الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي أهل الرِّدَّة أيضًا روايتان، أصحُّهما أنهم لا يَضمَنُون كأهلِ الحرب، كما أشارَ به عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أبي بكر رضي الله عنه، لمَّا قالَ لأهل الردَّةِ: تَدُوْا قَتْلَانا ولا نَدِيْ
(1)
قَتْلَاكم، فقال عمر: لا، لأنهم قومٌ قتِلُوا في سبيل الله واستُشْهِدوا. دَلَّ على ذلك كتابُ الله في عَفْوِه عن الخطأ، وسُنَّةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في قصّةِ أسامةَ بن زيدٍ
(2)
وقصّةِ عمّار بن ياسرٍ
(3)
وعديّ بن حاتم
(4)
وأبي ذَر
(5)
وغير ذلك.
ف
ما قَبَضَه المسلم بعَقْدٍ متأوِّلاً فيه مَلَكَه
، ولو تَحاكَمَ اثنانِ في عَقْدٍ اعتقدَا صِحَّتَه بعد القبض فينبغي للحاكمِ أن يُقِرَّهما على ذلك التقابُضِ.
ويجوز معاملةُ المسلم فيما قبضَه بهذا الوجه، ولهذا أمرَ أحمد لمن يُعامِلُ السلطانَ في وقتِه أن يكون بينه وبينه آخر، وكلَّما بَعُدَ كان أجودَ، لأنّ المباشرَ لهم قد يَستحِلُّ من المعاملةِ باجتهادٍ أو تقليدٍ ما لا يَستحِلُّه المستفتي، فإذا قَبَضَه المباشرُ بتأويلِه حَلَّ للمستفتي حينئذٍ.
ونظيرُ هذا قولُ عمر في الخمر والخنزير: وَلُّوهُم بَيْعَها وخُذُوا أثمانَها، ولا تَبِيعُوها أنتم
(6)
. فإنّ المسلمَ لا يَحِلُّ له بيعُ الخمرِ
(1)
في الأصل: "تؤدوا
…
نؤدي".
(2)
أخرجها البخاري (4269) ومسلم (96) عن أسامة.
(3)
أخرجها البخاري (338 ومواضع أخرى) ومسلم (368) عن عمار.
(4)
أخرجها البخاري (1916) ومسلم (1090) عن عدي.
(5)
أخرجها أبو داود (332، 333) والترمذي (124) والنسائي (1/ 171) عن أبي ذر.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (6/ 23).
والخنزيرِ، ويَحِلُّ له قَبْضُ ثمنِ ذلك ممن باعَه بتأويلِه في دينه.
فالمسلم الذي قَبَضَ بتأويل أولَى. فهذا مأخذ لقولِ أحمد.
وله مأخذ ثانِ: أنَّ الظالمَ إذا باعَ المغصوبَ فالمشتري قَبَضَ عِوَضَ مالِه، والأموالُ التي بأيديهم مجهولةُ الملكِ، فالعِوَضُ فيها كالمعوَّض. فالمستفتي قَبَضَ ممن قَبَضَ عِوَضَ [مالِه]، ولم يَقبِضْ ممن قَبَضَ نفسَ مالِ الغير. ولهذه القاعدة فروعٌ في جواباتي في الفتاوى.
وما قَبَضَه الإمامُ من الحقوقِ -الزكَوات والخراج وغير ذلك- بتأويلِ من اجتهادٍ أو تقليل وَجَبَتْ طاعتُه فيه، كما يَجبُ طاعةُ الحاكمِ في الحكم المتنازع فيه، فإذا طلبَ أخْذَ القيمةِ أَو أَخْذَ ما فَضَلَ عن الفرائضِ ونحو ذلَك أُطِيعَ في ذلك، وتَبْرَأ ذِمَّةُ المسلمِ بما يَدفعُه من ذلك.
وهل يُجزِئُه ذلك إذا كان يعتقد أنه لا يُجزِئه لو فعلَه؟ الصواب أنه يُجزِئُه، كما ذكر أصحابُنا في الخلطة أنه لو أخذ القيمة أو الكبير عن الصغير فإنه يَرجِعُ أحدُ الخليطينِ على الآخر بذلك، وإطلاقُهم يَقتضي أنه يُجزِئُ.
ونظيرُ هذا من مسائل العبادات البدنية الصلاةُ، فإن المأمومَ يجب عليه متابعةُ الإمام فيما يَسُوغُ فيه الاجتهادُ وإن كان المأموم لا يراه، كما لو قنَتَ الإمامُ في الفجر، أو زاد في تكبير الجنازة إلى سبع. لكن لو أخلَّ في الصلاة بركن أو شرط في مذهب المأموم دون مذهبه فهذهِ فيها الخلاف. وهو يُشبه إجزاءَ إخراجِ الزكاة من بعض الوجوه، لكن إن كان الإمامُ لا يطلبُ منه الزكاةَ وإنما هو بَذلَها له،