الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الشركة
مقدمة
الشركة: لها ثلاث أوزان:
فهي بوزن: سَرِقَة، ونِعْمَة، وثَمَرَة.
هي لغة: الاختلاط، ومنه قوله تعالى:{وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24].
يقال: شركتك في الأمر، وأشركته فيه، صِرتُ شريكًا فيه.
وشرعًا: هي نوعان:
الأول: شركة أملاك: وهي الاجتماع في استحقاف مالي، إما عقارٌ، وإما منقول، وإما منفعة دون العين، يكون ذلك مشتركًا بين اثنين فأكثر، ملكاه بطريقة الشراء، أو الهبة، أو الإرث، أو غير ذلك، فهذا النوع من الاشتراك كل واحدٍ من الشريكين أجنبيٌ في نصيب شريكه، لا يجوز له التصرف فيه إلَاّ بإذنه.
الثاني: شركة عقود: وهي اجتماع في التصرف من بيع ونحوه، والقسم الأخير هو المراد هنا، فهنا ينفذ تصرف كل واحد من الشريكين بحكم الملك في نصيبه، وبحكم الوكالة في نصيب شريكه.
والشركة: ثابتةٌ بالكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس:
أمَّا الكتاب: قال تعالي: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24].
والسنة: كأحاديث الباب.
والإجماع: أجمع العلماء عليها في الجملة.
والقياس: والقياس الصحيح يقتضيها، فإنَّها عظيمة المصلحة، فهي على أصول العقود.
* أنواع الشركات:
حسب الاستقراء والتتبع، فإنَّ فقهاءنا الأقدمين قسَّموا شركات العقود إلى خمسة أنواع:
الأول: شركة عنان: وهي أن يشترك اثنان فأكثر بمالَيْهِما؛ ليعملا فيه ببدنهما، أو يعمل أحدهما ويكون له من الربح أكثر من ربح الآخر.
الثاني: شركة المضاربة؛ وهي أن يدفع شخصٌ مالاً معلومًا؛ ليتجر فيه شخصٌ آخر، بجزءٍ مُشاعٍ معلومٍ من ربحه.
الثالث: شركة الوجوه: بأن يشترك اثنان فأكثر بربح ما يشتريانه بذمتيهما من عروض التجارة، من غير أن يكون لهما مال، فما ربحاه فهو بينهما، على حسب ما شرطاه.
الرابع: شركة أبدان: بأن يشترك اثنان فأكثر فيما يكتسبان بأبدانهما من مباح، أو يشتركا فيما يتقبلانه في ذمتيهما من عمل.
الخامس: شركة المفاوضة: وهي أن يفوض كل منهما الآخر في كل تصرف مالي وبدني، بيغا وشراءً في الذمة، وفي كل ما يثبت لهما أو عليهما من غير أن يدخلا فيها كسبًا، أو غرامة مالية خاصة.
وشركة المفاوضة تشبه ما يسمى في هذا العصر بالشركة المختلطة.
* أقسام الشركات المعاصرة:
تنقسم الشركة بالنسبة لتكوينها إلى قسمين:
1 -
شركات أشخاص: هي التي يبرز فيها الشخص عند التكوين، بأن يكون
الاعتبار فيها لشخص الشريك.
2 -
شركات أموال: هي التي يتضاءل فيها العنصر الشخصي، وإنما تكون الأهمية للمال في استغلال الشركة.
* أنواع شركات الأشخاص:
1 -
شركات التضامن: هي الشركة التي يعقدها شخصان أو أكثر بقصد التجارة، ويكون فيها جميع الشركاء ملزمين بالتضامن عن جميع التزامات الشركة في أموالهم العامة والخاصة.
2 -
شركات التوصية البسيطة: هي الشركة التي تعقد بين شخص واحد أو أكثر من جانب، ويكونون مسئولين بالتضامن في جميع أموالهم عن ديون الشركة، وعن إدارة الشركة، ويسمون شركاء متضامنين، كما تكون شركة التوصية بين شريك واحد أو أكثر يكونون أصحاب حصص مالية، ولا يسألون إلَاّ بمقدار حصصهم، ولا يتدخلون في إدارة الشركة، ويسمون شركاء موصين.
3 -
شركات المحاصة: هي شركة تقوم بين الشركاء وحدهم، ولا وجود لها بالنسبة للآخرين، فمن عقد من الشركاء المحاصين عقداً مع الغير يكون مسئولاً عنه وحده، والأرباح والخسائر بينهم بحسب الاتفاق.
* أنواع شركات الأموال:
1 -
شركة المساهمة: هي التي يقسم فيها رأس المال إلى أسهم متساوية القيمة، ويكون لكل شريك عدد من الأسهم.
2 -
شركة التوصية بالأسهم: وهي شركة تشبه شركة التوصية البسيطة؛ لأنَّ فيها نوعين من الشركاء: شركاء متضامنين، وشركاء موصين لا يسألون إلَاّ بمقدار حصصهم، وتشبه شركة المساهمة؛ لأنَّ الحصص تقسم إلى أسهم.
