المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المرصد الأول: في تقسيمها - تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه - جـ ٣

[أمير باد شاه]

فهرس الكتاب

- ‌الْبَاب الثَّانِي من الْمقَالة الثَّانِيَة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْبَاب الثَّالِث

- ‌(فصل: حجية السّنة)

- ‌(فصل: فِي شَرَائِط الرَّاوِي. مِنْهَا كَونه بَالغا حِين الْأَدَاء)

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌ مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌فصل فِي التَّعَارُض

- ‌مسئلة

- ‌(فصل الشَّافِعِيَّة}

- ‌مسئلة

- ‌فصل

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْبَاب الرَّابِع فِي الْإِجْمَاع

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌ مسئلة

- ‌ مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌‌‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْبَاب الْخَامِس

- ‌من الْأَبْوَاب الْخَمْسَة من الْمقَالة الثَّانِيَة فِي أَحْوَال الْمَوْضُوع

- ‌فصل فِي الشُّرُوط

- ‌مسئلة

- ‌المرصد الأول: فِي تقسيمها

- ‌تَتِمَّة

الفصل: ‌المرصد الأول: في تقسيمها

‌المرصد الأول: فِي تقسيمها

(تَنْقَسِم) الْعلَّة (بِحَسب الْمَقَاصِد، و) بِحَسب (الْإِفْضَاء إِلَيْهَا) أَي إِلَى الْمَقَاصِد (و) بِحَسب (اعْتِبَار الشَّارِع) لَهَا عِلّة.

(فَالْأول) أَي انقسامها بِحَسب الْمَقَاصِد (وَهُوَ) أَي هَذَا الانقسام (بِالذَّاتِ للمقاصد ويستتبعه) أَي يستتبع انقسام الْمَقَاصِد انقسام الْعلَّة (وَهِي) أَي الْمَقَاصِد الَّتِي تدل على اعْتِبَار الْوَصْف (ضَرُورِيَّة) وَهِي مَا انْتَهَت الْحَاجة إِلَيْهَا إِلَى حد الضَّرُورَة، وَلِهَذَا (لم تهدر فِي مِلَّة) من الْملَل السالفة، بل روعيت لما يتَوَقَّف عَلَيْهَا نظام الْعَالم وَأَنه لَا يبْقى النَّوْع مُسْتَقِيم الْحَال إِلَّا بهَا وَهِي خَمْسَة (حفظ الدّين بِوُجُوب الْجِهَاد وعقوبة الدَّاعِي إِلَى الْبدع، وَقد يُوَجه للحنفية أَنه) أَي وجوب الْجِهَاد (لكَوْنهم) أَي الْكفَّار (حَربًا علينا لَا) ل (كفرهم وَلذَا) لَا تقتل الْمَرْأَة) لعدم كَونهَا أَهلا للحرب غَالِبا (والرهبان) أَي المعتزلون عَن النَّاس لِلْعِبَادَةِ إِذا لم يزِيدُوا على الْكفْر بسلطنة أَو قتال أَو رَأْي أَو حث عَلَيْهِ بِمَال أَو مُطلقًا فَإِن مثلهم لَا يَتَأَتَّى مِنْهُم الْحَرْب غَالِبا (وَقبلت الْجِزْيَة) مِمَّن هُوَ أهل لَهَا لعدم الْحِرَابَة وتقوى الْمُسلمين بهَا (ولزمت المهادنة) أَي الْمُصَالحَة إِذا احْتِيجَ إِلَيْهَا لانْتِفَاء حربهم مَعَ وجود كفرهم (وَلَا يُنَافِيهِ) أَي وجوب الْجِهَاد لكَوْنهم حَربًا علينا وُجُوبه لحفظ الدّين، فَإِنَّهُ لَا يتم مَعَ خرابتهم فَإِنَّهَا مفضية إِلَى قتل الْمُسلم أَو تفتنه عَن دين الْإِسْلَام، ويؤيدهم الْإِجْمَاع على عدم قتل الذِّمِّيّ والمستأمن وَالصَّبِيّ وَالْمَرْأَة إِلَى غير ذَلِك (و) حفظ (النَّفس بِالْقصاصِ، و) حفظ (الْعقل بِكُل من حُرْمَة) السكر (وَحده) أَي الْمُسكر (و) حفظ (النّسَب بِكُل من حُرْمَة الزِّنَا وَحده، و) حفظ (المَال بعقوبة السَّارِق والمحارب) وَزَاد السُّبْكِيّ وَغَيره حفظ الْعرض بِحَدّ الْقَذْف (وَيلْحق بِهِ) أَي بالضروري (مكملة من حُرْمَة قَلِيل الْخمر الْمُسكر وَحده) أَي حد قليلها مَعَ أَنه لَا يزِيل الْعقل (إِذْ كَانَ) قليلها (يَدْعُو إِلَى كثير) مِنْهَا بِمَا يُورث النَّفس من الطَّرب الْمَطْلُوب زِيَادَته، وَالشَّارِح قَرَأَهَا بِالْهَاءِ وَاعْتذر عَن التَّذْكِير بِأَنَّهُ بِتَأْوِيل الْمُسكر، وَفِيه مَا فِيهِ (فيزيل) كثيرها (الْعقل فتحريم كل) فعل (دَاعِيَة) إِلَى محرم (مُقْتَضى) هَذَا (الدَّلِيل) بِمَعْنى تَحْرِيم الْقَلِيل لكَونه يَدْعُو إِلَى التكثير، ثمَّ أَنه (ثَبت الشَّرْع على وَفقه) أَي مُقْتَضَاهُ (فِي الِاعْتِكَاف وَالْحج) فَحرمت دواعي الْجِمَاع فِيهِ كَمَا حرم الْجِمَاع (و) ثَبت (على خِلَافه فِي الصَّوْم) فَلم تحرم دواعي الْجِمَاع فِيهِ كَمَا حرم الْجِمَاع، وَإِنَّمَا يكره إِذا لم يَأْمَن على نَفسه (وَلم يثبت) الشَّرْع على خِلَافه (فِي الظِّهَار فتحريم) الْجِمَاع (الْحَنَفِيَّة إِيَّاهَا) أَي الدَّوَاعِي (فِيهِ) أَي الظِّهَار (على وَفقه وَهَذَا) الْمَقْصُود الضَّرُورِيّ والمكمل لَهُ هُوَ (الْمُنَاسب الْحَقِيقِيّ، ودونها) أَي الضرورية مَقَاصِد

ص: 306

(حاجية) لم تَنْتَهِ إِلَى حد الضَّرُورَة (شرع) إِلَى دونهَا (لَهَا) أَي للْحَاجة إِلَيْهَا (نَحْو البيع) لملك الْعين بعوض (وَالْإِجَارَة) لملك الْمَنْفَعَة كَذَلِك (والقراض) للمشتركين فِي الرِّبْح بِمَال من وَاحِد وَعمل من الآخر (وَالْمُسَاقَاة) كدفع الشّجر إِلَى من يعْمل فِيهِ بِجُزْء من ثَمَرَة (فَإِنَّهَا) أَي هَذِه المشروعات (لَو لم تشرع لم يلْزم فَوَات شَيْء من الضروريات) الْخمس (إِلَّا قَلِيلا كالاستئجار لإرضاع من لَا مُرْضِعَة لَهُ وتربيته وَشِرَاء المطعوم والملبوس للعجز عَن الِاسْتِقْلَال بالتسبب فِي وجودهَا) أَي الْمَذْكُورَات فاحتيج (إِلَى دفع حَاجته) أَي الْمُحْتَاج إِلَيْهَا (بهَا) أَي إِطْلَاق الحاجي هَذِه الْعُقُود، فَهَذِهِ المستثنيات من قبيل الضَّرُورِيّ لحفظ النَّفس لِأَن الْهَلَاك قد يحصل بِتَرْكِهَا (فالتسمية) أَي إِطْلَاق الحاجي على الْمَذْكُورَات (بِاعْتِبَار الْأَغْلَب) فَإِن أَكثر الشراآت والإجارات مُحْتَاج إِلَيْهِ، لَا ضَرُورِيّ (ومكملها) أَي مكمل الحاجية أَيْضا دون الضرورية بل هُوَ أولى بذلك (كوجوب رِعَايَة الْكَفَاءَة وَمهر الْمثل على الْوَلِيّ فِي) تَزْوِيج (الصَّغِيرَة) فَإِن أصل الْمَقْصُود من شرع النِّكَاح وَإِن كَانَ حَاصِلا بِدُونِهَا لَكِنَّهَا إفضاء إِلَى دَوَامه وإتمام مقاصده من الألفة وَغَيرهَا فَوَجَبَ رعايتها احْتِرَازًا عَن الاختلال (إِلَّا لدلَالَة عِنْد أبي حنيفَة وَحده على حُصُول الْمَقْصُود دونهَا) أَي دون رعايتها، اسْتثِْنَاء من وجوب رعايتها على مَذْهَب أبي حنيفَة وَحده من غير مُشَاركَة أَصْحَابه مَعَه: أَي وَجب رعايتها عِنْد الْكل فِي جَمِيع الْأَحْوَال إِلَّا عِنْده إِذا دلّ الدَّلِيل على حُصُول الْمَقْصُود الَّذِي هُوَ مَبْنِيّ وجوب الرِّعَايَة بِدُونِ الرِّعَايَة وسيظهر لَك كَيْفيَّة الدّلَالَة (كتزويج أَبِيهَا) أَي الصَّغِيرَة أوجدها الصَّحِيح أبي أَبِيهَا (من عبد وبأقل) من مهر مثلهَا، وكل مِنْهَا غير مَعْرُوف بِسوء الِاخْتِيَار وَلَا بالمجانة وَالْفِسْق، فَإِن عِنْد ذَلِك لَا تتَحَقَّق الدّلَالَة على حُصُول الْمَقْصُود لعدم كَمَال الرَّأْي ووفورا لشفقة فَإِن الْأَب بِاعْتِبَار كَمَال قربه مَظَنَّة وفور الشَّفَقَة فَلَا يتْرك رعايتها إِلَّا لمصْلحَة تربو عَلَيْهَا. فاتضح كَيْفيَّة الدّلَالَة، بِخِلَاف غَيرهمَا من الْعصبَة لوفور الشَّفَقَة وَالأُم لنُقْصَان الرَّأْي (وَهَذَا) الْقسم الْمُشْتَمل على الحاجي ومكمله (الْمُنَاسب المصلحي، وَغير الحاجي) المصلحي (تحسيني) أَي من قبيل رِعَايَة أحسن المناهج فِي محَاسِن الْعَادَات (كَحُرْمَةِ القاذورات حثا على مَكَارِم الْأَخْلَاق والتزام الْمُرُوءَة) قَالَ تَعَالَى فِي وصف نَبينَا صلى الله عليه وسلم {يحل لَهُم الطَّيِّبَات وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث} - وَقَالَ صلى الله عليه وسلم " بعثت لأتمم مَكَارِم الْأَخْلَاق "(وكسلب العَبْد) وَإِن كَانَ ذَا رَأْي يظنّ صدقه (أَهْلِيَّة الْولَايَة من الشَّهَادَة وَالْقَضَاء وَغَيرهمَا) كالإمامة الْكُبْرَى لانحطاط رتبته عَن الْحر لكَونه مستسخرا للْمَالِك مَشْغُولًا بخدمته فَلَا تلِيق بِهِ المناصب الشَّرِيفَة إِجْرَاء للنَّاس على مَا ألفوه من الْعَادَات المستحسنة.

ص: 307

(الثَّانِي) انقسامها بِحَسب الْإِفْضَاء، وأقسامه (خَمْسَة: لِأَن حُصُول الْمَقْصُود) من شرع الحكم عِنْد الْوَصْف لجلب الْمَنْفَعَة للْعَبد أَو دفع الْمفْسدَة أَو لكليهما فِي الدُّنْيَا أَو الْآخِرَة (إِمَّا) أَن يكون (يَقِينا كَالْبيع للْحلّ) أَي لثُبُوت الْملك فِي الْبَدَلَيْنِ حَلَالا (أَو ظنا كَالْقصاصِ للإنزجار) عَن الْقَتْل الْعمد الْعدوان فَإِن صِيَانة النَّفس تحصل بِهِ ظنا (لأكثرية الممتنعين عَنهُ) أَي عَن الْقَتْل الْعمد الْعدوان بِالنِّسْبَةِ إِلَى المقدمين عَلَيْهِ (والاتفاق) ثَابت (عَلَيْهِمَا) أَي على هذَيْن الْقسمَيْنِ (أَو شكا أَو وهما) وَفِيه خلاف (وَالْمُخْتَار فيهمَا الِاعْتِبَار) ثمَّ مَا تساوى فِيهِ حُصُوله ونفيه لَا مِثَال لَهُ فِي الشَّرْع على التَّحْقِيق بل على التَّقْرِيب (كَحَد الْخمر) فَإِنَّهُ شرع (للزجر) عَن شربهَا لحفظ الْعقل (وَقد ثَبت) حَدهَا (مَعَ الشَّك فِيهِ) أَي الإنزجار عَن شربهَا لِأَن استدعاء الطباع شربهَا يُقَاوم خوف عِقَاب الْحَد، وَلَا يظْهر عَادَة غَلَبَة أَحدهمَا، وَاعْترض بِأَن ذَلِك للمسامحة فِي إِقَامَة الْحُدُود وَالْكَلَام مَبْنِيّ على فرض الْإِقَامَة وَأجِيب بِأَنَّهُ على ذَلِك التَّقْدِير أَيْضا لَا شكّ أَن الانزجار بِحَدّ الشّرْب دون الانزجار بِالْقصاصِ، وَهُنَاكَ ظَنِّي فَيكون هَهُنَا مشكوكا، وَفِيه مَا فِيهِ فَإِن قلت إِن أُرِيد بظنية حُصُول الْحِكْمَة ظن ترتبها على الحكم بِالنِّسْبَةِ إِلَى كل من خُوطِبَ بِهِ فَهُوَ غير صَحِيح للْقطع بترتبها فِي الْبَعْض وَلعدم ترتبها فِي الآخر، وَإِن أُرِيد بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَعْض فَهُوَ حَاصِل فِي جَمِيع الْأَحْكَام قطعا قُلْنَا نَخْتَار الأول وَالظَّن حَاصِل فِي كل شخص إِذا نظر الْفِعْل إِلَى نفس الحكم وَالْحكمَة وَمن خُوطِبَ بِهِ مَعَ قطع النّظر عَن الِاطِّلَاع على حَاله فِي الْخَارِج من حَيْثُ حُصُوله الْحِكْمَة فِي حَقه وَعدمهَا غير أَن ظَاهر قَوْله لأكثرية الممتنعين إِلَى آخِره يَأْبَى عَنهُ، فلك أَن تحمله على التَّنْوِير والتأييد لَا على الِاسْتِدْلَال، وَيُؤَيّد مَا قُلْنَا قَوْلهم لِأَن استدعاء الخ فَإِنَّهُ يُشِير إِلَى أَن استدعاء الطباع الانتقام لَا يُقَاوم خوف الْقصاص، أَلا ترى أَن الممتنعين عَنهُ أَكثر، فقد يخْتَلف فِي بعض الْأَحْكَام حَال أَفْرَاد من خُوطِبَ بِهِ نظرا إِلَى أَحْوَالهم كالملك المرفه وَالْفَقِير الضَّعِيف فِي رخصَة السّفر والمشرقي المتزوج بالمغربية والمصاحب امْرَأَته فِي إِلْحَاق الْوَلَد إِلَى العقد لنفي التُّهْمَة (ورخصة السّفر) شرعت (للْمَشَقَّة وَالنِّكَاح وللنسل) وَقد (ثبتا مَعَ ظن الْعَدَم) أَي عدم الْمَشَقَّة والنسل (فِي) سفر (ملك مرفه) يسير فِي كل يَوْم مِقْدَارًا لَا يتعبه (و) نِكَاح (آيسة، فَعلم أَن الْمُعْتَبر) فِي إفضاء الْوَصْف للْحكم (الْحُصُول فِي جنس الْوَصْف لَا فِي كل جزئي) من جزئياته (وَلَا) فِي (أَكْثَرهَا) أَي الجزئيات (أَو) يكون يَقِين الْعَدَم كإلحاق ولد مغربية بمشرقي) تزوج بهَا وَقد (علم عدم تلاقيهما جعلا للْعقد مَظَنَّة حُصُول النُّطْفَة فِي الرَّحِم وَوُجُوب الِاسْتِبْرَاء) المجعول مَظَنَّة لبراءة الرَّحِم من الْوَلَد (على من اشْتَرَاهَا) أَي أمة (فِي مجْلِس رَبِيعه) إِيَّاهَا لآخر فِيهِ وَلم يغيبا عَنهُ، وَهَذَا مُخْتَلف فِيهِ أَيْضا

