المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل: حجية السنة) - تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه - جـ ٣

[أمير باد شاه]

فهرس الكتاب

- ‌الْبَاب الثَّانِي من الْمقَالة الثَّانِيَة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْبَاب الثَّالِث

- ‌(فصل: حجية السّنة)

- ‌(فصل: فِي شَرَائِط الرَّاوِي. مِنْهَا كَونه بَالغا حِين الْأَدَاء)

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌ مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌فصل فِي التَّعَارُض

- ‌مسئلة

- ‌(فصل الشَّافِعِيَّة}

- ‌مسئلة

- ‌فصل

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْبَاب الرَّابِع فِي الْإِجْمَاع

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌ مسئلة

- ‌ مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌‌‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْبَاب الْخَامِس

- ‌من الْأَبْوَاب الْخَمْسَة من الْمقَالة الثَّانِيَة فِي أَحْوَال الْمَوْضُوع

- ‌فصل فِي الشُّرُوط

- ‌مسئلة

- ‌المرصد الأول: فِي تقسيمها

- ‌تَتِمَّة

الفصل: ‌(فصل: حجية السنة)

يكون الْقَصْد إِلَى مُبَاح فَيلْزمهُ مَعْصِيّة) لذَلِك لَا أَنه قصد عينهَا (كوكز مُوسَى عليه السلام أَي كدفعه بأطراف أَصَابِعه، وَقيل بِجمع الْكَفّ القبطي واسْمه فانون (وتقترن) الزلة (بالتنبيه) على أَنَّهَا زلَّة، أما من الْفَاعِل كَقَوْلِه: هَذَا من عمل الشَّيْطَان: أَي هيج غَضَبي حَتَّى ضَربته فَوَقع قَتِيلا، أَو من الله تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى - {وَعصى آدم ربه فغوى} - أَي أَخطَأ بِأَكْل الشَّجَرَة الَّتِي نهى عَن أكلهَا وَطلب الْملك والخلد بذلك (وَكَأَنَّهُ) أَي هَذَا النَّوْع خطأ من حَيْثُ أَنه لم يقْصد مَا آل إِلَيْهِ (شبه عمد) من حَيْثُ الصُّورَة لقصده إِلَى أصل الْفِعْل (فَلم يسموه خطأ) نظرا إِلَى قصد أصل الْفِعْل (وَلَو أَطْلقُوهُ) أَي الْخَطَأ عَلَيْهِ كَمَا أطلقهُ غَيرهم (لم يمْتَنع وَكَانَ أنسب من الِاسْم المستكره) أَي الزلة، وَقد قَالُوا: لَو رمى غَرضا فَأصَاب آدَمِيًّا كَانَ خطأ مَعَ قصد الرَّمْي غير أَن قَوْله تَعَالَى - {فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا} - رُبمَا يؤيدهم، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يفرق بَين أَن يكون الْإِطْلَاق من الله تَعَالَى فِي حق نبيه، وَأَن يكون من الْعباد فِي حَقه.

(فصل: حجية السّنة)

سَوَاء كَانَت مفيدة للْفَرض أَو الْوَاجِب أَو غَيرهمَا (ضَرُورَة دينية) كل من لَهُ عقل وتمييز حَتَّى النِّسَاء وَالصبيان يعرف أَن من ثَبت نبوته صَادِق فِيمَا يخبر عَن الله تَعَالَى وَيجب اتِّبَاعه (ويتوقف الْعلم بتحققها) أَي السّنة بِمَعْنى كَونهَا صادرة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ مرجع الضَّمِير حجيتها كَمَا زعم الشَّارِح (وَهِي) أَي السّنة (الْمَتْن) أَي تسمى عِنْد الْأُصُولِيِّينَ والمحدثين بِالْمَتْنِ، جملَة مُعْتَرضَة بَين الْفِعْل وصلته: أَعنِي قَوْله (على طَرِيقه) أَي الْمَتْن، ثمَّ فسر طَرِيقه بقوله (السَّنَد) إِذْ بِهِ يعرف ثُبُوته، ثمَّ فسره بقوله (الْأَخْبَار عَنهُ) أَي عَن الْمَتْن (بِأَنَّهُ حدث بِهِ) أَي بِالْمَتْنِ، (فلَان) وَفُلَان فَصَاعِدا مَا لم يصل حد التَّوَاتُر (أَو خلق) يحِيل الْعقل تواطأهم على الْكَذِب، وَأَشَارَ فِي أثْنَاء التَّعْرِيف إِلَى عدَّة من الْأَلْفَاظ الاصطلاحية فَلَا يرد أَنه يَكْفِي بَعْضهَا، وَقيل السَّنَد مَأْخُوذ من السَّنَد: مَا ارْتَفع وَعلا عَن سفح الْجَبَل: أَي أَسْفَله لِأَن الْمسند يرفعهُ إِلَى قَائِله، وَمن قَوْلهم: فلَان سَنَد: أَي مُعْتَمد لاعتماد الْمُحدث عَلَيْهِ فِي صِحَّته وَضَعفه (وَهُوَ) أَي الْمَتْن (خبر وإنشاء) وَجه الْحصْر ذكر فِي الْمقَالة الأولى (فَالْخَبَر قيل لَا يحد لعسره) أَي لعسر تحديده على وَجه جَامع للْجِنْس والفصل لتعسر معرفَة الذاتيات كَمَا قيل مثله فِي الْعلم (وَقيل لِأَن علمه) أَي الْخَبَر (ضَرُورِيّ) والتعريف إِنَّمَا يكون للنظريات وَهَذَا اخْتِيَار الإِمَام الرَّازِيّ والسكاكي (لعلم كل) أحد سَوَاء كَانَ من أهل النّظر أَولا (بِخَبَر خَاص ضَرُورَة، وَهُوَ) أَي الْخَبَر الْخَاص (أَنه مَوْجُود، وتمييزه) أَي ولتمييز الْخَبَر (عَن قسيمه) الَّذِي هُوَ الْإِنْشَاء (ضَرُورَة) من غير احْتِيَاج إِلَى نظر وفكر، فَلَو كَانَ تصَوره نظريا لما كَانَ تَمْيِيزه عَنهُ ضَرُورِيًّا لاحتياجه إِلَى تصَوره، وَإِذا كَانَ الْخَبَر الْمُقَيد الَّذِي هُوَ الْخَاص ضَرُورِيًّا

ص: 22

(فالمطلق) أَي الْخَبَر الْمُطلق الَّذِي هُوَ جزءه (كَذَلِك) أَي كَانَ ضَرُورِيًّا بالاستلزام ضَرُورَة توقف تصور الْكل على تصور الْجُزْء (وَأورد) على هَذَا القَوْل (الضَّرُورَة) أَي كَون الْعلم بالْخبر ضَرُورِيًّا (تنافى الِاسْتِدْلَال) على كَونه ضَرُورِيًّا، لِأَن الِاسْتِدْلَال إِنَّمَا يكون فِي النظري، (وَأجِيب بِأَنَّهُ) أَي كَون الضَّرُورَة مُنَافِيَة للاستدلال إِنَّمَا هُوَ (عِنْد اتِّحَاد الْمحل) أَي مَحل الضَّرُورَة وَالِاسْتِدْلَال (وَلَيْسَ) مَحلهمَا هُنَا متحدا (فالضروري) هُنَا (حُصُول الْعلم) بِمَفْهُوم الْخَبَر (بِلَا نظر) أَي علمه الْحَاصِل بِغَيْر نظر وفكر (وَكَونه) أَي الْعلم (حَاصِلا كَذَلِك) أَي على وَجه الضَّرُورَة (غَيره) أَي غير حُصُوله بِلَا نظر (وَلَو أورد كَذَا الْحَاصِل ضَرُورَة يلْزمه ضَرُورِيَّة الْعلم بِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا إِذْ بعد حُصُوله) أَي حُصُول الْعلم فِي الْعقل كَذَلِك: أَي على وَجه الضَّرُورَة (لَا يتَوَقَّف الْعلم الثَّانِي) وَهُوَ الْعلم بِكَوْن الْعلم الْحَاصِل ضَرُورِيًّا (بعد تَجْرِيد مَفْهُوم الضَّرُورِيّ) الْمَوْصُوف بِهِ الْحَاصِل ضَرُورَة على شَيْء (سوى) أَي إِلَّا (على الِالْتِفَات) وتوجيه الذِّهْن نَحوه: يَعْنِي أَن مَادَّة الْعلم الثَّانِي الَّذِي هُوَ التَّصْدِيق يكون ذَلِك الْحَاصِل ضَرُورِيًّا مَوْجُودَة بَين يَدي الْعقل قريبَة المأخذ، فَإِذا قَصده يحصل لَهُ بِمُجَرَّد الِالْتِفَات إِلَيْهِ، وَتَجْرِيد مَفْهُوم الضَّرُورِيّ الَّذِي يُرِيد أَن يحكم بِهِ على الْحَاصِل الْمَذْكُور عبارَة عَن ملاحظته على الْوَجْه الْكُلِّي مُجَرّدَة عَن خصوصيات أَفْرَاده كتصوره بعنوان مَا يحصل بِلَا نظر (وتطبيق) هَذَا (الْمَفْهُوم) على الْعلم الْحَاصِل بِلَا نظر فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك تَجدهُ مطابقا فتعلم أَنه ضَرُورِيّ، وَهُوَ الْعلم الثَّانِي بِعَيْنِه (وَلَيْسَ) مَا ذكر من التَّجْرِيد والالتفات والتطبيق (النّظر) وَهُوَ ظَاهر (كَانَ) هَذَا الْإِيرَاد (لَازِما) لَا وَجه لإنكاره، وَهَذَا جَوَاب لَو أورد (فَالْحق أَنه) أَي الدَّلِيل الْمَذْكُور (تَنْبِيه) على خفائه، لما دفع إِيرَاد الْمُنَافَاة بَين دَعْوَى الضَّرُورَة، وَالِاسْتِدْلَال، يَقُول الْخَبَر لَا يحد، لِأَن علمه ضَرُورِيّ الخ بِبَيَان عدم اتِّحَاد الْمحل. ثمَّ ذكر الْإِيرَاد على وَجه لَا مدفع لَهُ، وَتبين أَن كَون الْخَبَر ضَرُورِيًّا لَا يحْتَاج إِلَى الدَّلِيل يُوهم أَن مَا ذكره الْقَائِل الْمَذْكُور فِي معرض الِاسْتِدْلَال غير موجه، فَذكر أَنه تَنْبِيه فِي صُورَة الِاسْتِدْلَال، وَمثله شَائِع فِي البديهيات الْخفية (وَالْجَوَاب) عَن المنبه الْمَذْكُور (أَن تعلق الْعلم بِهِ) أَي الْخَبَر (بِوَجْه) مَا بِغَيْر نظر (لَا يسْتَلْزم تصور حَقِيقَته) أَي الْخَبَر (ضَرُورَة) وتصور حَقِيقَته هُوَ المُرَاد بالتعريف. ثمَّ ذكر مَا يسْتَلْزم تصور الْحَقِيقَة بِوَجْه مسَاوٍ بقوله (وَالظَّاهِر أَن إِعْطَاء اللوازم) أَي إِعْطَاء لَوَازِم الْخَبَر للْخَبَر، ولوازم الْإِنْشَاء للإنشاء. ثمَّ بَين الْإِعْطَاء الْمَذْكُور بقوله (من وضع كل) مِنْهُمَا (مَوْضِعه) فَلَا يضع أحد قُمْت مَكَان قُم وَلَا عَكسه: وَمن تَجْوِيز الصدْق وَالْكذب وَعَدَمه (وَنفى مَا يمْتَنع) على كل مِنْهُمَا (عَنهُ) أَي عَن كل مِنْهُمَا، فَلَا تَقول قُم يحْتَمل الصدْق وَالْكذب إِلَى غير ذَلِك (فرع تصور