3 -
الشركة ذات المسؤلية المحدودة: هي شركة لها خصائص الشركات؛
ولكنها تمتاز بأنَّها أعفيت من أكثر قيود شركات المساهمة، وبقيت فيها مسؤولية الشركاء محدودة بمقدار الحصص التي يملكونها.
وهناك نوعٌ من الشركات يجمع بين صفة الشركات المدنية، والشركات التجارية، وقد أطلق عليها اسم الشركات المدنية ذات الشكل التجاري، وذلك إذا اتَّخذت الشركة المدنية شكلاً من أشكال الشركات التجارية كشركة مساهمة أو شركة ذات مسؤولية محدودة.
وكل ما تقدم من أنواع الشركات المعاصرة صحيحة، ذلك أنَّ الأصل في المعاملات الصحة.
* قرار المجمع الفقهيى بشأن الأسواق المالية، والإسهام في الشركات: قرار رقم (63):
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمَّد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه.
إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة، في المملكة العربية السعودية، من 7 إلى 12 ذوالقعدة 1412 هـ، الموافق 9 - 14 مايو 1992م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: الأسواق المالية، الأسهم، الاختيارات، السلع، الائتمان، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله.
قرَّر:
أولاً: الأسهم:
1 -
الإسهام في الشركات:
(أ) بما أنَّ الأصل في المعاملات الحل، فإنَّ تأسيس شركة مساهمة ذات
أغراضٍ وأنشطةٍ مشروعيةٍ، أمرٌ جائزٌ.
(ب) لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرَّم، كالتعامل بالربا، أو إنتاج المحرَّمات، أو المتاجرة بها.
(ج) الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحيانًا بالمحرمات، كالربا ونحوه، بالرغم من أنَّ أنشطتها الأساسية مشروعة.
2 -
ضمان الإصدار: (under writing)
ضمان الإصدار: هو الاتفاق عند تأسيس شركة مع من يلتزم بضمان جميع الإصدار من الأسهم، أو جزء من ذلك الإصدار، وهو تعهد من الملتزم بالاكتتاب في كل ما تبقى مما لم يكتتب فيه غيره، وهذا لا مانع منه شرعًا، إذا كان تعهد الملتزم بالاكتتاب بالقيمة الإسمية، بدون مقابل لقاء التعهد، ويجوز أن يحصل الملتزم على مقابل عن عمل يؤديه، غير الضمان، مثل إعداد الدراسات أو تسويق الأسهم.
3 -
تقسيم سداد السهم عند الاكتتاب؛
لا مانع شرعًا من أداء قسط من قيمة السهم المكتتب فيه، وتأجيل سداد بقية الأقساط؛ لأنَّ ذلك يعتبر من الاشتراك بما عجَّل دفعه، والتواعد على زيادة رأس المال، ولا يترتب على ذلك محذور؛ لأنَّ هذا يشمل جميع الأسهم، وتظل مسؤولية الشركة بكامل رأس مالها المعلن بالنسبة للغير، لأنَّه هو القدر الذي حصل العلم والرضا به من المتعاملين مع الشركة.
4 -
السهم لحامله:
بما أنَّ المبيع في "السهم لحامله" هو حصة شائعة في موجودات الشركة وأنَّ شهادة السهم هي وثيقة لإثبات هذا الاستحقاق في الحصة فلا مانع شرعًا من إصدار أسهم في الشركة بهذه الطريقة وتداولها.
5 -
محل العقد في بيع السهم:
إنَّ المحل المتعاقد عليه في بيع السهم هو الحصة الشائعة من أصول الشركة، وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق في تلك الحصة.
6 -
الأسهم الممتازة:
لا يجوز إصدار أسهم ممتازة لها خصائص مالية تؤدي إلى ضمان رأس المال، أو ضمان قدر من الربح، أو تقديمها عند التصفية، أو عند توزيع الأرباح.
ويجوز إعطاء بعض الأسهم خصائص تتعلَّق بالأمور الإجرائية، أو الإدارية.
7 -
التعامل في الأسهم بطرق ربوية:
(أ) لا يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار أو غيره للمشتري، لقاء رهن السهم، لما في ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن، وهما من الأعمال المحرَّمة بالنص على لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه.
(ب) لا يجوز أيضًا بيع سهم لا يملكه البائع، وإنما يتلقى وعدًا من السمسار بإقراضه السهم في موعد التسليم؛ لأنَّه من بيع ما لا يملك البائع، ويقوي المنع، إذا اشترط إقباض الثمن للسمسار؛ لينتفع به بإيداعه بفائدة، للحصول على مقابل الإقراض.
8 -
بيع السهم أو رهنه:
يجوز بيع السهم أو رهنه مع مراعاة ما يقتضي به نظام الشركة، كما لو تضمن النظام تسويغ البيع مطلقاً، أو مشروطاً بمراعاة أولوية المساهمين القدامى في الشراء، وكذلك يعتبر النص في النظام على إمكان الرهن من الشركاء برهن الحصة المشاعة.
