الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا كَانَ عَلَيْهِ المَاء قبل مُخَالطَة اللعاب (وَلَا يخفى أَنه) أَي اعْتِبَار الْأُصُول (حكم عدم التَّرْجِيح) بِشَيْء من الطَّهَارَة والنجاسة على الآخر من حَيْثُ الْأَثر (لَكِن رجحت الْحُرْمَة) على الْإِبَاحَة إِذا تَعَارَضَتَا لما تقدم آنِفا، على أَن حَدِيث التَّحْرِيم صَحِيح الْإِسْنَاد والمتن لَا اضْطِرَاب فِيهِ، وَحَدِيث الْإِبَاحَة مُضْطَرب الْإِسْنَاد، وَذكره الْبَيْهَقِيّ ثمَّ النَّوَوِيّ ثمَّ الْمزي ثمَّ الذَّهَبِيّ، وَأَيْضًا فِي دلَالَته على الْإِبَاحَة مُطلقًا نظر إِذْ الْقِصَّة تُشِير إِلَى اضطرارهم كَيفَ وَهُوَ مُصَرح بِتَأْخِيرِهِ عَن حَدِيث التَّحْرِيم فَلَو صَحَّ مُفِيدا للْإِبَاحَة مُطلقًا لَكَانَ نَاسِخا للتَّحْرِيم مُوجبا للطَّهَارَة (وَالْأَقْرَب) فِي تَقْرِير الْأُصُول فِي هَذَا الْمِثَال أَن يُقَال (تَعَارَضَت الْحُرْمَة الْمُقْتَضِيَة للنَّجَاسَة والضرورة الْمُقْتَضِيَة للطَّهَارَة) فِيهِ لِأَن الْحمار يرْبط فِي الدّور والأفنية وَيشْرب فِي الْأَوَانِي المستعملة وَيحْتَاج فِي الرّكُوب وَالْحمل (وَلم تترجح) الطَّهَارَة (لتردد فِيهَا) أَي الضَّرُورَة المسقطة للنَّجَاسَة (إِذْ لَيْسَ كالهرة) فِي المخالطة حَتَّى تسْقط نَجَاسَته كَمَا سَقَطت نَجَاسَة سُؤْر الْهِرَّة لِأَن الْهِرَّة تلج المضايق دونه (وَلَا الْكَلْب) فِي المجانبة الْغَالِبَة حَتَّى لَا تسْقط نَجَاسَته لِانْعِدَامِ الضَّرُورَة فِي الْكَلْب دونه (وَلَا النَّجَاسَة) أَي وَلم تترجح النَّجَاسَة لما فِيهَا من إِسْقَاط حكم الضَّرُورَة بِالْكُلِّيَّةِ فتساقطتا وَوَجَب الْمصير إِلَى الأَصْل وَهُوَ إبْقَاء مَا كَانَ من الْحَدث فِي الْمُتَوَضِّئ، وَالطَّهَارَة فِي المَاء.
مسئلة
(لَا شكّ فِي جرى التَّعَارُض بَين قَوْلَيْنِ و) لَا شكّ فِي (نَفْيه) أَي نفي جرى التَّعَارُض (بَين فعلين متضادين كَصَوْم يَوْم وَفطر فِي مثله) أَي فِي مثل ذَلِك الْيَوْم كَأَن يَصُوم فِي يَوْم السبت وَيفْطر فِي سبت آخر، وَذَلِكَ لجَوَاز أَن يكون أَحدهمَا وَاجِبا أَو مَنْدُوبًا أَو مُبَاحا فِي وَقت وَلَيْسَ كَذَلِك فِي وَقت آخر مثله من غير رفع وَإِبْطَال لذَلِك الحكم إِذْ لَا عُمُوم للفعلين وَلَا لأَحَدهمَا (إِلَّا إِن دلّ على وُجُوبه) أَي ذَلِك الْفِعْل (عَلَيْهِ) صلى الله عليه وسلم (وَنَحْوه) أَي أَو على نَدبه أَو إِبَاحَته (وسببية متكرر) أَي وَدلّ مَعَ ذَلِك على سَبَبِيَّة أَمر لذَلِك الْوُجُوب أَو النّدب بِتَكَرُّر وجوده كَأَن يدل على أَن يَوْم السبت جعل سَببا لذَلِك فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يثبت التَّعَارُض بِوَاسِطَة هَذِه الدّلَالَة فَيكون فطره فِي يَوْم السبت الآخر بعد هَذِه الدّلَالَة دَلِيل عدم وجوب صَوْم كل سبت، وَذكر الشَّارِح أَن قَوْله إِلَّا إِلَى آخِره اسْتثِْنَاء من نَفْيه، وَيَنْبَغِي أَن يحمل على الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع إِذْ لَيْسَ التَّعَارُض فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة بَين ذاتي الْفِعْلَيْنِ إِلَّا أَن يعمم قَوْله بَين فعلين بِحَيْثُ يشملهما بِضَرْب من الْمُسَامحَة (وَتَقَدَّمت الدّلَالَة على أَن الْأمة مثله صلى الله عليه وسلم فِيمَا عرفت فِيهِ صفة الْفِعْل وَقد فرض أَنه دلّ هَهُنَا على صفة الْفِعْل فِي حَقه وتكرره بِتِلْكَ الصّفة.
