المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ القراءة على الشيخ أو العرض: - توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته

[رفعت بن فوزي عبد المطلب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات:

- ‌مقدمة:

- ‌تمهيد

- ‌مدخل

- ‌السنة والحديث:

- ‌توثيق السنة والمراد منه:

- ‌نظرة عامة على التوثيق في القرن الأول الهجري:

- ‌دوافع التوثيق في القرن الهجري:

- ‌الموثقون في القرن الثاني الهجري:

- ‌القسم الأول: توثيق سند الحديث

- ‌الفصل الأول: نقل السنة بالتواتر والآحاد

- ‌مدخل

- ‌حجية المتواتر والدفاع عن هذه الحجية:

- ‌حجية خبر الآحاد:

- ‌حجية المشهور عند الحنفية:

- ‌الفصل الثاني: توثيق الراوي

- ‌مدخل

- ‌ الإسلام:

- ‌ العقل:

- ‌ العدالة:

- ‌ الضبط:

- ‌الفصل الثالث: مناهج تلقي الحديث وأدائه

- ‌السماع ومصطلحات الأداء عنه

- ‌ القراءة على الشيخ أو العرض:

- ‌ المناولة ومصطلحات الأداء عنها:

- ‌ المكاتبة ومصطلحات الأداء عنها:

- ‌ الإجازة ومصطلحات الأداء عنها:

- ‌ إعلام الشيخ:

- ‌ الوصية بالكتب:

- ‌ الوجادة:

- ‌التوثيق بالكتاب في نقل الحديث:

- ‌الفصل الرابع: المتصل والمنقطع من الأسانيد

- ‌عناية النقاد بالأسانيد واتصالها:

- ‌المرسل والاتجاهات في الأخذ به وتوثيقه وعدم الأخذ به:

- ‌القسم الثاني: توثيق متون السنة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: عرض أخبار الآحاد على كتاب الله وعز وجل

- ‌الفصل الثاني: عرض أحاديث الآحاد على السنة المشهورة

- ‌الفصل الثالث: عرض الحديث على عمل الصحابة وفتاواهم

- ‌الفصل الرابع: عرض الحديث على عمل أهل المدينة

- ‌الفصل الخامس: عرض أخبار الآحاد على القياس

- ‌الفصل السادس: الرواية بالمعنى

- ‌الخاتمة:

- ‌ملخص الرسالة:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌ القراءة على الشيخ أو العرض:

2-

‌ القراءة على الشيخ أو العرض:

363-

وهو أن يقرأ أحد التلاميذ على الشيخ أحاديثه التي له حق روايتها.

ولها صور: فقد يكون المتلقي هو الذي يقرأ، وقد يكون غيره وهو يسمع، وقد يقرأ من كتاب أو من حفظ، وقد يمسك الشيخ أصله أثناء القراءة أو يحفظ ما يقرأ عليه1.

364-

وقد ذكر الحاكم صورة أخرى، وهي أن يقدم التلميذ إلى شيخه جزءًا من حديثه أو أكثر، ويناوله إياه، فيتأمل الشيخ هذا الحديث، فإذا عرف أنه من حديثه قال للتلميذ:"قد وقفت على ما ناولتنيه وعرفت الأحاديث كلها، وهذه رواياتي عن شيوخي، فحدث بها عني"2.

وهذا -في حقيقة الأمر- ضرب آخر من ضروب تلقي الحديث وهو "المناولة" كما سنرى - إن شاء الله تعالى.

365-

ويقول القاضي عياض: إن إمساك الأصل أثبت صورها لتنتقي الغفلة بالنظر إلى الكتاب، "ويذهب الوهم، فيذكر الكتاب"3 ومثل هذا أن يمسك الأصل حين القراءة ثقة عارف، وكذلك إذا أمسك القارئ نسخة الشيخ فقرأ فيها، فهي هنا كإمساك الشيخ نسخته؛ "إذ لا فرق بين الاعتاد على بصر الشيخ أو سمعه"4.

366-

أما إذا كان الذي يمسك أصل الشيخ غير ثقة ولا مأمون أو غير بصير بما يقرؤه فلا يحل السماع والرواية بهذه القراءة، ولهذا ضعف بعضهم رواية من سمع الموطأ على مالك بقراءة حبيب كاتبه؛ لضعفه عندهم،

1 الإلماع ص: 70.

2 معرفة علوم الحديث ص 256 - 257- والحق أن الحاكم قد اضطرب في مصطلح العرض، فتارة يطلقه على "القراءة على العالم" وتارة يطلقه على "المناولة" كما يدل عليه كلامه هذا "قارن الصفحات السابقة بص 260".