9 -
إصدار أسهم مع رسوم إصدار:
إنَّ إضافة نسبة معيَّنة مع قيمة السهم، لتغطية مصاريف الإصدار، لا مانع
منها شرعاً، ما دامت هذه النسبة مقدرة تقديراً مناسباً.
10 -
إصدار أسهم بعلاوة إصدار أو حسم "خصم" إصدار:
يجوز إصدار أسهم جديدة؛ لزيادة رأس مال الشركة، إذا أصدرت بالقيمة الحقيقية للأسهم القديمة "حسب تقويم الخبراء لأصول الشركة"، أو بالقيمة السوقية.
11 -
ضمان الشركة شراء الأسهم:
يرى المجلس تأجيل إصدار قرار في هذا الموضوع لدورة قادمة، لمزيد من البحث والدارسة.
12 -
تحديد مسؤولية الشركة المساهمة المحدودة:
لا مانع شرعًا من إنشاء شركة مساهمة، ذات مسؤولية محدودة، برأس مالها؛ لأنَّ ذلك معلوم للمتعاملين مع الشركة، وبحصول العلم ينتفي الغرر عمن يتعامل مع الشركة، كما لا مانع شرعًا من أن تكون مسؤولية بعض المساهمين غير محدودة بالنسبة للدائنين بدون مقابل لقاء هذا الالتزام، وهي الشركات التي فيها شركاء متضامنون وشركاء محدودوا المسؤولية.
13 -
حصر تداول الأسهم بسماسرة مرخصين، واشتراط رسوم للتعامل في أسواقها:
يجوز للجهات الرسمية المختصة أن تنظم تداول بعض الأسهم، بأن لا يتم إلَاّ بواسطة سماسرة مخصوصين، ومرخصين بذلك العمل؛ لأنَّ هذا من التصرفات الرسمية المحققة لمصالح مشروعة.
وكذلك يجوز اشتراط رسوم العضوية المتعامل بها في الأسواق المالية؛ لأنَّ هذا من الأمور التنظيمية المنوطة بتحقيق المصالح المشروعة.
14 -
حق الأولوية:
يرى المجلس تأجيل البت في هذا الموضوع إلى دورة قادمة، لمزيد من
البحث والدارسة.
15 -
شهادة حق التملك:
يرى المجلس تأجيل البت في هذا الموضوع إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدارسة.
ثانيا: بيع الاختيارات:
صورة العقد:
إنَّ المقصود بعقود الاختيارات الاعتياض عن الالتزام ببيع شيء محدد موصوف أو شرائه بسعر محدد، خلال فترة زمنية معيَّنة أو فى وقت آخر إما مباشرة، أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين.
حكمه الشرعي:
إنَّ عقود الاختيارات كما تجري اليوم في الأسواق المالية العالمية هي عقود مستحدثة، لا تنضوي تحت أي عقد من العقود الشرعية المسماة.
وبما أنَّ المعقود عليه ليس مالاً، ولا منفعة، ولا حقًا ماليًّا يجوز الاعتياض عنه، فإنَّه عقد غير جائز شرعًا.
وبما أن هذه العقود لا تجوز ابتداءً، فلا يجوز تداولها.
ثالثاً: التعامل بالسلع والعملات والمؤشرات في الأسواق المنظمة:
1 -
السلع:
يتم التعامل بالسلع في الأسواق المنظمة بإحدى أربع طرق هي التالية:
الطريقة الأولى:
أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع، وتسلم الثمن في الحال، مع وجود السلع، أو إيصالات ممثلة لها في ملك البائع وقبضه.
وهذا العقد جائز شرعًا بشروط البيع المعروفة.
الطريقة الثانية:
أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع، وتسلم الثمن في الحال، مع إمكانهما بضمان هيئة السوق.
وهذا العقد جائز شرعًا بشروط البيع المعروفة.
الطريقة الثالثة:
أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة، في موعدٍ آجل، ودفع الثمن عند التسليم، وأن يتضمن شرطاً يقتضي أن ينتهي فعلاً بالتسليم والتسلم.
وهذا العقد غير جائز لتأجيل البدلين، ويمكن أن يعدل ليستوفي شروط السلم المعروفة، فإذا استوفى شروط السلم جاز.
وكذلك لا يجوز بيع السلعة المشتراة سَلَمًا قبل قبضها.
الطريقة الرابعة:
أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل، ودفع الثمن عند التسليم، دون أن يتضمن العقد شرط أن ينتهي بالتسليم والتسلم الفعلين بل يمكن تصفيته بعقد معاكس.
وهذا هو النوع الأكثر شيوعًا في أسواق السلع، وهذا العقد غير جائز أصلاً.
2 -
التعامل بالعملات:
يتم التعامل بالعملات في الأسواق المنظمة بإحدى الطرف الأربع المذكورة في التعامل بالسلع.
