المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل: في شرائط الراوي. منها كونه بالغا حين الأداء) - تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه - جـ ٣

[أمير باد شاه]

فهرس الكتاب

- ‌الْبَاب الثَّانِي من الْمقَالة الثَّانِيَة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْبَاب الثَّالِث

- ‌(فصل: حجية السّنة)

- ‌(فصل: فِي شَرَائِط الرَّاوِي. مِنْهَا كَونه بَالغا حِين الْأَدَاء)

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌ مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌فصل فِي التَّعَارُض

- ‌مسئلة

- ‌(فصل الشَّافِعِيَّة}

- ‌مسئلة

- ‌فصل

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْبَاب الرَّابِع فِي الْإِجْمَاع

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌ مسئلة

- ‌ مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌‌‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْبَاب الْخَامِس

- ‌من الْأَبْوَاب الْخَمْسَة من الْمقَالة الثَّانِيَة فِي أَحْوَال الْمَوْضُوع

- ‌فصل فِي الشُّرُوط

- ‌مسئلة

- ‌المرصد الأول: فِي تقسيمها

- ‌تَتِمَّة

الفصل: ‌(فصل: في شرائط الراوي. منها كونه بالغا حين الأداء)

(فصل: فِي شَرَائِط الرَّاوِي. مِنْهَا كَونه بَالغا حِين الْأَدَاء)

وَإِن لم يكن بَالغا وَقت التَّحَمُّل (لإنفاقهم) أَي الصَّحَابَة وَغَيرهم (على) قبُول رِوَايَة (ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير والنعمان ابْن بشير وَأنس بِلَا استسفار) عَن الْوَقْت الَّذِي تحملوا فِيهِ مَا يَرْوُونَهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم. جَاءَ فِي صَحِيح البُخَارِيّ مَا يدل على أَن ابْن عَبَّاس أدْرك فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم غير أَنه تحمل صَغِيرا وَأدّى كَبِيرا، فقد قيل لَهُ أشهدت الْعِيد مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ نعم، وَلَوْلَا مَكَاني مِنْهُ مَا شهدته من الصغر، رَوَاهُ البُخَارِيّ، توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَسن ابْن الزبير والنعمان دون الْعشْر، وَاتفقَ أهل السبر وَالْأَخْبَار وَمن صنف أَن ابْن الزبير أول مَوْلُود فِي الْإِسْلَام فِي الْمَدِينَة من قُرَيْش، ولد فِي السّنة الثَّانِيَة، والنعمان من أقرانه، وَهُوَ أول مَوْلُود فِي الْأَنْصَار بعد الْهِجْرَة، وَأما أنس فَكَانَ ابْن عشر سِنِين لما قدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة وعرضته أمه على النَّبِي صلى الله عليه وسلم لخدمته فَقبله، وَتُوفِّي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْن عشْرين سنة. وَقد روى لَهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ألفا حَدِيث وَمِائَتَا حَدِيث وَسِتَّة وَثَمَانُونَ حَدِيثا (فَبَطل الْمَنْع) أَي منع قبُوله لكَون الصغر مَظَنَّة عدم الضَّبْط والتحرير. (وَأما إسماعهم الصّبيان) للْحَدِيث كَمَا جرت بِهِ عَادَة السّلف وَالْخلف (فَغير مُسْتَلْزم) قبُول رِوَايَته بعد الْبلُوغ أَلْبَتَّة، لجَوَاز أَن يكون ذَلِك للتبرك (وَقبل الْمُرَاهق شذوذ مَعَ تحكيم الرَّأْي) فَإِذا وَقع فِي ظن السَّامع صدقه قبل رِوَايَته فِي الْمُعَامَلَات والديانات (قُلْنَا: الْمُعْتَمد الصَّحَابَة وَلم يرجِعوا إِلَيْهِ) أَي الصَّحَابَة إِلَى الْمُرَاهق (واعتماد أهل قبَاء على أنس أَو ابْن عمر لسن الْبلُوغ) هَذَا جَوَاب شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ عَن الْقَائِلين بِقبُول رِوَايَة الصَّبِي فِي بَاب الدّين بِحَدِيث أهل قبَاء حَيْثُ قَالُوا أَن عبد الله بن عمر أَتَاهُم وَأخْبرهمْ بتحويل الْقبْلَة إِلَى الْكَعْبَة وهم كَانُوا فِي الصَّلَاة فاستداروا كَهَيْئَتِهِمْ، وَكَانَ يَوْمئِذٍ صَغِيرا لِأَنَّهُ عرض عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم يَوْم بدر وَهُوَ ابْن أَربع عشرَة سنة، وتحويل الْقبْلَة كَانَ قبل بدر بشهرين، فقد اعتمدوا خَبره فِيمَا لَا يجوز الْعَمَل بِهِ إِلَّا بِعلم، وَهُوَ الصَّلَاة وَلم يُنكر عَلَيْهِم صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَلَكنَّا نقُول أَن الَّذِي أَتَاهُم أنس بن مَالك، وَقد روى أَنه عبد الله بن عمر رضي الله عنه فَإنَّا نحمل على أَنَّهُمَا جَاءَ أَحدهمَا بعد الآخر وأخبرا بذلك، فَإِنَّمَا تحولوا معتمدين على رِوَايَة الْبَالِغ وَهُوَ أنس، أَو ابْن عمر كَانَ بَالغا يَوْمئِذٍ، وَإِنَّمَا رده رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لضعف بنيته، لَا لِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرا انْتهى. وَقَالَ الْأَتْقَانِيّ: أَن الْمخبر لم يكن ابْن عمر، وَإِنَّمَا هُوَ رَاوِي أخباره، وَأَنه عرض يَوْم أحد وَهُوَ ابْن أَربع عشرَة سنة، وَلم يجزه صلى الله عليه وسلم، وَعرض يَوْم الخَنْدَق وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة فَأَجَازَهُ: ذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه، وَأَن تَحْويل الْقبْلَة كَانَ بعد الْهِجْرَة لسِتَّة

