المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الخيار مقدمة الخِيَار: بكسر الخاء المعجمة، وهو اسم مصدر اختار يختار، - توضيح الأحكام من بلوغ المرام - جـ ٤

[عبد الله البسام]

الفصل: ‌ ‌باب الخيار مقدمة الخِيَار: بكسر الخاء المعجمة، وهو اسم مصدر اختار يختار،

‌باب الخيار

مقدمة

الخِيَار: بكسر الخاء المعجمة، وهو اسم مصدر اختار يختار، وليس مصدرًا، فاسم المصدر، هو ما ساوى المصدر في الدلالة على الحدث، ولم يساوه في اشتماله على جميع أحرف فعله، بل خلت هيئته من بعض أحرف فعله، لفظًا وتقديرًا.

والخيار شرعًا: في بيع وغيره: طلب خير الأمرين، وهُما هنا فسخ البيع، أو إمضاؤه. وخيار المجلس ثابت بالسنة الصحيحة، ويقتضيه القياس.

* اختلاف العلماء:

اختلف العلماء في صحة البيع.

فذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة إلى صحته، لأدلته الثابتة.

وذهب المالكية إلى عدم صحته، واعتذورا عن العمل بأحاديثه بأعذار ضعيفة، منها أنَّه خلاف عمل أهل المدينة، فأجاب الجمهور عن أعذارهم.

* حكمته:

قال ابن القيم: أثبت الشارع خيار المجلس في البيع حكمةً ومصلحةً للمتعاقدين، وليحصل تمام الرضا الذي شرطه الله تعالى فيه بقوله:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فإنَّ العقد يقع بغتة من غير تروٍّ ولا نظر في القيمة، فاقتضت محاسن هذه الشريعة الكاملة أن يجعل للعقد أمدًا يتروَّى فيه المتعاقدان، ويعيدان فيه النظر، ويستدرك كل واحد منهما ما فاته.

ص: 356

703 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللهُ عَثْرَتَه" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالحَاكِمُ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

قال في التلخيص: رواه أبو داود، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وصححه من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة.

قال القشيري: هو على شرطهما، وصححه ابن حزم، وابن حبان، والحاكم، ووافقه الذَّهبي، وصححه المنذري، وابن دقيق العيد.

* مفردات الحديث:

- أقال مسلمًا بيْعَتَهُ: قال فلانًا البيع يقيله قيلًا: فسخه، كما يقال: أقاله إقالة فسخه، والإقالة في البيع هي فسخٌ للبيع، ورفع وإزالة للعقد، الواقع بين المتعاقدين.

- عَثْرَتَه: بفتح العين وسكون الثاء المثلثة ثم راء ثم تاء، يقال: عثر يعثر عثرًا: زلَّ وسقط، والعثرة المرة، جعهما عثرات، أي غفر الله زلَّته وخطيئته.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

قال في شرح الإقناع: الإقالة: فسخ للعقد، لأنَّها عبارة عن الرفع، والإزالة، فليست بيعًا.

2 -

هي مستحبة للنادم، لما تقدم من حديث الباب "من أقال مسلمًا بيعته، أقال

(1) أبو داود (3465)، ابن ماجه (2199)، ابن حبان (7/ 243)، الحاكم (2/ 45).

ص: 357

الله عثرته يوم القيامة".

3 -

تصح الإقالة بلا شروط بيع، لأنَّها فسخ للعقد وليس بيعًا، فتصح في البيع، ولو قبل قبضه، وتصح في مكيلٍ، وموزونٍ، ومعدودٍ، ومذروعٍ، بغير كيلٍ ووزنٍ وعدٍ، وزرعٍ.

والخلاصة: أنَّها لا تأخذ شروط البيع وأحكامه؛ لأنَّها رفع للعقد، وإزالة له فقط.

4 -

لا تصح الإقالة بزيادة على الثمن المعقود به، أو بأنقص منه، أو بغير جنسه، لأنَّ مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه.

5 -

ما حصل في البيع من كسبٍ، أو نماءٍ منفصلٍ، فهو للمشتري لحديث:"الخراج بالضمان"، فما حصل من المبيع من نماء منفصل إنما مستحق بضمان المبيع مدة بقائه عند المشتري، قبل الإقالة.

***

ص: 358

704 -

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعًا، أوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أحَدُهُمَا الآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلى ذلِكَ فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أنْ تَبَايَعَا، وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا البَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ. (1)

ــ

* مفردات الحديث:

- الخيار: خبر لقوله: "كل واحد" أي محكوم له بالخيار، والخيار اسم مصدر، حيث المصدر: الاختيار، وهو طلب خير الأمرين: إما إمضاء البيع، أو فسخه.