ولا يجوز شراء العملات وبيعها بالطريقتين الثالثة والرابعة.
أما الطريقتان الأولى والثانية فيجوز فيهما شراء العملات وبيعها بشرط استيفاء شروط الصرف المعروفة.
3 -
التعامل بالمؤشر:
المؤشر هو رقم حسابي يحسب بطريقة إحصائية خاصة، يقصد منه معرفة حجم التغير في سوقٍ معيَّنة، وتجري عليه مبايعات في بعض الأسواق العالمية.
ولا يجوز بيع وشراء المؤشر؛ لأنَّه مقامرة بحتة، وهو بيع شيء خيالي، لا يمكن وجوده.
4 -
البديل الشرعي للمعاملات المحرَّمة في السلع والعملات:
ينبغي تنظيم سوق إسلامية للسلع والعملات على أساس المعاملات الشرعية، وبخاصة بيع السلم، والصرف، والوعد، بالبيع في وقت آجل، والاستصناع وغيرها.
ويرى المجمع ضرورة القيام بدراسة وافية لشروط هذه البدائل، وطرائق تطبيقها في سوق إسلامية منظمة.
رابعًا: بطاقة الائتمان
تعريفها:
بطاقة الائتمان هي مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري، بناء على عقد بينهما، يمكنه من شراء السلع، أو الخدمات ممن يَعتَمِد المستَنَد دون دفع الثمن حالاً، لتضمنه التزام المصدر بالدفع.
ومن أنواع هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصارف. ولبطاقات الائتمان صور:
- منها: ما يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب حاملها في المصرف، وليس من حساب المصدر، فتكون بذلك مغطاة.
- ومنها: ما يكون الدفع من حساب المصدر، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية.
- ومنها: ما يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع، خلال
فترة محددة من تاريخ المطالبة.
- ومنها: ما لا يفرض فوائد.
- وأكثرها يفرض رسمًا سنويًّا على حاملها، ومنها ما لا يفرض فيه المصدر رسمَّا سنويًّا.
وبعد التداول قرر المجلس تأجيل البت في التكييف الشرعي لهذه البطاقة وحكمها إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدارسة. والله أعلم.
* قرار المجمع الفقهي الإسلامي بشأن حكم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا:
الحمد الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبيَّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة، والتي بدأت يوم السبت 20 من شعبان 1415هـ 21/ 1/ 1995م، قد نظر في هذا الموضوع وقرَّر ما يلي:
1 -
بما أنَّ الأصل في المعاملات الحِل والإباحة، فإنَّ تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مباحة، أمرٌ جائزٌ شرعًا.
2 -
لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرَّم، كالتعامل بالربا، أو تصنيع المحرَّمات، أو المتاجرة فيها.
3 -
لا يجوز لمسلمٍ شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها رِبًا، وكان المشتري عالماً بذلك.
4 -
إذا اشترى شخصٌ وهو لا يعلم أنَّ الشركة تتعامل بالرِبا، ثم علم فالواجب عليه الخروج منها.
والتحريم في ذلك واضح؛ لعموم الأدلة من الكتاب والسنة في تحريم
الربا؛ ولأنَّ شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا مع علم المشتري بذلك، يعني اشتراك المشتري نفسه في التعامل بالربا؛ لأنَّ السهم يمثل جزءًا شائعًا من رأس مال الشركة، والمساهم يملك حصة شائعة في موجودات الشركة، فكل مال تقرضه الشركة بفائدة، أو تقترضه بفائدة، فللمساهم نصيب منه؛ لأنَّ الذين يباشرون الإقراض والاقتراض بالفائدة يقومون بهذا العمل نيابة عنه، وبتوكيل منه، والتوكيل بعمل المحرَّم لا يجوز.
وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا والحمد لله رب العالمين.
* فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، بشأن "البورصة":
خلاصة الفتوى:
أولاً: أصل معنى كلمة "بورصة" كيس نقود ثم استُعملت في المكان الذي يجتمع فيه تجار مدينة، وصيارفتها، وسماسرتها، تحت رعاية حكومة، في ساعاتٍ محدودةٍ؛ للمضاربة في السلع التجارية، والأسواق الآجلة للعملات الأجنبية، وفي أسواق الأوراق المالية (الأسهم والسندات).
نشأت في رومانيا، ثم كانت في فرنسا في منتصف القرن السادس الميلادي تقريبًا، ثم انتشرت في الدول، وتطورت حتى انتهت إلى ما هي عليه اليوم.
وبهذا يُعلم أنَّ أنواعها:
(أ) مضاربة في السلع التجارية.
(ب) مضاربة في العملات الأجنبية.
(ج) مضاربة في الأوراق المالية "الأسهم والسندات".
