المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الرهن مقدمة الرهن: بفتح فسكون، هو لغة: الثبوت والدوام، يُقال: ماء - توضيح الأحكام من بلوغ المرام - جـ ٤

[عبد الله البسام]

الفصل: ‌ ‌باب الرهن مقدمة الرهن: بفتح فسكون، هو لغة: الثبوت والدوام، يُقال: ماء

‌باب الرهن

مقدمة

الرهن: بفتح فسكون، هو لغة: الثبوت والدوام، يُقال: ماء راهن: أي راكد.

وشرعًا: توثقة دينٍ بعينٍ، يمكن استيفاؤه منها، أو من ثمنها، إنْ تعذَّر الاستيفاء من ذمَّة المَدين.

وهو جائزٌ بالكتاب، والسنَّة، والإجماع، والقياس، قال تعالى:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} ، وأمَّا السنَّة فأحاديث الباب وغيرها، وأجمع العلماء على جوازه في السفر، وذهب الجمهور إلى جوازه ولزومه في الحضر.

ولصحته ولزومه ستَّة شروط:

1 -

إيجاب وقبول بما يدل عليهما.

2 -

كون الرَّاهن جائز التصرف بلا نزاع.

3 -

معرفة قَدر الرهن.

4 -

معرفة جنسه.

5 -

معرفة صفته؛ لأنَّه عقدٌ على مال، فاشترط العلم به.

6 -

ملك المرهون، أو الإذن في رهن.

فائدته:

الرهن من الوثائق التي يحصل منها الاستيفاء عند تعذر ذلك من الذمم.

ص: 460

735 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- الظَّهر: الظهر خلاف البطن، يجمع على أظهر وظهور، مثل فَلس وفلوس، والمراد هنا ظهر الحيوان المعد للركوب، من بعيرٍ، وحصانٍ، وحمارٍ، وغيرها.

- لبن الدَّر: بفتح الدال المهملة، وتشديد الراء، هو اللبن، تسمية له بالمصدر، بمعنى الدارَّة: أي ذات الضرع واللبن.

- بنفقته: أي بمقابل نفقته، فيُركب ويُنفَق عليه.

- يُركب وَيُشرب: مبنيان للمجهول.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

يدل الحديث على أصل الرهن، وأنَّه من العقود الشرعية التي تحفظ بها الحقوق، ويستحصل منها الدين عند تعذر الحصول عليه من المدين.

2 -

يدل على جواز رهن الحيوان؛ لأنَّ شرط الرهن العلم بجنس الرهن وصفته وقدره، وهذه كلها متوفرة في الحيوان.

3 -

أنَّ الرهن إذا كان حيوانًا مركوبًا، فإنَّ للمرتهن أن يركبه، ويحمل عليه بقدر نفقته، التي يجريها عليه، متحريًا للعدل في ذلك.

4 -

أنَّ لا يركبه، أو يحمل عليه بما يُنْهِكه، لما فيه من الضرر به، وبصاحبه.

(1) البخاري (2512). وهذا لفظ الترمذي (1175).

ص: 461

5 -

إذا كان الحيوان محلوبًا فله حلبه، وأخذ لبنه بقدر نفقته، متحريًا للعدل في ذلك.

6 -

هذا الحكم في الركوب والحلب إِذْنٌ من الشارع، لِذا فإنه لا يحتاج استئذان الراهن، ولا يحتاج إلى الاتفاق معه على ذلك.

7 -

ما دام أنَّ الحلب يكون بقدر النفقة، فإذا زاد اللبن على النفقة باعه المرتهن؛ لقيامه مقام المالك.

8 -

أما إذا لم يفِ اللبن، وصار أقل من النفقة رجع المرتهن به على الراهن إن نوى الرجوع عليه، أما إذا كان متطوعًا بزائد النفقة فلا يرجع.

9 -

قال أصحابنا الحنابلة: وإن أنفق على الحيوان الذي لا يُحلب ولا يُركب بغير إذن الراهن مع إمكانه، لم يرجع على الراهن، ولو نوى الرجوع؛ لأنَّه متبرع، أو مفرِّط.