ص: 23

الْحَقِيقَة، إِذْ هِيَ) أَي حَقِيقَة معنى الْخَبَر، والإنشاء هِيَ (المستلزمة) لذَلِك الْإِعْطَاء (نعم لَا يتصورهما) أَي المتصور بِاعْتِبَار هَذَا التَّصَوُّر اللَّازِم لذَلِك الْإِعْطَاء الحقيقيين (من حَيْثُ هما مسميا) لَفْظِي (الْخَبَر والإنشاء) أَو غَيرهمَا، وَهَذَا لَا يُنَافِي تصور نفيهما (فيعرفان اسْما) أَي تعريفا اسميا لإِفَادَة أَن مُسَمّى لفظ الْخَبَر كَذَا، فالمقصد من هَذَا التَّعْرِيف بَيَان مَا وضع لَهُ اللَّفْظ (وَإِن كَانَ قد يَقع حَقِيقِيًّا) بِأَن كَانَت أجزاؤه ذاتيات الْحَقِيقَة فِي نفس الْأَمر، وَهِي مَوْجُودَة فِي الْخَارِج (فَالْخَبَر) مُسَمَّاهُ (مركب يحْتَمل الصدْق وَالْكذب بِلَا نظر إِلَى خُصُوص مُتَكَلم) فَلَا يشكل بِخَبَر النَّبِي صلى الله عليه وسلم: إِذْ هُوَ مَعَ قطع النّظر عَن قَائِله يحتملهما، وَلَا بِخَبَر من يخبر بِمَا يحكم الْعقل بنقيضه ضَرُورَة، لِأَنَّهُ إِذا قطع النّظر عَن حكمه بالنقيض، وَينظر إِلَى نفس الْأَمر يحتملهما، فَالْمُرَاد قطع النّظر عَن جَمِيع مَا سوى نفس الْخَبَر (وَنَحْوه) أَي نَحْو مَا ذكركما يُفِيد هَذَا الْمَعْنى أَو مَا يُسَاوِيه (وَأورد) على هَذَا التَّعْرِيف (الدّور لتوقف) كل من (الصدْق) وَالْكذب (عَلَيْهِ) أَي على معنى الْخَبَر (لِأَنَّهُ) أَي الصدْق (مُطَابقَة الْخَبَر) للْوَاقِع وَالْكذب عدم مطابقته لَهُ، فقد توقف الْخَبَر على كل مِنْهُمَا لِكَوْنِهِمَا جزئي مَفْهُومه، وَتوقف كل مِنْهُمَا على الْخَبَر لكَونه جُزْء مفهوميهما (وبمرتبة) أَي وَأورد لُزُوم الدّور أَيْضا بمرتبة (لَو قيل التَّصْدِيق والتكذيب) مَكَان الصدْق وَالْكذب، إِذْ التَّصْدِيق أَن ينْسب الْخَبَر إِلَى مطابقته للْوَاقِع، والتكذيب أَن ينْسب إِلَى خلاف ذَلِك: فالدور على الأول بِلَا وَاسِطَة، وَهَهُنَا بِوَاسِطَة: إِذْ التَّصْدِيق يتَوَقَّف على الصدْق، وَهُوَ على الْخَبَر، و (إِنَّمَا يلْزم) الدّور (لَو لزم) ذكر الْخَبَر (فِي تَعْرِيفه) أَي الصدْق وَكَذَا فِي الْكَذِب (وَلَيْسَ) ذكره لَازِما، بل يعرفان بِحَيْثُ لَا يتَوَقَّف على معرفَة الْخَبَر (إِذْ يُقَال فيهمَا) أَي الصدْق وَالْكذب (مَا) أَي صفة كَلَام (طابق نفسيه) أَي نسبته النفسية الَّتِي هِيَ جُزْء مَدْلُوله (لما) أَي للنسبة الَّتِي بَين طَرفَيْهِ (فِي نفس الْأَمر) بِأَن يَكُونَا ثبوتيين أَو سلبيين (أَولا) تطابق لما ذكر فِي تَعْرِيف الْكَذِب، أَو الْمَعْنى لَو لزم ذكر الصدْق وَالْكذب فِي تَعْرِيف الْخَبَر، إِذْ يُقَال فيهمَا: أَي فِي الْخَبَر والإنشاء مَا طابق الخ، فعلى هَذَا يكون تَعْرِيف الْإِنْشَاء مطويا اعْتِمَادًا على الْمُقَابلَة، وَالثَّانِي أولى. (وَقَول أبي الْحُسَيْن) وتعريف الْخَبَر (كَلَام يُفِيد بِنَفسِهِ نِسْبَة) يرد (عَلَيْهِ أَن نَحْو قَائِم) من المشتقات (عِنْده) أَي أبي الْحُسَيْن (كَلَام) لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْمُعْتَمد: الْحق أَن يُقَال الْكَلَام هُوَ مَا انتظم فِي الْحُرُوف المسموعة المتميزة المتواضع على اسْتِعْمَالهَا فِي الْمعَانِي (ويفيدها) أَي قَائِم النِّسْبَة (بِنَفسِهِ) لِأَنَّهَا جُزْء من مُسَمَّاهُ (وَلَيْسَ) نَحْو قَائِم (خَبرا) بالِاتِّفَاقِ، وَلما جعل ابْن الْحَاجِب قيد بِنَفسِهِ لإِخْرَاج نَحوه لإفادتها النِّسْبَة بل مَعَ الْمَوْضُوع الَّذِي هُوَ زيد مثلا أَشَارَ المُصَنّف إِلَيْهِ بقوله (وَمَا قيل مَعَ الْمَوْضُوع مَمْنُوع)

ص: 24

بل قَائِم بِنَفسِهِ يفيدها، (إِذْ الْمُشْتَقّ دَال على ذَات مَوْصُوفَة) أَي لِأَن كل مُشْتَقّ من الصِّفَات وضع لذات مَا بِاعْتِبَار اتصافها بمبدأ الِاشْتِقَاق، وَأما مَعَ الْمَوْضُوع فَيُفِيد النِّسْبَة إِلَى معِين، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فالموضوع لمُجَرّد تعْيين الْمَنْسُوب إِلَيْهِ، وَأما إِيرَاد نَحْو قُم عَلَيْهِ) أَي على أبي الْحُسَيْن بِأَنَّهُ صَادِق عَلَيْهِ (لإفادته نِسْبَة الْقيام) إِلَى الْمُخَاطب، لِأَن الْمَطْلُوب هُوَ الْقيام الْمَنْسُوب إِلَيْهِ، وإفادته الطّلب (فَلَيْسَ) بوارد عَلَيْهِ (إِذْ لم يوضع) نَحْو قُم لشَيْء (سوى) أَي إِلَّا (لطلب الْقيام) أَي طلب الْقيام من الْمُخَاطب، كَذَا فسر الشَّارِح وَلَا يَنْبَغِي لِأَنَّهُ يُوهم أَن نِسْبَة الطّلب وَالْقِيَام إِلَى الْمُتَكَلّم والمخاطب مَأْخُوذَة فِي مَفْهُومه، وَلَيْسَ كَذَلِك: بل هُوَ مَوْضُوع لطلب الْقيام مُطلقًا (وَفهم النِّسْبَة) أَي نِسْبَة وُقُوع الْقيام من الْمُخَاطب (بِالْعقلِ والمشاهدة) إِذْ الْعقل يحكم بِأَن الشَّخْص لَا يطْلب مِنْهُ الْفِعْل الصَّادِر عَن غَيره، ونشاهد أَن الْمَأْمُور يصدر مِنْهُ الْمَطْلُوب دَائِما عِنْد الِامْتِثَال، لَا من غَيره (لَا يسْتَلْزم الْوَضع) أَي وضع نَحْو قُم (لَهَا) أَي للنسبة الْمَذْكُورَة فَإِن قلت: قُم يدل على الطّلب، وَهُوَ نِسْبَة بَين الطَّالِب وَالْمَطْلُوب قلت المُرَاد من النِّسْبَة مَا هُوَ الْمُتَبَادر مِنْهَا، وَهُوَ الْإِسْنَاد الْمُعْتَبر بَين ركني السَّنَد والمسند إِلَيْهِ، والطالب لَيْسَ بِشَيْء مِنْهُمَا، وَقد يُقَال: قُم فعل وفاعل فَلَا بُد من نِسْبَة بَينهمَا، وَلَا وَجه لجعلها مِنْهَا وَهِي منتفية فِيهِ (فَلَيْسَ) فهم النِّسْبَة (بِنَفسِهِ) أَي بِنَفس لفظ قُم مثلا (وَمَا قيل) وَالْقَائِل ابْن الْحَاجِب وَغَيره من أَن (الأولى) فِي تَعْرِيفه (كَلَام مَحْكُوم فِيهِ بِنِسْبَة لَهَا خَارج) هِيَ حِكَايَة عَنهُ (فطلبت الْقيام مِنْهُ) أَي من الْخَبَر، لِأَنَّهُ حكم فِيهِ بِنِسْبَة طلب الْقيام إِلَى الْمُتَكَلّم، وَلها خَارج قد يطابقه فَيكون صدقا، وَقد لَا يطابقه فَيكون كذبا (لاقم) أَي لَيْسَ مِنْهُ قُم. قَالَ الشَّارِح فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ كلَاما مَحْكُومًا فِيهِ بِنِسْبَة الْقيام إِلَى الْمَأْمُور وَنسبَة الطّلب إِلَى الْآمِر، لَكِن هَذِه النِّسْبَة لَيْسَ لَهَا خَارج تطابقه أَو لَا تطابقه، لِأَنَّهَا لَيست إِلَّا مُجَرّد الطّلب الْقَائِم بِالنَّفسِ انْتهى.

أثبت فِي الْأَمر نسبتين: إِحْدَاهمَا بَين مبدأ الِاشْتِقَاق والمأمور. وَالثَّانيَِة بَين الطّلب والآمر، فَإِن أَرَادَ بِهِ دخولهما فِيمَا وضع لَهُ، فَهَذَا يُنَافِي مَا مر آنِفا أَنه لم يوضع إِلَّا لطلب الْقيام، وَإِن أَرَادَ كَونهمَا لازمين لَهُ فِي التحقق فَهُوَ خَارج المبحث، لِأَن الْكَلَام فِي نِسْبَة تكون فِيهِ. ثمَّ قَوْله لَكِن هَذِه النِّسْبَة الخ غير موجه، لِأَنَّهُ مهد نسبتين وَلم يعلم مُرَاد أَيهمَا فَإِن قلت رُبمَا أرادهما جَمِيعًا بِضَرْب من التَّأْوِيل قلت على جَمِيع التقادير لَا معنى لقَوْله، لِأَنَّهَا لَيست إِلَّا مُجَرّد الطّلب، إِذْ قد ذكر أَن النِّسْبَة الأولى بَين الْقيام والمأمور بِهِ، فَهِيَ لَيست عين الطّلب الْقَائِم بِنَفس الْأَمر، وَكَذَا الثَّانِيَة فَإِنَّهَا بَين الطّلب والآمر وَأَيْضًا قَوْله مَحْكُومًا فِيهِ الخ ظَاهره

ص: 25

غير صَحِيح، إِذْ لَا حكم فِي الْإِنْشَاء، وتأويله غير ظَاهر، فَكَأَنَّهُ حرر هَذَا الْمحل من عِنْد نَفسه. وَالْوَجْه أَن يُقَال: إِنَّمَا خرج نَحْو قُم بقوله مَحْكُوم فِيهِ بِنِسْبَة، وَقَوله لَهَا خَارج لزِيَادَة التَّوْضِيح وَإِشَارَة إِلَى أَنه مُشْتَمل على نِسْبَة لَيست على طرز نِسْبَة الْخَبَر بِأَن يكون لَهَا خَارج هِيَ حاكية عَنهُ ليتصور فِيهَا الْمُطَابقَة وَعدمهَا وَالله أعلم. وَمَا قيل مُبْتَدأ خَبره (فعلى إِرَادَة مَا يحسن عَلَيْهِ السُّكُوت بالْكلَام) الْمَذْكُور فِي صدر التَّعْرِيف (فَلَا يرد) نَحْو (الْغُلَام الَّذِي لزيد) إِذْ لَا يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ فَهُوَ غير دَاخل فِي التَّعْرِيف فَلَا يضر صدق مَا بعد الْجِنْس عَلَيْهِ لَو اعْتبر فِيهِ الحكم وَالنِّسْبَة الْمَذْكُورَة بِاعْتِبَار أَن الْأَوْصَاف قبل الْعلم بهَا أَخْبَار، والمركب التوصيفي يبْنى عَلَيْهِ (وَلَا حَاجَة إِلَى مَحْكُوم) حِينَئِذٍ لإِخْرَاج نَحْو الْغُلَام الَّذِي لزيد: إِذْ لم يدْخل فِي الْجِنْس حَتَّى يخرج (بل قد يُوهم) ذكره (أَن مَدْلُول الْخَبَر الحكم) بِوُقُوع النِّسْبَة (وَحَاصِله) أَي الحكم (علم) لِأَنَّهُ إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة، فَهُوَ قسم من الْعلم إِن فسرنا الْعلم بِمَا يعم التَّصَوُّر والتصديق، أَو نفس الْعلم إِن فسرناه بالتصديق (ونقطع بِأَنَّهُ) أَي الْخَبَر (لم يوضع لعلم الْمُتَكَلّم بل) إِنَّمَا وضع (لما عِنْده) أَي الْمُتَكَلّم من وُقُوع النِّسْبَة أَولا وُقُوعهَا وَالْحَاصِل أَنه مَوْضُوع للمعلوم لَا الْعلم (فَالْأَحْسَن) فِي تَعْرِيفه (كَلَام لنسبته خَارج) لِئَلَّا يرد شَيْء مِمَّا ذكر، فيحوج إِلَى تكلّف لَا يَلِيق بالتعريف.

(وَاعْلَم أَنه) أَي الْخَبَر (يدل على مطابقته) للْوَاقِع، وَلذَا قيل: مَدْلُول الْخَبَر الصدْق، وَالْكذب احْتِمَال (فَإِنَّهُ يدل على نِسْبَة) تَامَّة ذهنية (وَاقعَة) فِي الْإِثْبَات (أَو غير وَاقعَة) فِي السَّلب مشعرة بِحُصُول نِسْبَة أُخْرَى فِي الْوَاقِع، لكَونهَا حاكية عَنْهَا مُوَافقَة لَهَا فِي الْكَيْفِيَّة فالثانية مدلولة بتوسط الأولى وَهِي الْمَقْصُودَة بالإفادة، فَإِن كَانَ مَا فِي نفس الْأَمر على طبق مَا فِي الذِّهْن على الْوَجْه الَّذِي أشعرت بِهِ فَهُوَ صَادِق، وَإِلَّا فَهُوَ كَاذِب، وَلذَا قيل: صدق الْخَبَر بِثُبُوت مَدْلُوله مَعَه، وَكذبه تخلف مَدْلُوله عَنهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (ومدلول اللَّفْظ لَا يلْزم كَونه ثَابتا فِي الْوَاقِع فجَاء احْتِمَال الْكَذِب بِالنّظرِ إِلَى أَن الْمَدْلُول) الْمَذْكُور هُوَ (كَذَلِك فِي نفس الْأَمر أَولا، وَمَا) أَي الْكَلَام الَّذِي (لَيْسَ بِخَبَر إنْشَاء وَمِنْه) أَي من الْإِنْشَاء (الْأَمر وَالنَّهْي والاستفهام وَالتَّمَنِّي، والترجي، وَالْقسم، والنداء: وَيُسمى الأخيران) أَي الْقسم والنداء (تَنْبِيها أَيْضا) بل المنطقيون يسمون الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة تَنْبِيها، وَزَاد بَعضهم الِاسْتِفْهَام وَابْن الْحَاجِب على أَن مَا لَيْسَ بِخَبَر يُسمى إنْشَاء وتنبيها، كَذَا ذكره الشَّارِح.

(وَاخْتلف فِي صِيغ الْعُقُود والإسقاطات كبعت وأعتقت إِذا أُرِيد حُدُوث الْمَعْنى بهَا) أَي بِتِلْكَ الصِّيَغ (فَقيل: إخبارات عَمَّا فِي النَّفس من ذَلِك) أَي من خصوصيات تِلْكَ الْعُقُود

ص: 26

والاسقاطات، فيقرر ذَلِك فِي نَفسه ثمَّ يخبر عَنهُ بهَا: وَهَذَا قَول الْجُمْهُور (فيندفع الِاسْتِدْلَال على إنشائيته) أَي مَا ذكر من الصِّيَغ (بِصدق تَعْرِيفه) أَي الْإِنْشَاء عَلَيْهِ، وَهُوَ كَلَام لَيْسَ لنسبته خَارج، وَالْجَار وَالْمَجْرُور صلَة الِاسْتِدْلَال (وَانْتِفَاء لَازم الْأَخْبَار) مَعْطُوف على الْمَجْرُور. ثمَّ بَين لَازمه بقوله (من احْتِمَال الصدْق وَالْكذب) عَنهُ لِأَن بِعْت لَيْسَ بأخبار عَن بيع سَابق ليحتملهما، وَإِنَّمَا انْدفع (لِأَن ذَلِك) الِاسْتِدْلَال إِنَّمَا يتم (لَو لم يكن) مَا ذكر من الصِّيَغ (إِخْبَارًا عَمَّا فِي النَّفس) أما إِذا كَانَ إِخْبَارًا عَنهُ فَلَا، إِذْ لَا يصدق عَلَيْهِ تَعْرِيف الْإِنْشَاء حِينَئِذٍ، وَلَا ينتفى عَنهُ لَازم الْأَخْبَار (وَغَايَة مَا يلْزم) هَذَا القَوْل (أَنه) أَي مَا ذكر من الصِّيَغ (إِخْبَار يعلم صدقه بِخَارِج) عَن نَفسه. ثمَّ صور ذَلِك الْخَارِج فِي الْمِثَال، فَقَالَ (كأخباره بِأَن فِي ذهنه كَذَا) يَعْنِي لما كَانَت النِّسْبَة الخارجية الَّتِي هِيَ مصداق صدق هَذَا الْإِخْبَار أمرا حَاصِلا فِي ذهن الْمخبر أمكن لَهُ الْعلم بمطابقة النِّسْبَة الذهنية الْمَدْلُول عَلَيْهَا بِهِ إِيَّاهَا، والإعلام بهَا لغيره: وَهَذَا لَا يُنَافِي كَونه مُحْتملا للصدق وَالْكذب فِي ذَاته، وَزعم الشَّارِح أَن المُرَاد بِخَارِج هُوَ نفس اللَّفْظ كَقَوْلِه: بِعْت فَإِنَّهُ يُفِيد أَن مَعْنَاهُ قَائِم بِنَفسِهِ فَيعلم صدقه هَذَا كَلَامه، وَلَا يخفى عَلَيْك أَن بِعْت نفس الْخَبَر الْمَذْكُور فَمَا معنى خُرُوجه، ثمَّ أَنه إِن أَرَادَ بإفادته أَن مَعْنَاهُ قَائِم بِنَفسِهِ دلَالَته عَلَيْهِ فَلَا يعلم بِهِ صدقه لاحْتِمَال الْمُوَاضَعَة والهزل وَغَيرهمَا، وَكَذَا إِن أَرَادَ بهَا استلزامه إِيَّاه بِحَسب التَّحْقِيق، لِأَن الْمُلَازمَة مَمْنُوعَة لاحتمالهما فَإِن قلت: الشَّرْع يحكم عَلَيْهِ بِمُوجب البيع بِمُجَرَّد قَوْله بِعْت، فَلَو كَانَ مُحْتملا للصدق وَالْكذب لما ألزمهُ بِهِ قلت هَذَا اعْتِبَار لفظ شَرْعِي لصيانة حُقُوق النَّاس، وَهُوَ لَا يُنَافِي كَونه مُحْتملا لَهما فِي حد ذَاته فَتدبر (وَمَا اسْتدلَّ) أَي اسْتدلَّ بِهِ الإنشائيون من أَنه (لَو كَانَ خَبرا لَكَانَ مَاضِيا) لوضع لَفظه لذَلِك، وَعدم صَارف (وَامْتنع التَّعْلِيق) أَي تَعْلِيقه بِالشّرطِ، لِأَن التَّعْلِيق تَوْقِيف دُخُول أَمر فِي الْوُجُود على دُخُول غَيره فِيهِ، والماضي قد دخل فِيهِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِك (مَدْفُوع بِأَنَّهُ مَاض: إِذْ ثَبت فِي ذهن الْقَائِل البيع وَالتَّعْلِيق وَاللَّفْظ) الْمُشْتَمل على تَعْلِيق البيع (إِخْبَار عَنْهُمَا) أَي عَن التَّعْلِيق وَالْبيع الثابتين قبل التَّكَلُّم بِهِ (وألزم امْتنَاع الصدْق) أَي ادّعى أَن صدق هَذَا الْخَبَر مُمْتَنع (لِأَنَّهُ) أَي الصدْق لَا يتَحَقَّق إِلَّا (بالمطابقة) بل هُوَ عين مُطَابقَة مَدْلُول الْخَبَر الْوَاقِع (وَهِي) أَي الْمُطَابقَة لَا تتَصَوَّر إِلَّا (بالتعدد) أَي تعدد طرفِي الْمُطَابقَة: أَحدهمَا النَّفْسِيّ الَّذِي هُوَ مَدْلُول الْكَلَام، وَالْآخر مَا فِي الْوَاقِع (وَلَيْسَ) فِي الْوَاقِع هُنَا شَيْء (إِلَّا مَا فِي النَّفس، وَهُوَ الْمَدْلُول) بِعَيْنِه (فَلَا خَارج) عَن الْمَدْلُول لتغير الْمُطَابقَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ فَلَا مُطَابقَة فَلَا صدق (وَأجِيب بِثُبُوتِهِ) أَي التَّعَدُّد اعْتِبَارا، وَإِن لم يكن ذاتا (فَمَا فِي النَّفس من حَيْثُ هُوَ مَدْلُول اللَّفْظ غَيره)

