الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الضمان
مقدمة
الضمان: من التضمن؛ لأنَّ ذمة الضامن تتضمن الحق الذي في ذمة المضمون عنه.
وشرعًا: التزام من يصح تبرعه دينًا، وَجَبَ أو سيجب على غيره، مع بقاء ما وجب، أو سيجب على المضمون عنه، فلا يسقط عنه بالضمان.
وهو ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع ويقتضيه القياس الصحيح.
قال تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)} [يوسف].
وأما السنة: فمثل حديث جابر، وحديث أبي هريرة في الباب.
وأجمع على جوازه، ونفوذه العلماء.
ويصح وينعقد بلفظ: أنا ضمينٌ، وكفيلٌ، وحميلٌ، وزعيمٌ، ونحوه مما دلَّ عليه.
وقال الشيخ تقي الدين: قياس المذهب أنَّ الضمان يصح بكل لفظ فُهِم منه الضمان عرفًا.
***
751 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: "تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنَّا، فَغَسَّلْنَاهُ، وَحَنَّطْنَاهُ، وَكفَّنَّاهُ، ثُمَّ أتيْنَا بِهِ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ؟ فَخَطَا خُطًا، ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ فَقُلْنَا: دِيْنَارَانِ فَانْصَرَفَ، فَتَحَمَّلَهُمَا أبُو قَتَادَةَ، فَأَتيْنَاهُ، فَقَالَ أبُو قَتَادَةَ: الدِّيْنَارَانِ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: حَقَّ الغَرِيمَ، وَبَرِيءَ مِنْهُمَا المَيِّتُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ" رَواهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح الإسناد، رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، ابن حبان، والدارقطني، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذَّهبي.
وللحديث شواهد منها:
1 -
حديث أبي قتادة، رواه النسائي، وابن ماجة (2398)، وأحمد، وابن حبان.
2 -
حديث سلمة بن الأكوع، في البخاري (2169).
3 -
حديث أبي أمامة عند ابن حبان في الثقات (3059).
وبين هذه الشواهد زيادات ونقص.
* مفردات الحديث:
- حَنَّطنَاه: الحنوط، ويقال الحِناط بكسر الحاء: هو أنواع من الطيب والكافور،
(1) أحمد (3/ 330)، أبو داود (3343)، النسائي (4/ 65)، ابن حبان (3064).
وذريرة القصب والصندل الأحمر والأبيض، يوضع في أكفان الميت خاصة؛ لتصليب جسده، شده من بعض هذه المواد.
- فخطا خُطًا: أي مشى عدة خطوات، وخُطَا بالضم على وزن هُدى، جمع خطوة.
- فَتَحمَّلهَا: فضمن أبو قتادة الدينارين عن الميت لصاحب الدين.
- حق الغريم: منصوب على المصدر مؤكد لمضمون قوله: "الديناران عليَّ"، أي حقَّ عليك الحق، وثبت عليك، وكنت غريمًا.
- وبريءَ الميت: أي وخلص الميت من الدين، ومن تبعته.
***
752 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه "أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ المُتَوفَّى عَلَيْهِ الدَّينُ، فَيَسْأَلُ: هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِنْ قَضَاءٍ؟ فَإِنْ حُدِّثَ أنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِلَاّ قَالَ: صَلُّوا عَلى صَاحِبِكُمْ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الفُتُوحَ قَال: أنَا أوْلَى بِالمُؤْمِنِيْنَ مِنْ أنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: "فَمَنْ مَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً"(1).
ــ
* مفردات الحديث:
- عليه دين: جملة حالية.
- من قضاء: أي هل ترك قدرًا زائدًا على مؤنة تجهيزه يكفي لقضاء دينه.
- وإلَاّ: أي وإن لم يترك وفاء، قال:"صلوا على صاحبكم".
- الفُتُوح: أي لما جاءت فتوح بلدان الكفار، وصار في بيت المال من أموال الفيء.
- أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم: أي أحق وأقرب إليهم من أنفسهم، لما له صلى الله عليه وسلم عليهم من الحُكم النافذ فيهم، فكذلك هو ضامن لأداء ديونهم إذا كانوا معذورين ومعسرين.