بِتَكَرُّر سَببه فَيثبت فِي حق الْأمة كَذَلِك (فالنافي) وَهُوَ فطره مثلا (نَاسخ عَن الْكل) أَي ينْسَخ وجوب ذَلِك الْفِعْل عَنهُ صلى الله عليه وسلم عَن الْأمة لِأَن فطره الْمُتَأَخر اقْتضى فطر الْأمة بِمُوجب تِلْكَ الدّلَالَة الْمُتَقَدّمَة كَمَا أَن صَوْمه اقْتضى صومهم وَقد كَانَ فِي حَقه نَاسِخا فَكَذَلِك فِي حَقهم (وَعَن الْكَرْخِي وَطَائِفَة) أَن فعله الثَّانِي ينْسَخ (عَنهُ) صلى الله عليه وسلم (فَقَط) وَزعم الشَّارِح أَنه مَبْنِيّ على أَن الْكَرْخِي لَا يُوجب فِي حق الْأمة شَيْئا بِدَلِيل الْوُجُوب عَلَيْهِ وَنَحْوه من النّدب وَالْإِبَاحَة ويخص دَلِيل التكرر بِهِ، وَلَا يخفى عَلَيْك أَن مُخَالفَته فِي حَقه النّسخ عَن الْأمة إِنَّمَا يشْعر بموافقته فِي مُشَاركَة الْأمة لَهُ صلى الله عليه وسلم فِي وجوب الْفِعْل وَنَحْوه (وَأما) التَّعَارُض (بَين فعل) النَّبِي صلى الله عليه وسلم (عرفت صفته) من وجوب أَو ندب مثلا (فِي حَقه وَقَول) يَنْفِي ذَلِك كَأَن يَصُوم يَوْم السبت ثمَّ يَقُول صَوْمه حرَام (فعلى الْمُخْتَار من أَن أمته مثله) سَوَاء كَانَت تِلْكَ الصّفة (وجوبا أَو غَيره فَمَعَ دَلِيل سَبَبِيَّة متكرر وَالْقَوْل خَاص بِهِ) كَقَوْلِه صَوْم يَوْم السبت حرَام (نسخ) على صِيغَة الْمَعْلُوم (عَنهُ) صلى الله عليه وسلم (الْمُتَأَخر مِنْهُمَا) أَي الْفِعْل أَو القَوْل الْمُتَقَدّم (وَلَا مُعَارضَة فيهم) أَي الْأمة (فيستمر مَا فيهم) أَي مَا كَانَ ثَبت عَلَيْهِم من الِاتِّبَاع على الْوَجْه الثَّالِث فِي حَقه إِذْ النَّاسِخ لم يتَعَرَّض لسواه صلى الله عليه وسلم (فَإِن جهل) الْمُتَأَخر مِنْهُمَا (قيل يُؤْخَذ بِالْفِعْلِ فَيثبت) الْفِعْل (على صفته على الْكل) فيستمر مَا كَانَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم (وَقيل) يُؤْخَذ (بالْقَوْل فيخصه النّسخ) إِذْ الْمَفْرُوض خَاص بِهِ (وَيثبت مَا فيهم) أَي يسْتَمر على مَا كَانَ (وَقيل يتَوَقَّف) فِي حَقه (وَهُوَ الْمُخْتَار دفعا للتحكم) أَي يرجح أَحدهمَا على الآخر بِلَا مُرَجّح إِذْ يحْتَمل تَأَخّر كل مِنْهُمَا (فِي حَقه وَيثبت مَا فيهم) على صفته لعدم الْمُعَارضَة فِي حَقهم (وَإِن) كَانَ القَوْل (خَاصّا بهم) أَي الْأمة بِأَن صَامَ يَوْم السبت وَقَالَ لَا يحل للْأمة صَوْمه (فَلَا تعَارض فِي حَقه فَمَا كَانَ لَهُ) ثَابت عَلَيْهِ (كَمَا كَانَ، وَفِيهِمْ) أَي فِي حق الْأمة (الْمُتَأَخر نَاسخ وَإِن جهل) الْمُتَأَخر مِنْهُمَا فِيمَا إِذا كَانَ القَوْل خَاصّا بهم فأقوال أَحدهَا يُؤْخَذ بِالْفِعْلِ فَيجب عَلَيْهِم الصَّوْم، وَثَانِيها الْوَقْف فَلَا يثبت حكم (فثالثها) وَهُوَ (الْمُخْتَار) يوخذ (بالْقَوْل) فَيحرم عَلَيْهِم الصَّوْم (لوضعه) أَي القَوْل (لبَيَان المرادات) الْقَائِمَة بِنَفس الْمُتَكَلّم (وأدليته) من الْفِعْل على خُصُوص المُرَاد (وأعميته) لِأَنَّهُ أَعم دلَالَة لِأَن أَفْرَاد مَدْلُوله أَكثر إِذْ يدل بِهِ على الْمَوْجُود والمعدوم والمعقول والمحسوس (بِخِلَاف الْفِعْل) فَإِن لَهُ محامل، وَإِنَّمَا يفهم مِنْهُ ذَلِك فِي بعض الْأَحْوَال بِقَرِينَة خارجية فَيَقَع الْخَطَأ كثيرا وَيخْتَص بالموجود والمحسوس لِأَن الْمَعْدُوم والمعقول لَا يُمكن مشاهدتهما، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِنَّمَا يدل على إِطْلَاقه) نَفسه عَن قيد الممنوعية (للْفَاعِل) فَيعلم أَنه يجوز لَهُ أَن يفعل من غير أَن يعلم خُصُوص كَيْفيَّة من الْوُجُوب
أَو النّدب أَو الْإِبَاحَة (فَإِن دلّ) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي بِدَلِيل خارجي (على الِاقْتِدَاء) أَي على اقْتِدَاء غير الْفَاعِل بِهِ (فبذلك) أَي ففهم ذَلِك بذلك الدَّال لَا بِالْفِعْلِ (وَإِنَّمَا يثبت مَعَه) أَي الْإِطْلَاق الْمَذْكُور (احتمالات) من الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة للْفَاعِل وَغَيره وَلَا يتَعَيَّن شَيْء مِنْهَا للْفِعْل بل (إِن تعين بَعْضهَا فبغيره) أَي غير الْفِعْل (وَكَونه) أَي الْفِعْل (قد يَقع بَيَانا لِلْقَوْلِ) إِنَّمَا هُوَ (عِنْد إجماله) أَي القَوْل وَقد مر قَرِيبا (وكلامنا) فِي التَّرْجِيح (مَعَ عَدمه) أَي الْإِجْمَال فَإِن قلت الْكَلَام فِيمَا إِذا تعَارض الْفِعْل وَالْقَوْل الْمَذْكُور وَجَهل الْمُتَأَخر مِنْهُمَا من غير تَقْيِيد بِعَدَمِ كَون الْفِعْل بَيَانا لقَوْل مُجمل فَمَا معنى قَوْله مَعَ عَدمه قلت مَعْنَاهُ إِذا نَظرنَا إِلَى ذاتي الْفِعْل وَالْقَوْل مَعَ قطع النّظر عَن الْأُمُور الْخَارِجَة عَنْهُمَا وجدنَا الْأُمُور الثَّلَاثَة لَازِمَة لِلْقَوْلِ دون الْفِعْل، والإجمال السَّابِق من جملَة تِلْكَ الْأُمُور (وَالْفرق) بَين مَا تقدم من اخْتِيَار التَّوَقُّف عِنْد جهل الْمُتَأَخر واختصاص القَوْل بِهِ عليه السلام وَبَين مَا هُنَا من الْأَخْذ بالْقَوْل عِنْد جهل الْمُتَأَخر واختصاص القَوْل بالأمة (أَنا هُنَا) أَي فِيمَا إِذا كَانَ خَاصّا بِنَا (متعبدون بالاستعلام) وَطلب الْعلم (لتعبدنا بِالْعَمَلِ) المتوقف على الْعلم فَصَارَ الْبَحْث عَن الْمُتَأَخر لتَحْصِيل الْعلم بِمَا يبْنى عَلَيْهِ الْعَمَل من