الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما كان اسمه "القَيوم" يتناول هذا وهذا، وهو قَيُّومُ السماوات والأرضِ ومُقِيمُ كل مخلوقٍ من الأعيان والصفات، دَلَّ ذلك على أنّ كلَّ مخلوق له نصيب من القيام، فهو قائم بالقيم الذي أقامه، كما أن له قدرًا بالخلق، فإن اسمه "الخالق" يَقتضي الإبداعَ والتقدير، فقال:(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49))
(1)
، وقال:(قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3))
(2)
.
وإذا كان لكل شيء مخلوق قيام وقدر، دَلَّ ذلك على
فسادِ قولِ مَن أثبتَ الجوهرَ الفردَ
، ومَن قال: العَرَضُ لا يَبْقَى زمانَيْنِ.
فإن الذين يقولون بالجوهر الفرد يثبِتُون شيئًا لا تتميَّزُ يمينُه عن يَسارِه، ولا يُعرَف بالحسِّ، وهو ممتنع وجودُه، فإنَّ وجودَ ما لا يَتميَّز منه جانب عن جانب ممتنع، وإنما يَفرِضُونَه في الذهن.
وعلى قولهم لا قدرَ له، والله تعالى قد جعلَ لكل شيء قدرًا، فما لا قدرَ له لم يُخلَقْ، بل هو ممتنع.
وما يَفرِضُه أهلُ الهندسةِ من نقطةٍ مجرَّدةٍ وخطٍّ مجرَّد وسَطْحٍ مجرَّد، هي أمور مقدَّرة في الأذهان واللسان، لا تُوجَد مجرَّدةً في الخارج، بل لا تُوجَد إلاّ نقطة معينة مثلُ نقطة الماء والحِبْرِ ونحوِ ذلك مما يتميز منه جانب عن جانب، لقوله تعالى:(قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3))، وقوله:(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2))
(3)
.
(1)
سورة القمر: 49.
(2)
سورة الطلاق: 3.
(3)
سورة الفرقان: 2.
والله سبحانَه خالقُ الموجوداتِ العينية ومُعلِّمُ الصور الذهنية، وأول ما نزل:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5))
(1)
.
ومن الناس من يقول: المعدومُ شيء ثابت في الخارج، وليس بمخلوق، بل ثبوتُه قديم. وآخرون يقولون: الماهياتُ غيرُ مجعولةٍ.
وهؤلاءِ وهؤلاءِ اشتبهَ عليهم ما في الأذهانِ بما في الأعيانِ، فأخرجوا بعضَ مخلوقاتِه عن أن تكونَ مخلوقةً له.
وتحقيقُ الأمر أن كلَّ ما يُقدَّر فإمّا أن يكون ثابتًا في الأعيانِ والموجودِ الخارج، أو في العلم والوجودِ الذهني، وهو سبحانَه خالقُ هذا ومُعلِّمُ هذا، فلا يَخرجُ شيء أصلاً عن تخليقِه وتعليمِه، بل هو الذي خلقَ فسوى، وقدَّرَ فهدَى، وقال:(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8))
(2)
. فهو خالقُ كلِّ شيء وقَيُّومه، وكلُّ ما أقامَه القيوم فله قِيام، والحركةُ وإن وُجدتْ شيئًا فشيئًا فلابدَّ لها من لُبْثٍ، لا يتصوَّر أن تُعْدَمَ قبلَ أن تلبَثَ زمنًا من الأزمان، وقيُّومُ السماوات هو الخالقُ الذي يُبدِعُه ويَجعلُ له ذلك القدرَ، فجَعَلَ للأعيانِ قدرًا، وللحركاتِ قدرًا، ولزمانِها قدرًا، وبعضُ ذلك يُطابِقُ بعضًا، فإن الزمان مُساوِقٌ للحركة، والحركة هي مبدأ الأحداث. قال تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)
(3)
،
(1)
سورة العلق: 1 - 5.
(2)
سورة الشمس: 7 - 8.
(3)
سورة الحج: 61.
والإيلاج هو بسبب الحركة الحولية، كما أن اختلافَ الليل والنهار وتكويرَ الليل على النهار وتكويرَ النهار على الليل هو بسبب الحركة اليومية.
