قراءة على صاحب هذه الأحاديث.
464-
ويروي الخطيب البغدادي ما يفهم منه أن كراهة التحدث بما في الكتاب وجادة نشأت منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم؛ يروى بسند عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه أنه قال: "إذا وجد أحدكم كتابًا فيه علم لم يسمعه من عالم فليدع بإناء وماء فلينقعه فيه حتى يختلط سواده مع بياضه2.
465-
وفي القرن الثاني وجدنا وكيع بن الجراح ينهى أن ينظر المحدث في كتاب لم يسمعه من صاحبه، حتى لا يعلق قلبه منه شيء، فيحدث بما لم يسمعه3. وربما كان هذا السبب نفسه هو ما جعل محمد بن سيرين يرفض أن يمنع أحد الرواة عنده كتابًا ويقول: لا يبيت عندي كتاب4 وجعل عمر بن عبد العزيز، الذي أمر بجمع السنة مدونة، يأمر بإحراق كتاب لزيد ابن ثابت، رضي الله عنه في الديات5.
466-
وقد حكم الإمام أحمد على حفص بن سليمان الأسدي بأنه متروك الحديث بعد ما علم أنه أخذ من شعبة كتابًا، فلم يرده، وأنه كان يأخذ كتب الناس فينسخها ويحدث بها من غير سماع6. ويقول عن عبد العزيز
1 الكفاية "هـ" ص354.
2 فتح المغيث 2/ 137 - الكفاية "هـ" ص 353.
3 المصدرين السابقين 2/ 137 - ص 353.
4 الكفاية "هـ" ص 353.
5 العلل ومعرفة الرجال 1/ 256.
6 الجرح والتعديل مج 1 ق 2/ 744.
ابن محمد الدراوردي، مبينًا آثار التحدث بالوجادة: إذا حدث من كتابه فهو صحيح، وإذا حدث من كتب الناس وهم، كان يقرأ من كتبهم فيخطئ1.
467-
كما بين الإمام أحمد أن التحدث بالوجادة هو ما جعل بعض الرواة يحدث بزيادات في الأحاديث ليست منها، يقول: عن الحجاج بن أرطاة: "كان الحجاج من الحفاظ" فسأله ابنه عبد الله عندما قال ذلك: "فلم ليس هو عند الناس بذاك"؟ قال: "لأن في حديثه زيادة على حديث الناس، ليس يكاد له حديث إلا فيه زيادة، يقولون: لم يلق الزهري وكان يروي عن رجال لم يلقهم، وكأنه ضعفه"2.
468-
وقد أدرك الإمام أحمد بخبرته هذه غب ما وقع فيه هؤلاء الرواة الذين يحدثون عن الوجادة، فحذر منهم، وكان يقول:"إياكم وأصحاب الكتب؛ فإنه لا يزال أحدهم قد جعل عمرًا عمر وأشباهه "أي يحرفون في الأحاديث لعدم سماعها، والاعتماد على الكتب"3.
469-
ووهن الأئمة أحاديث عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، لأنه أخذ كتاب محمد بن الحنفية، فروى منه من غير سماع، يقول عبد الرحمن بن مهدي: كل شيء روى عبد الأعلى الثعلبي عن محمد بن الحنفية إنما هو كتاب، أخذه لم يسمعه، ما أدري كيف أحدث عن عبد الأعلى!
…
ويقول يحيى ابن سعيد القطان: سألت الثوري عن أحاديث عبد الأعلى عن ابن الحنفية، فوهنا. وقال مرة أخرى مبينًا سبب هذا التوهين:"كنا نرى أنها من كتاب ولم يسمع منه شيئًا"4.
470-
كما وهن البعض أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، الصحابي الجليل، لأنها في رأيهم أخذها من
1 المصدر السابق مج 2 ق 2/ 1833. ويتحمل هذا المثال أنه يأخذ هذه الكتب التي سمعها مع أصحابها فيحدث بها.
2 المصدر السابق مج 1 ق 2/ 673.
3 العلل ومعرفة الرجال 1/ 140.
4 الجرح والتعديل مج 3/ ق 1/ 134.
كتاب وجده شعيب عند جده ولم يسمعه منه. قال علي بن المديني: ما روى عمرو عن أبيه عن جده فإنما هو كتاب وجده؛ فهو ضعيف
…
وقال أيوب السختياني لليث بن أبي سليم: "شد يدك بما سمعت من طاوس ومجاهد، وإياك وجواليق وهب بن منبه، وعمرو بن شعيب، فإنهما صاحبا كتاب".
