الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب العارية
مقدمة
العارية: بتشديد الياء على المشهور، ويجوز تخفيفها.
جمعها: عواري بالتشديد والتخفيف، يقال عاره الشيء، وأعاره إيَّاه.
سميت عارية: من العُري، وهو التجرد؛ لتجردها من العِوض.
وشرعًا: هي إباحة نفْع عين تبقى بعد استيفائها، ليردها على مالكها.
وتنعقد بكل لفظ أو فعل يدل عليها، وهي مشروعةٌ بالكتاب، والسنة، والإجماع.
قال تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} [الماعون: 7].
وتدخل في قوله تعالي: {الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا} [المائدة: 2].
واستعار صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية أدراعًا، [رواه أبو داود (3562)].
قال الوزير وغيره: "اتَّفقوا على أنَّها جائزة، وقُربة مندوب إليها، وأنَّ للمعير ثوابًا.
قال الموفق: "الإعارة مستحبةٌ بإجماع المسلمين".
وقال الشيخ تقي الدين: "تجب مع غنى المالك للآية، وهو قولٌ لأحمد". قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} [الماعون] أي يمنعون إعطاء الشيء الذي لا يضر إعطاؤه على وجه العارية، كالإناء والفأس، ونحو ذلك مما جرت العادة ببذله والسماح به، ففيه الحث على فعل المعروف، وبذل الأموال الخفيفة؛ لأنَّ الله لام من لم يفعل ذلك، والله سبحانه أعلم.
763 -
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلى اليَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيهِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ والأرْبَعةُ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث معلول؛ لعنعنة فيما بين الحسن، وسمرة.
قال في "التلخيص": رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم من حديث الحسن عن سمرة، والحسن مختلف في سماعه من سمرة.
قال الترمذي: "حديث حسنٌ صحيح".
وقال الحاكم: "صحيح الإسناد على شرط البخاري" ذلك إذا صرَّح بالتحديث من سمرة، أما وهو لم يصرح به بل عنعنه فليس الحديث إذًا بصحيح الإسناد، وبهذا أعلَّه الحافظ في "التلخيص".
* مفردات الحديث:
- على اليد: اسم للجارحة، ولكن المراد منها هنا: أن تكون يداً حقيقة، أو يدًا معنوية، كالاستيلاء على حق الغير بغير حق.
- ما أخذَت: "ما" موصولة مبتدأ، و"على اليد" خبره، والضمير الراجع محذوف، أي ما أخذته اليد ضمان على صاحبها، وأسند إلى اليد؛ لأنَّها هي المتصرفة.
(1) أحمد (5/ 8)، أبو داود (3561)، الترمذي (1266)، النسائي في الكبرى (3/ 411)، ابن ماجه (2400)، الحاكم (2/ 47).
764 -
وَعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أدِّ الأَمَانَةَ إِلى مَنِ ائْتَمَنكَ، ولَا تَخُنْ مَن خَانَكَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والتِّرْمِذيُّ وحَسَّنَهُ، وصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَاسْتَنكرَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَأَخْرَجَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الحُفَّاظِ، وَهُوَ شَامِلٌ للعَارِيَّة (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
قال في التلخيص: رواه أبو داود، والترمذي، والحاكم من حديث أبي هريرة، وتفرَّد به طلْق بن غنام عن شريك، واستشهد له الحاكم بحديث أبي التياح عن أنس، ولكن فيه أيوب بن سويد مختَلف فيه.
قال الشافعي: هذا الحديث ليس ثابتًا، وقال ابن الجوزي: لا يصح من جميع طرقه، ونقل عن الإمام أحمد أنَّه قال: هذا حديثٌ باطل، لا أعرفه من وجهٍ يصح.
أما الشيخ ناصر الدين الألباني فقال: الحديث صحيح، فقد روي عن جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وأنس ورجل سمع النبي صلى الله عليه وسلم.
وجملة القول: إنَّ الحديث بمجموع طرقه ثابت، وما نقل عن بعض المتقدمين من أنَّه ليس بثابت فذلك باعتبار ما وقع له من طريق، لا بمجموع ما وصل منها إلينا، والله أعلم.
* مفردات الحديث:
- أدِّ الأمانة: أعط الأمانة.
(1) أبو داود (3535)، الترمذي (1264).
الأمانة لغةً: الوفاء.
وشرعًا: كل عين للغير في يد الشخص باختيار صاحبها.