ص: 27

أَي غير مَا فِي النَّفس (من حَيْثُ هُوَ فِيهَا) أَي فِي النَّفس (فتطابق المتعدد) وَلَا يخفى عَلَيْك أَن التَّعَدُّد اللَّازِم للمطابقة لَو لم يكن بِالذَّاتِ لم يكن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب اللَّازِم لماهية الْخَبَر: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال يَكْفِي احتمالهما فِي بادئ النّظر نظرا إِلَى التَّعَدُّد الاعتباري فَتَأمل (ومبني هَذَا التَّكَلُّف على أَنه) أَي مَا ذكر من الصِّيَغ (إِخْبَار عَمَّا فِي النَّفس) كَمَا نقل فِي الشَّرْح العضدي وَغَيره (لَكِن الوجدان شَاهد بِأَن الْكَائِن فِيهَا) أَي النَّفس (مَا لم ينْطق لَيْسَ) شَيْئا (غير إِرَادَة البيع لَا يعلم قَوْلهَا) أَي النَّفس: يَعْنِي القَوْل النَّفْسِيّ لَا اللَّفْظِيّ (بِعْتُك) مقول القَوْل الْمَذْكُور (قبله) أَي النُّطْق بِهِ، بل من الْمَعْلُوم عَدمه حِينَئِذٍ (إِنَّمَا ينْطق) النَّفس بِهِ (مَعَه أَي مَعَ بِعْتُك (فَهِيَ) أَي صِيغ الْعُقُود والاسقاطات (إنشاآت) لَفظهَا عِلّة لإيجاد مَعْنَاهَا (ثمَّ ينْحَصر) الْخَبَر (فِي صدق إِن طابق) حكمه (الْوَاقِع) أَي الْخَارِج الْمَذْكُور (وَكذب إِن لَا) يُطَابق، فَلَا وَاسِطَة بَينهمَا، وحصره عَمْرو بن بَحر (الجاحظ فِي ثَلَاثَة): الصَّادِق. والكاذب (الثَّالِث مَالا) أَي لَيْسَ بصادق (وَلَا) كَاذِب (لِأَنَّهُ) أَي الْخَبَر (إِمَّا مُطَابق) للْوَاقِع (مَعَ الِاعْتِقَاد) للمطابقة (أَو) مُطَابق للْوَاقِع مَعَ (عَدمه) أَي عدم الِاعْتِقَاد للمطابقة، وَهَذَا على قسمَيْنِ: أَحدهمَا أَن لَا يعْتَقد الْمُطَابقَة وَلَا عدمهَا، وَالثَّانِي أَن لَا يعْتَقد الْمُطَابقَة ويعتقد عدمهَا (أَو غير مُطَابق) للْوَاقِع (كَذَلِك) أَي مَعَ عدم اعْتِقَاد الْمُطَابقَة، أَو مَعَ عدم اعْتِقَاد عدمهَا. وَقد عرفت أَن الْعَدَم على قسمَيْنِ، فِي المطول تَحْقِيق كَلَامه أَن الْخَبَر إِمَّا مُطَابق للْوَاقِع أَولا، وكل مِنْهُمَا إِمَّا مَعَ اعْتِقَاد أَنه مُطَابق، أَو اعْتِقَاد أَنه غير مُطَابق، أَو بِدُونِ الِاعْتِقَاد: فَهَذِهِ سِتَّة أَقسَام: وَاحِد مِنْهَا صَادِق، وَهُوَ المطابق للْوَاقِع مَعَ اعْتِقَاد أَنه مُطَابق، وَوَاحِد كَاذِب وَهُوَ غير المطابق مَعَ اعْتِقَاد أَنه غير مُطَابق، وَالْبَاقِي لَيْسَ بصادق وَلَا كَاذِب انْتهى (الثَّانِي مِنْهُمَا) أَي من الْقسمَيْنِ، وَهُوَ من الأول المطابق مَعَ عدم اعْتِقَاد الْمُطَابقَة، وَقد عرفت وَجْهي الْعَدَم، وَمن الثَّانِي غير المطابق مَعَ عدم اعْتِقَاد عدم الْمُطَابقَة (لَيْسَ كذبا وَلَا صدقا لقَوْله تَعَالَى حِكَايَة) عَن الْكفَّار {أفترى على الله كذبا أم بِهِ جنَّة} أَي جُنُون (حصروا) أَي الْكفَّار (قَوْله) أَي النَّبِي صلى الله عليه وسلم {إِذا مزقتم كل ممزق إِنَّكُم لفي خلق جَدِيد} - (فِي الْكَذِب وَالْجنَّة فَلَا كذب مَعهَا) أَي الْجنَّة، لأَنهم جَعَلُوهُ قسيم الْكَذِب (وَلم يعتقدوا صدقه) وَهُوَ ظَاهر، ثمَّ هم عقلاء عارفون باللغة، فَيجب أَن يكون من الْخَبَر مَا لَيْسَ صَادِقا وَلَا كَاذِبًا حَتَّى لَا يعابوا فِيمَا بَينهم وَبَين غَيرهم (وَالْجَوَاب حصروه) أَي خَبره (فِي الافتراء تعمد الْكَذِب) عطف بَيَان للافتراء (وَالْجنَّة الَّتِي لَا عمد مَعهَا فَهُوَ) أَي حصرهم (فِي كذب عمد و) كذب (غير عمد) أَي نوعيه المتباينين (أَو) حصروا مَا تلفظ بِهِ (فِي تَعَمّده) أَي الْكَذِب (وَعدم

ص: 28

الْخَبَر) لخلوة عَن الْقَصْد والشعور المعتد بِهِ على مَا هُوَ حَال الْمَجْنُون، والخالي عَنهُ لَيْسَ بِكَلَام فضلا عَن كَونه خَبرا (وَقَول عَائِشَة فِي ابْن عمر من رِوَايَة البُخَارِيّ) حَيْثُ روى عَنهُ صلى الله عليه وسلم

" الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ ". (مَا كذب وَلكنه وهم) إِنَّمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لرجل مَاتَ يَهُودِيّا " أَن الْمَيِّت ليعذب وَأَن أَهله ليبكون عَلَيْهِ " حسن صَحِيح (تُرِيدُ) عَائِشَة بِهِ لم يكذب (عمدا، وَقيل) وَالْقَائِل النظام (الصدْق مُطَابقَة الِاعْتِقَاد) وَإِن كَانَ الِاعْتِقَاد غير مُطَابق للْوَاقِع (وَالْكذب عدمهَا) أَي عدم مُطَابقَة الِاعْتِقَاد وَإِن كَانَ مطابقا للْوَاقِع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فالمطابق) للْوَاقِع (كذب إِذا اعْتقد عدمهَا) أَي الْمُطَابقَة وَلَا وَاسِطَة بَين الصدْق وَالْكذب (لقَوْله تَعَالَى:{وَالله يشْهد أَن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ فِي قَوْلهم} : نشْهد أَنَّك لرَسُول الله) فَإِنَّهُ مُطَابق للْوَاقِع دون اعْتِقَادهم (أُجِيب) بِأَن التَّكْذِيب إِنَّمَا هُوَ (فِي) الحكم الْمَفْهُوم من لفظ (الشَّهَادَة) الدَّال على مُوَافقَة اللِّسَان الْقلب (لعدم المواطأة) أَي مُوَافقَة اللِّسَان الْقلب (أَو فِيمَا تضمنته) الشَّهَادَة (من الْعلم) لكَونه إِخْبَارًا عَن مُعَاينَة يلْزمهَا الْعلم، فَقَوله: أشهد بِكَذَا تضمن أَنِّي أقوله عَن علم، أَو المُرَاد أَنهم قوم شَأْنهمْ الْكَذِب وَإِن صدقُوا فِي هَذِه الشَّهَادَة (والموجب لهَذَا) التَّأْوِيل (وَمَا قبله) من تَأْوِيل قَول عَائِشَة (الْقطع من اللُّغَة) أَي الْقطع الْحَاصِل من تتبعها (بالحكم) صلَة الْقطع (بِصدق) صلَة الحكم (قَول الْكَافِر كلمة الْحق) مقول القَوْل، وَالْمرَاد بهَا الْكَلَام كَقَوْلِه: الْإِسْلَام حق لكَونه مطابقا للْوَاقِع مَعَ أَنه لَا يُطَابق اعْتِقَاده، وَمَا ذكره الْفَرِيقَانِ من الظنون، والقطعي لَا يتْرك بهَا: بل الْأَمر بِالْعَكْسِ (وينقسم) الْخَبَر (بِاعْتِبَار آخر) أَي بِاعْتِبَار إفادته الْقطع بصدقه وَعَدَمه (إِلَى مَا يعلم صدقه ضَرُورَة) أَي علما ضَرُورِيًّا إِمَّا بِنَفسِهِ من غير انضمام غَيره إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمُتَوَاتر فَإِنَّهُ بِنَفسِهِ يُفِيد الْعلم الضَّرُورِيّ بمضمونه، وَإِمَّا بِغَيْرِهِ بِأَن يكون مُتَعَلّقه مَعْلُوما لكل أحد من غير نظر، نَحْو الْوَاحِد نصف الِاثْنَيْنِ (أَو نظرا) أَي علما نظريا (كَخَبَر الله وَرَسُوله) وَأهل الْإِجْمَاع وَخبر من ثَبت بِأَحَدِهِمَا صدقه: بِأَن أخبر الله، أَو رَسُوله، أَو أهل الْإِجْمَاع بصدقه، وَخبر من دلّ الْعقل بالبرهان على صدقه، فَإِن هَذِه كلهَا علم وُقُوع مضمونها بِالنّظرِ، وَالِاسْتِدْلَال: وَهُوَ الْأَدِلَّة القاطعة على صدق الله وَرَسُوله، وعصمة الْأمة عَن الْكَذِب، وَيَتَرَتَّب عَلَيْهَا الْبَاقِي أَو) مَا يعلم (كذبه بمخالفة ذَلِك) أَي مَا علم صدقه ضَرُورَة أَو نظرا أ (وَمَا يظنّ) فِيهِ (أَحدهمَا) أَي صدقه أَو كذبه (كَخَبَر الْعدْل) لرجحان صدقه على كذبه (والكذوب) أَي الَّذِي اعْتَادَ الْكَذِب لرجحان كذبه على صدقه (أَو) مَا (يتساويان) أَي الاحتمالان فِيهِ (كالمجهول) أَي كَخَبَر مَجْهُول الْحَال بِأَن لم يعلم حَاله فِي الْعَدَالَة وَعدمهَا (وَمَا قيل مَا لم يعلم صدقه

