الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَدِيد، فَالْمُرَاد الحكم الْمَذْكُور فِي قَوْله يُوجب حكمه هَذَا الْحَادِث فَإِنَّهُ يُسمى حكما وَإِن كَانَ فِي الْحَقِيقَة تعلقا من تعلقات الْكَلَام النَّفْسِيّ الأزلي على مَا حقق فِي مَحَله (وَهُوَ) أَي رفع النَّاسِخ حكم الْمَنْسُوخ عِنْد حُضُور وَقت الْمَنْسُوخ الْمُقدر لَهُ (ممنوعكم) أَيهَا الْمُعْتَزلَة حَيْثُ قُلْتُمْ: تعلق الْوُجُوب بالمستقبل مَانع من نسخه بزعم أَنه يسْتَلْزم توارد النَّفْي وَالْإِثْبَات على مَحل وَاحِد فِي وَقت: وَذَلِكَ لأنكم ظننتم أَن الحكم الأول يُوجب تعلق الْوُجُوب مُنجزا بِالْفِعْلِ فِي وَقت النّسخ وَمَا علمْتُم أَن مرادنا كَونه بِحَيْثُ يُوجِبهُ لَوْلَا النَّاسِخ فَإِن كَونه فِي معرض الْإِيجَاب نوع تعلق يرْتَفع بِسَبَب النَّاسِخ وَالله أعلم. (فَإِن أجزتموه) أَي رفع النَّاسِخ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (وَلم تسموه نسخا فلفظية) أَي فالمنازعة لفظية (وَقد وافقتم) على جَوَاز النّسخ قبل التَّمَكُّن من الْفِعْل (وَأَيْضًا لَو صَحَّ) مَا ذكرْتُمْ من قَوْلكُم إِن كَانَ وَاجِبا وَقت الرّفْع إِلَى آخِره (انْتَفَى النّسخ) مُطلقًا وَلَو بعد التَّمَكُّن بل بعد الْفِعْل لجَرَيَان الترديد الْمَذْكُور فِي جَمِيع الْمَرَاتِب. (ثمَّ استبعد) نقل هَذَا الِاسْتِدْلَال (عَنْهُم) أَي الْمُعْتَزلَة (لذَلِك الرّفْع مِنْهُم) أَي قَوْلهم فِي قصَّة إِبْرَاهِيم عليه السلام جَازَ التَّأْخِير لِأَنَّهُ موسع فَإِنَّهُ يُفِيد تعلق الْوُجُوب بِوَقْت الرّفْع، لِأَن حَاصِل ذَلِك الْجَواب تَسْلِيم وجوب الذّبْح، وَتَسْلِيم النّسخ، وَعدم الْعِصْيَان بِالتّرْكِ لكَون الْوُجُوب موسعا وَلَا شكّ أَن الْوُجُوب فِي الموسع بَاقٍ مَا لم يَأْتِ بِالْفِعْلِ فَيلْزم وُقُوع النّسخ فِي وَقت تعلق الْوُجُوب (وللتعارض) من عدم تجويزهم النّسخ قبل التَّمَكُّن للُزُوم اجْتِمَاع الْأَمريْنِ بالنقيضين، وتجويزهم إِيَّاه بعد التَّمَكُّن لما عرفت، من أَن عِلّة التجويز مُشْتَركَة بَين الصُّورَتَيْنِ (يجب نِسْبَة ذَلِك) الَّذِي ذكره الْمُحَقِّقُونَ عَنْهُم إِلَيْهِم لسلامته عَن التَّعَارُض حملا لكَلَام الْعُقَلَاء على مَا لَا يلْزم التَّنَاقُض مَا أمكن.
