المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ اسْتَأْذن على عمر بن الْخطاب ثَلَاثًا - تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه - جـ ٣

[أمير باد شاه]

فهرس الكتاب

- ‌الْبَاب الثَّانِي من الْمقَالة الثَّانِيَة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْبَاب الثَّالِث

- ‌(فصل: حجية السّنة)

- ‌(فصل: فِي شَرَائِط الرَّاوِي. مِنْهَا كَونه بَالغا حِين الْأَدَاء)

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌ مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌فصل فِي التَّعَارُض

- ‌مسئلة

- ‌(فصل الشَّافِعِيَّة}

- ‌مسئلة

- ‌فصل

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْبَاب الرَّابِع فِي الْإِجْمَاع

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌ مسئلة

- ‌ مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌‌‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْبَاب الْخَامِس

- ‌من الْأَبْوَاب الْخَمْسَة من الْمقَالة الثَّانِيَة فِي أَحْوَال الْمَوْضُوع

- ‌فصل فِي الشُّرُوط

- ‌مسئلة

- ‌المرصد الأول: فِي تقسيمها

- ‌تَتِمَّة

الفصل: أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ اسْتَأْذن على عمر بن الْخطاب ثَلَاثًا

أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ اسْتَأْذن على عمر بن الْخطاب ثَلَاثًا فَلم يُؤذن لَهُ فَرجع فَفَزعَ عمر فَقَالَ: ألم أسمع صَوت عبد الله بن قيس ائذنوا لَهُ فَقَالُوا رَجَعَ فَدَعَاهُ فَقَالَ: مَا هَذَا فَقَالَ كُنَّا نؤمر بذلك فَقَالَ: لتَأْتِيني على هَذَا بَيِّنَة فَانْطَلق إِلَى مجْلِس الْأَنْصَار فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا لَا يشْهد لَك على ذَلِك إِلَّا أصغرنا فَانْطَلق أَبُو سعيد فَشهد لَهُ فَقَالَ عمر لمن حوله خَفِي عَليّ هَذَا من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ألهاني الصفق بالأسواق (قُلْنَا لريبة فِي خصوصه) أَي خُصُوص خبر أبي مُوسَى. قَالَ الْخَطِيب لم يتهم عمر أَبَا مُوسَى وَإِنَّمَا كَانَ يشدد فِي الحَدِيث حفظا للرواية عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم (لَا) فِي (عُمُومه) أَي خبر الْوَاحِد (وَلذَا) أَي لكَون توقفهم فِي الْبَعْض لريبة فِي خصوصه لَا بِكَوْنِهِ خبر وَاحِد (عمِلُوا) أَي الصَّحَابَة كلهم (بِحَدِيث عَائِشَة) رضي الله عنها (فِي التقاء الختانين) كَمَا فِي حَدِيث أبي مُوسَى فِي صَحِيح مُسلم.

‌مسئلة

خبر (الْوَاحِد فِي الْحَد مَقْبُول: وَهُوَ قَول أبي يُوسُف والجصاص خلافًا للكرخي والبصري) أبي عبد الله (وَأكْثر الْحَنَفِيَّة لنا عدل ضَابِط جازم فِي) حكم (عَمَلي) مَبْنِيّ على الظَّن (فَيقبل كَغَيْرِهِ) أَي كَمَا فِي غير الْحَد من العمليات (قَالُوا تحقق الْفرق) بَينه وَبَين غَيره من العمليات (بقوله) صلى الله عليه وسلم (ادرءوا) أَي ادفعوا (الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ) أخرجه أَبُو حنيفَة (وَفِيه) أَي فِي خبر الْوَاحِد (شُبْهَة) وَهِي احْتِمَال الْكَذِب فَلَا يُقَام الْحَد بِخَبَرِهِ (قُلْنَا المُرَاد) بِالشُّبْهَةِ الَّتِي تدرأ الْحُدُود مَا كَانَت (فِي نفس السَّبَب لَا) فِي (الْمُثبت) للْحكم الْمُسَبّب (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك بِأَن يُرَاد مَا فِي الْمُثبت وَغَيره أَو فِي الْمُثبت فَقَط (انْتَفَت الشَّهَادَة) إِذْ احْتِمَال الْكَذِب فِيهَا مَوْجُودَة (و) انْتَفَى (ظَاهر الْكتاب فِيهِ) أَي الِاسْتِدْلَال فِيهِ إِذْ احْتِمَال التَّخْصِيص والإضمار وَالْمجَاز قَائِم وَاللَّازِم بَاطِل (وإلزامه) أَي هَذَا القَوْل بِأَن يَنْبَغِي أَن يثبت الْحَد (بِالْقِيَاسِ) أَيْضا لِأَن وجوب الْعَمَل بِهِ ثَابت (مُلْتَزم عِنْد غير الْحَنَفِيَّة) وَعِنْدهم غير مُلْتَزم (وَالْفرق لَهُم) بَين خبر الْوَاحِد وَالْقِيَاس فِي هَذَا (بِأَنَّهُ) أَي الْحَد ملزوم لكمية خَاصَّة لَا يدخلهَا الرَّأْي) بِخِلَاف خبر الْوَاحِد فَإِنَّهُ كَلَام صَاحب الشَّرْع وَإِلَيْهِ تعْيين الكميات وَغَيرهَا.

(تَقْسِيم للحنفية) لخَبر الْوَاحِد بِاعْتِبَار مَحل وُرُوده (مَحل وُرُود خبر الْوَاحِد مشروعات لَيست حدودا كالعبادات) من الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالزَّكَاة وَالْحج وَمَا هُوَ مُلْحق بهَا مِمَّا لَيْسَ عبَادَة مَقْصُودَة كالأضحية أَو معنى الْعِبَادَة فِيهِ تَابع كالعشر أَو لَيْسَ بخالص كصدقة الْفطر وَالْكَفَّارَات (والمعاملات وَهُوَ) أَي خبر الْوَاحِد الْمَشْرُوط فِيهِ الْعقل والضبط وَالْإِسْلَام وَالْعَدَالَة من غير اشْتِرَاط عدد فِي الرَّاوِي (حجَّة فِيهَا خلافًا لشارطي المثني لما تقدم من الْجَانِبَيْنِ) فِيمَا قبل هَذِه المسئلة الَّتِي فِي

ص: 88

ذيلها هَذَا التَّقْسِيم، لَكِن اشْترط فِي كَونه حجَّة عدم مُخَالفَة الْكتاب وَالسّنة الثَّابِتَة وَأَن لَا يكون شاذا وَلَا مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى كَمَا سَيَأْتِي (وحدود) عطف على مشروعات إِلَى آخِره (وفيهَا) أَي فِي الْحُدُود (مَا تقدم) فِي هَذِه المسئلة من الْخلاف وَفِي قبُول الْوَاحِد فِيهَا بِشُرُوطِهِ الْمَاضِيَة (فَإِن كَانَ) مَحل وُرُود الْخَبَر (حقوقا للعباد فِيهَا إِلْزَام مَحْض كالبيوع والأملاك الْمُرْسلَة) أَي الَّتِي لم يذكر فِيهَا سَبَب الْملك من هبة وَغَيرهَا، والأشياء الْمُتَّصِلَة بالأموال كالآجال والديون (فشرطه) أَي هَذَا الْقسم (الْعدَد وَلَفظ الشَّهَادَة مَعَ مَا تقدم) من الْعقل وَالْبُلُوغ وَالْحريَّة وَالْإِسْلَام والضبط وَالْعَدَالَة وَالْبَصَر وَأَن لَا يجر بِشَهَادَتِهِ مغنما وَلَا يدْفع عَنْهَا مغرما، وَمَعَ الْمَذْكُورَة فِي وَاحِد من الْعدَد (احتيط لمحليته) أَي الْخَبَر بِهَذِهِ الْأُمُور (لدواع) إِلَى التزوير والحيل، وَهَذَا النَّوْع (لَيست فِيمَا عَن الشَّارِع) تقليلا لوُقُوع ذَلِك مِنْهَا (وَمِنْه) أَي هَذَا الْقسم (الْفطر) لانتفاع النَّاس فِيهِ، فَيشْتَرط فِي الشَّهَادَة بِهِلَال الْفطر الْعدَد وَلَفْظَة الشَّهَادَة مَعَ سَائِر شُرُوطهَا إِذا كَانَ بالسماء عِلّة، وَأورد مَا إِذا قبل الإِمَام شَهَادَة الْوَاحِد فِي هِلَال رَمَضَان وَأمر النَّاس بِالصَّوْمِ فكملوا الثَّلَاثِينَ وَلم يرَوا الْهلَال يفطرون فِي رِوَايَة ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد رحمه الله إِذْ الْفَرْض لَا يكون أَكثر من الثَّلَاثِينَ فَإِن هَذَا فطر بِشَهَادَة الْوَاحِد وَأجِيب بِأَن الْفطر لم يثبت بِشَهَادَتِهِ، بل بالحكم فشهادته أفضت إِلَيْهِ كَشَهَادَة الْقَابِلَة على النّسَب أفضت إِلَى اسْتِحْقَاق الْمِيرَاث مَعَ أَنه لَا يثبت بِشَهَادَة الْقَابِلَة ابْتِدَاء: ذكره فِي الْمَبْسُوط. ثمَّ اسْتثْنى مِمَّا تضمن قَوْله مَعَ مَا تقدم من اشْتِرَاط الْإِسْلَام فِي هَذَا الْقسم قَوْله (إِلَّا أَن لم يكن الملزم بِهِ مُسلما فَلَا يشْتَرط الْإِسْلَام). ثمَّ اسْتثْنى من قَوْله الْعدَد، وَمِمَّا تقدم قَوْله (إِلَّا مَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال كالبكارة والولادة والعيوب فِي الْعَوْرَة فَلَا عدد) أَي فَلَا يشْتَرط فِيهِ الْعدَد (و) لَا (ذكورة، وَإِن) كَانَ مَحل الْخَبَر حقوقا للعباد (بِلَا إِلْزَام) للْغَيْر (كالإخبار بالولايات والوكالات والمضاربات وَالْإِذْن فِي التِّجَارَة والرسالات فِي الْهَدَايَا والشركات) والودائع والأمانات (فبلا شَرط) أَي فَيقبل الْوَاحِد فِي هَذِه الْأَشْيَاء بِلَا شَرط من الْمَذْكُورَات وَغَيرهَا إِلَّا الْعقل والتمييز كَمَا أَفَادَ بقوله (سوى التَّمْيِيز مَعَ تَصْدِيق الْقلب) فيستوي فِيهِ الذّكر وَالْأُنْثَى، وَالْحر وَالْعَبْد، وَالْمُسلم وَالْكَافِر، وَالْعدْل، وَغَيره والبالغ وَغَيره حَتَّى إِذا أخبر أحدهم غَيره بِأَن فلَانا وَكله، وَأَن مَوْلَاهُ أذن لَهُ وَوَقع فِي قلبه صدقه جَازَ أَن يتَصَرَّف بِمُوجبِه، ثمَّ اشْتِرَاط التَّحَرِّي ذكره شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ وفخر الْإِسْلَام فِي مَوضِع من كِتَابه وَلم يذكرهُ فِي مَوضِع، ثمَّ بَين دَلِيل عدم الِاشْتِرَاط بِمَا ذكر بقوله (للأجماع العملي) فَإِن الْأَسْوَاق من لدن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَائِمَة بعدول وفساق ذُكُور وأناب وأحرار وَغير أَحْرَار، مُسلمين وَغَيرهم، وَالنَّاس يشْتَرونَ من الْكل ويعتمدون خبر كل مُمَيّز