ص: 39

عشر شهرا أَو سَبْعَة عشر، وأنسا كَانَ ابْن عشر سِنِين فَكيف كَانَ بَالغا، وَأحد كَانَت فِي شَوَّال سنة ثَلَاث، فعمره ثَلَاث عشرَة سنة، وَابْن عمر كَانَ يَوْمئِذٍ ابْن أَربع عشرَة سنة فَهُوَ أكبر من أنس بِسنة، لَا بِالْعَكْسِ (و) ذكر (المحدثون) أَن الَّذِي أَتَاهُم (عباد بن نهيك بن إساف) الشَّاعِر (وَهُوَ شيخ) كَبِير وضع عَنهُ صلى الله عليه وسلم الْغَزْو، وَهُوَ الَّذِي صلى مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الظّهْر رَكْعَتَيْنِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس، وَرَكْعَتَيْنِ إِلَى الْكَعْبَة، ثمَّ أَتَى قومه بني حَارِثَة وهم رُكُوع فِي صَلَاة الْعَصْر فَأخْبرهُم بتحويل الْقبْلَة فاستداروا إِلَى الْكَعْبَة. قَالَ الشَّارِح: حَكَاهُ المُصَنّف، وَقيل عباد بن بشر بن قيظي الأشْهَلِي: ذكره الفاكهي فِي أَخْبَار مَكَّة. قَالَ شَيخنَا الْحَافِظ الْعَسْقَلَانِي: وَهَذَا أرجح، رَوَاهُ ابْن أبي خَيْثَمَة وَغَيره انْتهى.

وَالَّذِي فِي صَحِيح البُخَارِيّ من رِوَايَة الْبَراء بن عَازِب أَن الرجل الْمُبْهم صلى مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْعَصْر فَمر على أهل الْمَسْجِد وهم رَاكِعُونَ، وَفِي الشَّرْح فِيهِ زِيَادَة تَفْصِيل، وَحكى النَّوَوِيّ عَن الْجُمْهُور قبُول إِخْبَار الصَّبِي الْمُمَيز فِيمَا طَرِيقه الْمُشَاهدَة، بِخِلَاف مَا طَرِيقه النَّقْل كالإفتاء وَرِوَايَة الْأَخْبَار وَنَحْوه (وَالْمَعْتُوه كَالصَّبِيِّ) فِي حكمه لاشْتِرَاكهمَا فِي نُقْصَان الْعقل، وَرُبمَا يكون الصَّبِي أَعقل من الْبَالِغ، بِخِلَاف الْمَعْتُوه (ثمَّ قيل سنّ التَّحَمُّل خمس). قَالَ ابْن الصّلاح: هُوَ الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ عمل أهل الحَدِيث الْمُتَأَخِّرين (لعقلية مَحْمُود المجة) حَال كَونه (ابْن خمس) والْحَدِيث (فِي البُخَارِيّ) روى عَن مَحْمُود بن الرّبيع قَالَ: عقلت من النَّبِي صلى الله عليه وسلم مجة مجها فِي وَجْهي وَأَنا ابْن خمس سِنِين (أَو) ابْن (أَربع). والمجة الْوَاحِدَة من المج: وَهُوَ إرْسَال المَاء من الْفَم مَعَ النفخ، وَقيل: لَا يكون مجا حَتَّى يتباعد بِهِ. (وَقيل) أقل سنّ التَّحَمُّل (أَربع لذَلِك) أَي لكَون سنّ مَحْمُود الْمَذْكُور أَرْبعا (ولتسمع ابْن اللبان) أَي تسميع أبي بكر الْمقري للْقَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن اللبان الْأَصْفَهَانِي وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين. قَالَ ابْن الصّلاح: بلغنَا عَن إِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي قَالَ: رَأَيْت صَبيا ابْن أَربع سِنِين وَقد حمل إِلَى الْمَأْمُون قد قَرَأَ الْقُرْآن وَنظر فِي الرَّأْي غير أَنه إِذا جَاع يبكي. وَقَالَ الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ فروينا عَن الْخَطِيب قَالَ سمعته يَقُول: حفظت الْقُرْآن ولي خمس سِنِين، وأحضرت عِنْد أبي بكر بن الْمقري ولي أَربع سِنِين، فأرادوا أَن يسمعوا لي فِيمَا حضرت قِرَاءَته فَقَالَ بَعضهم أَنه يصغر عَن السماع، فَقَالَ لي ابْن الْمقري: اقْرَأ سُورَة الْكَافِرُونَ فقرأتها: فَقَالَ: اقْرَأ سُورَة التكوير فقرأتها، فَقَالَ لي غَيره: اقْرَأ سُورَة المرسلات فقرأتها، فَقَالَ ابْن الْمقري: سمعُوا لَهُ والعهدة عَليّ (وَصحح عدم التَّقْدِير، بل) المناط فِي الصِّحَّة (الْفَهم، وَالْجَوَاب) فَإِذا فهم الْخطاب ورد الْجَواب كَانَ سَمَاعه صَحِيحا، وَإِن كَانَ ابْن أقل من خمس وَإِلَّا لم يَصح، وَأَن