3، 4 الإلماع ص: 75، 76.

ص: 197

"وأنه كان يخطرف الأوراق "يسرع" حين القراءة ليتعجل"1.

367-

وإذا كان قد أنكر هذا الخبر على قائله، لحفظ مالك لحديثه، وحفظ كثيرين من أصحابه الحاضرين عنده، وأن مثل هذا مما لا يجوز على مالك، وأن العرض عليه لم يكن من الكثرة بحيث تخطرف عليه الأوراق، ولا يفطن إلى ذلك هو ولا من حضر2 -إذا كان كذلك فإنه يبقى هذا الشرط لازمًا لصحة القراءة، وهو أن يكون ماسك الكتاب ثقة مؤتمنًا على السماع أو القراءة.

368-

وقد كان الشيوخ من المحدثين يتخيرون من القراء من يجيدون القراءة، حتى يكون قراءة الأحاديث صحيحة، ليس فيها تحريف، ولهذا عندما ذهب الشافعي إلى مالك؛ ليقرأ عليه الموطأ ولم يكن يعرفه قال له: اطلب من يقرأ لك، فقال له الشافعي: لا عليك أن تسمع قراءتي، فإن خفت عليك قرأت لنفسي، قال الشافعي: فلما سمع قراءتي قرأت لنفسي3، فهذا يدل على أن الإمام مالكًا لم يكن يجيز لكل إنسان أن يقرأ عليه إلا إذا كان مجيدًا للقراءة.

369-

وقد اشترط بعض الظاهرية، وجماعة بن مشايخ أهل المشرق وأئمتهم إقرار الشيخ عند تمام الشيخ بأنه كما قرئ عليه بقوله:"نعم"، وأبو أن يكون الحديث صحيحًا إذا لم يكن هذا التقرير، وقد ورد في هذا للإمام علي كرم الله وجهه قوله: قراءتك على العالم وقراءة العالم عليك سواء، إذا أقر لك"4 وقد روي أن مالكًا كان يفعل ذلك.

ولكن روى عنه أيضًا أنه أنكر من طلب منه ذلك قائلًا: "ألم أفرغ لكم نفسي، وسمعت عرضكم، وأقمت سقطه وزلله؟ !

1 المصدر السابق ص 76، 77. قال ابن معين: كان حبيب يقرأ على مالك وكان يخطرف بالناس، يصفح ورقتين ثلاثًا

وكان يحيى بن بكير سمع من مالك بعرض حبيب وهو شر العرض "ميزان الاعتدال" مج 1/ 452.

2 الإلماع: ص 77.

3 آداب الشافعي ص 270.

4 الكفاية م ص 383.

ص: 198

370-

ومذهب الجمهور من المحدثين والفقهاء -كما يقول القاضي عياض أن هذا الشرط غير لازم، لأن العرف دال على أن سكوت الشيخ في هذا المقام تقرير له على الرواية، وإقرار منه بصحة ما قرئ عليه، ولو لم يكن صحيحًا لما جاز تقريره عليها، ولكان سكوته عن الإنكار مع القدرة عليه فسقًا؛ لما فيه من إيهام الصحة، إذن فلا معنى للتقرير بعد الفراغ منها1.

371-

ولعل ما روي عن مالك خلاف هذا إنما هو من باب التأكيد أو الجواز لا اللزوم2.

372-

ويذكر السيوطي أن شرط الإمام أحمد في القارئ أن يكون ممن يعرف الحديث ويفهمه3.

373-

ويقول القاضي عياض: إنه "لا خلاف أن العرض على الشيخ رواية صحيحة" ولكن غيره حكى الخلاف في ذلك، يقول: الخطيب البغدادي، ذهب بعض الناس إلى كراهة العرض، وهو القراءة على المحدث، ورأوا أنه لا يعتد إلا بما سمع من لفظ الشيخ4.

374-

ويذكر الرامهرمزي رواية عن أبي عاصم النبيل توضح أنه من الكارهين الذين أشار إليهم الخطيب في قوله السابق، يقول أبو عاصم:"سمعت سفيان وأبا حنيفة ومالكًا وابن جريج، كل هؤلاء سمعتهم يقولون: لا بأس بها، يعني القراءة، وأنا لا أراه، وما حدثت بحديث عن أحد من الفقهاء قراءة"5.

