الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في رمي الجمار
مقدمة
التجمر هو التجمع، وسميت الجمار؛ لاجتماع الناس حوله أو لاجتماع الحصا عندها، وهي من الشعائر المقدسة، ومن مناسك الحج، والجمار ثلاث:
الأولى: وتلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة: التي تلي مكة، والتي هي نهاية حد منى الغربي.
قال الشيخ حسن مكرم في كتاب "غنية الناسك": الجمرة موضع الشاخص، لا الشاخص، فإنَّه علامة الجمرة.
وقال الشافعي: الجمرة مجتمع الحصى، لا ما سال من الحصى.
وقال المحب الطبري: حده ما كان بينه وبين أصل الجمرة ثلاثة أذرع.
وقال الشيخ سليمان بن علي بن مشرف: المرمى هو الأرض المحيطة بالميل المبني.
قال محرره: بقي مكان الرمي طوال القرون الماضية غير محاط بشيء، ولا معلم عليه بشيء، وفي عام (1292 هـ) وضع شبك حديدي لمنع الزحام، وذلك بفتوى من بعض علماء مكة، فاعترض على هلذا العمل بعض العلماء، وأشدهم اعتراضًا الشيخ علي باصرين عالم جدّه، وقال: إنَّ هذا الشبك يوهم بأنَّ ما أحاط به الشبك كله مرمى، فأزيل ووضع الحائط المحيط بالجمرات الآن، وذلك عام (1293 هـ).
أما جمرة العقبة فهي نصف دائرة، ولم تزل العقبة التي تسند عليها
الجمرة حتى عام (1377 هـ)، وجرى العمل في توسعة شوارع مني، فأزيلت العقبة المذكورة، فصارت ترمى من سهل الأرض من جميع جهاتها الأربع، وإزالتها بإذن من مفتي البلاد الشيخ، محمَّد بن إبراهيم آل الشيخ بموجب خطابه المؤرخ في 1/ 9/ 1375 هـ، ثم في عام (1383 هـ) أنشيء دور ثانٍ للجمرات الثلاث، وصارت ترمى من الأرض، ومن الدور الثاني، ووضعه بموافقة من مفتي الديار بموجب خطابه المؤرخ في 25/ 6/ 1382 هـ.
ويرجع أول تاريخ الجمار الثلاث إلى عهد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، حينما عرض له الشيطان في هلذه المواقف الثلاثة، ليثْنِيه عن أمر الله تعالى في ذبح ابنه إسماعيل، فحَصَبه وطرده، فأغلب المشاعر والشعائر في الحج هي عِبَادات لله تعالى، وتذكير بأحوال عباد الله الصالحين.
***
638 -
وَعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهم قَالَا: "لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي حَتَّى رَمى جَمْرَةَ العَقَبَةِ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1).
ــ
*ما يؤخذ من الحديث:
1 -
استمراره صلى الله عليه وسلم على التلبية مدة إحرامه، لأنَّها ذكر الحج وشعائره.
2 -
أنَّ وقت التلبية ينتهي بابتداء رمي جمرة العقبة، لا في نهايته، على خلافٍ في ذلك.
3 -
والحكمة في ذلك أنَّ التلبية شعار الحج وإجابة المنادي إليه، وفي البدء برمي الجمرة شروع في التحلل والانتهاء من أعمال الحج، فينتهي وقتها ومناسبتها.
4 -
قطع التلبية عند رمي جمرة العقبة، هو مذهب جمهور العلماء، ومنهم الأئمة: أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وسفيان الثوري، وإسحاق، وأتباعهم، استنادًا إلى فعله صلى الله عليه وسلم، المؤيد بقوله:"خذوا عنَّي مناسككم".
قال ابن عبَّاس: حججتُ مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إحدى عشرة حجة، وكان يلبي حتى يرمي الجمرة.
5 -
بعضهم قال: يقطع التلبية عند دخول الحرم.
6 -
بعضهم قال: يقطع التلبية عند ذهابه يوم التاسع إلى عرفة.
وكلا القولين خلاف ما صحَّ من هديه صلى الله عليه وسلم.
7 -
قال الطحاوي: إنَّ كل من روي عنه ترك التلبية من يوم عرفة، إنَّما تركها
(1) البخاري (1686).
للاشتغال بغيرها من الذكر، لا على أنَّها تشريع
…
ويؤيد قول الطحاوي ما رواه البيهقي عن أبن مسعود قال: لقد خرجت مع النَّبي صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفة، فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة، إلَاّ أنَّه يخلطها بتكبيرٍ وتهليلٍ.
***
639 -
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: "أَنَّهُ جَعَلَ البيْتَ عنْ يَسَارِهِ، وَمنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَرَمى الجَمْرَةَ بِسَبع حَصَيَاتٍ، وَقَال: هَذا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البقرَةِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- مقام: أي مكان قيام النبي صلى الله عليه وسلم، حينما رمي الجمرة.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
صفة رمي جمرة العقبة المفضل هو جعل مكة عن اليسار، ومنًى عن اليمين من بطن الوادي، قال القسطلاني: وترمى من أسفلها، وقد اتَّفقوا على أنَّه مِن حيث رماها جاز.
2 -
الحكمة في هذا -والله أعلم- أنَّ مرمى جمرة العقبة واقع في جهة الجنوب، ومسدود من جهة الشمال بالعقبة التي أزيلت، فالرامي على الصفة التي ذكرها ابن مسعود مستقبل للمرمى، ومتسهل عن سفح العقبة، وآمِن في ذلك الوقت من أن يصيبه حصى الرامين، بخلاف الجمرتين الأخريين فإنَّ كل جهة سهلة، فاستحب استقبال القبلة فيهما كسائر العبادات.
3 -
هذا وقد أزيلت العقبة التي في سفحها جمرة العقبة عام (1377 هـ)، لتوسعة شوارع منى، وأصبحت الجمرة بارزة في بطن الوادي تؤتى من أي جهة قصدت، إلَاّ أنَّ المرمى لا يزال باقيًا على صفته الأولى، نصف دائرة على شاخص المرمى.
4 -
فيه دليل على أنَّ الرمي يكون بسبع حصيات متتابعات، واحدة بعد الأخرى
(1) البخاري (1749)، مسلم (1296).
متواليات عرفًا.
5 -
قال العلماء: إنما أشار ابن مسعود إلى سورة البقرة، لأنَّ أحكام المناسك كثيرة فيها.
6 -
فيه دليل على تسمية سور القرآن بما ذكر فيها من أسماء وأخبار، كالبقرة والفيل، والإسراء، والشعراء، وغير ذلك، فإنَّ ابن مسعود رضي الله عنه من علماء الصحابة بالقرآن الكريم.
7 -
قال القسطلاني: امتازت جمرة العقبة عن الجمرتين بأربعة أشياء: اختصاصها برميها يوم النحر، وألا يوقف عندها، وترمى ضحى، وترمى من أسفلها استحبابًا.
***
640 -
وَعَن جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: "رَمى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وأمَّا بعدَ ذلك، فَإذَا زَالَتِ الشَّمْسُ" رَوَاهُ مُسْلمٌ (1).
ــ
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
تقدم أنَّ المستحب هو رمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس، عملاً بحديث ابن عباس السابق، وأنَّ وقت الجواز في رميها يدخل قبل طلوع الفجر من ليلة النَّحر.
وهذا الحديث شاهد ومؤيد لحديث ابن عباس، فهذا فعله صلى الله عليه وسلم المؤيد بقوله:"خذوا عنِّي مناسككم".
2 -
فيه دليل على أنَّ رمي الجمار الثلاث في أيام التشريق لا يكون إلَاّ بعد الزوال.
قال النووي في شرح مسلم: ومذهبنا الشافعية، ومذهب مالك وأحمد وجماهير العلماء أنَّه لا يجوز الرمي في الأيام الثلاثة إلَاّ بعد الزوال، وقال أبو حنيفة وإسحاق، يجوز في اليوم الثالث قبل الزوال ودليلنا: أنَّه صلى الله عليه وسلم رمى كما ذكرنا، وقال: لتأخذوا عني مناسككم.
* خلاف العلماء:
تقدم أنَّ قول جمهور العلماء أنَّ ابتداء وقت الرمي في أيام التشريق الثلاثة هو بزوال الشمس، والإجماع منعقد إلى امتداده إلى الغروب، والاختلاف في انتهاء وقت الجواز فهل ينتهي بالغروب أو يمتد ليلاً حتى طلوع الفجر؟
(1) مسلم (1299).
فالقول الأول: هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، والقول الثاني: هو مذهب الحنفية والشافعية، إلَاّ أنَّ المشهور عن المالكية هو أنَّ الرمي ليلاً قضاءٌ، والحنفية والشافعية يقولون أداءٌ ونظرًا للزحام العظيم عند رمي الجمرات لازدياد عدد الحجاج الكبير، فقد أصدرت رابطة العالم الإسلامي عام (1394 هـ) برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وعدد كبير من أعضاء المجلس التأسيسي للرابطة، الذين يمثلون بلدانًا كثيرة من بلدان العالم الإسلامي، ويعتنق مجموعهم مذاهب الأئمة الأربعة، أصدرت فتوى بجواز الرمي ليلاً في أيام التشريق الثلاثة، مستأنسين برأي هؤلاء الأئمة الثلاثة، وبترخيص النبي صلى الله عليه وسلم للرعاة أن يؤخروا الرمي عن وقته؛ لحاجتهم لذلك، وعملاً بعموم نصوص الشريعة السمحة في التيسير والتسهيل، وبالله التوفيق.
* قرار هيئة كبار العلماء بشأن رمي الجمار، ونصه ما يلي:
1 -
جواز رمي جمرة العقبة بعد منتصف ليلة النحر للشفقة على النساء، وكبار السن، والعاجزين، ومن يكون معهم للقيام بشؤونهم، لما ورد من الأحاديث الصحيحة، والآثار الدالة على جواز ذلك.
2 -
عدم جواز رمي الجمار الثلاث أيام التشريق قبل الزوال.
3 -
يقرر المجلس -بالأكثرية- جواز الرمي ليلاً عن اليوم السابق، بحيث يمتد وقت الرمي حتى طلوع فجر اليوم الذي يليه؛ دفعًا للمشقة التي تلحق بالحجاج؛ عملاً بقوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185].
وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
ولعدم الدليل الصحيح الصريح الدال على منع الرمي ليلاً، وبالله التوفيق.
ويجوز تأخير الرمي كله إلى آخر يوم من أيام التشريق. وهل الرمي المؤخر أداءٌ أو قضاءٌ؟ قال الشيخ محمَّد أمين الشنقيطي في تفسيره: التحقيق أنَّ أيَّام التشريق كاليوم الواحد بالنسبة إلى الرمي، وهو مذهب أحمد والشافعي.
641 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما "أنَّهُ كَانَ يَرْمِي الجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبع حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ، ثُمَّ يُسْهِلُ، فَيَقُومُ، فَيَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ، ثُمَّ يَدْعُو، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلاً، ثُمَّ يَرْمِي الوُسْطَى، ثُمَّ يأخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، ثُمَّ يَدْعُو، وَيَرْفعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلاً، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ العَقَبْةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي، وَلَا يَقِفُ عنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيقُولُ: هكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يفْعَلُه" رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- الدنيا: بضم الدال وكسرها، أي القريبة إلى جهة مسجد الخيف.
- إثر: بكسر الهمزة وسكون المثلثة، أي عقب كل حصاة.
- يُسْهل: بضم الياء وسكون السين المهملة وكسر الهاء، مضارعٌ من أسهل الرباعي، أي يقصد المكان السهل من الأرض.
- يقوم طويلاً: أي قيامًا طويلا للدعاء، حال كونه مستقبل القبلة.
- ثم يأخذ ذات الشمال: بكسر الشين المعجمة، أي يمشي إلى جهة الشمال.
- ذات العقبة: بفتح العين والقاف والباء، اسم للجبل الصغير، فيه ثنية، كانت الجمرة الكبرى في سفحه الجنوبي، فأزيلت تلك العقبة عام: 1377 هـ، لغرض توسعة شارع الجمرات.
(1) البخاري (1751).
*ما يؤخذ من الحديث:
1 -
مشروعية رمي الجمار الثلاث في أيام التشريق الثلاثة، فهنَّ وقت الرمي، فإن لم يرم فيهن لعذر أو غيره، فاته الرمي، وعليه دم.
2 -
البداءة بالجمرة التي تلي مسجد الخيف، ثم الثانية، ثم العقبة، وهذا الترتيب واجب، فإن اختلَّ لم يصح الرمي.
3 -
أن يكون الرمي بسبع حصيات لكل جمرة، وهذا مذهب جمهور العلماء خلافًا لقلة، منهم عطاء ومجاهد، فقد أجازوا الرمي بالخمس والست.
4 -
التكبير عقب كل حصاة يرميها.
5 -
التقدم عن مكان الرمي في الجمرة الأولى، والانصراف إلى جهة الشمال في الجمرة الوسطى، ئم استقبال القبلة، والدعاء طويلاً رافعًا يديه، متحريًا للإجابة والقبول، لأنَّ هذا الموطن من مواطن قبول الدعاء.
6 -
أما جمرة العقبة فيرميها من بطن الوادي، أي يجعل مكة عن يساره، ومنًى عن يمينه، ولا يقف عندها للدعاء.
وقد علَّل العلماء عدم مشروعية الوقوف هنا لضيق المكان في ذلك الوقت، على أنَّ سعة المكان عند جمرة العقبة الآن لا يبرر الوقوف عندها للدعاء، إذ أنَّ العلل والأسرار ظنية، والخير في الاتباع، وخير الهدي هدي محمَّد صلى الله عليه وسلم.
7 -
الرمي على الصفة المذكورة في الحديث هي الصفة الواردة، فتكون المفضلة، على أنَّ رمي الجمار الثلاث جائز من أي جهة كانت، ما دام الحصى يقع في المرمى.
قال النووي في شرح مسلم: "وأجمعوا على أنَّه من حيث رمى جمرة العقبة جاز، سواء استقبلها، أو جعلها عن يمينه، أو عن يساره، أو رماها من فوقها، أو أسفلها، أو وقف في وسطها ورماها".
8 -
قال الشافعي: الجمرة مجتمَع الحصى، لا ما سال من الحصى.
وقال الطبري: حد مجتمع الحصى ثلاثة أذرع من أصل الجمرة.
قال ابن حجر الهيتمي: والمشاهدة تؤيد ذلك، فإنَّ مجتمعه -غالبًا- لا ينقص عن ذلك.
قال محرر هذا الكتاب: إنَّه لم يكن مرما الجمار الثلاث محاطًا بجدار إلَاّ في الزمن القريب، وأول من ذكر إحداث هذه الحيطان على الجمار هو الشيخ علي بن سالم الحضرمي في منسكه المسمى:"دليل الطريق لحجاج بيت الله العتيق"، فقد قال في صحيفة (87):"المرمى المحل المبني فيه العلم، وضبط بثلاثة أذرع من جميع جوانبه، وقد حوِّط على هذا المقدار بجدار قصير. فالرمي يكون داخله" وتقدم بحثه.
* قرار مجلس هيئة كبار العلماء بشأن حوض الجمار:
وخلاصته ما يلي:
تقرر بالاتفاق أنَّه لا يجوز بناء حوض زائد عن الحوض الموجود حاليًا، وأن يبقى على ما كان، ومعلوم أنَّ الحصى متى وصل إلى الحوض أجزأ، ولو لم يستقر فيه وتدحرج وسقط خارجه.