ص: 40

زَاد عَلَيْهَا وَمَا ذَاك إِلَّا (للِاخْتِلَاف) أَي اخْتِلَاف الصّبيان، بل النَّاس فِي فهم الْخطاب ورد الْجَواب، فَلَا يتَقَيَّد بسن (وَحفظ المجة، وَإِدْرَاك ابْن اللبان لَا يطرد) بِأَن يحصل كل من الْحِفْظ والإدراك لكل من أدْرك ذَلِك السن (وَهَذَا) أَي كَون الصَّحِيح عدم التَّقْدِير بسن خَاص (يُوقف الحكم بِقبُول من علم سَمَاعه صَبيا على معرفَة حَاله فِي صباه) فَإِن علم أَنه كَانَ بِحَيْثُ يفهم الْخطاب وَيرد الْجَواب تقبل رِوَايَته، وَإِلَّا فَلَا (أما مَعَ عدمهَا) أَي معرفَة حَاله (فَيجب اعْتِبَار) السن (الْغَالِب) فِي (التَّمْيِيز) أَي لذِي يحصل فِيهِ التَّمْيِيز غَالِبا (سبع) عطف بَيَان للْغَالِب لقَوْله صلى الله عليه وسلم " مروا الصَّبِي بِالصَّلَاةِ إِذا بلغ سبع سِنِين فَإِنَّهُ عِنْد ذَلِك يَأْكُل وَحده وَيشْرب وَحده، ويستنجي وَحده ". (وأفرط مُعْتَبر خَمْسَة عشر) حَتَّى قَالَ أَحْمد فِيهِ: بئس القَوْل. حكى ذَلِك عَن ابْن معِين، وَقيل هُوَ عَجِيب من هَذَا الْعَالم المكين، وَقيل مَتى فرق بَين الْبَقَرَة وَالْحمار، وَهُوَ مَنْقُول عَن عِيسَى بن هَارُون الْحمال (وَالْإِسْلَام كَذَلِك) أَي وَمِنْهَا كَون الرَّاوِي مُسلما حِين الْأَدَاء، لَا التَّحَمُّل (لقبُول) رِوَايَة (جُبَير فِي قِرَاءَته) أَي أَنه سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يقْرَأ (فِي الْمغرب بِالطورِ) والْحَدِيث (فِي الصَّحِيحَيْنِ) مَعَ أَن سَمَاعه إِيَّاهَا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَ قبل أَن يسلم لما جَاءَ فِي فدَاء أُسَارَى بدر (وَلعدم الاستفسار) عَن مَرْوِيّ الصَّحَابِيّ وَغَيره هَل تحمله فِي حَالَة الْكفْر أَو الْإِسْلَام؟ وَلَو كَانَ التَّحَمُّل فِي حَالَة الْإِسْلَام شَرط قبُول الرِّوَايَة لاستفسر، وَلَو استفسر لنقل (بِخِلَافِهِ) أَي أَدَائِهِ (فِي الْكفْر) فَإِنَّهُ لَا يقبل لقَوْله تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق} الْآيَة (وَهُوَ) أَي الْفَاسِق (الْكَافِر بعرفهم) أَي السّلف (وَهُوَ) أَي الْكَافِر (مِنْهُ) أَي مِمَّا صدق عَلَيْهِ الْفَاسِق، لِأَنَّهُ اسْم للْخَارِج عَن طَاعَة الله (وللتهمة) أَي تُهْمَة الْعَدَاوَة الدِّينِيَّة، لِأَن الْكَلَام فِيمَا يثبت بِهِ الْأَحْكَام، فَرُبمَا تحمله الْعَدَاوَة الدِّينِيَّة على السَّعْي فِيمَا يخل بِالدّينِ (والمبتدع بِمَا) أَي ببدعة (هُوَ كفر) كغلاة

الروافض والخوارج (مثله) أَي الْكَافِر الْأَصْلِيّ (عِنْد الْمُكَفّر) وَهُوَ الْأَكْثَرُونَ على مَا قَالَه الْآمِدِيّ، وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب بِجَامِع الْفسق وَالْكفْر (وَالْوَجْه خِلَافه) أَي خلاف هَذَا القَوْل وَهُوَ أَنه إِن اعْتقد حُرْمَة الْكَذِب قبلنَا رِوَايَته، وَإِلَّا فَلَا كَمَا اخْتَارَهُ الإِمَام الرَّازِيّ والبيضاوي وَغَيرهمَا (لِأَنَّهُ) أَي ابتداعه بِمَا هُوَ سَبَب لتكفيره مقرون (بِتَأْوِيل) كَلَام (الشَّرْع) فَكيف يكون كالمنكر لدين الْإِسْلَام على أَن اعْتِقَاده حُرْمَة الْكَذِب يمنعهُ من الْإِقْدَام عَلَيْهِ، فيغلب على الظَّن صدقه: فَالْمُعْتَمَد عِنْد الْمُحَقِّقين أَن الَّذِي ترد رِوَايَته من أنكر أمرا متواترا من الشَّرْع مَعْلُوما من الدّين بِالضَّرُورَةِ، وَكَذَا من اعْتقد عَكسه كَذَا نقل الشَّارِح عَن الْحَافِظ الْعَسْقَلَانِي، وَمن لم يكن بِهَذِهِ الصّفة وَكَانَ ضابطا لما يرويهِ مَعَ ورعه وتقواه فَلَا مَانع من قبُوله (وَغَيره)