الْفِعْل وَالْقَوْل عبَادَة، لِأَن تَحْصِيل مَا تتَوَقَّف عَلَيْهِ الْعِبَادَة عبَادَة (لَا هُنَاكَ) أَي لسنا مأمورين بالاستعلام عِنْد جهلنا بالمتأخر من الْفِعْل وَالْقَوْل الْخَاص بِهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ النَّهْي مَخْصُوص بِهِ وَالْفِعْل يقْتَدى بِهِ سَوَاء كَانَ مُتَقَدما أَو مُتَأَخِّرًا، فالبحث عَن تعْيين الْمُتَأَخر فِي نفس الْأَمر ليعلم حَاله لَيْسَ مِمَّا يتعبد بِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِذْ لم نؤمر بِهِ) أَي بالاستعلام فِي تعْيين الْمُتَأَخر (فِي حَقه) ليعلم كَيْفيَّة تعبده فِي ذَلِك، وَأما فِي حَقنا فقد علمت عدم احتياجنا فِي التَّعَبُّد إِلَيْهِ ثمَّ إِنَّه لَو اجتهدنا فِي طلب الْعلم بالمتأخر ليعلم حَاله لربما اسْتَقر رَأينَا على خلاف مَا فِي علمه صلى الله عليه وسلم وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَهُوَ) صلى الله عليه وسلم (أدرى بِهِ) أَي بالمتأخر (أَو) كَانَ القَوْل (شَامِلًا) لَهُ وَلَهُم مَعْطُوف على قَوْله وَإِن خَاصّا بهم بِأَن صَامَ يَوْم السبت ثمَّ قَالَ حرم عَليّ وَعَلَيْكُم (فالمتأخر نَاسخ عَن الْكل) أَي عَنهُ وَعَن أمته، فَإِن كَانَ الْفِعْل ثَبت فِي حق الْكل، وَإِن كَانَ القَوْل حرم على الْكل (وَفِي الْجَهْل) بالمتأخر يعْمل (بالْقَوْل) فَيحرم الصَّوْم (لوُجُوب الاستعلام فِي حَقنا) كَمَا وَجب فِيمَا خص بِنَا للاشتراك فِي الْمُوجب، وَهُوَ التَّعَبُّد على مَا عرفت فَيجب الْبَحْث عَنهُ (وباتفاق الْحَال) أَي بِسَبَب مشاركتنا إِلَيْهِ فِي الْحَال من حَيْثُ شُمُول القَوْل (يعلم حَاله) صلى الله عليه وسلم (مُقْتَضى للشمول) الْمَذْكُور إِذا لزم الْبَحْث لوُجُوب الاستعلام فِي حَقنا، فاختبر الْعَمَل بالْقَوْل لما ذكر فِي حَقنا، وَقد كَانَ الْحَال وَاحِدًا فَعلم حَاله لَا بِالْقَصْدِ بالبحث إِلَى استعلامه فِي حَقه (لَكنا لَا نحكم
بِهِ) أَي فِي حَقه صلى الله عليه وسلم (لما ذكرنَا) من أَنا لم نؤمر بِهِ وَهُوَ أدرى بِهِ، ثمَّ شرع فِي قسيم قَوْله فَمَعَ دَلِيل سَبَبِيَّة متكرر، فَقَالَ (وَأما مَعَ عدم دَلِيل التّكْرَار) وَالْكَلَام فِيمَا علم صفته، فَأَما أَن يكون خَاصّا بِهِ، أَو بالأمة، أَو شَامِلًا للْكُلّ، فَالْأول أَفَادَهُ بقوله (وَالْقَوْل الْخَاص بِهِ مَعْلُوم التَّأَخُّر) بِأَن فعل شَيْئا على سَبِيل الْوُجُوب أَو النّدب أَو الْإِبَاحَة، ثمَّ علم أَنه قَالَ بعده لَا يحل لي فعله فَلَا مُعَارضَة كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فقد