وهو سبحانَه (فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ)
(1)
، وهو (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا)
(2)
.
فذكر أنه فالقُ الإصباح بعد ذكره فَلقَ الحب والنوى، فإنه بسبب فَلْقِه الإصباحَ وجَعْلِ الليلِ والنهارِ يَتِمُّ ما يخلقُه ويَنمو ويَحصُلُ مصلحتُه، ثم ذلك يحصل بتسخير الشمس والقمر وجَعْلِهما بحساب على وفْقِ العدلِ في الحكمة، لا يتقدم شيء على وقتِه ولا يتأخر شيء عن أجلِه، وهو سبحانَه يَسوقُ المقاديرَ إلى المواقيتِ.
واستحالةُ الأجسامِ بعضِها إلى بعضٍ معلوم بالمشاهدة، وهو مما تَطابقَ عليه أهلُ الطبائع والشرائع وأهل العادات، والأطباء يعرفون استحالة الأجسام بعضها إلى بعض، وغيرهم. وكذلك الفقهاءُ تكلَّموا في استحالةِ الطاهرِ إلى النجس، واستحالةِ النجسِ إلى الطاهر، وفي الماء والمائعِ إذا خالطَتْه النجاسة هل يستحيل أم لا؟
والذين أنكروا ذلك وقالوا بالجوهر الفرد زعموا أن كلَّ ما شهدَ العبادُ أنَّ الله يخلقُه من سحاب ونباتٍ ومطرٍ وإنسان وحيوانٍ، فإنَّ الله -فيما زعموا-[لَمْ] يُبدِعْ تلك الأعيانَ والجواهرَ القائمةَ بأنفسها،
(1)
سورة الأنعام: 95.
(2)
سورة الأنعام: 96.
وإنما يُحدِثُ أعراضًا، وهو تركيبُ الجواهرِ بعضِها مع بعض، ثم زعموا أن الجواهر إنما يُعلَم أنه خلقَها بالاستدلال، وهو أنها لا تخلو من الأعراضِ الحادثة، وما لا يخلو إذن فهو حادث. وعلى هذا اعتمدوا في خَلْقِ الله للعالم وفي إثباتِ الصانع، وجعلوا ذلك أصلَ دين المسلمين، ثمَّ التزموا لوازمَ من إنكار الصفات أو بعضها، ومن إنكارِ الرؤية، والقول بخلق القرآن، وغير ذلك.
فتسلَّطَ عليهم السلف والأئمةُ وعلماءُ السنة بالتبديع والتكفير مع التجهيل والتضليل، وتسلَّط عليهم طوائف العقلاء الذين فهموا كلامَهم بالتجهيل والتضليل، وخالفوا الحسَّ والعقلَ والشرعَ الذي هو خبر الصادق، وهذه الثلاثة هي مدارك العلم عندهم وعند غيرهم، كما ذكروا ذلك في أولِ كتبهم.
أما مخالفة الحسّ فقولهم: إنّ الله لم يُبدِع عين الإنسان والحيوان، ولا عينَ الثمار والمطر والسحاب، وإنما أحدثَ تأليفًا. وعلى قولهم تلك الجواهرُ التي كانت في بني آدمَ باقية بأعيانها في كلِّ واحدٍ من ولدِه، ومعلومٌ أنّ هذا غير ممكن، فإنَ مَنِيَّ الرجلِ الواحد لا يحتمل أن ينقسمَ أقسامًا بعددِ كلِّ مَن وُلِد من الآدميين. وكذلك عندهم أن كلَّ بني الآدميين فيه جزء من بني نوحٍ، لأنه عندهم لم يُبدِع الله عينًا، بل نفسُ مَنِيِّ الأبِ فيه الجواهر، ركَّبَها تركيبًا آخر، وضَمَّ إليها جواهرَ أُخرَ.
وأما مخالفة العقل فإثباتُ الجوهر الفرد إثباتُ شيء موجودٍ لا يتميز منه شيء عن شيء، فإذا وُضِعَ جوهر بين جوهرينِ، فإن كان
الذي يُمَاسُّ هذا الجانب فقد التقَى الجوهران، وإن كان غيره فقد ثبت الانقسام.