ص: 41

أَي غير المبتدع بِمَا هُوَ كفر (كالبدع الجلية) أَي كالمبتدع بالبدع الجلبة (كفسق الْخَوَارِج) وهم سبع فرق: لَهُم ضلالات فاضحة، وأباطيل وَاضِحَة تعرف فِي كتب الْكَلَام. وَالْمرَاد بفسقهم بمذهبهم الْبَاطِل المستلزم خُرُوجهمْ عَن طَاعَة الله سُبْحَانَهُ (وفيهَا) أَي الْبدع الجلية مذهبان (الرَّد) للشَّهَادَة وَالرِّوَايَة لقَوْله تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} ، وَالْأَمر بالتبين دَلِيل الرَّد وَهُوَ فَاسق (وَالْأَكْثَر الْقبُول) لما اشْتهر بَين الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء عَنهُ صلى الله عليه وسلم من قَوْله (أمرت أَن أحكم بِالظَّاهِرِ) وَالله يتَوَلَّى السرائر، وَقَول صَاحب الْبِدْعَة ظَاهِرَة الصدْق. وَقَالَ الذَّهَبِيّ وَغَيره: لَا أصل لَهُ، وَنقل عَن بعض الْمُحدثين أَنه رَآهُ فِي كتاب يُسمى:" إدارة الْأَحْكَام ". وَقَالَ بعض الْحفاظ: لم أَقف على هَذَا الْكتاب. وَقَالَ ابْن كثير: يُؤْخَذ من حَدِيث أم سَلمَة فِي الصَّحِيحَيْنِ " إِنَّمَا أَنا بشر وَإِنَّكُمْ تختصمون إِلَيّ فَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض فأقضي لَهُ على نَحْو مَا أسمع، فَمن قضيت لَهُ بِشَيْء من حق أَخِيه فَلَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا فَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار ". (وَلَا يُعَارض) هَذَا الْمَرْوِيّ (الْآيَة لنأولها بالكافر أَو) بِأَن المُرَاد الْفَاسِق (بِلَا تَأْوِيل أَنه) أَي فسقه (من الدّين) وَهَذَا المبتدع يعد فسقه من الدّين (بِخِلَاف استدلالهم) أَي الْأَكْثَرين بِأَن السّلف (أَجمعُوا على قبُول) رِوَايَة (قتلة عُثْمَان) رضي الله عنه (وَهِي) أَي بِدعَة قَتله (جلية) عِنْد أهل الْحق فَإِنَّهُ (رد بِمَنْع إِجْمَاع الْقبُول) لروايتهم. قَالَ السُّبْكِيّ: بل الْإِجْمَاع قَائِم على رد روايتهم لعدم الريب فِي كفرهم لاستحلالهم قَتله، وَالْكَافِر مَرْدُود إِجْمَاعًا وَأَن لم يستحلوه فَلَا ريب فِي فسقهم. وَقَالَ بعض الْحفاظ أَن دَعْوَى الْإِجْمَاع مجازفة، لِأَنَّهُ أَرَادَ من بَاشر قَتله فَلَيْسَ لأحد مِنْهُم رِوَايَة، وَإِن أَرَادَ من حاصره أَو رَضِي بقتْله، فَأهل الشَّام قاطبة مَعَ من كَانَ فيهم من الصَّحَابَة وكبار التَّابِعين، إِمَّا مكفر لأولئك وَإِمَّا مفسق. وَأما غير أهل الشَّام فَكَانُوا ثَلَاث فرق: فرقة على هَذَا الرَّأْي، وَفرْقَة سَاكِنة، وَفرْقَة على رَأْي أُولَئِكَ فَأَيْنَ الْإِجْمَاع؟ (وَلَو سلم) قبُول رِوَايَة قتلته (فَلَيْسَ) قتل عُثْمَان (مِنْهَا) أَي الْبدع الجلية (لِأَن بَعضهم يرَاهُ) أَي قَتله حَقًا (اجتهاديا فَلَا يفسقهم وَنقل) هَذَا (عَن عمار وعدي بن حَاتِم) من الصَّحَابَة (وَالْأَشْتَر) فِي جمَاعَة (وَأما غير) الْبدع (الجلية كنفي زِيَادَة الصِّفَات) الثبوتية من الْحَيَاة وَالْقُدْرَة وَالْعلم وَغَيرهَا لله تَعَالَى كَمَا عَلَيْهِ الْمُعْتَزلَة وَقَالَ هُوَ حَيّ عَالم قَادر بِنَفسِهِ من غير حَاجَة إِلَى صفة زَائِدَة على الذَّات (فَقيل يقبل) خَبره (اتِّفَاقًا، وَإِن ادّعى كل) من المتخالفين (الْقطع بخطأ الآخر لقُوَّة شبهته عِنْده وَإِطْلَاق فَخر الْإِسْلَام رد) رِوَايَة (من دَعَا إِلَى بدعته) وشهادته (وَقبُول غَيره) أَي غير الدَّاعِي إِلَى بدعته من المبتدعة، لِأَن ذَلِك قد يحمل على تَحْرِيف الرِّوَايَات إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ مذْهبه، وعزى