أما ابن القيم فقال: من أدَّى عن غيره واجبًا عليه، رجع عليه؛ لقوله تعالى:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)} [الرحمن]، فليس من جزاء المحسِن أن يضيع عليه معروفه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"من أسدى إليكم معروفًا فكافئوه"[رواه أحمد (5484)].

قال شيخ الإسلام: إن قال: الراهن: أنا لم أقم في النفقة، وقال: المنفق هي واجبة عليك، وأنا أستحق بها لحفظ المرهون، فهذا محض العدل، والمصلحة، وموجَب الكتاب.

وهو مذهب أهل المدينة، وفقهاء الحديث.

وقال أهل الحديث: إنَّ من أدى عن غيره واجبًا فإنه يرجع ببدله.

10 -

قال ابن القيم: دلَّ هذا الحديث وقواعد الشريعة وأصولها على أنَّ الحيوان المرهون محترم في نفسه لحق الله تعالى، وللمالك فيه حق الملك، وللمرتهن فيه حق التوثقة، فإذا كان بيده فلم يركبه ولم يحلبه

ص: 462

ذهب نفعه باطلًا، فكان مقتضى العدل، والقياس، ومصلحة الراهن والمرتهن والحيوان، أن يستوفي المرتهن منفعة الركوب والحلب، ويعوّض عنهما بالنفقة، فإذا استوفى المرتهن منفعته وعوَّض عنها نفقة، كان في هذا جمعًا بين المصلحتين، وبين الحقين.

11 -

في الحديث الدلالة على وجوب العدل في جميع ما كان تحت ولاية الإنسان وتصرفه.

12 -

يدل الحديث على أنَّ نفقة ومنفعة الرهن تكون على الراهن، فإنَّها لم تجب على المرتهن إلَاّ في حالة وجود منفعة في الرهن، يستوفيها المرتهن، وينفق عليه بقدرها.

13 -

فيه أنَّ المنافع أن يستفاد منها، ولا تترك تذهب هدرًا، فإنَّ هذا من إضاعة المال المنهي عنه.

* خلاف العلماء:

في الحديث دليلٌ على أنَّ الرهن يكون بيد المرتهن مدة رهنه، كما قال تعالى:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283].

وهل القبض شرط للزوم الرهن، أم لا؟

المشهور من المذهب أنَّه شرط، فلا يلزم إلَاّ بالقبض، وهو قول جمهور العلماء، ومنهم أبو حنيفة والشافعي.

والرواية الأخرى عن أحمد: أنَّ القبض ليس شرطًا في اللزوم، فيلزم بمجرد العقد.

قال في الإنصاف: وعنه: القبض ليس بشرط في المتعين، فيلزم بالعقد، نصَّ عليه.

قال القاضي: هذا قول أصحابنا.

قال في التلخيص: هذا أشهر الروايتين، وهو المذهب عند ابن عقيل

ص: 463

وغيره، فعليها متى امتنع الراهن من تقبيضه أجبر عليه كالبيع، وإن ردَّه المرتهن على الراهن بعارية أو غيرها ثم طلبه، أجبر الراهن على رده.

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: وأما قوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، فوصف أغلبي، والحاجة داعية إلى عدم القبض.

* فائدة:

يدل الحديث على أنَّ المرهون لا تعطل منافعه بل ينبغي أن ينتفع به، وينفق عليه، وهذا لا ينافي أنَّ كل قرض جرَّ نفعًا فهو ربا، ذلك أنَّه بإجماع العلماء، فإنَّ مؤنة الرهن على مالكه، كما أنَّ نماءه وكسبه له إلَاّ هذين النفعين فإنَّهما مستثنيان لدلالة هذا الحديث، ولأنَّه مشروط -أيضًا- تحري العدل، وذلك بأن يكون انتفاع الراكب والحالب بقدر النفقة، وبهذا فإنه بعيد عن القرض الذي يجر نفعًا، ومع هذا لم يأخذ بهذا الحديث إلَاّ الإمام أحمد، أما الأئمة الثلاثة فلم يأخذوا به، وأجابوا عنه بأجوبة رُدَّ عليها.

منها دعوى النسخ، ومنها أنَّ "الباء" في قوله:"بنفقته" ليست البدلية، وإنما هي للمعية، والمعنى أنَّ الظهر يُركب وننفق عليه، فلا يمنع الرهن الراهن من الانتفاع بالمرهون، ولا يسقط عنه الإنفاق.

