الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب البيوع
مقدمة
لما فرغ المؤلف من بيان العبادات، التي يقصد منها الثواب الأخروي، شرع في بيان المعاملات التي يقصد منها التحصيل الدنيوي، فبعد أن جاء بالعبادات؛ لأهميتها، ثنَّى بالمعاملات؛ لأنَّها ضرورية، وأخَّر النكاح؛ لأنَّ شهوته متأخرة عن الأكل والشرب ونحوهما، وختم بالجنايات والمخاصمات؛ لأنَّ وقوع ذلك -في الغالب- إنما هو بعد الفراغ من شهوة البطن والفرج.
والبيوع: جمع بيع، والبيع مصدر، والمصادر لا تجتمع، لكن جمع لملاحظة تعدد أنواعه، واختلافها.
وهو لغةً: أخذ شيء وإعطاء شيء، فهو مشتق من الباع، الذي يمد إما عندما يعقد الصفقة، أو عند أخذ المعقود عليه من الثمن، أو المثمن.
وهو شرعًا: مبادلةُ مالٍ بمالٍ لقصد التملك، بما يدل عليه من صيغ العقد القولية، وما يدل عليه من الفعل، وهو جائز بالأصول الأربعة.
1 -
الكتاب: قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275].
2 -
السنة: قال صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"[رواه البخاري (2108)، ومسلم (1532)].
3 -
وأجمع المسلمون على جوازه.
4 -
ويقتضيه القياس: لأنَّ الحاجة داعية إليه، فلا يحصل الإنسان على ما
يحتاجه إذا كان بيد غيره -غالبًا- إلَاّ بطريقه.
* الصيغة:
الصيغة التي ينعقد بها البيع هي الإيجاب المصادر من البائع، كقوله: بعتكه بكذا، والقبول المصادر من المشتري، كقوله: قبلتُ ونحوه.
وأجاز الحنابلة عقده بالصيغة الفعلية وتسمى "المعاطاة" وذلك بأن لا يصدر من العاقدين إيجاب وقبول، بل يضمع المشتري الثمن، ويأخذ المثمن، أو لا تصدر إلَاّ من واحد منهما، فحينئذٍ تقوم المعاطاة مقام الإيجاب والقبول؛ للدلالة على الرضا، ولعدم التعبد بألفاظه.
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول: إنه ينعقد بكل قول أو فعل عده الناس بيعًا، لأنَّ الله لم يتعبدنا بألفاظ معيَّنة، وإنما القصد الدلالة على معناه، فبأي لفظٍ دلَّ عليه حصل المقصود.
فالعقد عند كل قوم يتم بما يفهمونه بينهم من الصيغ، وليس لذلك حدٌّ مستمرٌ، لا في شرعٍ ولا في لغةٍ، بل بتنوع اصطلاح الناس، كما في تنوع لغاتهم، وهذه القاعدة تدل عليها أصول الشريعة، وهي التي تعرفها القلوب.
وهي الغالب على أصول مالك وأحمد.
والأصل: في المعاملات والعادات الحل والإباحة؛ لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29].
فمن حرم شيئًا من ذلك فعليه الدليل؛ لأنَّه على خلاف الأصل، وبهذا يعلم سماحة الشريعة، وسعتها، ومرونتها، وصلاحيتها لكل زمان ومكان، وتطورها حسب مقتضيات أحوال البشر، ومصالح الناس، والعدل بينهم.
أما المعاملات والعقود المحرَّمة: فترجع إلى ظلم الطرفين، أو أحدهما، وذلك راجع إلى قواعد ثلاث هي:
1 -
قاعدة الربا.
2 -
قاعدة الغرر والجهالة.
3 -
قاعدة الخداع والتغرير.
فهي أساس المعاملات المحرَّمة، ويدخل تحتها من الصور والجزئيات الشيء الكثير، من العقود والأحكام التي يحرمها الإسلام، وقد فصَّلت الشريعة أحكام المعاملات والأحوال الشخصية، والجنايات والعقوبات، مما يدل على أنَّ الإسلام دين ودولة، فكما أنَّه يُعنى فيما بين العبد وبين ربه من عبادات، كذلك ينظم أعماله وتصرفاته في أعمال الحياة الدنيا.
فالإسلام لم يدع شيئاً مما يصلح أحوال هذا المجتمع إلَاّ نظَّمه أحسن نظام: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائدة].
* شروط البيع، وما نهي عنه:
الشروط: مفرده شرط، وهو ما يلزم من عدمه العلم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته.
البيع: عقد من العقود التي لا تصح إلَاّ بوجود شروطها، وانتفاء موانعها، وبدون ذلك فلا يصح أن يكون محل عقد.
ونلخص الشروط التي اعتبرها الفقهاء شروطًا لصحة البيع بالاستقراء والتتبع، نلخصها بهذه الفقرات:
1 -
الرضا من المتعاقدين: فلا يصح من مكرَه بغير حق.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: الرضا أصل ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، وهو مقتضى العدل والإنصاف.