* ما يؤخذ من الحديثين:
1 -
عِظَم خطر الدين، وأنَّه من أهم الواجبات على الميت، فإنَّ الشهادة في سبيل الله تكفر جميع الذنوب كبيرها وصغيرها إلَاّ الدَّين، كما جاء ذلك في صحيح
(1) البخاري (2398، 6731)، مسلم (1619).
مسلم (1885) عن أبي قتادة أنَّ رجلاً سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: "أرأيتَ إن قُتِلت في سبيل الله، أتكَفَّر عني خطاياي؟ فقَال: "نعم إلَاّ الدَّين، فإنَّ جبريل قال لي ذلك".
2 -
أنَّ ذمة الميت مشغولة بدينه والحقوق التي عليه حتى تؤدى عنه، فتجب المبادرة بأدائها، لما روى الإمام أحمد (9302) والترمذي وحسَّنه من حديث أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"نفس المؤمن معلَّقة بدينه حتى يُقْضى عنه".
قال شيخ الإسلام: وهذا الدين سواء كان لله تعالى كالزكاة والحج ونذر الطاعة والكفارة، أو للآدمي كأمانةٍ، وغصبٍ، وعاريةٍ، وغير ذلك.
وسواء أوصى بذلك أو لم يوص به؛ لأنَّها حقوق واجبة الأداء مطلقًا.
3 -
الحديث أصل في جواز الضمان، حينما يلتزم المكلف الرشيد بذمته ما وجب على غيره من الحقوق المالية، مع بقاء تلك الحقوق بذمة المكفول.
4 -
استحباب المبادرة في قضاء دين الميت؛ لتأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه حينما علِمَ أنَّه مدين.
5 -
جواز الضمان في الحقوق المالية حتى عن الميت، سواء ترك وفاء أو لم يترك؛ لأنَّ أبا قتادة لما تحمل دين الميت صلَّى عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
6 -
أنَّ هذا التحمل عن الميت لا يبرئه براءة تامَّة من الدين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: نفس المؤمن معلقةٌ بدينه، حتى يُقضى عنه" رواه أحمد (9302) ولأنَّه لما أخبره أبو قتادة بأنه قضى عن الميت دينه قال:"الآن برَّدْتَ عليه جلدته"[رواه أحمد (14009)] ولكنه يخفف عنه ثقله.
7 -
يترتب على هذا أنَّ الأفضل هو المبادرة بقضاء دين الميت، فإن لم يمكن يتحمل أحد عنه دينه، ويبادر أيضًا بقضائه؛ لتكمل راحة الميت من تبعاته.
8 -
من عظم الدين وحقوق العباد -ولعله من "باب التعزير"- امتناع النبي صلى الله عليه وسلم-
من الصلاة عليه، فإنَّ في ذلك ردعًا لغيره عن التهاون بحقوق العباد.
9 -
أما ما جاء في الحديث رقم: (752) من كونه صلى الله عليه وسلم يوفي دين من مات وعليه دين، ليس عنده ما يُوفَّى به عنه، فذلك بعد أن كَثُرت عنده أموال الفيء، أما الحالة الأولى فكانت في حال خلو بيت مال المسلمين من المال.
10 -
النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأشفق عليهم من أنفسهم، فكان من تمام رأفته بهم، وشفقته عليهم أنَّه يتحمل عن موتاهم ديونهم، التي لا يوجد لها وفاء بعدهم، ويوفيها من بيت مال المسلمين.
11 -
أنَّ الأحكام الشرعية تكون حسب المصالح والأحوال الراهنة، فولي أمر المسلمين إذا كان في خزينة الدولة شيء قام بواجبات الولاية وأمر الرعية، التي منها وفاء ديون المعسرين، وإذا لم يكن في الخزينة شيء، أو كانت النفقات الأخر أهم، ولا أمكن التوفيق بينهما فلا يلزم ولي الأمر شيء.
12 -
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: ما يجب على بيت المال دفعه من الديات والديون:
الأولى: إذا مات أحد المسلمين وعليه دين من دية، أو غيرها من الديون ولم يخلف له وفاءً، فعلا ولي الأمر قضاؤه من بيت المال، كما ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة.
الثانية: إذا جنى إنسانٌ على آخر وقَتلَهُ، وكانت الجناية خطأً، أو شبه عمد، ولم يكن له عاقلةٌ موسرةٌ، فالدية في بيت المال.