مسئلة
قَالَ (الْحَنَفِيَّة والمعتزلة لَا يجوز نسخ حكم فعل لَا يقبل حسنه وقبحه السُّقُوط) الْوَاو بِمَعْنى أَو وَيحْتَمل التَّوْزِيع لِأَن لفعل الَّذِي لَا يجوز نسخ حكمه كل بِاعْتِبَار بعض مَا صدقاته لَا يقبل حسنه السُّقُوط، وَبِاعْتِبَار بَعْضهَا لَا يقبل قبحه السُّقُوط أَو يقدر السُّقُوط قبل الْوَاو وَلَا يجوز تَأْخِيره بعْدهَا (كوجوب الْإِيمَان وَحُرْمَة الْكفْر) لِأَنَّهُ لَا يرْتَفع شَيْء مِنْهُمَا لقِيَام دَلِيله وَهُوَ الْعقل (وَالشَّافِعِيَّة يجوز) وَالْإِجْمَاع على عدم الْوُقُوع (وَهِي) أَي هَذِه المسئلة (فرع التحسين والتقبيح) العقليين. قَالَ بِهِ الْحَنَفِيَّة والمعتزلة، وَلم يقل بِهِ الأشاعرة من الشَّافِعِيَّة وَغَيرهم فَقَالُوا
بِجَوَاز نسخهما عقلا. وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ فِي فصل الْحَاكِم (وَلَا) يجوز نسخ حكم (نَحْو الصَّوْم عَلَيْكُم وَاجِب مستمرا أبدا اتِّفَاقًا) فَعِنْدَ غير الْحَنَفِيَّة (للنصوصية) على تأبيد الحكم (وَعند الْحَنَفِيَّة لذَلِك) أَي للنصوصية (على رَأْي) فِي النَّص وَهُوَ اللَّفْظ المسوق للمراد الظَّاهِر مِنْهُ (وعَلى) رَأْي (آخر) فِيهِ وَهُوَ مَا ذكر مَعَ قيد آخر وَهُوَ أَن لَا يكون مدلولا وضعيا كالتفرقة بَين البيع والربا فِي الْحل وَالْحُرْمَة فِي أحل الله البيع وَحرم الرِّبَا (للتَّأْكِيد) فَإِن الْأَبَد هُوَ الِاسْتِمْرَار الدَّائِم فَهُوَ وَإِن سيق لَهُ لكنه مَدْلُول وضعي (على مَا سلف من تَحْقِيق الِاصْطِلَاح) فِي التَّقْسِيم الثَّانِي للدلالة (وَاخْتلف فِي) حكم (ذِي مُجَرّد تأبيد قيدا للْحكم) كيجب عَلَيْكُم أبدا صَوْم رَمَضَان (لَا الْفِعْل كصوموا أبدا) فَإِن أبدا هَهُنَا ظرف للصَّوْم لَا لإيجابه عَلَيْهِم، لِأَن الْفِعْل يعْمل بمادته لَا بهيئته، وَدلَالَة الْأَمر على الْوُجُوب بالهيئة لَا بالمادة، وَفِيه مَا فِيهِ (أَو) فِي حكم ذِي مُجَرّد (تأقيت قبل مضيه) أَي مُضِيّ ذَلِك الْوَقْت (كحرمته عَاما) حَال كَونه حرمته (إنْشَاء فالجمهور وَمِنْهُم طَائِفَة من الْحَنَفِيَّة يجوز) نسخه (وَطَائِفَة كَالْقَاضِي أبي زيد وَأبي مَنْصُور وفخر الْإِسْلَام والسرخسي) والجصاص (يمْتَنع) نسخه (للُزُوم الْكَذِب) فِي الأول لِأَن الحكم الأول يدل على أَن الصَّوْم مَطْلُوب دَائِما والنسخ يدل على خِلَافه (أَو البداء) على الله تَعَالَى فِي الثَّانِي لِأَن النّسخ فِيهِ يدل على حُدُوث (وَهُوَ) أَي اللُّزُوم الْمَذْكُور (الْمَانِع) من النّسخ (فِي الْمُتَّفق) على عدم جَوَاز نسخه كَقَوْلِه