والصحيح هو ما يفهم من نص الحديث وظاهره، كما فهمه رجال الحديث، ومنهم الإمام أحمد.

***

ص: 464

736 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذي رَهَنه، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرمُهُ" روَاهُ الدَّراقُطْنِيُّ وَالحَاكِمُ، وَرجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَاّ أَنَّ المَحْفُوظَ عِنْدَ أَبي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ إِرْسَالُهُ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث رواه مالك، والشافعي، وابن ماجه، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، وابن حبان.

واختلف أصحاب الزهري في وصل هذا الحديث وإرساله: فرواه مالك، وابن أبي ذئب، ومعمر، ويونس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب مرسلًا.

وصحح إرساله أبو داود، والبزار، والدارقطني، والبيهقي، وابن القطان.

وأما الذين رووه موصولًا، فهم زياد بن سعد، وإسحاق بن راشد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعًا.

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه؛ لخلافٍ فيه على أصحاب الزهري، ووافقه الذَّهبي، وصحَّح اتصاله ابن عبد البر وعبد الحق. وقال الدارقطني: زياد بن سعد من الحفاظ الثقات. وهذا إسنادٌ حسن متَّصل.

ونقله عنه البيهقي، وعقَّب عليه بقوله: قد رواه غيره عن سفيان عن زياد مرسلًا، وهو المحفوظ.

(1) الدارقطني (3/ 33)، الحاكم (2/ 51)، أبو داود في المراسيل (187).

ص: 465

قلتُ: والذي يظهر رجحان رواية مالك ومن معه؛ لأنَّ مالكًا أثبت أصحاب الزهري كما قال الإمام أحمد وابن معين وعمرو الفرس، هذا إذا كان بمفرده، فكيف إذا تابعه معمر، ويونس، وابن أبي ذئب.

* مفردات الحديث:

- الرهن: رهن الشيء يرهنه رهنًا ورهونًا: ثبت ودام، ورهنه وأرهنه بمعنًى واحد، ويجمع الرهن على رهان ورُهُن، والراهن الذي يرهن، والمرتهِن الذي يأخذ الرهن، والمرهون كل عين معلومة يمكن الاستيفاء منها، أو من ثمَنِها.

والرَّهنُ لغة: الثبوت والدوام.

وشرعًا: توثقة دين بعين يمكن أخذ الدين أو بعضه منها، أو من ثمنها.

- لا يغلق الرهن من صاحبه: بفتح الياء وسكون الغين المعجمة ثم لام مفتوحة آخره قاف.

قال الزهري: يقال: غلق الباب وانغلق واستغلق: إذا عسر فتحه، وانغلق الرهن ضد الفك، والمعنى لا ينغلق الرهن من صاحبه، فلا يفك.

قال في النهاية: غلق الرهن إذا بقي في يد المرتهن، لا يقدر راهنه على تخليصه، وكان هذا من فعل الجاهلية، أنَّ الراهن إذا لم يؤدِّ ما عليه من الوقت المعيَّن ملك المرتهن الرهن، فأبطله الإسلام.

- له غُنْمه: بضم الغين المعجمة وسكون النون، هي زيادته وثمرته وكسبه.

- عليه غُرمه: بضم الغين المعجمة وسكون الراء المهملة، هو هلاكه ونقصه ونفقته.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

معنى الحديث: أنَّ المرتهن لا يستحق الرَّهن إذا عجز الرَّاهن عن أداء ما رهنه به؛ لأنَّ الرهن ملك للراهن لا يزال ملكه عليه، وإنما هو وثيقة بيد المرتهن؛ لحفظ ماله من الدين عند الراهن.

ص: 466

2 -

الفائدة من الحديث بيان أنَّ نفقة الحيوان المرهون ومؤنته على الراهن، فليس على المرتهن شيء منها، كما أنَّ له غنمه من ثمرة وزيادة وكسب، كما جاء في الحديث السابق:"الخراج بالضمان".

ولا يعارض الحديث الذي قبله، فتلك مسألة خاصة مستثناة للمصلحة؛ لئلا تضيع مصالح الحيوان المركوب والمحلوب على مالكه ومرتهنه.