ص: 89

بذلك من غير نَكِير (وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يقبل خبر الْهَدِيَّة من الْبر والفاجر) كقبول هَدِيَّة الْيَهُودِيَّة الشَّاة المسمومة، وَمن العَبْد كقبول هَدِيَّة سلمَان إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى، وَإِنَّمَا يقبل من الْكل (دفعا للْحَرج اللَّازِم من اشْتِرَاط الْعَدَالَة فِي الرَّسُول) إِذْ قَلما يُوجد الْمُسلم الْحر الْبَالِغ الْعدْل فِي الْأَوْقَات والأماكن ليَبْعَثهُ إِلَى وَكيله أَو غُلَامه فتتعطل الْمصَالح لَو شرطت (بِخِلَافِهِ) أَي اشْتِرَاطهَا (فِي الرِّوَايَة) فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى الْحَرج لِكَثْرَة الْعدْل فِي الْمُسلمين (وَإِن) كَانَ مَحل الْخَبَر حقوقا للعباد (فِيهَا) إِلْزَام للْغَيْر (لغير) من (وَجه) دون وَجه (كعزل الْوَكِيل) إِلْزَام من حَيْثُ إبِْطَال عمله فِي الْمُسْتَقْبل، وَلَيْسَ بإلزام من حَيْثُ أَن الْوَكِيل يتَصَرَّف فِي حَقه (وَحجر الْمَأْذُون) إِلْزَام للْعَبد بِاعْتِبَار خُرُوج تَصَرُّفَاته من الصِّحَّة إِلَى الْفساد بِالْحجرِ وَلَيْسَ بإلزام من أَن الْمولى يتَصَرَّف فِي حَقه (وَفسخ الشّركَة وَالْمُضَاربَة) إِلْزَام للشَّرِيك وَالْمُضَارب من حَيْثُ لُزُوم كفهما عَن التَّصَرُّف فِي الْمُسْتَقْبل، وَلَيْسَ إلزاما لكَون الفاسخ متصرفا فِي حق نَفسه (فالوكيل وَالرَّسُول فِيهَا) أَي فِي هَذِه الْحُقُوق بِأَن قَالَ الْمُوكل: وَكلتك بعزل فلَان أَو حجره أَو بِفَسْخ أَحدهمَا، أَو قَالَ الْمُرْسل: أرسلتك إِلَى فلَان لتبلغه عني أحد هَذِه الْمَذْكُورَات لَا بِأَن قَالَ الْمُوكل: وَكلتك بِأَن تخبر فلَانا بِالْعَزْلِ إِلَى آخِره كَمَا توهم الشَّارِح: إِذْ لَا معنى للتوكيل بالإخبار، وَلَيْسَ هَذَا غير الْإِرْسَال (كَمَا) أَي الْقسم الَّذِي (قبله) وَهُوَ مَا كَانَ مَحل الْخَبَر حقوقا بِلَا إِلْزَام، فِي أَنه لَا يشْتَرط فِي شَيْء مِنْهُمَا سوى التَّمْيِيز مَعَ صدق الْقلب (وَكَذَا الْفُضُولِيّ) إِذا تصرف فِي ملك الْغَيْر بإنشاء عقد، فَأخْبر ذَلِك الْغَيْر بذلك لَا يشْتَرط فِيهِ شَيْء سوى التَّمْيِيز والتصديق (عِنْدهمَا) أَي أبي يُوسُف وَمُحَمّد لكَونه من العاملات الَّتِي لَا الْتِزَام فِيهَا، فَلَا يتَوَقَّف على شُرُوط الشَّهَادَات دفعا للْحَرج (وَشرط) أَبُو حنيفَة (عَدَالَته أَو الْعدَد) بِأَن يكون الْفُضُولِيّ اثْنَيْنِ (لِأَنَّهُ) أَي هَذَا الْإِخْبَار عَن الْفُضُولِيّ (لإلزام الضَّرَر) من حَيْثُ التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر (كالثاني) أَي الْقسم الثَّانِي، وَهُوَ مَا فِيهِ إِلْزَام مَحْض (ولولاية من) يتَوَصَّل الْفُضُولِيّ (عَنهُ فِي ذَلِك) التَّصَرُّف حَتَّى لَا ينفذ بِدُونِ إِجَازَته (كالثالث) وَهُوَ مَا لَا إِلْزَام فِيهِ (فتوسطنا) فِيهِ بالاكتفاء بِأحد شرطي الشَّهَادَة وَهُوَ الْعدَد أَو الْعَدَالَة إعمالا (للشبهين) وَالشَّارِح جعل قَوْله لإلزام الضَّرَر تعليلا لحكم عزل الْوَكِيل وَحجر الْمَأْذُون، وَقَوله ولولاية إِلَى آخِره تَعْلِيل للفضولي، وفساده ظَاهر وَقيل اشْتِرَاط الْعَدَالَة فِي الْفُضُولِيّ إِذا كَانَ وَاحِدًا عِنْد أبي حنيفَة مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْمَشَايِخ، وَعدم اشْتِرَاطهَا إِذا كَانَ اثْنَيْنِ قَول بعض الْمَشَايِخ (وأخبار من أسلم بدار الْحَرْب) بالشرائع (قيل الِاتِّفَاق) إِضَافَة أَخْبَار للْمَفْعُول، وَخَبره مَحْذُوف: أَي فِيهِ تَفْصِيل، وَقيل الِاتِّفَاق مستأنفة لبيانه: يَعْنِي اتَّفقُوا (على اشْتِرَاط الْعَدَالَة) أَي كَون الْمخبر بهَا عدلا (فِي) لُزُوم (الْقَضَاء) لما فِيهِ من الْفَرَائِض بعد