الصَّوْم عَلَيْكُم وَاجِب مُسْتَمر أبدا (قَالُوا) أَي المجوزون للنسخ فِي الأول: أَن أبدا (ظَاهر فِي عُمُوم الْأَوْقَات) المستقلة (فَجَاز تَخْصِيصه) بِوَقْت فِيهَا دون وَقت كَمَا يجوز تَخْصِيص عُمُوم سَائِر الظَّوَاهِر، إِذْ التَّخْصِيص فِي الْأَزْمَان كالتخصيص فِي الْأَعْيَان (قُلْنَا نعم) يجوز تَخْصِيصه (إِذا اقْترن) الْمَخْصُوص (بدليله) أَي التَّخْصِيص (فَيحكم حِينَئِذٍ) أَي حِين اقترانه بِدَلِيل التَّخْصِيص (بِأَنَّهُ) أَي التَّأْبِيد (مُبَالغَة) أُرِيد بِهِ الزَّمن الطَّوِيل مجَازًا (أما مَعَ عَدمه) أَي دَلِيل التَّخْصِيص (وَهُوَ) أَي عَدمه (الثَّابِت) فِيمَا نَحن فِيهِ (فَذَلِك اللَّازِم) أَي فلزوم الْكَذِب هُوَ اللَّازِم لإِرَادَة التَّخْصِيص فِيمَا نَحن فِيهِ (وَحَاصِله) أَي هَذَا الْجَواب (حِينَئِذٍ يرجع إِلَى اشْتِرَاط الْمُقَارنَة فِي دَلِيل التَّخْصِيص) للعام الْمَخْصُوص (وَتقدم) فِي بحث التَّخْصِيص (وَالْحق أَن لُزُوم الْكَذِب) إِنَّمَا هُوَ (فِي) نسخ (الْأَخْبَار) الَّتِي لَا يتَغَيَّر مَعْنَاهَا كوجود الصَّانِع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (كماض) كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم " الْجِهَاد مَاض (إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَلِذَا) أَي لُزُوم الْكَذِب (اتّفق عَلَيْهِ) أَي على عدم جَوَاز النّسخ فِي الْأَخْبَار الْمَذْكُورَة (الْحَنَفِيَّة، وَالْخلاف) إِنَّمَا هُوَ (فِي غَيره) أَي غير نسخ الْأَخْبَار الْمَذْكُورَة (مِمَّا يتَغَيَّر مَعْنَاهُ كفر زيد بِخِلَاف حُدُوث الْعَالم) وَنَحْوه مِمَّا لَا يتبدل قطعا
فَإِن الْإِجْمَاع على أَنه لَا يجوز نسخه فِي الشَّرْح العضدي إِن كَانَ مَدْلُول الْخَبَر مِمَّا لَا يتَغَيَّر كوجود الصَّانِع وحدوث الْعَالم فَلَا يجوز نسخه اتِّفَاقًا وَإِن كَانَ مِمَّا يتَغَيَّر كَإِيمَانِ زيد وكفره فقد اخْتلف فِيهِ، وَالْمُخْتَار أَنه مثل مَا لَا يتَغَيَّر مَدْلُوله وَعَلِيهِ الشَّافِعِي وَأَبُو هَاشم خلافًا لبَعض الْمُعْتَزلَة انْتهى، ثمَّ لما بَين مَحل الْخلاف بقوله فِي ذِي مُجَرّد إِلَى آخِره، وَذكر اخْتِلَاف الْحَنَفِيَّة فِيهِ وَدَلِيل المجوزين للنسخ من الظُّهُور فِي عُمُوم الْأَوْقَات وَجَوَاز التَّخْصِيص وَجَوَاب المانعين من عدم اقتران الْمُخَصّص أَرَادَ أَن يذكر مَا هُوَ المرضى عِنْده فَقَالَ (ولازم تراخي الْمُخَصّص) فِي مَحل اتّفق الْحَنَفِيَّة على عدم جَوَازه (من التَّعْرِيض على الْوُقُوع) أَي وُقُوع