أخذت صفة الْفِعْل) وَهِي إِحْدَى الْأَوْصَاف الثَّلَاثَة (مقتضاها مِنْهُ) صلى الله عليه وسلم (بذلك الْفِعْل الْوَاحِد، وَالْقَوْل) الصَّادِر بعد ذَلِك الْفِعْل الْوَاحِد مسئلة (شَرْعِيَّة مستأنفة فِي حَقه لَا نَاسخ، وَيثبت) الْفِعْل (فِي حَقهم) أَي الْأمة (مرّة بِصفتِهِ) من وجوب أَو غَيره (إِذْ لَا تعَارض فِي حَقهم) لفرض أَن القَوْل خَاص بِهِ (وَلَا سَبَب تكْرَار أَو) مَعْلُوم (التَّقَدُّم) كَأَن يَقُول: لَا يحل لي كَذَا ثمَّ يَفْعَله (نسخ عَنهُ الْفِعْل مُقْتَضى القَوْل: أَي دلّ) الْفِعْل (عَلَيْهِ) أَي نسخ القَوْل (وَيثبت) الْفِعْل (على الْأمة على صفته) من الْوُجُوب وَالنَّدْب وَغَيره (مرّة) أَي ثبوتا مرّة وَاحِدَة (لفرض الِاتِّبَاع فِيمَا علم) لِأَن الْمَفْرُوض أَن اتِّبَاعه فِي فعله الْمَعْلُوم صفته وَاجِب (وَعدم التكرر) أَي عدم تكْرَار السَّبَب وَلم يتَكَرَّر صُدُور الْفِعْل عَنهُ، بل صدوره مرّة وَاحِدَة فالاتباع بِحَسبِهِ (وَإِن جهل) الْمُتَأَخر (فالثلاثة) الْأَقْوَال كائنة فِيهِ: تَقْدِيم الْفِعْل فَيثبت الْفِعْل فِي حَقهم، وَتَقْدِيم القَوْل فَيحرم، الْوَقْف فَلَا يثبت حكم (قيل وَالْمُخْتَار الْوَقْف، وَنظر فِيهِ) أَي فِي الشَّرْح العضدي (بِأَن لَا تعَارض مَعَ تَأَخّر القَوْل) الْخَاص بِهِ، لَا يَخْلُو نفس الْأَمر من الِاحْتِمَالَيْنِ إِمَّا تقدم القَوْل وَإِمَّا تقدم الْفِعْل، وَفِيه السَّلامَة من لُزُوم النّسخ (فَيُؤْخَذ بِهِ) أَي بالْقَوْل حكما بِأَن الْفِعْل مُتَقَدم، لِأَنَّهُ لَو أَخذ بِالْفِعْلِ لزم النّسخ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (تَرْجِيحا لرفع مُسْتَلْزم النّسخ وَعلمت اسْتِوَاء حالتي الْأمة فيهمَا) أَي تقدم القَوْل وتأخره (من ثُبُوته) آي الْفِعْل (مرّة مِنْهُم) أَي الْأمة، يَعْنِي أَن الْعلم باستواء حَالهم يُؤْخَذ من ثُبُوت الْفِعْل من الْأمة مرّة وَاحِدَة، إِذْ على تَقْدِير تقدم الْفِعْل وَتَأَخر الْمحرم فِي حَقه صلى الله عليه وسلم لَا يحرم فِي حَقهم، والاتباع لَا يَسْتَدْعِي إِلَّا صُدُور الْفِعْل مرّة وَاحِدَة، وَكَذَلِكَ على تَقْدِير تَأَخّر تَارِيخه وناسخيته فِي حَقه، لِأَن الْمَفْرُوض أَنه صلى الله عليه وسلم مَا صدر مِنْهُ الْفِعْل إِلَّا مرّة وَاحِدَة، وَلَا وَجه للتوقف بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم. هَذَا وَيحْتَمل أَن تكون من فِي قَوْله من ثُبُوته بَيَانِيَّة، وَالْمعْنَى ظَاهر (وَإِن) كَانَ القَوْل (خَاصّا بهم) بِأَن فعل وَقَالَ: لَا يحل للْأمة هَذَا (فَلَا تعَارض فِي حَقه) لعدم تَعْلِيق القَوْل بِهِ علم تقدمه أَولا (وَفِيهِمْ) أَي الْأمة (الْمُتَأَخر) من القَوْل أَو الْفِعْل (نَاسخ الْمرة) على تَقْدِير تَأَخّر القَوْل، فالنسخ لما لزم عَلَيْهِم مرّة بِسَبَب الِاتِّبَاع ظَاهر، وَأما على تَقْدِير تقدمه بِأَن قَالَ: صَوْم يَوْم السبت حرَام على الْأمة ثمَّ صَامَ فالصوم حرَام