ص: 42

إِلَى مَالك وَأحمد والمحدثين أَن الصدوق المتقن إِذا كَانَ فِيهِ بِدعَة وَلم يكن يَدْعُو إِلَيْهَا يحْتَج بإخباره، وَإِذا دَعَا إِلَيْهَا سقط الِاحْتِجَاج. قَالَ ابْن الصّلاح وَغَيره: هُوَ أعدل الْأَقْوَال وأقواها (يخصصه) أَي إِطْلَاق عدم قبُول ذِي الْبِدْعَة الجلية اتِّفَاقًا، كَذَا قَالَ الشَّارِح. وَالْمَذْكُور فِيمَا سبق أَن فِي الْبِدْعَة الجلية مذهبين، وَالْأَكْثَر الْقبُول فَالْحق أَن الْمَعْنى تَخْصِيص إِطْلَاق قبُول ذِي الْبِدْعَة الَّتِي لَيست بالجلية الْمَدْلُول عَلَيْهِ بقوله، فَقيل: يقبل اتِّفَاقًا إِلَى آخِره كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله (لاقْتِضَائه) أَي إِطْلَاق فَخر الْإِسْلَام (رد الدَّاعِي من نفاة الزِّيَادَة) لِأَن قَوْله من دعى إِلَى بدعته يعم صَاحب الجلية وَغَيرهَا (وتعليله) أَي تَعْلِيل فَخر الْإِسْلَام (بِأَن الدعْوَة دَاع إِلَى التقول) أَي الْكَذِب (يخصصه) أَي الرَّد، كَذَا فِي نُسْخَة الشَّارِح، وَفِي النُّسْخَة الَّتِي يعْتَمد عَلَيْهَا يُقيد النَّفْي (بِرِوَايَة وفْق مذْهبه) أَي بِرِوَايَة الدَّاعِي مَا هُوَ على وفْق مذْهبه، لِأَن دَعوته إِلَى مذْهبه لَا تستدعي الْكَذِب فِيمَا لَا تعلق لَهُ بترويج مذْهبه وَهُوَ ظَاهر (لَا مُطلقًا) بِأَن لَا تقبل رِوَايَته فِيمَا لَا تعلق لَهُ بمذهبه أَيْضا كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَام بعض الْمُحدثين (وتعليله) أَي فَخر الْإِسْلَام (قبُول شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء) جمع هوى مَقْصُور: وَهُوَ الْميل إِلَى الشَّهَوَات والمستلذات من غير دَاعِيَة الشَّرْع، وَالْمرَاد المبتدعون المائلون إِلَى مَا يهوونه من أَمر الدّين (إِلَّا الخطابية) من الرافضة المنسوبين إِلَى أبي الْخطاب مُحَمَّد بن أبي وهب، وَقيل ابْن أبي زَيْنَب الْأَسدي الأجدع كَانَ يزْعم أَن عليا الْإِلَه الْأَكْبَر وجعفرا الصَّادِق الْإِلَه الْأَصْغَر، وَفِي المواقف قَالُوا: الْأَئِمَّة أَنْبيَاء وَأَبُو الْخطاب نَبِي ففرضوا طَاعَته، بل زادوا على ذَلِك الْأَئِمَّة آلِهَة والحسنان ابْنا الله، وجعفر إِلَه، لَكِن أَبُو الْخطاب أفضل مِنْهُ وَمن عَليّ، فقبحهم الله تَعَالَى مَا أَشد غباوتهم (المتدينين بِالْكَذِبِ لموافقتهم) أَي الَّذين اتَّخذُوا جَوَاز شَهَادَة الْكَذِب لمن وافقهم فِي الْمَذْهَب دينا لَهُم (أَو للْحَالِف) لَهُم على صدقه (بِأَن) صلَة التَّعْلِيل (صَاحب الْهوى وَقع فِيهِ) أَي فِي الْهوى (لتعمقه) فِي الْخَوْض فِي الدّين (وَذَلِكَ) أَي تعمقه فِيهِ (يصده) أَي يمنعهُ (عَن الْكَذِب أَو يرَاهُ) أَي الْكَذِب (حَرَامًا) لِأَن حرمته بِاتِّفَاق جَمِيع الْمذَاهب سوى الخطابية، ثمَّ قَوْله: وتعليله إِلَى آخِره مُبْتَدأ خَبره (يُوجب قبُول) رِوَايَة (الْخَوَارِج كالأكثر) أَي كَقَوْلِهِم لِأَن التعمق الصَّادِر عَن الْكَذِب مَوْجُود فيهم (وَأما شرب النَّبِيذ) من التَّمْر أَو الزَّبِيب إِذا طبخ أدنى طبخة وَإِن اشْتَدَّ مَا لم يسكر من غير لَهو (واللعب بالشطرنج) بالشين مُعْجمَة ومهملة مَفْتُوحَة ومكسورة وَالْفَتْح أشهر بِلَا قمار (وَأكل مَتْرُوك التَّسْمِيَة عمدا من مُجْتَهد ومقلده) أَي الْمُجْتَهد (فَلَيْسَ بفسق) قَوْله من مُجْتَهد مُتَعَلق بِكُل وَاحِد من الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة وَذَلِكَ لِأَن تفسيقهم مُخَالف لما أجمع عَلَيْهِ من أَن للمجتهد أَن يعْمل بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده، وللمقلد

ص: 43

اتِّبَاع الْمُقَلّد (وَمِنْهَا) أَي وَمن الشَّرَائِط (رُجْحَان ضَبطه) أَي الرَّاوِي (على غفلته ليحصل الظَّن) بِثُبُوتِهِ من الشَّارِع (وَيعرف) رُجْحَان ضَبطه (بالشهرة وبموافقة الْمَشْهُورين بِهِ) أَي الضَّبْط فِي رواياته فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى (أَو غلبتها) أَي الْمُوَافقَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعرف رُجْحَان ضَبطه بذلك (فغفلة) أَي فَظَاهر حَاله غَفلَة فَلَا يحْتَج بروايته وَمَا ذكره من الشُّهْرَة والموافقة الخ عَلامَة خَارِجَة عَن حَقِيقَة الضَّبْط (وَأما) تَعْرِيفه بِمَا هُوَ (فِي نَفسه فللحنفية) فِيهِ قَول واف وَهُوَ (توجهه) أَي السَّامع (بكليته) بِأَن لَا يكون لَهُ الْتِفَات إِلَى غير الْمَرْوِيّ (إِلَى كُله) أَي إِلَى مَجْمُوع كَلَام الْمُحدث من أَوله إِلَى آخِره (عِنْد سَمَاعه ثمَّ حفظه) أَي محافظته للمروي فِي الْقلب أَو فِي الْكتاب (بتكريره) لفظا وَمعنى على الأول، وبصون الْكتاب على الثَّانِي (ثمَّ الثَّبَات) عَلَيْهِ بمذاكرته (إِلَى أَدَائِهِ وَمِنْهَا الْعَدَالَة حَال الْأَدَاء وَإِن تحمل فَاسِقًا إِلَّا بفسق) تعمد (الْكَذِب عَلَيْهِ، صلى الله عليه وسلم عِنْد أَحْمد وَطَائِفَة) كَأبي بكر الْحميدِي شيخ البُخَارِيّ والصيرفي، يُؤْخَذ هَذَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم

" إِن كذبا عَليّ لَيْسَ ككذب على أحد من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار " فَإِنَّهُ متواتر على مَا ذكره ابْن الصّلاح، وَذَهَبت طَائِفَة من الْعلمَاء أَن الْكَذِب عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم كفر، غير أَن أَمْثَاله تحمل على الِاسْتِمْرَار عَلَيْهِ من غير تَوْبَة (وَالْوَجْه الْجَوَاز) لروايته وشهادته (بعد ثُبُوت الْعَدَالَة) لِأَن الْمُخْتَار كَمَا ذكره النَّوَوِيّ الْقطع بِصِحَّة تَوْبَته من ذَلِك وَقبُول رِوَايَته بعد صِحَة تَوْبَته، وَقد أَجمعُوا على قبُول رِوَايَة من كَانَ كَافِرًا وَقت التَّحَمُّل ثمَّ أسلم وَكَذَا شَهَادَته (وَهِي) أَي الْعَدَالَة (ملكة) أَي كَيْفيَّة راسخة فِي النَّفس (تحمل على مُلَازمَة التَّقْوَى) وَهُوَ اجْتِنَاب الْكَبَائِر، إِذا الصَّغَائِر مكفرة باجتنابها لقَوْله تَعَالَى - {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ نكفر عَنْكُم سيآتكم} {والمروءة} بِالْهَمْز وَيجوز تَركه وَتَشْديد الرَّاء: وَهِي صِيَانة النَّفس عَن الأدناس، وَمَا يشينها عِنْد النَّاس، وَقيل أَن لَا يَأْتِي مَا يعْتَذر مِنْهُ مِمَّا يبخسه من مرتبته عِنْد الْعُقَلَاء، وَقيل السمت الْحسن وَحفظ اللِّسَان والاجتناب من السخف: أَي الِارْتفَاع عَن كل خلق دنيء (وَالشّرط) لقبُول الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة (أدناها) أَي أدنى مَرَاتِب الْعَدَالَة وَهُوَ (ترك الْكَبَائِر والإصرار على صَغِيرَة) لِأَن الصَّغَائِر قل من سلم مِنْهَا، والإصرار أَن تكَرر فِيهِ الصَّغِيرَة تَكْرَارا يشْعر بقلة مبالاته بِدِينِهِ كَمَا يشْعر بِهِ ارْتِكَاب الْكَبِيرَة، وَلذَا قيل لَا حَاجَة إِلَى ذكر ترك الْإِصْرَار على صَغِيرَة لدُخُوله فِي ترك الْكَبَائِر، لِأَن الْإِصْرَار على الصَّغِيرَة كَبِيرَة، وَقد قَالَ صلى الله عليه وسلم

" لَا كَبِيرَة مَعَ الاسْتِغْفَار وَلَا صَغِيرَة مَعَ الْإِصْرَار ". قَالَ الشَّارِح: وَلَو اجْتمعت الصَّغَائِر مُخْتَلفَة النَّوْع يكون حكمهَا حكم الْإِصْرَار على الْوَاحِدَة إِذا كَانَت بِحَيْثُ يشْعر مجموعها بِمَا يشْعر بِهِ الْإِصْرَار على أَصْغَر الصَّغَائِر. قَالَه ابْن عبد السَّلَام (و) ترك الْإِصْرَار على

ص: 44

(مَا يخل بالمروءة) من الْمُبَاحَات.

(وَأما الْكَبَائِر فروى ابْن عمر) رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي تفصيلها (الشّرك) بِاللَّه (وَالْقَتْل وَقذف المحصنة وَالزِّنَا والفرار من الزَّحْف وَالسحر وَأكل مَال الْيَتِيم وعقوق الْوَالِدين الْمُسلمين والإلحاد فِي الْحرم: أَي الظُّلم وَفِي بَعْضهَا) أَي الطّرق (الْيَمين الْغمُوس) وَفِي الشَّرْح تَفْصِيل فِي بَيَان رَفعه وَوَقفه وكنهه روى مجموعا أَو مفرقا، وَأَنه يصحف الرِّبَا بِالزِّنَا وَأَن الْوَقْف أصح إِسْنَادًا، فَمن أَرَادَ التَّفْصِيل فَليرْجع إِلَيْهِ (وَزَاد أَبُو هُرَيْرَة أكل الرِّبَا، وَعَن عَليّ إِضَافَة السّرقَة وَشرب الْخمر) إِلَى الْكَبَائِر الْمَذْكُورَة. وَقَالَ السُّبْكِيّ: وَالسَّرِقَة لَا نَعْرِف لَهَا إِسْنَادًا عَنهُ كرم الله وَجهه، وَالْخمر: روى عَنهُ أَن مدمنه كعابد وثن انْتهى (وَفِي) الحَدِيث (الصَّحِيح) الْمُتَّفق عَلَيْهِ (قَول الزُّور وَشَهَادَة الزُّور) من الْكَبَائِر، وَمن أكبر الْكَبَائِر أَيْضا، وَهل يتَقَيَّد الْمَشْهُود بِهِ بِقدر نِصَاب السّرقَة تردد فِيهِ ابْن عبد السَّلَام، وَجزم الْقَرَافِيّ بِعَدَمِ التَّقْيِيد بِهِ (وَمِمَّا عد) من الْكَبَائِر أَيْضا نقلا عَن الْعلمَاء (الْقمَار والسرف وَسَب السّلف الصَّالح) من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ (والطعن فِي الصَّحَابَة) من عطف الْخَاص على الْعَام (وَالسَّعْي فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ فِي المَال وَالدّين وعدول الْحَاكِم عَن الْحق وَالْجمع بَين صَلَاتَيْنِ بِلَا عذر) لقَوْله صلى الله عليه وسلم

" من جمع بَين صَلَاتَيْنِ بِلَا عذر فقد أَتَى بَابا من أَبْوَاب الْكَبَائِر " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (وَقيل الْكَبِيرَة مَا توعد عَلَيْهِ) أَي توعد الشَّارِع عَلَيْهِ (بِخُصُوصِهِ) قَالَ الشَّارِح وَقَالَ شَيخنَا الْحَافِظ: وَهَذَا القَوْل جَاءَ عَن جمَاعَة من السّلف وَأَعْلَاهُمْ ابْن عَبَّاس (قيل وكل مَا مفسدته كأقل مَا روى) كَونه كَبِيرَة (مفْسدَة فَأكْثر) أَي فَصَاعِدا (فدلالة الْكفَّار على الْمُسلمين للِاسْتِئْصَال أَكثر من الْفِرَار) من الزَّحْف الْمَعْدُود من الْكَبَائِر (وإمساك المحصنة ليزنى بهَا أَكثر من قَذفهَا، وَمن جعل الْمعول) أَي الضَّابِط للكبيرة (أَن يدل الْفِعْل على الاستخفاف بِأَمْر دينه ظَنّه) أَي الضَّابِط (غَيره) أَي غير مَا قبله (معنى) تَعْرِيض لما فِي الشَّرْح العضدي وَإِشَارَة إِلَى أَن مآلهما وَاحِد (وَمَا يخل بالمروءة صغائر دَالَّة على خسة) فِي النَّفس (كسرقة لقْمَة وَاشْتِرَاط) أَخذ الْأُجْرَة (على) سَماع (الحَدِيث) كَذَا فِي شرح البديع، وَذهب أَحْمد وَإِسْحَاق وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ إِلَى أَنه لَا تقبل رِوَايَة من أَخذ على التحديث أجرا، وَرخّص آخَرُونَ فِيهِ: كالفضل ابْن دُكَيْن شيخ البُخَارِيّ وَعلي بن عبد الْعَزِيز الْبَغَوِيّ. قَالَ ابْن الصّلاح: وَذَلِكَ شَبيه بِأخذ الْأُجْرَة لتعليم الْقُرْآن، غير أَن فِي هَذَا من حَيْثُ الْعرف خرما للمروءة إِن لم يقْتَرن ذَلِك بِعُذْر يَنْفِي ذَلِك عَنهُ كَمَا لَو كَانَ فَقِيرا معيلا وَكَأن الِاشْتِغَال بِالتَّحْدِيثِ يمنعهُ من الِاكْتِسَاب لِعِيَالِهِ (وَبَعض مباحات كَالْأَكْلِ فِي السُّوق) فَفِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد لين أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ

" الْأكل فِي

ص: 45

السُّوق دناءة " وَفِي فروع الشَّافِعِيَّة المُرَاد بِهِ أَن تنصب مائدة وتأكل وَعَادَة مثله خِلَافه، فَلَو كَانَ مِمَّن عَادَته ذَلِك كَأَهل الصَّنَائِع والسماسرة أَو كَانَ فِي اللَّيْل فَلَا، وكالأكل فِي السُّوق الشّرْب من سقايات الْأَسْوَاق إِلَّا أَن يكون سوقيا أَو غَلبه الْعَطش (وَالْبَوْل فِي الطَّرِيق). قَالَ الشَّارِح كَذَا فِي شرح البديع، وَفِي إِبَاحَته نظر لما روى عَنهُ صلى الله عليه وسلم

" من سل سخيمته فِي طَرِيق من طرق الْمُسلمين فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ " وَرِجَاله ثِقَات إِلَّا مُحَمَّد بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ وَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَضَعفه غَيره (والإفراط فِي المزح المفضى إِلَى الاستخفاف بِهِ وصحبة الأراذل وَالِاسْتِخْفَاف بِالنَّاسِ وَفِي إِبَاحَة هَذَا) أَي الاستخفاف بِالنَّاسِ (نظر) وَقد قَالَ صلى الله عليه وسلم

" لَا يدْخل الْجنَّة من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من كبر " فَقَالَ رجل: أَن الرجل يحب أَن يكون ثَوْبه حسنا وَنَعله حسنه قَالَ " إِن الله جميل وَيُحب الْجمال، الْكبر بطر الْحق وغمط النَّاس " رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ، وغمط النَّاس: احتقارهم وازدراؤهم (وتعاطى الْحَرْف الدنيئة) بِالْهَمْز من الدناءة: وَهِي السقاطة الْمُبَاحَة (كالحياكة والصياغة) والحجامة والدباغة وَغَيرهَا مِمَّا لَا يَلِيق بأرباب المروآت وَأهل الديانَات فعلهَا وَلَا ضَرَر عَلَيْهِم فِي تَركهَا، وَفِي بعض فروع الشَّافِعِيَّة، فَإِن اعتادها وَكَانَت حِرْفَة أَبِيه فَلَا فِي الْأَصَح، وَفِي الرَّوْضَة يَنْبَغِي أَن لَا يُقيد بصنعة آبَائِهِ، بل ينظر هَل يَلِيق بِهِ هُوَ أم لَا (وَلبس الْفَقِيه قبَاء وَنَحْوه) كالقلنسوة التركية فِي بلد لم يعتادوه (وَلعب الْحمام) إِذا لم يكن قمارا، لِأَن الْغَالِب فِيهِ الِاجْتِمَاع مَعَ الأراذل: وَهُوَ فعل يستخف بِهِ، وَذَلِكَ لِأَن من لم يجْتَنب هَذِه الْأُمُور لَا يجْتَنب الْكَذِب فِي الْكَذِب فَلَا يوثق بقوله (وَأما الْحُرِّيَّة وَالْبَصَر وَعدم الْحَد فِي قذف و) عدم (الْوَلَاء) أَي الْقَرَابَة من النّسَب أَو النِّكَاح على مَا بَين فِي الْفُرُوع (و) عدم (الْعَدَاوَة) الدُّنْيَوِيَّة (فتختص بِالشَّهَادَةِ) أَي يشْتَرط فِيهَا لَا فِي الرِّوَايَة فَلَا تقبل شَهَادَة الْأَعْمَى لِأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى التَّمْيِيز بِالْإِشَارَةِ بَين الْمَشْهُود لَهُ وَعَلِيهِ وَإِلَى الْإِشَارَة إِلَى الْمَشْهُود بِهِ فِيمَا يجب إِحْضَاره مجْلِس الحكم، وَفِي التَّمْيِيز بالنغمة شُبْهَة يُمكن التَّحَرُّز عَنْهَا بِجِنْس الشُّهُود، وَهَذَا الِاحْتِيَاج مُنْتَفٍ فِي الرِّوَايَة، وَقد ابتلى جمَاعَة من الصَّحَابَة بكف الْبَصَر: كَابْن عَبَّاس وَلم يخْتَلف أحد فِي قبُول روايتهم من غير فحص أَنَّهَا كَانَت قبل الْعَمى أَو بعده، وَلَا شَهَادَة للْعَبد فِي غير هِلَال رَمَضَان لتوقفها على كَمَال ولَايَة الشَّاهِد: إِذْ هِيَ تَنْفِيذ القَوْل على الْغَيْر شَاءَ أَو أَبى، وَهَذَا غير مَوْجُود فِي العَبْد لِأَنَّهَا تعدم بِالرّقِّ وَالرِّوَايَة لَا تعتمد الْولَايَة لِأَن وجوب الْعَمَل بالمروي لَيْسَ بإلزام الرَّاوِي، بل الْتِزَامه طَاعَة الشَّارِع، فَإِذا ترجح صدق الرَّاوِي يلْزمه الْعَمَل بِمُوجب ذَلِك، وَقد يُقَال: إِن الشَّارِع أمره بالانقياد لحكم القَاضِي عِنْد إِقَامَة الْبَيِّنَة وَقد الْتزم طَاعَته فَلَا فرق فَتَأمل (وَعَن أبي حنيفَة) فِي رِوَايَة الْحسن (نفى) قبُول (رِوَايَته) أَي الْمَحْدُود لِأَنَّهُ مَحْكُوم بِفِسْقِهِ لقَوْله تَعَالَى

