الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب بيع الأصول والثمار
مقدمة
الأصول: جمع أصل، وهو ما يتفرع عنه غيره.
والمراد هنا: الدُّور، والأرض، والدكاكين، والطواحين، والمعاصر، ونحوها، وكذلك الشجر.
والثمار: جمع ثمرة، ويجمع على أثمار، وهو حمل الشجر، وهو أعم مما يؤكل.
***
726 -
وَعَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا، نَهَى البَائعَ وَالمُبْتَاع" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: "كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاحِهَا، قَالَ: حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهَا"(1).
ــ
* مفردات الحديث:
- الثمار: بكسر الثاء المثلثة، جمع ثمرة بفتح الميم، وهو يتناول ثمار النخيل وغيره.
- حتى يبدو: بدا بدون همزة يبدو بُدُوًّا: ظهر بعد أن لم يكن، وأما بدأت الشيء أو بالشيء بالهمزة فيهما، فمعناه ابتدأت به وقدمته.
قال العيني: ومما ينبغي أن ينبه عليه أن يقع في كثير من كتب المحدِّثين وغيرهم: "حتى يبدوا" هكذا بالألف بعد الواو، وهو خطأ، والصواب حذفها.
- عاهتها: يُقال: عاه المال يعوه عُووُهًا: أصابته العاهة، وأصل العاهة عوهة جمعها عاهات.
والعاهة: هي آفة التي تصيب الزرع أو الثمرة فتتلفها، أو تعيبها.
…
(1) البخاري (1486، 2194)، مسلم (1534).
727 -
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه "أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بيعٍ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِي، قِيلَ: وما زَهْوُهَا؟ قَالَ: تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ" مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- تُزهِيَ: من الرباعي، يقال: أزهى، ومعناه: بدأ نضجه بالاحمرار أو الاصفرار، ويقال: زهي النخل يزهو: إذا طال واكتمل، وأزها من يزهي: إذا احمرَّ أو اصفرَّ، وذلك علامة الصلاح منها، ودليل خلاصها من الآفة.
والزهو: البسر إذا ظهرت فيه الحمرة أو الصفرة.
- تحمارّ وتصفارّ: بفتح التاء فيهما وسكون ثانيهما، آخرهما راء مشددة.
قال الخطابي: قوله "تحمار وتصفار" لم يرد بذلك اللون الخالص من الحمرة والصفرة، وإنما أراد بنالك حمرةً أو صفرةً بكمودة، والكمودة تغيَّر اللون وذهاب صفاته.
وقال ابن التين: أراد ظهور أول الحمرة أو الصفرة عليها قبل أن تنضج.
قال في الوسيط: الكُمْدة، بضم فسكون: تغير اللون وذهاب صفائه.
…
(1) البخاري (1488)، مسلم (1555).
728 -
وَعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيعِ العِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وَعَنْ بيعِ الحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ" رَوَاهُ الخَمْسةُ إِلَاّ النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
صححه ابن حبان، وقال في التلخيص: رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وصححه الحاكم من حديث حماد بن سلمة عن حميد عن أنس، وقال الترمذي والبيهقي: تفرد به حماد بن سلمة عن حميد. اهـ.
ولكن حمادًا ثقة، ولذا حسَّن الحديث الترمذي، وقال الحاكم والذَّهبي: إنَّه على شرط مسلم.
…
(1) أحمد (3/ 221)، أبو داود (3371)، الترمذي (1228)، ابن ماجه (2217)، ابن حبان (4972)، الحاكم (2/ 19).
729 -
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيْكَ ثَمرًا، فَأَصَابتهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: "أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ بوَضْعِ الجَوَائِح"(1).
ــ
* مفردات الحديث:
- جائحة: يقال: جاحتهم السنة، تجوحهم جوحًا وإجاحة.
فالجائحة لغة: هي الآفة التي تسبب المصيبة العظيمة في مال الرجل، فتجتاحه كله، كالمطر الشديد، والبرد، والريح والحريق، والجراد.