ص: 29

يعلم كذبه) وَإِلَّا لنصب على صدقه دَلِيل (كَخَبَر مدعي الرسَالَة) إِذْ لَو كَانَ صَادِقا دلّ عَلَيْهِ بالمعجزة، وَهَذَا مَذْهَب بعض الظَّاهِرِيَّة (بَاطِل للُزُوم ارْتِفَاع النقيضين فِي أَخْبَار مستورين بنقيضين) من غير دَلِيل على صدق أَحدهمَا للُزُوم كذبهما بِمُوجب مَا قيل ويستلزم اجْتِمَاعهمَا، لِأَن كذب كل نقيض يسْتَلْزم صدق الآخر (وَلُزُوم الحكم بِكفْر كثير من الْمُسلمين) الَّذين حَالهم مَسْتُور من حَيْثُ الْعَدَالَة. وَفِي الشَّرْح العضدي، وَأَيْضًا يلْزم الْعلم بكذب كل شَاهد إِذْ لَا يعلم صدقه وَالْعلم بِكفْر كل مُسلم فِي دَعْوَى إِسْلَامه: إِذْ لَا دَلِيل على مَا فِي بَاطِنه، وَذَلِكَ بَاطِل بِالْإِجْمَاع والضرورة (بِخِلَاف أهل ظُهُور الْعَدَالَة) من الْمُسلمين: وهم الَّذين ظَاهر حَالهم الْعَدَالَة فَإِنَّهُ لَا يلْزم الحكم بكفرهم إِذْ ادعوا الْإِسْلَام (لِأَنَّهَا) أَي عدالتهم (دَلِيل) يدل على صدقهم فقد نصب عَلَيْهِ دَلِيل وَهَذَا مَبْنِيّ (على أَن يُرَاد بِالْعلمِ الأول) الْمَذْكُور فِي قَوْله مَالا يعلم صدقه يعلم كذبه (الظَّن) لِأَن ظُهُور الْعَدَالَة دَلِيل يُفِيد الْعلم الظني، وَإِذا تحقق الْعلم الظني لم يتَحَقَّق مَضْمُون مَا لم يعلم فَلَا يتَحَقَّق الْعلم بِالْكَذِبِ وَلَا بُد أَن يحمل قَوْلهم على هَذَا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يرد بِهِ الظَّن بل الْقطع (بَطل خبر الْوَاحِد) لِأَنَّهُ يُفِيد الظَّن، لَا الْقطع فَيدْخل تَحت قَوْلهم: مَا لم يعلم صدقه فَيلْزم كذبه (وَلَا يَقُوله) أَي بطلَان خبر الْوَاحِد المستلزم بطلَان الْعَمَل بِهِ (ظاهري فَلَا يتم إِلْزَام كفر كل مُسلم) كَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب لوُجُود الْعلم الظني بصدقه عِنْد ظُهُور عَدَالَته (وَالْحكم بكذب الْمُدَّعِي) الرسَالَة بِلَا معْجزَة (بدليله) أَي دَلِيل التَّكْذِيب لِأَن الرسَالَة عَن الله تَعَالَى على خلاف الْعَادة وَهِي تقضي بكذب من يَدعِي مَا يُخَالِفهَا بِلَا دَلِيل يدل على صدقه، بِخِلَاف الْأَخْبَار عَن الْأُمُور الْمُعْتَادَة، فَإِن الْعَادة لَا تقضي بكذب من يدعيها بِلَا دَلِيل فَالْقِيَاس فَاسد، ثمَّ الحكم بكذب من يَدعِي الرسَالَة بِلَا دَلِيل قَطْعِيّ، وَالصَّحِيح على مَا ذكره السُّبْكِيّ، وَقيل لَا يقطع بكذبه لتجويز الْعقل صدقه، قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغير خَافَ أَن المُرَاد مدعيها قبل نَبينَا صلى الله عليه وسلم (و) يَنْقَسِم الْخَبَر (بِاعْتِبَار آخر) أَي السَّنَد (إِلَى متواتر وآحاد فالمتواتر) لُغَة المتتابع على التَّرَاخِي، وَاصْطِلَاحا (خبر جمَاعَة يُفِيد الْعلم، لَا بالقرائن الْمُنْفَصِلَة) عَنهُ فبقيد جمَاعَة خرج خبر الْفَرد، وبإفادة الْعلم خبر آحَاد هِيَ جمَاعَة غير أَنه لَا يُفِيد الْعلم، وبنفي الْقَرَائِن الْمُنْفَصِلَة خرج مَا يُفِيد الْعلم من خبر جمَاعَة بِسَبَب دلَالَة الْعقل كإخبارهم بِأَن النَّفْي وَالْإِثْبَات لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان، أَو بِسَبَب مُوَافَقَته لخَبر الله أَو خبر رَسُوله، أَو بِدلَالَة الْحس من مُشَاهدَة حَالهم كَمَا إِذا أخبروا عَن عطشهم وَعَن جوعهم، وآثار ذَلِك مُعَاينَة فيهم، أَو أخبروا عَن موت أَبِيهِم مثلا مَعَ شقّ الْجُيُوب، وَضرب الخدود، والتفجع عَلَيْهِ، وَهَذِه الْقَرَائِن الَّتِي احترزوا عَنْهَا (بِخِلَاف مَا يلْزم) من الْقَرَائِن (نَفسه) أَي نفس الْخَبَر مثل الهيئات الْمُقَارنَة لَهُ، الْمُوجبَة لتحَقّق مضمونه (أَو الْمخبر) مثل كَونه موسوما

ص: 30

بِالصّدقِ مباشرا لِلْأَمْرِ الَّذِي أخبر بِهِ، كَذَا ذكره الشَّارِح. وَفِيه أَن عدم الْمُبَاشرَة من غير الْقَرَائِن الْمُنْفَصِلَة، ومعاينة آثَار الْجُوع والعطش من الْمُنْفَصِلَة لحكم (أَو الْمخبر عَنهُ) أَي الْوَاقِعَة الَّتِي أخبروا عَن وُقُوعهَا ككونها أمرا مترقبا قريب الْوُقُوع، فَإِن حُصُول الْعلم بِمَعْرِِفَة مثل هَذِه الْقَرَائِن لَا يقْدَح فِي التوتر، وَفِي الشَّرْح العضدي أَو الْمخبر بِفَتْح الْبَاء، وَفَسرهُ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ بالسامع الَّذِي ألقِي إِلَيْهِ الْخَبَر وَلم يذكرهُ المُصَنّف، وَلَا يبعد أَنه عده من الْمُنْفَصِلَة (وَعنهُ) أَي عَمَّا ذكر من هَذَا النَّوْع من الْقَرَائِن (يتَفَاوَت عدده) أَي الْمُتَوَاتر كَمَا إِذا كَانَ المخبرون موسومين بِالصّدقِ وَالْعدْل يحصل الْعلم بِإِخْبَار عدد أقل من عدد الموسومين، بِخِلَاف ذَلِك (ومنعت السمنية) بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم: فرقة من عَبدة الْأَصْنَام، ذكره الْجَوْهَرِي. وَفِي شرح البديع، وهم طَائِفَة منسوبة إِلَى سومنان بلد مَشْهُور بِالْهِنْدِ، والبراهمة وهم طَائِفَة لَا يجوزون على الله بعثة الرُّسُل (إفادته) أَي الْخَبَر (الْعلم، وَهُوَ) أَي مَنعهم (مُكَابَرَة لأَنا نقطع بِوُجُود نَحْو مَكَّة والأنبياء وَالْخُلَفَاء) بالأخبار المتواترة كَمَا يقطع بالمحسوسات بالإحساس (وتشكيكهم) أَي السمنية فَمَا هُوَ مَبْنِيّ إفادته الْعلم من اتِّفَاق الجم الْغَفِير على خبر وَاحِد (بِأَنَّهُ) أَي الِاجْتِمَاع الْمَذْكُور كاشتهاء الْكل طَعَاما وَاحِدًا. وَفِي بعض النّسخ (كَأَكْل الْكل طَعَاما) وَهُوَ مُمْتَنع (وَأَن الْجَمِيع) أَي وَبِأَن الْجَمِيع مركب (من الْآحَاد، وكل) مِنْهُم (لَا يعلم خَبره) أَي لَا يُفِيد الْعلم (فَكَذَا الْكل) وَإِلَّا يلْزم انقلاب الْمَاهِيّة (وبلزوم تنَاقض المعلومين) المتناقضين (إِذا أخبر جمعان) بلغ كل مِنْهُمَا عدد التَّوَاتُر (كَذَلِك) بِأَن يُفِيد خبر كل مِنْهُمَا الْعلم بِنَفسِهِ (بهما) صلَة أخبر: أَي بذينك المعلومين المتناقضين كَمَا إِذا أخْبرك أَحدهمَا بِمَوْت زيد فِي وَقت معِين وَالْآخر بحياته فِي ذَلِك الْوَقْت (و) يلْزم (صدق الْيَهُود فِي) نقلهم عَن مُوسَى عليه السلام (لَا نَبِي بعدِي). وَقد ثَبت خِلَافه بالأدلة القطعية (و) بِلُزُوم (عدم الْخلاف) فِي إفادته الْعلم بِنَاء على دَعْوَى الضَّرُورَة فِي الْعلم الَّذِي يفِيدهُ (وبأنا نفرق بَينه) أَي بَين الْعلم الَّذِي يفِيدهُ الْمُتَوَاتر (و) بَين (غَيره من الضروريات ضَرُورَة) أَي فرقا بديهيا حَتَّى لَو عرضنَا على أَنْفُسنَا وجود جالينوس، وَكَون الْوَاحِد نصف الِاثْنَيْنِ وجدنَا الثَّانِي أقرب من الأول بِالضَّرُورَةِ، وَلَو كَانَ الْحَاصِل بالتواتر علما ضَرُورِيًّا لما اخْتلفَا فِي الْجَزْم، لِأَن الِاخْتِلَاف فِيهِ لتطرق احْتِمَال النقيض وَهُوَ غير مُمكن فِيهَا. ثمَّ قَوْله تشكيكهم بِكَذَا وَكَذَا مُبْتَدأ خَبره (تشكيك فِي ضَرُورَة) أَي فِي أَمر بديهي، فَلَا يسْتَحق الْجَواب (وأبعدها) أَي التشكيكات (الأول) وَهُوَ التَّشْبِيه بالِاتِّفَاقِ على أكل طَعَام وَاحِد، إِذْ سَبَب الِاخْتِلَاف فِيهِ اخْتِلَاف الأمزجة والشهوات، وَلم يتَحَقَّق مَا يُوجب الِاخْتِلَاف فِي بعض الْأَخْبَار (وَإِنَّمَا خيل) ذَلِك (فِي الْإِجْمَاع عَن) دَلِيل (ظَنِّي)

ص: 31

كَمَا سَيَأْتِي مَعَ جَوَابه فِي بَاب الْإِجْمَاع (وَاخْتِلَاف حَال الْجُزْء وَالْكل ضَرُورِيّ) أَلا ترى مَا فِي مَجْمُوع طاقات الْحَبل من الْقُوَّة وَمَا فِي طَاقَة أَو طاقتين من الضعْف إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى، وَلَا يلْزم الانقلاب بِسَبَب كَون كل من الْآحَاد غير مُفِيد للْعلم، وَكَون الْكل مُفِيدا لعدم اتِّحَاد مُتَعَلق النَّفْي وَالْإِثْبَات، وَلم يقل وَالثَّانِي لظُهُوره، وَلقَوْله (وَالثَّالِث) أَي تَوَاتر الْخَبَرَيْنِ المتناقضين (مُمْتَنع) عَادَة وَإِن كَانَ مُمكنا ذاتا (وأخبار الْيَهُود آحَاد الأَصْل) يَكْفِي للمانع احْتِمَال كَونه آحَاد الأَصْل، على أَنه ثَبت بِالنَّقْلِ أَن بخْتنصر قَتلهمْ بِحَيْثُ قلوا وَلم يبْق فيهم عدد التَّوَاتُر. وَقد شَرط فِي التَّوَاتُر اسْتِوَاء الطَّرفَيْنِ وَالْوسط فِي الْكَثْرَة الَّتِي يحصل بهَا التَّوَاتُر، وَهَذَا هُوَ الرَّابِع (وَقد يُخَالف فِي الضَّرُورِيّ مكابر كالسوفسطائية) فَإِن مِنْهُم من يُنكر ثُبُوت حقائق الْأَشْيَاء وَيَقُول أَنَّهَا خيالات بَاطِلَة، وهم العنادية، وَمِنْهُم من يزْعم أَنَّهَا تَابِعَة للاعتقادات لَو اعْتقد المعتقد الْعرض جوهرا وَبِالْعَكْسِ، فَالْأَمْر كَمَا اعْتقد، وهم العندية، وَمِنْهُم من يُنكر الْعلم بِثُبُوت شَيْء وَلَا ثُبُوته وَيَزْعُم أَنه شَاك وشاك فِي أَنه شَاك، وهلم جرا وهم اللاأدرية وَالْحق أَنهم لَا يسْتَحقُّونَ الْجَواب، بل يقتلُون ويضربون، وَيُقَال لَهُم لَا تجزعوا فَإِنَّهُ لَا ثُبُوت لشَيْء، وسوفسطا: اسْم للحكمة المموهة وَالْعلم المزخرف، وَيُقَال سفسط فِي الْكَلَام إِذْ هذى، وَهَذَا الْخَامِس (وَالْفرق) بَين الْعلم الْحَاصِل بالتواتر وَغَيره من الضروريات إِنَّمَا هُوَ (فِي السرعة للِاخْتِلَاف فِي الْجلاء والخفاء) للتفاوت فِي الْألف، وَالْعَادَة، والممارسة، والأخطار بالبال، وتصورات أَطْرَاف الْأَحْكَام (لَا) لاخْتِلَاف (فِي الْقطع) بِوَاسِطَة احْتِمَال النقيض، فَانْتفى التشكيك السَّادِس أَيْضا. (ثمَّ الْجُمْهُور) من الْفُقَهَاء والمتكلمين (على أَن ذَلِك الْعلم ضَرُورِيّ، والكعبي وَأَبُو الْحُسَيْن) قَالَا هُوَ (نَظَرِي وَتوقف الْآمِدِيّ قَالُوا) أَي النظريون (يحْتَاج) الْعلم الْحَاصِل بِهِ (إِلَى المقدمتين) هما (الْمخبر عَنهُ محسوس فَلَا يشْتَبه) بِخِلَاف الْعقلِيّ فَإِنَّهُ قد يشْتَبه كحدوث الْعَالم على الفلاسفة (وَلَا دَاعِي لَهُم) أَي للمخبرين (إِلَى الْكَذِب) من جلب مَنْفَعَة أَو دفع مضرَّة (وكل مَا هُوَ كَذَلِك) أَي محسوس لَا دَاعِي لمخبر بِهِ إِلَى الْكَذِب (صدق) فَهَذَا الْمخبر صدق (قُلْنَا احْتِيَاجه) أَي الْعلم الْحَاصِل بِهِ (إِلَى سبق الْعلم بذلك) أَي المقدمتين وترتيبهما (مَمْنُوع فَإنَّا نعلم علمنَا بِوُجُود بَغْدَاد من غير خطور شَيْء من ذَلِك) بالبال (فَكَانَ) الْعلم الْحَاصِل بِهِ (مخلوقا عِنْده) أَي الْخَبَر الْمُتَوَاتر لسامعه (بِالْعَادَةِ وَإِمْكَان صُورَة التَّرْتِيب) للمقدمتين فِيهِ (لَا يُوجب النظرية لإمكانه) أَي ترتيبهما (فِي أجلى البديهيات كالكل أعظم من جزئه) بِأَن يُقَال للْكُلّ جُزْء آخر، والمركب من الشَّيْء وَغَيره أعظم من ذَلِك الشَّيْء (ومرجع) كَلَام (الْغَزالِيّ) حَيْثُ قَالَ فِي المستقصى الْعلم الْحَاصِل بالتواتر ضَرُورِيّ بِمَعْنى أَنه لَا يحْتَاج إِلَى