هيئة كبار العلماء
***
642 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِيْنَ، قَالُوا: وَالمُقَصِّرِيْنَ، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ فِي الثَّالِتَةِ: وَالمُقَصِّرِينَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- اللهم ارحم المحلِّقين: قال ابن عبد البر: المحفوظ أنَّه قاله في الحديبية.
وقال النووي: المشهور أنَّه قاله في حجة الوداع.
وقال عياض: لا يبعد أنَّه قاله في الموضعين، قال العيني: وما قاله عياض هو الصواب، جمعًا بين الأحاديث الصحيحة.
- اللَّهمَّ اغفر للمحلقين: شك الراوي هل دعا للمحلقين وحدهم مرَّتين أو ثلاثًا، كما اختلفت الروايات في ذلك.
- اللَّهم: جاءت هنا للنداء، والميم عوض عن حرف النداء، ولذا لا يقال: يا اللَّهمَّ؛ لأنَّه لا يجمع بين العوض والمعوض منه.
- المحلقين: الحلق: هو إزالة الشعر، من الرأس من أصله.
- المقصرين: التقصير: قص بعض الشعر، مع عدم استئصاله.
والمقصرين هو من العطف التلقيني، يعني: ضُمَّ إليهم المقصرين، يا رسول الله! فقل: اللَّهمَّ ارحم المحلقين والمقصرين.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
أنَّ الحلق أو التقصير نسك من مناسك الحج، وشعيرة من الشعائر.
2 -
القول الراجح أنَّ الحلق، أو بدله التقصير واجب من واجبات الحج
(1) البخاري (1727)، مسلم (1301).
والعمرة.
3 -
فضل الحلق على التقصير في حق الرجال، وهو مُجمع عليه، ما لم يكن الحاج متمتعًا، وضاق الوقت عن نبات الشعر للحج، فيكون التقصير أولى، كما أنَّ المُجمع عليه للنساء التقصير لا الحلق، فإنَّه محرَّم.
4 -
الحلق أو التقصير نسك، وهو مذهب الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة ومالك وأحمد، والنسك عبادة يثاب على فعلها، ويعاقب على تركها، قال تعالى:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27]
فوصفهم ومنَّ عليهم بذلك، فدلَّ على أنَّه عبادة، ولأنَّه صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين والمقصرين، وفاضَلَ بينهم، فلولا أنَّه نسكٌ لما استحقوا لأجله الدعاء منه لهم.
قال في المغني: والحلق والتقصير نسك، في ظاهر مذهب أحمد، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي.
وعن أحمد أنَّه ليس بنسك، وإنما هو إطلاق من محظور، كان محرَّمًا عليه بالإحرام فأُطلق فيه عند التحلل، كاللباس والطيب وسائر محظورات الإحرام، فعلى هذه الرواية لا شيء على تاركه، ويحصل الحل بدونه، والرواية الأولى أصح.
5 -
المفهوم من الحديث هو أنَّ الحلق أو التقصير لعموم الرأس، وهو الذي يدل عليه الكتاب والسنة، من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله، وهو ما أجمع عليه، وإنما الخلاف في أقل المجزيء منه، والصحيح أنَّه لا يجزيء إلَاّ كله، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد.
قال ابن الهمام: مقتضى الدليل في الحلق وجوب استيعابه.
وحكى النووي الإجماع على حلق الجميع، والمراد بالإجماع الصحابة والسلف.
6 -
تفضيل الحلق على التقصير دليل على أنَّ أحدهما يفعل على أنَّه نسك من مناسك الحج أو العمرة، وأنَّه ليس تحللاً من محظور فقط، كما قاله بعض العلماء.
7 -
في الحديث دليل على الاكتفاء في الحج والعمرة بالحلق وحده، أو التقصير وحده، وأن لا يجمع بينهما، على أنَّهما جميعًا نسك لحجٍ واحدٍ أو عمرةٍ واحدةٍ.
8 -
محل الحلق والتقصير هو شعر الرأس خاصة، دون بقية شعور البدن، واستحب بعض العلماء ومنهم المالكية والحنابلة الأخذ من الشعور المستحب إزالتها أو تخفيفها، كالعانة والشارب، وكذلك تقليم الأظفار، وقد كان عبد الله بن عمر يفعله.
9 -
من أسرار الحلق والتقصير أنَّ فيهما كمال الخضوع، والتذلل لله تعالى، وإظهار العبودية، والانقياد لطاعته، ولذا صار الحلق أفضل من التقصير؛ لأنَّه أبلغ في تحقيق هذه العبادة الشعيرة الجليلة، ولأنَّ الحلق أدل على من صدق نية صاحبه في التذلل لله، وإظهار الخضوع له.
كما أنَّ من أسراره وحِكمه إزالة الأوساخ والأدران، التي تعلق بالحاج أثناء تلبسه بالإحرام، ويشير إلى ذلك قوله تعالى:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29].
فقد فسَّرها العلماء بذلك، حتى يفيضوا إلى البيت العتيق بحال تجمل وزينة تحقيقًا. لقوله تعالى:{يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُو} [الأعراف: 31].
***
643 -
وَعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ على النِّسَاءِ حَلْقٌ، وَإنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ" رَوَاهُ أَبُو داودَ بإِسْنَادٍ حَسَنٍ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
قال في التلخيص: رواه أبو داود والدارقطني والطبراني من حديث ابن عبَّاس وإسناده حسن، وقوَّاه أبو حاتم في العلل، والبخاري في التاريخ، وأعله ابن القطان، وردَّ عليه ابن الموَّاق فأصاب.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
تقدم في الحديث الذي قبله أنَّ الدعاء للمحلقين خاص بالرجال بإجماع العلماء، وأنَّ الواجب في حق النساء هو التقصير فقط، وهو إجماع العلماء أيضًا.
2 -
هذا الحديث حسب ترتيب المؤلف يأتي بعد حديث السيدة عائشة الآتي برقم (646)، ولكني قدمته ليلي حديث ابن عمر في الحلق والتقصير؛ للمناسبة التي بينهما.
…
(1) أبو داود (1985).
644 -
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ رضي الله عنهما "أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وقَفَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ فَجَعَلُوا يَسْألونَهُ، فقَالَ رَجُلٌ: لَمْ أشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحَ؟ قَالَ: اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ، وَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ انْ أرْمِيَ، قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَن شَيءً قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ، إلَاّ قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- ابن العاص: الجمهور على كتابته بالياء، وهو الفصيح عند أهل العربية، ويقع في كثير من الكتب بحذفها، وقد قريء في القراءات السبع:"الكبير المتعال" والعاص من العصيان، وجمعه عصاة، كالقاضي يجمع على قضاة.
- لم أشْعُر: بضم العين، الشعور: هو الإحساس والإدراك، يقال: شعرت بالشيء شعورًا إذا فطنت به، فالسائل عمل النسك من الحج بلا شعور، ولا إحساس لما يبنغي تقديمه وتأخيره من المناسك، فمعناه لم أعلم جهة التقديم والتأخير.
- أن أذبح، أن أرمي: أن فيه مصدرية، أي قبل الذبح، وقبل الرمي.
- ولا حرج: بفتح الحاء والراء المهملتين آخره جيم معجمة، والحرج: الضيق، والمراد ليس عليك شيء مطلقًا.
- ارمِ: فعل أمر: أي ارم الجمرة، ولو أخَّرتها عن الحلق أو الطواف، فليس
(1) البخاري (83)، مسلم (1306).
عليك شيء مطلقًا.
- فما سُئل عن شيء: يعني من الأمور التي هي من وظائف يوم النحر في الحج، إلَاّ قال: افعل، ولا حرج.
- قُدِّمَ وَلا أُخِّر: بالبناء للمجهول، من باب التفعيل فيهما، ولابد فيه من تقدير "لا" في الأول، لأن الكلام الفصيح قلَّما تقع "لا" وتدخل على الماضي إلَاّ مكررة، نظير قوله تعالى:{وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9].
