الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسئلة
(إِذا أفتى بَعضهم) أَي الْمُجْتَهدين بمسئلة اجتهادية (أَو قضى) بَعضهم واشتهر بَين أهل عصره وَعرف الْبَاقُونَ: أَي جَمِيع من سواهُ من الْمُجْتَهدين (وَلم يُخَالف) فِي الْفتيا فِي الصُّورَة الأولى، وَفِي الْقَضَاء فِي الصُّورَة الثَّانِيَة (قبل اسْتِقْرَار الْمذَاهب) فِي تِلْكَ الْحَادِثَة وَاسْتمرّ الْحَال على هَذَا (إِلَى مُضِيّ مُدَّة التَّأَمُّل) وَهِي على مَا ذكره القَاضِي أَبُو زيد حِين تبين للساكت الْوَجْه فِيهِ، وَفِي الْمِيزَان وَأَدْنَاهُ إِلَى آخر الْمجْلس: أَي مجْلِس بُلُوغ الْخَبَر، وَقيل يقدر بِثَلَاثَة أَيَّام بعد بُلُوغ الْخَبَر، قيل وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو بكر الرَّازِيّ حَيْثُ قَالَ فَإِذا استمرت الْأَيَّام عَلَيْهِ وَلم يظْهر السَّاكِت خلافًا مَعَ الْعِنَايَة مِنْهُم بِأَمْر الدّين وحراسة الْأَحْكَام علمنَا أَنهم إِنَّمَا لم يظهروا الْخلاف لأَنهم موافقون لَهُ، وَعنهُ أَنه إِنَّمَا يكون دلَالَة على الْمُوَافقَة إِذا انْتَشَر القَوْل وَمَرَّتْ عَلَيْهِ أَوْقَات يعلم فِي مجْرى الْعَادة أَن لَو كَانَ هُنَاكَ مُخَالف لأظهر الْخلاف، وعَلى هَذَا الِاعْتِمَاد (وَلَا تقية) أَي خوف يمْنَع السَّاكِت من الْمُخَالفَة (فَأكْثر الْحَنَفِيَّة) وَأحمد وَبَعض الشَّافِعِيَّة كَأبي إِسْحَاق الاسفراينى أَن هَذَا (إِجْمَاع قَطْعِيّ، وَابْن أبي هُرَيْرَة) من الشَّافِعِيَّة هُوَ فِي الْفتيا (كَذَلِك) أَي إِجْمَاع قَطْعِيّ (لَا فِي الْقَضَاء). قَالَ الشَّارِح ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ والآمدي وَابْن الْحَاجِب وَغَيرهم، وَالَّذِي فِي الْمَحْصُول عَنْهُم إِن كَانَ الْقَائِل حَاكما لم يكن إِجْمَاعًا وَلَا حجَّة، وَإِلَّا فَنعم، وَالْفرق بَين النقلين وَاضح، إِذْ لَا يلْزم من صدوره عَن الْحَاكِم أَن يكون على وَجه الحكم، فقد يُفْتى الْحَاكِم تَارَة وَيقْضى أُخْرَى أهـ. وَلم يظْهر لي فرق بَينهمَا إِذْ الْمُتَبَادر من كَون الْقَائِل أَن يكون حَاكما فِي قَوْله وَالَّذِي يظْهر لي أَن سكوتهم لَا يدل على موافقتهم إِيَّاه لجَوَاز الْقَضَاء بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده وَإِن كَانَ مُخَالفا لرأي غَيره فقضاؤه صَحِيح وَلَيْسَ عَلَيْهِم إِنْكَاره لِأَنَّهُ تَأَكد رَأْيه بِالْقضَاءِ بِخِلَاف الْفتيا فَإِنَّهَا لم تتأكد بِهِ، وَفِيه مَا فِيهِ (وَعَن الشَّافِعِي لَيْسَ بِحجَّة) فضلا عَن أَن يكون إِجْمَاعًا (وَبِه قَالَ ابْن أبان والباقلاني وَدَاوُد وَبَعض الْمُعْتَزلَة) وَالْغَزالِيّ بل ذكر الإِمَام الرَّازِيّ والآمدي أَن هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي والسبكي الْأَكْثَرُونَ من الْأُصُولِيِّينَ نقلوا أَن الشَّافِعِي يَقُول أَن السكوتي لَيْسَ بِإِجْمَاع وَاخْتَارَهُ القَاضِي، وَذكر