الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحوالة
مقدمة
الحوالة: بفتح الحاء وكسرها، مشتقة من التحول وهو الانتقال، فهي تحول الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
وهي ثابتة بالسنة كما في حديث الباب، وبإجماع العلماء، وبالقياس الصحيح، فإنَّ الحاجة داعيةٌ إليها.
قال ابن القيم: قواعد الشرع تقتضي جوازها؛ لأنَّها على وفق القياس.
وقال بعضهم: هي من بيع الدين، ولكن جاز فيها تأخير القبض من باب الرخصة، وتكون حينئذٍ على خلاف القياس، ولكن الصحيح خلاف ذلك، فإنَّها ليست من باب بيع الدين بالدين، وإنما هي من جنس إيفاء الحق؛ ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها في معرض الوفاء، وأداء الدين.
أما فائدتها: فهي تسهيل المعاملات بين الناس، لاسيَّما إذا كان الغريم في بلد، والمحال عليه في بلدٍ آخر، ويسهل على المحال الاستيفاء منه، وإذا أحال المدينُ غريمَه على من لا دين عليه، فهو توكيل في الاستقراض، وليس من الحوالة، وليس لها أحكامها.
وكذا إحالة من لا دين له على من له عليه دين، فليست حوالة، وإنما هو توكيل في القبض من المدين.
* التحويل البنكي:
كان التجَّار في القرون القريبة يستعملون في تحويلهم النقود من بلد إلى
آخر ما يسمى "السَّفْتَجَة"، التي صورتها أنَّ شخصاً يسلم شخصًا آخر نقوداً؛ ليحيله بمثلها في بلدٍ آخر، فيكتب قابض النقود لدافعها خطابًا، ليقبض بدلها في بلدٍ آخر، يعملون ذلك ليأمن الدافع من خطر الطريق، ولغير ذلك من المقاصد.
فهذه المعاملة منعها الحنفية والشافعية، واعتبروها من القرض الذي يجر نفعًا. وأجازها الحنابلة، وأيَّدهم شيخ الإسلام ابن تيمية، واعتبروها من نوع الحوالة، ولأنَّه ليس فيها محذور شرعي، والأصل في المعاملات الإباحة.
وورد أنَّ عبد الله بن الزبير رضي الله عنه كان يقبض النقود من الرجل في مكة، ويكتب له خطاباً إلى أخيه مصعب في العراق ليسلمه بدلها.
أما الآن فحلَّ محلَّ "السفتجة" التحويل البنكي، وذلك بأن تسلم بنكَ البلد الذي أنت فيه نقودًا ثم يعطيك "شيكاً" لتقبض بدل نقودك في بلد آخر، وقد يكون في نفس البلد الذي أنت فيه، فهذه المعاملة أجازتها "المجامع الفقهية الإسلامية"، وعليها العمل في جميع البلدان الإسلامية وغيرها، وسواء كانت النقود المحولة من جنسى النقود المدفوعة، أو من غير جنسها.
* قرار المجمعى الفقهي بشأن التحويل البنكي:
وقد أصدر مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي قراراً في دورته الحادية عشرة برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وعضوية مجموعة كبيرة من العلماء يمثلون الأقطار الإسلامية والمذاهب الاجتهادية، وقرَّروا ما يلي:
1 -
يقوم تسليم الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف.
2 -
يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض، لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى، سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف، أو بعملة مودَعة فيه.
750 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلى مَلِيءٍ فَلْيَتْبِعْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لأِحْمَد:"وَمَنْ أُحِيلَ فَلْيَحْتَلْ"(1).
ــ
* مفردات الحديث:
- مَطْلُ الغَنِيِّ: هذه من إضافة المصدر إلى الفاعل، والمَطْل لغة: المد، مطل الحديدة يمطلها إذا ضربها لتطول، وكل ممدود، والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر.
- الغني: غني يغنى غنًى، مثل رضي يرضى رضا، والجمع أغنياء، وأصله السعة، والمراد بالغني القادر على الأداء.
- أُتْبعَ: بضم همزة القطع وسكون التاء المثناة الفوقية وكسر الباء الموحدة، على البناء للمجهول.
قال الخطابي: أصحاب الحديث يروونه بالتشديد، وصوابه بسكون التاء على وزن أكرم.
- مليء: بالهمزة مأخوذ من الامتلاء بالهمز، يقال: ملؤ الرجل أي صار مليئًا، والمليء مهموز على وزن فعيل، وقد أولع الناس فيه بترك الهمزة وتشديد الياء، والمراد به الغني القادر على الوفاء.
- فَلْيتْبع: بفتح الياء، ومعناه: إذا أحيل فليحتل، كما هو في الرواية الأُخرى.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
في هذا الحديث الشريف أدبٌ من آداب المعاملة الحسنة، بأمر المدين
(1) البخاري (2287)، مسلم (1564)، أحمد (2/ 463).