ص: 308

(وَالْجُمْهُور على مَنعه) أَي اعْتِبَار هَذَا الطَّرِيق (لِأَنَّهُ لَا عِبْرَة بالمظنة) وَمحل ظن وجود الْحِكْمَة (مَعَ الْعلم بِانْتِفَاء المئنة) أَي نفس الْحِكْمَة (وَنسب) فِي بعض شُرُوح البديع (إِلَى الْحَنَفِيَّة اعْتِبَاره) أَي هَذَا الطَّرِيق (وَلَا شكّ فِي الثَّانِي) أَي فِي انْتِفَاء المئنة فِي الْأمة الْمَذْكُورَة للْقطع بِعَدَمِ الْجِمَاع (بِخِلَاف الأول) أَي ولد المغربية الْمَذْكُورَة (لتعذر الْقطع بِعَدَمِ الملاقاة) بَينهمَا لجَوَاز أَن يكون صَاحب كَرَامَة أَو صَاحب جني (ومجيزه) أَي هَذَا الطَّرِيق (أَبُو حنيفَة لَا هما) أَي صَاحِبَاه، وَإِنَّمَا أجَازه (نظرا إِلَى ظَاهر الْعلَّة) يَعْنِي العقد (لَا إِلَى مَا تضمنته) الْعلَّة (من الْحِكْمَة) أَي النّسَب كَمَا قَالَه الْجُمْهُور (أما لَو لم تخل) الْعلَّة (مصلحَة الْوَصْف) أَي مصلحَة يتضمنها الْوَصْف بِأَن كَانَت مَوْجُودَة فِيهَا (لَكِن استلزم شرع الحكم لَهَا) أَي لتِلْك الْمصلحَة (مفْسدَة تساويها) أَي تِلْكَ الْمصلحَة (أَو ترجحها فَقيل لَا تنخرم الْمُنَاسبَة) الْمُعْتَبرَة فِي الْعلَّة (الْمُوجبَة للاعتبار) نعم ينتفى الحكم بِوُجُود الْمَنَافِع، وَهَذَا اخْتِيَار الرَّازِيّ (ومختار الْآمِدِيّ وَأَتْبَاعه الانخرام لِأَنَّهُ لَا مصلحَة مَعَ مُعَارضَة مفْسدَة مثلهَا) فِي الرُّتْبَة، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت حقيرة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمصلحَة فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تمنع اعْتِبَار الحكم (وَمن قَالَ بِعْهُ بِرِبْح مثل مَا تخسر) يَعْنِي بِعْ متاعك بِرِبْح نظرا إِلَى مشتراك وَخذ فِي مُقَابلَته مَتَاعا فِيهَا خسارة مِقْدَار ذَلِك الرِّبْح (عد) هَذَا البيع (خَارِجا عَن تصرف الْعُقَلَاء قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الانخرام (لَا ترجح مصلحَة) صِحَة (الصَّلَاة فِي) الأَرْض (الْمَغْصُوبَة) على مفْسدَة حرمتهَا فِيهَا، بل هِيَ إِمَّا مُسَاوِيَة أَو دونهَا وَقد جَازَت فهيا فَعلم عدم اشْتِرَاط رُجْحَان الْمصلحَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم تكن مصلحتها مُسَاوِيَة للمفسدة وَلَا مرجوحة، بل تكون راجحة على الْمفْسدَة (أجمع على الْحل) أَي على حل الصَّلَاة فِي الْمَغْصُوبَة للاتفاق على عدم اعْتِبَار الْمفْسدَة المرجوحة (أُجِيب) عَن الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور بِأَن كلامنا فِيمَا إِذا نَشأ الْمصلحَة والمفسدة من شَيْء وَاحِد، وَهُوَ الْوَصْف، وَفِي الصَّلَاة الْمَذْكُورَة (لم ينشأ من) شَيْء (وَاحِد كَالصَّلَاةِ) فَإِن الْمفْسدَة لم تنشأ مِنْهَا بل من الْغَصْب، وَلذَا لَو شغلها بِغَيْر الصَّلَاة كَانَت الْحُرْمَة ثَابِتَة والمصلحة من الصَّلَاة وَلَو نشآ مَعًا من الصَّلَاة لما صحت قطعا (وَإِذا لزم) فِي عدم انحزام الْمُنَاسبَة (رُجْحَانهَا) أَي الْمصلحَة على الْمفْسدَة (فَلهُ) أَي للمرجح (فِي تَرْجِيح إِحْدَاهمَا) الْمصلحَة والمفسدة (عِنْد تعارضهما طرق تفصيلية فِي خصوصيات المسالك تنشأ) تِلْكَ الطّرق (مِنْهَا) أَي من تِلْكَ الخصوصيات (و) طَرِيق (إجمالي شَامِل) لجَمِيع الْمسَائِل (يسْتَعْمل فِي مَحل النزاع) وَهُوَ مَا أَفَادَهُ بقوله (لَو لم يقدر رُجْحَانهَا) أَي الْمصلحَة على الْمفْسدَة (هُنَا) أَي فِي مَحل النزاع (لزم التَّعَبُّد الْبَاطِل) أَي ثُبُوت الحكم لَا لمصْلحَة وَهَذَا الَّذِي ذكرنَا إِنَّمَا هُوَ فِي أَحْكَام لم يقصر الْعقل عَن دَرك حكمهَا والمصالح فِيهَا (بِخِلَاف مَا قصر

ص: 309

عَن دركه) فَإِن التَّعَبُّد فِيهِ لَيْسَ بباطل، لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يُقَال فِيهِ أَن الحكم ثَبت لَا لمصْلحَة لقُصُور عقولنا عَن دركه، ثمَّ بَين السَّبَب فِي أَنهم اتَّفقُوا على اعْتِبَار الْوَصْف عِنْد رُجْحَان الْمصلحَة وَلم يتفقوا على الْغَايَة عِنْد رُجْحَان الْمفْسدَة بقوله:(قيل وَوُقُوع الِاتِّفَاق على الِاعْتِبَار عِنْد رُجْحَان الْمصلحَة دون الإلغاء لرجحان الْمفْسدَة لشدَّة اهتمام الشَّارِع برعاية الْمصَالح وابتناء الْأَحْكَام عَلَيْهَا فَلم تهمل) الْمصلحَة (مرجوحة على الِاتِّفَاق) بل كَانَت على الْخلاف.

(وَأما الثَّالِث) أَي انقسام الْعلَّة بِسَبَب اعْتِبَار الشَّارِع الْوَصْف عِلّة (فَإِذا كَانَ الْقَصْد إصْلَاح المذهبين) للحنفية وَالشَّافِعِيَّة، وَفِي بعض النّسخ اصْطِلَاح المذهبين، وعَلى هَذَا يقدر الْمُضَاف: أَي بَيَان اصطلاحهما وعَلى الأول لَا يلْزم عدم اصطلاحهما فِي حد ذاتيهما قبله: بل بِاعْتِبَار النُّقْصَان فِي بَيَان ناقليهما (فَاخْتلف طرق الشَّافِعِيَّة من الْغَزالِيّ وَشَيْخه) إِمَام الْحَرَمَيْنِ (والرازي والآمدي اقتصرنا على) الطَّرِيق (الشهيرة) يَعْنِي قصدت اسْتِيفَاء مصلحاتهما فَوجدت كَثْرَة الِاخْتِلَاف على وَجه يطول الْكَلَام جدا بِاسْتِيفَاء الْأَقْوَال فاقتصرت على الشهيرة (المثبتة) المتقنة المحكمة وَترك الْأَقْوَال الضعيفة (وَالْمُنَاسِب بذلك) الْمحل (الِاعْتِبَار) أَي اعْتِبَار الشَّارِع ذَلِك الْوَصْف عِلّة أَرْبَعَة (مُؤثر وملائم وغريب ومرسل، فالمؤثر مَا) أَي وصف (اعْتبر عينه فِي عين الحكم بِنَصّ) من كتاب أَو سنة (كالحدث بالمس) أَي بِمَسّ الذّكر، فَإِن عين الْمس اعْتبر فِي عين الْحَدث فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم " من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ " وَهَذَا الْمِثَال على قَول الشَّافِعِيَّة (وعَلى) قَول (الْحَنَفِيَّة سُقُوط نَجَاسَة الْهِرَّة بالطوف) فَإِن عين الطوف اعْتبر فِي عين السُّقُوط بقوله صلى الله عليه وسلم " أَنَّهَا لَيست بنجسة إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم والطوافات "(فتعدى) بسقوطها (إِلَى الْفَأْرَة) بِعَين الطّواف (والأوضح) فِي التَّمْثِيل (السكر فِي الْحُرْمَة) فَإِن عين السكر اعْتبر فِي عين التَّحْرِيم بقوله صلى الله عليه وسلم " كل مُسكر حرَام " وَجه الأوضحية أَن عين الْوَصْف وَعين الحكم منصوصان فِي هَذَا النَّص بِخِلَاف الْأَوَّلين فَإِن الْحَدث نَفسه غير مَنْصُوص وَكَذَا السُّقُوط فِي الْمِثَال الثَّانِي (أَو إِجْمَاع) مَعْطُوف على نَص (كولاية المَال بالصغر) أَو ولَايَة التَّصَرُّف للْوَلِيّ فِي مَال الصَّغِير، فَإِن عين الصغر اعْتبر فِي عين الولايتين بِالْإِجْمَاع (وَقد يُقَال) مَا اعْتبر (نَوعه) فِي نوع الحكم بدل عَنهُ فِي عينه كَمَا قَالَ صدر الشَّرِيعَة (نفيا لتوهم اعْتِبَاره) أَي الْوَصْف (مُضَافا لمحل) كالسكر الْمَخْصُوص بِالْخمرِ وَالْحُرْمَة الْمَخْصُوصَة بهَا فَيكون للخصوصية مدْخل فِي الْعلية وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا سمى بالمؤثر لظُهُور تَأْثِيره فِي الحكم أَو الْإِجْمَاع وَالْمرَاد ثُبُوته بالِاتِّفَاقِ لذكر الْمُرْسل فِي مُقَابِله وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ فَلَا اتِّفَاق إِلَّا فِيهِ وَلم يعْتَبر الثُّبُوت بِالْقِيَاسِ. هَاهُنَا، لِأَن الْقيَاس فِي الْأَسْبَاب غير مُعْتَبر (والملائم مَا) أَي وصف (ثَبت) عينه