أَنه آخر أَقْوَاله. قَالَ الْبَاجِيّ وَهُوَ قَول أَكثر الْمَالِكِيَّة، وَالْقَاضِي عبد الْوَهَّاب هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَب أَصْحَابنَا، وَقَالَ ابْن برهَان: إِلَيْهِ ذهب كَافَّة الْعلمَاء: مِنْهُم الْكَرْخِي وَنَصره ابْن السَّمْعَانِيّ وَأَبُو زيد الدبوسي والرافعي أَنه الْمَشْهُور عِنْد الْأَصْحَاب، وَالنَّوَوِيّ أَنه الصَّوَاب (و) قَالَ (الجبائي إِجْمَاع بِشَرْط الانقراض) للعصر وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد وَنَقله ابْن فورك عَن أَكثر أَصْحَاب مذْهبه، والرافعي أَنه أصح الْأَوْجه (ومختار الْآمِدِيّ)
والكرخي والصيرفي وَبَعض الْمُعْتَزلَة كَأبي هَاشم (إِجْمَاع ظَنِّي أَو حجَّة ظنية) وَقيل إِن كَانَ الساكتون أقل كَانَ إِجْمَاعًا وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ مُخْتَار الْجَصَّاص، وَقيل إِن وَقع فِي شَيْء مفوت استدراكه من اراقة دم واستباحة فرج فإجماع وَإِلَّا فحجة، وَذهب الرَّوْيَانِيّ إِلَى هَذَا التَّفْصِيل فِيمَا إِذا كَانَ فِي عصر الصَّحَابَة وَألْحق الْمَاوَرْدِيّ التَّابِعين بالصحابة فِي ذَلِك، وَذكر النَّوَوِيّ أَنه الصَّحِيح. قَالَ (الْحَنَفِيَّة لَو شَرط سَماع قَول كل) من المجمعين (انْتَفَى) الْإِجْمَاع (لتعذره) أَي سَماع قَول كل (عَادَة) قَالَ السَّرخسِيّ: إِذْ لَيْسَ فِي وسع عُلَمَاء الْعَصْر السماع من الَّذين كَانُوا قبلهم بقرون فَهُوَ سَاقِط عِنْدهم، لِأَن المتعذر كالممتنع، وَكَذَا يتَعَذَّر السماع عَن جَمِيع عُلَمَاء الْعَصْر وَالْوُقُوف على قَول كل فريق مِنْهُم فِي حكم حَادِثَة حَقِيقَة لما فِيهِ من الْحَرج الْبَين، لَكِن الْإِجْمَاع غير مُنْتَفٍ فَالشَّرْط الْمَذْكُور مُنْتَفٍ انْتهى.
وَأَنت خَبِير بِأَن الْفرق بَين السماع من الَّذين قبلهم بقرون وَبَين السماع من جَمِيع عُلَمَاء الْعَصْر فِي غَايَة الوضوح فَكيف يُقَاس هَذَا عَلَيْهِ، الأول كالمحال، وَالثَّانِي فِيهِ بعض حرج، وَالْفرق بَين السكوتي والقولي حِينَئِذٍ بالتتبع لكيفية وُقُوعه. (وَأَيْضًا الْعَادة فِي كل عصر إِفْتَاء الأكابر وسكوت الأصاغر تَسْلِيمًا، وللإجماع على أَنه) أَي السكوتي (إِجْمَاع فِي الْأُمُور الاعتقادية فَكَذَا) الْأَحْكَام (الفرعية) بل يثبت هَهُنَا بطرِيق أولى. قَالَ (النافون) لحجيته (مُطلقًا) أَي قطعا وظنا (السُّكُوت يحْتَمل غير الْمُوَافقَة من خوف أَو تفكر أَو عدم اجْتِهَاد أَو تَعْظِيم) للقائل فَلَا يكون إِجْمَاعًا وَلَا حجَّة مَعَ قيام هَذِه الِاحْتِمَالَات. (أجَاب الظني) أَي الْقَائِل بِأَنَّهُ إِجْمَاع ظَنِّي (بِأَنَّهُ) أَي السُّكُوت (ظَاهر فِي الْمُوَافقَة) للمفتي وَالْقَاضِي (وَفِي غَيرهَا) أَي وَالسُّكُوت فِي غير الْمُوَافقَة مِمَّا ذكر (احتمالات) غير ظَاهِرَة وَهِي (لَا تَنْفِي الظُّهُور. و) أجَاب (الْحَنَفِيَّة) بِأَنَّهُ (انْتَفَى الأول) وَهُوَ السُّكُوت للخوف (بِالْعرضِ) حَيْثُ قُلْنَا وَلَا تقية (و) انْتَفَى (مَا بعده) وَهُوَ السُّكُوت للتفكر (بِمُضِيِّ مُدَّة التَّأَمُّل فِيهِ عَادَة، و) السُّكُوت (للتعظيم بِلَا تقية فسق) لترك الْوَاجِب الَّذِي هُوَ الرَّد لِأَن الْفَتْوَى أَو الْقَضَاء إِذا كَانَ غير حق يكون مُنْكرا وَاجِب الرَّد فَلَا ينْسب إِلَى المتدين، وَلَا سِيمَا أَئِمَّة الدّين. (وَمَا) روى (عَن ابْن عَبَّاس فِي سُكُوته عَن عمر فِي القَوْل) من قَوْله (كَانَ مهيبا نفوا) أَي الْحَنَفِيَّة كفخر الْإِسْلَام وَالْقَاضِي أبي زيد (صِحَّته) عَنهُ نقلا (وَلِأَنَّهُ) أَي عمر رضي الله عنه (كَانَ يقدمهُ) أَي ابْن عَبَّاس (على كثير من الأكابر) ويسأله عَن مسَائِل (ويستحسن قَوْله) فَعَنْهُ كَانَ عمر يدخلني مَعَ أَشْيَاخ بدر فَكَانَ بَعضهم وجد فِي نَفسه فَقَالَ: لم يدْخل هَذَا مَعنا وَلنَا أَبنَاء مثله؟ فَقَالَ عمر: أَنه من حَيْثُ علمْتُم فَدَعَا ذَات يَوْم فَأَدْخلنِي مَعَهم فَمَا رَأَيْت أَنه دَعَاني يَوْمئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ، قَالَ مَا تَقولُونَ
فِي قَول الله - {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} - فَقَالَ بَعضهم: أمرنَا أَن نحمد الله وَنَسْتَغْفِرهُ إِذا نصرنَا وَفتح علينا، فَسكت بَعضهم فَلم يقل شَيْئا، فَقَالَ لي أكذاك تَقول يَا ابْن عَبَّاس؟ فَقلت لَا، قَالَ فَمَا نقُول؟ قلت هُوَ أجل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أعلمهُ لَهُ قَالَ {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} وَذَلِكَ عَلامَة أَجلك {فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْفرهُ إِنَّه كَانَ تَوَّابًا} ، فَقَالَ عمر مَا أعلم مِنْهَا إِلَّا مَا تَقول: رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَعنهُ قَالَ دَعَا عمر الْأَشْيَاخ من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ذَات يَوْم فَقَالَ لَهُم أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي لَيْلَة الْقدر " التمسوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر وترا فَفِي أَي التوتر ترونها؟ فَقَالَ رجل بِرَأْيهِ إِنَّهَا تاسعة سابعة خَامِسَة ثَالِثَة، فَقَالَ يَا ابْن عَبَّاس تكلم، قلت أَقُول برأيي. قَالَ عَن رَأْيك أَسأَلك، قلت إِنِّي سَمِعت الله أَكثر من ذكر السَّبع فَذكر الحَدِيث وَفِي آخِره. قَالَ عمر أعجزتم أَن تَقولُوا مثل مَا قَالَ هَذَا الْغُلَام الَّذِي لم تستو شؤون رَأسه. أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مُسْند عمر وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد إِلَى غير ذَلِك (وَكَانَ) عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (أَلين للحق) وَأَشد انقيادا لَهُ من غَيره (وَعنهُ) رضي الله عنه (لَا خير فِيكُم إِن لم تَقولُوا) يَعْنِي كلمة الْحق (وَلَا خير فِي ان