وأيضًا فنحنُ نشاهد الهواءَ يستحيل ماءً إذا وُضِعَ في الزجاج، ونحوه ثلج صار عليه ماء يَقطُر، ومعلومٌ أن الثلجَ لم يَثْقُب الزُّجاجَ، بل الهواء الذي أحاطَ به بَردَ فاستحالَ ماءً، كما يُحِيلُ الله سحابًا وماءً. هذا مشهود، يكون الإنسانُ على حَيْدٍ، فيَرى البُخَارَ قد صَعِدَ من البحار فانعقَد سحابًا، وينظر تحته وهو أعلى منه في الشمس على رَأس الجبل. وكذلك الهواءُ يستحيلُ نارًا، فإذا قرّبَ ذُبَالةَ المصباحِ إلى النار أوقدَ، مع أنه لم يخرج من تلك النار شيء، ولكن الهواء المحيط بالذُّبالةِ استحالَ نارًا لمّا سَخُنَ سُخونةً شديدةً. فالهواء يَبْرُدُ فيستحيلُ ماءً، ويَسْخُنُ فيستحيل نارًا.
وكذلك ما يَقْدحُ النار، قال تعالى:(فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2))
(1)
، وقال:(أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71))
(2)
الآيات، وقال تعالى:(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80))
(3)
. والعرب يقولون: "في كلّ شجرٍ نار، واستَمْجَدَ المَرْخُ والعَفَارُ"
(4)
، يأخذون عُودَينِ أخضرين يَحُكُّون أحدَهما بالآخر حتى يَسْخُن، فإن الحركة
(1)
سورة العاديات: 2.
(2)
سورة الواقعة: 71.
(3)
سورة يس: 80.
(4)
انظر أمثال أبي عبيد (ص 136) و"جمهرة الأمثال"(1/ 173) و"فصل المقال"(ص 171) وغيرها من كتب الأمثال.
تُوجبُ السخونةَ، والسخونةُ تحصلُ بالحركة وبالنار وبالشُّعاع، فإذا سخَنَ انقدحَ منه نارٌ باستحالةِ بعض تلك الأجزاء نارًا، وما كان هناك قبلَ هذا نارٌ، بل سبحانَه يُحدِثُ النارَ عند باقية بعينها، وهي جوهر يقوم بها الصورة كما يقوله من يقول ذلك من المتفلسفة، فقوله خطأ، بل المادة استحالتْ فخُلِقَ منها شيءٌ آخر، والأولى هلكتْ وأعدمَها الله على هذا الوجه، كما أوجدَ ما خلقَ منها على هذا الوجه. وقد بُسِط الكلام على هذا في موضع آخر.
والمقصود الكلامُ على اسمه "القَيُّوم"، والتنبيهُ على بعضِ ما دلَّ عليه من المعارف والعلوم، فهو سبحانَه قَيُّومُ السماوات والأرض، لو أخذَتْه سِنَةٌ أو نومٌ لهلكتِ السماوات والأرض. والمخلوقُ ليس له من نفسِه شيء، بل الربُّ أبدعَ ذاتَه، فلا قِوَامَ لذاتِه بدون الربِّ، والمخلوق بذاتِه فقيرٌ إلى خالقِه، كما أن الخالقَ بذاتِه غنيٌّ عن المخلوق، فهو الأجَل الصَّمَدُ، والمخلوقُ لا يكون إلاّ فقيرا إليه، والخالقُ لا يكون إلاّ غنيّا عن المخلوق، وغِناهُ من لوازم ذاتِه، كما أن فَقْرَ المخلوقِ إلى خالقه من لوازم ذاتِه. وهذا المعنىَ مما يتعلق بقول الله:(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)) تعلُّقًا قويًّا.
والناسُ يشهدون إحداثه لمخلوقاتٍ كثيرة وإفناءَه لمخلوقاتٍ كثيرة، وهو سبحانَه يُحدِثُ ما يُحدِثُه من إرادةٍ يُحِيلُها ويُعدِمُها إلى شيء آخر، ويُفْنِي ما يُفنِيه بإحالتِه إلى شيء آخر، كما يُفنِي الميتَ بأن يَصِيرَ ترابًا.