ثانيًا: أن تقلب الأسعار في هذه الأسواق ارتفاعًا وانخفاضًا مفاجئًا،
وغير مفاجيء بحدة، وغير حدة، لا يخضع لمجرد اختلاف حالات العرض والطلب، بل يخضع لعوامل أخرى مفتعلة، فإنَّ السياسة النقدية أو المالية للحكومات ذات العملة الرئيسية الدولارات، الإسترليني، التي تفرضها هذه الحكومات من خلال بنوكها المركزية، ومؤسساتها النقدية، تؤثر كثيرًا على تقلب أسعار العملات بين الدول، وعلى اقتصادها، أضف إلى ذلك قوَّة السياسة المالية الحكومية وبنوكها، على إنشاء نقد، واتخاذ عوامل تؤدي إلى تضخم، أو انكماش نقد ما، ويسري ذلك إلى عملات أخرى من خلال التبادل الدولي الكبير للسلع والخدمات.
وبذلك يُعلم ما في أنواع البورصة من غرر فاحشٍ، ومخاطرة بالغة، وأضرار فادحة، قد تنتهي بمن يخوض غمارها من التجار العاديين، ومن في حكمهم إلى الإفلاس، وهذا ما لا تقره شريعة الإسلام، ولا ترضاه، فإنَّها شريعة العدل والرحمة والإحسان.
ثالثًا: أنَّ كثيرًا مما ذكر في البورصة من المضاربات في السلع والأوراق المالية، فيه بيع كاليء بكاليء، دين بدين، وصرف آخر فيه أحد العوضين، وكلاهما دين بدين وصرف آخر فيه أحد العوضين وكلاهما ممنوع بالنص والإجماع.
رابعًا: أنَّ كثيرًا ممَّا ذُكر في البورصة من المضاربات في السلع، بيعٌ للشيء قبل قبضه، وهو منهيٌّ عنه.
خامسًا: أنَّ هذه الأسواق متوفرة في الدول الغربية، فالاستثمار فيها يترتب عليه نقل الثروة من البلاد الأخرى التي يسكنها المستثمر إلى الدول الغربية التي تقع فيها تلك الأسواق، مع أنَّ بلاد المستثمر في أشد الحاجة إليها، وقد تكون النتيجة نقل مدخرات المسلمين، واستثمارها في بلاد غير إسلامية، وفي هذا من الضرر والخطر ما فيه.
فعلى ولاة أمور المسلمين حماية شعوبهم من المغامرة في هذه الأسواق، حفاظاً على دينهم، وحماية لثروتهم، والله الموفق.
هذا ما تيسر جمعه وترتيبه ومناقشته وتلخيصه في بحث البورصة وبيان حكمها، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
***
754 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَنا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ، مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ، خَرَجْتُ مِنْ بَيْنهِمَا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
أخرجه أبو داود، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، من طريق محمَّد بن الزبرقان، عن أبي حبان التميمي، عن أبيه، عن أبي هريرة، فذكر الحديث.
قال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وأقرَّه المنذري في الترغيب والترهيب.
قال ابن عبد الهادي: قيل: إنَّه منكر.
وأعلَّه ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حبان، وقد ذكره ابن حبان في الثقات.
وقال التهانوي في إعلاء السنن: وصله ابن الزبرقان، وهو من رجال الجماعة إلَاّ الترمذي، فهو صدوق، وقد زاد الوصل، والزيادة من الثقة مقبولة، فزالت العلة وصلح الحديث للاحتجاج.
قال الألباني: هو ضعيف الإسناد وفيه علتان: الأولى: جهالة والد أبي حبان التيمي، فالذهبي في الميزان قال: لا يكاد يعرف.
(1) أبو داود (3383)، الحاكم (2/ 52).
الثانية: الاختلاف في وصله، فرواه ابن الزبرقان موصولاً.
وجملة القول: أنَّ الحديث ضعيف الإسناد للاختلاف في وصله وإرساله وجهالة راويه، فإن سلِمَ من الأولى فلا يسلم من الأخرى. اهـ.
* مفردات الحديث:
- أنا ثالث الشريكين: يعني أنا معهما بالحفظ والرعاية، بإنزال البركة في تجارتهما وعملهما، فإذا وقعت الخيانة، رفعت عنهما البركة والإعانة والرعاية.
- خان: يخون خونًا وخيانة: أؤتمن فلم ينصح، فالخيانة خلاف الأمانة، وهي تدخل في أشياء سوى المال فالخائن الذي خان ما جعل عليه أمينًا.
قال في الكليات: الخيانة تقال اعتبارًا في العهد والأمانة.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الحديث يدل على جواز عموم المشاركات في أي عمل، وفي أي عقد من العقود، فجميع الشركات سواء كانت في الأموال أو في الأبدان، أو في الوجوه، وسواء كانت شركات مساهمة، أو محدودة أو تضامنية، أو غير ذلك، فالأصل فيها الجواز، ما لم يمنع من ذلك مانع شرعي.