لم أسمع) ذكره فِي التَّقْوِيم وَغَيره (وقصته مَعَ الْمَرْأَة فِي نَهْيه عَن مغالاة الْمهْر شهيرة) رَوَاهُ غير وَاحِد مِنْهُم أَبُو يعلى الْموصِلِي بِسَنَد قوي عَن مَسْرُوق قَالَ: ركب عمر ابْن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس مَا إكْثَاركُمْ فِي صدَاق النِّسَاء وَقد كَانَ الصَّدقَات فِيمَا بَين رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَبَين أَصْحَابه أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فَمَا دون ذَلِك وَلَو كَانَ الْإِكْثَار فِي ذَلِك تقوى عِنْد الله أَو مكرمَة لم تَسْبِقُوهُمْ إِلَيْهَا فَلَا أَعرفن مَا زَاد رجل فِي صدَاق امْرَأَة على أَرْبَعمِائَة دِرْهَم، قَالَ ثمَّ نزل فَاعْتَرَضتهُ امْرَأَة من قُرَيْش فَقَالَت لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ نهيت النَّاس أَن يزِيدُوا النِّسَاء فِي صداقهن على أَرْبَعمِائَة دِرْهَم، قَالَ نعم قَالَت: أما سَمِعت الله يَقُول - {وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا} - فَقَالَ عمر اللَّهُمَّ عفوا كل أحد أفقه من عمر، قَالَ ثمَّ رَجَعَ فَركب الْمِنْبَر ثمَّ قَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي كُنْتُم نَهَيْتُكُمْ أَن تَزِيدُوا النِّسَاء فِي صداقهن على أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فَمن شَاءَ أَن يُعْطي من مَاله مَا أحب. قَالَ الشَّارِح لَكِن فِي نفي صِحَة اعتذار ابْن عَبَّاس عَن ترك مُرَاجعَة عمر بالهيبة نظر، فقد روى الطَّحَاوِيّ وَإِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق وَالْقَاضِي فِي الْأَحْكَام عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة قَالَ: دخلت أَنا وَزفر بن الْحدثَان على ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا بعد مَا ذهب بَصَره فتذاكرنا فَرَائض الْمَوَارِيث فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أَتَرَوْنَ من أحصى رمل عالج عددا لم يخص فِي مَال نصفا وَنصفا وَثلثا إِذا ذهب نصف وَنصف فَأَيْنَ الثُّلُث، فساق الحَدِيث، ورأيه فِي ذَلِك وَفِي آخِره، فَقَالَ لَهُ زفر مَا مَنعك أَن تُشِير عَلَيْهِ بِهَذَا الرَّأْي، قَالَ هَيْبَة وَالله. قَالَ شَيخنَا الْحَافِظ مَوْقُوف حسن انْتهى، فَإِن قلت كَيفَ تمنع المهابة
عَن إِظْهَار الْحق قُلْنَا لعلمه بِأَنَّهُ علم الآراء فِيهِ، وَاخْتَارَ مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور وَاسْتَحْسنهُ وَلم يرجع عَن ذَلِك، وَلَا فَائِدَة فِي المناظرة والمحاجة مَعَه، والاحتشام والإجلال مَنعه عَن أَمر علم فَائِدَته وَلم يبْق إِلَّا احْتِمَال مَرْجُوح وَهُوَ أَن يرجع بمناظرته، وَقيل يُمكن أَنه لم يكن إِذْ ذَاك فِي دَرَجَة الِاجْتِهَاد (وَقد يُقَال السُّكُوت عَن) إِنْكَار (الْمُنكر مَعَ الْقُدْرَة) عَلَيْهِ (فسق، وَقَول الْمُجْتَهد لَيْسَ إِيَّاه) أَي