2 -
أهلية العاقد: وهو البائع والمشتري، بأن يكون جائز التصرف، وهو المكلف الرشيد.
3 -
أن يكون المعقود عليه: أو على منفعته، من ثمن أو مثمن مباح النفع.
4 -
أن يكون العاقد: مالكًا للمعقود عليه، أو مأذونًا له في العقد عليه.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: وهذه قاعدة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع والقياس.
5 -
أن يكون المعقود عليه مقدورًا على تسليمه.
6 -
أن يكون المبيع والثمن، معلومين للبائع والمشتري، فلا يصح على مجهول.
أما ما نهي عنه من البيع فهو إما يرجع إلى الجهالة، أو إلى الغرر، أو إلى الربا بأنواعه، وستأتي مفصلة إن شاء الله تعالى.
* قرار المجمع الفقهي بشأن حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمَّد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه،
إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة، في المملكة العربية السعودية، من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 - 20 آذار مارس 1990 م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع:"إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة".
ونظرًا إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال وجريان العمل بها في إبرام العقود، لسرعة إنجاز المعاملات المالية والتصرفات، وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب، وبالكتابة، وبالإشارة، وبالرسول، وما تقرر من أنَّ التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس عدا الوصية، والإيصاء، والوكالة، وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والموالاة بين الإيجاب والقبول، بحسب العرف.
قرَّر:
1 -
إذا تمَّ التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد، ولا يرى أحدهما الآخر معاينة، ولا يسمع كلامه، وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة، أو الرسالة، أو السفارة "الرسول"، وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس، وشاشات الحاسب الآلي "الكمبيوتر"، ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله.
2 -
إذا تمَّ التعاقد بين طرفين في وقت واحد، وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإنَّ التعاقد بينهما يعتبر تعاقدًا بين حاضرين، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء، المشار إليها في الديباجة.
3 -
إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجابًا محدد المدة، يكون ملزمًا بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة، وليس له الرجوع عنه.
4 -
أنَّ القواعد السابقة لا تشمل النكاح؛ لاشتراط الإشهاد فيه، ولا الصرف؛ لاشتراط التقابض، ولا السلم؛ لاشتراط تعجيل رأس المال.
5 -
ما يتعلَّق باحتمال التزييف، أو التزوير، أو الغلط، يرجع فيه إلى القواعد العامة للإثبات.
* قرار المجمع الفقهي بشأن انتزاع الملكية للمصلحة العامة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمَّد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18 - 23 جمادى الآخرة 1408 هـ الموافق 6 - 11
فبراير 1988 م.
بعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع "انتزاع الملك للمصلحة العامة".
وفي ضوء: ما هو مسلم في أصول الشريعة، من احترام الملكية الفردية، حتى أصبح ذلك من قواطع الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، وأنَّ حفظ المال أحد الضروريات الخمس، التي عرف من مقاصد الشريعة رعايتها، وتواردت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على صونها، مع استحضار ما ثبت بدلالة السنة النبوية، وعمل الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من نزع ملكية العقار للمصلحة العامة، وتطبيقًا لقواعد الشريعة العامة في رعاية المصالح، وتنزيل الحاجة العامة منزلة الضرورة، وتحمل الضرر الخاص لتفادي الضرر العام.
قرَّر ما يلي:
أولاً: يجب رعاية الملكية الفردية وصيانتها من أي اعتداء عليها، ولا يجوز تضييق نطاقها، أو الحد منها، وللمالك مسلط على ملكه، وله في حدود المشروع التصرف فيه بجميع وجوهه، وجميع الانتفاعات الشرعية.
ثانيًا: لا يجوز نزع ملكية العقار للمصلحة العامة إلَاّ بمراعاة الضوابط والشروط الشرعية التالية:
1 -
أن يكون نزع العقار مقابل تعويض فوري. عادل، يقدره أهل الخبرة بما لا يقل عن ثمن المثل.
2 -
أن يكون نازعه ولي الأمر، أو نائبه في ذلك المجال.
3 -
أن يكون النزع للمصلحة العامة التي تدعو إليها ضرورة عامة، أو حاجة عامة، تنزل منزلتها كالمساجد والطرق والجسور.
4 -
أن لا يؤول العقار المنزوع من مالكه إلى توظيفه في الاستثمار العام أو
الخاص، وألا يعجل نزع ملكيته قبل الأوان.
فإن اختلت هذه الشروط أو بعضها كان نزع ملكية العقار من الظلم في الأرض، والغصوب التي نهى الله تعالى عنها، ورسوله صلى الله عليه وسلم.
على أنَّه إذا صرف النظر عن استخدام العقار المنزوعة ملكيته في المصلحة المشار إليها تكون أولوية استرداده لمالكه الأصلي، أو لورثته بالتعويض العادل. والله أعلم.
***