3 -

كما يشمل الحديث معنًى آخر: ذلك أنَّه إذا حل أجل الدين في الجاهلية، ولم يوف الراهن المرتهن دينه، فإنَّ المرتهن يملك الرهن بغير إذن الراهن.

فأبطل الإسلام هذه المعاملة الظالمة، وأخبر أنَّ الرهن لمالكه أمانةً عند المرتهن، لا يجبر الراهن على بيعه إلَاّ إذا تعذر الوفاء، حينئذٍ تأتي الفائدة من الرهن فيباع ويوفى الدين، فإن بقي من الثمن شيء فهو للراهن، وإن لم يف ثمن الرهن بالدين، فبقية الدين لا تزال في ذمة الراهن. والله أعلم.

***

ص: 467

737 -

وَعنْ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَلَفَ مِنْ رَجُلٍ بكْرًا، فَقدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أبَا رَافِعٍ أنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بكْرَهُ، فَقَال: لَا أجِدُ إِلَاّ خِيَارًا رَبَاعِيًّا، فَقَال: أعْطِهِ إِيَّاهُ، فَإنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهمْ قَضَاءً" رَواهُ مُسْلِمٌ. (1)

ــ

* مفردات الحديث:

- استلف: استقرض، أي: أخذه نسيئة

- بكْرًا: بفتح الباء الموحدة وسكون الكاف، الفتي من الإبل، جمعه أبكر وبكار.

- خيارًا: بكسر الخاء، أي جيد، فخيار الشيء أفضله.

- رباعيًا: بفتح الراء، وأما الباء فيجوز فيها التخفيف والتشديد، والسن الرباعية هي التي بين الثنجة والناب، والرباعي من الإبل ما دخل في السنة السابعة، حينما تسقط رباعيته.

- خيار الناس: اسم "إنَّ"، ويحتمل أنَّ يراد به المفرد بمعنى المختار، ويحتمل أن تكون جميعًا.

- أحسنهم: خبر "إن"، والأصل التطابق بين المبتدأ والخبر في الإفراد وغيره، فإن كان المبتدأ مفردًا بمعن المختار فالمطابقة حاصلة، وإلَاّ فأفعل التفضيل المضاف المقصود منه الزيادة، يجوز فيه الإراد والمطابقة لمن هو له.

- قضاءً: منصوب على التمييز.

(1) مسلم (1600).

ص: 468

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

جواز القرض، وأنه ليس من المسألة المذمومة؛ لأنَّه ارتفاق بالشيء ليرد إلى صاحبه مثله.

2 -

أنَّ العدل هو أن يرد المقترِض مثل ما اقترض، فإذا ردَّ أفضل منه بلا شرطٍ، ولا مواطأةٍ فلا بأس، ولا يعتبر من القرض الذي جرَّ نفعًا؛ لأن الزيادة لم تقصد، ولم يستشرف لها المقترِض.

3 -

جواز قرض الحيوان، ورد بدله حيوانًا مثله.

4 -

أنَّ خير الناس أحسنهم قضاءً، ممن يقضي بلا مماطلة، ويكافيء مقرِضه إحسانًا على إحسانه؛ لكنه إحسان غير مشترط.

5 -

جواز القرض لحاجة ما تولى عليه الإنسان من وقفٍ، أو وصيةٍ، أو مال يتيمٍ، إذا كان في الاستقراض والاستدانة غبطةٌ أو مصلحةٌ لما تولى عليه.

6 -

جواز التوكل في مثل هذه التصرفات التي تدخلها النيابة.

7 -

أنَّ ربا الفضل وربا النسيئة لا يجريان بين الحيوانات، ولو كانا من جنس واحد؛ لأنَّ علة الربا على الراجح هي الكيل أو الوزن مع الطعم.

8 -

أنَّ الحيوان مما تنضبط صفاته، فيجوز بيعه بالصفة، ويجوز السلم فيه.

9 -

أنَّ من تولى على ما ليس له، من نظارة على وقفٍ، أو وصايةٍ على وصيةٍ، أو ولايةٍ على صغيرٍ أو مجنونٍ أو سفيهٍ، ونجوإ ذلك، له التصرف فيما يتولى عليه، ولو كان تصرفه يشبه المحاباة للغير، إذا كان التصرف يحقق مصلحةً لما تولى عليه من حق غيره.