2 -
الرغبة في عقود الشركات؛ لحصول بركة الله تعالى فيها، وكونه تعالى بإعانته وتوفيقه وتسديده مع الشريكين أو الشركاء، فإنَّ الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
ولما في عقد الشركة من التعاون بين الشركاء، والتناوب بينهم في الأعمال والتشاور والتفاهم على ما ينفع الشركة وأعمالهم فيها، فمن رحمته تعالى أن أباحها وأجازها، وكان معينًا وموفقاً لأصحابها.
3 -
هذا ما لم تدخلها الخيانة، ويدخلها الغش من أحد الشريكين، أو الشركات لصاحبه، فحينئذٍ يدعهم الله تعالي بلا توفيق ولا تسديد، فتحل فيهم
الخسارة والبَوار؛ لأنَّ أصل العمل النية الصالحة والنصح، فإذا فُقد هذا، ودخل محله الغش والخيانة مُحِقَت البركة منهما أو منهم.
4 -
فضيلة الصدق والنصح في المعاملة والعمل، سواء كان ذلك قطاعاً حكوميًّا، أو قطاعاً خاصًا، فإنَّ هذا سبب البركة، وعنوان النجاح والفلاح، وضده سبب الخسارة، وضياع الجهد، ومحق البركة.
5 -
قال فقهاؤنا:
شركة المفاوضة قسمان:
أحدهما: صحيح، وهو تفويض كل من الشريكين فأكثر إلى صاحبه كل تصرف، مالي وبدني من أنواع الشركة، وهو الجمع بين عنانٍ، ووجوهٍ، ومضاربةٍ، وأبدانٍ، فتصح.
الثاني: فاسدة، وذلك بأن يدخلا فيها كسبًا نادرًا كوجدان لُقَطَةٍ، أو حصول ميراثٍ، أو أرش جناية، أو يدخلا فيها غرامة نادرةً، كضمان عارية، وقيمة متلَفٍ، وضمان غصبٍ ونحوه.
***
755 -
وَعَنِ السَّائِبِ المَخْزُومِيِّ رضي الله عنه "أَنَّهُ كَانَ شَرِيْكَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قبْلَ البِعْثَةِ، فَجَاءَ يَوْمَ الفَتْحِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأَخِي وَشَرِيكِي" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
قال في التلخيص: رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم عنه، ورواه أبو نعيم، والطبراني، من طريق قيس بن السائب، والحديث صحَّحه الحاكم، ووافقه الذَّهبي.
* مفردات الحديث:
- مرحباً: يقال: رحب المكان يرحب رُحبًا ورحابة، من بابي علم وكرم، اتَّسع فهو رَحْبٌ ورَحِيبٌ، ومنه قيل في التحيَّة: مرحبًا وأهلاً: أي صادفتَ سعة، وأتيت أهلاً.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة جاءه الناس يُسْلِمُون، فكان ممن جاءه السائب بن أبي السائب المخزومي، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مرحباً بأخي وشريكي، لا يماري ولا يداري".
2 -
ففيه أنَّ الشركة كانت موجودة في الجاهلية، ثم أقرَّها الإسلام وأثبتها؛ لأنَّ الإسلام يُبقي كل صالحٍ نافعٍ، ويُبطل كل فاسدٍ ضار.
3 -
فيه أنَّ حسن المعاملة والنصح يبقى أثره، وسمعته الطيبة، مهما طالت
(1) أحمد (3/ 425)، أبو داود (4836)، ابن ماجه (2287).
أيامه، وبعد زمنه، بخلاف المعاملة السيئة وشراسة الخُلُق، فإنَّها لا تبقي إلَاّ الأثر السيء، والذكر القبيح.
4 -
فيه أنَّ العرب في الجاهلية كانت عندهم مكارم أخلاق، وحسن معاملة، وخصال كريمة، جاءتهم من عنصرهم الطيب، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث متممًا لمكارم الأخلاق الموروثة.
5 -
وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ووفاؤه، وأنَّه لم ينس لهذا الرجل طيب صحبته، وجميل عشرته، وحسن معاملته.
6 -
المماراة: المجادلة، والمدارأة قال الخطابي:"لا يدريء" أي لا يدفع صاحب الحق عن حقه، قال أبو عبيد: المدارأة هنا مهموزة من درأت، وهي المشاغبة والمخالفة، وأما المداراة فهي حسن الخلق، فليست مهموزة، والمدارأة والمماراة خُلُقَان قبيحان يحصل منهما النفرة، ويسببان التفرق.
أما السماح والملاطفة فيجلبان المودة، ويديمان الإخاء والصفاء، ولذا فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مدح شريكه بهذين الخُلُقين الكريمين، فيحسن لكل مسلم لاسيَّما الشركاء أن يتحلوا بهما.