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
وقوف العالِم في أيام المناسك؛ لإفتاء الناس، وإرشادهم في مناسكهم.
2 -
في يوم النحر أربعة أعمال للحج، وهي: رمي جمرة العقبة، والذبح، والحلق أو التقصير، والإفاضة، فأي واحد منها قدمه على الآخر فهو جائز، وهذا في حق الناسي بالإجماع كما هو صريح الحديث، وسيأتي الخلاف في العامد إن شاء الله تعالى.
3 -
سماحة الشريعة وسعتها في أحكامها وعباداتها، فلا ضيق، ولا عَنت.
* خلاف العلماء:
أجمع العلماء على أنَّ المشروع هو الترتيب، وذلك بتقيدم الرمي، ثم النحر، ثم الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة، كما رتَّبها النبي صلى الله عليه وسلم في فعله، وقال:"خذوا عنِّي مناسككم".
كما أجمعوا على جواز تقديم بعضها على بعض في حق الناسي والجاهل. واختلفوا في جواز تقديم بعضها على بعض على غير النسق المشروع المتقدم، وذلك في حق العامد العالم.
فذهب الشافعي وأحمد وجمهور التابعين وفقهاء المحدثين إلى جواز تقديم بعضها على بعض للعامد، مستدلين بأحد طرق هذا الحديث التي رواها البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو، قال السائلون: "يا رسول الله! حلقت
قبل أن أذبح، قال: اذبح، ولا حرج، وقال الآخر: ذبحت قبل أن أرمي، قال: ارمِ ولا حرج، فما سئل عن شيء قدِّم، ولا أُخِّر إلَاّ قال: افعل ولا حرج" ولم يقيده بالناسي والجاهل.
وذهب بعضهم -ومنهم الحنفية- إلى أنَّ رفع الحرج هو في حق الجاهل والناسي فقط، لقول السائل في الحديث "لم أشعر" والمطلق يحمل على المقيد، فيختص الحكم بهدذه الحال، ويبقى العامد على أصل وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في المناسك لحديث:"خذوا عني مناسككم".
وقال الطحاوي: إنَّ هذا القول له احتمالان:
أحدهما: أن يكون صلى الله عليه وسلم أباح ذلك له توسعة وترفيهًا، فيكون للحاج أن يقدم ما شاء ويؤخر ما شاء.
والآخر أنَّ قوله: "لا حرج" أي لا إثم عليكم فيما فعلتموه من هذه، على الجهل منكم لا على القصد، وإنما كان ذلك لجهلهم بالمناسك؛ لأنّ السائلين كانوا أعرابًا، لا علم لهم بالنسك.
* وهل على من قدم المؤخر من هذه المناسك على المقدَّم منها دم، أو لا؟ الجمهور على عدم وجوب الدم، بناء على جواز التقديم والتأخير في كل الأحوال.
* فائدة:
لا خلاف بين العلماء في إجزاء تقديم بعضها على بعض في حق العامد والناسي، وسقوط الوجوب به.
قال في المغني: "لا نعلم خلافًا بينهم في أنَّ مخالفة الترتيب لا تخرج هذه الأفعال عن الإجزاء، ولا يمنع وقوعها موقعها".
وقال الطبري: "لم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج إلَاّ وقد أجزأ الفعل، إذ لو لم يجزئه لأمره بالإعادة، لأنَّ الجهل والنسيان لا يضعان عن المكلف الحكم الذي يلزمه".
645 -
وَعنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنه "أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَحَرَ قَبْلَ أنْ يَحْلِقَ، وَأمَرَ أصحَابهُ بِذلِكَ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ. (1)
ــ
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
هذا الحديث كالحديث السابق في مشروعية تقديم النحر على الحلق، وجواز تقديم النحر على الحلق، سواء كان ذلك في حال العمد أو الجهل، والنسيان.
2 -
هذا الفعل والأمر وقع من النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية، حين منعته قريش من دخول مكة لأداء عمرته، فصالحهم على أن يعود ويأتي من قابل، كما ذكر ذلك في القضية المشهورة، ثم تحلل صلى الله عليه وسلم بالذبح والنحر، وتابعه أصحابه على ذلك.
3 -
الهدي إن كان من آفاقي جامع بين الحج والعمرة، إما بتمتع أو قران، فهو هدي واجب.
وإن كان غير آفاقي، أو من مفرد، أو من معتمر، فهو هدي تطوع على كل منهم؛ لأنَّه هدي شكر الله تعالى، لا جبران من تعدٍّ في إحرام، أو تقصيرٍ، في واجبٍ من النسك.
4 -
قال ابن القيم: الهدي في التمتع والقِران عبادة مقصودة، وهو من تمام النسك، وهو دم هدي، لا دم جبران، وهو بمنزلة الأضحية للمقيم، ولو كان دم جبران لما جاز الأكل منه، وقد ثبت أنَّه صلى الله عليه وسلم أكل من هديه، وفي الصحيحين أنَّه أرسل لنسائه من الهدي الذي ذبحه عنهن، وقال تعالى:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج: 28]، وهو متناول هديَ التمتع والقِران قطعًا.
(1) البخاري (1811).
5 -
قال ابن القيم: هدي الحاج بمنزلة الأضاحي للمقيم، فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه أنَّهم جمعوا بين الهدي والأضحية، بل كان هديهم هو أضاحيهم، فهو هدي بمنًى وأضحية بغيرها، فإذا اشترى الهدي من عرفات وساقه إلى منى، فهو هدي باتفاق العلماء، وأما إذا اشتراه من منى وذبحه فيها ففيه نزاع، فمذهب مالك ليس بهدي، ومذهب الثلاثة أنه هدي.
6 -
قال الشيخ محمَّد بن إبراهيم: الهدايا شرعت في الحج اقتداء بخليل الله إبراهيم، حين أمره الله بذبح ولده إسماعيل، ودرج على ذلك المسلمون جميعًا جيلاً بعد جيل، والتقليل من أهمية مشروعية الذبح، أو استبدالها بغيرها هذا مما يمليه الشيطان على بعض الأشخاص.
فهذه الذبائح شرع الله ذبحها عبادةً له وتعظيمًا، وأن يطعم منها القانع والمعتر.
* قرار هينة كبار العلماء بشأن ذبح الهدايا والأضاحي:
وخلاصته ما يلي:
1 -
لا يجوز أن يعتاض عن ذبح هدي التمتع والقِران بالتصدق بقيمته؛ لدلالة الكتاب والسنة والإجماع؛ لأنَّ من القواعد المقررة سد الذرائع، والقول بإخراج القيمة يفضي إلى التلاعب بالشريعة.
2 -
قرر المجلس بالأكثرية أنَّ أيَّام: الذبح أربعة أيام: يوم العيد، وثلاثة أيام بعده، ويجوز الذبح في ليالي أيام التشريق، وخالف الشيخ عبد الرزاق العفيفي، فأجاز الذبح بعد أيام التشريق، ولا إثم عليه.
3 -
لا يخصص الذبح بمنى، بل يجوز في مكة، وفي أي موضع من الحرم.
***
646 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا رَمَيْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمُ الطِّيبُ، وَكُلُّ شَيءً، إلَاّ النِّسَاءَ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ (1).
ــ
* درجة الحديث:
قال ابن الملقن والمنذري: إسناده حسن.
قال في التلخيص: رواه أحمد، وأبو داود، والدارقطني، والبيهقي من حديث عائشة مرفوعًا، ومداره على الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف مدلس، وله طرق أخر مدارها عليه.
قال ابن معين: صدوق يدلس، وقد روى له مسلم مقرونًا بغيره، وقد حسَّن الحديث المنذري وابن الملقن.