ص: 310

(مَعَه) أَي مَعَ عين الحكم (فِي الأَصْل مَعَ ثُبُوت اعْتِبَار عينه فِي جنس الحكم بِنَصّ أَو إِجْمَاع أَو قلبه) أَي مَا ثَبت مَعَه فِي الأَصْل مَعَ اعْتِبَار جنسه فِي عين الحكم، سمى بِهِ لكَونه مُوَافقا لما اعْتَبرهُ الشَّرْع (أَو جنسه) مَعْطُوف على مَا عطف عَلَيْهِ قلبه (فِي جنسه) أَي الحكم (فَالْأول) أَي الْعين مَعَ الْعين فِي الأَصْل بِمُجَرَّد تَرْتِيب الحكم على وَفقه مَعَ ثُبُوت اعْتِبَار عينه فِي جنس الحكم (كالصغر فِي حمل انكاحها) أَي الصَّغِيرَة (على مَا لَهَا فِي ولَايَة الْأَب) فَإِنَّهُ وصف ملائم لترتيب ثُبُوت ولَايَة الْأَب لانكاحها غليه كَمَا فِي تَرْتِيب ثُبُوتهَا على مَا لَهَا (فَإِن عين الصغر (مُعْتَبر فِي جنس الْولَايَة بِالْإِجْمَاع لاعتباره) أَي الصغر (فِي ولَايَة المَال) بِالْإِجْمَاع. وَلما كَانَ فِي هَذَا الْمِثَال نظر لِأَنَّهُ لم يعْتَبر فِيهِ أَولا عين الْوَصْف مَعَ عين الحكم بل ابْتِدَاء جعل عين الْوَصْف مؤثرا فِي جنس الحكم، قَالَ (وصواب الْمِثَال للحنفية الثّيّب الصَّغِيرَة على الْبكر الصَّغِيرَة فِي ولَايَة الانكاح بالصغر) أَي ثُبُوت إنكاح الْأَب الثّيّب قِيَاسا على ثُبُوت ولَايَة إنكاحه الصَّغِيرَة الْبكر بِجَامِع الصغر (وعينه) أَي الصغر اعْتبر (فِي جِنْسهَا) أَي الْولَايَة (لاعتباره) أَي الصغر (الخ) أَي فِي جنس الْولَايَة بِاعْتِبَارِهِ فِي ولَايَة المَال لثبوتها بِالْإِجْمَاع (لِأَن إِثْبَات اعْتِبَاره) أَي الْوَصْف عِلّة (بِنَصّ أَو إِجْمَاع فِي الْجِنْس) إِنَّمَا هُوَ (بإظهاره) أَي بِاعْتِبَارِهِ (فِي) مَحل (آخر) من جنس الأَصْل (لَا فِي عين حكم الأَصْل لِأَن ذَلِك) أَي الَّذِي اعْتبر فِي عين حكم الأَصْل إِنَّمَا هُوَ (الْمُؤثر) لَا الملائم. (وَالثَّانِي) وَهُوَ قلب الأول اعْتِبَار جنس الْوَصْف فِي عين الحكم (فِي حمل الْحَضَر حَالَة الْمَطَر على السّفر فِي) جَوَاز (الْجمع) بَين المكتوبتين (بِعُذْر الْمَطَر، وجنسه) أَي جنس عذر الْمَطَر (الْحَرج) أَي الضّيق مُؤثر (فِي عين رخصَة الْجمع بِالنَّصِّ على اعْتِبَاره) أَي الْجِنْس الْمَذْكُور (فِي عين الْجمع) فِي السّفر إِذْ الْحَرج جنس يَشْمَل الضّيق الْحَاصِل من خوف الضلال والانقطاع، وَمِنْه الْمَطَر، ونه التأذي بِهِ، عَن أنس أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا عجل بِهِ السّير يُؤَخر الظّهْر إِلَى وَقت الْعَصْر فَيجمع بَينهمَا وَيُؤَخر الْمغرب حَتَّى يجمع بَينهَا وَبَين الْعشَاء حَتَّى يغيب الشَّفق إِلَى غير ذَلِك فَإِن قلت النَّص إِنَّمَا دلّ على جَوَاز الْجمع فِي السّفر لَا على علية الْحَرج لَهُ قُلْنَا من الْمَعْلُوم كَونه من فروع - {مَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} - (أما حرج لسفر فبالثبوت مَعَه فَقَط) أَي إِنَّمَا اعْتبر عين حرج السّفر فِي الحكم الَّذِي هُوَ الْجمع بِمُجَرَّد ترَتّب الحكم على وَفقه إِذْ لَا نَص وَلَا إِجْمَاع على علية نفس حرج السّفر (وَالْحق أَن الْمُضَاف هُوَ مَحل النَّص) أَي أَن الْمُعْتَبر فِي حكم الأَصْل هُوَ الْمُضَاف إِلَى السّفر، يَعْنِي حرج السّفر (فَلَا يتَعَدَّى) حكم الأَصْل إِلَى غَيره ضَرُورَة أَن الْمحل جُزْء من الْمُعْتَبر فِي حكمه (لَا) أَن مَحل النَّص هُوَ الْحَرج (الْمُطلق) عَن الْإِضَافَة (وَإِلَّا تعدى) حكم

ص: 311

رخصَة الْجمع (إِلَى ذِي الصِّنَاعَة الشاقة) لوُجُود الْحَرج فِيهِ (وَلم يحْتَج إِلَى الإناطة بِالسَّفرِ) بل كَانَ يُضَاف إِلَى الْحَرج مُطلقًا (إِذْ لَا خَفَاء فِي الْمُطلق) أَي مَا يُطلق عَلَيْهِ الْحَرج عرفا (كالإسكار فِي الْخمر) والإناطة فِي السّفر لَيْسَ إِلَّا لعدم انضباط مَا هُوَ الْعلَّة بِالْحَقِيقَةِ فَإِنَّهَا حرج خَاص بِمَعْرِِفَة الْإِضَافَة، فَلَيْسَ مِثَالا للملائم الَّذِي اعْتبر فِيهِ جنس الْوَصْف فِي عين الحكم (وَأَيْضًا فَذَلِك) أَي دلَالَة ثُبُوت الْجِنْس فِي الْعين على صِحَة اعْتِبَار الْعين إِنَّمَا يكون (بعد ثُبُوت الْعين فِي المحلين) الأَصْل وَالْفرع كالصغر فِي الْمِثَال السَّابِق (وَلَيْسَ الْمَطَر) الَّذِي هُوَ الْعين هَهُنَا (هُوَ الأَصْل) الَّذِي هُوَ السّفر، وَإِنَّمَا هُوَ الْفَرْع فَقَط وَهُوَ الْحَضَر. قَالَ الشَّارِح هَذَا مِثَال تقديري على قَول من جوز الْجمع بَينهمَا بِلَا عذر فِي الْحَضَر بِشَرْط أَن لَا يتَّخذ عَادَة، وَمِمَّنْ نقل عَنهُ ابْن سِيرِين وَرَبِيعَة وَأَشْهَب وَابْن الْمُنْذر خلافًا لعامة الْعلمَاء تمسكا بِمَا عَن ابْن عَبَّاس

" جمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَين الظّهْر وَالْعصر وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء بِالْمَدِينَةِ من غير خوف وَلَا مطر. قَالَ سعيد بن جُبَير فَقلت لِابْنِ عَبَّاس لم فعل ذَلِك؟ قَالَ أَرَادَ أَن لَا يحرج أمته " رَوَاهُ مُسلم (ولبعض الْحَنَفِيَّة) لصَاحب البديع وَصدر الشَّرِيعَة فِي تَمْثِيل الثَّانِي (كاعتبار جنس الْمَضْمَضَة المومى إِلَيْهَا فِي عدم إفسادها الصَّوْم) فِي حَدِيث عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَيْثُ قَالَ

" هششت فَقبلت وَأَنا صَائِم فَقلت يَا رَسُول الله صنعت الْيَوْم أمرا عَظِيما فَقبلت وَأَنا صَائِم قَالَ: أَرَأَيْت لَو تمضمضت بِالْمَاءِ وَأَنت صَائِم؟ قلت لَا بَأْس قَالَ فَمه " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح على شَرط مُسلم، وَقَالَ الْحَاكِم على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَمعنى فَمه: أَي فَمَا الْفرق بَينهمَا فَإِن جنس الْوَصْف الَّذِي هُوَ الْمَضْمَضَة اعْتبر فِي عين الحكم وَهُوَ عدم الْإِفْسَاد (وَهُوَ) أَي جنسه (عدم دُخُول شَيْء إِلَى الْجوف وَلَيْسَ) هَذَا (مِمَّا نَحن فِيهِ، وَهُوَ) أَي مَا نَحن فِيهِ (الْعلَّة بِمَعْنى الْبَاعِث بل الانتفاء) للإفساد (لانْتِفَاء ضد الرُّكْن) للصَّوْم: يَعْنِي دُخُول شَيْء إِلَى الْجوف (مَعَ أَنه من الْعين) أَي اعْتِبَار عين الْوَصْف هُوَ عدم دُخُول شَيْء فِي الْجوف (فِي الْعين) أَي عين الحكم وَهُوَ عدم إِفْسَاد الصَّوْم فَهُوَ من الْمُؤثر. (وَالثَّالِث) أَي الْوَصْف الْمَذْكُور مَعَ ثُبُوت جنسه فِي جنس الحكم (كَالْقَتْلِ بالمثقل) أَي كقياسه (عَلَيْهِ) أَي على الْقَتْل (بالمحدد) فِي الحكم الَّذِي هُوَ الْقَتْل (بِالْقَتْلِ الْعمد الْعدوان) أَي بِهَذَا الْجَامِع كَمَا عَلَيْهِ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهم (وجنسه) أَي الْقَتْل الْعمد الْعدوان (الْجِنَايَة على البنية) للْإنْسَان، وَقد يعْتَبر (فِي جنس الْقصاص وَلَيْسَ) من هَذَا الْقَتِيل (فَإِنَّهُ من الْمُؤثر) لِأَن الْوَصْف الَّذِي هُوَ الْقَتْل الْعمد الْعدوان فِي حكم الأَصْل الَّذِي هُوَ الْقَتْل بِهِ ثَابت بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع (فَقيل) وقائله التَّفْتَازَانِيّ (لَا نَص وَلَا إِجْمَاع على أَن الْعلَّة) فِي الأَصْل (الْقَتْل وَحده أَو) الْقَتْل (مَعَ قيد كَونه بالمحدد، وَلَو صَحَّ) مَا قيل (لزم انْتِفَاء الْمُؤثر لتأتيه) أَي مثل مَا قَالَ (فِي كل

ص: 312

وصف مَنْصُوص بِالنِّسْبَةِ إِلَى قيد يفْرض فَإِن قيل إِنَّمَا قُلْنَا) ذَلِك (إِذا قَالَ بالقيد مُجْتَهد وَلَيْسَ) هَذَا (فِي الْكل) أَي كل أَمْثِلَة الْمُؤثر (قُلْنَا إِن سلم) أَن إبداء قيد يفْرض إِنَّمَا يسمع إِذا قَالَ بِهِ مُجْتَهد، وَفِيه إِشَارَة إِلَى منع اعْتِبَار قَول الْمُجْتَهد فِي إبداء قيد يفْرض بل يرد على ذَلِك الْمُجْتَهد فَإِن إبداء قيد مَا لم يقل بِهِ مُجْتَهد فَتَأمل (فمنتف) جَوَاب الشَّرْط: أَي قَول الْمُجْتَهد مُنْتَفٍ (فِي الْمِثَال) الْمَذْكُور (فَإِن أَبَا حنيفَة لم يعْتَبر فِي الْعلَّة سواهُ) أَي غير الْقَتْل الْعمد الْعدوان (غير أَنه يَقُول انْتَفَت الْعلَّة بِانْتِفَاء دَلِيل العمدية) وَهُوَ الْقَتْل بِمَا لَا يثبت لتفريقه الْأَجْزَاء فَإِنَّهَا أَمر مبطن، وَهَذَا يظهرها فأقيم مقَام الْوُقُوف على حَقِيقَة الْقَصْد (ولبعض الْحَنَفِيَّة) كصدر الشَّرِيعَة فِي التَّمْثِيل الثَّالِث (الطوف فِي طَهَارَة سُؤْر الْهِرَّة) اعْتبر جنسه (وجنسه الضَّرُورَة: أَي الْحَرج فِي جنسه) أَي الحكم (التَّخْفِيف وَهُوَ) أَي مَا قَالَه إِنَّمَا يتم (على تَقْدِير عدم النَّص عَلَيْهِ) أَي على عين الْوَصْف: أَي الطوف وَلَيْسَ كَذَلِك فَهُوَ (كَالَّذي قبله) من قبيل الْمُؤثر. (والغريب مَا) أَي وصف (لم يثبت) فِيهِ (سوى) اعْتِبَار (الْعين) أَي عين ذَلِك الْوَصْف (مَعَ الْعين) أَي عين الحكم بترتب الحكم عَلَيْهِ فَقَط (فِي الْمحل كالفعل الْمحرم لغَرَض فَاسد فِي حرمَان الْقَاتِل) الْإِرْث من الْمَقْتُول، فَإِن هَذَا الْوَصْف: أَي الْفِعْل الْمحرم (يثبت) الحرمان (مَعَه فِي الأَصْل) أَي قتل الْوَارِث مُوَرِثه (وَلَا نَص وَلَا إِجْمَاع على اعْتِبَار عينه) أَي الْوَصْف الْمَذْكُور (فِي جنسه) أَي الحكم (أَو) على اعْتِبَار (جنسه) أَي الْوَصْف (فِي أَحدهمَا) عين الحكم أَو جنسه (ليلحق بِهِ) أَي الْفَاعِل فعلا محرما لغَرَض فَاسد (الفار) من تَوْرِيث زَوجته بِطَلَاقِهَا فِي مرض مَوته إِذا مَاتَ وَهِي فِي الْعدة (وبالثبوت) أَي بِثُبُوت الْوَصْف مَعَ الحكم (بعد مَا قيل إِنَّمَا هُوَ مِثَال لغريب الْمُرْسل) الَّذِي لم يظْهر إلغاؤه وَلَا اعْتِبَاره، كَذَا وجدنَا فِي النّسخ المصححة. وَكَانَ فِي نُسْخَة الشَّارِح قبل قَوْله وبالثبوت زِيَادَة، فَقَالَ الشَّارِح: كَانَ فِي النُّسْخَة مَكَان يثبت مَعَه فِي الأَصْل ثَبت مَعَه فِي الْجُمْلَة فَقَالَ قِيَاسا على ذَلِك (وَقَوْلنَا فِي الْجُمْلَة لِأَنَّهُ) أَي الْوَصْف الَّذِي هُوَ الْفِعْل الْمحرم (قد ثَبت مَعَ عَدمه) أَي عدم الحكم، وَهُوَ الحرمان (فِيمَا لم يقْصد المَال) أَي أَخذه بذلك الْفِعْل وَهُوَ مَا إِذا كَانَ أَجْنَبِيّا وَلَيْسَ بِزَوْج وَلَا زَوْجَة، فَإِن حرمَان الْإِرْث فرع مَا إِذا كَانَ بِحَيْثُ يَرث مِنْهُ أهـ (وَاعْلَم أَنه يُمكن فِي الأَصْل اعتباران: الْقَتْل) فِي الْوَصْف (والحرمان) فِي الحكم (فَيكون) الْوَصْف مناسبا (مؤثرا) فِي الحكم لاعْتِبَار عين الْوَصْف فِي عين الحكم بِنَصّ، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم " لَا يَرث الْقَاتِل شَيْئا من قَاتله "(أَو) الْفِعْل (الْمحرم) فِي الْوَصْف (ونقيض قَصده) أَي الْفَاعِل فِي الحكم (وَيتَعَيَّن) هَذَا الِاعْتِبَار (فِي الْمِثَال، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعْتَبر هَكَذَا (اخْتلف الحكم فيهمَا) أَي فِي الأَصْل وَالْفرع (إِذْ هُوَ) أَي الحكم (فِي الأَصْل عدم الْمِيرَاث وَالْفرع الْمِيرَاث