- إذا تبايع: تفاعل، وباب التفاعل بمعنا المفاعلة، فيكون:"وكانا جميعًا" تأكيدًا له.

- ما لم يتَفَرَّقَا: هكذا في أكثر الروايات بتقديم التاء وبتشديد الراء، وعند مسلم ما لم يفترقا بتقديم الفاء والتخفيف، وقد فرَّق بينهما بعض أهل اللغة بأن يفترقا بالكلام، ويتفرَّقا بالأبدان، فالرواية هنا تؤيد أنَّ المراد التفرق بالأبدان.

- أو يخير أحدهما الآخر: في إعرابه وجهان:

أحدهما: جزم، "يخير" عطفًا على "ما لم يتفرَّقا".

الوجه الثاني: نصب "يخير"، بأن مضمرة بعد أو، والمعنى: إلَاّ أن يخير أحدهما الآخر.

قال النووي: معنى أو يخير أحدهما الآخر أن يقول: اختر إمضاء البيع، فإذا اختار وجب البيع.

(1) البخاري (2112)، مسلم (1531).

ص: 359

705 -

وَعَنِ عَمْرِو بنِ شُعَيب عَنْ إبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "البَائِعُ وَالمُبْتَاعُ بِالخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إِلَاّ أَنْ تَكُون صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أنْ يَسْتَقِيلَهُ" رَوَاهُ الخَمْسَةُ إِلَاّ ابْنَ مَاجَهْ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابنُ الجَارُودِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: "حَتَّى يَتفَرَّقَا عَنْ مَكَانِهِمَا"(1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث حسن.

قال الألباني: أخرجه النسائي، والترمذي، وأبو داود، من طريق عمرو بن شعيب.

قال الترمذي: حديث حسن، وقد استقر رأي جماهير المحدثين على الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، بعد خلاف قديم فيه.

قال الدارقطني: هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد صحَّ سماع عمرو عن أبيه شعيب، وصحَّ سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو.

وعن البخاري، أنَّه سئل: هل سمع شعيب من عبد الله بن عمرو؟ قال: رأيتُ علي ابن المديني، وأحمد بن حنبل، والحميدي، وإسحاق يحتجون به.

* مفردات الحديث:

- صفقة: يقال: صفق يصفق صفقًا، ضرب البائع يده بيد المشتري عند عقد

(1) أحمد (6434)، أبو داود (3456)، الترمذي (1247)، النسائي (7/ 251)، الدارقطني (3/ 50)، ابن الجارود (620)، البيهقي (5/ 271).

ص: 360

البيع، حتى يسمع لها صوت، وكانت هذه عادة العرب عند إيجاب البيع، ثم سمي عقد البيع صفقة.

- صفقة الخيار: الصفقة هي أن يعطي الرجل الرجل عهده وميثاقه، فيضع يده في يده، والمراد هنا يتبايعان على أنَّ لا خيار مجلس بينهما، ويوجبان البيع.

صفقة خيار: بالرفع على أنَّ "كان" تامة أي: إلَاّ أن توجد صفقة خيار، وبالنصب على أنَّ "كان" ناقصة، واسمها مضمر، والتقدير إلَاّ أن تكون الصفقة صفقة خيار.

- خشْية أن يَسْتَقِيله: خوف أن يرجع في بيعته، ويفسخها معه.

- البائع والمبتاع: هما متبايعان حقيقة، وقد ترتبت أحكام الملك وعهدته على كل واحد منهما؛ من الثمن والمثمن، وأما خيار المجلس فما هو إلَاّ فسحة لكل منهما لاستدراك ما قد غفل عنه، هذا ما لم يسقطا هذا الحق بإمضاء البيع بلا خيار.

* ما يؤخذ من الحديثين:

1 -

لما كان البيع قد يقع بلا تفكر ولا تروٍّ، فيحصل للبائع أو المشتري ندم على فوات بعض مقاصده، جعلَ له الشارع الحكيم أمدًا يتمكن فيه من فسخ العقد، وهذا الأمد هي مدة مجلس العقد، فما دام العاقدان في مجلس العقد، فلكل منهما الخيار في إمضاء العقد، أو فسخه.

2 -

إذا افترق العاقدان بأبدانهما عن مجلس العقد قبل فسخ العقد لزم البيع.