10 -

أنَّ والي المسلمين يتصرف في بيت المال بما يرى أنَّه الأحسن والأصلح.

* فائدة:

إن نقصت قيمة الدراهم مع بقاء التعامل بها، ردَّ المقترض مثلها على المذهب، وعليه أكثر الأصحاب؛ لأنَّ زيادة القيمة ونقصانها لا يسقط المثل عن

ص: 469

ذمة المقترض.

واختار الشيخ تقي الدين وابن القيم رد القيمة كما لو حرَّمها السلطان.

قال الشيخ عبد الله بن محمد: هو أقوى.

وألحق الشيخ تقي الدين سائر الديون بالقرض، وتابعه كثير من الأصحاب.

***

ص: 470

738 -

وَعنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا" رَوَاهُ الحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ وَإِسْنَادُهُ سَاقِطٌ (1)، وَلَهُ شَاهدٌ ضَعِيفٌ عَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه عِنْدَ البَيْهَقِيِّ، (2) وَآخَرُ مَوْقُوفٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه عِنْدَ البُخَارِيِّ. (3)

ــ

* درجة الحديث:

الحديث ضعيف.

أخرجه البغوي قال: حدثنا سوار بن مصعب عن عمارة عن علي بن أبي طالب مرفوعًا، وهذا إسناد ضعيف جدًا، قال ابن عبد الهادي؛ هذا إسنادٌ ساقطٌ، وسوار متروك الحديث، وقال عمر الموصلي: لم يصح فيه شيء.

وهو مع ضعفه لكن له شواهد موقوفة على ابن مسعود، وأبي بن كعب، وعبد الله بن سلام، وابن عباس، وفضالة بن عبيد، ويؤيده إجماع العلماء على ذلك، وعملهم به.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

الغرض من القرض الحَسن هو الإرفاق، ونفع المقترض المحتاج إليه، وثمرته للمقرِض الإحسان، ورجاء الثواب من الله تعالى.

2 -

لذا جاء التحريم برد الزيادة أو الانتفاع من المستقرض، لقاء ما قدَّمه

(1) مسند الحارث بن أبي أسامة (437).

(2)

البيهقي (5/ 350).

(3)

البخاري (3814).

ص: 471

المقرِض من قرض.

3 -

لذا قال صلى الله عليه وسلم: "كل قرض جر منفعة فهو ربا" وقال ابن مسعود: كل قرض جر نفعًا فهو ربا، وحكاه الوزير اتفاقًا، وقال الموفق: كل قرض بشرط زيادة فهو حرام بلا خلاف.

وهذا الحديث إسناده متكلم فيه، لكن له شواهد كثيرة منها ما في البخاري (3814) عن عبد الله بن سلام:"إذا كان ذلك على رجل حق، فأهدى إليك حمل تبنٍ، أو حمل شعيرٍ، أو حمل قتٍّ، فلا تأخذه، فإنَّه ربا" وأورد غيره من الآثار، والأصول الشرعية تعضد ذلك.

قال في شرح الزاد: ويحرم كل شرط جرَّ نفعًا، كأن يسكنه داره، أو يقضيه خيرًا منه.

فالقرض الذي يجر نفعًا هو القسم الثالث من أقسام الربا.

4 -

قال في شرح الزاد: وإن بدأ بما فيه نفع بلا شرط ولا مواطأة بعد الوفاء، أو إعطاه أجود بلا شرط جاز.

وقال الموفق: تجوز الزيادة في القدر والصفة بلا شرط ولا مواطأة؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم استلف بَكْرًا فردَّ خيرًا منه، وقال:"خيركم أحسنكم قضاءً"[متَّفق عليه].

ذلك أنَّه من مكارم الأخلاق عرفًا وشرعًا.

5 -

ما يؤخذ عند تحويل النقد من بلد إلى آخر، إذا كان بقدر أجرة البنك الذي عمل التحويل فلا بأس بأخذها؛ لأنَّها أجرة على ذلك.