ص: 313

فَإِن لم يثبت) الْوَصْف مَعَ الحكم (أصلا فالمرسل) أَي فَهُوَ الْمُرْسل. (وينقسم) الْمُرْسل (إِلَى مَا علم إلغاؤه كَصَوْم الْملك عَن كَفَّارَته لمشقته) أَي الصَّوْم (بِخِلَاف إِعْتَاقه) فَإِنَّهُ سهل عَلَيْهِ وَالصِّيَام مَعَ الْقُدْرَة على الْإِعْتَاق مُخَالف للنَّص، فَهَذَا الْقسم مَعْلُوم الإلغاء (وَمَا لم يعلم) إلغاؤه (وَلم يعلم اعْتِبَار جنسه) أَي الْوَصْف (فِي جنسه) أَي الحكم (أَو) لم يعلم اعْتِبَار (عينه) أَي الْوَصْف (فِي جنسه) أَي الحكم (أَو) لم يعلم اعْتِبَار (قلبه) أَي الْجِنْس فِي الْعين (وَهُوَ) أَي هَذَا الْقسم الثَّانِي (الْغَرِيب الْمُرْسل وهما) أَي القسمان الْمَذْكُورَان (مردودان اتِّفَاقًا، وَأنكر على يحيى بن يحيى) تلميذ الإِمَام مَالك (إفتاؤه) بعض مُلُوك الغرب فِي كَفَّارَة (بِالْأولِ) أَي بِحكم مَا علم إلغاؤه، وَهُوَ الصَّوْم (بِخِلَاف الْحَنَفِيّ) أَي إِفْتَاء من أفتى من الْحَنَفِيَّة عِيسَى بن ماهان وَإِلَى خُرَاسَان فِي كَفَّارَة يَمِين بِالصَّوْمِ (مُعَللا) تعين الصَّوْم عَلَيْهِ (بفقره لتبعاته) فَإِن مَا عَلَيْهِ من التَّبعَات فَوق مَاله من الْأَمْوَال، فَعَلَيهِ كَفَّارَة من لَا يملك شَيْئا (وَهُوَ) أَي هَذَا التَّعْلِيل (ثَانِي تعليلي يحيى بن يحيى: حَكَاهُمَا بعض الْمَالِكِيَّة) الْمُتَأَخِّرين، وَهُوَ ابْن عَرَفَة (عَنهُ) أَي عَن يحيى بن يحيى فَإِنَّهُ تَعْلِيل مُتَّجه لَيْسَ من قبيل مَعْلُوم الإلغاء فَلْيَكُن الْمعول عَلَيْهِ، وَالْأول علاوته (وَمَا علم اعْتِبَار أَحدهَا) أَي جنسه فِي جنسه أَو عينه فِي جنسه أَو جنسه فِي عينه (وَهُوَ) أَي هَذَا الْقسم (الْمُرْسل الملائم. وَعَن الشَّافِعِي وَمَالك قبُوله): وَذكر الْأَبْهَرِيّ أَنه لم يثبت عَنْهُمَا والسبكي أَن الَّذِي صَحَّ عَن مَالك اعْتِبَار جنس الْمصَالح قطعا، وَإِنَّمَا يسوغ الشَّافِعِي تَعْلِيق الْأَحْكَام بالمصالح الشبيه بالمصالح الْمُعْتَبرَة وفَاقا، وبالمصالح المستندة إِلَى أَحْكَام ثَابِتَة الْأُصُول وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ يخْتَار نَحْو ذَلِك (وَشرط الْغَزالِيّ) فِي قبُوله ثَلَاثَة شُرُوط (كَون مصْلحَته ضَرُورِيَّة قَطْعِيَّة: أَي ظنا يقرب مِنْهُ كُلية) كَمَا لَو تترس الْكفَّار بأسرى الْمُسلمين فِي حربهم، وَعلمنَا أَنه لَو لم نرم الترس استأصلوا الْمُسلمين المتترس بهم وَغَيرهم بِالْقَتْلِ وَإِن رميناهم سلم أَكثر الْمُسلمين، فَيجوز رميهم وَإِن قتل فيهم مُسلم بِلَا ذَنْب لحفظ بَاقِي الْأمة لِأَنَّهُ أقرب إِلَى مَقْصُود الشَّارِع، فَعلم الْمصلحَة الْمَقْصُودَة للشارع بِالضَّرُورَةِ بأدلة كَثِيرَة، وَكَونهَا قريبَة من الْقطع لجَوَاز دفعهم عَن الْمُسلمين بِغَيْر رميهم، وَكَونهَا كُلية لتعلقها ببيضة الْإِسْلَام إِلَّا أَنَّهَا مُخْتَصَّة بِبَعْض مِنْهُم، وَدَلِيل كَون هَذَا من الملائم أَنه لم يُوجد الْمعِين وَثَبت اعْتِبَار الْجِنْس فِي الْجِنْس وَلم يعْتَبر الشَّارِع الْجِنْس الْقَرِيب لهَذَا الْوَصْف فِي الْجِنْس الْقَرِيب لهَذَا الحكم، لَكِن اعْتبر جنسه فِي جنس الحكم كَمَا فِي الرُّخْصَة فِي اسْتِبَاحَة الْمُحرمَات وَاعْترض بِأَن هَذَا فِي جنسه الْأَبْعَد، أَعنِي الْأَعَمّ من ضَرُورَة حفظ النَّفس، وَهُوَ مُطلق الضَّرُورَة، والأبعد غير كَاف فِي الملاءمة، وَفِي التَّلْوِيح: الأولى أَن يُقَال اعْتبر الشَّرْع حُصُول النَّفْع الْكثير فِي تحمل الضَّرَر الْيَسِير، وَتَحْقِيق هَذِه الشُّرُوط فِي غَايَة الندرة

ص: 314

فَلَا يجوز بِنَاء الحكم عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَدُور على وصف ظَاهر منضبط، وَإِلَى مَا ذكرنَا أَشَارَ بقوله (فَلَا يَرْمِي المتترسون بِالْمُسْلِمين لفتح حصن) لِأَن فَتحه لَيْسَ بضروري (وَلَا) يَرْمِي المتترسون بِالْمُسْلِمين (لظن استئصال الْمُسلمين) ظنا بَعيدا من الْقطع (وَلَا يَرْمِي بعض أهل السَّفِينَة لنجاة بعض) لأَنهم لَيْسُوا كل الْأمة، على أَنه تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح (وَهُوَ) أَي هَذَا الْقسم (الْمُسَمّى بالمصالح الْمُرْسلَة) لإطلاقها عَمَّا يدل على اعْتِبَارهَا أَو إلغائها (وَالْمُخْتَار) عِنْد أَكثر الْعلمَاء (رده) مُطلقًا (إِذْ لَا دَلِيل على الِاعْتِبَار) أَي اعْتِبَار الشَّرْع (وَهُوَ دَلِيل شَرْعِي) فَلَا يَصح بِدُونِ اعْتِبَار الشَّارِع (فَوَجَبَ رده) لعدم الِاعْتِبَار (قَالُوا فتخلوا وقائع) كَثِيرَة مِمَّا يبتلى بِهِ الْمُكَلف فَيحْتَاج إِلَى معرفَة حكم الله تَعَالَى فِيهَا للْعَمَل (قُلْنَا نمْنَع الْمُلَازمَة) أَي لَا نسلم أَنه يلْزم من عدم اعْتِبَار مَا ذكر أَن تَخْلُو الوقائع من الحكم (لِأَن العمومات) من الْكتاب وَالسّنة (والأقسية شَامِلَة) لجَمِيع الوقائع (وَبِتَقْدِير عَدمه) أَي عدم الشُّمُول (فنفى كل مدرك خَاص حكمه الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة) يَعْنِي إِذا انْتَفَى فِي حَادِثَة وجود مَأْخَذ من الْأَدِلَّة الْأَرْبَعَة فَعمل بِمُوجب أصل كلي مُقَرر فِي الشَّرْع اتِّفَاقًا، وَهِي الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة فَإِنَّهُ الأَصْل فِي الْأَشْيَاء على مَا عرف فِي مَحَله (فَلم تخل عَن حكم الشَّرْع) وَاقعَة (وَهُوَ الْمُبْطل) أَي الْخُلُو عَن الحكم هُوَ الْمُبْطل للرَّدّ الْمَذْكُور (فَظهر اشْتِرَاط لفظ الْغَرِيب والملائم بَين مَا ذكر من الْأَقْسَام الأول للمناسب، والثواني للمرسل، وَسَيذكر أَنه يجب من الْحَنَفِيَّة قبُول الْقسم الْأَخير من الْمُرْسل، فاتفاقهم) إِنَّمَا هُوَ (فِي نفي الْأَوَّلين، وَجعل الْآمِدِيّ الْخَارِجِي) أَي الْمُحَقق فِي الْخَارِج (من الملائم) قسما (وَاحِدًا) وَهُوَ مَا اعْتبر فِيهِ خُصُوص الْوَصْف فِي خُصُوص الحكم وعمومه فِي عُمُومه (قَالَ الْمُنَاسب أَن) كَانَ (مُعْتَبرا بِنَصّ أَو إِجْمَاع فالمؤثر وَإِلَّا فَإِن) كَانَ مُعْتَبرا (بترتيب الحكم على وَفقه فتسعة، لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يعْتَبر خُصُوص الْوَصْف أَو عُمُومه أَو خصوصه وعمومه) مَعًا (فِي عين الحكم) مِمَّا لَا يكون بِنَصّ أَو إِجْمَاع لِأَن ذَلِك من الْمُؤثر، بل اعْتِبَار ناشي مِنْهُ اعْتِبَار عينه فِي جنس الحكم (أَو جنسه أَو عينه) أَي الحكم (وجنسه) فَإِن قلت فعلى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يقْتَصر على هَذِه الاعتبارات الثَّلَاثَة قلت فرق بَين أَن يكون للوصف صَلَاحِية اعْتِبَار الْعين فِي الْعين بِسَبَب أَحدهمَا وَبَين أَن يعْتَبر أهل الشَّرْع ذَلِك، فَإِنَّهُ تتأكد تِلْكَ الصلاحية، وَقد يعْتَبر مُجَرّد ثُبُوت الْعين مَعَ الْعين من غير أحد الْأُمُور الثَّلَاثَة: كَذَا فِي الْغَرِيب (ثمَّ غير الْمُعْتَبر) بِأَن لَا يَتَرَتَّب الحكم على وَقفه فِي الأَصْل (إِمَّا أَن يظْهر إلغاؤه أَو لَا) فَهَذِهِ جملَة الْأَقْسَام (وَالْوَاقِع مِنْهَا فِي الشَّرْع لَا يزِيد على خَمْسَة: مَا اعْتبر خُصُوص الْوَصْف فِي خُصُوص الحكم وعمومه) أَي الْوَصْف (فِي عُمُومه) أَي الحكم فِي مَحل آخر (وَيُسمى الملائم كَقَتل المثقل إِلَى الخ) فَإِنَّهُ ظهر تَأْثِير عينه، فِي عين الحكم وَهُوَ وجوب الْقَتْل فِي المحدد لَكِن لم يثبت بِالنَّصِّ

ص: 315

أَو الْإِجْمَاع عَلَيْهِ مُجَرّد الْقَتْل عُدْوانًا لجَوَاز مدخلية المحدد فِي الْعلية كَيفَ وَإِلَّا لَكَانَ من الْمُؤثر وتأثير جنسه وَهُوَ الْجِنَايَة على الْمحل الْمَعْصُوم بالقود فِي جنس الْقَتْل من حَيْثُ الْقصاص فِي الْأَيْدِي فَهَذَا هُوَ الأول اتّفق القائسون على قبُوله، وَمَا عداهُ فمختلف فِيهِ (وَمَا اعْتبر الْخُصُوص) فِي الْخُصُوص (فَقَط) لَكِن (لَا بِنَصّ أَو إِجْمَاع، وَهُوَ الْمُنَاسب الْغَرِيب كالإسكار فِي تَحْرِيم الْخمر لَو لم ينص) أَي على تَقْدِير عدم النَّص (إِنَّمَا على عينه) أَي الْإِسْكَار (فِي عينه) أَي التَّحْرِيم (إِذْ لم يظْهر اعْتِبَار عينه) أَي الْوَصْف فِي جنس الحكم (وَلَا جنسه) أَي الْإِسْكَار (فِي جنسه) أَي التَّحْرِيم (أَو عينه) أَي التَّحْرِيم (وَمَا اعْتبر جنسه) أَي الْوَصْف (فِي جنسه) أَي أَي الحكم (فَقَط وَلَا نَص وَلَا إِجْمَاع، وَهَذَا من جنس الْمُنَاسب الْغَرِيب إِلَّا أَنه) أَي هَذَا الْقسم (دون مَا سبق) وَكَذَا قَالَ فِي الأول وَهُوَ الْمُنَاسب الْغَرِيب (وَذَلِكَ كاعتبار جنس الْمَشَقَّة الْمُشْتَركَة بَين الْحَائِض وَالْمُسَافر فِي جنس التَّخْفِيف المتناول لإِسْقَاط الصَّلَاة) رَأْسا (و) إِسْقَاط (الرَّكْعَتَيْنِ) من الرّبَاعِيّة فَهَذَا هُوَ الثَّالِث (وَمَا لم يثبت) اعْتِبَاره وَلَا إلغاؤه (كالتترس) كَمَا سبق وَهُوَ الْمُنَاسب الْمُرْسل فَهَذَا هُوَ الرَّابِع (أَو) الْمُنَاسب الَّذِي (ثَبت إلغاؤه) وَلم يثبت اعْتِبَاره كَمَا فِي إِيجَاب الصَّوْم فِي كَفَّارَة الْملك فِي فطر رَمَضَان، فَهَذَا هُوَ الْخَامِس (ثمَّ جنس كل) من الحكم وَالْوَصْف ثَلَاث مَرَّات (قريب) أَو سافل (وبعيد) تَحْتَهُ جنس لَا فَوْقه (ومتوسط) بَينهمَا (فالعالي) من الحكم (الحكم ثمَّ الْوُجُوب وَأحد مقابلاته) من التَّحْرِيم وَالنَّدْب وَالْكَرَاهَة وَالْإِبَاحَة (ثمَّ الْعِبَادَة أَو الْمُعَامَلَة ثمَّ الصَّلَاة أَو البيع ثمَّ الْمَكْتُوبَة أَو النَّافِلَة أَو البيع بِشَرْطِهِ على تساهل لَا يخفى لِأَنَّهَا) أَي الْعِبَادَة وَمَا بعْدهَا (أَفعَال لَا أَحْكَام، وَالْوَصْف) العالي جنسه (كَونه وَصفا يناط بِهِ الْأَحْكَام، ثمَّ الْمُنَاسب، ثمَّ الْمصلحَة الضرورية، ثمَّ حفظ النَّفس، أَو مقابلاته) أَو حفظ الدّين وَحفظ الْعقل وَحفظ المَال، وَهَذَا جنس سافل (وَمثل الْوَصْف أَيْضا بعجز الصَّبِي غير الْعَاقِل وَعجز الْمَجْنُون نَوْعَانِ) من الْعَجز (جنسهما الْعَجز لعدم الْعقل وفوقه الْعَجز لضعف القوى أَعم من الظَّاهِرَة والباطنة على مَا يَشْمَل الْمَرِيض) وفوقه الْجِنْس الَّذِي هُوَ الْعَجز النَّاشِئ عَن الْفَاعِل بِدُونِ اخْتِيَاره على مَا يَشْمَل الْمَحْبُوس وفوقه الْجِنْس الَّذِي هُوَ الْعَجز النَّاشِئ عَن الْفَاعِل وَعَن مَحل الْفِعْل وَعَن الْخَارِج، كَذَا فِي التَّلْوِيح فَهَذَا هُوَ الْجِنْس العالي (وَلَا يشكل أَن الظَّن بِاعْتِبَار الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب أقوى لِكَثْرَة مَا بِهِ الِاشْتِرَاك) فِي الْأَقْرَب بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَبْعَد، مثلا مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ النَّاس اشْتَمَل عَلَيْهِ الحساس مَعَ زِيَادَة وَهَكَذَا (وَشرط بَعضهم) أَي الشَّافِعِيَّة فِي وجوب الْعَمَل بالملائم (شَهَادَة الْأُصُول) بعد مُطَابقَة الْوَصْف قوانين الشَّرْع، وَالْمرَاد بالأصول مَا يتَعَلَّق بِالْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع بالحكم الْمُعَلل بِالْوَصْفِ الْمَذْكُور. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي المُرَاد بِشَهَادَة الأَصْل