وعلى هذا تترتبُ مسائل المعاد، فإن الكلام على النشأةِ الثانية فرعٌ عن النشأةِ الأولى، فمن لم يتصور الأولى فكيف يَعلم الثانية؟
قال تعالى: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62))
(1)
. فهؤلاء غَلِطُوا في معرفة النشأة الأولى، فكانوا في معرفة النشأة الثانية أغلطَ، كما قد ذُكِرَ هذا في غير هذا الموضع.
وكان غلطهم لأنهم ظَنُّوا أن الله يُفنِي العالمَ كلَّه ولا يَبقَى موجودٌ إلاّ الله، كما قالوا: إنه لم يكن موجود إلاّ هو، فقَطَعوا بعَدَمِ كلِّ ما سوى الله. ثم اختلفوا، فقال الجهم: إنّه يُفْنِي العالمَ كلَّه، وإنّه وإن أعادَه فإنه يُفنِي الجنةَ والنارَ، فلا يَبقَى جنة ولا نار، لأن ذلك يَستلزمُ دوامَ الحوادث، وذلك عند الجهم ممتنع بنهايةٍ وبدايةٍ في الماضي والمستقبل. وقال الأكثرون منهم: بل هو إذا أعدمَ العالمَ بالكلية فإنه يُعِيدُه ولا يُفنِيه ثانيًا، بل الجنة باقية أبدًا، وفي النار قولان
(2)
.
وهؤلاء قطعوا بإفناءِ العالم، وللنُّظَّار فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: القطع بإفنائه.
والثاني: التوقف في ذلك، وأنه جائز، لكن لا يُقطَع بوجودِه ولا عدمِه.
والثالث: القطع بأنه لا يُفنِيه. وهذا هو الصحيح، والقرآن يدلُّ على أن العالم يَستحيلُ من حالٍ إلى حالٍ، فتَنشَقُّ السماءُ فتَصير
(1)
سورة الواقعة: 58 - 62.
(2)
انظر "قاعدة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار".
وردةً كالدِّهان
(1)
، وتُسَيرُ الجبالُ
(2)
وتُبَسُّ بَسًّا
(3)
، وتُدَكُّ الأرضُ
(4)
، وتُسَجَّرُ البحارُ
(5)
، وتنكدرُ النجومُ
(6)
وتتناثَر
(7)
، وغير ذلك مما أخبر الله به في القرآن، لم يُخبِر بأنه يُعدِمُ كلَّ شيء، بل أخبارُه المستفيضةُ بأنه لا يُعدِمُ الموجوداتِ.
فقوله: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26))
(8)
أخبر فيه بفناءِ مَن على الأرض فقط، والفناءُ يُرادُ به الموتُ ولا يُرادُ به عَدَمُ ذَواتِهم، فإن الناس إذا ماتوا صارتْ أرواحُهم إلى حيثُ شاء الله من نعيمٍ وعذاب، وأبدانهم في القبور وغيرها، منها البالي وهو الأكثر، ومنها ما لا يَبْلَى كأبدان الأنبياء
(9)
، والذي يَبْلَى يَبقَى منه عَجْبُ الذَّنَب، منه بَدَأ الخَلْقُ ومنه يُرَكَّبُ
(10)
. فهؤلاء لما قالوا: إنّه يُفنِي جميع العالمِ وإنّ ذلك واقع وممكن، احتاجوا إلى تلك الأقوالِ الفاسدة، وإلاّ فالفناء الذي أخبرَ به القرآنُ هو الفناء المشهودُ بالاستحالة إلى مادة، كما كانَ الإحداثُ
(1)
كما في سورة الرحمن: 37.
(2)
كما في سورة النبأ: 20.
(3)
كما في سورة الواقعة: 5 - 6.
(4)
كما في سورة الفجر: 21.
(5)
كما في سورة التكوير: 6.
(6)
كما في سورة التكوير: 2.
(7)
كما في سورة الانفطار: 2.
(8)
سورة الرحمن: 26.