6 -

قال ابن القيم في تهذيب السنن: واختلفت الرواية عن أحمد فيما لو أقرضه دراهم، وشرط عليه أن يوفيه إياها ببلد آخر، ولا مئونة لحملها، فروي عنه أنَّه قال: لا يجوز، وكرهه مالك والشافعي، وروي عن أحمد الجواز؛ لأنَّه مصلحة لهما، ولم ينفرد المقترض بالمنفعة، وحكي عن علي، وابن

ص: 472

عباس، وابن الزبير، والثوري، وإسحاق وغيرهم.

والصحيح جوازه، واختاره القاضي، وصاحب المغني، وذلك لأنَّ المستقرض إنما يقصد نفع نفسه، ويحصل انتفاع المقرض ضمنًا، فأشبه أخذ السفتجة به، وإيفائه إيَّاه في بلدٍ اَخر، من حيث إنَّه مصلحة لهما جميعًا، والمنفعة التي تجر إلى الربا في القرض هي التي تخص المقرض، كسكنى دار المقترض، وركوب دوابه، وقبول هديته، فإنَّه لا مصلحة له في ذلك، بخلاف هذه المسائل، فإنَّ المنفعة مشتركة بينهما، وهما متعاونان عليها، فهي من جنس التعاون والمشاركة.

7 -

الودائع البنكية قسمان: بفائدة، أو بغير فائدة.

وهي بحالتيها تعتبر قرضًا، واستثمارها عن طريق الفائدة يعتبر قرضًا ربويًّا، فالحاصل أنَّ ودائع البنوك:

إما أن تكون ودائع بفوائد، فهو القرض الربوي المحرَّم، وهو في المرة الأولى ربا فضل ونسيئة، وأما في المدة التي بعد الأولى فهو ربا الجاهلية المضاعف.

وأما إذا كان بغير فائدة، فتسمى ودائع بنكية، وهي في حقيقة الأمر قروض إلَاّ أنَّها محرَّمة.

* قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن الودائع المصرفية (حسابات المصارف): قرار رقم (86):

إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقدة في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتَّحدة من 1 - 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق 1 - 6 نيسان "أبريل" 1995 م.

بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الودائع المصرفية "حسابات المصارف"، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت

ص: 473

حوله.

قرَّر ما يلي:

أولًا: الودائع تحت الطلب "الحسابات الجارية" سواء كانت لدى البنوك الإسلامية، أو البنوك الربوية هي قروض بالمنظور الفقهي، حيث إنَّ المصرف المتسلم لهذه الودائع يده يد ضمان لها، وهو ملزم شرعًا بالرد عند الطلب، ولا يؤثر على حكم القرض كون البنك "المقترض" مليئًا.

ثانيًا: إنَّ الودائع المصرفية تنقسم إلى نوعين بحسب واقع التعامل المصرفي:

(أ) الودائع التي تدفع لها فوائد، كما هو الحال في البنوك الربوية، هي قروض ربوية محرَّمة سواءٌ كانت من نوع الودائع تحت الطلب "الحسابات الجارية"، أم الودائع لأجل، أم الودائع بإشعار، أم حسابات التوفير.

(ب) الودائع التي تسلم للبنوك الملتزمة فعليًا بأحكام الشريعة الإسلامية بعقد استثمار على حصة من الربح هي رأس مال مضاربة، وتنطبق عليها أحكام المضاربة "القراض" في الفقه الإسلامي التي منها عدم جواز ضمان المضارب "البنك" لرأس مال المضاربة.

ثالثًا: إنَّ الضمان في الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) هو على المقترضين لها (المساهمين في البنوك)، ما داموا ينفردون بالأرباح المتولدة من استثمارها، ولا يشترك في ضمان تلك الحسابات الجارية المودعون في حسابات الاستثمار، لأنَّهم لم يشاركوا في اقتراضها، ولا استحقاق أرباحها.

رابعًا: إنَّ رهن الودائع جائزٌ، سواءٌ كانت من الودائع تحت الطلب "الحسابات الجارية" أم الودائع الاستثمارية، ولا يتم الرهن على مبالغها إلَاّ بإجراء يمنع صاحب الحساب من التصرف فيه طيلة مدة الرهن، وإذا كان البنك

ص: 474

الذي لديه الحساب الجاري هو المرتهن لزم نقل المبالغ إلى حساب استثماري، بحيث ينتفي الضمان للتحول من القرض إلى القراض "المضاربة"، ويستحق أرباح الحساب صاحبه تجنبًا لانتفاع المرتهن (الدائن) بنماء الرهن.