ص: 90

إِسْلَامه قبل الْإِخْبَار بهَا (لِأَنَّهُ) أَي هَذَا الْإِخْبَار إِخْبَار (عَن الشَّارِع بِالدّينِ، وَالْأَكْثَر) من الْمَشَايِخ على أَنه (على الْخلاف) الْمَذْكُور فِي الْفُضُولِيّ (وشمس الْأَئِمَّة) السَّرخسِيّ قَالَ (الْأَصَح) عِنْدِي أَنه يلْزمه (الْقَضَاء) اتِّفَاقًا (لِأَنَّهُ) أَي الْمخبر (رَسُول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: نضر الله أمرا سمع مني مَقَالَتي فوعاها كَمَا سَمعهَا ثمَّ أَدَّاهَا إِلَى من لم يسْمعهَا، وَقد بَين فِي خبر الرَّسُول أَنه بِمَنْزِلَة خبر الْمُرْسل، وَلَا يعْتَبر فِي الْمُرْسل أَن يكون عدلا، وَتعقبه المُصَنّف بقوله (وَلَو صَحَّ) هَذَا (انْتَفَى اشْتِرَاط الْعَدَالَة فِي الروَاة) لعين مَا ذكره (فَإِنَّمَا ذَاك) أَي الرَّسُول الَّذِي خَبره بِمَنْزِلَة خبر الْمُرْسل (الرَّسُول الْخَاص بِالْإِرْسَال) بِأَن يختاره الْمُرْسل من بَين النَّاس للسفارة بَينه وَبَين الْمُرْسل إِلَيْهِ، لَا كل من يبلغ كَلَام شخص إِلَى شخص بإذعان مِنْهُ (ومسوغ الرِّوَايَة التَّحَمُّل وبقاؤه) أَي التَّحَمُّل (وهما) أَي التَّحَمُّل وبقاؤه (عَزِيمَة) ورخصة (وَكَذَا الْأَدَاء) عَزِيمَة ورخصة (فالعزيمة فِي التَّحَمُّل) نَوْعَانِ (أصل) وَهُوَ (قِرَاءَة الشَّيْخ من كتاب أَو حفظ) عَلَيْك وَأَنت تسمع (وقراءتك أَو) قِرَاءَة (غَيْرك كَذَلِك) أَي من كتاب أَو حفظ على الشَّيْخ (وَهُوَ يسمع) سَوَاء كَانَ الشَّيْخ يحفظ مَا يقْرَأ عَلَيْهِ أَولا، لَكِن مُمْسك أَصله هُوَ أَو ثِقَة غَيره إِن لم يكن الْقَارئ يقْرَأ فِيهِ على هَذَا عمل كَافَّة الشُّيُوخ وَأهل الحَدِيث: كَذَا ذكره الشَّارِح (وَهِي) أَي قراءتك أَو غَيْرك على الشَّيْخ من كتاب أَو حفظ (الْعرض) لِأَن الْقَارئ يعرض على الشَّيْخ فَيَقُول أهوَ كَمَا قَرَأت عَلَيْك؟ (فيعترف) بِمثل نعم (أَو يسكت وَلَا مَانع). قَالَ الشَّارِح من السُّكُوت، وَالصَّوَاب من ترك السُّكُوت كَأَن يكون الْقَارئ مِمَّن يخَاف من مُخَالفَته (خلافًا لبَعْضهِم) وَهُوَ بعض الظَّاهِرِيَّة فِي جمَاعَة من مَشَايِخ الْمشرق فِي أَن إِقْرَاره شَرط، وَالْأول هُوَ الصَّحِيح (لِأَن الْعرف أَنه) أَي السُّكُوت مِنْهُ بِلَا مَانع (تَقْرِير، وَلِأَنَّهُ) أَي السُّكُوت بِلَا مَانع (يُوهم الصِّحَّة فَكَانَ صَحِيحا وَإِلَّا فغش، ورجحها) أَي الْقِرَاءَة على الشَّيْخ (أَبُو حنيفَة على قِرَاءَة الشَّيْخ من كتاب خلافًا للْأَكْثَر) حَيْثُ قَالُوا: قِرَاءَة الْمُحدث على الطَّالِب أرجح، لِأَنَّهَا طَريقَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا رجح (لزِيَادَة عنايته) أَي الْقَارئ (بِنَفسِهِ) تخليصا لَهَا من الزلل (فَيَزْدَاد ضبط الْمَتْن والسند) بِخِلَاف الشَّيْخ، لِأَن عناية بِغَيْرِهِ: وَأورد أَن الْقِرَاءَة على الْمُحدث لَا يُؤمن فِيهَا غفلته عَن سَماع الْقَارئ وَأجِيب بِأَنَّهَا أَهْون من الْخَطَأ فِي الْقِرَاءَة، وَحَيْثُ لم يُمكن الِاحْتِرَاز عَنْهُمَا مَعًا وَجب الِاحْتِرَاز عَن الأهم مِنْهُمَا (و) روى (عَنهُ) أَي أبي حنيفَة رحمه الله أَن الْقِرَاءَة وَالسَّمَاع مِنْهُ (يتساويان) فِي النَّوَازِل، عَن الصغاني قَالَ: سَمِعت أَبَا حنيفَة وَأَبا سُفْيَان يَقُولَانِ: الْقِرَاءَة على الْعَالم وَالسَّمَاع مِنْهُ سَوَاء، وَلِهَذَا حكى عَن مَالك وَأَصْحَابه ومعظم أَصْحَاب الْحجاز

ص: 91

والكوفة وَالشَّافِعِيّ وَالْبُخَارِيّ (فَلَو حدث) الشَّيْخ (من حفظه ترجح) على قِرَاءَة الْقَارئ عَلَيْهِ (بِخِلَاف قِرَاءَة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم على غَيره فَإِنَّهَا راجحة على قِرَاءَة غَيره عَلَيْهِ: كَذَا ذكره الشَّارِح، وَهُوَ يحْتَاج إِلَى التَّأْوِيل لِأَنَّهُ شيخ الْأمة كلهم، وَلَيْسَ لَهُ قِرَاءَة من الْكتاب فَلَا يُمكن إِخْرَاجه من حكم الشَّيْخ الْقَارئ من الْكتاب لَا من حكم الطَّالِب الْقَارئ على الشَّيْخ الْمُحدث من حفظه فَمَا معنى بِخِلَاف قِرَاءَته إِلَّا أَن يُقَال: المُرَاد قِرَاءَته على جِبْرِيل وَهُوَ معلمه، ثمَّ بَين كَون وَجه قِرَاءَته على خلاف قِرَاءَة غَيره بقوله (للأمن من الْقَرار على الْغَلَط) لَو وَقع مِنْهُ، وَلَا كَذَلِك غَيره (وَالْحق أَنه) أَي مَا ذكر من قِرَاءَته صلى الله عليه وسلم (فِي غير مَحل النزاع) وَهُوَ قِرَاءَة الْقَارئ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قِرَاءَة الشَّيْخ من الْكتاب. وَقيل مَحَله أَن يروي الشَّيْخ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (وَخلف) عطف على الأَصْل (عَنهُ) أَي الأَصْل وَهُوَ (الْكتاب) كَانَ يكْتب الشَّيْخ (يحدثني فلَان) أَنه كَذَا عَن فلَان (فَإِذا بلغك كتابي هَذَا فَحدث بِهِ عني بِهَذَا الْإِسْنَاد) وَيكْتب فِي عنوانه من فلَان بن فلَان إِلَى فلَان ابْن فلَان ثمَّ يكْتب فِي دَاخله بعد التَّسْمِيَة وَالثنَاء على الله تَعَالَى وَالصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: من فلَان وَيشْهد على ذَلِك شُهُودًا ثمَّ يختمه بحضرتهم: كَذَا ذكره الشَّارِح، وَسَيَأْتِي فِي كَلَام المُصَنّف مَا يدل على خِلَافه (والرسالة) أَن يُرْسل الشَّيْخ رَسُولا إِلَى آخر، وَيَقُول للرسول (بلغه عني أَنه حَدثنِي فلَان) بن فلَان عَن فلَان بن فلَان إِلَى أَن يَأْتِي على تَمام الْإِسْنَاد، فَإِذا بلغتك رسالتي إِلَيْك (فاروه عني بِهَذَا الْإِسْنَاد). قَالَ الشَّارِح فَشهد الشُّهُود عِنْد الْمُرْسل إِلَيْهِ على رِسَالَة الْمُرْسل حلت للمرسل إِلَيْهِ الرِّوَايَة عَنهُ (وَهَذَا) أَي قَوْله إِذا بلغك إِلَى آخِره فِي الْفَصْلَيْنِ إِنَّمَا يلْزم (على اشْتِرَاط الْإِذْن وَالْإِجَازَة فِي الرِّوَايَة عَنْهُمَا) أَي الْكتاب والرسالة (وَالْأَوْجه عَدمه) أَي عدم اشْتِرَاط الْإِجَازَة فيهمَا (كالسماع) فَإِنَّهُ جَازَ أَن يرويهِ بِلَا إِذن، بل لَو مَنعه عَن الرِّوَايَة جَازَ أَن يرْوى مَعَ مَنعه لَهُ، كَذَا نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف (وهما) أَي الْكِتَابَة والرسالة (كالخطاب شرعا لتبليغه عليه السلام بهما) أَي الْكِتَابَة والرسالة، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كتب إِلَى قَيْصر يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام مُتَّفق عَلَيْهِ. وَعَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَالنَّجَاشِي وَإِلَى كل جَبَّار عنيد يَدعُوهُم إِلَى الله تَعَالَى وَلَيْسَ بالنجاشي الَّذِي صلى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، رَوَاهُ مُسلم (وَعرفا) كَمَا فِي تَقْلِيد الْمُلُوك الْقَضَاء والإمارة بهما كَمَا فِي المسافهة (وَيَكْفِي) فِي جَوَاز الرِّوَايَة عَن الْكَاتِب والمرسل (معرفَة خطه) أَي الْكَاتِب (وَظن صدق الرَّسُول) كَمَا عَلَيْهِ عَامَّة أهل الحَدِيث (وضيق أَبُو حنيفَة) حَيْثُ نسب إِلَيْهِ أَنه لَا يحل فِي كل