وممن كرهها أيضًا وكيع بن الجراح الذي يقول: "ما أخذت حديثًا عرضًا، ومحمد بن سلام الذي أدرك مالكًا والناس يقرءون عليه، فلم يسمع منه لذلك، وعبد الرحمن بن سلام الجمحي الذي ضاق به مالك، وكره أن يحضر مجلسه من أجل هذا6.

1 كشف الأسرار 3/ 759.

2 الإلماع ص 78، 79.

3 تدريب الراوي 2/ 12.

4 الإلماع ص 70 - الكفاية م ص 380.

5 المحدث الفاصل "المطبوع" ص 420.

6 تدريب الراوي 2/ 13.

ص: 199

375-

ومهما يكن من أمر فهؤلاء الكارهون لها قليلون إلى جانب الجمهرة الغفيرة من المحدثين والفقهاء الذين يجيزونها، ويعتبرونها طريقًا صحيحًا من طرق التلقي، على أنه يمكن القول بأن هؤلاء لا يمنعونها مطلقًا، وإنما ألزموا أنفسهم بتركها مؤثرين السماع عليها بدليل أن أبا عاصم النبيل رويت عنه رواية أخرى تقول بأنه يسوي بين العرض والسماع1. وعلى هذا يمكن أن نفهم عبارة القاضي عياض: إنه لا خلاف في أنها رواية صحيحة.

376-

وحجة جواز هذا الضرب من ضروب التلقي ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أتاه ضمام بن ثعلبة، وقد أوفده قومه سنة تسع إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وسأله عن الإسلام قائلًا:"الله أمرك بكذا وكذا، فيقول صلى الله عليه وسلم: "نعم" "فأسلم بعد هذا العرض، وعاد إلى قومه، فأخبرهم بذلك وحده2.

وذهب إلى ذلك من السلف عدد من الصحابة والتابعين، منهم ابن عباس، وأبو هريرة، وأنس بن مالك.. وعروة بن الزبير والحسن البصري، وغيره من التابعين3.

377-

وإذا ذهبنا إلى جمهرة المحدثين والفقهاء الذين أجازوا هذا الضرب، فإننا نجدهم قد اختلفوا في قيمته بالنسبة إلى السماع هل العرض مثل السماع، أو دونه، أو أرجح منه؟

وقد تقدم في الكلام على السماع أن كثيرًا من العلماء يفضل السماع على القراءة؛ لأن هذا هو ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليم صحابته، رضوان الله عليهم؛ ولأن السماع في بعض صوره أدعى إلى عدم الغفلة من الشيخ ومن التلميذ4.

378-

ويقول القاضي عياض: إن مذهب معظم علماء الحجاز والكوفة التسوية بينهما، وإن هذا هو مذهب مالك وأصحابه وأشياخه من أهل المدينة

1 فتح المغيث 2/ 30.

2 الإلماع ص 71 - 72.

3 معرفة السنن والآثار 1/ 85.

4 ص 193 من هذا البحث.

ص: 200

وعلمائها، ويحيى بن سعيد القطان، وابن عيينة والزهري في جماعة، ويذكر غيره من هؤلاء الليث بن سعد وأبا حنيفة، وعبد الرزاق، وعبد الله ابن المبارك1.

379-

ولعل من حجتهم ما روي عن علي وابن عباس والحسن من الصحابة رضوان الله عليهم وعروة بن الزبير من أقوال تدل على أن الاثنين بمنزلة واحدة2.

ولعل من حجتهم أيضًا ما أورده القاضي عياض من أن مالكًا احتج على ذلك بالصك "الكتاب" يقرأ على القوم، فيقولون: أشهدنا فلان، ويقرأ على المقرئ فيقول القارئ: أقرأني فلان، وروي مثل هذا عن أبي حنيفة3.

380-

وإذا كان هؤلاء الذين يفضلون السماع على القراءة قد احتجوا بأن هذا كان فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غالب الأوقات، والاقتداء به أولى، فإن أبا حنيفة، رضي الله عنه، قد رد عليهم بأمرين:

الأول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مأمونًا من السهو والخطأ في تبليغ الوحي وبيان الأحكام، ولهذا كانت قراءته عليه السلام أولى، أما غيره، صلى الله عليه وسلم فيجوز عليه السهو الغلط، فكانت قراءة المحدث وقراءة غيره سواء.

الثاني: أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن كاتبًا، ولا قارئًا من المكتوب شيئًا، وإنما يقرأ ما يقرأ عن حفظ، فكانت قراءته أولى، فأما إذا كانت الرواية عن كتابوالسماع في كتاب -كما هي العادة في عصر أبي حنيفة- فهما سواء في معنى التحديث بما في الكتاب4.