ص: 316

أَن يكون للْحكم الْمُعَلل أصل معِين من نَوعه يُوجد فِيهِ جنس الْوَصْف أَو نَوعه (سَلَامَته) أَي الْوَصْف إِمَّا بِالرَّفْع خبر الضَّمِير الرَّاجِح إِلَى شَهَادَة الْأُصُول، وَإِمَّا بِالنّصب عطف بَيَان لَهَا من قبيل التَّفْسِير باللازم (من إِبْطَاله بِنَصّ أَو إِجْمَاع أَو تخلف) للْحكم المنوط بِهِ (عَنهُ) فِي بعض صور وجوده (أَو وجود وصف يَقْتَضِي ضد مُوجبه كلا زَكَاة فِي ذُكُور الْخَيل فَلَا) زَكَاة (فِي إناثها بِشَهَادَة الْأُصُول بالتسوية) بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث فِي سَائِر السوائم فِي الزَّكَاة وجوبا وسقوطا. ثمَّ قيل لَا بُد من الْعرض على كل الْأُصُول لينقطع احْتِمَال النَّقْض والمعارضة، وَقيل أدنى مَا يجب عَلَيْهِ خرق الْعرض أصلان، لِأَن الْعرض على الْكل مُتَعَذر أَو متعسر فَوَجَبَ الِاقْتِصَار على أصلين كَمَا فِي الِاقْتِصَار فِي تَزْكِيَة الشَّاهِد. قَالَ شمس الْأَئِمَّة وَمن شَرط الْعرض على الْوَصْف بالتأثير وَالْعرض ظُهُوره، وَالْعرض على الأَصْل كل لم يجد بدا على الْعَمَل، فَإِنَّهُ يَقُول خَصمه وَرَاء هَذَا أصل آخر معَارض أَو نَاقض. وَقَالَ مَشَايِخنَا إِنَّمَا تثبت عَدَالَة الْوَصْف بالتأثير وَالْفَرْض ظُهُوره، وَالْعرض على الْأُصُول لَا يَقع بِهِ التَّعْدِيل، وَالْأُصُول شُهُود للْحكم (وَاعْلَم أَن الْحَنَفِيَّة) قَائِلُونَ (التَّعْلِيل بِكُل من الْأَرْبَعَة) الْعين فِي الْعين، وَفِي الْجِنْس كالجنس فِي الْجِنْس وَفِي الْعين (مَقْبُول، فَإِن) كَانَ التَّعْلِيل (بِمَا عينه أَو جنسه) مُؤثر (فِي عين الحكم فَقِيَاس إنفاقا للُزُوم أصل الْقيَاس) فِي كل من هذَيْن، وَيُقَال لما تَأْثِير عينه فِي عين الحكم أَنه فِي معنى الأَصْل وَهُوَ الْمَقْطُوع بِهِ الَّذِي رُبمَا يقر بِهِ مُنكر الْقيَاس، إِذْ لَا فرق إِلَّا بتعذر الْمحل (وَإِلَّا) فَإِن كَانَ عينه فِي جنس الحكم أَو جنسه فِي جنسه (فقد) يكون قِيَاسا اتِّفَاقًا (بِأَن يكون) مَا عينه فِي جنس الحكم من قبيل مَا يكون (الْعين فِي الْعين أَيْضا) فيستدعي أصلا مقيسا عَلَيْهِ (فَيكون مركبا) وَكَذَا مَا جنسه فِي جنسه قد يكون مَعَ ذَلِك فِي عينه، فَيكون لَهُ أصل فَيكون قِيَاسا وَقد لَا، وَيجب قبُولهَا للحنفية، إِذْ كل من الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة من أَقسَام الْمُؤثر عِنْدهم (وشمس الْأَئِمَّة) السَّرخسِيّ قَالَ الْأَصَح عِنْدِي (الْكل قِيَاس دَائِما لِأَن مثله) أَي هَذَا الْوَصْف (لَا بُد لَهُ) فِي الشَّرْع (من أصل قِيَاس) فِي الشَّرْع لَا محَالة (إِلَّا أَنه قد يتْرك لظُهُوره) كَمَا قُلْنَا فِي إِيدَاع الصَّبِي لَا يضمن لِأَنَّهُ سلطه على ذَلِك فَإِنَّهُ بِهَذَا الْوَصْف يكون مقيسا على أصل وَاضح، وَهُوَ أَن من بَاعَ الصَّبِي طَعَاما فتناوله لم يضمن لَهُ لِأَنَّهُ بِالْإِبَاحَةِ مسلط على تنَاوله، وَرُبمَا لَا يَقع الِاسْتِغْنَاء عَنهُ، فيذكر كَمَا قُلْنَا فِي طول الْحرَّة أَنه لَا يمْنَع نِكَاح الْأمة إِن كل نِكَاح يَصح من العَبْد بِإِذن الْمولى هُوَ صَحِيح من الْحر كَنِكَاح الْحرَّة، هَذَا إِشَارَة إِلَى معنى مُؤثر، وَهُوَ أَن الرّقّ ينصف الْحل الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ عقد النِّكَاح وَلَا يبد لَهُ غَيره بِحل آخر، فَيكون الرَّقِيق فِي النّصْف الْبَاقِي بِمَنْزِلَة الْحر فِي الْكل، كَذَا ذكر الشَّارِح الْمَذْكُور.

ص: 317

فِي التَّلْوِيح من كَلَام شمس الْأَئِمَّة مَا فِي الْمَتْن فَقَط وَلَا يخفى أَن الْمِثَال الثَّانِي حَاصله جَوَاز نِكَاح ذِي الطول الْأمة مُعَللا بِالْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَة الْمَأْخُوذَة، من أَن الرّقّ منصف لما ذكر مبدل، وَهِي على تَقْدِير تَسْلِيمهَا اسْتِدْلَال غير الْقيَاس، وَنِكَاح الْحرَّة لَا يصلح مقيسا عَلَيْهِ للفرع الْمَذْكُور سَوَاء فسرناه بِنِكَاح الْحر الْحرَّة، أَو العَبْد الْحرَّة لعدم كَونه مُعَللا بِالْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَة (وعَلى هَذَا) الَّذِي ذهب إِلَيْهِ شمس الْأَئِمَّة (لَا بُد فِي التَّعْلِيل مُطلقًا من الْعين فِي الْعين أَو الْجِنْس فِيهِ) أَي الْعين (فَإِن أصل الْقيَاس لَا يتَحَقَّق إِلَّا بذلك) أَي بتأثير الْعين فِي الْعين أَو الْجِنْس فِي الْعين (فَلَا يُعلل بِالْجِنْسِ فِي الْجِنْس أَو الْعين فِي الْجِنْس تعليلا بسيطا أصلا وَيحْتَاج إِلَى استقراء يفِيدهُ) أَي هَذَا الْمَطْلُوب (ثمَّ قَوْلهم) أَي الْحَنَفِيَّة (بِكُل من الْأَرْبَعَة يَشْمَل الْعين فِي الْعين فَقَط) كَمَا يَشْمَل الْأَقْسَام الثَّلَاثَة الْأُخَر: جنسه فِي عينه فَقَط، وجنسه فِي جنسه فَقَط (ومرادهم) أَي الْحَنَفِيَّة (إِذا ثَبت) التَّأْثِير الْمَذْكُور (بِنَصّ أَو إِجْمَاع وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يثبت بِأَحَدِهِمَا بل بِالْقِيَاسِ (لزمَه) أَي الْوَصْف الْمُعَلل بِهِ (التَّرْكِيب) من القياسين وَالْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي الْبَسِيط (وسمى بَعضهم) أَي صدر الشَّرِيعَة تبعا للرازي (مَا يُوجد) فِيهِ (من أصل الْقيَاس) أَي مَا يكون لحكمه أصل معِين من نَوعه يُوجد فِيهِ جنس الْوَصْف أَو نَوعه سَوَاء اعْتبر الشَّارِع علته أَولا (شَهَادَة الأَصْل فشهادة الاصل أَعم من كل من الاعتبارين) اعْتِبَار النَّوْع فِي النَّوْع وَالْجِنْس فِي النَّوْع (مُطلقًا. أَي يصدق) شَهَادَة الأَصْل (عِنْده) أَي مَا يُوجد من أصل الْقيَاس، لِأَنَّهُ كلما وجد اعْتِبَار نوع الْوَصْف أَو جنسه فِي نوع الحكم فقد وجد للْحكم أصل معِين من نوع يُوجد فِيهِ جنس الْوَصْف أَو نَوعه، لَكِن لَا يلْزم أَنه كلما وجد لَهُ أصل معِين فَوجدَ فِيهِ جنس الْوَصْف أَو نَوعه وجد فِيهِ بِاعْتِبَار نوع الْوَصْف أَو جنسه فِي نوع الحكم لجَوَاز عدم اعْتِبَار الشَّارِع لَهُ مَعَ وجوده (وَمن الآخرين) أَي وَشَهَادَة الأَصْل أَعم من اعْتِبَار الْجِنْس فِي الْجِنْس، واعتباره النَّوْع فِي الْجِنْس (من وَجه) فتوجد شَهَادَة الأَصْل بِدُونِ كل مِنْهُمَا وَيُوجد كل مِنْهُمَا بِدُونِ شَهَادَة الأَصْل، وَقد يوجدان مَعًا، كَذَا ذكره صدر الشَّرِيعَة وَيلْزم مِنْهُ إِثْبَات شَهَادَة بِدُونِ التَّأْثِير، وَتعقبه فِي التَّلْوِيح (وَالْمَشْهُور من معنى شَهَادَة الأَصْل مَا ذكرنَا. ثمَّ لَا يخفى أَن لُزُوم الْقيَاس مِمَّا جنسه) أَي جنس الْوَصْف الثَّابِت اعْتِبَاره فِي الأَصْل بِنَصّ أَو إِجْمَاع (فِي الْعين) أَي عين الحكم فِي الأَصْل (لَيْسَ إِلَّا بِجعْل الْعين) أَي عين الْوَصْف (عِلّة) لذَلِك الحكم (بِاعْتِبَار تضمنها) أَي عين الْوَصْف (الْعلَّة) لذَلِك الحكم (جنسه) بدل من الْعلَّة (فَيرجع إِلَى اعْتِبَار الْعين فِي الْعين) يُرِيد بَيَان كَيْفيَّة لُزُوم الْقيَاس مِمَّا ذكر على وَجه يسْتَلْزم كَون عين الْوَصْف عِلّة للْحكم الْمَطْلُوب فِي الْقيَاس الْمَذْكُور. تلخيصه أَنا إِذا