7 -
في الحديث الحث على الوفاء للجار القديم، والصاحب الأول بأنَّ الصلة الأولى التي طرأ عليها ما فَصَمها ينبغي للإنسان أن لا ينساها، ولا ينسى صاحبها، وأن يعرفها لعشيره الأول، فإنَّ هذا من الوفاء الذي تحلَّى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* قرار هيئة كبار العلماء بشأن أخذ الشريك ربحًا مقابل شركته باسمه فقط:
قرار رقم (91) وتاريخ 22/ 5/ 1402 هـ:
الحمد الله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمَّد، وعلى آله وصحبه. وبعد:
فقد اطلَّع مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة عشرة المنعقدة
بمدينة الرياض، من الحادي عشر من جمادي الأولى عام: 1402 هـ، حتى الثاني والعشرين منه على كتاب فضيلة الشيخ أحمد بن عبد العزيز المبارك، رئيس القضاء الشرعي بدولة الإمارات العربية المتَّحدة، الموجه إلى سماحة رئيس المجلس الأعلى للقضاء برقم: م/ ش 2006/ 1981 وتاريخ 6/ 2/ 1401 هـ والذي يطلب فيه الإفادة عن حكم الشركة التي أسهم فيها الوطني باسمه فقط مع الأجنبي، وأخذ المواطن نسبة من الربح أو جزءًا منه، مقابل ذلك، ويقول في كتابه: أصدرت بعض الحكومات في الآونة الأخيرة قوانين تحظر فيها على الشركات الأجنبية العاملة في أراضيها العمل إلَاّ بشريك مواطن، فتلجأ هذه الشركات إلى إبرام اتفاق مع المواطنين، مقابل مبلغ معيَّن مقطوع، أو نسبة من الربح، في حين أنَّ المواطن لم يدفع شيئاً من المال ولا يقوم بأي عمل في هذه الشركات، ولا يخفى على سماحتكم أنَّ هذا النوع من الشركة لا يستند إلى القواعد الشرعية فيما أعلم.
نرجو إفادتنا عن هذه المسألة، فلعلكم وقفتم على رأي لبعض المتقدمين فيها، أو عرضت عليكم فأفتيتم بها.
وقد أحاله سماحة رئيس مجلس القضاء الأعلى إلى الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بكتابة رقم: 1087/ 1 وتاريخ 17/ 6/ 1401 هـ، لعرضه على مجلس هيئة العلماء.
ولما اطَّلع المجلس على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في الموضوع، وتأمل موضوع الشركة الواردة في السؤال المذكور، أي أنَّ تلك الشركة ليست من أنواع الشركات الجائزة لدى كثير من الفقهاء، وذلك لأنَّ شركة العنان التي هي محل وفاق من الفقهاء تكون بالمال والعمل من الجانبين، أو بالمال منهما والعمل من أحدهما، والشريك المواطن في الشركة محل السؤال ليس له مال في الشركة ولا عمل، وكذا الحال في
شركة المفاوضة، وشركة الأبدان، اشتراك في عمل من الجانبين، بربحٍ مقدَّر النسبة، ولا عمل للشريك المواطن في الشركة المسؤول عنها، وشركة الوجوه بالأبدان، والذمم، لا عمل ولا التزام للشريك المواطن المذكور بشيء من ذلك في الشركة المسؤول عنها، وشركة المضاربة بالمال من طرف والعمل من طرف، وشركة المواطن المذكور لا مال له فيها ولا عمل، فإن قيل إنَّ لهذا الشريك شيئًا من العمل في الشركة باسمه، أو بوجاهته، أو بالتزامه، قيل:
أولاً: إنَّ هذه الشركة لها عقد ظاهر يقدم لولاة الأمور، وعقد باطن يختلف عنه فيما بين المواطن والشركة الأجنبية، والعقود الشرعية يجب أن يكون ظاهرها متفقًا مع باطنها.
ثانيًا: الاعتبار في العقود بالمقاصد، لا بالألفاظ الظاهرة، وهذه الشركة مقصودها غير ما ظهر منها.
ثالثًا: ما يذكر لهذا الشريك من وجاهةٍ، أو ضمانٍ، ليس من الأمور التي يشارك بها بدون مال ولا عمل.
رابعًا: الشركة باتخاذها مواطناً شريكًا اسمًا لا حقيقة، مخالف لتعليمات ولي الأمر، ومعلوم أنَّ السمع والطاعة في المعروف من أهم الواجبات، كما أنَّه مخالف لما تهدف إليه تعليمات ولي الأمر من تشغيل الأموال والطاقات المحلية، وإحلالها محل الأموال والطاقات الأجنبية، بجانب مخالفته للواقع في باطن الأمور، ووقوعه تحت طائفة الوعيد الواردة في النصوص الناهية عن قول الزور وشهادة الزور.
خامسًا: إنَّ تسمية الشركة باسم الشريك المواطن، وهو لا يملك منها شيئًا في حقيقة الأمر يغرر ويخدع من يتعاملون معها شخصيًا ببيع أو ضمان أو غير ذلك، وفي ذلك من الضرر والفساد ما لا يخفى على المتأمل.