الثالثة: كل من جُهل قاتله بزحمة ونحو ذلك فديته في بيت المال.
الرابعة: إذا حكم القاضي بالقسامة فنكل الورثة عن الأيمان، ولم يرضوا بيمين المدَّعى عليه، فداه الإمام من بيت المال.
* قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي بشأن خطاب الضمان: قرار رقم (12):
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فإنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10 - 16 ربيع الثاني 1406 هـ، الموافق 22 - 27 ديسمبر 1985 م.
بحث مسألة خطاب الضمان: وبعد النظر فيما أعد في ذلك من بحوث ودراسات وبعد المداولات والمناقشات المستفيضة تبين ما يلي:
1 -
أنَّ خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي والانتهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاء أو بدونه، فإن كان بدون غطاء، فهو: ضم ذمة الضامن إلى ذمة غيره فيما يلزم حالاً أو مآلاً، وهذه هي حقيقة ما يعني في الفقه الإسلامي، باسم:"الضمان" أو "الكفالة".
وإن كان خطاب الضمان بغطاء، فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدره هي "الوكالة"، والوكالة تصح بأجر، أو بدونه، مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد "المكفول له".
2 -
أنَّ الكفالة هي عقد تبرع يقصد للإرفاق والإحسان، وقد قرَّر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة؛ لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جرَّ نفعًا على المقرض، وذلك ممنوع شرعًا.
ولذلك فإنَّ المجمع قرَّر ما يلي:
أولاً: إنَّ خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجر عليه لقاء عملية الضمان: "والتي يراعى فيها عادةً مبلغ الضمان ومدته" سواءٌ كان بغطاء أم بدونه.
ثانيًا: أما المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان بنوعية فجائزة شرعًا، مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل، وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي، يجوز أن يراعى في تقدير المصاريف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء ذلك الغطاء.
والله أعلم
* قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن موضوع بطاقات الائتمان غير المغطاة: قرار رقم (108):
إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية من 25 جمادى الآخرة 1421 هـ إلى غرة رجب 1421 هـ، الموافق 23 - 28 سبتمبر 2000م.
بناءً على قرار المجلس رقم: (65/ 1/ 7) في موضوع الأسواق المالية بخصوص بطاقة الائتمان، حيث قرَّر البت في التكييف الشرعي لهذه البطاقة وحكمها إلى دورة قادمة.
وإشارة إلى قرار المجلس في دورته العاشرة رقم (102/ 4/ 10)، وبعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع "بطاقات الائتمان غير المغطاة" وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله من الفقهاء والاقتصاديين، ورجوعه إلى تعريف بطاقة الائتمان في قراره رقم:(63/ 1/ 7) الذي يستفاد منه تعريف بطاقة الائتمان غير المغطاة بأنَّه:
مستند يعطيه مصدره "البنك المصدر" لشخص طبيعي أو اعتباري "حامل
البطاقة" بناء على عقد بينهما، يمكنه من شراء السلع، أو الخدمات، ممَّن يعتمد المستند "التاجر"، دون دفع الثمن حالاً، لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ويكون الدفع من حساب المصدر، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية، وبعضها يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع بعد فترة محددة من تاريخ المطالبة، وبعضها لا يفرض فوائد.
قرَّر ما يلي:
أولاً: لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة، ولا التعامل بها، إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية، حتى ولو كان طالب البطاقة عازمًا على السداد ضمن فترة السماح المجاني.
ثانيًا: يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن شرط زيادة ربوية على أصل الدين.
ويتفرع على ذلك:
(أ) جواز أخذ مصدرها من العميل رسومًا مقطوعة عند الإصدار أو التجديد، بصفتها أجراً فعليًّا على قدر الخدمات المقدمة منه.
(ب) جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد.
ثالثًا: السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراض من مصدرها، ولا حرج فيه شرعًا، إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة، وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرَّمة؛ لأنَّها من الربا المحرَّم شرعًا، كما نصَّ على ذلك المجمع في قراره رقم:(13/ 10/ 2) و (13/ 1/ 3).
رابعًا: لا يجوز شراء الذَّهب والفضة، وكذا العملات النقدية بالبطاقة غير المغطاة.
والله سبحانه وتعالى أعلم