وروي من حديث الحسن العرني عن ابن عباس: "إذا رميتم الجمرة فقد حلَّ لكم كل شيء إلَاّ النِّساء"، وروي من طريق آخر عن ابن عمر، وهذا كله له حكم الرفع، والله أعلم.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
يدل الحديث على أنَّ التحلل الأول الذي يبيح كل شيء للمحرم إلَاّ النساء، لا يحصل إلَاّ بمجموع الأمرين: الرمي، والحلق.
2 -
يدل بمفهومه أنَّ النساء لا يحل وطؤهن ولا مباشرتهن إلَاّ بعد التحلل الكامل، وهو الإِتيان بالرمي، والحلق، وطواف الإفاضة، والسعي إن طاف للقدوم ولم يَسْعَ.
(1) أحمد (23951)، أبو داود (1978).
3 -
ما تقدم من أنَّ التحلل الأول لا يحصل إلَاّ بالرمي والحلق، وهو قول لابن الزبير، وعائشة، وعلقمة، وسالم، وطاووس، والنَّخعي، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة، والشافعي، وأبي ثور، والمشهور من مذهب الإمام أحمد، عملاً بهذا الحديث في عموم طرقه.
قال في الشرح الكبير: والرواية الأخرى: يحصل التحلل بالرمي وحده، وهذا قول عطاء، ومالك، وأبي ثور، قال شيخنا -يعني صاحب المغني-: وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لقوله في حديث أم سلمة: "إذا رميتم الجمرة فقد حلَّ لكم كل شيء إلَاّ النساء".
وقال الشوكاني بعد أن ذكر حديث أم سلمة: استُدل به على أنَّه يحل برمي جمرة العقبة كل محظورات الإحرام إلَاّ الوطء للنساء، فإنَّه لا يحل له بالإجماع".
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني: "المحرم إذا رمى جمرة العقبة حلَّ له كل شيء إلَاّ النساء، ولو لم يحلق، لحديث عائشة "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي في حجة الوداع للحل والإحرام، وحين رمى جمرة العقبة يوم النَّحر قبل أن يطوف بالبيت"، بسند صحيح على شرط الشيخين، وإليه ذهب ابن حزم".
***
647 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما "أنَّ العَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِب اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يَبِيْتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى، مِن أجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذَنَ لَهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- سقايته: بكسر السين المهملة وفتح القاف ثم ألف بعدها ياء ثم تاء، مهنة السقاء، وسقاية الحاج: سقايتهم الماء، ينبذ فيه الزبيب، وكانت من مآثر قريش، يتولاها بنو عبد المطلب، وكان العباس بن عبد المطلب هو القائم بها زمن النبوة، وكان ينبذ للحاج من ماء زمزم، وذكر المؤرخون أنَّه ما كان بين مكان السقاية والحجر الأسود إلَاّ ثمانية أذرع بذراع الحديد.
…
(1) البخاري (1634)، مسلم (1315).
648 -
وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ رضي الله عنه "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رخَّصَ لِرِعَاءِ الإِبِل فِي البيْتُوتَةِ عَنْ مِنًى، يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرْمُونَ الغَدَ لِيَوْمَيْنِ، ثمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ" رَوَاهُ الخَمْسَةُ وَصَحَّحَةُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن، وقال الترمذي: حسن صحيح.
قال في التلخيص: رواه مالك، والشافعي، وأحمد، وأصحاب السنن، وابن حبان، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي من حديث أبي البداح عن عدي عن أبيه، ورواه مالك عن أبي البداح عن عاصم بن عدي، وحديث مالك أصح، قال الحاكم: من قال عن أبي البداح بن عدي فقد نسبه إلى جده.
ويقال: إنَّ لأبي بداح صحبة، وقد صحح ذلك ابن عبد البر في الاستذكار.
* مفردات الحديث:
- رخَّص: بفتح الراء المهملة وتشديد الخاء المعجمة، والرخصة لا تكون إلَاّ من عزيمة، ومعناها شرعًا: ما ثبت على خلاف دليلٍ شرعيٍّ لمعارضٍ راجحٍ، والترخيص: الإذن له بجواز ترك المبيت بمزدلفة ومنىً، من أجل سقايته.
- لرعاة الإبل: جمع راعٍ، وهو من يحفظ الماشية ويرعاها، والإبل: الجِمال والنوق، لا واحد له من لفظه، مؤنث جمعه آبال.
(1) أحمد (4/ 450)، أبو داود (1975)، الترمذي (955)، النسائي (5/ 273)، ابن ماجه (3037).
- البيتوتة: بات يبيت بياتًا وبيتوتة، معناه أمضى الليل، نام أو لم ينم، فيقال: بات يفعل كذا: إذا فعله ليلاً.
- يوم النَّفْر: يقال: نفر القوم ينفرون نفرًا تفرقوا.
قال في المحيط: نفر الحجاج من منى اندفعوا إلى مكة.
قُلْتُ: من نفر في اليوم الثاني من أيام التشريق فقد نفر النفر الأول، ومن نفر في اليوم الثالث فقد نفر النفر الأخير.
* ما يؤخذ من الحديثين:
1 -
وجوب المبيت بمنى لياليها، ومناط الدليل من هذين الحديثين طلب العبَّاس الإذن له، ولفظ:"الترخيص" لا يكون إلَاّ من عزيمة.
2 -
الرخصة في عدم المبيت في منى لصاحب سقاية الحاج، ولرعاة الإبل، لعذرهم في ذلك.
3 -
المبيت الواجب أكثر الليل لا كله، سواء ابتدأ من أوله أو من آخره، قال في شرح الغاية: ويتجه المراد من البيتوتة بمنى معظم الليل، وهو متَّجه.
قال النووي: وفي قدر الواجب قولان، أصحهما: معظم الليل.
قال في فتح الباري: ولا يحصل المبيت إلَاّ بمعظم الليل.
4 -
المشهور من مذهب الإمام أحمد أنَّ الرخصة: خاصة لسقاة زمزم، والرعاة اقتصارًا على النص، لكن قال في المغني:"وأهل الأعذار كالمرضى، ومن له مال يخاف ضياعه، ونحوهم كالرعاة في ترك البيتوتة".
وقال ابن القيم: "وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد رخَّص لأهل السقاية وللرعاة في ترك البيتوتة، فمن له مال يخاف ضياعه، أو مريض يخاف من تخلفه عنه، أو كان مريضًا، سقطت عنه بتنبيه النص على هؤلاء، والله أعلم".
5 -
أما الرمي فالسقاة يرمون كغيرهم، وأما الرعاة فيرمون جمرة العقبة يوم النحر، ثم يذهبون بالإبل، فإذا عادوا يوم النفر الأول رموا عن اليومين، ثم
يرمون يوم النفر الثالث إن لم يتعجلوا.
* خلاف العلماء:
لم يختلف العلماء أنَّ أفضل الرمي بعد يوم النحر هو بعد زوال الشمس، كما فعله صلى الله عليه وسلم، وقال:"خذوا عنِّي مناسككم"، وأنَّ الوقت المختار ينتهي بالغروب، وقال ابن رشد: وأجمعوا على أنَّ السنة في الجمار الثلاث في أيام التشريق أن يكون بعد الزوال، أما الرمي بالليل فمذهب الإمام أحمد أنَّ ابتداءه من زوال الشمس ونهايته بغروبها، إلَاّ أنَّه يجزيء رمي يوم في اليوم الذي بعده، أو رمي الكل آخر أيام التشريق، كلها وقت للرمي، ولا يجزىء الرمي عنده ليلاً.
وأما مذاهب الأئمة الثلاثة فيجيزون الرمي بالليل، فقد قال في بدائع الصنائع للحنفية:"فإنَّ آخر الرمي فيهما إلى الليل، فمن رمى قبل طلوع الفجر جاز، ولا شيء عليه".