خامسًا: يجوز الحجز من الحسابات إذا كان متَّفقًا عليه بين البنك والعميل.

سادسًا: الأصل في مشروعية التعامل الأمانة والصدق بالإفصاح عن البيانات بصورة تدفع اللبس أو الإيهام، وتطابق الواقع، وتنسجم مع المنظور الشرعي، ويتأكد ذلك بالنسبة للبنوك تجاه ما لديها من حسابات؛ لاتصال عملها بالأمانة المفترضة ودفعًا للتغرير بذوي العلاقة.

والله أعلم

* قرار المجمع الفقهي الإسلامي بشأن فرض الغرامة المالية على تأخر السَّداد:

إنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة المنعقدة في مكة المكرمة في الفترة من يوم الأحد 13 رجب 1409 هـ، إلى يوم الأحد 25 رجب 1409 هـ، قد نظر في موضوع السؤال المطروح من فضيلة الشيخ عبد الحميد السائح المستشار الشرعي للبنك الإسلامي في الأردن، وصورته كما يلي:

"إذا تأخر المدين عن سداد الدين في المدة المحددة، فهل له -أي البنك- الحق بأن يفرض على المدين غرامة مالية جزائية، بنسبة معيَّنة، بسبب التأخير عن السداد في الموعد المحدد بينهما؟ ".

وبعد البحث والدراسة قرَّر مجلس المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي: إنَّ الدائن إذا شرط على المدين، أو فرض عليه أن يدفع له مبلغًا من المال، غرامةً ماليةً جزائيةً محددةً، أو بنسبةٍ معيَّنةٍ إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به، بل ولا يحل، سواء

ص: 475

كان الشارط هو المصرف أو غيره؛ لأنَّ هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أعضاء المجلس

* قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن السندات: قرار رقم (60):

إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة، في المملكة العربية السعودية، من 17 - 23 شعبان 1410 هـ، الموافق 14 - 20 آذار "مارس" 1990 م.

بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندوة "الأسواق المالية" المنعقدة في الرباط 20 - 24 ربيع الثاني 1410 هـ/ 20 - 24/ 10/ 1989 م، بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريبات بالبنك الإسلامي للتنمية، وباستضافة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية.

وبعد الاطلاع على أنَّ السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الإسمية عند الاستحقاق، مع دفع فائدة متَّفق عليها منسوبة إلى القيمة الإسمية للسند، أو ترتيب نفع مشروط، سواء كان جوائز توزع بالقرعة، أم مبلغًا مقطوعًا، أم حسمًا.

قرر ما يلي:

أولاً: إنَّ السندات التي تمثل التزامًا بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط، محرَّمة شرعًا، من حيث الإصدار، أو الشراء، أو التداول؛ لأنَّها قروض ربوية، سواءٌ كانت الجهة المصدرة لها خاصةً، أو عامةً ترتبط بالدولة.

ص: 476

ولا أثر لتسميتها شهادات، أو صكوكًا استثمارية، أو ادخارية، أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحًا، أو ريعًا، أو عمولة، أو عائدًا.

ثانيًا: تحرم أيضًا السندات ذات الكوبون الصفري، باعتبارها قروضًا يجري بيعها بأقل من قيمتها الإسمية، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها حسمًا لهذه السندات.

ثالثًا: كما تحرم أيضًا السندات ذات الجوائز، باعتبارها قروضًا اشترط فيها نفع، أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم لا على التعيين، فضلاً عن شبهة القمار.

رابعًا: من البدائل للسندات المحرَّمة إصدارًا، أو شراءً، أو تداولاً، السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع، أو نشاط استثماري معيَّن، بحيث لا يكون لمالكيها فائدةٌ، أو نفعٌ مقطوع، وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع، بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك، ولا ينالون هذا الربح إلَاّ إذا تحقق فعلاً، ويمكن الاستفادة في هذا من الصيغة التي تمَّ اعتمادها بالقرار رقم (30) لهذا المجمع بشأن سندات المقارضة. والله أعلم.

***

ص: 477