وشرعًا: ما أذهب الثمر أو بعضه، من آفة سماوية أو أرضية، لا صنع لآدمي فيها.
- بم يأخذ: حذف الألف عند دخول حرف الجر على "ما" الاستفهامية، ولما كانت "ما" الاستفهامية متضمنة معنى الهمزة، وللهمزة صدر الكلام، فينبغي أن يقدر: أبم يأخذ، والهمزة للإنكار، ومثل "بم يأخذ"، "فبمَ، وعلامَ، وحتامَ" في حذف الألف عند دخول حرف الجر على "ما" الاستفهامية.
- لو بعت .. فلا يحل لك: يجوز في ذلك إعرابان: أحدهما أنَّ "لو" شرطية، و"فلا يحل" هو جواب الشرط.
الثاني: أنَّ "لو" بمعنى إِنْ.
* ما يؤخذ من هذه الأحاديث:
1 -
الأحاديث تدل على النَّهي عن بيع الثمار حتى تزهي، وزهوها أن تحمار أو
(1) مسلم (1554).
تصفار، فإنَّها حينئذ تبدأ في النضج ويطيب أكلها.
2 -
وتنهى عن بيع العنب في شجره حتى يسود، وإذا اسود بعض أنواعه دخل النضج، وطاب أكله.
3 -
وتنهى عن بيع الحب في سنبله حتى يشتد، ويحين حصاده، والاستفادة منه.
4 -
حكمة النَّهي عن بيعها قبل أن تطيب، ويبدأ فيها النضج ثلاثة أمور:
الأول: أنَّها قبل النضج لا منفعة فيها، فبيعها لا يعود على المشتري بفائدة.
الثاني: إنَّ تمام الملك بعد الشراء هو القبض، وقبض الثمار في شجره، والحب في زرعه وسنبله بالتخلية، قبض ناقص، وتوقف صحة البيع على نضج الثمار، واشتداد الحب تقليل لمدة بقاء الثمرة بعد بيعها إلى زمن أخذها، وحيازتها.
الثالث: إنَّ التمر والزرع إذا بدا فيه النضج خفت عنه العاهات والآفات السماوية، فلوحظ بيعها في وقت تقل فيه إصابة الثمرة بالجوائح السماوية.
5 -
قال الفقهاء: وصلاح بعض ثمرة شجرة صلاح لجميع نوعها، الذي في البستان إذا بيع صفقةً واحدةً.
ولا يصح بيع الجنس الذي لم يبد صلاحه تبعًا للنوع الذي بدا صلاحه، هذا هو المشهور من المذهب.
والرواية الثانية: يكون بدو الصلاح في بعضها صلاح للجنس كله، وهو اختيار كثير من أصحاب الإمام أحمد، وهو قول مالك والشافعي.
6 -
وإن تلفت الثمرة بآفة سماوية، وهو ما لا صنع لآدمي فيها، كالريح، والبرد، والحر، فضمانها على بائعها؛ لأنَّ التخلية ليست قبضًا تامًّا.
7 -
قال فقهاء الحنابلة واللفظ للشيخ منصور البهوتي: زرع البر ونحوه إذا تلف بجائحة فهو من ضمان مشترٍ، وليس كالثمرة.
لكن قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: الصحيح أنَّ الجائحة موضوعة
عن المشتري في جميع الثمار والحبوب لعموم العلة، وهو اختيار المجد وحفيده شيخ الإسلام.
8 -
أما إذا تلفت الثمرة أو الزرع بفعل آدمي، فإنَّ المشتري مخيَّرٌ بين فسخ البيع وأخذ الثمن، وبين إمضاء البيع ومطالبة متلفه ببدله، والله أعلم.
9 -
قوله: "نهى البائع والمبتاع": نهى البائع لئلا يأخذ مال المشتري بدون مقابلة شيء، ونهى المشتري عن هذه المخاطرة والتغرير بماله.