ص: 92

مِنْهُمَا إِلَّا (بِالْبَيِّنَةِ) كَمَا فِي كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي (وَلَا يلْزم كتاب القَاضِي) أَي الْإِيرَاد بِهِ على مَا نَحن فِيهِ (للِاخْتِلَاف) بَين كتاب القَاضِي وَمَا نَحن فِيهِ (بالداعية) أَي بِسَبَب وجود الْأَغْرَاض الداعية إِلَى التزوير والتلبيس فِيهِ: أَي فِي كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي، وَمَا نَحن فِيهِ بالداعية فِيمَا يرْوى عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (وَلَا خَفَاء فِي) جَوَاز (حَدثنَا وَأخْبر، وسمعته فِي الأول) أَي فِي قِرَاءَة الشَّيْخ الطَّالِب (و) لفظ (قَالَ) أَيْضا مَعَ الْحَار وَالْمَجْرُور نَحْو لي وَلنَا وَبِدُون ذَلِك، إِنَّمَا النزاع فِي كَونهَا مَحْمُولَة على السماع إِذا تجردت عَنْهُمَا، فَقَالَ ابْن الصّلاح يحمل عَلَيْهِ إِذا علم اللِّقَاء خُصُوصا إِذا علم من حَال الرَّاوِي أَنه لَا يرْوى إِلَّا مَا سَمعه (وغلبت) لَفْظَة. قَالَ (فِي المذاكرة) والمناظرة (وَفِي الثَّانِي) أَي قِرَاءَة الطَّالِب على الشَّيْخ يَقُول:(قَرَأت) عَلَيْهِ وَهُوَ يسمع إِن كَانَ هُوَ الْقَارئ (وَقُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنا أسمع) إِن كَانَ الْقَارئ غَيره (وَحدثنَا بِقِرَاءَتِي) عَلَيْهِ (وَقِرَاءَة) عَلَيْهِ (وأنبأنا ونبأنا كَذَلِك) أَي بِقِرَاءَتِي أَو قِرَاءَة عَلَيْهِ (وَالْإِطْلَاق) لحدثنا وَأخْبرنَا من غير تَقْيِيد بِقِرَاءَتِي أَو قِرَاءَة عَلَيْهِ (جَائِز على الْمُخْتَار) كَمَا هُوَ مَذْهَب أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَابْن عُيَيْنَة وَالزهْرِيّ وَمَالك وَالْبُخَارِيّ وَيحيى بن سعيد الْقطَّان ومعظم الْكُوفِيّين والحجازيين، لَا الْمَنْع مُطلقًا كَمَا ذهب إِلَيْهِ ابْن الْمُبَارك وَأحمد وَكثير من أَصْحَاب الحَدِيث. وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر أَنه الصَّحِيح (وَقيل) الْإِطْلَاق جَائِز (فِي أخبرنَا فَقَط) وَهُوَ للشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَمُسلم وَجُمْهُور أهل الْمشرق (وَالْمُنْفَرد) فِي السماع يَقُول (حَدثنِي وَأَخْبرنِي وَجَاز الْجمع) أَي حَدثنَا وَأخْبرنَا كَمَا هُوَ الْعرف فِي كَلَام الْعَرَب وَقيل عِنْد الِانْفِرَاد: لَا يَقُول حَدثنَا، وَعند الِاجْتِمَاع لَا يَقُول: حَدثنِي (وَفِي الْخلف) أَي الْكِتَابَة والرسالة يَقُول (أَخْبرنِي)(وَقيل) لَا يجوز أَن يَقُول فيهمَا أَخْبرنِي (كحدثني) أَي كَمَا لَا يجوز أَن يَقُول حَدثنِي فيهمَا لِأَن الْأَخْبَار والتحديث وَاحِد (بل) يَقُول (كتب) إِلَيّ (وَأرْسل إِلَيّ لعدم المشافهة قُلْنَا قد اسْتعْمل الْأَخْبَار مَعَ عدمهَا) أَي المشافهة. وَفِي نُسْخَة الشَّارِح: قد اسْتعْمل للْأَخْبَار، فَجعل الضَّمِير كِنَايَة عَن أَخْبرنِي، وَالْأولَى أولى لقَوْله (كأخبرنا الله لَا حَدثنَا) مَعَ عدمهَا، إِذْ لَا يُقَال حَدثنَا الله، وَذهب كثير من الْمُحدثين إِلَى جَوَاز حَدثنَا وَأخْبرنَا فِي الرِّوَايَة بالمكاتبة (والرخصة) فِي التَّحَمُّل (الْإِجَازَة مَعَ مناولة الْمجَاز) بِهِ للمجاز لَهُ كَانَ يناوله شَيْئا من سَمَاعه أصلا أَو فرعا مُقَابلا (بِهِ) وَيَقُول هَذَا من سَمَاعي أَو روايتي فاروه عني (ودونها أَي وَبِدُون مناولة كَأَن يَقُول: أجزت أَن تروي هَذَا الْكتاب الَّذِي حَدثنِي بِهِ فلَان إِلَى أَن يَأْتِي على سَنَده (وَمِنْه) أَي من قسم الْإِجَازَة الْمُجَرَّدَة عَن المناولة (إجَازَة مَا صَحَّ من مسموعاتي) عنْدك: ذكر الشَّيْخ أَبُو بكر الرَّازِيّ: أَن نَحْو أجزت لَك مَا يَصح عنْدك من حَدِيثي لَيْسَ بِشَيْء كَمَا لَو صَحَّ عنْدك من صك

ص: 93

فِيهِ إقراري فاشهد بِهِ عَليّ لم يَصح، وَلم تجز الشَّهَادَة انْتهى. وَفِيه أَنه قد سبق قَرِيبا الْفرق بَين الشَّهَادَة وَالرِّوَايَة مفصلا فَارْجِع إِلَيْهِ.

ثمَّ اخْتلف فِي جَوَاز الرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ (قيل بِالْمَنْعِ) وَهُوَ لجماعات من الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء والأصوليين وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن الشَّافِعِي. وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن وَالْمَاوَرْدِيّ: لَو جَازَت الْإِجَازَة لبطلت الرحلة (وَالأَصَح الصِّحَّة للضَّرُورَة) إِذْ الْمَنْع قد يُؤَدِّي إِلَى تَعْطِيل السّنَن وَانْقِطَاع الْأَسَانِيد: إِذْ السماع وَالْقِرَاءَة تَفْصِيلًا عَزِيز الْوُجُود (وَالْحَنَفِيَّة) قَالُوا (إِن كَانَ) الْمجَاز لَهُ (يعلم مَا فِي الْكتاب) الْمجَاز بِهِ فَقَالَ لَهُ الْمُجِيز أَن فلَانا حَدثنَا بِمَا فِي هَذَا الْكتاب بأسانيده هَذِه وأجزت لَك أَن تحدث بِهِ (جَازَت الرِّوَايَة) بِهَذِهِ الْإِجَازَة إِن كَانَ الْمُجِيز مَأْمُونا بالضبط والفهم (كَالشَّهَادَةِ على الصَّك) فَإِن الشَّاهِد إِذا وقف على جَمِيع مَا فِيهِ أَو أخبرهُ من عَلَيْهِ الْحق أَو أجَاز لَهُ أَن يشْهد عَلَيْهِ كَانَ صَحِيحا: فَكَذَا رِوَايَة الْخَبَر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْمجَاز لَهُ عَالما بِمَا فِي الْكتاب (فَإِن احْتمل) الْكتاب (التَّغْيِير) بِزِيَادَة أَو نُقْصَان (لم تصح) الْإِجَازَة وَلَا تحل الرِّوَايَة اتِّفَاقًا (وَكَذَا) لَا يَصح عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد (إِن لم يحْتَمل) الْكتاب ذَلِك (خلافًا لأبي يُوسُف ككتاب القَاضِي) أَي قِيَاسا على اخْتلَافهمْ فِي كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي (إِذْ علم الشُّهُود بِمَا فِيهِ شَرط) عِنْدهمَا لصِحَّة الشَّهَادَة (خلافًا لَهُ) أَي لأبي يُوسُف (وشمس الْأَئِمَّة) السَّرخسِيّ قَالَ (عدم الصِّحَّة) لهَذِهِ الْإِجَازَة (اتِّفَاق، وتجويز أبي يُوسُف) الشَّهَادَة (فِي الْكتاب) من القَاضِي إِلَى القَاضِي وَإِن يعلم الشُّهُود مَا فِيهِ (لضَرُورَة اشتماله) أَي الْكتاب الْمَذْكُور (على الْأَسْرَار) عَادَة (وَيكرهُ المتكاتبان الانتشار) للأسرار (بِخِلَاف كتب الْأَخْبَار) لِأَن أصل الدّين مَبْنِيّ على الشُّهْرَة (وَفِيه نظر، بل ذَلِك) أَي كَرَاهَة الانتشار لضَرُورَة الاشتمال على الْأَسْرَار (فِي كتب الْعَامَّة لَا) فِي كتاب (القَاضِي) إِلَى القَاضِي (بالحكم والثبوت) مُتَعَلق بِالْكِتَابَةِ المفهومة فِي كتاب القَاضِي: يَعْنِي الْكتاب الْمَسْبُوق بالحكم والثبوت الكائنين عَادَة فِي مَلأ النَّاس وحضرة الشُّهُود الْمُنْتَهى إِلَيّ قَاض آخر فِي مَلأ كَذَلِك لَا يَتَأَتَّى فِيهِ مَا ذكر من الْأَسْرَار وَكَرَاهَة الانتشار (وَهَذَا) التَّفْصِيل الَّذِي ذهب الْحَنَفِيَّة (للاتفاق على النَّفْي) لصِحَّة الرِّوَايَة (لَو قَرَأَ) الطَّالِب (فَلم يسمع الشَّيْخ أَو) قَرَأَ (الشَّيْخ) فَلم يسمع الطَّالِب (وَلم يفهم) فَفِي الْإِجَازَة الَّتِي هِيَ دون الْقِرَاءَة أولى، وَفِيه فتح بَاب التَّقْصِير والبدعة إِذْ لم ينْقل عَن السّلف مثل هَذِه الْإِجَازَة (وَقبُول) رِوَايَة (من سمع فِي صباه مُقَيّد بضبطه غير أَنه أُقِيمَت مظنته) أَي مَظَنَّة الضَّبْط وَهِي التَّمْيِيز مقَامه (وَلذَا) أَي لاشْتِرَاط ضبط السَّامع (منعت) صِحَة الرِّوَايَة (للمشغول عَن السماع بِكِتَابَة) كَمَا ذهب إِلَيْهِ الاسفرايني وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَابْن عدي، وَذهب إِلَى الصِّحَّة مُطلقًا بَعضهم (أَو نوم أَو لَهو، وَالْحق أَن الْمدَار) لعدم جَوَاز الرِّوَايَة (عدم الضَّبْط) للمروي (وأقيمت مظنته) أَي