عَلَيْهِم على مَا كَانَ وَلَا نسخ، لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم وَلَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، لَا يُقَال الأسوة تَقْتَضِي اتِّبَاع الْأمة فَينْسَخ التَّحْرِيم السَّابِق، لِأَن الِاقْتِدَاء فِيمَا لم يعلم اخْتِصَاص الْفِعْل بِهِ، وَقد علم بقوله: لَا يحل للْأمة، فَإِنَّهُ دلّ على أَنه يحل لَهُ دونهم، وَمثل هَذَا الْبَحْث يدل على مَا سبق فِي أَوَائِل الْبَحْث (وَإِن جهل) الْمُتَأَخر (فالثلاثة) الْأَقْوَال فِيهِ: الْوَقْف، وَالْأَخْذ بِالْفِعْلِ، وَالْأَخْذ بالْقَوْل. (وَالْمُخْتَار القَوْل، وَإِن) كَانَ (شَامِلًا) لَهُ وَلَهُم (فعلى مَا تقدم فِيهِ وَفِيهِمْ فِي) صُورَة (علم الْمُتَأَخر) من القَوْل وَالْفِعْل، فَفِي القَوْل حَقه أَن يقدم الْفِعْل فَلَا تعَارض لعدم تكَرر الْفِعْل، وَإِن تقدم القَوْل فالفعل نَاسخ لَهُ، وَفِي حَقنا الْمُتَأَخر نَاسخ (وَإِن جهل) الْمُتَأَخر فِي حَقه وحقنا (فالثلاثة) الْأَقْوَال الْوَقْف وَالْأَخْذ بِالْفِعْلِ وَالْأَخْذ بالْقَوْل (وَالْمُخْتَار القَوْل) أَي الْأَخْذ بِهِ (فَينْسَخ عَنْهُم الْمرة لَكِن لَو قدم الْفِعْل) فِي الِاعْتِبَار (وَجَبت) الْمرة (فالاحتياط فِيهِ) أَي فِي وُجُوبه مرّة وَفِيه نظر، لِأَن قَضِيَّة الِاحْتِيَاط إِنَّمَا تسلم لَو كَانَ هُنَاكَ احْتِمَال الْوُقُوع فِي النَّهْي (ثمَّ نقُول فِي الْوَجْه الَّذِي قدم بِهِ القَوْل) على الْفِعْل وَالْوَقْف (حَيْثُ قدم) وَهُوَ أَن وضع القَوْل لبَيَان المرادات إِلَى آخر مَا سبق آنِفا (نظر وَإِنَّمَا يُفِيد) الْوَجْه الْمَذْكُور (تَقْدِيمه) أَي القَوْل (لَو كَانَ) النّظر (بِاعْتِبَار مُجَرّد مُلَاحظَة ذَات الْفِعْل مَعَه) أَي مَعَ القَوْل (لَكِن النّظر بَين فعل دلّ على خُصُوص حكمه) من الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة (وعَلى ثُبُوته) أَي الْفِعْل (فِي حق الْأمة) فَكل قَول دلّ على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالدَّال النُّصُوص الدَّالَّة على وجوب الِاقْتِدَاء أَو نَدبه فِي حق خُصُوص حِكْمَة النُّصُوص والقرائن (فَفِي الْحَقِيقَة النّظر) إِنَّمَا