المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التوسل بدعائه وشفاعته هو التوسل به الذي كان الصحابة يعرفونه ويفعلونه - جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٥

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌ وصف الأصول المعتمدة

- ‌نماذج من النسخ الخطية

- ‌ بدعة القدرية والمرجئة

- ‌ الحجة قامت على أهل الأرض بالرسل

- ‌ للناس في الرسل ثلاثة أحوال: إمّا التصديقُ، وإمّا التكذيبُ، وإمّا عَدَمُهما

- ‌ الرسالةَ عمَّتِ الأممَ كلَّهم

- ‌ يَبقَى في الفترةِ من الدُّعاةِ من تقومُ به الحجةُ

- ‌ كلَّ هدًى حصل به سعادةُ الآخرة فهو باتباع الأنبياء

- ‌نحن لم نَقُل: إن كلَّ تأويلٍ باطل، حتى يُنقَض علينا بصورةٍ

- ‌ مذهب السلف وأهل الحديث أنها تُصَانُ عن تأويلٍ يُفضِي إلى تعطيل

- ‌ من قال: كلّ مجتهدٍ مصيبٌ، لا يُمكِنُه أن يقول: كل متأؤل مصيبٌ

- ‌ هذا من قولِ عُبَّادِ الأصنام

- ‌ العبادات مَبْنَاها على توقيفِ الرسولِ

- ‌ لا يُشرَع لأحدٍ أن يستلمَ ويُقبِّلَ غيرَ الركنين اليمانيينِ

- ‌التوسُّل بدعائه وشفاعتِه هو التوسُّل به الذي كان الصحابة يعرفونه ويفعلونه

- ‌ الحلفُ بغير الله من باب الشرك

- ‌أوَّلُ مَن قال بالعبارةِ الأشعريُّ

- ‌ مذهبُ الشافعي وسائرِ الأئمةِ في القرآن خلافُ قولِ الأشعري

- ‌ليس هو من الصحابة، ولا من الخلفاء الراشدين

- ‌ فسادِ قولِ مَن أثبتَ الجوهرَ الفردَ

- ‌المشركون أعداءُ إبراهيم

- ‌تمام الدين بالفطرة وتقديرها، لا بتحويلها وتغييرها

- ‌هذا الحب والإحساس الذي خلقه الله في النفوس هو الأصل في كل حُسن وقُبح

- ‌من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلَاّ بعمله فقد خرق الإجماع

- ‌ علامة الفاجر الكذبُ والفجور

- ‌ عِمارةُ المساجد بالصَّلوات الخمس وقراءةُ القرآن

- ‌ نفي الإيمان وإثباته باعتبارين:

- ‌ بيان كيف يُنفَى الإيمان بفعل الكبائر

- ‌ حكاية مسلم بن يسار

- ‌كلُّ معبودٍ سوى الله باطل

- ‌الإمام إذا كان مُخطئًا في نفسِ الأمر كان بمنزلةِ الناسي

- ‌ غَلِطَ الغالطُ في هذا الأصل

- ‌ طُرُقُ العلمِ ثلاثةً: الحسّ، والنظر، والخبر

- ‌ الرسول بَيَّنَ للناسِ الأدلةَ العقليةَ

- ‌ من أهل الكلام مَن قَصَّرَ في معرفةِ ما جاء به الرسولُ وما يُوجبُه النظَرُ المعقولُ

- ‌من تَركَ الجهادَ عذَّبه الله عذابًا أليمًا بالذُّلّ وغيره

- ‌أقلُّ ما يجب على المسلمين أن يُجاهِدوا عدوَّهم في كلِّ عام مرةً

- ‌ في الحركة في سبيل الله أنواعٌ من الفوائد:

- ‌ الإيمان لا يَتِمُّ إلاّ بالجِهاد

- ‌الجهادُ في سبيلِ الله أنواع متعدِّدة

- ‌ الذي يقاتل العدو مع غلبة ظنِّه أنه يُقتل قسمان:

- ‌ الذي يُكرَهُ على الكفر فيصبر حتى يُقتَل ولا يتكلم بالكفر

- ‌أفضل البلاد في حق كل شخص حيث كان أبرّ وأتقى

- ‌ جنْس المُرابَطَة أفضل من جنس المجاورة بالحرمين

- ‌جنس الجهاد أفضل من جنس الحج

- ‌ رَهْبانية هذه الأمة: الجهادُ في سبيل الله

- ‌إن اعتقَد الرجلُ تحريمَ بعضِ ذلك، فليس له أن يُنكِرَ على الإمام المجتهد في ذلك

- ‌ ما أتلَفَه أهلُ البَغْي على أهلِ العدلِ من النفوسِ والأموال، لا يَجبُ عليهم ضمانُه

- ‌ما قَبَضَه المسلم بعَقْدٍ متأوِّلاً فيه مَلَكَه

- ‌ يُجزِئ دفعُ الزكاة إلى الإمام الذي يَجُورُ في قَسْمِها

- ‌لهم في تفاصيل قبضِ الأموالِ وصَرْفِها طرق(1)متنوعة:

- ‌ ما شهد الدليلُ الشرعي بوجوبه أو تحريمه أو إباحتِه عُمِل به

الفصل: ‌التوسل بدعائه وشفاعته هو التوسل به الذي كان الصحابة يعرفونه ويفعلونه

كذلك أَمَرَ الأعمى -لما طلبَ منه الدعاءَ له- أن يُعِينَه هو أيضًا بصلاتِه ودعائِه، وقال:"صَلِّ ركعتينِ ثم قُلْ: اللهمّ إني أسألكَ وأتوسَّلُ إليك بنبيك محمد نبيِّ الرحمة" أي بدعاءِ نبيِّك وشفاعتِه. كما قال عمر: "كنّا نتوسَّلُ إليك بنبينا، وإنا نتوسلُ إليك بعم نبينا".

ومعلومٌ أنهم إنما توسَّلُوا بدعاءِ العبَّاس، كما كانوا يتوسَّلُون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا فَعَلَه عمرُ بين المهاجرين والأنصار عامَ الرَّمَادَةِ، ولم يُنكِرْهُ أحدٌ ولم يَقُلْ له: بل التوسُلُ بذاتِ النبي أو الإقسامُ به مشروعٌ، فلِمَ يَعْدِلُ عن التوسُّلِ بالرسولِ إلى العباس؟

فلما أقرُّوا عمرَ على ذلك ولم يُنكِره أحدٌ عُلِمَ أنَّ ما فَعَلَه عمرُ وأصحابُه معَه هو المشروعُ دونَ ما يُخالِفُه.

وكذلك أمرَ الأعمى أن يتوسَّلَ بدعائِه وشفاعتِه، ويَدُلُّ على ذلك قولُه في آخر الحديث:"اللهمَّ فَشَفِّعْه فيَّ"، عُلِمَ أنه كان يدعو ويَشْفَع له، وأن الأعمى إنما توسَلَ بدعائِه وشفاعتِه، وإلاّ فكان يقول:"اللهم وهذا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ".

و‌

‌التوسُّل بدعائه وشفاعتِه هو التوسُّل به الذي كان الصحابة يعرفونه ويفعلونه

، وهو معنى التوسُّل به عندهم، كما قد بَيَّن ذلك حديثُ عمر وحديثُ الأعمى. ولكن من الناس مَن ظنَّ أن المراد بلفظ التوسُّل به هو التوسُل بذاتِه أو الإقسامُ بذاتِه، وهذا غلطٌ على الصحابة.