ويبين ابن حبان أثر تحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بالوجادة فيقول عنه: "إذا روى عن أبيه عن جده ففيه مناكير كثيرة".. وقال ابن معين: "إذا حدث عن أبيه عن جده فهو كتاب، فمن هنا جاء ضعفه"، وهذا هو السبب في أن بعض الأئمة قلل من قيمة الصحيفة التي يرويها عمرو، فقال:"ما يسرني أن صحيفة عبد الله بن عمرو عندي بتمرتين أو بفلسين"1.
471-
ومن هذه الروايات يتبين لنا لم عاب الأئمة الأحاديث التي تروى عن طريق الوجادة وعابوا رواتها، لأنها تكون عرضه للتحريف والزيادة بما ليس منها، وهم يهدفون إلى أن تنقل سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نقلًا موثقًا لا تبديل فيه ولا وهم.
472-
ومن هنا كانوا دائمًا يسألون الراوي، عندما يخفي عليهم الأمر، أو يشكون في السماع: هل سمع الأحاديث التي يرويها أم هي وجادة؟.. يقول أبو بكر بن عياش: قلت لجميل بن زيد: هذه الأحاديث أحاديث ابن عمر؟ قال: أنا ما سمعت من ابن عمر شيئًا، إنما قالوا لي: اكتب أحاديث ابن عمر، فقدمت المدينة، فكتبتها..2 ويقول يزيد بن هارون: كان أبو جناب يحدثنا عن عطاء والضحاك وابن بريدة، فإذا وقفناه، نقول: سمعت من فلان هذا الحديث، فيقول: لم أسمعه منه، إنما أخذت من أصحابنا3.
1 المصدر السابق مج3 ق1/ 1323 - ميزان الاعتدال مج 3 ص 265 - 266. وجدير بالذكر أن بعض الأئمة أثبت صحة سماع شعيب من جده عبد الله، وتكون هذه الصحيفة بناء على ذلك قد نقلت سماعًا ولا مطعن فهيا على رأيهم. "ميزان الاعتدال مج3 ص263 - 268".
2 العلل ومعرفة الرجال 1/ 168. وانظر أيضًا 1/ 237.
3 الجرح والتعديل مج 4 ق 2/ 587.
472-
وكانوا يستعملون ذكاءهم وحيلهم، حتى يكشفوا من يروي عن طريق الوجادة ولا يفصح. يقول أبو بكر بن أبي أويس: أتيت ابن سمعان، فأخرج إليّ كتابًا، فجعل يقرؤه، فيقول: "حدثني فلان، فمر على حديث فقال: حدثني شهر بن حوشب، فقلت: من هذا؟ قال: هذا رجل من أهل خراسان مر علينا. فقلت: لعلك تريد شهر بن حوشب. قال: نعم. فقلت: إنه يأخذ كتبًا من غير سماع فيحدث بها، ولم أعد إليه1.
الأداء عن الوجادة:
473-
أما وقيمة الوجادة هذه فلا تجوز أن يقول الراوي عند الأداء: "حدثني" أو "أخبرني"؛ لأن هذا يعد كذبًا، ولأن الأمر حينئذ يلتبس بالسماع أو القراءة، وهما أعلى درجات التلقي، يقول القاضي عياض:"فهذا لا أعلم من يقتدي به أجاز النقل فيه: "حدثنا" و"أخبرنا" ولا من يعده معد المسند"2.
474-
أما إذا بين بالألفاظ ما يدل على الوجادة فإنه يكون قد أخلى عهدته، وأبرأ ذمته. ولا يعد من الضعفاء بروايته أو نقله هذه الأحاديث.. ولهذا لم يعيبوا على عبد الرزاق الصنعاني أن أتوا إليه بصحيفة لا يعرفها، فقرأها عليهم، لكنه لم يقل:"حدثنا".... 3ورأى أحمد بن حنبل أن مخرمة ابن بكير "ثقة" على الرغم من أنه لم يسمع من أبيه كتبه، وإنما يحدث عنها وجادة؛ لأنه يعلن أنه لم يسمع من أبيه وإنما آلت إليه كتبه وجادة، يقول مخرمة: ما سمعت من أبي شيئًا، وإنما هذه كتب وجدناها عندنا عنه، ما أدركت أبي
1 الجرح والتعديل مج 2ق 2/ 279.
2 الإلماع ص 117.
3 الجرح والتعديل مج 3ق 1/ 204.