10 -
المنع من بيع الثمار قبل بدو صلاحها، والزرع قبل اشتداد حبه، هو مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين، والأئمة المتَّبعين، ذلك أنَّه لا يؤمن من هلاك الثمرة والحب، لورود العاهة عليها مع صغرها وضعفها، وإذا تلفت لا يبقى للمشتري في مقابلة ما دفع من الثمن شيء، وهذا معنى قوله:"نهى عن بيع النخيل حتى يزهو وعن السنبل حتى يبيض ويأمن من العاهة"[رواه مسلم (1535)].
***
730 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "مَنِ ابْتَاعَ نَخلًا بَعْدَ أنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائعٍ الَّذِي بَاعَهَا، إِلَاّ أنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
…
مفردات الحديث:
- من ابتاع نخلًا: أي اشترى أصل النخل.
النخل: اسم جنس يذكر ويؤنث، والجمع: نخيل.
ويقول علماء الأحياء: النَّخلة شجرة من الفصيلة النخلية، كثيرة في بلاد العرب، لاسيما في العراق.
- تؤبَّر: بضم التاء وفتح الواو المهموزة وتشديد الباء آخره راء.
يقال: نخلة مؤبرة ومأبورة، والاسم منه الآبار، أما التأبير فهو التلقيح، وذلك بأن يشق طلع النخلة؛ ليوضع فيها شيء من طلع الفحال "ذكر النخل"، وفي ذكر النخل الذي يلقح به لغتان الأكثر "فُحَّال" وزان تفاح، والجمع فحاحيل، والثانية:"فحل" مثل غير، وجمعه فحول، مثل فلْس وفُلوس.
- إلَاّ أن يشترطه المُبتَاع: أي المشتري، ولفظ "المبتاع" وإن كان عامًا للبائع والمشتري إلَاّ أنَّ الاستثناء يخصصه للمشتري، وأيضًا لفظ الافتعال يدل عليه.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
منطوق الحديث أنَّ من باع نخلًا قد أُبِّر فثمرته لبائعه.
2 -
ومفهوم الحديث أنَّ من باع نخلًا لم يؤبره، فثمره لمشتريه.
(1) البخاري (2379)، مسلم (1543).
3 -
أن استثنى البائع الثمرة التي لم تؤبر أو بعضها، فهي له بشرطه.
4 -
أن اشترط المشتري دخول الثمرة المؤبرة بالعقد، فهي له بشرطه.
5 -
أن كان بعض الثمرة مؤبرًا وبعضه لم يؤبر، فلكلٍّ حكمه؛ لأنَّ الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وهذا هو القول الراجح.
6 -
صحة اشتراط بعضر الثمرة مأخوذ من حذف المفعول به من قوله: "إلَاّ أن يشترط المبتاع"؛ لأنَّه صادق عليه كله وعلى بعضه.
7 -
أن كان بعض التأبير في نخلة واحدة، فتكون كل ثمرتها للبائع؛ لأنَّ باقيها تبع لها.
8 -
ألْحَق الفقهاء بالبيع جميع العقود الناقلة للملك، من جعل النخل المؤبر عوض صلح، أو جُعلًا، أو صداقًا، أو عوض خلع، أو جعَلَه صاحبه أجرة أجيرٍ، أو وهبه، أو غير ذلك مما فيه نقل الملك.
9 -
دخول الثمرة في البيع إذا اشتريت قبل التأبير، أو اشترطها المشتري وهي مؤبرة، يُعد بيعًا للثمرة قبل بدو صلاحها، لكن رُخِّص فيه؛ لأنَّه تابع لأصله وليس مستقلًا، والقاعدة:"يثبت تبعًا ما لايثبت استقلالاً"، وهذه الصورة منها.
قال شيخ الإسلام: بيع الزرع بشرط التبقية لا يجوز باتفاق العلماء، وإن اشتراه بشرط القطع جاز بالاتفاق.
وإن باعه مطلقًا لم يجز عند جماهير العلماء، فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يشتد.
10 -
اعتبار الشروط في البيع التي يشترطها البائع أو المشتري ونفوذها، فالمسلمون على شروطهم، ومقاطع الحقوق عند الشروط.
***