قال الوزير: اتَّفقوا على أنَّه إذا وجب البيع، وتفرقا من المجلس من غير خيار، فليس لأحدهما الرد إلَاّ بعيب.

3 -

أنَّ العاقدين لو اتَّفقا على إسقاط الخيار بعد العقد، وقبل التفرق سَقط، أو تبايعا على أن لا خيار بينهما لزم العقد؛ لأنَّ الحق لهما وكيفما اتَّفقا جاز، ولو أسقط أحدهما خياره بقي خيار الآخر.

ص: 361

4 -

لم يحد الشارع حدًّا للتفرق فمرجعه إلى العرف، فما عده الناس تفرقًا أنيط الحكم به، ولزم البيع، فالتنحي في الصحراء يعد تفرقًا، والخروج من البيت الصغير، أو الصعود إلى أعلاه، يعد تفرقًا ملزمًا للبيع.

5 -

تحريم التفرق خشية فسخ العقد، لقوله:"ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله" ولأنَّه تحيل لإسقاط حق الغير الواجب.

قال الإمام أحمد: يحرم التحيل لإبطال حق مسلم.

قال ابن القيم: اتفق السلف على أنَّ من احتال على تحليل ما حرَّم الله، أو إسقاط ما شرع كان ساعيًا في دين الله بالفساد.

6 -

قوله: "وكانا جميعًا" أي مجتمعين في موضع واحد، مما يؤكد أنَّ المراد بالتفرق هو التفرق بالأبدان لا بالكلام، كما ذهب إليه النَّخعي.

قال الخطابي: وعلى هذا أمر الناس، وعرف أهل اللغة، وظاهر الكلام أنَّه إذا قيل: تفرق الناس كان المفهوم منه التمييز بالأبدان.

قال أبو برزة وابن عمر: التفرق بالأبدان، قال الحافظ: ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة، وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

قال النووي: ومَن قال بعدمه، ترد عليه الأحاديث الصحيحة.

7 -

قال ابن القيم: أثبت الشارع خيار المجلس في البيع حكمة ومصلحة للمتعاقدين، وليحصل تمام الرضا الذي شرطه الله تعالى فيه بقوله:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].

فإنَّ العقد قد يقع بغتة من غير تروٍّ، ولا نظر في القيمة، فاقتضت محاسن هذه الشريعة الكاملة أن يجعل للعقد أمدًا يتروَّى فيه المتعاقدان، ويعيدان فيه النظر، وليستدرك كل واحد منهما ما فاته.

8 -

قال الوزير: اتَّفقوا على أنَّ خيار المجلس لا يثبت في العقود التي هي غير

ص: 362

لازمة، كالشركة والوكالة، كما اتَّفقوا على أنَّه لا يثبت في العقود اللازمة، التي لا يقصد فيها العوض، كالنكاح والخلع.

* خلاف العلماء:

ذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة إلى ثبوت خيار المجلس.

فمن الصحابة علي، وابن عباس، وأبو هريرة، وأبو برزة، ومن التابعين سعيد بن المسيب، وعطاء، والحسن، وطاووس، والشعبي، والزهري.

ومن الأئمة: الليث، والأوزاعي، وسفيان بن عيينة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والبخاري، وكثير من المحققين.

ودليلهم: ما جاء فيه من الأحاديث الصحيحة الصريحة.

وذهب الإمامان: أبو حنيفة ومالك إلى عدم ثبوته، واعتذروا عن العمل بالأحاديث بأعذار ضعيفة، أجاب عنها الجمهور بما ردها وأوهاها.

فمن أعذارهم:

أولاً: أنَّ الأحاديث على خلاف عمل أهل المدينة، وعملهم حجة.

وأجيب بأنَّ كثيرًا من أهل المدينة يرون الخيار، ومنهم الصحابة المذكورون، ومن التابعين سعيد بن المسيب.

قال ابن عبد البر: لا تصح دعوى إجماع أهل المدينة في هذه المسالة؛ لأنَّ سعيد بن المسيب، وابن شهاب وهما من أجل فقهاء المدينة روي عنهما العمل بذلك، فكيف يصح لأحد أن يدَّعي إجماع أهل المدينة في هذه المسألة، هذا لا يصح القول به.

قلتُ: وعلى فرض أنَّهم مجمعون فليس إجماعهم بحجة؛ لأنَ الحجة إجماع الأمة التي ثبتت لها العصمة.

قال ابن دقيق العيد: الحق إجماع أهل المدينة ليس بحجة، وقد أجاد

ص: 363

العلماء وأفادوا بالرد على شبههم، التي حاولوا بها رد أحاديث صحيحة صريحة واضحة، والله الموفق.