ص: 32

الشُّعُور بتوسط وَاسِطَة مفضية إِلَيْهِ مَعَ أَن الْوَاسِطَة حَاضِرَة فِي الذِّهْن وَلَيْسَ ضَرُورِيًّا بِمَعْنى أَنه حَاصِل من غير وَاسِطَة كَقَوْلِنَا الْمَوْجُود لَا يكون مَعْدُوما فَإِنَّهُ لَا بُد فِيهِ من حُصُول مقدمتين إِحْدَاهمَا أَن هَؤُلَاءِ مَعَ كثرتهم وَاخْتِلَاف أَحْوَالهم لَا يجمعهُمْ على الْكَذِب جَامع. وَالثَّانيَِة أَنهم قد اتَّفقُوا على الْأَخْبَار عَن الْوَاقِعَة، لكنه لَا يفْتَقر إِلَى تَرْتِيب المقدمتين بِلَفْظ منظوم، وَلَا إِلَى الشُّعُور بتوسطهما أَو إفضائهما إِلَيْهِ (إِلَى أَنه) أَي الْخَبَر الْمُتَوَاتر (من قبيل القضايا الَّتِي قياساتها مَعهَا) كالعشرة نصف الْعشْرين (وَظهر) من قَوْلنَا نعلم علمنَا بِوُجُود بَغْدَاد إِلَى آخِره (عَدمه) أَي عدم كَونه من ذَلِك الْقَبِيل (قَالُوا) أَي المنكرون لضرورته (لَو كَانَ ضَرُورِيًّا علم ضروريته بِالضَّرُورَةِ) إِذْ الْعلم ببداهة الْعلم الْحَاصِل بِلَا نظر لَازم (فَلم يخْتَلف فِيهِ) لَكِن اخْتلف فِيهِ فَلَيْسَ ضَرُورِيًّا (قُلْنَا) معَارض بِأَنَّهُ (لَو كَانَ نظريا علم نظريته بِالضَّرُورَةِ) لمثل مَا ذكر (والحل) لمادة الشُّبْهَة (لَا يلْزم من حُصُول الْعلم الضَّرُورِيّ الشُّعُور بِصفتِهِ) الَّتِي هِيَ الضَّرُورَة، لِأَن تصور الْمَوْصُوف لَا يسْتَلْزم تصور الصّفة وَلَا التَّصْدِيق وجود التَّصْدِيق بثبوتها لَهُ (وَلَا يخفى أَنهم) أَي المنكرين للضَّرُورَة (لم يلزموا) المثبتين لَهَا (من الشُّعُور بِهِ) أَي بِالْعلمِ (الشُّعُور بِصفتِهِ) أَي بِصفة الْعلم (بل ألزموا كَون الْعلم بهَا) أَي بِصفتِهِ (ضَرُورِيًّا وَلَا يلْزم من كَونه) أَي الْعلم بهَا (ضَرُورِيًّا الشُّعُور بِهِ) أَي بِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا (بل الضَّرُورَة) أَي كَون الشَّيْء ضَرُورِيًّا (لَا تَسْتَلْزِم الْحُصُول) أَي حُصُول ذَلِك الشَّيْء فِي الْعقل وتصوره (بِوَجْه) مَا، لِأَن معنى كَونه ضَرُورِيًّا كَونه بِحَيْثُ لَا يحْتَاج إِلَى نظر (إِذْ يتَوَقَّف) الشُّعُور بِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا (على توجه النَّفس وتطبيق مَفْهُوم الضَّرُورِيّ الْمَشْهُور) أَي كَونه لَا يتَوَقَّف على نظر وَكسب (وَلَيْسَ المتوقف على ذَلِك) أَي التَّوَجُّه والتطبيق الْمَذْكُورين (نظريا) وَهُوَ ظَاهر (بل الْجَواب منع انْتِفَاء التَّالِي) فِي قَوْلهم: لَو كَانَ ضَرُورِيًّا علم ضروريته بِالضَّرُورَةِ والتالي: أَي لَكنا لَا نعلم كَونه ضَرُورِيًّا بِالضَّرُورَةِ مُنْتَفٍ فحاصل الْمَنْع أَنا لَا نسلم أَنه لَا نعلم ذَلِك بل هُوَ ضَرُورِيّ، ونعلم ضروريته على تَقْدِير التَّوَجُّه والتطبيق فَلم يخْتَلف (وَقد مر مثله) حَيْثُ قَالَ فِي فصل حجية السّنة ضَرُورِيَّة دينية، وَلَو أورد كَذَا الْحَاصِل ضَرُورَة يلْزمه إِلَى آخِره (وَالْحق أَن الضَّرُورَة لَا توجب عدم الِاخْتِلَاف فقد ينشأ) الِاخْتِلَاف لموجب (لَا من جهل الْمَفْهُوم) جهلا محوجا إِلَى النّظر. وَفِي بعض النّسخ لَا من جِهَة الْمَفْهُوم (بل من الْغَلَط بِظَنّ كل مُتَوَقف) علمه على الْعلم بِشَيْء آخر نظريا، وَهَذَا الظَّن غلط (وَقد انتظم الْجَواب) وَهُوَ قَوْله قَلما احْتِيَاجه إِلَى سبق الْعلم بذلك مَمْنُوع (دَلِيل الْمُخْتَار) وَهُوَ أَنه ضَرُورِيّ: يَعْنِي أَنه لم يذكر

ص: 33

للمختار دَلِيلا على حِدة، لَكِن الْجَواب الْمَذْكُور للرَّدّ على المنكرين صَار دَلِيلا لَهُ، فَقَوله دَلِيل الْمُخْتَار حَال من فَاعل انتظم (وشروط الْمُتَوَاتر) الصَّحِيحَة فِي المخبرين ثَلَاثَة: أَحدهَا (تعدد النقلَة بِحَيْثُ يمْنَع التواطأ عَادَة) على الْكَذِب (و) ثَانِيهَا (الِاسْتِنَاد) فِي إخبارهم (إِلَى الْحس) أَي إِحْدَى الْحَواس الْخمس لَا إِلَى الْعقل لما سبق (وَلَا يشْتَرط) الِاسْتِنَاد إِلَى الْحس (فِي كل وَاحِد). وَفِي الشَّرْح العضدي لِأَنَّهُ لَا يمْتَنع أَن يكون بعض المخبرين مُقَلدًا فِيهِ أَو ظَانّا أَو مجازفا. وَقَالَ السُّبْكِيّ: وَعِنْدِي هُنَا وَقْفَة (و) ثَالِثهَا (اسْتِوَاء الطَّرفَيْنِ وَالْوسط فِي ذَلِك) التَّعَدُّد والاستناد، لِأَن أهل كل طبقَة بعد الطَّبَقَة الأولى كالأولى فِيمَا يشْتَرط لإِفَادَة الْعلم (وَالْعلم بهَا) أَي بِهَذِهِ الشُّرُوط (شَرط الْعلم) الْحَاصِل (بِهِ) أَي بالْخبر الْمُتَوَاتر (عِنْد من جعله) أَي الْعلم الْمَذْكُور (نظريا) لِأَنَّهُ الطَّرِيق إِلَيْهِ (وَعِنْدنَا) الْعلم بِالشُّرُوطِ (بعده) أَي بعد الْعلم الْحَاصِل بِهِ (عَادَة) يَعْنِي جرت الْعَادة بِأَن هَذَا الْعلم يحصل بعده غَالِبا من غير أَن يكون لَهُ مُوجب عَقْلِي (وَقد لَا يلْتَفت إِلَيْهَا) أَي الشُّرُوط لذهوله عَنْهَا (وَلَا يتَعَيَّن عدد) مَخْصُوص يتَوَقَّف عَلَيْهِ حُصُول التَّوَاتُر (وَقيل) يتَعَيَّن (أقلهم خَمْسَة) لِأَن الْأَرْبَعَة بَيِّنَة شَرْعِيَّة فِي الزِّنَا يجب تزكيتهم لإِفَادَة خبرهم الظَّن بِالْإِجْمَاع، إِذْ لَو أفادت الْعلم لما احْتَاجَت إِلَى التَّزْكِيَة (و) قيل أقلهم (اثْنَا عشر) كعدد نقباء بني إِسْرَائِيل المبعوثين طَلِيعَة إِلَى الْجَبَابِرَة والكنعانيين بِالشَّام، وَإِنَّمَا كَانَ اخْتِيَار هَذَا الْعدَد لإِفَادَة الْعلم (و) قيل (وَعِشْرُونَ) لقَوْله تَعَالَى - {إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ} - الْآيَة (و) قيل (أَرْبَعُونَ) لقَوْله تَعَالَى - {حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ} - وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رجلا كَلمهمْ عمر رضي الله عنه وَلَا يخفى مَا فِي الِاسْتِدْلَال بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ (و) قيل (سَبْعُونَ) لقَوْله تَعَالَى - {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا لِمِيقَاتِنَا} - أَي للاعتذار إِلَيْهِ من عبَادَة الْعجل وسماعهم كَلَامه من أَمر وَنهي ليخبروا قَومهمْ بِمَا يسمعونه، وَكَانَ اخْتِيَار هَذَا الْعدَد لإِفَادَة الْعلم، وَذكر الشَّارِح أقوالا أخر تَركهَا المُصَنّف، وَقد أحسن فِيهِ فتركناه (و) قيل (مَا لَا يُحْصى وَمَا لَا يحصرهم بلد) فَيمْتَنع تواطؤهم على الْكَذِب، وَالْكل غير صَحِيح (وَالْحق عَدمه) أَي عدم تعْيين عدد مَخْصُوص (لقطعنا بقطعنا بمضمونه) أَي الْخَبَر الْمُتَوَاتر (بِلَا علم مُتَقَدم بِعَدَد) مَخْصُوص، وَإِنَّمَا قيد الْعلم الْمَنْفِيّ بِوَصْف التَّقَدُّم بِنَاء (على النظرية) أَي على قَول الْقَائِلين بِأَنَّهُ يُفِيد علما نظريا، فَإِنَّهُم يعتبرون فِي طَرِيق ذَلِك الْعلم بِالْعدَدِ الْمَخْصُوص، هَكَذَا هَذَا خبر أخبرهُ عدد كَذَا، وكل مَا يكون كَذَلِك صدقا لِامْتِنَاع تواطؤ هَذَا الْعدَد على الْكَذِب (وَلَا) علم (مُتَأَخّر) بِعَدَد مَخْصُوص بِنَاء (على) قَول (الضرورية) أَي الْقَائِلين بِأَنَّهُ يُفِيد علما ضَرُورِيًّا، فَإِنَّهُم يَقُولُونَ أَن الْعلم بِعَدَد المخبرين