- لا تخُنْ: "لا" ناهية، والفعل بعدها مجزوم، والخيانة: عدم الوفاء بالأمانة، بأنْ لم يؤدها، أو لم يؤد بعضها، وتقدم معناها قريبًا.
***
765 -
وَعنْ يَعْلى بنِ أُميَّةَ رضي الله عنه قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَتَتْكَ رُسُلِي فَأَعْطِهِمْ ثَلَاثينَ دِرْعًا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَعَاريَةٌ مُضْمُونَةٌ أَوْ عَارِيَةٌ مُؤَدَّاةٌ؟ قَالَ: بلْ عَارِيَةٌ مُؤَدَّاةٌ" رَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح بمجموع طرقه.
قال في التلخيص: رواه أبو داود من حديث صفوان بن أمية.
وأخرجه أحمد، والنسائي، والحاكم، وأورد له شاهدًا من حديث ابن عباس ولفظه:"بل عارية مؤداة" ورواه البيهقي من حديث جعفر بن محمد، عن أمية بن صفوان مرسلاً، ورواه الحاكم من حديث جابر.
وأعلَّه ابن حزم وابن القطان، زاد ابن حزم: إنَّ أحسن ما فيها حديث يعلى بن أمية، يعني الذي رواه أبو داود.
وفي الباب عن ابن عمر عند البزار، وهو ضعيف، وعن أنس عند الطبراني، وهو ضعيف.
قلتُ: وقد لخَّص الألباني طرق هذا الحديث ورتَّبها فقال: فالحديث مضطرب الإسناد؛ لكن له شاهدان.
الأول: عن جابر بن عبد الله أخرجه الحاكم، وقال صحيح الإسناد ووافقه الذَّهبي.
الثاني: عن ابن عباس، قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذَّهبي.
(1) أحمد (4/ 222)، أبو داود (3566)، النسائي في الكبرى (3/ 409)، ابن حبان (1173).
قلتُ: كلا فإن فيه إسحاق بن عبد الواحد القرشي، قال أبو علي الحافظ: متروك الحديث، وقال الذَّهبي: بل واهٍ متروك.
الثالث: رواية جعفر بن محمَّد عن أبيه أخرجه البيهقي.
وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع هذه الطرق الثلاث.
* مفردات الحديث:
- دِرعًا: بكسر الدال وسكون الراء آخره عين، هو قميصٌ من حلقات من الحديد متشابكة، يلبس للوقاية من السلاح.
- مضمونة: ضمن يضمن ضمنًا وضمانًا كفل، فهو ضامن وضمين، فالضمان الكفالة، أو هو أعم منها، هكذا قال اللغويون!!
أما الفقهاء فقالوا: الضمان: التزام من يصح تبرعه ما وجب على غيره من مال، مع بقائه في ذمَّة الغير.
أما الكفالة: التزام رشيد إحضار من عليه حق مالي لغريمه.
ومعنى مضمونة: تضمن إن تلفت بقيمتها.
- العارية المؤداة: بالهمزة من أدى دينه إذا قضاه، والاسم الأداء، وهو أداء الأمانة منك إذا طلبها صاحبها، فهي التي يجب أداؤها مع بقاء عينها، فهي الأمانة المردودة نفسها، فإن تلفت لم تضمن بالقيمة.
- العارية: بتشديد الياء وتخفيفها تجمع على عواري، اختلف في اشتقاقها وأحسنها أنَّها مأخوذةٌ من العري، وهو التجرد؛ لتجردها من العوض.
***
766 -
وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ رضي الله عنه "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ مِنْهُ دُرُوعًا يَوْمَ حُنينٍ، فَقَالَ: أغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ (1) وَأَخْرَجَ لَهُ شَاهِدًا ضَعِيفًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (2).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
وتقدم الكلام عليه في الحديث الذي قبله، فقد نقلنا كلام الحافظ عنه من التلخيص في أول بحث الحديث الأول، وقد صحَّحه الحاكم، ووافقه الذَّهبي، وللحديث شواهد.
قال البيهقي: وإن كان بعضها مرسلاً فإنَّه يقوى بشواهده.
* ما يؤخذ من الأحاديث:
1 -
هذه الأحاديث من الأصول التي جاءت في بيان أصل حكم العارية، وأنَّها إباحة منافع العين مع بقائها، بلا عوض.
2 -
أنَّ العارية مشروعة، فهي إما مستحبة كما هو قول الجمهور، أو واجبة كما هو قول بعضهم، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يوجبها على الغني.
قال تعالى عن مانعي الماعون: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} [الماعون].
وهو يشمل كل ما جرت العادة بإعارته من الأواني ونحوها.