ص: 94

عدم الضَّبْط (نَحْو الْكِتَابَة) مقَامه إِن كَانَ بِحَيْثُ يمْتَنع مَعهَا الْفَهم (لحكاية الدَّارَقُطْنِيّ) فَإِنَّهُ حضر فِي حداثته مجْلِس إِسْمَاعِيل الصفار فَجَلَسَ ينْسَخ جُزْءا كَانَ مَعَه وَإِبْرَاهِيم يملى، فَقَالَ بعض الْحَاضِرين لَا يَصح سماعك وَأَنت تنسخ فَقَالَ: فهمي للإملاء خلاف فهمك ثمَّ قَالَ تحفظ، كم أمْلى الشَّيْخ من من حَدِيث إِلَى الْآن، فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أملي ثَمَانِيَة عشر حَدِيثا فعددت الْأَحَادِيث فَوجدت كَمَا قَالَ، ثمَّ قَالَ الحَدِيث الأول مِنْهَا عَن فلَان وَمَتنه كَذَا، والْحَدِيث الثَّانِي عَن فلَان وَمَتنه وَلم يزل مُرْسلا أَسَانِيد الْأَحَادِيث ومتونها على ترتيبها فِي الْإِمْلَاء حَتَّى إِلَى آخرهَا فَعجب النَّاس مِنْهُ. هَذَا وَقَالَ أَحْمد فِي الْحَرْف يدغمه الشَّيْخ يفهم وَهُوَ مَعْرُوف أَرْجُو أَن لَا تضيق رِوَايَته عَنهُ، وَفِي الْكَلِمَة تستفهم من المستفهم إِن كَانَت مجمعا عَلَيْهَا فَلَا بَأْس، وَعَن خلف بن سَالم منع ذَلِك (وتنقسم) الْإِجَازَة (لمُعين فِي معِين) كأجزت لَك أَو لكم أَو لفُلَان ويصفه بِمَا يميزه فِي الْكتاب الْفُلَانِيّ أَو مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ فهرستي (وَغَيره) أَي لمُعين فِي غير معِين (كمروياتي) ومسموعاتي. قَالَ ابْن الصّلاح وَغَيره وَالْخلاف فِي هَذَا أقوى وَأكْثر، وَالْجُمْهُور من الْعلمَاء على تَجْوِيز الرِّوَايَة بهَا أَيْضا، وَمن المانعين لصحتها شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ، وَنقل عَن بعض الْأَئِمَّة التَّابِعين أَن سَائِلًا سَأَلَهُ الْإِجَازَة بِهَذِهِ الصّفة فتعجب وَقَالَ لأَصْحَابه: هَذَا يطْلب مني أَن أُجِيز لَهُ أَن يكذب عَليّ (ولغير معِين) نَحْو أجرت فِي الْكتاب الْفُلَانِيّ أَو مروياتي (للْمُسلمين من أدركني، وَمِنْه) أَي من الْإِجَازَة لغير معِين أجزت (من يُولد لفُلَان) فانقسم هَذَا الْقسم إِلَى مَوْجُود ومعدوم، وَفِيه تفاصيل ذكرتها فِي مُخْتَصر لشرح الألفية للشَّيْخ الْعِرَاقِيّ، وَبِالْجُمْلَةِ فالإجازة للمعدوم فِي صِحَّتهَا خلاف قوي (بِخِلَاف) الْإِجَازَة لغير الْمعِين (الْمَجْهُول فِي معِين) كأجزت لبَعض النَّاس رِوَايَة صَحِيح البُخَارِيّ (وَغَيره) أَي وَفِي غير معِين (ك) أجزت لبَعض النَّاس رِوَايَة (كتاب السّنَن) وَهُوَ يروي عدَّة من السّنَن الْمَعْرُوفَة بذلك فَإِنَّهَا غير صَحِيحَة (بِخِلَاف سنَن فلَان) كَأبي دَاوُد فَإِنَّهَا مَعْلُومَة (وَمِنْه) أَي من قبيل الْإِجَازَة فِي غير الْفَاسِدَة إجَازَة رِوَايَة (مَا سيسمعه الشَّيْخ) وَهِي بَاطِلَة على الصَّحِيح كَمَا نَص عَلَيْهِ القَاضِي عِيَاض وَابْن الصّلاح وَالنَّوَوِيّ لِأَنَّهُ يُبِيح مَا لم يعلم هَل يَصح لَهُ الْإِذْن فِيهِ فَتَأمل (وَفِي التفاصيل اختلافات) ذكرت فِي محلهَا فِي علم الحَدِيث (ثمَّ الْمُسْتَحبّ) للمجاز فِي آرائه (قَوْله أجَاز لي وَيجوز أَخْبرنِي وحَدثني مُقَيّدا) بقوله: إجَازَة أَو مناولة أَو إِذْنا (ومطلقا) عَن الْقَيْد بِشَيْء من ذَلِك (للمشافهة فِي نفس الْإِجَازَة) وَعَلِيهِ الشَّيْخ أَبُو بكر الرَّازِيّ وَالْقَاضِي أَبُو زيد وفخر الْإِسْلَام وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَقيل هُوَ مَذْهَب مَالك وَأهل الْمَدِينَة (بِخِلَاف الْكتاب والرسالة) فَإِنَّهُ لَا يجوز فِيهَا أَخْبرنِي وَلَا حَدثنِي (إِذْ لَا خطاب أصلا) وَقيل يجوز أَن يَقُول فيهمَا حَدثنِي بالِاتِّفَاقِ وَإِن كَانَ الْمُخْتَار أَخْبرنِي لِأَنَّهُمَا من الْغَائِب كالخطاب من الْحَاضِر (وَقيل يمْنَع حَدثنِي لاختصاصه بِسَمَاع الْمَتْن) وَلم يُوجد فِي

ص: 95

الْإِجَازَة والمنازلة وَلَا يمْنَع من أَخْبرنِي وَعَلِيهِ شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ. وَقَالَ ابْن الصّلاح وَالْمُخْتَار الَّذِي عَلَيْهِ عمل الْجُمْهُور وَأهل الْوَرع الْمَنْع فِي ذَلِك من إِطْلَاق حَدثنَا وَأخْبرنَا وَنَحْوهمَا (وَالْوَجْه فِي الْكل اعْتِمَاد عرف تِلْكَ الطَّائِفَة) فَيُؤَدِّي على مَا هُوَ عرفهَا فِي ذَلِك على وَجه سَالم من التَّدْلِيس (والاكتفاء الطَّارِئ فِي هَذِه الإعصار بِكَوْن الشَّيْخ مَسْتُورا) أَي كَونه مُسلما بَالغا عَاقِلا غير متظاهر بِالْفِسْقِ وَمَا يخرم الْمُرُوءَة (وَوُجُود سَمَاعه) مثبتا (بِخَط ثِقَة) غير مُتَّهم وبروايته من أصل (مُوَافق لأصل شَيْخه) كَمَا ذكره ابْن الصّلاح، وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ (لَيْسَ خلافًا لما تقدم) من اشْتِرَاط الْعَدَالَة وَغَيرهَا فِي الرَّاوِي (لِأَنَّهُ) أَي الِاكْتِفَاء الْمَذْكُور (لحفظ السلسلة) أَي ليصير الحَدِيث مسلسلا بِحَدِيث وَأخْبرنَا (عَن الِانْقِطَاع) وَتبقى هَذِه الْكَرَامَة الَّتِي خصت بهَا هَذِه الْأمة شرفا لنبينا صلى الله عليه وسلم (وَذَلِكَ) أَي مَا تقدم من اشْتِرَاط الْعَدَالَة وَغَيرهَا (لَا يُجَاب الْعَمَل على الْمُجْتَهد والعزيمة فِي الْحِفْظ) عَن ظهر قلب من غير وَاسِطَة الْخط (ثمَّ دَوَامه إِلَى) وَقت (الْأَدَاء) إِذْ الْمَقْصُود بِالسَّمَاعِ الْعَمَل بالمسوغ وتبليغه إِلَى آخِره. قَالَ شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ: هَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة فِي الْأَخْبَار والشهادات جَمِيعًا، وَلِهَذَا قلت رِوَايَته، وَهُوَ طَرِيق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَينه للنَّاس (والرخصة) فِي الْحِفْظ (تذكره) أَي الرَّاوِي الْمَرْوِيّ (بعد انْقِطَاعه) أَي الْحِفْظ (عِنْد نظر الْكِتَابَة) سَوَاء كَانَت، خطه أَو خطّ غَيره مَعْرُوف أَو مَجْهُول، إِذْ الْمَقْصُود ذكر الْوَاقِعَة وَهُوَ يحصل بِخَط الْمَجْهُول أَيْضا، وَالنِّسْيَان الْوَاقِع قبله عَفْو لعدم إِمْكَان الِاحْتِرَاز عَنهُ (فَإِن لم يتَذَكَّر) الرَّاوِي الْمَرْوِيّ بِنَظَر الْمَكْتُوب (بعد علمه أَنه خطه أَو خطّ الثِّقَة وَهُوَ فِي يَده) بِحَيْثُ لَا يصل إِلَيْهِ يَد غَيره أَو مَخْتُومًا بِخَاتمِهِ أَو فِي يَد أَمِين) على هَذِه الصّفة (حرمت الرِّوَايَة وَالْعَمَل عِنْد أبي حنيفَة) بذلك (ووجبا) أَي الرِّوَايَة وَالْعَمَل بِهِ (عِنْدهمَا وَالْأَكْثَر، وعَلى هَذَا) الْخلاف (رُؤْيَة الشَّاهِد خطه) بِشَهَادَة (فِي الصَّك) أَي كتاب الشَّهَادَة (وَالْقَاضِي) خطه أَو خطّ نَائِبه بِقَضَائِهِ بِشَيْء (فِي السّجل) الَّذِي بديوانه وَلم يتَذَكَّر كل وَاحِد مِنْهُمَا ذَلِك: فروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة لَا يحل لَهُ أَن يعْتَمد على الْخط مَا لم يتَذَكَّر مَا تضمنه الْمَكْتُوب، لِأَن النّظر فِي الْكِتَابَة لمعْرِفَة الْقلب كالنظر للمرآة للرؤية بِالْعينِ وَالنَّظَر فِي الْمرْآة إِذا لم يفده إدراكا لَا يكون مُعْتَبرا، فالنظر فِي الْكتاب إِذا لم يفده تذكرا يكون هدرا لِأَن الرُّؤْيَة وَالشَّهَادَة وتنفيذ الْقَضَاء لَا يكون إِلَّا بِعلم والخط يشبه الْخط شبها لَا يُمكن التَّمْيِيز بَينهمَا إِلَّا بالتخمين فبصورة الْخط لَا يستفيدون علما من غير التَّذَكُّر (وَعَن أبي يُوسُف) فِي رِوَايَة بشر عَنهُ (الْجَوَاز فِي الرِّوَايَة) أَي فِي رِوَايَة الحَدِيث إِذا كَانَ خطا مَعْرُوفا لَا يخَاف تَغْيِيره بِأَن يكون بِيَدِهِ أَو بيد أَمِين، والتغيير فِي أُمُور الدّين غير مُتَعَارَف إِذْ لَا يعود بِهِ نفع إِلَى أحد، ودوام الْحِفْظ والتذكر مُتَعَذر (والسجل