(9)
كما في الحديث الذي أخرجه أحمد (4/ 8) وأبو داود (1047، 1531) والنسائي (3/ 91) وابن ماجه (1085، 1636) عن أوس بن أوس.
(10)
كما في حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم (2955).
بالحق من مادة.
فاسمُه سبحانَه "القَيوم" يَقتضي الدوامَ والثباتَ والقوةَ، ويَقتضي الاعتدال والاستقامةَ، وقد وَصَفَ نفسَه بأنه قائم بالقِسط
(1)
، وأنه على صراطٍ مستقيم
(2)
. ومنه قوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4))
(3)
، ومنه قَامَةُ الإنسانِ وهو اعتدالُه، ومنه قيام الإنسان، فإنه يتضمن الاعتدال مع كمال وطمأنينةٍ، ومنه قول الشاعر
(4)
:
أَقِيْميْ أمَّ زِنْباع أَقِيْميْ
…
صُدُورَ العِيْسِ شَطْرَ بني تَميمِ
فإنه أراد: وجهي صدورَ العِيْس نحوَ بني تميم. والعِيْسُ هي الإبل التي تُركَبُ ويُحَملُ عليها، ويقال: الإبلُ العِيْسُ، جمعُ عَيْسَاءَ.
(1)
كما في سورة آل عمران: 18.
(2)
كما في سورة هود: 56.
(3)
سورة التين: 4.
(4)
البيت لأبي جندب الهذلي مطلع قصيدة له في "شرح أشعار الهذليين"(1/ 363). قال الأصمعي: وتُروى لأبي ذُؤيب. وفي "لسان العرب"(شطر) لأبي زنباع الجذامي. والرواية فيهما: أقول لأم زنباع
…
فصل في معنى "الحنيف"
فصل في معنى "الحنيف"
فإن هذا الاسمِ قد تكرَّر في القرآن، وقد فرضَ الله على الناس أن يكونوا حُنَفَاءَ، فرَضَه الله على أهل الكتاب ثم على أمة محمد، وأوجبَ عليه وعليهم أن يتبعوا ملةَ إبراهيم حنيفًا، فقال تعالى في أهل الكتاب:(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5))
(1)
، وهذا أمرٌ لجميع الخلقِ من المشركين وأهلِ الكتاب وغيرِهم.
وقال تعالى: (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135))
(2)
وقال عن إبراهيم: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67))
(3)
، وقال تعالى:(قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95))
(4)
، وقال تعالى:(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)
(5)
، وقال تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا
(1)
سورة البينة: 5.
(2)
سورة البقرة: 135.
(3)
سورة آل عمران: 67.
(4)
سورة آل عمران: 95.
(5)
سورة النساء: 125.
وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)
(1)
، وقال:(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120))
(2)
، وقال تعالى:(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ)
(3)
، وقال تعالى:(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31))
(4)
.
والقرآنُ كلُّه يدلُّ على أن الحنيفيَّةَ هي ملةُ إبراهيم، وأنها عبادةُ الله وحدَه والبراءةُ من الشرك. وعبادتُه سبحانَه إنما تكون بما أمَرَ به وشرعَه، وذلك يدخل في الحنيفية. ولا يدخلُ فيها ما ابتُدِعَ من العبادات، كما ابتدَعَ اليهودُ والنصارى عباداتٍ لم يأمر بها الأنبياءُ، فإنّ موسى وعيسى وغيرَهما من أنبياء بني إسرائيل ومن اتبعَهم كانوا حُنَفاءَ بخلافِ من بَدَّلَ دينهم فإنه خارج عن الحنيفية. وقد أمر الله أهلَ الكتاب وغيرَهم أن يعبدوه مخلصين له الدين حنفاء، فبدَّلوا وتصرَّفوا من بعد ما جاءتهم البينة.
وكلامُ السلفِ وأهل اللغة يدلُّ على هذا وإن تنوعتْ عباراتهم.
روى ابنُ أبي حاتم
(5)
بإسناده المعروف عن عثمان بن عطاء
(1)
سورة الأنعام: 161.
(2)
سورة النحل: 120.
(3)
سورة الحج: 30 - 31.
(4)
سورة الروم: 30 - 31.