وقال النووي في المجموع: "ويبقى وقتها إلى غروبها، وفيه وجه مشهور، أنَّه يبقى إلى الفجر الثاني في تلك الليلة، والصحيح هذا فيما سوى اليوم الآخر، وأما اليوم الآخر فيفوت رميه بغروب شمسه، بلا خلاف".
قال الشيخ محمَّد الشنقيطي: "واختلفوا في أيام التشريق الثلاثة: هل هي كاليوم الواحد بالنسبة إلى الرمي؟ والتحقيق أنَّ أيام التشريق كاليوم الواحد، فمن رمى عن يوم منها في آخر يوم أجزأه، ولا شيء عليه، هذا هو مذهب أحمد ومشهور الشافعي ومن وافقهما".
وقد أصدر المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز في أيام الحج عام (1394 هـ) فتوى جواز الرمي ليلاً، وجرى العمل بها وتنفيذها من قبل حكومة المملكة العربية السعودية، وذلك حينما اشتدَّ الزحام على الجمرات.
649 -
وَعَنْ أَبِي بَكرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "خَطَبنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحرِ" الحَديثُ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (1).
650 -
وَعنْ سرَّاءَ بِنْتِ نَبْهَانَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يوْمَ الرُّؤوسِ، فَقَالَ:"أَلَيْسَ هَذَا أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؟ .. " الحَدِيثُ، رَواهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (2).
ــ
* درجة الحديث (650):
حديث سرَّاء حديث حسن.
قال المؤلف: رواه أبو داود بإسنادٍ حسن.
وقال الشوكاني: حديث سراء بنت نبهان سكت عنه أبو داود والمنذري.
وقال في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح.
* مفردات الحديثين:
- يوم النَّحر: هو اليوم العاشر من ذي الحجة عيد الأضحى، سمي يوم النَّحر؛ لما ينحر فيه من الهدي والأضاحي.
- سرَّاء: بفتح السين وتشديد الراء بعدها ألف ممدودة، بنت نبهان الغنوية، من قبيلة غني، قبيلة عدنانية مضرية.
- يوم الرؤوس: جمع رأس هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، وهو أول يوم من أيام التشريق الثلاثة، وسمي يوم الرؤوس؛ لأنَّهم يأكلون في هذا اليوم -غالبًا- رؤوس الأضاحي والهدي التي ذبحت يوم النَّحر، ويسمى يوم "القرِّ"
(1) البخاري (1741)، مسلم (1679).
(2)
أبو داود (1953).
بفتح القاف وتشديد الراء. لأنَّ النَّاس قارُّون في منى.
- أوسط أيام التشريق: هو ثاني يوم النَّحر بالاتفاق، كما قال ابن القيم، أي يوم الحادي عشر، وهو أول أيام التشريق، وأما تسميته في الحديث بأوسطها، فمن جعل الأوسط بمعنى الأفضل، أو لأنَّه ثاني يوم النَّحر.
* ما يؤخذ من الحديثين:
1 -
أنَّه صلى الله عليه وسلم خطب خطبتين الأولى، يوم النَّحر، والثانية في اليوم الذي بعده من أيام التشريق.
2 -
خطبة يوم النَّحر ليست خطبة عيد، فإنَّه عليه الصلاة والسلام لم يصل صلاة العيد في حجته، ولا خطب مثل خطبة العيد، وإنما هي خطبة قصد بها تعليم الناس المناسك.
3 -
في الحديثين مشروعية هاتين الخطبتين للإمام، أو نائبه، يعظ الناس، ويبيِّن لهم المناسك ويرشدهم.
4 -
ما أحق هذا المشعر الكبير، والمجتمع الإسلامي في منى، للدعاة المرشدين والمصلحين أن يستغلوه في التوجيه الإسلامي الصحيح، وما أجدر وسائل الإعلام: من الإذاعة والتلفاز والصحف والنشرات، من البث في هذه المجتمعات الكبيرة، فالقلوب مفتحة، والأنفس مطيعة، والسبل ممهدة لنشر دعوة الخير والصلاح، وفَّق الله المسلمين إلى ما فيه صلاحهم.
5 -
خطبة النبي صلى الله عليه وسلم اشتملت على أعلى الحِكم والتوجيهات، فقد جاء فيها قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا في شهركم هذا، أَلَا لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، أيها النَّاس اعبدوا ربَّكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم وأطيعوا ربكم إذا أمركم، تدخلوا جنَّة ربكم، ألا فليبلغ منكم الشاهد الغائب، فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، ألا
هل بلغت؟ فقالوا: نعم، فقال: اللَّهمَّ اشهد".
6 -
أما خطبة اليوم الأول من أيام التشريق، فقد جاء فيها ما يلي:
"ألا لا تظالموا، إنَّه لا يحل مال امريء مسلم إلَاّ بطيب نفس منه، ألا وإن ربا الجاهلية موضوع، اتَّقوا الله في النساء، فإنَّهنَّ عَوان عندكم، لا يملكن لأنفسهن شيئًا، وإنَّ لهنَّ عليكم حقوقًا، ولكم عليهنَّ حقًا: أن لا يُوطِئن فرشكم أحدًا غيركم، ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه، ومَن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.
أيُّها الناس: إنَّ ربَّكم واحد، وإن أباكم واحد، لا فضل لعربي على عجمي، ولا عجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلَاّ بالتقوى".
قال عبد الرحمن بن معاذ رضي الله عنه: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في منى، ففتحت أسماعنا، حتى كنَّا نسمع ما يقول، ونحن في منازلنا".
فالله جلَّ وعلا رفع صوته، وبلَّغ دعوته، وهو على كل شيء قدير.
***
651 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: "طَوَافُكِ بالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا والمَروَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).
ــ
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
عائشة رضي الله عنها كانت محرمة عام حجة الوداع بالعمرة، لتتمتع بها إلى الحج، فحاضت قرب مكة، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تُدخل الحج على العمرة، ففعلت، فصارت قارنة، فلم تطف، ولم تسع إلَاّ بعد الوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة، ثم قالت: يا رسول الله، إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حين حججت، فأمر صلى الله عليه وسلم أخاها عبد الرحمن فذهب بها إلى التنعيم ليلة الرابعة عشرة، فاعتمرت.
2 -
يدل على أنَّ القارن لا يجب عليه إلَاّ طواف واحد وسعي واحد، وهو مذهب جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة، وعند الحنفية أنَّ القارن عليه طوافان وسعيان، واستدلوا على ذلك بأحاديث عن عمر وعلي رضي الله عنهما، ذكرها الزيلعي في نصب الراية.
3 -
في الحديث دليل على أنَّ السَّعي لا يكون إلَاّ بعد طواف نسك، وإلَاّ فلا يصح.
4 -
دخول أعمال العمرة في أعمال الحج في حق القارن بينهما، لما روى مسلم من حديث ابن عباس، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"دخلتْ العمرة في الحج إلى يوم القيامة".
(1) مسلم (1211).
5 -
عائشة رضي الله عنها لما وصلت مع النبي صلى الله عليه وسلم وادي سرف حاضت، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تُدخل العمرة على الحج، وتكون قارنة، وقال لها:"افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت"، فأخذ الأئمة الثلاثة من هذا اشتراط الطهارة للطواف، أما أبو حنيفة رحمه الله فيرى أنَّ منعها من الطواف هو لئلا تلبث بالمسجد وهي حائض، وعلى هذا فلا تشترط الطهارة عنده للطواف، ولكن لو طافت وهي حائض صحَّ طوافها، وعليها جزاء حسب نوع الطواف، كما هو مفصل في المذهب عنده.
أما بقية العلماء فقالوا: الحائض والنفساء تكمل أعمال الحج كلها، عدا الطواف فلا يصح.
* خلاف العلماء:
هذا الحديث من أدلة وجوب السعي، فالأقوال في حكمه ثلاثة:
أنه واجب، وأنَّه سنة، وأنَّه ركن من أركان الحج، وكلها مروية عن الإمام أحمد.