ص: 34

بِحَيْثُ يمْنَع التواطؤ عَادَة كَمَا مر آنِفا يحصل عَادَة بعد حُصُول الْعلم بمضمون الْخَبَر، وَيرد عَلَيْهِ أَن حَاصِل هَذَا التَّعْلِيل عدم لُزُوم الْعلم بِعَدَد مَخْصُوص مُتَقَدما ومتأخراً لَا عدم تعين عدد مَخْصُوص فِي نفس الْأَمر، وَقَوله وَالْحق عَدمه يدل على هَذَا وَالْجَوَاب أَن الْعلم بِالْعدَدِ الْمَخْصُوص إِذا لم يتَوَقَّف عَلَيْهِ إِفَادَة الْخَبَر الْمُتَوَاتر الْعلم، وَلَا يلْزم حُصُوله بهَا بعْدهَا، فَمن أَيْن يعلم توقفها على نفس ذَلِك الْعدَد، على أَنه يدل على نفي توقفها عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر قَوْله (وللعلم باختلافه) أَي اخْتِلَاف حَال الْخَبَر الْمُتَوَاتر بِاعْتِبَار الْعدَد (بِحُصُول الْعلم مَعَ عدد) خَاص (فِي مَادَّة وَعَدَمه) أَي عدم حُصُوله (فِي) مَادَّة (أُخْرَى مَعَ) عدد (مثله) أَي مثل ذَلِك الْعدَد الْخَاص، فَلَو كَانَ الْمدَار خُصُوص الْعدَد كَانَ يحصل الْعلم فِي الْمَادَّة الْأُخْرَى أَيْضا، وَقد يُقَال تعين الْعدَد الْخَاص لَيْسَ بِمَعْنى كَونه مناطا للعدم بل بِمَعْنى كَونه شرطا لَهُ فَيجوز أَن يكون عدم حُصُول الْعلم فِي الْمَادَّة الْأُخْرَى لفَوَات شَرط آخر فَتَأمل (فَبَطل) بِهَذَا (قَول أبي الْحُسَيْن وَالْقَاضِي: كل خبر عدد أَفَادَ علما) بمضمونه لشخص (فَمثله) أَي فَمثل ذَلِك الْخَبَر بِاعْتِبَار عدده (يفِيدهُ) أَي علما بمضمونه (فِي غَيره) أَي غير ذَلِك الشَّخْص، لزعمهما أَن منَاط إِفَادَة الأول للْعلم إِنَّمَا هُوَ الْعدَد الْخَاص، والاشتراك فِي المناط يسْتَلْزم الِاشْتِرَاك فِي الحكم، ثمَّ بَين منشأ اخْتِلَاف حَاله بقوله (للِاخْتِلَاف فِي لَوَازِم مَضْمُون الْخَبَر من قربه) أَي قرب الْخَبَر من وَقت وُقُوع الْمَضْمُون (وَبعده) عَنهُ (وأطرافه) أَي الْخَبَر أَو الْمَضْمُون: يَعْنِي الْأُمُور الْمُتَعَلّقَة والقرائن الدَّالَّة على الْوُقُوع، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد الْمخبر عَنهُ وَبِه (وَمن ممارسة المخبرين) يُقَال مارسه: أَي عالجه وزاوله، وَالْمرَاد كَمَال اطلاعهم (بمضمونه وَالْعلم) أَي علم السَّامع (بأمانتهم وضبطهم وَحسن إِدْرَاك المستمعين) وَقد عرفت مِمَّا سبق أَن هَذِه الْأُمُور مِمَّا يلْزم نفس الْخَبَر أَو الْمخبر أَو الْمخبر عَنهُ وَلَيْسَت من الْقَرَائِن الْمُنْفَصِلَة الَّتِي احْتَرز عَنْهَا فِي تَعْرِيف الْمُتَوَاتر (إِلَّا أَن يُرَاد مَعَ التَّسَاوِي) اسْتثِْنَاء من عُمُوم قَول أبي الْحُسَيْن وَالْقَاضِي بِاعْتِبَار حكم الْبطلَان: يَعْنِي أَن حكمهمَا بِكَوْن الْمثل مشاركا لما هُوَ مثل لَهُ فِي الإفادة للْعلم على الْإِطْلَاق بَاطِل إِلَّا أَن يُرَاد كَون الْخَبَرَيْنِ مماثلين فِي الْعدَد منع التَّسَاوِي بَينهمَا فِي ذاتيتهما ومخبريهما من كل وَجه، فَإِن كَانَ المُرَاد هَذَا (فَصَحِيح) حِينَئِذٍ قَوْلهمَا، لَكِن التَّسَاوِي من كل الْوُجُوه (بعيد) جدا لعدم مثل هَذَا التَّسَاوِي عَادَة (وَفِي الْوُقُوع) مَعْطُوف على قَوْله فِي لَوَازِم، يَعْنِي أَن الِاخْتِلَاف كَمَا هُوَ ثَابت بِاعْتِبَار اللوازم، وَذَلِكَ يُفِيد معقولية الِاخْتِلَاف فِي إِفَادَة الْعلم كَذَلِك ثَابت بِاعْتِبَار الْوُقُوع كَمَا أَفَادَهُ بقوله بِحُصُول الْعلم مَعَ عدد فِي مَادَّة وَعَدَمه فِي أُخْرَى مَعَ عدد مثله وَذَلِكَ يُفِيد إِجْمَالا أَن لَهُ مُوجبا فِي نفس الْأَمر (وَأما شُرُوط الْعَدَالَة وَالْإِسْلَام كَيْلا يلْزم تَوَاتر) خبر (النَّصَارَى بقتل الْمَسِيح) وَهُوَ بَاطِل بقوله تَعَالَى - {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صلبوه} -

ص: 35

وَإِجْمَاع الْمُسلمين (فساقط كشروط الْيَهُود أهل الذلة) أَي وجود أهل الذلة والمسكنة فِي المخبرين (لخوفهم المواطأة) على الْكَذِب إِذا لم يكن فيهم هَؤُلَاءِ بِأَن كَانَ الْكل من الأكابر لعدم خوفهم من الْمُؤَاخَذَة على الْكَذِب لعزتهم وجاههم، وَقد يُقَال وجود الأذلة بَين المخبرين يُورث وَهنا فِي الْخَبَر لاحْتِمَال أَن يكون إخبارهم لتبعية الأكابر كَمَا هُوَ الْمُعْتَاد من حَالهم، أما سُقُوط الأول فلعدم تحقق الشَّرْط الْمُتَّفق عَلَيْهِ: وَهُوَ اسْتِوَاء الطَّرفَيْنِ وَالْوسط فِي الْعدَد (وخبرهم آحَاد الأَصْل) لأَنهم كَانُوا قليلين فِي ابْتِدَاء أَمرهم جدا، وَقد يُقَال سُقُوطه لِأَن الْمَسِيح شبه لَهُم فَقَتَلُوهُ بِنَاء على اعْتِقَادهم أَنه هُوَ كَمَا قَالَ - {وَلَكِن شبه لَهُم} - وَأما سُقُوط الثَّانِي فَلَمَّا ذكرنَا، ولحصول الْعلم بِإِخْبَار العظماء إِذا كَانَ عَددهمْ بِحَيْثُ يَسْتَحِيل تواطؤهم على الْكَذِب عَادَة فَلَا يضر بعد ذَلِك عدم وجود الأذلة (وينقسم) الْمُتَوَاتر (إِلَى مَا يُفِيد الْعلم بموضوع) صلَة الْعلم: أَي بِمَعْنى مَدْلُول عَلَيْهِ بِوَاسِطَة الْوَضع مُطَابقَة أَو تضمنا أَو التزاما (فِي أَخْبَار الْآحَاد) وَفِي بعض النّسخ الْعدَد بدل الْآحَاد، وَمثل الشَّارِح الْمَوْضُوع بالأمكنة النائية والأمم الخالية، وَلَا يظْهر وَجه التَّسْمِيَة بموضوع وَلَا يُنَاسِبه قَوْله (وَغير مَوْضُوع فِي شَيْء مِنْهَا) أَي أَخْبَار الْآحَاد (بل يعلم) هَذَا الَّذِي هُوَ غير مَوْضُوع فِي شَيْء مِنْهَا للسامع (عِنْدهَا) أَي الْأَخْبَار الْمَذْكُورَة (بِالْعَادَةِ كأخبار عَليّ) رضي الله عنه فِي الحروب (وَعبد الله بن جَعْفَر) فِي الْعَطاء (يحصل عِنْدهَا) أَي أخبارهما (يدل على السجية) أَي الملكة النفسية: يَعْنِي الشجَاعَة والسخاء (ضمنا إِذْ لَيْسَ الْجُود جُزْء مَفْهُوم إِعْطَاء آلَاف، وَلَا الشجَاعَة جُزْء مَفْهُوم قتل آحَاد مخصوصين) لِأَن الشجَاعَة ملكة نفسانية تَقْتَضِي اعْتِدَال الْقُوَّة الغضبية (وَلَا) يدل على السجية (التزاما إِلَّا بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ) للالتزام (لجَوَاز تعقل قَائِل ألفا بِلَا خطور معنى الشجَاعَة) تَعْلِيل لنفي دلَالَة الِالْتِزَام بِالْمَعْنَى الْأَخَص، وَهُوَ كَون الدَّال بِحَيْثُ يلْزم من تعقله تعقل الْمَدْلُول، وَأما وجود دلَالَة الِالْتِزَام بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ فَلِأَنَّهُ إِذا تصور مُقَابلَة الْألف وَمَفْهُوم الشجَاعَة وَطلب الْمُلَازمَة بَينهمَا حكم بهَا، فِي الشَّرْح العضدي إِذا كثرت الْأَخْبَار فِي الوقائع وَاخْتلفت فِيهَا لَكِن كل وَاحِد مِنْهَا يشْتَمل على معنى مُشْتَرك بَينهَا بِجِهَة التضمن أَو الِالْتِزَام حصل الْعلم بِالْقدرِ الْمُشْتَرك وَيُسمى الْمُتَوَاتر من جِهَة الْمَعْنى، وَذَلِكَ كوقائع حَاتِم فِيمَا يحْكى من عطاياه من فرس وابل وَعين وثوب فَإِنَّهَا تَتَضَمَّن جوده فَيعلم، وَإِن لم يعلم شَيْء من تِلْكَ القضايا بِعَيْنِه، وكوقائع عَليّ رضي الله عنه فِي حروبه أَنه هدم فِي خَيْبَر كَذَا وَفعل فِي أحد كَذَا إِلَى غير ذَلِك، فَإِنَّهُ يدل بالالتزام على شجاعته وَقد تَوَاتر مِنْهُ ذَلِك وَأَن كَانَ شَيْء من تِلْكَ الوقائع لم يبلغ دَرَجَة الْقطع انْتهى. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ قَوْله فَإِنَّهَا تَتَضَمَّن جوده يُشِير إِلَى أَن الأول مِثَال للتضمن،