ص: 46

- {وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} - (وَالظَّاهِر) من الْمَذْهَب (خِلَافه) أَي خلاف نفى رِوَايَته (لقبُول) الصَّحَابَة وَغَيرهم رِوَايَة (أبي بكرَة) من غير تفحص عَن التَّارِيخ فِي خَبره أَنه رَوَاهُ بعد مَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَد أم قبله فَعدم الْحَد مُخْتَصّ بِالشَّهَادَةِ (وَظهر) مِمَّا ذكر من اشْتِرَاط الْعَدَالَة (أَن شَرط الْعَدَالَة يُغني عَن ذكر كثير من الْحَنَفِيَّة شَرط الْإِسْلَام) الْإِضَافَة بَيَانِيَّة، والمضاف مفعول ذكر ثمَّ بَين الشَّرْط بقوله (بِالْبَيَانِ إِجْمَالا) أَي بِأَن يبين الرَّاوِي إِسْلَامه بِأَن يَقُول: آمَنت بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر، والبعث بعد الْمَوْت، وَالْقدر خَيره وشره، لِأَن فِي اعْتِبَاره تَفْصِيلًا حرجا (أَو مَا يقوم مقَامه) أَي مقَام بَيَان الْإِسْلَام إِجْمَالا (من الصَّلَاة) فِي جمَاعَة الْمُسلمين (ولزكاة وَأكل ذبيحتنا) لقَوْله صلى الله عليه وسلم

" من صلى صَلَاتنَا، واستقبل قبلتنا، وَأكل ذبيحتنا فَذَلِك الْمُسلم الَّذِي لَهُ ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله فَلَا تخفروا الله فِي ذمَّته " رَوَاهُ البُخَارِيّ (دون النشأة فِي الدَّار) أَي لَا يقوم مقَامه أَنه نَشأ فِي دَار الْإِسْلَام (بَين أبوين مُسلمين) فَإِنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِهَذَا الْإِسْلَام الْحكمِي شرطا فِي صِحَة الرِّوَايَة. (ثمَّ الْحَنَفِيَّة قَالُوا هَذَا) كُله (فِي الرِّوَايَة وَفِي غَيرهَا) أَي غير الرِّوَايَة (لَا يقبل الْكَافِر) أَي إخْبَاره (مُطلقًا فِي الديانَات كنجاسة المَاء وطهارته وَإِن وَقع عِنْده) أَي السَّامع (صدقه) أَي الْكَافِر، لِأَنَّهُ لَا يستأهل لِأَن يَبْنِي عَلَيْهِ حكم شَرْعِي (إِلَّا أَن فِي النَّجَاسَة) أَي فِيمَا إِذا أخبر بِنَجَاسَة المَاء، وَلم يكن هُنَاكَ مَاء آخر للْوُضُوء (تسْتَحب إراقته) أَي المَاء (للتيمم دفعا للوسوسة العادية) فَإِن الْكفْر لَا يُنَافِي الصدْق، وعَلى تَقْدِيره لَا تحصل الطَّهَارَة بالتوضؤ بِهِ وبتجنس الْأَعْضَاء: فالاحتياط فِي الإراقة وَالتَّيَمُّم لتحصل الطَّهَارَة، والاحتراز عَن النَّجَاسَة بِيَقِين (وَلَا تجوز) الصَّلَاة بِالتَّيَمُّمِ (قبلهَا) أَي إراقته لوُجُود المَاء الطَّاهِر ظَاهرا (بِخِلَاف خبر الْفَاسِق بِهِ) أَي بِكُل من النَّجَاسَة وَالطَّهَارَة (وبحل الطَّعَام وحرمته يحكم) السَّامع (رَأْيه فَيعْمل بِالنَّجَاسَةِ وَالْحُرْمَة إِن وَافقه) أَي رَأْيه كلا مِنْهُمَا (وَالْأولَى إِرَاقَة المَاء) وَإِن وَافق رَأْيه فِي الْأَخْبَار بِنَجَاسَتِهِ لاحْتِمَال كذبه (ليتيمم) تيمما صَحِيحا بِيَقِين (وَتجوز) صلَاته (بِهِ) أَي بِالتَّيَمُّمِ (إِن لم يرقه) وَإِنَّمَا كَانَ خبر الْفَاسِق بِهِ بِخِلَاف خبر الْكَافِر بِهِ (لِأَن الْأَخْبَار بِهِ) أَي بِمَا ذكر من الطَّهَارَة والنجاسة إِنَّمَا (يتعرف مِنْهُ) أَي من الْفَاسِق غَالِبا (لَا من غَيره) أَي الْفَاسِق (لِأَنَّهُ أَمر خَاص) لَا يقف عَلَيْهِ الْجمع الْكثير مثل رِوَايَة الحَدِيث حَتَّى يُمكن تلقيه من الْعُدُول، لِأَن ذَلِك يكون غَالِبا فِي الفيافي والأسواق: فالغالب فيهمَا الْفُسَّاق، فَقيل مَعَ التَّحَرِّي ضَرُورَة (لَكِنَّهَا) أَي النَّجَاسَة (غير لَازِمَة) للْمَاء بل عارضة عَلَيْهِ (فضم التَّحَرِّي) إِلَى أخباره (كَيْلا يهدر فسقه بِلَا ملجئ، وَالطَّهَارَة) تثبت (بِالْأَصْلِ) إِذْ هِيَ الأَصْل فِيهِ،

ص: 47