فذهب كثير من العلماء إلى أنَّه ركن، منهم الأئمة مالك، والشافعي، وأحمد في إحدى الروايات عنه، وهي المشهورة في المذهب، وممن رأى ذلك من الصحابة، ابن عمر وجابر، وعائشة رضي الله عنهم ومعنى ذلك أنَّ الحج لا يتم بدونه.
دليلهم: ما رواه مسلم عن عائشة قالت: "طاف النَّبي صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون بين الصفا والمروة، فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة".
وذهب بعض الصحابة والتابعين إلى أنَّه سنة، لا يجب بتركه شيء، ومنهم ابن عباس، وأنسٍ، وابن الزبير وابن سيرين، وهو رواية عن الإمام أحمد، ودليلهم ما يفهم ظاهراً من الآية:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158].
فأما القول الثالث: فواجب، وإليه ذهب أبو حنيفة، والثوري، والحسن البصري، وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها من أصحابه القاضي، والتميمي، وصاحب الشرح الكبير، وصاحب الفائق، وجزم بها في الوجيز، ورجحها الإمام ابن قدامة في المغني فقال:"وقول القاضي أقرب إلى الحق إن شاء الله تعالى، فإنَّ فِعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه دليل وجوبه كالرمي والحلاقة، ولا يلزم أن يكون ركنًا، وقول عائشة يعارضه قول غيرها".
وقال في الشرح الكبير حين ذكر رواية الوجوب: "وهو أولى؛ لأنَّ دليل من أوجبه دلَّ على مطلق الوجوب، لا على أنَّه لا يتم الحج إلَاّ به".
أما أدلة أنَّه سنة فغير ناهضة، فالآية نزلت لمَّا تحرَّج الصحابة من السعي لوجود صنمين، أحدهما على الصفا، والثاني على المروة في الجاهلية، وأدلة الوجوب قوية، لكنها لا توصله إلى الركنية.
***
652 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرْمُلْ فِي السَّبع الَّذِي افَاضَ فِيهِ" رَوَاهُ الخَمْسَةُ إِلَاّ التِّرْمِذِي، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
قال الحاكم: هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي على ذلك.
وقال عطاء الراوي عن ابن عباس: "لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه".
قال محرره: ويؤيده أنَّ كل من وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم جابر في حديثه الطويل- لم يذكروا أنَّه صلى الله عليه وسلم رمل في غير طواف القدوم، وقد أخرجه أبو داود وسكت عنه.
والحكمة من مشروعيته قد تتحقق بالطواف الأول، كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في الكلام على فقه الحديث.
* مفردات الحديث:
- في السبع: فيه لغتان إحداهما: فتح السين وإسكان الباء، والمراد سبع مرات، والثانية: بضم السين والباء وإسكانها، وهو الجزء من السبعة، من إطلاق الجزء على الكل، والمراد سبع مرات.
(1) أحمد (14133)، أبو داود (2001)، النسائي في الكبرى (2/ 460)، ابن ماجه (3060)، الحاكم (1/ 475).
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الرمل مستحب في الطوفات الثلاث من السبع، ويكون على البيت، كله حتى فيما بين الركنين: اليماني والأسود.
2 -
الرمل لا يكون إلَاّ في طواف القدوم للمفرِد والقارِن، أو إذا قام مقامه طواف العمرة للمعتمر والمتمتع.
3 -
لذا فإنَّ الرَّمل لا يكون في طواف الإفاضة، كما دلَّ عليه الحديث، كما لا يكون في طواف الوداع؛ لأنَّ الوداع ينافي القدوم.
4 -
أما سبب مشروعية الرمل وحكمته، فهو ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عبَّاس قال:"قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، فقال المشركون: إنَّه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة"
ولو زال سببه فإنَّ شرعيته مستمرة بدليل فعله عليه الصلاة والسلام، في حجة الوداع، وذلك إظهارًا لشكر الله في عز دينه، وظهور أمره، وتذكر حال سلفنا الصالح، وما قاسوا في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى، كما أنَّ فيه كمال الاتباع والاقتداء.
***
653 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى الظُّهْرَ والعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ، ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكبَ إِلَى البيتِ فَطَافَ بِهِ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1).
654 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها "أنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذلِكَ -أَيْ النُّزُولَ بالأَبْطَحِ- وَتَقُولُ: إِنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، لأِنَّهُ كَانَ مَنْزِلاً أسْمَحَ لِخرُوجِهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2).
ــ
* مفردات الحديث:
- رَقْدة: بفتح الراء المهملة وسكون القاف المثناة ثم دال فتاء تأنيث، أي نام نومة ليست بالطويلة.
- المُحصَّب: بالمهملتين، بزنة مكرم، اسم مفعول، مأخوذ من الحصباء، وهي صغار الحجارة، وسمي محصبًا؛ لاجتماع الحصى فيه، لأنَّ السيل يحمل إليه الحصباء، والمراد به هنا وادي إبراهيم، المنحدر من أعلى مكة، والخارج من أسفلها، لكن حد المحصب هنا هو من المنحنى إلى مقبرة الحجون "المعلا"، ويسمى الأبطح والبطحاء، وقد أدركته قبل زفلتته، وأرضه حصباء، أما الآن فلا حصباء، ولا محصب، ولا بطحاء فقد زُفْلِتَ الشارع، وبلِّط جانباه، وقامت العمائر على جنبيه، وأصبح المحصَّب من أهم أسواق مكة التجارية.
(1) البخاري (1764).
(2)
البخاري (1765)، مسلم (1311).
وحينما بدأت الزفلتة في شارع المحصب كَتَب الأستاذ الأديب "حسين سرحان" في "جريدة البلاد السعودية" كلمة بعنوان: "لا بطحاء بعد اليوم" وأخذ يحن عليها، ويتوجد على بقائها، ويذكر أيامها، والسمر فوق حصبائها الناعمة.
- الأبطح: هو المحصَّب، كما تقدم.
* خلاف العلماء:
أجمع العلماء على أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم حينما رمى الجمار بعد الزوال من اليوم الثالث لأيام التشريق دفع من منى، ونزل الأبطح، وصلَّى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم نام نومة خفيفة، ثم ركب راحلته ومرَّ بالبيت، فطاف فيه طواف الوداع، ثم سافر عائدًا إلى المدينة.
والخلاف بينهم هل نزوله الأبطح صلى الله عليه وسلم على وجه القُربة والعبادة، فيتبع فيه، أم أنَّه فعله على أنه منزل واقع في طريقه، فارتاح فيه هذا الوقت، فيكون نزوله غير متعبد به، وليس فيه فضيلة؟
فذهب إلى القول بفضيلته الجمهور، قال في طرح التثريب:"هو قول الأئمة الأربعة، وتقدم أنَّ في صحيح مسلم، "عن أبي بكر، وعمر، وابنه أنَّهم كانوا يفعلون ذلك"، وحكى في شرح المهذب عن القاضي عياض أنَّه قال: النزول بالمحصب مستحب عند جميع العلماء، وأجمعوا على أنَّه ليس بواجب، وأجمعوا على أنَّه من تركه لا شيء عليه".
وذهب بعض العلماء إلى أنَّه ليس بسنة، قال في طرح التثريب: وأنكر التحصيب جماعة من السلف، فروى الشيخان عن ابن عباس قال:"ليس التحصيب بشيء، إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ومنهم عائشة كما في حديث الباب، ومن الذين لا يحصبون إذا حجوا طاووس، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير.
استدل الأولون بما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال حين أراد، أن ينفر من منى: "نحن نازلون غدًا إن شاء الله بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر" وهذا المكان هو الذي تحالفت فيه قريش على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب، حتى يسلموا لهم رسلو الله صلى الله عليه وسلم، فقصد عليه الصلاة والسلام إظهار شعائر الإسلام، حيث أظهرت شعائر الكفر.