ص: 318

وجدنَا أَن الشَّارِع اعْتبر جنس الْوَصْف عِلّة لعين الحكم فِي مَحل، وأردنا أَن نجْعَل عين الْوَصْف عِلّة لَهُ فِي مَحل آخر قُلْنَا: إِن عين بِالْوَصْفِ عِلّة لَهُ فِي ذَلِك الْمحل الآخر، لِأَن عينه يتَضَمَّن لجنسه، وَقد علم اعْتِبَار الشَّارِع علية ذَلِك الْجِنْس لعين هَذَا الحكم فِي الْمحل الأول، فنعتبره عِلّة لَهُ فِي هَذَا الْمحل أَيْضا لوُجُود الْمُنَاسبَة مَعَ الِاعْتِبَار الْمَذْكُور، فَتكون علية الْعين فِي الْحَقِيقَة بِاعْتِبَار جِنْسهَا. نقل عَن المُصَنّف فِي تَمْثِيل هَذَا تَعْلِيل عتق الْأَخ عِنْد شِرَاء أَخِيه إِيَّاه بِأَنَّهُ ملكه أَخُوهُ بِاعْتِبَار الشَّارِع تَأْثِير جنسه، أَعنِي ملك ذِي الرَّحِم الْمحرم فِي عين الحكم وَهُوَ الْعتْق، فالمؤثر فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ إِلَّا ملك ذِي الرَّحِم الْمحرم، فثبوت الْعتْق مَعَ ملك الْأَخ لَيْسَ من حَيْثُ أَنه ملك الْأَخ، بل من حَيْثُ أَنه ملك ذِي الرَّحِم الْمحرم (والبسائط أَربع) حَاصِلَة (من) ضرب (الْعين وَالْجِنْس فِي الْعين وَالْجِنْس) عين الْوَصْف فِي عين الحكم، وجنسه فِي جنسه، وَعين الْوَصْف فِي جنس الحكم، وَقَلبه (هِيَ) أَن هَذِه الْأَرْبَع هِيَ (الْمُؤثر، وَثَلَاثَة ملائم الْمُرْسل) الْمَذْكُورَة (أما الملائم) الَّذِي هُوَ من مُقَابل الْمُرْسل (فَيلْزمهُ التَّرْكِيب لِأَنَّهُ لَا بُد من ثُبُوت عينه) أَي الْوَصْف (فِي عينه) أَي الحكم (بترتب الحكم مَعَه فِي الْمحل، ثمَّ ثُبُوت اعْتِبَار عينه) أَي الْوَصْف (فِي جنس الحكم أَو) ثُبُوت اعْتِبَار (قلبه) أَي جنسه فِي عين الحكم (أَو) ثُبُوت اعْتِبَار (جنسه فِي جنسه، فَأَقل مَا يلْزم فِي الملائم تركيبه من اثْنَيْنِ) وَقد يكون من أَكثر. (والمركب إِمَّا) مركب (من الْأَرْبَعَة قيل) كَمَا فِي التَّلْوِيح (كالسكر) الْمُؤثر عينه (فِي) عين (الْحُرْمَة، وجنسه) أَي السكر هُوَ (إِيقَاع الْعَدَاوَة والبغضاء) مُؤثر (فِيهَا) أَي عين الْحُرْمَة وَهُوَ ثَان، فَإِن الْإِيقَاع الْمَذْكُور كَمَا يكون بالسكر يكون بِغَيْرِهِ (ثمَّ) السكر مُؤثر (فِي وجوب الزاجر أَعم من الأخروي كالحرق والدنيوي كالحد) وَهَذَا جنس الحكم (وجنسه) أَي السكر (الْإِيقَاع) فِي الْعَدَاوَة مُؤثر فِي وجوب الزاجر (فِي الْحَد فِي الْقَذْف) وَهُوَ جنس الحكم (وَلَا يخفى أَن وجوب الحرق) فِي الْآخِرَة (يعد أَنه اعتزال) لجوار عَدمه عِنْد أهل السّنة (غير الحكم الَّذِي نَحن فِيهِ) وَهُوَ التكليفي (وَأَن تَأْثِيره) أَي السكر (فِي وجوب الزاجر لَيْسَ) تَأْثِيرا (فِي جنس حُرْمَة الشّرْب) لكَون من تَأْثِير الْعين فِي الْجِنْس، وَذَلِكَ لِأَن جنس حُرْمَة شرب الْخمر الْحُرْمَة الْمُطلقَة، وَمَا هُوَ أَعم مِنْهُ كَالْحكمِ الْمُطلق، وَمَا هُوَ أخص مِنْهُ كَحُرْمَةِ الشّرْب ونظائره لَا غير، وَلبس وجوب الزاجر مِنْهُ (وَإِنَّمَا يَصح) كَونه مؤثرا فِي جنس حُرْمَة الشّرْب (لتأثير السكر فِي حُرْمَة الْإِيقَاع) فِي الْعَدَاوَة والبغضاء، لِأَنَّهُ عِلّة للإيقاع الْمَذْكُور، وَالْعلَّة مُؤثرَة فِي الْمَعْلُول فقد تحقق بَينهمَا مُنَاسبَة يحسن بهَا مَشْرُوعِيَّة حُرْمَة الْإِيقَاع عِنْد السكر، وَهَذَا من تَأْثِير الْعين فِي الْجِنْس، وَمَا بعده من تَأْثِير الْجِنْس فِي الْجِنْس، وَمَا بعده من تَأْثِير الْجِنْس فِي الْعين

ص: 319

وَإِنَّمَا لم يذكر الرَّابِع وَهُوَ تَأْثِير الْعين فِي الْعين، أَعنِي السكر فِي حُرْمَة الشّرْب لظُهُوره وشهرته (و) تَأْثِير (الْإِيقَاع فِي حُرْمَة الْقَذْف) فَإِنَّهُ كالعلة الغائية لحُرْمَة الْقَذْف. وَالْقَذْف من نَظَائِر الشّرْب، فَتكون حرمته من جنس حُرْمَة الشّرْب، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (كَمَا أثر) الْإِيقَاع (فِي الشّرْب) يَعْنِي أثر فِي جنسه كَمَا أثر فِي عينه، وَإِنَّمَا قُلْنَا تَأْثِيره فِي وجوب الزاجر إِلَى آخِره (للتصريح): أَي تَصْرِيح الْأُصُولِيِّينَ (بِأَن المُرَاد بجنسهما) أَي الْوَصْف وَالْحكم (مَا هُوَ أَعم من كل) من الْوَصْف وَالْحكم، وَوُجُوب الزاجر لَيْسَ أَعم من حُرْمَة الشّرْب، بل هُوَ مباين لَهُ مَا كَمَا لَا يخفى، وَالْحُرْمَة الشاملة للشُّرْب وَالْقَذْف أَعم من حُرْمَة الشّرْب (فليزم التصادق) بَين كل من الْوَصْف وَالْحكم وَبَين جنسه، وَقد عرفت تَفْصِيله. (لَا يُقَال مَجِيء مثله) من الْإِيرَاد بِاعْتِبَار عدم التصادق (فِي الْإِيقَاع مَعَ السكر) وَقد جعلت الْإِيقَاع جنس السكر وَالْقَذْف فيحرمهما، وَذَلِكَ بِأَن يُقَال لَا تصادق بَينهمَا (لِأَن المُرَاد بِهِ) أَي الْإِيقَاع (موقع الْعَدَاوَة، وَهُوَ) أَي موقع الْعَدَاوَة، (أَعم من السكر وَالْقَذْف فيحرمهما) أَي يحرم الْإِيقَاع، بل الْموقع السكر والإيقاع وَالْقَذْف (وَإِمَّا) مركب (من ثَلَاثَة فَأَرْبَعَة) أَي فَهُوَ أَرْبَعَة أَقسَام. ثمَّ عين أَمْثِلَة تِلْكَ الْأَرْبَعَة بقوله (فَمَا سوى الْعين فِي الْعين) الخ (التَّيَمُّم عِنْد خوف فَوت صَلَاة الْعِيد، فالجنس) للوصف (الْعَجز بِحَسب الْمحل) عَمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ شرعا مُؤثر (فِي الْجِنْس) أَي جنس التَّيَمُّم: أَي (سُقُوط مَا يحْتَاج) إِلَيْهِ فِي الصَّلَاة (و) مُؤثر (فِي الْعين) وَهُوَ (التَّيَمُّم، وَالْعين) للوصف (الْعَجز عَن المَاء) مُؤثر (فِي الْجِنْس) أَي (سُقُوط) وجوب (اسْتِعْمَاله فَإِنَّهُ) أَي اسْتِعْمَاله (أَعم من اسْتِعْمَاله للْحَدَث والخبث لَكِن الْعين) للوصف وَهُوَ (خوف الْفَوْت لم يُؤثر فِي الْعين) للْحكم: أَي (التَّيَمُّم من حَيْثُ هُوَ تيَمّم بِنَصّ أَو إِجْمَاع) فِيهِ أَنكُمْ جعلتم الْعَجز عَن المَاء عين الْوَصْف آنِفا، وَقد اعْتَبرهُ الشَّرْع فِي التَّيَمُّم فَتدبر (فقد جعلت) الْعين للوصف (مرّة خوف الْفَوْت وَمرَّة الْعَجز عَن المَاء لِأَنَّهُمَا) أَي الْخَوْف وَالْعجز (وَاحِد) معنى (لِأَن الْعَجز مخيف فَإِن قلت خوف الْفَوْت هُوَ الْوَصْف الْمُعَلل بِهِ فِي التَّنَازُع فِيهِ وَهُوَ الْفَرْع) أَي صَلَاة الْعِيد (وَالْمرَاد من الْوَصْف المنظور فِي أَن جنسه أثر فِي جنس الحكم أَو عينه) أَي الحكم (مَا فِي الأَصْل ليدل بِهِ) أَي بتأثير جنسه فِي جنس الحكم أَو عينه (على اعْتِبَاره) أَي الْوَصْف الْمَذْكُور (عِلّة فِي نظر الشَّارِع قلت ذَلِك) أَي كَون المُرَاد بِالْوَصْفِ مَا فِي الأَصْل إِنَّمَا هُوَ (فِي غير الْمُرْسل وَالتَّعْلِيل بِهِ) أَي بِغَيْر الْمُرْسل (قِيَاس وَلَيْسَ هَذَا الْقسم) أَي الْمركب من ثَلَاثَة لَيْسَ مِنْهَا الْعين فِي الْعين (إِلَّا مُرْسلا فَلَا يتَصَوَّر فِيهِ قِيَاس وَإِلَّا استدعى أصلا فَلَزِمَهُ) حِينَئِذٍ (الْعين مَعَ الْعين فِي الأَصْل، والمرسل مَأْخُوذ فِيهِ عَدمه) أَي عدم الْعين

ص: 320

مَعَ الْعين فِي الْعين فِي الْمحل الأَصْل (فالتعليل بالمرسل) تَعْلِيل (بمصالح خَاصَّة ابْتِدَاء اعْتبرت فِي جنس الحكم الَّذِي يُرَاد إثْبَاته أَو جِنْسهَا) أَي الْمصَالح (فِي عينه) أَي الحكم (أَو جنسه لَكِن تشْتَرط الضرورية والكلية) فِيهَا (على مَا تقدم عِنْد قَائِله) وَهُوَ الْغَزالِيّ (فَإِن قلت الْمِثَال حَنَفِيّ وَهُوَ) أَي الْحَنَفِيّ (بِمَنْع الْمُرْسل) فَكيف يتم قَوْله (قُلْنَا سبق أَنه يجب القَوْل بعملهم بِبَعْض مَا يُسمى مُرْسلا عِنْد الشَّافِعِيَّة، وَيدخل) ذَلِك (فِي الْمُؤثر عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (كَمَا سَيظْهر، والمركب مِمَّا سوى الْجِنْس فِي الْعين الْعَجز عَن غير مَاء الشّرْب) أَي الْعَجز الْحَقِيقِيّ عَمَّا يتَوَضَّأ أَو يغْتَسل بِهِ بِأَن لَا يُوجد عِنْده مَا يَكْفِي لأَحَدهمَا أصلا (فِي التَّيَمُّم) أَي أَي جَوَازه (وَهُوَ الْعين فِي الْعين فِي مَحل النَّص) أَي قَوْله تَعَالَى (فَلم تَجدوا) الْآيَة (وجنسه) أَي عين الْوَصْف الْمَنْصُوص عَلَيْهِ (الْعَجز الْحكمِي) عَن المَاء بِأَن يكون عَجزه عَن غير مَاء الشّرْب فَقَط، فَالَّذِي للشُّرْب لما كَانَ مُسْتَحقّا بِالْحَاجةِ الْأَصْلِيَّة صَار صَاحبه كَأَنَّهُ غير وَاجِد للْمَاء مُطلقًا، وَفِيه مُسَامَحَة، لِأَن الْجِنْس مَا يعم الْحَقِيقِيّ والحكمي، غير أَنه اكْتفى بِذكر مَا يتَحَقَّق بِهِ الأعمية مُؤثر (فِي جنسه) أَي الْحكمِي، يَعْنِي (سُقُوط اسْتِعْمَاله) أَي مَاء الشّرْب، فَإِنَّهُ أَعم من اسْتِعْمَاله فِي الْحَدث والخبث (وعينه) أَي الْوَصْف (عدم وجدانه) أَي المَاء الْكَافِي لوجدانه مُؤثر (فِي جنسه) أَي الحكم الْمَذْكُور: أَي (السُّقُوط دفعا للهلاك) فَإِن قلت: عين الْوَصْف على مَا سبق عدم وجدان مَا يَكْفِي لرفع الْحَدث لَا يسْتَلْزم عدم الْوُجُود مُطلقًا وتأثيره فِي الْجِنْس بِاعْتِبَار عدم وجوب اسْتِعْمَاله لرفع الْخبث دفعا للهلاك فَافْهَم (وَالْجِنْس غير مُؤثر فِيهِ) أَي الْعين (لِأَن الْعَجز الْمَذْكُور) وَهُوَ الْعَجز الْحكمِي مُطلقًا (غير مُؤثر فِي) جَوَاز أَو وجوب (التَّيَمُّم من حَيْثُ هُوَ تيَمّم) بل إِنَّمَا أثر فِي سُقُوط اسْتِعْمَال المَاء مُطلقًا من حدث أَو خبث كَمَا ذكر آنِفا (و) الْمركب (من غير الْعين فِي الْجِنْس كالحيض فِي حُرْمَة القربان) وَهُوَ (الْعين فِي الْعين وجنسه) أَي الْحيض (الْأَذَى) مُؤثر (فِيهِ) أَي فِي تَحْرِيم القربان (أَيْضا و) مُؤثر (فِي الْجِنْس) لحُرْمَة القربان: أَي (حُرْمَة الْجِمَاع مُطلقًا). قَالَ الشَّارِح فَتدخل فِيهِ حُرْمَة اللواطة، وَغير خَافَ أَن هَذَا أولى مِمَّا فِي التَّلْوِيح أَنه وجوب الاعتزال (و) الْمركب (من غير الْجِنْس فِي الْجِنْس كالحيض عِلّة لحُرْمَة الصَّلَاة، وَهُوَ الْعين فِي الْعين وجنسه) أَي عين الحكم مَعْطُوف على حُرْمَة الصَّلَاة، و (حُرْمَة الْقِرَاءَة) عطف بَيَان لجنسه (أَعم مِمَّا فِي الصَّلَاة و) خَارِجهَا على (جنسه) أَي الْحيض (الْخَارِج من السَّبِيلَيْنِ) مُؤثر (فِي حُرْمَة الصَّلَاة لَا الْجِنْس) مَعْطُوف على حُرْمَة الصَّلَاة: أَي غير مُؤثر فِي جنس الحكم (حُرْمَة الْقِرَاءَة مُطلقًا) عطف بَيَان للْجِنْس (والمركب من اثْنَيْنِ الْعين فِي الْعين مَعَ الْجِنْس فِيهِ) أَي الْعين (الطوف) فَإِنَّهُ عِلّة (فِي