ثانيًا: أوَّدوا التفرق بأنه تفرق بالأقوال، وهو الفراغ من العقد، وحمل المتبايعين على المتساومين. لأنَّهما على صدر البيع، وهذا غير محله، ذلك أنَّ علماء اللغة أطبقوا على أنَّ المفهوم من التفرق هو التفرق بالأبدان، وأيضًا فنص الحديث يأبى هذا التأويل.

ففي بعض الروايات: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلَاّ بيع خيار" فهذا استثناء من مفهوم الغاية، والمعنى: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا سقط الخيار، ولزم البيع إلَاّ بيع خيار، أي: إلَاّ بيعًا شرط فيه الخيار، فإنَّ الخيار بعدُ باقٍ إلي أن يمضي الأجل المضروب للخيار المشروط.

وعلى كل فالخلاف في المسألة قديم، وكتبت في صفحات طويلة ومناقشات، وأدلة لكل من الطرفين، ولكن ما تقدم هو ملخصها مع بيان الراجح منها.

***

ص: 364

706 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "ذَكرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَن يُخْدَعُ فِي البُيُوعِ، فَقَال: إِذَا بَايَعْتَ، فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- رجل: هو حبَّان، بفتح الحاء والباء الموحدة المشددة وآخره نون، هو حبان بن منقذ بن عمرو الأنصاري الخزرجي المازني، وهو جد محمَّد بن يحيى بن حبَّان شيخ الإمام مالك، وكان في لسانه ثِقل، فقد شجَّ في أحد مغازيه مع النبي صلى الله عليه وسلم بحجر، فأصابته في رأسه مأمومة، فتغير بها لسانه وعقله، فإذا اشتركا يقول: لا خِلابة؛ لأنَّه كان يُخْدع في البيع لضعفٍ في عقله، وتوفي في خلافة عثمان.

- لا خِلابة: بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام مفتوحة ثم باء مفتوحة أيضاً وآخره تاء، أي لا خديعة، يقال: خلبه يخلبه خلبًا وخلابة، ورجل خالب وخلاب: أي خداع، فالخلب، الخديعة باللسان.

لا خلابة: "لا" نافية للجنس، وخبرها محذوف، والمعنى أنَّ الدين النصيحة، فلا خديعة في الإسلام.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

جاء في السنن عن أنس أنَّ رجلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبتاع، وكان في عقله ضعف، فاتى أهله النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله! احجر على فلان فإنه يبتاع، فدعاه ونهاه عن البيع، فقال: يا رسول الله! إني لا أصبر عن

(1) البخاري (2117)، مسلم (1533).

ص: 365

البيع، فقال:"إن كنتَ غير تارك للبيع فقل: ها ها، ولا خِلابة".

2 -

فالحديث فيه إثبات خيار الغبن لمن كان لا يُحسن المماكسة، ولا يعرف القيمة، إذا غبن في البيع أو الشراء، فله حق إرجاع المبيع على صاحبه، والرجوع بثمنه، ومثله إذا باع سلعته، وغبن فيها.

3 -

ثبوت خيار الغبن، والمراد بالغبن الذي يخرج عن العادة، أما الغبن بالشيء اليسير الذي يجري عادة بين المتبايعين، فليس له اعتبار.

4 -

جمهور العلماء -ومنهم الحنفية والشافعية- ذهبوا إلى عدم ثبوت الخيار بالغبن، لعموم أدلة نفوذ البيع من غير تفرقة بين الغبن وعدمه، وأجابوا عن الحديث بأنَّ الرجل في عقله ضعف، فتصرفه كتصرف الصبي المأذون له، فهي قصة خاصة، لا عموم لها.

وذهب الإمامان: مالك وأحمد إلى ثبوت الخيار إذا غبن في البيع. أو الشراء، غبنًا يخرج عن العادة.

أما الغبن اليسير الذي جرت العادة بالسماح به بين الناس، وهو يقع بين الناس كثيرًا في بيوعهم: فلا يثبت به خيارة فإنه لا عبرة به.

5 -

الغبن محرَّم لما فيه من التغرير والغش المنهي عنه، ويحرم تعاطي أسبابه.

6 -

عقد الغبن صحيح، فإن أمضى المغبون العقد فليس له أرش مع الإمساك، لأنَّ الشارع لم يجعل له ذلك، ولأنَّه لم يفته من جزء من المبيع.

***

ص: 366