هُوَ (فِي تَقْدِيم القَوْل على مَجْمُوع أَدِلَّة مِنْهَا قَول و) مِنْهَا (فعل، وَالْقَوْل وَإِن كَانَ بِحَيْثُ يدل) على صِيغَة الْمَجْهُول (بِهِ) أَي بالْقَوْل (على هَذَا الْمَجْمُوع) أَي الْأَدِلَّة المركبة من القَوْل وَالْفِعْل أَو مَدْلُول هَذَا الْمَجْمُوع (فَإِنَّمَا عَارضه) أَي هَذَا الْمُرَجح، وفاعل عَارضه قَوْله (مَا دلّ) على صِيغَة الْمَجْهُول (بِهِ) أَي بِالْفِعْلِ (أَيْضا عَلَيْهِ) أَي على القَوْل فِيمَا إِذا وَقع الْفِعْل بَيَانا لِلْقَوْلِ، وَكلمَة مَا مَصْدَرِيَّة: أَي عَارضه كَون الْفِعْل بِحَيْثُ يدل بِهِ عَلَيْهِ، وَفسّر الشَّارِح ضمير عَلَيْهِ بِهَذَا الْمَجْمُوع، وَلَا يظْهر لَهُ معنى (فاستويا) أَي الْفِعْل وَالْقَوْل (والأدلية وَنَحْوه) مِمَّا تقدم من الأعمية وَغَيرهَا (طرد) أَي أَوْصَاف مَوْجُودَة فِي الْمحل لَكِنَّهَا لَا أثر لَهَا فِيمَا نَحن بصدده (وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين عرفت مَا فِي هَذَا الْوَجْه (فَالْوَجْه فِي كل مَوضِع من ذَلِك) التَّعَارُض (مُلَاحظَة أَن الِاحْتِيَاط يَقع فِيهِ) أَي أَي فِي ذَلِك الْموضع (على تَقْدِير) تَرْجِيح (القَوْل أَو الْفِعْل فَيقدم ذَلِك) الَّذِي فِيهِ الِاحْتِيَاط (كَفعل عرفت صفته) من أَنَّهَا (وجوب أَو ندب أَو حكم فِيهِ بذلك) أَي الْوُجُوب أَو النّدب بِمُوجب (يقدم) الْفِعْل (على القَوْل الْمُبِيح) احْتِيَاطًا واحترازا عَن الْوُقُوع فِي ترك الْوَاجِب
أَو الْمَنْدُوب على احْتِمَال تَأَخّر الْفِعْل (وَقَلبه) بِأَن يكون (القَوْل) وَالْفِعْل نسخا لما تقدم فِيهِ القَوْل على الْفِعْل (وَكَذَا القَوْل) حَال كَونه (محرما مَعَ الْفِعْل) مُوجبا أَو تأدبا يقدم على الْفِعْل (مُطلقًا) أَي سَوَاء كَانَ وَاجِبا أَو مَنْدُوبًا (و) كَذَا (قَول كَرَاهَة مَعَ فعل إِبَاحَة) تقدم فِيهِ القَوْل (وَقس) على هَذِه أَمْثَالهَا (فَأَما إِذا لم تعرف صفة الْفِعْل فعلى) أَي فبناء على (الْوُجُوب عَلَيْهِ) السَّلَام (وَعَلَيْهِم) أَي الْأمة كَمَا نقل عَن مَالك، و) بِنَاء على (النّدب وَالْإِبَاحَة كَذَلِك) أَي لَهُ وَلَهُم عِنْد الْقَائِلين بالندب فِيمَا إِذا لم تعرف صفته والقائلين بِالْإِبَاحَةِ فِيهِ (وعَلى خُصُوص هَذِه بالأمة الْمُتَأَخر) من الْفِعْل وَالْقَوْل (نَاسخ عَنْهُم فعلا) كَانَ ذَلِك الْمُتَأَخر (أَو قولا شَامِلًا) لَهُ وَلَهُم (أَو خَاصّا بهم) أَي الْأمة، فسر الشَّارِح قَوْله هَذِه بِالْأَحْكَامِ من الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة وَلم