ص: 36

وَالثَّانِي للالتزام، أما الِالْتِزَام فَظَاهر، وَأما التضمن فَلِأَن الْجُود لما كَانَ إِفَادَة مَا يَنْبَغِي لَا لعوض كَانَ جُزْءا من كل إِعْطَاء مَخْصُوص، وَهَذَا بِالنّظرِ إِلَى الظَّاهِر، وَإِلَّا فالجود صفة فِي النَّفس هِيَ مبدأ تِلْكَ الإفادة انْتهى (فَمَا قيل) وَالْقَائِل ابْن الْحَاجِب إِذا اخْتلف الْمُتَوَاتر فِي الوقائع (الْمَعْلُوم مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ بتضمن أَو الْتِزَام تساهل) إِذْ قد عرفت أَنه لَيْسَ فِي الْقسم الثَّانِي تضمن وَلَا الْتِزَام، وَفِي الْقسم الأول تتَحَقَّق الدلالات الثَّلَاث، لَكِن قد يُرَاد بالالتزام الْمَعْنى الْأَعَمّ (وَأما الْآحَاد فخبر لَا يُفِيد بِنَفسِهِ الْعلم) سَوَاء لم يفد أصلا أَو يفِيدهُ بالقرائن الْمُنْفَصِلَة، فَلَا وَاسِطَة بَين الْمُتَوَاتر وَخبر الْآحَاد، وَهَذَا التَّعْرِيف لَا يتم على قَول أَحْمد: خبر الْوَاحِد يُفِيد الْعلم بِنَفسِهِ مطردا، وعَلى قَول بَعضهم يُفِيد غير مطرد وَسَيَأْتِي (وَقيل مَا يُفِيد الظَّن، وَاعْترض بِمَا لم يفده، وَدفع بِأَنَّهُ) أَي الْخَبَر الَّذِي لم يفده (لَا يُرَاد) دُخُوله فِي التَّعْرِيف لِأَنَّهُ غير دَاخل فِي الْمَحْدُود (إِذْ لَا يثبت بِهِ) أَي بِمَا لم يفده (حكم) وَالْمرَاد مَا يُفِيد الحكم وَهل هَذَا يثبت الْوَاسِطَة (وَلَيْسَ) هَذَا الدّفع بِشَيْء (إِذْ ثَبت بالضعيف) أَي بِالْحَدِيثِ الَّذِي ضعفه (بِغَيْر وضع) أَي كذب (الْفَضَائِل وَهُوَ النّدب) وَهُوَ حكم شَرْعِي، وَقد يُقَال: إِذا ثَبت النّدب لزمَه إِفَادَة الظَّن، وَالْكَلَام فِيمَا لَا يفِيدهُ فَلْيَكُن مَادَّة النَّقْض الْخَبَر الْمَوْضُوع، وَحَاصِل الدّفع تَقْيِيد الْمَحْدُود بِمَا يثبت الحكم، وَقد يُقَال ثُبُوت الْفَضَائِل بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف لَا يسْتَلْزم إفادته الظَّن، كَيفَ وإفادة الظَّن وَظِيفَة الصَّحِيح وَالْحسن، بل ثُبُوت مندوبية الْعَمَل بالضعيف: أَي بمضمونه إِنَّمَا هُوَ لرعاية الِاحْتِمَال الْمَرْجُوح أَو الْمسَاوِي رَغْبَة فِي الطَّاعَة وَعدم الْمَانِع عَن الْعَمَل بِهِ لإباحته الْأَصْلِيَّة (وَمِنْه) أَي خبر الْآحَاد (قسم يُسمى المستفيض) وَهُوَ (مَا رَوَاهُ ثَلَاثَة فَصَاعِدا أَو مَا زَاد عَلَيْهَا) أَي الثَّلَاثَة، وَالْمرَاد مَا لم ينْتَه إِلَى التَّوَاتُر، تَركه لظُهُوره بِقَرِينَة التقابل وَغَيره. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ: أقل مَا يثبت بِهِ الاستفاضة اثْنَان. وَقَالَ السُّبْكِيّ وَالْمُخْتَار عندنَا أَن المستفيض مَا يعده النَّاس شَائِعا وَقد صدر عَن أصل (وَالْحَنَفِيَّة) قَالُوا (الْخَبَر متواتر وآحاد ومشهور وَهُوَ) أَي الْمَشْهُور (مَا كَانَ آحَاد الأَصْل متواترا فِي الْقرن الثَّانِي وَالثَّالِث فبينه) أَي الْمَشْهُور (وَبَين المستفيض عُمُوم من وَجه) لصدقهما على مَا رَوَاهُ الثَّلَاثَة فَصَاعِدا مَا لم يتواتر فِي الْقرن الأول ثمَّ تَوَاتر فِي أحد القرنين وانفراد المستفيض إِذا لم ينْتَه فِي أَحدهمَا إِلَى التَّوَاتُر وانفراد الْمَشْهُور فِيمَا رَوَاهُ وَاحِد أَو اثْنَان فِي الأَصْل ثمَّ تَوَاتر فِي الثَّانِي أَو الثَّالِث (وَهُوَ) أَي الْمَشْهُور (قسم من الْمُتَوَاتر عِنْد الْجَصَّاص) فِي جمَاعَة من الْحَنَفِيَّة (وعامتهم) أَي الْحَنَفِيَّة على أَن الْمَشْهُور (قسيم) للمتواتر (فالآحاد مَا لَيْسَ أَحدهمَا) أَي الْمُتَوَاتر وَالْمَشْهُور (والمتواتر عِنْده) أَي الْجَصَّاص (مَا أَفَادَ الْعلم بمضمون الْخَبَر ضَرُورَة أَو نظرا وَهُوَ) أَي مُفِيد الْعلم بمضمونه نظرا (الْمَشْهُور وعَلى هَذَا)

ص: 37

أَي أَن الْمَشْهُور يُفِيد الْعلم نظرا (قيل) الْجَصَّاص (يكفر) جاحده (بجحده)، وعامتهم لَا يكفرونه، وَالْقَائِل صدر الشَّرِيعَة (وَالْحق الِاتِّفَاق على عَدمه) أَي الإكفار كَمَا نَص السَّرخسِيّ (لآحادية أَصله فَلم يكن) جَحده (تَكْذِيبًا لَهُ عليه السلام، بل ضَلَالَة لتخطئة الْمُجْتَهدين) فِي الْقبُول وَاتِّبَاع مُوجبه (وَلِأَن الإفادة) للْعلم (إِذا كَانَت نظرية توقفت عَلَيْهِ) أَي النّظر (وَقد يعجز عَنهُ) النّظر (أَو يذهل عَنهُ، وَحَاصِل ذَلِك النّظر) فِي الْعلم المفاد بالمشهور على قَوْله ثُبُوت (الْإِجْمَاع الْمُتَأَخر) على (أَنه) أَي الْمَشْهُور (صَحَّ عَنهُ صلى الله عليه وسلم فَيلْزم الْقطع بِهِ) أَي الْمَشْهُور (قُلْنَا اللَّازِم) من تلقيهم بِالْقبُولِ (الْقطع بِصِحَّة الرِّوَايَة) لَهُ (بِمَعْنى اجْتِمَاع شَرَائِط الْقبُول لَا الْقطع بِأَنَّهُ) أَي الْمَشْهُور (قَالَه) أَي النَّبِي صلى الله عليه وسلم (وَلَو كَانَ) الْإِجْمَاع الْمُتَأَخر (على) وجوب (الْعَمَل بِهِ) أَي الْمَشْهُور (فَكَذَلِك) أَي لَا يكفر جاحده (لما ذكرنَا من معنى الخفاء) الْمُوجب للعجز أَو الذهول فِي الْبَعْض بِخِلَاف الْمُتَوَاتر فَإِنَّهُ كالمسموع مِنْهُ صلى الله عليه وسلم وتكذيبه كفر (ثمَّ يُوجب) الْمَشْهُور عِنْد عَامَّة الْحَنَفِيَّة (ظنا فَوق) ظن الْخَبَر (الْآحَاد قَرِيبا من الْيَقِين) وَهُوَ مَا سَمَّاهُ الْقَوْم علم طمأنينة لاطمئنان النَّفس وتوطينها وتسكيها عَن مزاجة احْتِمَال النقيض (لمقولية الظَّن) على أَفْرَاده (بالتشكيك) فبعضها أقوى من الْبَعْض (فَوَجَبَ تَقْيِيد مُطلق الْكتاب بِهِ) أَي الْمَشْهُور (كتقييد) مُطلق (آيَة جلد الزَّانِي) الشَّامِل للمحصن وَغَيره (بِكَوْنِهِ) أَي الزَّانِي (غير مُحصن برجم مَاعِز) أَي بِدَلِيل أَنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا من غير جلد كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا (وَقَوله) صلى الله عليه وسلم:

" الثّيّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَة "(ورجم بِالْحِجَارَةِ) ذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَن هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ وَلَا يجمع بَين الْجلد وَالرَّجم، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَرِوَايَة عَن أَحْمد وَيجمع فِي رِوَايَة أُخْرَى عَنهُ، وَأهل الظَّاهِر كَذَلِك، ثمَّ إِن النّسخ إِنَّمَا هُوَ للْجمع بَينهمَا، وأصل الرَّجْم لَيْسَ بمنسوخ فيصلح مُقَيّدا (و) تَقْيِيد مُطلق (صَوْم كَفَّارَة الْيَمين) الشَّامِل للتتابع وَغَيره (بالتتابع بِقِرَاءَة ابْن مَسْعُود) فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات كَمَا مر (لشهرتها) أَي قِرَاءَته (فِي الصَّدْر الأول، وَهُوَ) أَي الشُّهْرَة فِيهِ (الشَّرْط) فِي وجوب تَقْيِيد الْكتاب بِهِ (و) تَقْيِيد (آيَة غسل الرجل) فِي الْوضُوء (بِعَدَمِ التخفف) أَي لبس الْخُف (بِحَدِيث الْمسْح) على الْخُف الْمخْرج فِي الصِّحَاح وَالسّنَن وَالْمَسَانِيد وَغَيرهَا (إِن لم يكن متواترا) قَالَ أَبُو حنيفَة: من أنكر الْمسْح على الْخُفَّيْنِ يخَاف عَلَيْهِ الْكفْر، فَإِنَّهُ ورد فِيهِ من الْأَخْبَار مَا يشبه الْمُتَوَاتر. وَقَالَ أَبُو يُوسُف خبر الْمسْح يجوز نسخ الْكتاب بِهِ لشهرته، وَقد نَص ابْن عبد الْبر على أَنه متواتر، وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ. قَالَ الْكَرْخِي أثبتنا الْكفْر على من لَا يرى الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.

ص: 38