المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الكفالة مقدمة الكفالة: مصدر كفل، بمعنى التزم. وشرعاً: التزام رشيد برضاه إحضار - توضيح الأحكام من بلوغ المرام - جـ ٤

[عبد الله البسام]

الفصل: ‌ ‌باب الكفالة مقدمة الكفالة: مصدر كفل، بمعنى التزم. وشرعاً: التزام رشيد برضاه إحضار

‌باب الكفالة

مقدمة

الكفالة: مصدر كفل، بمعنى التزم.

وشرعاً: التزام رشيد برضاه إحضار من تعلق به حق مالى لرب الحق.

وتنعقد الكفالة بالألفاظ التي ينعقد بها الضمان، نحو: أنا ضمين ببدنه وزعيم؛ لأنَّ الكفالة من نوع الضمان.

والكفالة: ثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس.

قال تعالى: {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66].

وقد أخرج أبو داود والترمذي من حديث ابن عباس: أنَّ رجلاً لزم غريمًا له حتى يقضيه أو يأتي بحميل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أنا أحمل".

وحكى غيرُ واحد الإجماع عليها، والحاجة داعية إلى استيثاق.

* موضوع الكفالة:

الكفالة لا تصح إلَاّ في حق مالي لا بدني، ولذا فإنَّها تصح بإحضار بدن كل إنسان عنده عين مضمونه كعارية؛ ليردها أو يرد بدلها إن كانت تالفة، كما تصح بإحضار بدن من عليه دين.

فصحت الكفالة بذلك؛ لأنَّ كُلاًّ من العين والدين حق مالى.

أما الحقوق المتعلقة بالبدن فلا تصح الكفالة فيها؛ لأنَّه لا يمكن استيفاؤها أو أداؤها إلَاّ من نفس بدن مَن وجب عليه الحق.

ص: 528

فمثل حدود الله تعالى كالزنا، أو حدٍّ حقه للآدمي كالقذف والقصاص، فلا تصح الكفالة فيه؛ لأنَّه لا يمكن استيفاؤه من الكفيل.

كما لا تصح بالحقوق الزوجية البدنية من القَسْم والعِشرة ونحو ذلك من كل حق يتعلَّق ببدن المكفول خاصة.

***

ص: 529

753 -

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَن أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ" رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعيفٍ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث منكر.

رواه البيهقي بإسناد ضعيف، وقال: إنَّه منكر، وقال الشيخ حامد الفقي في تعليقه على البلوغ: وفي الباب آثار لا تخلو من مقال، لكن أحاديث الأمر بإقامة الحدود تؤيد معناه.

* مفردات الحديث:

- في حد: جمعه حدود، وهو لغةً: المنع.

وشرعًا: عقوبة مقدَّرةٌ؛ لتمنع من الوقوع في مثل الذنب الذي شُرع له الحد.

والحد هنا يشمل العقوبات التعزيرية التي لم تُقَدَّر، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

الحد: يطلق شرعًا ويراد به: جميع أوامر الله تعالى ونواهيه.

فيشمل جميع ما يلي:

(أ) ما نهى الله تعالى عن فعله وحرَّمه، قال تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187]،

(ب) ما أمر الله تعالى بفعله وأوجبه، قال تعالى: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا

(1) البيهقي (6/ 77).

ص: 530

حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229].

(ج) ما نهى الله تعالى عن تجاوزه، قال تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229].

2 -

أما الحد في اصطلاح الفقهاء فهو: عقوبة مقدرة؛ لتمنع من الوقوع في مثلها، وهو -أيضًا- حقيقة شرعية، قال صلى الله عليه وسلم لقاذف زوجته:"بيِّنةٌ، وإلَاّ حدٌّ في ظهرك".

3 -

الحديث الذي معنا شاملٌ للأمرين: فالكفالة لا تصح فيمن عليه حد، سواء كان هذا الحد ممن عليه عقوبةٌ مقدرةٌ، أو كان ممن عقوبته مطلقةٌ راجعةٌ إلى نظر الحاكم الشرعي، فالكفالة خاصةٌ بالحقوق المالية عينًا أو دينًا؛ لأنها استيثاقٌ يمكن استيفاء الحق بها، أمَّا الحقوق البدنية المتعلقة ببدن الشخص فهي أمورٌ لا تُستوفى إلَاّ منه خاصة، فلا تصح الكفالة فيها.

4 -

الحديث وإن كان ضعيف الإسناد إلَاّ أنَّ معناه صحيح، من حيث ثبوت أصل الكفالة، ومن حيث إنَّها لا تصح في الحدود.

***

ص: 531