سادسًا: جعل مبلغ من المال مقطوع يدفع إليه، خسرت الشركة أو ربحت،
يعتبر مخالفًا لأحكام الشركات الجائزة شرعًا: لما في ذلك من الغرر والضرر على الشركة، وعلى تقدير أنَّه جعل له جزء مشاع معلوم من الربح دون أن يتحمل ما يقابله من الخسارة، يعتبر أخذًا له بدون مقابل؛ لأنَّه لم يبذل مالاً ولا عملاً، ولا يخفى ما فيه من الغرر والضرر.
فإن قيل: إنَّ الأصل في المعاملات الإباحة.
قيل: إنَّ ذلك صحيح، ما لم تثبت مخالفة تلك المعاملة للقواعد الشرعية، وفي صورة هذه الشركة من الضرر، والتغرير، والكذب، والتزوير، ومخالفة لتعليمات ولي الأمر، ومقاصده الحسنة، والسَّعي لكسب المال من غير حِله، مما ينقلها عن الأصل، ويجعلها ممنوعة وباطلة.
وبناءً على ما تقدم، فإنَّ المجلس يرى عدم صحة عقد هذه الشركة، وأنَّه يجب على المسلمين الكف عن التعامل بها، الاكتفاء بالشركات والعقود المباحة في الشريعة الإسلامية، وبالله التوفيق.
وصلى الله على عبده ورسوله محمَّد وعلى آله وصحابته أجمعين.
هيئة كبار العلماء
***
756 -
وعَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: "اشْتَرَكْتُ أنَا وَعَمَّارٌ وَسَعْدٌ فِيمَا نُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ .. " الحَديثَ روَاهُ النَّسَائِيُّ. (1)
ــ
* درجة الحديث:
الحديث منقطع فيما بين ابن مسعود وبين ابنه أبي عبيدة.
فقد قال المنذري: إنَّ أبا عبيدة لم يسمع شيئًا من أبيه ابن مسعود.
وقال الشوكاني: إنَّ ابن المديني، والترمذي، والدارقطني لا يصححون ما رواه أبو عبيدة عن أبيه.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
هذا الحديث أصل في جواز شركة الأبدان، بين اثنين فأكثر من الشركاء، فيما يحصلانه، أو يحصلونه من مباح، أو يكتسبانه ببدنيهما، أو يغنمانه في غزوة.
2 -
يقسم ما حصل لهما من رزق الله بينهما بالسوية، ولو كسب أحدهما دون الآخر؛ لأنَّ عقد الشركة اقتضى ذلك.
3 -
يلزم كل واحد منهما العمل فيما تقبَّله الآخر، لأنَّ مبناها التضامن والتكافل في الأعمال.
4 -
قال الأصحاب: ولا تصح شركة دلالين؛ لأنَّ الشركة الشرعية لا تخرج عن أحد أمرين:
إما وكالة أو ضمان، ولا وكالة هنا، ولا ضمان.
(1) النسائي (7/ 319)، أبو داود (3388)، ابن ماجه (2288).
قال في الإقناع: هذا في الدلالة التي فيها عقد، كما دلَّ عليه التعليل المذكور، فأما مجرد النداء، والعرض وإحضار الزبون، فلا خلاف في جواز الاشتراك فيه. اهـ.
قال الشيخ تقي الدين: ووجه صحتها أنَّ بيع الدلال وشراءه بمنزلة حياكة الخياط، ومحل الخلاف: في الاشتراك في الدلالة التي فيها عقد، فأما مجرَّد النداء والعرض، وإحضار الزبون فلا خلاف في جوازه.
5 -
فيه جواز الاشتراك فيما يحصل الشريكان من الغنيمة، ويقاس عليها غيرها من الأعمال المباحة.
6 -
فيه أنَّ الرغبة في الغنيمة في الجهاد لا تقلل من أجر الجهاد، ما دامت ليست هي المقصودة وحدها.
7 -
فيه حل الغنائم لهذه الأمة واختصاصها بذلك من بين سائر الأمم، وأنَّها من أفضل المكاسب، فقد جاء في الحديث:"وقد جُعل رِزقي تحت ظل رمحي"[رواه أحمد (4868)].
وفي الحديث الآخر: "وَأُحِلَّتْ لِي الغَنائِمُ، ولم تحل لأحدٍ من قبلي"[رواه البخاري (335)].
8 -
فيه أنَّ عقد الشركة يقتضي استحقاق كل واحد من الشريكين أو الشركاء فيما كسبه الآخر، فإنَّ تمام الحديث:"فجاء سعد بأسيرين، ولم أجىء أنا وعمَّار بشيء"[رواه النسائي (7/ 319)].
9 -
فيه أنَّ الإسلام أقوى رابطة وأوثق صلة بين الإنسان والإنسان، فهؤلاء الثلاثة الذين ألَّف الإسلام بينهم وجعلهم أخوة يتساوون، ويشتركون في المغنم والمغرم، هؤلاء الثلاثة كل واحد منهم من قبيلة، ولكن الإسلام ألَّف بينهم، فعمار عبْسي من اليمن، وسعد زهري من قريش، وابن مسعود هُذَلِي من ضواحي مكة.