واستدل الآخرون بما جاء في صحيح مسلم عن أبي رافع قال: "لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل بمن معي بالأبطح، ولكن أنا ضربت قبته، ثم جاء فنزل".
قال ابن القيم: فأنزل الله فيه تصديقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن نازلون غدًا بخيف بني كنانة".
والقصد أنَّه ليس من واجبات الحج، وليس على تاركه شيء بإجماع العلماء، وله الحمد والمنة.
***
655 -
وَعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "أُمرِ النَّاسُ أنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ، إِلَاّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
مقصود الحج الأكبر هو البيت العتيق، وبقية المشاعر عظمت وفضلت لقربها منه، فكما أنَّ المشروع للقادم هو طواف القدوم، وكذلك يكون المشروع في حقه طواف الوداع.
2 -
"أمر الناس" الآمر هو النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء في مسلم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينصرفن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت".
3 -
الأمر يدل على الوجوب، فطواف الوداع واجب، ويأتي الكلام في الخلاف فيه.
4 -
الحديث صريح في عدم وجوبه على المرأة الحائض، ومثلها النفساء.
5 -
الحديث صريح أنَّ طواف الوداع يكون عند الرحيل، إلَاّ قضاء بعض حاجات السفر بعد الوداع، وانتظار الرفقة للمدة اليسيرة، أو توديع الأقارب، فلا يبطل طواف الوداع، بل يبطله المبيت في مكة، أو التجارة، والإقامة الطويلة، على خلافٍ في ذلك بين الفقهاء.
6 -
قال الشيخ محمَّد بن إبراهيم: من طاف للإفاضة قبل الرمي، ونوى في طوافه أنَّ الطواف طواف إفاضةٍ ووداعٍ، فهذا لا يجزئه عن الوداع، لأنَّه لم يكمل أعمال الحج بعد، ولو كان طوافه المذكور بعد فراغه من الرمي،
(1) البخاري (1755)، مسلم (1328).
واكتفى به عن الوداع، ولم يقم بعده، بل سافر في الحال، كفاه عن طواف الوداع.
* خلاف العلماء:
ذهب الأئمة الثلاثة إلى اشتراط الوضوء في الطواف، وذهب أبو حنيفة إلى عدم اشتراطه، لكن قالوا بوجوبه، وثمرة الخلاف أنَّ طواف المحدث عند الحنفية صحيح، لكن يجب عليه الفداء على تفصيل في ذلك، وعند غير الحنفية الطواف غير صحيح.
قال ابن رشد: وسبب اختلافهم تردد الطواف بين أن يلحق حكمه بحكم الصلاة، أو لا يلحق، وذلك أنَّه ثبت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم منع الحائض من الطواف، كما منعها من الصلاة، فأشبه الصلاة من هذه الجهة، وحجة أبي حنيفة أنَّه ليس كل شيء منعه الحيض، فالطهارة شرط في فعله.
* فائدة:
- أطوفة النسك ثلاثة:
أحدها: طواف القدوم، وهو سنة بإجماع العلماء.
والثاني: طواف الإفاضة، وهو ركن في الحج والعمرة، فلا يحل تحلل بدونه، ولا يقوم مقامه دم ولا غيره، وهذا بإجماع العلماء.
والثالث: طواف الوداع، وهو واجب عند جمهور العلماء، وسنة عند المالكية، والحج يصح بدونه، ويجب في تركه على غير حائض ونفساء دم، عند من قال بوجوبه.
* قرار هيئة كبار العلماء بشأن طواف الوداع:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبيه محمَّد، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فقد نظر مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الرابعة عشرة المنعقدة بمدينة الطائف، ابتداءً من 10/ 10/ 1399هـ حتى 21/ 10/ 1399 هـ، في حكم
طواف الوداع للخارج من مكة المكرمة، سواء كان حاجًّا، أو معتمرًا، وغيرهما، وهل يفرق بين من كان سفره مسافة قصر، ومن كان دون ذلك، واطَّلع على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في الموضوع، على طلب المجلس في دورته الثالثة عشرة، وقد تبيَّن له أنَّ العلماء مختلفون في تلك المسائل تبعًا لاختلاف اجتهادهم، والخلاف فيها معروف بين العلماء، ومدون في كتب الأحاديث، وكتب الفقه، والمناسك وما زال عمل العلماء جاريًا على الأخذ بما يترجح لهم دليله، وينبغي للحاج وغيره أن يحرص على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"خذوا عنِّي مناسككم"، لذلك يرى المجلس في هذه المسائل الخلافية أن يستفتي العامي من يثق بدينه وأمانته، ومذهب العامي مذهب من يفتيه من أهل العلم، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
***
656 -
وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أفْضَلُ مِنْ ألْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَاّ المَسْجِدَ الحَرَامَ، وَصَلاةٌ فِي المَسجِدِ الحَرَامِ أفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمَائة صَلَاةٍ" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
قال في التلخيص: رواه أحمد وابن حبَّان والبيهقي (10058).
وقال ابن عبد الهادي في المحرر: إسناده على شرط الشيخين.
قال في الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة، وفي مسلم من حديث ابن عمر.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
فضل الحرمين الشريفين: الحرم المكي الشريف، والحرم المدني الشريف.
2 -
مضاعفة الصلاة، والأعمال الصالحة فيهما.
3 -
أنَّ مضاعفة المسجد النبوي على غيره من المساجد بقدر ألف صلاة، إلَاّ المسجد الحرام.
أما المسجد الحرام ففضله على المسجد النبوي بمائة صلاة، فتكون مضاعفة المسجد الحرام على غيره من المساجد عدا -المسجد النبوي- بمائة ألف صلاة.
4 -
أنَّ المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوي، وأكثر مضاعفة في ثواب
(1) أحمد (4/ 5)، ابن حبان (1620).
الأعمال الصالحة.
5 -
لأجل هذا الفضل، وتلك المضاعفة في الأعمال أبيح السفر إليهما، وجاز شد الرحل إليهما، أما ما عداهما من البقاع، فلا يجوز إلَاّ المسجد الأقصى، لأنَّ له ميزة فضل، ومضاعفة.
6 -
أنَّ العمل الصالح يفضل، ويضاعف بفضل زمانه، ومكانه.
7 -
قال الشيخ: إذا دخل المدينة فإنَّه يأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ويصلي فيه، والصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلَاّ المسجد الحرام، ولا تشد الرحال إلَاّ إليه، وإلى المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، هكذا ثبت في الصحيحين، والمشروع بالنص والإجماع هو قصد السفر إلى مسجده للصلاة فيه.
8 -
قال الشيخ: ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل الحجرة مستدبرة القبلة، عند أكثر العلماء، ويسلم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولا يدعو مستقبل الحجرة، فإنَّه منهي عنه باتفاق الأئمة، ويكره رفع الصوت عند حجرته صلى الله عليه وسلم لأنَّه في التوقير والحرمة كحياته.
9 -
قال ابن القيم: الاعتمار في أشهر الحج أفضل من سائر السنة بلا شك، سوى رمضان، فإنَّ الله لم يكن ليختار لنبيه صلى الله عليه وسلم إلَاّ أولى الأوقات، وأحقها بها، فكانت عُمره صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج، فهذه الأشهر قد خصَّصها بهذه العبادة، وجعلها وقتًا لها، والعمرة حج أصغر، فأولى الأزمنة بها أشهر الحج.
* خلاف العلماء:
اختلف العلماء هل المضاعفة خاصة بالصلاة، أو يلحق بهما بقية الأعمال الصالحة؟ والصحيح العموم.
واختلفوا في المضاعفة هل هي مقصورة على المسجد الحرام أو تشمل عموم الحرم؟ والصحيح شمولها لعموم الحرم.