ص: 321

طَهَارَة سُؤْر الْهِرَّة وجنسه) أَي الطوف (مُخَالطَة نَجَاسَة يشق الِاحْتِرَاز عَنْهَا) عِلّة الطَّهَارَة كآبار الفلوات (و) الْمركب (من الْعين فِي الْعين وَفِي الْجِنْس الْمَرَض) فَإِنَّهُ مُؤثر (فِي الْفطر و) مُؤثر (فِي جنسه) أَي الْفطر (التَّخْفِيف فِي الْعِبَادَة بِثُبُوت الْقعُود) فِي الْمَكْتُوبَة (و) الْمركب (من الْعين فِي الْعين مَعَ الْجِنْس فِي الْجِنْس كالجنون المطبق) فَإِنَّهُ مُؤثر (فِي ولَايَة النِّكَاح) فَهَذَا من الْعين فِي الْعين (وجنسه) أَي الْجُنُون (الْعَجز بِعَدَمِ الْعقل لشُمُوله) أَي الْعَجز (الصغر) مُؤثر (فِي جِنْسهَا) أَي ولَايَة الانكاح، وَهُوَ ولَايَة مُطلقَة (لثبوتها) أَي الْولَايَة (فِي المَال، و) الْمركب (من الْجِنْس فِي الْعين فالجنس كجنس الصغر الْعَجز لعدم الْعقل) مُؤثر (فِي ولَايَة المَال) للْحَاجة إِلَى بَقَاء النَّفس (و) فِي (مُطلقهَا) أَي الْولَايَة (فثبتت) أَي الْولَايَة (فِي كل مِنْهُمَا) أَي المَال وَالنَّفس (و) الْمركب (من الْجِنْس فِي الْعين وَقَلبه) أَي من الْعين فِي الْجِنْس (خُرُوج النَّجَاسَة) لِأَنَّهَا أَعم من كَونهَا من السَّبِيلَيْنِ أَو غَيرهمَا وَهُوَ مُؤثر (فِي وجوب الْوضُوء ثمَّ خُرُوجهَا من غير السَّبِيلَيْنِ) مُؤثر (فِي وجوب إِزَالَتهَا) وَهُوَ أَعم من الْوضُوء، لِأَنَّهُ إِزَالَة النَّجَاسَة الْحكمِيَّة، وَإِزَالَة النَّجَاسَة تعم الْحكمِيَّة والحقيقة، فَكَانَ جنس الْوضُوء (وَهَذَا لَا يَسْتَقِيم لانْتِفَاء تَأْثِير خُرُوج النَّجَاسَة إِلَّا فِي الْحَدث، ثمَّ بِوُجُوب مَا شَرط لَهُ) إِزَالَتهَا (تجب) إِزَالَتهَا (و) الْمركب (من الْعين وَالْجِنْس فِي الْجِنْس الْجُنُون وَالصبَا) فَإِن كلا مِنْهُمَا مُؤثر (فِي سُقُوط الْعِبَادَة) للاحتياج إِلَى النِّيَّة (وجنسه) أَي كل مِنْهُمَا (الْعَجز لخلل القوى) فَإِنَّهُ مُؤثر (فِيهِ) أَي فِي سُقُوط الْعِبَادَة (وَظهر أَن سِتَّة) الْمركب (الثنائي ثَلَاثَة) مِنْهَا (قِيَاس) وَهِي الأول (وَثَلَاثَة مُرْسل) لَيست بِقِيَاس لوُجُود الْعين مَعَ الْعين فِي الأول وَعَدَمه فِي الآخر (وَثَلَاثَة من أَرْبَعَة) الْمركب (الثلاثي قِيَاس) وَهِي الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة مِنْهَا (وَوَاحِد لَا) أَي لَيْسَ بِقِيَاس وَهُوَ الأول (هَذَا، وَالْأَكْثَر تركيبا يقدم عِنْد تعارضها) أَي المركبات (والمركب) يقدم (على الْبَسِيط) عِنْد تعارضهما، لِأَن قُوَّة الْوَصْف بِحَسب التَّأْثِير، والتأثير بِحَسب اعْتِبَار الشَّرْع، فَكلما كثر قوى الْأَثر كَمَا قَالَ فِي التَّلْوِيح.

وَأَنت خَبِير بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَقِيم فِيمَا سوى اعْتِبَار النَّوْع فِي النَّوْع فَإِنَّهُ أقوى الْكل لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة النَّص حَتَّى كَاد يقر بِهِ منكرو الْقيَاس، إِذْ لَا فرق إِلَّا بِتَعَدُّد الْمحل فالمركب فِي غَيره لَا يكون أقوى مِنْهُ (وَأما الْحَنَفِيَّة فطائفة مِنْهُم فَخر الْإِسْلَام) والسرخسي وَأَبُو زيد (لَا بُد قبل التَّعْلِيل فِي المناظرة من الدّلَالَة على معلولية هَذَا الأَصْل) الْمَقِيس عَلَيْهِ. قَالَ السَّرخسِيّ وَالْأَشْبَه بِمذهب الشَّافِعِي أَن الْأُصُول معلولة فِي الأَصْل إِلَّا أَنه لَا بُد لجَوَاز التَّعْلِيل فِي كل أصل من دَلِيل مُمَيّز، وَالْمذهب عِنْد عُلَمَائِنَا أَنه لَا بُد مَعَ هَذَا من قيام دَلِيل يدل على كَونه معلولا فِي الْحَال انْتهى (وَلَا يَكْفِي) قَول الْمُعَلل (الأَصْل) فِي النُّصُوص التَّعْلِيل عزاهُ فِي الْمِيزَان إِلَى عَامَّة مثبتي الْقيَاس وَالشَّافِعِيّ وَبَعض عُلَمَائِنَا

ص: 322

(لِأَنَّهُ) أَي الأَصْل (مستصحب يَكْفِي للدَّفْع) أَي لدفع ثُبُوت مَا لم يعلم ثُبُوته (لَا الْإِثْبَات) على الْخصم (كَمَا سَيعْلَمُ) فِي بحث الِاسْتِصْحَاب آخر هَذِه الْمقَالة وَهَذَا (بِخِلَاف الْإِثْبَات لنَفسِهِ) فَإِنَّهُ لَا يلْزم قبل التَّعْلِيل لنَفسِهِ الدّلَالَة على معلولية ذَلِك الأَصْل الَّذِي هُوَ بصدد الْقيَاس عَلَيْهِ (كنقض الْخَارِج من السَّبِيلَيْنِ يسْتَدلّ) بِهِ (على معلوليته) أَي كَون الْخَارِج النَّجس عِلّة للنقض (بِالْإِجْمَاع على ثُبُوته) أَي النَّقْض بالخارج النَّجس (فِي مثقوب السُّرَّة) إِذا خرج مِنْهَا قِيَاسا على النَّقْض بالخارج من السَّبِيلَيْنِ (فَعلم) بِدلَالَة الْإِجْمَاع (تعديه) أَي النَّقْض (عَن مَحل النَّص) أَي السَّبِيلَيْنِ إِلَى مَا سواهُ من الْبدن إِذْ لَو كَانَ خُصُوص الْمحل معينا فِي النَّقْض لما جَازَ قيام غَيره مَكَانَهُ بِالرَّأْيِ، لِأَن الأبدال لَا تنصب بِالرَّأْيِ (فصح تَعْلِيله) أَي النَّقْض بالخارج من السَّبِيلَيْنِ (بِنَجَاسَة الْخَارِج) لِأَن الضِّدّ هُوَ الْمُؤثر فِي رفع ضِدّه، وَصفَة النَّجَاسَة هِيَ الرافعة للطَّهَارَة وَالْعين الْخَارِجَة معروضها (ليثبت النَّقْض بِهِ) أَي بالخارج النَّجس (من سَائِر الْبدن وَطَائِفَة لَا) تشْتَرط الدّلَالَة على مَعْلُول الأَصْل قبل التَّعْلِيل فِي المناظرة (إِذْ لم يعرف) ذَلِك (فِي مناظرة قطّ للصحابة وَالتَّابِعِينَ) وَكفى بهم قدوة (وَلِأَن إِقَامَة الدَّلِيل على علية الْوَصْف وَلَا بُد مِنْهُ) أَي من الدَّلِيل عَلَيْهِ فِي إِلْحَاق الْفَرْع بِالْأَصْلِ. قَوْله وَلَا بُد مِنْهُ مُعْتَرضَة وَخبر أَن قَوْله (يتضمنه) أَي كَون الأَصْل معلولا (فأغنى) الدَّلِيل عَلَيْهَا عَن الِاسْتِدْلَال على كَون الأَصْل معلولا لِأَن ثُبُوت عليته مُسْتَلْزم لمعلولية الأَصْل (وَهَذَا) القَوْل (أوجه، ثمَّ دَلِيل اعْتِبَاره) أَي الْوَصْف الْمُدَّعِي عليته فِي الحكم الْمعِين (النَّص وَالْإِجْمَاع وسيأتيان والتأثير ظُهُور أَثَره) أَي الْوَصْف (شرعا) أَي ظهورا شَرْعِيًّا وَسَيَأْتِي تَفْسِيره (ويسمونه) أَي التَّأْثِير أَو ظُهُور أَثَره (عَدَالَته) أَي الْوَصْف (ويستلزم) التَّأْثِير و (مناسبته) أَي الْوَصْف للْحكم بِأَن يَصح إِضَافَة الحكم إِلَيْهِ (ويسمونها ملاءمته) بِالْهَمْزَةِ أَي مُوَافَقَته للْحكم (وتستلزم) مناسبته (كَونه) أَي الْوَصْف عَن (غير نَاب) أَي بعيد (عَن الحكم) وَهَذَا الَّذِي يعبر عَنهُ بصلاح الْوَصْف للْحكم (كتعليل) وُقُوع (الْفرْقَة) بَين الزَّوْجَيْنِ الْكَافرين إِذا أسلمت وأبى (بالأباء) فَإِنَّهُ يُنَاسِبه (بِخِلَافِهَا) أَي الْفرْقَة: يَعْنِي تعليلها (بِإِسْلَام الزَّوْجَة) فَإِنَّهُ نَاب عَنهُ فَإِن الْإِسْلَام عرف عَاصِمًا للحقوق والإملاك، لَا قَاطعا لَهَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: فافعلوا ذَلِك يَعْنِي الشَّهَادَتَيْنِ عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ الحَدِيث، والمحظور يصلح سَببا للعقوبة، والفرقة عُقُوبَة، وإباء الْإِسْلَام رَأس الْمَحْظُورَات (كَمَا سَيَأْتِي) ذكره فِي فَسَاد الْوَضع (وَفسّر) التَّأْثِير (بِأَن يكون لجنسه) أَي الْوَصْف (تَأْثِير فِي عين الحكم كإسقاط الصَّلَوَات الْكَثِيرَة) بِأَن تزيد على خمس (بالإغماء) إِذْ (بِجِنْسِهِ) أَي جنس الْإِغْمَاء وَهُوَ الْعَجز عَن الْأَدَاء تَأْثِير (فِيهِ) أَي فِي الحكم: أَي إِسْقَاط الصَّلَاة، وَمَا يُقَال إِن جنسه الْحَرج حَتَّى لَا يجب الْقَضَاء إِذا ذهب الْعَجز فَهُوَ عِلّة الْعلَّة (أَو) لجنسه تَأْثِير (فِي جنسه) أَي الحكم

ص: 323

(كالإسقاط) للصَّلَاة عَن الْحَائِض (بمشقته) أَي بِمَشَقَّة فعلهَا لكثرتها (وجنسه) أَي هَذَا الْوَصْف (الْمَشَقَّة المتحققة فِي مشقة السّفر) يُؤثر (فِي جنسه) أَي الحكم (السُّقُوط الْكَائِن فِي الرَّكْعَتَيْنِ) من الرّبَاعِيّة (وَعَن بَعضهم نَفْيه) أَي كَون تَأْثِير الْجِنْس فِي الْجِنْس من التَّأْثِير (وَمن الْحَنَفِيَّة من يقْتَصر عَلَيْهِ) أَي على أَن التَّأْثِير هُوَ اعْتِبَار الْجِنْس فِي الْجِنْس فِي مَوضِع آخر نصا أَو إِجْمَاعًا، عزاهُ صَاحب الْكَشْف إِلَى فَخر الْإِسْلَام (وَالْوَجْه سُقُوط الْجِنْس فِي الْعين) من التَّأْثِير (بِمَا قدمنَا) هـ من أَن لُزُوم الْقيَاس مِمَّا جنسه فِي الْعين لَيْسَ إِلَّا بِجعْل الْعين عِلّة بِاعْتِبَار تضمنها لعِلَّة جنسه فَيرجع إِلَى اعْتِبَار الْعين فِي الْعين (دون) سُقُوط (قلبه) أَي الْعين فِي الْجِنْس من التَّأْثِير يظْهر ذَلِك (بتأمل يسير) لِأَن علية الْحَاجة بِاعْتِبَار مَا فِي ضمنه من الْعَام مَعْقُول بِخِلَاف معلولية الْعَام بِاعْتِبَار تضمنه للخاص فَإِنَّهُ لَا معنى لَهُ فَلَا يتَصَوَّر أَن يكون من قبيل الْعين فِي الْعين (أَو) يكون (لعَينه) أَي لوصف تَأْثِير فِي جنس الحكم (كالأخوة لأَب وَأم فِي التَّقَدُّم) على الْأَخ لأَب (فِي ولَايَة الْإِنْكَاح) للصَّغِير وَالصَّغِيرَة، وَهِي عين الحكم الْمُؤثر فِيهِ، فَإِن عين الْوَصْف الْمَذْكُور مُؤثر (فِي جنسه) أَي الحكم الْمَذْكُور (التَّقَدُّم) الصَّادِق على كل من التَّقَدُّم (فِي الْمِيرَاث) والإنكاح (أَو) يكون لعَينه تَأْثِير (فِي عينه ذكره) أَي التَّفْسِير الْمَذْكُور (فِي الْكَشْف الصَّغِير) ثمَّ صدر الشَّرِيعَة (وَيلْزمهُ) أَي التَّأْثِير على هَذَا التَّفْسِير (كَونه) أَي التَّأْثِير (بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع كالسكر فِي الْحُرْمَة) إِذْ السكر عِلّة للْحُرْمَة بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع (وَهُوَ) أَي كَونه بهما أَو بِأَحَدِهِمَا (مخرج لَهُ عَن دلَالَة التَّأْثِير على الِاعْتِبَار) أَي يخرج الْوَصْف عَن كَونه بِحَيْثُ يدل تَأْثِيره ومناسبته على اعْتِبَار الشَّرْع إِيَّاه (إِلَى المنصوصة): إِذْ دلّ على اعْتِبَاره النَّص وَالْإِجْمَاع لَا التَّأْثِير والمناسبة، ثمَّ علل الْإِخْرَاج الْمَذْكُور بقوله (إِذْ لم يبْق) دَلِيل على الِاعْتِبَار بعد (مَعَ ظُهُور الْمُنَاسبَة) بعد النَّص وَالْإِجْمَاع (إِلَّا الإخالة) وَهُوَ إبداء الْمُنَاسبَة بَين الْوَصْف وَالْأَصْل بملاحظتهما على مَا سَيَأْتِي قَرِيبا: يَعْنِي أَن دلَالَة التَّأْثِير على الِاعْتِبَار إِنَّمَا تكون مَعَ ظُهُور الْمُنَاسبَة بَين الْوَصْف وَالْحكم، وَمَعَ ظُهُورهَا إِن وجد أحد الْأَمريْنِ فالدلالة وَإِن لم يُوجد لم يكن هُنَاكَ إِلَّا الإخالة وهم ينفونها فَلَا يتَحَقَّق للتأثير دلَالَة، غير أَن لُزُوم أَحدهمَا التَّأْثِير يُغني عَن هَذَا التَّعْلِيل (وينفون) أَي الْحَنَفِيَّة (إِيجَابهَا) أَي الإخالة الحكم (مجوزي الْعَمَل قبله بهَا) أَي حَال كَونهم يجوزون الْعَمَل قبل ظُهُور التَّأْثِير بموجبها (كالقضاء بالمستورين ينفذ وَلَا يجب) الظَّاهِر أَنه تنظير لَا تَمْثِيل، وَوجه الشّبَه أَنه كَمَا يجوز الْقَضَاء بِشَاهِدين مستوري الْعَدَالَة وَلَا يجب لذَلِك تجوز الْعَمَل بالإخالة وَلَا يجب، وَأما كَون الْقَضَاء الْمَذْكُور ثَابتا بِوَصْف ظهر بَينه وَبَين أَصله الْمُنَاسبَة بملاحظتهما فَهُوَ غير ظَاهر (وَظهر أَن الْمُؤثر عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (أَعم مِنْهُ) أَي الْمُؤثر عِنْد الشَّافِعِيَّة وَهُوَ مَا ثَبت بِنَصّ أَو إِجْمَاع اعْتِبَار عينه فِي عين الحكم وَعند الْحَنَفِيَّة