الْمُكَلف بِمَا ترَاخى عَنهُ مخصوصه (فِي غير الْمَشْرُوع) بإتيانه بِمَا سيخرجه الْمُخَصّص (غير لَازم هُنَا) أَي فِيمَا نَحن فِيهِ من مَحل الْخلاف الْمَذْكُور لِأَن الْمُخَصّص إِنَّمَا هُوَ النَّاسِخ وَقبل ظُهُوره يعْمل بالحكم الأول إِذْ الْمَشْرُوع حِينَئِذٍ (بل غَايَته) أَي غَايَة مَا يلْزمه عدم الاقتران هُنَا (اعْتِقَاد أَنه) أَي الحكم الأول (لَا يرفع) لما يَقْتَضِيهِ ظَاهر التَّأْبِيد فِي نَحْو صُومُوا أبدا والتوقيت فِي مثل حرمته عَلَيْكُم عَاما (وَهُوَ) أَي الِاعْتِقَاد الْمَذْكُور (غير ضائر) وَإِذا علم أَن اللَّازِم الَّذِي كَانَ مَحْظُور التَّرَاخِي من جِهَة مُنْتَفٍ فِيمَا نَحن فِيهِ (فَالْوَجْه) فِيهِ (الْجَوَاز) أَي جَوَاز النّسخ (كصم غَدا ثمَّ نسخ قبله) أَي الْغَد (فَإِنَّهُ) أَي جَوَاز نسخه (اتِّفَاق) وَجه الشّبَه اشتراكهما فِي تعلق وجوب الْفِعْل بِزَمَان مُسْتَقْبل ثمَّ نسخه قبل انْقِضَاء ذَلِك الزَّمَان (وَمَا قيل) على مَا فِي الشَّرْح العضدي من أَنه (لَا مُنَافَاة بَين إِيجَاب فعل مُقَيّد بالأبد وَعدم أبدية التَّكْلِيف) بذلك إِذْ الْمَوْصُوف بالأبدية إِنَّمَا هُوَ نفس الْفِعْل وبعدمها الْإِيجَاب الْمُتَعَلّق بهَا، فَمحل الْإِثْبَات غير مَحل النَّفْي وَحَاصِله أَن الطَّالِب يطْلب فِي بعض الْأَوْقَات أمرا دَائِما ثمَّ يطْلب فِي وَقت آخر ترك ذَلِك الْأَمر (بعد مَا قرر فِي) تَقْرِير (النزاع من أَنه) أَي النزاع مَبْنِيّ (على) تَقْدِير (جعله) أَي التَّأْبِيد (قيدا للْحكم مَعْنَاهُ) أَي معنى مَا قيل (بالنسخ يظْهر خِلَافه) أَي فِي كل مَحل جعل التَّأْبِيد قيدا للْحكم يظْهر بعد النّسخ أَنه لَيْسَ بِقَيْد لَهُ بل هُوَ قيد للْفِعْل، إِذْ لَا مُنَافَاة بَين النّسخ وَبَينه بِخِلَاف الأول فان النّسخ يُنَافِيهِ وَلَا يخفى مَا فِي هَذَا التَّوْجِيه، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَالْوَجْه حِينَئِذٍ) أَي حِين يقْصد الْجَواب بِعَدَمِ الْمُنَافَاة (أَن لَا يَجْعَل النزاع على ذَلِك التَّقْدِير، بل) يَجْعَل (هُوَ مَا) أَي تَصْوِير (هُوَ ظَاهر فِي تَقْيِيد الحكم) لَا نَص فمانع النّسخ ينظر إِلَى ظَاهره، والمجيب يحملهُ على خلاف الظَّاهِر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن تَصْوِير مَحل النزاع على هَذَا المنوال (فَالْجَوَاب) بِلَا مُنَافَاة الخ (على خلاف الْمَفْرُوض) وَهُوَ كَون التَّأْبِيد قيدا للْحكم قطعا (وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين كَانَ التَّأْبِيد قيدا للْفِعْل