ص: 96

إِذا كَانَ فِي يَده) أَي وَجَوَاز عمل القَاضِي بِمُجَرَّد خطه أَو خطّ مَعْرُوف مُفِيد قَضَاءَهُ بقضية فِي مَكْتُوب مَحْفُوظ بِيَدِهِ لَا تصل إِلَيْهِ يَد غَيره، أَو مختوم بختمه أَو بيد أمينة الموثوق بِهِ لِأَن خطّ القَاضِي جَمِيع جزئيات الوقائع مُتَعَذر عَادَة، وَلِهَذَا كَانَ من آدَاب القَاضِي كِتَابَة الوقائع وإيداعها قطره وختمه بِخَاتمِهِ وَلَو لم يجز لَهُ الرُّجُوع إِلَيْهَا عِنْد النسْيَان لم يكن لَهُ فَائِدَة، وَقد يُقَال: فَائِدَته تظهر عِنْد تذكره وَإِن لم تظهر عِنْد عدم التَّذَكُّر (لَا الصَّك) أَي لَا يجوز عِنْد عمل الشَّاهِد بِمُجَرَّد الْخط إِذا لم يكن بِيَدِهِ، إِذْ مَبْنِيّ الشَّهَادَة على الْيَقِين بالمشهود بِهِ، والصك إِذا كَانَ بيد الْخصم لَا يحصل الْأَمْن فِيهِ من التَّغْيِير. (وَعَن مُحَمَّد) فِي رِوَايَة ابْن رستم عَنهُ يجوز الْعَمَل للمذكورين بِمُجَرَّد الْخط إِذا تيقنوا أَنه خطهم (فِي الْكل) أَي فِي الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة وَالْقَضَاء، وَلَو كَانَ الصَّك بيد الْخصم (تيسيرا) على النَّاس والخط ينْدر شبهه بالخط على وَجه يخفي التَّمْيِيز بَينهمَا والنادر لَا يَدُور عَلَيْهِ الحكم (لنا) أَي للإمامين وَالْأَكْثَر (عمل الصَّحَابَة بكتابه) صلى الله عليه وسلم (بِلَا رِوَايَة مَا فِيهِ) للْعَالمين (بل لمعْرِفَة الْخط وَأَنه مَنْسُوب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم ككتاب عَمْرو بن خرم). وَقد سبق مَا يفِيدهُ فِي مسئلة: الْعَمَل بِخَبَر الْعدْل وَاجِب (وَهُوَ) أَي عَمَلهم بكتابه بِمُجَرَّد معرفَة الْخط (شَاهد لما تقدم: من قبُول كتاب الشَّيْخ إِلَى الرَّاوِي) بِالتَّحْدِيثِ عَنهُ (بِلَا شَرط بَيِّنَة) على ذَلِك (وَهنا) أَي فِي الْعَمَل بِمُقْتَضى الْمَكْتُوب بِمُجَرَّد معرفَة الْخط (أولى) من عمل الرَّاوِي بِكِتَاب الشَّيْخ بِلَا بَيِّنَة، لِأَن احْتِمَال التزوير فِيهِ أبعد (وَمَا قيل النسْيَان) فِيهِ (غَالب فَلَو لزم التَّذَكُّر بَطل كثير من الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة غير مُسْتَلْزم لمحل النزاع، وَإِنَّمَا يستلزمه) أَي مَحل النزاع (غَلَبَة عدم التَّذَكُّر بعد معرفَة الْخط وَهُوَ) أَي مَا ذكر من غَلَبَة عدم التَّذَكُّر بعْدهَا (مَمْنُوع والعزيمة فِي الْأَدَاء) أَن يكون (بِاللَّفْظِ) نَفسه (والرخصة) فِيهِ أَن يكون الْمُؤَدِّي (مَعْنَاهُ بِلَا نقص وَزِيَادَة للْعَالم باللغة ومواقع الْأَلْفَاظ) إِذْ كل لفظ مُفردا كَانَ أَو مركبا لَهُ موقع من الْمَعْنى يُرَاد بِهِ بِحَسب الْوَضع والاستعمال إِلَى اللّغَوِيّ والعرفي، وبحسب قَرَائِن الْأَحْوَال والمقامات، وَلَا يعرف مُرَاد الْمُتَكَلّم إِلَّا من يعرفهَا (و) قَالَ (فَخر الْإِسْلَام) رخص فِي ذَلِك بِالشّرطِ الْمَذْكُور (إِلَّا فِي نَحْو الْمُشْتَرك) من الْخَفي والمشكل (و) إِلَّا فِي الْمُجْمل والمتشابه فَإِنَّهُ لَا يجوز أصلا (بِخِلَاف الْعَام والحقيقة المحتملين للخصوص وَالْمجَاز) على تَرْتِيب اللفّ والنشر فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ (للغوي الْفَقِيه) لَا اللّغَوِيّ فَقَط (أما الْمُحكم) أَي متضح الْمَعْنى بِحَيْثُ لَا يشْتَبه مَعْنَاهُ، وَلَا يحْتَمل وُجُوهًا مُتعَدِّدَة، كَذَا فسره فَخر الْإِسْلَام فِي هَذَا الْمقَام (مِنْهُمَا) أَي الْعَام والحقيقة (فتكفي اللُّغَة) أَي مَعْرفَتهَا فِيهِ (وَاخْتلف مجيز وَالْحَنَفِيَّة)، الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى (فِي الْجَوَامِع) أَي جَوَامِع الْكَلم، فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّبِي

ص: 97

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ " بعثت بجوامع الْكَلم ". وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ

" وَبَلغنِي أَن جَوَامِع الْكَلم أَن الله عز وجل يجمع الْأُمُور الْكَثِيرَة الَّتِي كَانَت تكْتب فِي الْكتب قبله فِي الْأَمر الْوَاحِد أَو الْأَمريْنِ أَو نَحْو ذَلِك ". وَقَالَ الْخطابِيّ إيجاز الْكَلَام فِي إشباع للمعاني يَقُول: الْكَلِمَة القليلة الْحُرُوف، فينتظم الْكثير من الْمَعْنى ويتضمن أنواعا من الْأَحْكَام (كالخراج بِالضَّمَانِ) حَدِيث حسن رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن وَتقدم مَعْنَاهُ (والعجماء جَبَّار) مُتَّفق عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: والعجماء الْمُتَقَدّمَة الَّتِي لَا يكون مَعهَا أحد. وَقَالَ ابْن مَاجَه: الْجَبَّار الهدر الَّذِي لَا يغرم فَقَالَ بَعضهم: يجوز للْعَالم بطرق الِاجْتِهَاد إِذا كَانَت الْجَوَامِع ظَاهِرَة الْمَعْنى، وَذهب فَخر الْإِسْلَام والسرخسي إِلَى الْمَنْع لإحاطة الْجَوَامِع بمعان قد تقصر عَنْهَا عقول ذَوي الْأَلْبَاب (فالرازي مِنْهُم) أَي الْحَنَفِيَّة (وَابْن سِيرِين) فِي جمَاعَة (على الْمَنْع مُطلقًا). قَالَ الشَّارِح: أَي سَوَاء كَانَ من الْمُحكم أَولا، كَذَا ذكره غير وَاحِد: وَفِيه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّازِيّ نظر، فَإِن لَفظه قد حكينا عَن الشّعبِيّ وَالْحسن أَنَّهُمَا كَانَا يحدثان بالمعاني، وَكَانَ غَيرهمَا يحدث بِاللَّفْظِ، والأحوط عندنَا أَدَاء اللَّفْظ وسياقته على وَجهه دون الِاقْتِصَار على الْمَعْنى سَوَاء كَانَ مِمَّا لَا يحْتَمل التَّأْوِيل أَولا إِلَّا أَن يكون الرَّاوِي مثل الْحسن وَالشعْبِيّ فِي إتقانهما للمعاني وَصرف الْعبارَات إِلَى مَعْنَاهَا فقها غير فاضلة عَنْهَا وَلَا مقصرة، وَهَذَا عندنَا إِنَّمَا كَانَا يفعلانه فِي اللَّفْظ الَّذِي لَا يحْتَمل التَّأْوِيل وَيكون للمعنى عِبَارَات مُخْتَلفَة، فيعبران تَارَة بِعِبَارَة، وَتارَة بغَيْرهَا: فَأَما مَا يحْتَمل التَّأْوِيل من الْأَلْفَاظ فَإنَّا لَا نظن بهما أَنَّهُمَا كَانَا يغيرانه إِلَى لفظ غَيره مَعَ احْتِمَاله لِمَعْنى غير معنى لفظ الأَصْل، وَأكْثر فَسَاد أَخْبَار الْآحَاد وتناقضها واستحالتها من هَذَا الْوَجْه، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قد كَانَ مِنْهُم من يسمع اللَّفْظ الْمُحْتَمل للمعاني فيعبر عَنهُ بِلَفْظ غَيره، وَلَا يحْتَمل إِلَّا معنى وَاحِدًا على أَنه هُوَ الْمَعْنى عِنْده فيفسده انْتهى وَلَا يخفى أَنه لَيْسَ بِصَرِيح فِي خلاف مَا نَقله المُصَنّف، وَيجوز أَن يكون لَهُ نقل آخر عَنهُ أصرح من هَذَا فِيمَا نقل عَنهُ (لنا) فِيمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور (الْعلم بنقلهم) أَي الصَّحَابَة (أَحَادِيث بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة فِي وقائع متحدة) كَمَا يحاط بهَا علما فِي دواوين السّنة (وَلَا مُنكر) لوُقُوع ذَلِك مِنْهُم (وَمَا عَن ابْن مَسْعُود وَغَيره قَالَ صلى الله عليه وسلم كَذَا أَو نَحوه أَو قَرِيبا مِنْهُ) عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ: كنت لَا تفوتني عَشِيَّة خَمِيس إِلَّا آتِي عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه فَمَا سمعته يَقُول لشَيْء قطّ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَت ذَات عَشِيَّة، فَقَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاغرورقت عَيناهُ، وَانْتَفَخَتْ أوداجه، ثمَّ قَالَ: أَو مثله أَو نَحوه أَو شَبيه بِهِ، قَالَ فَأَنا رَأَيْته وَإِزَاره محلولة مَوْقُوف صَحِيح. أخرجه أَحْمد وَابْن مَاجَه وَغَيرهمَا. وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه أَنه كَانَ إِذا حدث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ نَحوه أَو شبهه. أخرجه

ص: 98

الدَّارمِيّ وَهُوَ مَوْقُوف مُنْقَطع رِجَاله ثِقَات (وَلَا مُنكر) على قَائِله (فَكَانَ) وُقُوع ذَلِك مِنْهُم من غير نَكِير من أحدهم (إِجْمَاعًا) على جَوَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى (و) لنا أَيْضا (بَعثه) صلى الله عليه وسلم (الرُّسُل) إِلَى النواحي بتبليغ الشَّرَائِع (بِلَا إِلْزَام) خُصُوص (لفظ) إِذْ لَو لم تجز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى كَانَ يلْزمه وَلَو لزم لنقل إِلَيْنَا (و) لنا أَيْضا (مَا روى الْخَطِيب) فِي كتاب الْكِفَايَة فِي معرفَة أصُول عليم الرِّوَايَة عَن يَعْقُوب بن عبد الله بن سُلَيْمَان اللَّيْثِيّ عَن أَبِيه عَن جده أَتَيْنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتنَا أَنا لنسمع مِنْك وَلَا نقدر على تأديته كَمَا سمعناه مِنْك، قَالَ صلى الله عليه وسلم

" إِذا لم تحلوا حَرَامًا أَو تحرموا حَلَالا وأصبتم الْمَعْنى فَلَا بَأْس " انْتهى. وَقَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ: رَوَاهُ ابْن مَنْدَه من حَدِيث عبد الله بن سُلَيْمَان قَالَ: قلت يَا رَسُول الله الحَدِيث، وَزَاد فِي آخِره فَذكر ذَلِك لِلْحسنِ، فَقَالَ لَوْلَا هَذَا مَا حَدثنَا انْتهى، وَغَايَة مَا ذكر فِيهِ أَنه يَنْتَهِي إِلَى عبد الله وَهُوَ تَابِعِيّ على الصَّحِيح لَيْسَ لَهُ صُحْبَة، والإرسال غير ضائر فِي الْإِسْنَاد من الثِّقَة بل هِيَ مِنْهُ زِيَادَة مَقْبُولَة (وَأما الِاسْتِدْلَال) لِلْجُمْهُورِ (بتفسيره) أَي بِالْإِجْمَاع على جَوَاز الحَدِيث (بالعجمية) فَإِنَّهُ إِذا جَازَ تَفْسِيره بهَا فَلِأَن يجوز بِالْعَرَبِيَّةِ أولى (فَمَعَ الْفَارِق) أَي قِيَاس مَعَ الْفَارِق (إِذْ لولاه) أَي تَفْسِيره بالعجمية (امْتنع معرفَة الْأَحْكَام للجم الْغَفِير) لِأَن العجمي لَا يفهم الْعَرَبِيّ إِلَّا بالتفسير: وَكَذَا يجوز تَفْسِير الْقُرْآن بِجَمِيعِ الألسن (و) لَا يجوز نَقله بِالْمَعْنَى بالِاتِّفَاقِ (أَيْضا) من الْأَدِلَّة (على تجويزه الْعلم بِأَن الْمَقْصُود الْمَعْنى) لِأَن الحكم يثبت بِهِ لَا بِاللَّفْظِ من حَيْثُ هُوَ (وَهُوَ) أَي الْمَعْنى (حَاصِل) فَلَا يضر اخْتِلَاف اللَّفْظ (وَأما اسْتثِْنَاء فَخر الْإِسْلَام) السَّابِق (لِأَنَّهُ) أَي النَّقْل بِالْمَعْنَى للمشترك وَنَحْوه (تَأْوِيله) أَي الرَّاوِي لهَذِهِ الرِّوَايَة الْأَقْسَام (وَلَيْسَ) تَأْوِيله (حجَّة على غَيره كقياسه) أَي كَمَا أَن قِيَاسه لَيْسَ حجَّة على غَيره (بِخِلَاف الْمُحكم) فَإِن النَّقْل فِيهِ بِالْمَعْنَى لَا يُفْضِي إِلَى الْغَلَط (والمحتمل للخصوص) أَي وَنقل الْفَقِيه الْعَالم الْمُحْتَمل للخصوص بِالْمَعْنَى على الْوَجْه الَّذِي يُسْتَفَاد مِنْهُ الْخُصُوص (مَحْمُول على سَمَاعه الْمُخَصّص كعمله) أَي الرَّاوِي فِي الْمُفَسّر (بِخِلَاف رِوَايَته) حَيْثُ يحمل عمله بِخِلَاف رِوَايَته (على النَّاسِخ) أَي على سَمَاعه النَّاسِخ لمرويه (وَيشكل) اسْتثِْنَاء فَخر الْإِسْلَام (بترجيح تَقْلِيده) أَي الصَّحَابِيّ فَإِنَّهُ يجْرِي فِيهِ الدَّلِيل الْمَذْكُور لاستثنائه بِأَن يُقَال مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده إِنَّمَا هُوَ تَأْوِيله وَلَيْسَ تَأْوِيله حجَّة على غَيره (فَإِن أُجِيب) بِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَرَجَّح تَقْلِيده (بِحمْلِهِ) أَي مَا قَلّدهُ فِيهِ (على السماع فَالْجَوَاب أَنه) أَي حمله على السماع ثَابت (مَعَ إِمْكَان قِيَاسه) أَي يُمكن أَنه قَالَه قِيَاسا واجتهادا (فَكَذَا فِي نَحْو الْمُشْتَرك) من الْخَفي والمشكل إِذا حمله على بعض وجوهه يحمل على السماع مَعَ إِمْكَان تَأْوِيله (تقدم) اجْتِهَاده (بترجيح اجْتِهَاده) لمشاهدته

ص: 99

الْأُمُور الْمُوجبَة لعلمه بِأَن الْعلَّة مَا ذكر فَإِن قيل ترجح اجْتِهَاد الصَّحَابِيّ على اجْتِهَاد غَيره بَاطِل لقَوْله صلى الله عليه وسلم