وأما كلامُ العلماء في أن ذلك مشروعٌ أو لا؟ فقد ذكرَ السائلُ النقلَ عن أبي حنيفةَ وأبي يوسف وغيرِهما أن ذلك منهيٌّ عنه،

ص: 114

وما ذكرَه عن أبي محمد بن عبد السلام يوافقُ ذلك. وأما استثناؤُه الرسولَ إن صحَّ حديثُ الأعمى، فهو رحمه الله لم يَستحضِر الحديثَ بسياقه حتى يتبيَّنَ له أنه لا يُناقِضُ ما أفتَى به، بل ظنَّ أنه يَدُلُّ على محل السؤال، فاستثناه بتقدير صحته. والحديثُ صحيح، لكن لا يدلُّ على هذه المسألة كما تقدَّم.

وأما ما نقله

(1)

السائلُ عن القُشَيري فأَجنبي عن هذه المسألة، لا يَدُلُّ عليها بنفيٍ ولا إثباتٍ.

وقد ذكرَ المرُّوذي في مَنسَكِه عن الإمام أحمد بن حنبل أن الداعي المسلِّمَ على النبي صلى الله عليه وسلم يتوسَّلُ به في دعائِه. فهذا النقلُ يُجعَل معارضًا لما نُقِلَ عن أبي حنيفة وغيره.

ونقل أيضًا عن عثمان بن حُنَيف أنه أمر رجلاً بعد موتِ النبي صلى الله عليه وسلم أن يَدعُوَ بهذا الدعاءِ، لكن لم يقل فيه:"اللهم فشفَعْه فيَّ".

وقد تكلَّمتُ على إسناد ذلك، وهل هو ثابت أم لا؟ وبَسطتُ الكلام على ذلك في غير هذا الموضع

(2)

، وبيَّنتُ أنه [على] تقديرِ ثبوته يكون معارضا لما فَعَلَه عمرُ بمحضرٍ من المهاجرين والأنصار، وإذا كانت مسألة نزاعٍ رُدَّتْ إلى الله والرسول.

وما نُقِلَ عن أحمد رضي الله عنه فإنه يُشبهُ ما نُقِلَ عنه من جوازِ الإقسامِ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يجب بذلك الَكفارةُ، فإن الإقسامَ به

(1)

في الأصل: "فعله".

(2)

انظر مجموع الفتاوى (1/ 268 - 276).

ص: 115

في اليمين كالإقسامِ به على الله، وكالتوسُّل بذاتِه.

وهذه الرواية عن أحمد لم يُوافِقْها [أحدٌ] من الأئمة، بل جمهورُ الأئمة على الرواية الأخرى عنه، وهو أنه لا يُشرَع الحلفُ بمخلوقٍ لا النبيِّ ولا غيرِه، ولا يجب بذلك كفارة. وتلك الرواية اختارها طائفة من أصحابه ونَصَرُوها في الخلاف، كالقاضي والشريف أبي جعفر وابن عقيل وغيرهم. ثمّ أكثر هؤلاء يقولون: هذا الحكمُ مختصٌّ به، لكون الإيمان به بخصوصه ركنًا في الإيمان، لا يتمُّ الإيمان إلاّ بالشهادتين. وذكر ابن عقيل أن حكم سائر الأنبياء كذلك في انعقاد اليمين بالحلف بهم.

وأما جماهيرُ علماء المسلمين من السَّلَف والخلف فعلَى أنه لا ينعقد اليمينُ بمخلوقٍ، لا الأنبياء ولا غيرِهم، كالرواية الثانية عن أحمد. وهذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة واختيارُ طائفةٍ من أصحاب أحمد، وهذا القول هو الصواب، فإنه قد ثبت في الصحيح

(1)

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تحلفوا إلاّ بالله"، وقال:"من كان حالفًا فليحلِفْ بالله أو ليَصْمُت". وفي السنن

(2)

عنه أنه قال: "مَن حَلَفَ بغير الله فقد أشرك".

وقال ابن مسعود وابن عباس: "لأن أحلفَ كاذبًا أحبُّ إليَّ

(1)

البخاري (3836، 6108، 6646، 6648) ومسلم (1646) عن عبد الله بن عمر.

(2)

أخرجه أبو داود (3251) والترمذي (1535) عن عبد الله بن عمر. قال الترمذي: هذا حديث حسن.

ص: 116