3 -
وجوب أداء جميع الأمانات على أصحابها، ومنها العارية؛ لقوله تعالى:
(1) أحمد (3/ 401)، أبو داود (3562)، السنائي في الكبرى (3/ 410).
(2)
الحاكم (2/ 47).
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه"[رَواهُ أَبُو دَاوُدَ (3561)].
4 -
الأمانة هي كل عين بيدك برضا صاحبها، فهي أمانة سواء كانت عارية، أو عينا مؤجرة، أو وديعة، أو عينًا، في يد وكيل عليها، أو غير ذلك.
ولها أحكام مفصَّلة ستأتي إن شاء الله تعالى في باب الوديعة.
5 -
وجوب ضمان العارية إذا تلفت بتعدٍّ أو تفريط، بإجماع العلماء.
6 -
إذا تلف بعض أجزائها فيما استعيرت له، فلا ضمان بالإجماع.
7 -
التعدي: هو فعل ما لا يجوز، والتفريط: ترك ما يجب من الحفظ.
8 -
أما إذا تلف بدون تعدٍّ ولا تفريط، وبغير ما استعيرت له، ففيها خلاف، سنذكره قريبًا إن شاء الله تعالى.
9 -
وجوب حفظ الأمانة، ومنها العارية، وعدم التعدي والتفريط فيها.
وهذا مأخوذ من الحديث رقم (764)، كما أنَّه مأخوذ من قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58].
والدليل من الآية: أنَّ الأداء لا يمكن إلَاّ بحفظها، فهو من لازمه.
10 -
تحريم الخيانة فيها، وإن كان صاحبها قد خان مَن عنده الأمانة، ومنهم المستعير، لقوله:"ولا تخن من خانك" وهناك مسألة تسمى "مسألة الظفر" سيأتي الخلاف فيها إن شاء الله.
11 -
جواز عارية السلاح ما لم يكن إعارته لكفارٍ يتقوون به على المسلمين، أو بغاة، وقطاع طريق، يستعينون به على إخافة المسلمين وترويعهم، وكذلك لا يجوز بيعه، أو إعارته زمن فتنة بين المسلمين.
12 -
العارية مضمونة مطلقًا عند بعض العلماء، وغير مضمونة إلَاّ بالتعدي والتفريط عند آخرين، وسيأتي تحقيق الخلاف إن شاء الله تعالى.
13 -
الحديث رقم (765) ذكر العارية المضمونة، والعارية المؤداة.
والفرق بينهما أنَّ المضمونة هي التي تضمن إن تلفت، وأما المؤداة فهي التي لا يجب أداؤها، إلَاّ مع بقاء عينها، فإن تلفت لم تضمن بالقيمة، وسيأتي خلافها إن شاء الله تعالى.
14 -
استعار النبي صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية أدرعة وهو كافر، وهذا لا يعارض الحديث الآخر:"ارجع فلن أستعين بمشرك".
لأنَّ المنهي عنه هو الاستعانة بذواتهم التي يخشى منها الخيانة، لاسيَّما في مأزق الحرب.
أمَّا المعاملات المالية: من بيع، وشراءٍ، وإجارةٍ، واستعارةٍ، فلا تدخل فيها.
15 -
عدل النَّبي صلى الله عليه وسلم وصفْحه وحِلمه، وإلَاّ فصفوان لا يزال حين استعار الأدرع منه على الشرك، وهو ممَّن استولى عليه عنوة، ومع هذا عفَّ عن الاستيلاء على أدراعه، وأخبره أنَّها عارية مضمونة إن تلفت، ولذا فإنَّه لما ضاع بعضها أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يضمنها لصفوان، ولكن صفوان قد أسلم فتركها برضاه.
16 -
فقهاء الحنابلة يجعلون مؤنة الدابة المعارة على المالك، لكن قال شيخ الإسلام: قياس المذهب أنَّها تجب على المستعير، قلتُ: ووجه القياس وجوب أداء العارية، ولا يمكن أداؤها إلَاّ بمؤنتها.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: الصواب أنَّ مؤنة الدابة المستعارة على من استعارها، وهذا هو العرف الجاري.
17 -
جواز التوكيل في الاستعارة، وقبضها من المعير.
18 -
حسن أدب الإسلام، وأنَّه دين السلام والوئام، فإنه يمنع من الخيانة حتى مع من خان، فلم يبح مقابلته بمثل عمله من الخيانة، وإنما يدعو الإسلام إلى الصبر والمسالمة، فالإسلام يبيح للمظلوم أن يقتص بقدر حقه؛ لأنَّه
عدلٌ، فيقول:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40].