(5)
2/ 674. وانظر لهذه الأقوال والآثار التي ذكرها المؤلف: تفسير الطبري=
الخراساني عن أبيه في قوله: (حَنِيفًا مُسْلِمًا) قال: مخلصًا مسلمًا.
قال: ورُوِيَ عن مقاتل بن حيان مثلُ ذلك. وقال خُصَيْف: الحنيف المخلص.
وذكر ذلك الثعلبي وغيرُه عن مقاتل بن سليمان بإسناده عن أبي قُتَيبةَ البصري نُعيمِ بن ثابتٍ عن أبي قِلابةَ قال: الحنيف الذي يؤمن بالرسُلِ كلِّهم.
وقال محمد بن كعب: الحنيف المستقيم.
وبإسناده المعروف عن سفيان الثوري عن ابن أبي نَجيح عن مجاهدٍ: (حَنِيفًا) قال: متبعًا، وقال: الحنيفية اتباعُ إبراهيم.
وذكره طائفة من المفسرين عن مجاهد، ورُوِي نحو ذلك عن الربيع بن أنس.
قال مجاهد: هو اتباعُ إبراهيمَ فيما أتى به من الشريعةِ التي صار بها إمامًا للناس.
وقال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: (حَنِيفًا) قال: حاجًّا.
وقال ابن أبي حاتم: ورُوي عن الحسن والضحاك وعطية والسدّي نحو ذلك.
ونقل طائفة عن الضحاك أنه قال: إذا كان مع الحنيف المسلمُ فهو الحاجّ، وإذا لم يكن معه فهو المسلم.
= (1/ 441) والبغوي (1/ 119) و"زاد المسير"(1/ 150) وتفسير ابن كثير (1/ 419) و"الدر المنثور"(1/ 337، 338).
وذكرَ الثعلبي ومَن اتبعَه كالبغوي
(1)
وغيرِه عن ابن عباس قال: الحنيف المائلُ عن الأديان إلى دين الإسلام. قالوا: وأصلُه من حَنَفِ الرِّجْل، وهو مَيْل وعِوَج في القَدَم، ومنه قيل للأحنف بن قيس ذلك، لأنه كان أحنفَ القدم.
قلتُ: والحج داخل في الحنيفية من حينِ أوجبَه الله على لسان محمد، فلا تتمُّ الحنيفيةُ إلَاّ به، وهو من ملَّة إبراهيم، وما زالَ مشروعًا من عهد إبراهيم، فحجَّه الأنبياء موسى ويونسُ وغيرُهما، وما زال مشروعًا من أول الإسلامِ، وإنما فرِضَ بالمدينةِ في آخر الأمر بالاتفاق. والصوابُ أنه فُرِض سنةَ عَشْرٍ أو تسعٍ، وقيل: سنةَ ستٍّ، والأولُ أصحُّ.
والله أمرَ محمدًا وأمتَه أن يكونوا حنفاءَ، فقال في النحل
(2)
-وهي مكية-: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)، فكان الحج إذْ ذاك داخلاً في الحنيفية على سبيل الاستحباب والتمام، لا على سبيل الوجوب. وأمرَ الله أهلَ الكتاب أن يكونوا حنفاءَ، ولم يكن الحج مفروضًا عليهم، بل كان مستحبًّا.
ومثلُ هذا ما رواه ابن أبي حاتم
(3)
عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: الحنيف الذي يستقبل البيتَ بصلاتِه، ويَرى حجَّه عليه واجبًا إن استطاعَ إليه سبيلاً.
(1)
في تفسيره (1/ 119).
(2)
الآية 123.
(3)
1/ 242.
فهذا تفسيرُه للحنيف بعدَ أن حُوِّلَتِ القبلةُ إلى الكعبة وأُمِرَ الناسُ باستقبالِها وبعدَ أن فُرِضَ الحجُّ، وإلاّ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعَه وهم بمكة حنفاءَ وهم يُصلُّون إلى بيت المقدس لما كانوا مأمورين بذلك، وإنما أُمِرُوا باستقبالِها بالمدينة في السنة الثانية من الهجرة. وكذلك موسى ومن اتبعَه والمسيحُ ومن اتبعَه كانوا حُنَفَاءَ أيضًا، وكانوا يصلون إلى بيت المقدس.