ص: 324

يصدق على هَذَا وعَلى الْأَقْسَام الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة مَعَه فِي التَّفْسِير الْمَذْكُور (وَمن الملائم الأول) الَّذِي هُوَ من أَقسَام الْمُنَاسب عِنْد الشَّافِعِيَّة بأقسامه الثَّلَاثَة مَا ثَبت اعْتِبَار عينه فِي عينه بِمُجَرَّد ثُبُوته مَعَ الحكم فِي الْمحل مَعَ اعْتِبَار عينه فِي جنس الحكم بِنَصّ أَو اجماع اعْتِبَار عينه أَو جنسه فِي عينه أَو فِي جنسه (وَمَا من الْمُرْسل) أَي وَثَلَاثَة أَقسَام الملائم الْمُرْسل وَهِي مَا لم يثبت الْعين مَعَ الْعين فِي الْمحل لَكِن ثَبت بِنَصّ أَو إِجْمَاع اعْتِبَار عينه فِي جنس الحكم أَو جنسه فِي عينه أَو جنسه (فَشَمَلَ) الْمُؤثر الْحَنَفِيّ (سَبْعَة أَقسَام فِي عرف الشَّافِعِيَّة إِذْ لم يقيدوا) أَي الْحَنَفِيَّة (الثَّلَاثَة) الَّتِي هِيَ تَأْثِير الْجِنْس فِي عين الحكم أَو فِي جنسه وتأثير الْعين فِي جنس الحكم (بِوُجُود الْعين مَعَ الْعين فِي الْمحل: أَي الأَصْل وَكَذَا) يُقيد أعمية الْمُؤثر عِنْدهم (تصريحهم) أَي الْحَنَفِيَّة (فِيمَا تقدم بِأَن التَّعْلِيل بِمَا اعْتبر جنسه الخ) أَي فِي عين الحكم أَو جنسه وَمَا اعْتبر عينه فِي عين الحكم أَو جنسه (مَقْبُول، وَقد لَا يكون) التَّعْلِيل بِأَحَدِهِمَا (قِيَاسا بِأَن لم يتركب مَعَ أحد الْأَمريْنِ) أَي الْعين أَو الْجِنْس مَعَ الْعين (وَلَا حَاجَة إِلَى تَقْيِيده) أَي المقبول (بِغَيْر مَا جنسه أبعد) أَي مَا اعْتبر الشَّارِع جنسه الْأَبْعَد (كتضمن مُطلق مصلحَة) أَي كَون الْوَصْف متضمنا لمصْلحَة مَا فِي إِثْبَات الحكم (بِخِلَاف) جنسه (الْبعيد) الَّذِي هُوَ أقرب من ذَلِك الْأَبْعَد فَإِنَّهُ اعْتَبرهُ الشَّارِع إِذا كَانَت الْمصلحَة ضَرُورِيَّة قَطْعِيَّة كُلية (كالرمي) أَي كجوازه (إِلَى الترس الْمُسلم إِذا غلب ظن نجاتهم) أَي أهل الْإِسْلَام بِالرَّمْي إِلَيْهِ (إِذْ لَا سَبِيل إِلَى الْقطع) بالنجاة فَإِنَّهُ يقبل عِنْد بعض الْعلمَاء (كالغزالي) أَو التَّقْدِير كَقَوْل الْغَزالِيّ (بِخِلَاف) نجاة (بَعضهم) أَي بعض أهل الْإِسْلَام كَمَا (فِي السَّفِينَة) أَي رمي بعض من فِي السَّفِينَة من الْمُسلمين بِمَا إِذا علمت نجاة الْبَعْض الآخرين فِي ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يجوز، لِأَن الْمصلحَة غير كُلية كَمَا سبق (إِذْ دَلِيل الِاعْتِبَار بِالنَّصِّ أَو بِالْإِجْمَاع لم يتَحَقَّق فِي مُطلقهَا) أَي مُطلق الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة، وَالْكَلَام فِيمَا يثبت اعْتِبَاره بِالنَّصِّ أَو بِالْإِجْمَاع: فَهَذَا تَعْلِيل لقَوْله لَا حَاجَة إِلَى تَقْيِيده (والإخالة إبداء الْمُنَاسبَة بَين) حكم (الأَصْل وَالْوَصْف بملاحظتهما) أَي الْوَصْف وَالْحكم، سمي بهَا، لِأَن بالمناسبة يخال ويظن علية الْوَصْف للْحكم (فينتهض) إبداء مُنَاسبَة ذَلِك الْوَصْف لذَلِك الحكم (على الْخصم الْمُنكر للمناسبة) بَينهمَا لَا الْمُنكر للْحكم، لِأَن مُجَرّد الْمُنَاسبَة لَا توجب عِلّة الْوَصْف عِنْد الْحَنَفِيَّة لما عرف بكلامهم فِي الإخالة (وَهُوَ) أَي الْوَصْف الْمُنَاسب (مَا عَن القَاضِي أبي زيد مَا لَو عرض على الْعُقُول تَلَقَّتْهُ بِالْقبُولِ) فِي نُسْخَة الشَّارِح تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ، وَقَالَ وَلَفظه فِي التَّقْوِيم بِدُونِ ذكر الْأمة كَمَا كَانَت عَلَيْهِ النُّسْخَة أَولا، وَلَعَلَّه إِنَّمَا زَادهَا إِشَارَة إِلَى أَن المُرَاد عَامَّة الْعُقُول.

وَأَنت خَبِير بِأَنَّهَا لَا تناسب أول الْكَلَام واستغراق لَام الْعُقُول يُفِيد الْإِشَارَة الْمَذْكُورَة فَالظَّاهِر أَنه من تصرف الْكَاتِب (فَإِن الْمُنكر) للمناسبة (حِينَئِذٍ مكابر) أَي معاند فَلَا يقبل المكاره (وَقيل أَرَادَ) القَاضِي بِهَذَا التَّفْسِير (حجيته) أَي الْوَصْف الْمُنَاسب (فِي حق نَفسه) أَي

ص: 325

القائس (فَقَط) لَا فِي حَقه وَحقّ الْخصم، إِذْ رُبمَا يَقُول لَا يتلقاه عَقْلِي بِالْقبُولِ وَلَيْسَ الِاحْتِجَاج بقول الْغَيْر على أولى من شَهَادَة قلبِي، وَمن ثمَّة منع أَبُو زيد التَّمَسُّك بالمناسبة فِي إِثْبَات علية الْوَصْف فِي مقَام المناظرة بل شَرط ضم الْعَدَالَة إِلَيْهَا بِإِقَامَة الدَّلِيل على كَونه مؤثرا (وَقَوْلهمْ) أَي الحنفنة (فِي نَفْيه) أَي هَذَا الطَّرِيق الْمُسَمّى بالاخالة لِأَنَّهُ (لَا يَنْفَكّ عَن الْمُعَارضَة إِذْ يُقَال) أَي بقول المناظر (لم يقبله عَقْلِي) عِنْد قَوْله هَذَا مُنَاسِب تتلقاه الْعُقُول بِالْقبُولِ (يفِيدهُ) أَي أَن مُرَاد أبي زيد حجيته فِي حق نَفسه (وَإِلَّا لم يسمع) أَي وَإِن لم يكن مُرَاده فِي حق نَفسه فَقَط، بل فِي حق الْخصم أَيْضا لم يسمع حِينَئِذٍ قَول الْمُسْتَدلّ الْعُقُول تَلَقَّتْهُ بِالْقبُولِ، لِأَنَّهُ يَقُول الْخصم لَا يتلقاه بِالْقبُولِ عَقْلِي، وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى لم يسمع قَول أبي زيد (وَالْحق أَن المُرَاد بإبداء الْمُنَاسبَة تفصيلها) أَي الْمُنَاسبَة (للمخاطب كَقَوْلِه الْإِسْكَار إِزَالَة الْعقل، وَهُوَ) أَي الْإِزَالَة (مفْسدَة يُنَاسب حُرْمَة مَا تحصل) الْإِزَالَة (بِهِ) وَهُوَ شرب الْمُسكر (والزجر عَنهُ) مَعْطُوف على حُرْمَة وَالضَّمِير رَاجع إِلَى الْمَوْصُول (وَتلك الْمُعَارضَة) الْمَذْكُورَة فِي قَوْلهم لَا يَنْفَكّ عَن الْمُعَارضَة إِنَّمَا تكون (فِي الإجمالي) لِأَنَّهُ قد يخفى على الْخصم تَفْصِيله، وَأما إِذا فصل وَبَين وَجه الْمُنَاسبَة فالإنكار بعد ذَلِك عناد خَارج عَن قانون المناظرة. ثمَّ بَين كَيْفيَّة الْإِجْمَال بقوله (كقبله) أَي الْوَصْف الْمَذْكُور فِي قِيَاسه (عَقْلِي أَو ناسب) الْوَصْف الْمَذْكُور الحكم (عِنْدِي) فِي ظَنِّي فَانْتفى نفيهم صِحَة اعْتِبَار الإخالة بِأَنَّهَا لَا تنفك عَن الْمُعَارضَة (نعم ينتهض) فِي دفع الإخالة وَعدم ثُبُوت علية الْوَصْف للْحكم (أَنَّهَا) أَي الْمُنَاسبَة (لَيست ملزومة لوضع الشَّارِع علية مَا قَامَت) الْمُنَاسبَة (بِهِ) أَي الْوَصْف الْمُنَاسب، يَعْنِي أَن كل مَا قَامَت بِهِ الْمُنَاسبَة من الْأَوْصَاف لَا يلْزمه أَن يُعينهُ الشَّارِع للعلية بِالنِّسْبَةِ إِلَى الحكم الَّذِي يُنَاسِبه (للتخلف) أَي لتخلف الْوَضع الْمَذْكُور (فِي) وصف (مَعْلُوم الإلغاء من الْمُرْسل وَغَيره) كَمَا تقدم، فَإِن الْمُنَاسبَة فِيهِ مَوْجُودَة والشارع ألغاه وَلم يَضَعهُ للعلية (فَإِن قيل الظَّن حَاصِل) أَي الظَّن بِكَوْنِهِ عِلّة حَاصِل فَيجب الْعَمَل بِالظَّنِّ للمجتهد (قُلْنَا أَن عني ظن الْمُنَاسبَة للْحكم فَمُسلم، وَلَا يسْتَلْزم وضع الشَّارِع إِيَّاه) أَي الْوَصْف عِلّة للْحكم (لما ذكرنَا) من التَّخَلُّف (وَاعْلَم أَن مُقْتَضى هَذَا) الْوَجْه الْمَذْكُور لبَيَان إبِْطَال الإخالة (وَمَا زادوه) أَي الْحَنَفِيَّة (من أوجه الْإِبْطَال عدم جَوَاز الْعَمَل بِهِ) أَي بِالْوَصْفِ المخال (قبل ظُهُور الْأَثر، وَلَيْسَ الْقيَاس) لجَوَاز الْعَمَل بهَا قبل ظُهُور التَّأْثِير (على) جَوَاز (الْقَضَاء بمستورين) كَمَا قَالُوا (صَحِيحا، لِأَنَّهُ إِن فرض فِيهِ) أَي فِي جَوَاز الْقَضَاء بهما (دَلِيل على خلاف الأَصْل) أَي الْقيَاس، إِذْ الْقيَاس أَن لَا يجوز الحكم بِشَهَادَة الشَّاهِدين مَا لم تعلم عدالتهما (فَهُوَ) أَي الدَّلِيل الْمَفْرُوض (مُنْتَفٍ فِي جَوَاز الْعَمَل) بالإخالة. وَفِي قَوْله أَن فرض إِشَارَة إِلَى انتفائه فِي نفس الْأَمر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم ينتف، بل كَانَ دَلِيل جَوَاز الْعَمَل بِهِ مَوْجُودا (وَجب على الْمُجْتَهد) الْعَمَل بِهِ (لِأَنَّهُ) أَي دَلِيل جَوَاز الْعَمَل بِهِ (يُفِيد اعْتِبَار الشَّارِع)

ص: 326