مُنْكرا (فَلَا يجب) على الْمُجْتَهد السَّاكِت (إِظْهَار خِلَافه) أَي خلاف الْمُجْتَهد الْمُفْتِي أَو القَاضِي (ليَكُون السُّكُوت) عَن إِنْكَاره (فسقا، بل هُوَ) أَي الْمُجْتَهد السَّاكِت (مُخَيّر) بَين السُّكُوت وَإِظْهَار الْخلاف، وَهَذَا (بِخِلَاف الاعتقادي فَإِنَّهُ) أَي الْمُجْتَهد فِيهِ (مُكَلّف) فِيهِ (بِإِصَابَة الْحق فَغَيره) أَي غير الْحق إِذا أَتَى بِهِ (عَن اجْتِهَاد مُنكر فَامْتنعَ السُّكُوت) فِيهِ كَيْلا يكون ساكتا عَن مُنكر فيضيق (إِلَّا أَن يُقَال يجب) على السَّاكِت إِظْهَار خلاف قَول الْمُفْتِي وَالْقَاضِي فِي الْفُرُوع أَيْضا (لتجويزه) أَي الْمُجْتَهد السَّاكِت (رُجُوع الْمُفْتى) أَو القَاضِي (إِلَيْهِ) أَي إِلَى قَوْله (لحقيته) أَي حقية قَول السَّاكِت فِي اعْتِقَاده ورجاء أَن يظْهر ذَلِك عِنْد الْمُفْتِي أَو القَاضِي فَيرجع إِلَيْهِ، وَقد يُقَال أَن هَذَا التجويز لَا يقتضى وجوب إِظْهَار الْخلاف، كَيفَ وَهُوَ يعلم أَن كلا من الافتاء وَالْقَضَاء صَحِيح وَاجِب الْعَمَل فِي حق الْمُفْتِي وَالْقَاضِي وَإِن كَانَ خطأ فِي نفس الْأَمر وسيشير إِلَيْهِ. قَالَ الشَّارِح على أَنا سنذكر من الْمِيزَان أَن العملى والاعتقادي فِي الْجَواب سَوَاء على قَول أهل السّنة وَالْقَائِل بِأَن الْمُجْتَهد قد يُخطئ ويصيب (واذن) أَي وَإِذا كَانَ الْإِظْهَار وَاجِبا للتجويز الْمَذْكُور (فَقَوْل معَاذ فِي جلد الْحَامِل) الَّتِي زنت لما هم عمر بجلدها أَن جعل الله لَك على ظهرهَا سَبِيلا (مَا جعل الله لَك على مَا فِي بَطنهَا سَبِيلا) فَقَالَ لَوْلَا معَاذ لهلك عمر (للْوُجُوب) أَي بِسَبَب وجوب إِظْهَار الْمُخَالفَة على الْمُجْتَهد (فَيبْطل) بِهِ (تَفْصِيل ابْن أبي هُرَيْرَة) الْمشَار إِلَيْهِ بقوله وَابْن أبي هُرَيْرَة كَذَلِك لَا فِي الْقَضَاء (لكنه) أَي وجوب إِظْهَار الْمُخَالفَة إِذا جوز رُجُوعه إِلَيْهِ (مَمْنُوع) لِأَن التجويز غير مُلْزم، وَلَيْسَ مَا ذهب إِلَيْهِ الْمُجْتَهد الأول مَعْلُوم الْبطلَان وَإِن كَانَ خطأ فَالْعَمَل بِهِ صَحِيح بظنه، وَلَا نسلم أَن قَول معَاذ يدل على الْوُجُوب، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَقَول معَاذ اخْتِيَار لأحد الجائزين) من السُّكُوت وَإِظْهَار الْمُخَالفَة (أَو) إِظْهَار الْمُخَالفَة وَاجِب (فِي خُصُوص) هَذِه (الْمَادَّة) لما فِيهِ من صِيَانة نفس مُحْتَرمَة عَن تعرضها للهلاك (وَقَوله) أَي ابْن أبي هُرَيْرَة (الْعَادة أَن لَا يُنكر الحكم بِخِلَاف الْفَتْوَى) فَإِنَّهَا تنكر فَلَا يكون السُّكُوت فِي الْقَضَاء دَلِيل الْمُوَافقَة وَيكون فِي الْفَتْوَى دليلها، وَقَوله مُبْتَدأ حبره (يعد اسْتِقْرَار الْمذَاهب) لَا قبله والنزاع إِنَّمَا هُوَ فِيمَا قبله، مفَاد هَذِه الْعبارَة أَن الْفرق بَينهمَا بالإنكار وَعَدَمه بعد الِاسْتِقْرَار مُسلم، وَأما قبله فكلاهما يُنكر، وَلَا يخفى أَن استقرارها