1 الإلماع: ص 71 - المحدث الفاصل ص 420 "المطبوعة" - الكفاية "م" ص 391 - 394 جامع بيان العلم 2/ 217.

2 الإلماع ص 71 - المحدث الفاصل ص 420، 423، 427 - 429- الكفاية هـ ص 270.

3 الإلماع ص 72 - المحدث الفاصل ص 426 الكفاية م 391.

4 كشف الأسرار 2/ 760 -أصول السرخسي 1/ 375 - 376.

ص: 201

ويضيف أبو حنيفة، رحمه الله، أنهما -وإن كانا سواء- فالثاني أحوط وهو القراءة على الشيخ؛ لأن التلميذ يكون أشد عناية في ضبط المتن والسند من الشيخ، لحاجته إلى ذلك، والطالب عامل لنفسه والمحدث عامل لغيره، فيحتمل أن يسهو عن البعض ويشذ منه أكثر ما يشذ عن الطالب، فمن طبيعة الإنسان أن يحتاط في أمر نفسه أكثر مما يحتاط في أمر غيره.

وإذا كان الشيخ قد يسهو في حالة القراءة عليه، فإن مثله موجود عند قراءة الشيخ نفسه؛ إذ قد يسهو الطالب عن السماع، فتساويًا في هذا الاحتمال1.

381-

وهناك اتجاه الثالث يفضل القراءة على الشيخ على السماع، ويروى عن مالك ما يضمه إلى هذا الاتجاه، يروى عنه قوله: السماع عندنا على ثلاثة أضرب:

أولها: قراءتك على العالم.

ثانيها: قراءته عليك.

ثالثها: أن يدفع إليك كتابًا، فيقول: اروه عني.

وهذا الضرب الثالث هو المناولة.

382-

ويحتج في هذا بأن الشيخ -في حالة السماع- ربما سها أو غلط فيما يقرؤه بنفسه، فلا يرد عليه الطالب هذا السهو أو الخطأ لأحد أسباب ثلاثة؛ فقد يكون جاهلًا فلا يهتدي إلى الصواب، وقد تمنعه هيبة الشيخ وجلالته عنده، وقد يخطئ الشيخ في موضع فيه مجال اختلاف، فيظن الطالب أن هذا الخطأ إنما هو رأي الشيخ في هذا الموضع فيحمل الخطأ على أنه صواب.

أما إذا قرأ الطالب على الشيخ فسها أو أخطأ فإن الشيخ يرده، لعلمه، مع فراغ سره وحضور ذهنه، أو يرد عليه غيره، ممن يحضر

1 كشف الأسرار 3/ 761.

ص: 202

المجلس: لأنه "لا هيبة للطالب، ولا يعد له مذهب في الخلاف، إن صادف لغلطه موضع اختلاف1.

وقد ذكر الخطيب البغدادي هذه الحجة دون أن ينسبها إلى مالك رضي الله عنه2.

383-

ومما يرجح أن هذا هو اتجاه مالك أن نافعًا القارئ شاوره ليتقدم إمامًا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فأشار عليه بألا يفعل، قائلًا:"المحراب موضع محنة، فإن زللت في حرف وأنت إمام حسبت قراءة حملت عنك"3 وقد روي هذا أيضًا عن أبي حنيفة. والليث بن سعد4.

وربما كان هذا الموقف قد نشأ كرد فعل لهؤلاء الذين ينكرون القراءة ولا يجيزونها طريقًا من طرق تلقي الحديث، ولكنهم عندما لا يواجهون هذا الأمر يقولون بما يقول به الكثيرون من المساواة بين السماع والقراءة على الشيخ. وهذا قد يفسر السبب في تناقض الروايات عن بعض الأئمة مثل مالك وأبي حنيفة والليث بن سعد.

الألفاظ التي يؤدى بها العرض:

384-

وكما اختلفوا في تقدير قيمة القراءة على الشيخ ومنزلتها من السماع -اختلفوا كذلك في الألفاظ التي تطلق تعبير عنها: فرأى بعضهم أنه ما دامت القراءة مثل السماع فإنه يطلق عليها من الألفاظ ما يطلق عليه من "حدثنا" و"أخبرنا" و"أنبأنا" إلى آخره.

385-

وممن روى عنهم أنه لا بأس أن يقول المحدث أداء عن هذا الضرب: "حدثنا" الإمام مالك، ومنصور بن المعتمر الذي قال لشعبة: إذا قرأت على المحدث فعرفته أليس قد حدثك؟

وعطاء بن أبي رباح

1 الإلماع، ص: 74، 75.