وروى ابن أبي حاتم
(1)
وغيرُه من التفسير الثابت عن قتادة تفسير ابن أبي عَرُوبةَ عنه قال: الحنيفية شهادةُ أن لا إله إلا الله، يدخلُ فيها تحريمُ الأمهاتِ والبناتِ والأخواتِ والعماتِ والخالاتِ وما حَرَّمَ الله والختانُ، وكانت حنيفية في الشرك، وكانوا يُحرِّمون في شركِهم الأمهاتِ وما تقدَّم من القرابات، وكانوا يحجون البيتَ وينسكون المناسكَ.
فذكرَ قتادةُ أنها التوحيدُ واتباعُ ملَّةِ إبراهيم بتحريم ما حرَّم الله والخِتان، وأنهم في شِركِهم كانوا ينتحلونَ الحنيفيةَ، فيُحرِّمون ذواتِ المحارمِ ويحجُّون ويَختَتِنونَ، وهذا مما تَمسَّكوا به من دينِ إبراهيم مع شِركِهم الذي فارقوا به أصلَ الحنيفية، لكن كانوا ينتحلونها.
وكان هذا فارقًا بينهم وبين المجوسِ ومن لا يُحرم ذواتِ المحارم، وبين النصارى ومن لا يرى الخِتانَ، وبين سائر أهل الملل ممن لا يرى حجَّ البيت. فإن الحج كان من الحنيفية، لكن كان من مستحباتها
(1)
1/ 242.
لا من واجباتها.
وكذلك قال أبو الحسن الأخفش
(1)
: الحنيف المسلم، وقال غيره: إذا ذُكِرَ مع الحنيفِ المسلمُ فهو الحاج. قال أبو الحسن الأخفش: وكانوا في الجاهلية يقولون لمن اختتن وحج حنيفًا، لأن العرب لم تتمسك بشيء من دين إبراهيمَ غيرِ الختانِ والحج، فلما جاء الإسلامُ عادتِ الحنيفية. وقال الأصمعي: مَن عَدَلَ عن دين اليهودِ والنصارى فهو حنيفٌ عند العرب.
قلتُ: ولهذا يُوجَد في كتب بعض أهل الكتاب من النصارى وغيرِهم وفي كلامِهم معاداةُ الحنيف، وهم هؤلاء العرب الذين كانوا يحجون ويختتنون وهم مشركون، فإن النصارى لا يحجون ولا يختتنون ولا يتعبدون بالختان، بل أكثرهم ينهى عنه، وفيهم من يختتن.
وفي كلام طائفةٍ ممن ينقلُ المقالاتِ والأديانِ المقابلةُ بين الصابئين والحنفاء، وهذا يتناولُ الحنيفيةَ المحضةَ ملّةَ إبراهيم ومن اتبعَه من الأنبياء وأممِهم، فإنهم كانوا يعبدون الله وحدَه، بخلافِ الصابئين المشركين.
والصابئون نوعان: صابئون حنفاءُ، وهم الذين أثنى عليهم القرآن، وصابئون مشركون. وأما المجوس وسائر أنواع المشركين فليسوا حنفاءَ.
(1)
انظر "لسان العرب"(حنف).
وقد ذكر طائفة في الكلام والمقالات -مثل أبي بكر ابن فُورك وغيرِه- أنّ الذين ادَّعوا النبوةَ من الفُرس مثل زَردَشْت ومَزْدَك وبَهَافَرِيْد
(1)
كانوا ينتحلون ملةَ إبراهيمَ ويزعمون أَنهم يدعون إلى دينه.
قال ابن فُورك في مصنَّفٍ له لمَّا تكلَّم على إثباتِ النبوات والردِّ على من أنكرَها من البراهمةِ حكماءِ الهند، وذكرَ ما ذكرَه غيرُه من أهل الكلام والمقالات، قال: إنَّ البراهمة صنفان: صِنف أنكروا الرسُلَ أجمعين، وصِنفٌ أقرُّوا بنبواتِ بعضِهم، فمنهم من أقرّ بنبوةِ إبراهيم وجَحَدَ من كان بعده.