بحُسن القضاء، وأمر الدائن بحسن الاقتضاء.
2 -
فالغريم إذا طلب حقه فإنَّ الواجب أداؤه، ويحرم على الغني مطله؛ لأنَّ الحيلولة دون حقه بلا عذر ظلم.
3 -
لفظ "مَطْل" يشعر بأنه لا يحرم التأخير إلَاّ عند طلب الغريم، أو ما يدل على رغبته في استيفاء حقه.
4 -
تحريم المَطل خاص بالغني، أما الفقير أو العاجز لشيء من الموانع فلا يحرم عليه، لأنَّه معذور.
5 -
تحريم مطالبة المعسر، ووجوب إنظاره إلى ميسرة؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة].
6 -
ظاهر الحديث أنَّ المدين إذا أحال غريمه على ملىء وجب عليه التحول، ويأتي الخلاف إن شاء الله.
7 -
أما مفهوم الحديث فإنَّه إذا أحاله على غير مليء، فلا يجب على المحال قبوله.
8 -
فسر العلماء "المليء" بأنَّه ما اجتمع فيه ثلاثة صفات:
- أن يكون قادرًا على الوفاء، فليس بفقير.
- صادقًا بوعده، فليس بمماطل.
- يمكن جلبه إلى مجلس الحكم، فلا يكون ذا جاه يمتنع بجاهه، أو يكون أبًا للمحال، فلا يمكنه الحاكم من مرافعته.
9 -
ظاهر الحديث انتقال الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال إليه، والصحيح أنَّ المحال إن قَبِل برضاه عالمًا بفَلَس المحال عليه، أو موته، أو مماطلته، ونحو ذلك، ولم يشترط الرجوع عند تعسر الاستيفاء، فإنَّه لا يرجع، وإن لم يكن راضيًا بالحوالة على المعسر ونحوه، أو كان راضيًا لكن يجهل حاله، فله الرجوع عند تعذر الاستيفاء أو تعسره، والله أعلم.
10 -
قال الشيخ عبد العزيز بن باز: إذا دعت الضرورة إلى التحويل من طريق البنوك الربوية، فلا حرج في ذلك إن شاء الله، وهكذا الإيداع للضرورة بدون اشتراط الفائدة، فإن دفعت الفائدة بدون شرط، فلا بأس من أخذها لصرفها في المشاريع الخيرية، كمساعدة الفقراء، ومن عليهم دين، ونحو ذلك.
11 -
أما السَّفْتَجَة وهي خطاب مالي يكتبه الإنسان لمن دفع إليه مالاً علها سبيل التمليك، لكي يقبض بدلاً عنه في بلد آخر معيَّن.
فقد اختلف العلماء في حكمها:
الجمهور -ومنهم الحنفية والشافعية- على المنع؛ لأنَّهم يعتبرونها قرضًا جر نفعًا.
ويرى الحنابلة وشيخ الإسلام أنَّها من قبيل الحوالة، ولا يوجد محذورٌ شرعيٌّ في جوازها.
12 -
قال الشيخ علي بن أحمد السالوس: إذا استلم منك البنك نقودًا، وأعطاك بها شيكًا لتستلمها في بلدآخر، فهل ينطبق عليها حكم مايسمى في الفقه الإسلامي السفتجة.
أفتى مجمع البحوث الإسلامي بالقاهرة أنَّها حلال.
13 -
قال الشيخ تقي الدين: إذا أقرضه دراهم ليستوفي منه في بلد آخر، فقد اختلف العلماء في جوازه، والصحيح الجواز، واختاره القاضي والموفق في المغني.
* خلاف العلماء:
أجمع العلماء على اعتبار المحيل في الحوالة.
واختلفوا في اعتبار رضا المحال والمحال عليه.
فذهب أبو حنيفة إلى اعتبار رضاهما؛ لأنَّها معاوضة يشترط لها الرضا من
الطرفين، فهما طرف، والمحيل هو الطرف الآخر.
وذهب الجمهور -ومنهم المالكية والشافعية- إلى اعتبار المحال فقط.
وذهب الإمام أحمد، والظاهرية، وأبو ثور، وابن جرير، إلى أنَّ الأمر للوجوب، وأنه يتحتَّم على من أُحيل بحقه على مليء أن يتْبع.
لكن إن كانت الحوالة على غير مليء، فعند الظاهرية أنَّها حوالة فاسدةٌ لا تصح؛ لأنَّها لم تصادف محلها الذي ارتضاه الشارع، وهو الملاءة.
وعند الحنابلة تصح؛ لأنَّ الحق للمحال إذا رضي بذلك.
***