" نضر الله عبدا سمع مَقَالَتي فوعاها، فحفظها فأداها: فَرب حَامِل فقه غير فَقِيه، وَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ ": رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان وَغَيرهم كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَإِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ) بِاعْتِبَار أَنه يدل على أَن الْمَحْمُول إِلَيْهِ وَهُوَ التَّابِعِيّ قد يكون أفقه من الْحَامِل الصَّحَابِيّ وَلَا يقدم اجْتِهَاد غير الأفقه على الأفقه: فَالْجَوَاب أَنه صلى الله عليه وسلم (قلله بِرَبّ) أَي كَون الْمَحْمُول إِلَيْهِ أفقه (فَكَانَ الظَّاهِر بعد الِاشْتِرَاك) من الصَّحَابَة وَغَيرهم (فِي الْفِقْه أفقهيتهم) أَي الصَّحَابَة، وَهَذَا بِنَاء على حمل رب على حَقِيقَته لاعلى مجازه الْمَشْهُور وَهُوَ التكثير (إِلَّا قَلِيلا فَيحمل) حَالهم (على الْغَالِب) وَهُوَ أفقهيتهم (وَالتَّحْقِيق) أَنه (لَا يتْرك اجْتِهَاد لاجتهاد الأفقه و) ترك الِاجْتِهَاد: أَي مؤداه لاجتهاد الأفقه (فِي الصَّحَابَة) لَيْسَ بكونهم أفقه، بل (لقرب سَماع الْعلَّة) أَي لقرب احْتِمَال كَونه سمع هُنَا دَالا على علية الْعلَّة (أَو نَحوه) أَي مَا يقوم مقَام سماعهَا، ثمَّ بَينه بقوله (من مُشَاهدَة مَا يفيدها) أَي الْعلَّة من الْقَرَائِن (وعَلى هَذَا) التَّوْجِيه (نجيزه) أَي النَّقْل بِالْمَعْنَى (فِي الْمُجْمل، وَلَا يُنَافِي) هَذَا (قَوْلهم) أَي الْحَنَفِيَّة (لَا يتَصَوَّر) النَّقْل بِالْمَعْنَى (فِي الْمُجْمل والمتشابه) لأَنهم إِنَّمَا نفوه لما ذَكرُوهُ من قَوْلهم (لِأَنَّهُ لَا يُوقف على مَعْنَاهُ) إِذْ الْمُجْمل لَا يُسْتَفَاد المُرَاد مِنْهُ إِلَّا بَيَان سَمْعِي، والمتشابه لَا ينَال فِي الدُّنْيَا أصلا. قَالَ الشَّارِح وَالْمُصَنّف يَقُول بذلك لكنه يَقُول: إِذا رَوَاهُ بِمَعْنى على أَنه المُرَاد أصححه حملا على السماع، فَإنَّا إِذا علمنَا بِتَرْكِهِ الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ من الْمُفَسّر حكمنَا بِأَنَّهُ علم أَنه مَنْسُوخ إِذْ كَانَ يحرم عَلَيْهِ ترك الْعَمَل بِالْحَدِيثِ فَكَذَلِك إِذا روى الْمُجْمل بِمَعْنى مُفَسّر على أَنه المُرَاد مِنْهُ حكمنَا بِأَنَّهُ سمع تَفْسِيره: إِذْ لَا يحل أَن يفسره بِرَأْيهِ فَالْحَاصِل أَن الْأَقْسَام خَمْسَة: الْمُفَسّر الَّذِي لَا يحْتَمل إِلَّا معنى وَاحِدًا فَيجوز نَقله بِالْمَعْنَى اتِّفَاقًا بعد علمه باللغة، والحقيقة وَالْعَام المحتملان للمجاز والتخصيص، فَيجوز مَعَ الْفِقْه واللغة، فَلَو انسد بَاب التَّخْصِيص كَقَوْلِه سُبْحَانَهُ - {وَالله بِكُل شَيْء عليم} - وَالْمجَاز بِمَا يُوجِبهُ رَجَعَ إِلَى الْجَوَاز إِلَى الِاكْتِفَاء بِعَدَمِ اللُّغَة فَقَط لصيرورته محكما لَا يحْتَمل إِلَّا وَجها وَاحِدًا والمشترك والمشكل والخفي، فَلَا يجوز نَقله بِالْمَعْنَى أصلا عِنْدهم: لِأَن المُرَاد لَا يعرف إِلَّا بِتَأْوِيل، وتأويله لَا يكون حجَّة على غَيره، وَحكم المُصَنّف بِجَوَاز ذَلِك لِأَنَّهُ دائر بَين كَونه تَأْوِيله أَو مسموعه، وكل مِنْهُمَا من الصَّحَابِيّ مقدم على غَيره، ومجمل ومتشابه، فَقَالُوا: لَا يتَصَوَّر نَقله بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ فرع معرفَة الْمَعْنى وَلَا يُمكن فيهمَا، وَالْمُصَنّف يَقُول كَذَلِك، وَلَكِن يَقُول: إِذا عين معنى على أَنه المُرَاد حكمنَا بِأَنَّهُ سَمعه على وزان حكمنَا فِي تَركه أَنه سمع النَّاسِخ حكما ودليلا، وَمَا هُوَ من جَوَامِع الْكَلم

ص: 100

فَاخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ، كَذَا أَفَادَ المُصَنّف انْتهى (قَالُوا) أَي المانعون: قَالَ صلى الله عليه وسلم (نضر الله امْرأ) سمع منا شَيْئا فَبلغ كَمَا سَمعه، فَرب مبلغ أوعى من سامع. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان وَغَيرهم، فحرض على نقل أصل الحَدِيث على الْوَجْه الَّذِي سَمعه وَهَذَا إِنَّمَا يتَحَقَّق إِذا رَوَاهُ بِلَفْظِهِ (قُلْنَا) قَوْله نضر الله الخ (حث على الأولى) فِي نَقله سَوَاء كَانَ دُعَاء: أَي جمله وزينه، أَو خَبرا عَن أَنه من أهل نَضرة النَّعيم قيل هُوَ بتَخْفِيف الضَّاد، والمحدثون يثقلونها. وَفِي الغريبين رَوَاهُ الْأَصْمَعِي بِالتَّشْدِيدِ وَأَبُو عبيد بِالتَّخْفِيفِ وَقيل مَعْنَاهُ حسن الله وَجهه فِي خلقه: أَي جاهه وَقدره. وَعَن الفضيل بن عِيَاض " مَا من أحد من أهل الحَدِيث إِلَّا وَفِي وَجهه نَضرة لقَوْل النَّبِي صلى الله عليه وسلم نضر الله الحَدِيث (فَأَيْنَ منع خِلَافه) أَي خلاف الأولى، وَهُوَ النَّقْل بِالْمَعْنَى. وَفِي الشَّرْح العضدي: وَيُمكن أَن يُقَال أَيْضا بِالْمُوجبِ، فَإِن من نقل الْمَعْنى أَدَّاهُ كَمَا سَمعه، وَلذَلِك يَقُول المترجم أديته كَمَا سمعته (فَإِن قيل هُوَ) أَي الْمَانِع من خِلَافه (قَوْله فَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ أَفَادَ أَنه) أَي الرَّاوِي (قد يقصر لَفظه) عَن اسْتِيعَاب مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ اللَّفْظ النَّبَوِيّ من الْأَحْكَام: إِذا الأفقه يدْرك مَا لَا يُدْرِكهُ غَيره (فَيَنْتَفِي أَحْكَام يستنبطها الْفَقِيه) بِوَاسِطَة نَقله بِالْمَعْنَى وقصور لَفظه (قُلْنَا غَايَته) أَي غَايَة تصور لَفظه عَن اسْتِيعَاب ذَلِك أَنه ك (نقل بعض الْخَبَر بعد كَونه حكما تَاما) وَهُوَ جَائِز كَمَا تقدم (وَقد يفرق) بَين هَذَا وَبَين حذف بعض الْخَبَر الَّذِي لَا تعلق لَهُ بِالْبَاقِي تعلقا يُغير الْمَعْنى (بِأَن لَا بُد) للحاذق (من نقل الْبَاقِي فِي عمره كي لَا تَنْتفِي الْأَحْكَام) المستفادة مِنْهُ (بِخِلَاف من قصر) لَفظه عَنْهَا (فَإِنَّهَا) أَي الْأَحْكَام الَّتِي لَيست بمستفادة مِنْهُ (تَنْتفِي) لعدم مفيدها (بل الْجَوَاز) أَي جَوَاز النَّقْل بِالْمَعْنَى (لمن لَا يخل) بِشَيْء من مقاصده (لفقهه قَالُوا) أَي المانعون أَيْضا: النَّقْل بِالْمَعْنَى (يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْلَال) بمقصود الحَدِيث (بِتَكَرُّر النَّقْل كَذَلِك) أَي بِالْمَعْنَى: يَعْنِي تجوزيه ينجر إِلَى التّكْرَار، وَفِي كل مرّة يحصل تَغْيِير لاخْتِلَاف الإفهام فيؤل إِلَى تَغْيِير فَاحش مفوت للمقصود (أُجِيب بِأَن) تَقْيِيد (الْجَوَاز) للنَّقْل بِالْمَعْنَى (بِتَقْدِير عَدمه) أَي عدم الْإِخْلَال بِالْمَقْصُودِ (يَنْفِيه). قَالَ الشَّارِح: أَي أَدَاء النَّقْل بِالْمَعْنَى، لِأَنَّهُ خلاف الْفَرْض انْتهى، وَلَا يفهم لَهُ معنى. فِي الشَّرْح العضدي الْجَواب أَن فرض تَغْيِير مَا فِي كل مرّة مِمَّا لَا يتَصَوَّر فِي مَحل النزاع، فَإِن الْكَلَام فِيمَن نقل الْمَعْنى سَوَاء من غير تَغْيِير أصلا، وَإِلَّا لم يجز اتِّفَاقًا. وَفِيه قد اخْتلف فِي جَوَاز نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى، والنزاع فِيمَن هُوَ عَارِف بمواقع الْأَلْفَاظ، وَأما غَيره فَلَا يجوز مِنْهُ اتِّفَاقًا انْتهى: فَالْمَعْنى انْتَفَى مَا ذكر من التأدية إِلَى الاخلال

ص: 101