2 الكفاية م ص 402.

3 الإلماع ص 75.

4 الكفاية "م" ص 407 - كشف الأسرار م - 761.

ص: 203

وأبو حنيفة والزهري وزفر بن الحارث، والأوزاعي، وإسماعيل بن جعفر وأبو عبيد القاسم بن سلام، وشريك بن عبد الله ومسعر ابن كدام، ومالك بن مغول1.

وممن أجاز أن يقول القارئ: "سمعت" سفيان الثوري،

وأبو حنيفة رضي الله عنهما2.

386-

وإذا كانت "حدثني" و"سمعت" تشعران بالنطق من الشيخ وفي حالة القراءة على الشيخ لم يوجد نطق، فليس معنى هذا أن من أجاز إطلاقهما على العرض قد أخطأ؛ لأنه اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح -كما يقولون- يقول صاحب "كشف الأسرار": لا نزاع أن لكل قوم من العلماء اصطلاحات مخصوصة، يستعملونها في معاني مخصوصة، إما لأنهم نقلوها بحسب عرفهم في تلك المعاني؛ أو لأنهم استعملوها فيها على سبيل التجاوز، ثم صار المجاز شائعًا والحقيقة مغلوبة، ولفظ "أخبرني" و"حدثني" ههنا كذلك، لأن هذا السكوت يشابه الإخبار في إفادة الظن، والمشابهة إحدى أسباب المجاز، وإذا جاز هذا الاستعمال مجازًا، ثم استقر عرف المحدثين عليه صار ذلك كالاسم المنقول بعرف المحدثين، أو كالمجاز الغالب، وإذا ثبت ذاك وجب

جواز استعماله قياسًا على سائر الاصطلاحات"3.

387-

ورأى آخرون أن يكون العرض مميزًا عن السماع في الأداء، ومن هنا خصصوا للعرض لفظ "أخبرنا". ومن هؤلاء الإمام الشافعي الذي كان يقول:"إذا قرأ عليك العالم فقل: "حدثنا" وإذا قرأت عليه فقل: "أخبرنا"4. وعبد الله بن المبارك الذي يقول: "إذا قرأ العالم على العالم فقال: "حدثني" فهي كذيبة5.

1 المحدث الفاصل "المطبوع" ص 421، 428 - الكفاية ص 390، 407، 408.

2 المحدث الفاصل "المطبوع" ص 422- الكفاية ص 407.

3 كشف الأسرار 3/ 760.

4 المحدث الفاصل "المطبوع" ص 425.

5 الكفاية م ص 429.

ص: 204

وممن ذهب مذهب الشافعي في هذا أبو حفص التنيسي، وحماد ابن زيد، وعثمان بن أبي شيبة والأوزاعي، وأبو حنيفة في رواية أخرى عنه1.

388-

واختار هؤلاء لفظ "أخبرنا"، لأن الإخبار في أصل اللغة لإفادة الخبر والعلم، والسكوت من الشيخ، وإقراره ما سمع دون نكير منه قد أفاد العلم بأن هذا المسموع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم "فوجب أن يكون إخبارًا"2.

389-

كما اعتمدوا في التفرقة بين "حدثني" و"أخبرني" على الفرق في الاستعمال العادي بين حدثنا وأخبرنا، بين الإمام محمد بن الحسن الشيباني الفرق بين الاستعمالين وآثاره فقال: "إذا حلف الرجل فقال: أي غلام لي أخبرني بكذا وكذا، وأعلمني بكذا وكذا فهو حر، ولا نية له، فأخبره غلام له بذلك، بكتاب، أو كلام أو رسول فقال: إن فلانًا يقول لك كذا وكذا، فإن الغلام يعتق؛ لأن هذا خبر،

وإذا قال: أي غلام لي "حدثني"، فهذا على المشافهة، لا يعتق واحد منهم"3.

390-

ولم يكتف يحيى بن سعيد القطان بالتفريق بالألفاظ، وإنما ينص الراوي على العرض أو الإجازة يريد أن يؤدي عنهما، يقول: ينبغي للرجل أن يحدث كما سمع، فإن سمع يقول:"ثنا"، وإن عرض يقول:"عرضت" وإن كان إجازة يقول "أجاز لي" ويرى الإمام الأوزاعي مثل هذا 4.

1 المصدر السابق ص 429، 430، 434.

2 كشف الأسرار 3/ 760.

3 الكفاية "م" ص 427.

4 الكفاية ص 430 - 431.

ص: 205