ولكنه يدعو المظلوم إلى أفضل من القصاص، فيقول تعالى:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40].
وقال: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)} [الشورى].
19 -
قال الشيخ محمَّد بن عبد الوهاب: في مسألة الظفر.
- إن كان سبب الحق ظاهرًا لا يحتاج لبينة، كالنكاح، والقرابة، وحق الضيف جاز الأخذ بالمعروف، كما أذِن لهند زوجة أبي سفيان.
- وإن كان سبب الحق خفيًّا، وينسب الآخذ إلى خيانة أمانته، لم يكن له الأخذ، لئلا يعرض نفسه للتهمة والخيانة، ولعلَّ هذا القول أرجح الأقوال وبه تجتمع الأدلة.
قال ابن القيم: وهذا القول أصح الأقوال، وأسدها، وأوفقها للشريعة، وبه تجتمع الأحاديث.
أما شارح البلوغ فذكر تعليلاً آخر، فقال: مسألة الظفر الأقوال فيها كما يلي:
أحدها: أنَّ من له حق، فليس له الأخذ من حق من عنده له الحق، إذا ظفر بماله، سواء كان من جنس ما عليه، أو من غير جنسه، وهو مذهب الشافعي، لقوله صلى الله عليه وسلم:"ولا تخن من خانك".
الثاني: يجوز له الأخذ، إذا كان من جنسه، لا من غيره؛ لظاهر قوله تعالى:{فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126].
وقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40].
الثالث: لا يجوز ذلك إلَاّ بحكم حاكم؛ لظاهر النَّهي.
الرابع: يجب عليه أن يأخذ بقدر حقه، سواء كان من نوع ما هو له، أو من غيره، ويبيعه ويستوفي حقه، فإن فضل ما هو له رده؛ لقوله تعالى:
{وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194]، وقوله:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194].
وقال عليه الصلاة والسلام لهند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"[رواه البخاري].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"[رواه البخاري]، فهو يريد أن يبرئه، فهو مأجور.
* اختلاف العلماء:
اختلف العلماء في ضمان العارية إذا تلفت عند المستعير إلى ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّ المستعير يضمنها على كل حال، سواء شرط عليه الضمان، أو لم يشترط عليه.
هذا هو المشهور عند أحمد والشافعي.
قال في "الإنصاف": هذا المذهب بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"على اليد ما أخذت حتى تؤديه"[رواه أبو داود (3561)].
الثاني: أنَّها لا تُضمن بحالٍ كسائر الأمانات، وهو المشهور عند مالك.
الثالث: لا تضمن إلَاّ إذا شرط ضمانها، اختاره جماعةٌ من أصحاب الإمام أحمد، منهم العكبري، وصاحب الفائق، وذُكِر للإمام أحمد ذلك، فقال:"المسلمون على شروطهم"[رواه الترمذي (1352)].
الرابع: أنَّها لا تضمن إلَاّ بالتَّعدي أو التفريط فيها، كسائر الأمانات.
وهذا مذهب أبي حنيفة، والأوزاعي، والثوري، وهو قول الحسن، والنَّخعي، والشَّعبي، وعمر بن عبد العزيز، واختاره شيخ الإسلام، وابن القيم، وشيخنا عبد الرحمن السعدي.
روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على
المستعير غير المغِل ضمان".
قال في النهاية: أي: إذا لم يخن في العارية والوديعة، فلا ضمان عليه من الإغلال، وهو الخيانة.
* فائدة:
كثير من العلماء -ومنهم الحنابلة- يرون أنَّ العارية تضمن على كل حال، إلَاّ في أربع حالات، وهي:
1 -
إذا كانت العارية وفقاً، لكون المستعير من جملة المستحقين.
2 -
إذا أركب دابته منقطعاً لله تعالى، فتلفت تحته، إذ المالك هو الذي طلب ركوبه تقرباً.
3 -
وكيل مالك العين إذا تلفت لا يضمنها؛ لأنَّه ليس بمستعير، وإنما هو أمين صاحبها.
4 -
إذا تلفت أجزاؤها بمعروف فيما استعيرت له؛ لأنَّ الاستعمال تضمَّن الإذن في الإتلاف.
لكن تقدم أنَّ الراجح أنَّ العارية لا تضمن إلَاّ بالتَّعدي عليها، وذلك بفعل ما لا يجوز أو بالتفريط فيها، وذلك بترك ما يجب في حفظها.
***