قال: فإن قال قائل: قد دَلَّلتَ على جواز بعثةِ الرسُل، فما الدليلُ على أن الأنبياءَ الذين بَعثَهم الله إلى خلقِه مَن ذكرتم دونَ غيرِهم؟
قيل له: الدليل على ذلك أنه قد نُقِلَ إلينا من الجهاتِ المختلفاتِ التي لا يجوز على ناقليها الكذبُ أنهم أتَوا بمعجزاتٍ تَخرجُ عن عادةِ الخلقِ، مثل: فلقِ البحر، وقلب العصا حَيَّةً، وإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، وانشقاق القمر، ولم يُنقَل لغيرهم من المعجزات ممن ادَّعَى النبوةَ كما نُقِل لهم، فدلَّ ذلك على أنهم هم الأنبياء دونَ غيرِهم ممن ادعى النبوةَ ولم يكن لهم معجزة تدلُّ على صدقهم.
قال: وممّا يدلُّ على صِدْقِهم أنّا وجدنا كل واحدٍ منهم في زمانه قد مَنَعَ الناسَ عن الشهواتِ واتباع الهوى، وقَبَضَ على أيديهم، وحالَ بينهم وبين مرادِهم، وما سرت إليهَ أنفسهم، ثم مع ذلك كلَّفوهم
(1)
إليه تُنسَب الفرقة البهافريدية من المجوس. انظر: "البدء والتاريخ"(4/ 26).
البراءةَ من الآباء والأبناءِ والأقارب، ونَبْذَ أهاليهم وراءَ ظهورِهم، وبَذْلَ أموالهم، وخَفْض الجناح لهم، والائتمار لأمورهم، والجَرْي تحتَ أحكامِهم. وكلُّ هذه الأحوال مما يَنْفِرُ عنها البشرُ وتَفِرُّ وتَمَل من تكلفهم، فلولا أنهم صادقون فيما ادَّعَوه، وصحَّحوا دعواهم بمعجزاتٍ ظاهرةٍ وبراهينَ بيّنةٍ تُخرِج ذلك عن حِيَلِ المحتالين ومَخْرَقةِ الممخرقين، لما كان يُوجِبُ ظاهرُ فِعْلِهم قبولَه.
ولو كان الخلق مُكرَهين في حياةِ واحدٍ منهم لنفاذِ أمرِه وقوته وغلبتِه لكانوا من بعد موته ومفارقتِه هذا العالمَ يرجعون إلى ما شاءوا عليه، كما يرجع الملوك في الدنيا. فلما وجدنا الخلقَ جيلاً بعدَ جيلٍ وقرنًا بعد قرنٍ يزدادُوْنَ في كل يومٍ لهم محبةً وطاعةً ووُلوعًا بهم وجَزَعًا على ما فاتَهم منهم من الرؤية والصحبة= دلَّ ذلك على أنهم كانوا أنبياءَ من قِبَلِ الله، صَحَّحوا دعواهم بمعجزاتٍ ظاهرة، وبراهينَ باهرةٍ نَيِّرةٍ، وأخذوا قلوبَ الخَلْق -العالمِ والجاهلِ- بذلك.
قال: فإن قال قائل: قد وجدنا من المفترين المدَّعين قد ظهروا في العالم، وصار لهم أتباع مثلُ أتباعِ الأنبياء، قلنا لهم: مَن هم؟
فلا يَتهيَّأ أن يُسَمُّوا أحدًا له تبع ورَسْم قائم غيرَ زَردَشت ومَزْدَك ومَانِيْ وبَهَافَرِيْد.
قلنا له: زردشت ومَزْدك وبَهَافَرِيْد فإن ثلاثتهم ادَّعَوا في زَمَانِهم أنَ كلَّ واحد في زمانِه هو المستقيم على دين إبراهيم، ولم يَدع واحد منهم خلافًا عليه أي على إبراهيم. فبِرِيْحِه والانتسابِ إليهَ اجتمعَ له الأتباعُ والأصحابُ، لا بسياستِهم وسلطانهم، وإنهم لم يشرعوا دينًا، بل ادعَى كلُّ واحدٍ منهم في زمانِه أن شريعةَ إبراهيمَ