يبين مَعْنَاهُ على مَا هُوَ عَادَته فِي مشكلات هَذَا الْكتاب وعذره ظَاهر، وَالَّذِي يظْهر أَنه إِشَارَة إِلَى مَا سبق، من أَن الْخلاف فِي فعله الْمَجْهُول الصّفة عِنْد الْمُحَقِّقين بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأمة: فَالْمَعْنى وَبِنَاء على خُصُوص هَذِه الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة بالأمة على مَا هُوَ التَّحْقِيق الْمُتَأَخر فعلا أَو قولا شَامِلًا أَو خَاصّا، أَو على تَقْدِير شُمُول القَوْل أَيْضا لَا يفتش عَمَّا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم على مَا سبق تَفْصِيله (فَإِن جهل) الْمُتَأَخر (فالمختار مَا فِيهِ الِاحْتِيَاط كَمَا ذكرنَا، وعَلى الْوَقْف فِي الْكل) أَي فِي حَقه وحقهم أَو فِي كل الْأَحْكَام بخصوصها من الْوُجُوب وَغَيره، إِذْ الْكَلَام فِيمَا إِذا لم تعرف صفته فَلَا يعرف فِيهِ سوى الْإِطْلَاق الَّذِي هُوَ لَازم الْفِعْل على مَا مر آنِفا كَمَا أُشير إِلَيْهِ بقوله (سوى إِطْلَاق الْفِعْل) فَقَوله وعَلى الْوَقْف بَيَان لحكم مَجْهُول الصّفة على قَول من لم يقل بِالْوُجُوب وَلَا بالندب وَلَا بِالْإِبَاحَةِ، بل يَقُول بِالْإِطْلَاقِ (إِن تَأَخّر القَوْل النَّافِي لَهُ) أَي لإِطْلَاق الْفِعْل حَال كَونه (خَاصّا بِهِ) عليه السلام كَأَن صَامَ يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ قَالَ لَا يحل لي صَوْم الْجُمُعَة (مَنعه) أَي نسخ هَذَا القَوْل إِطْلَاق الْفِعْل (فِي حَقه دونهم) فيستمر لَهُم حل صَوْمه مَعَ الْوَقْف عَمَّا زَاد على ذَلِك لما ذكر (أَو) حَال كَونه خَاصّا (بهم) كَأَن قَالَ لَا يحل لأمتي صَوْم يَوْم الْجُمُعَة (فَفِي حَقهم) أَي نسخ القَوْل إِطْلَاق الْفِعْل فِي حَقهم فَقَط وحكمنا بالاطلاق لَهُ مَعَ الْوَقْف عَمَّا زَاد عَلَيْهِ (أَو) حَال كَونه (شَامِلًا) لَهُ وَلَهُم فَلَا يحل لي وَلَا لكم (نفى الْإِطْلَاق مُطلقًا) أَي نسخ الْحل الَّذِي كَانَ لَازم الْإِطْلَاق عَن الْكل وَزَالَ الْوَقْف مُطلقًا (فَلَو كَانَ) القَوْل الْمُتَأَخر (مُوجبا للْفِعْل أَو نادبا) لَهُ، وَقد كَانَ الْفِعْل الْمُتَقَدّم مُفِيدا للإطلاق لعدم كَونه مَعْرُوف الصّفة (قَرَّرَهُ) أَي الْمُتَأَخر الْفِعْل (على مُقْتَضَاهُ) أَي القَوْل من الْوُجُوب وَالنَّدْب وَلَا يخفى أَنه حِينَئِذٍ لَا يكون القَوْل مُعَارضا للْفِعْل، وَقد كَانَ بِنَاء الْبَحْث على معارضته إِيَّاه نفى بِكَوْن هَذَا استطراديا فَتَأمل (وَإِن) تَأَخّر (الْفِعْل وَالْقَوْل خَاص بِهِ) عليه السلام كَأَن يَقُول