المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ عمارة المساجد بالصلوات الخمس وقراءة القرآن - جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٥

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌ وصف الأصول المعتمدة

- ‌نماذج من النسخ الخطية

- ‌ بدعة القدرية والمرجئة

- ‌ الحجة قامت على أهل الأرض بالرسل

- ‌ للناس في الرسل ثلاثة أحوال: إمّا التصديقُ، وإمّا التكذيبُ، وإمّا عَدَمُهما

- ‌ الرسالةَ عمَّتِ الأممَ كلَّهم

- ‌ يَبقَى في الفترةِ من الدُّعاةِ من تقومُ به الحجةُ

- ‌ كلَّ هدًى حصل به سعادةُ الآخرة فهو باتباع الأنبياء

- ‌نحن لم نَقُل: إن كلَّ تأويلٍ باطل، حتى يُنقَض علينا بصورةٍ

- ‌ مذهب السلف وأهل الحديث أنها تُصَانُ عن تأويلٍ يُفضِي إلى تعطيل

- ‌ من قال: كلّ مجتهدٍ مصيبٌ، لا يُمكِنُه أن يقول: كل متأؤل مصيبٌ

- ‌ هذا من قولِ عُبَّادِ الأصنام

- ‌ العبادات مَبْنَاها على توقيفِ الرسولِ

- ‌ لا يُشرَع لأحدٍ أن يستلمَ ويُقبِّلَ غيرَ الركنين اليمانيينِ

- ‌التوسُّل بدعائه وشفاعتِه هو التوسُّل به الذي كان الصحابة يعرفونه ويفعلونه

- ‌ الحلفُ بغير الله من باب الشرك

- ‌أوَّلُ مَن قال بالعبارةِ الأشعريُّ

- ‌ مذهبُ الشافعي وسائرِ الأئمةِ في القرآن خلافُ قولِ الأشعري

- ‌ليس هو من الصحابة، ولا من الخلفاء الراشدين

- ‌ فسادِ قولِ مَن أثبتَ الجوهرَ الفردَ

- ‌المشركون أعداءُ إبراهيم

- ‌تمام الدين بالفطرة وتقديرها، لا بتحويلها وتغييرها

- ‌هذا الحب والإحساس الذي خلقه الله في النفوس هو الأصل في كل حُسن وقُبح

- ‌من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلَاّ بعمله فقد خرق الإجماع

- ‌ علامة الفاجر الكذبُ والفجور

- ‌ عِمارةُ المساجد بالصَّلوات الخمس وقراءةُ القرآن

- ‌ نفي الإيمان وإثباته باعتبارين:

- ‌ بيان كيف يُنفَى الإيمان بفعل الكبائر

- ‌ حكاية مسلم بن يسار

- ‌كلُّ معبودٍ سوى الله باطل

- ‌الإمام إذا كان مُخطئًا في نفسِ الأمر كان بمنزلةِ الناسي

- ‌ غَلِطَ الغالطُ في هذا الأصل

- ‌ طُرُقُ العلمِ ثلاثةً: الحسّ، والنظر، والخبر

- ‌ الرسول بَيَّنَ للناسِ الأدلةَ العقليةَ

- ‌ من أهل الكلام مَن قَصَّرَ في معرفةِ ما جاء به الرسولُ وما يُوجبُه النظَرُ المعقولُ

- ‌من تَركَ الجهادَ عذَّبه الله عذابًا أليمًا بالذُّلّ وغيره

- ‌أقلُّ ما يجب على المسلمين أن يُجاهِدوا عدوَّهم في كلِّ عام مرةً

- ‌ في الحركة في سبيل الله أنواعٌ من الفوائد:

- ‌ الإيمان لا يَتِمُّ إلاّ بالجِهاد

- ‌الجهادُ في سبيلِ الله أنواع متعدِّدة

- ‌ الذي يقاتل العدو مع غلبة ظنِّه أنه يُقتل قسمان:

- ‌ الذي يُكرَهُ على الكفر فيصبر حتى يُقتَل ولا يتكلم بالكفر

- ‌أفضل البلاد في حق كل شخص حيث كان أبرّ وأتقى

- ‌ جنْس المُرابَطَة أفضل من جنس المجاورة بالحرمين

- ‌جنس الجهاد أفضل من جنس الحج

- ‌ رَهْبانية هذه الأمة: الجهادُ في سبيل الله

- ‌إن اعتقَد الرجلُ تحريمَ بعضِ ذلك، فليس له أن يُنكِرَ على الإمام المجتهد في ذلك

- ‌ ما أتلَفَه أهلُ البَغْي على أهلِ العدلِ من النفوسِ والأموال، لا يَجبُ عليهم ضمانُه

- ‌ما قَبَضَه المسلم بعَقْدٍ متأوِّلاً فيه مَلَكَه

- ‌ يُجزِئ دفعُ الزكاة إلى الإمام الذي يَجُورُ في قَسْمِها

- ‌لهم في تفاصيل قبضِ الأموالِ وصَرْفِها طرق(1)متنوعة:

- ‌ ما شهد الدليلُ الشرعي بوجوبه أو تحريمه أو إباحتِه عُمِل به

الفصل: ‌ عمارة المساجد بالصلوات الخمس وقراءة القرآن

وتُؤمنَ بالقدر خيرِه وشرِّه، والإحسانُ أن تعبدَ الله كأنَّك تراهُ فإنْ لم تكن تراه فإنَه يراكَ" وقال:"هذا جبريلُ أتاكمْ ليُعَلِّمَكُم".

فالمؤمنُ يدعو إلى الدين وينتسبُ إليه، وعليه أن يَدْعُوَ إلى الإسلام والإيمان والإحسان، ومِن ذلك:

‌ عِمارةُ المساجد بالصَّلوات الخمس وقراءةُ القرآن

وذكرُ الله تعالى ودُعاؤه وأنواعُ العبادات وتعلُّم العِلم وتَعليمُه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخُلَفاؤُه عليه، فإنَّه صلى الله عليه وسلم قد أخبرَ أنَ أمتَه ستفترقُ على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً كُلُّها في النار إلا واحدةً، قالوا:[مَن هي يا رسول الله؟ قال:]"هي الجماعةُ"

(1)

، وفي رواية

(2)

: "مَن كان على مِثْلِ ما أنا عليه اليومَ وأصحابي".

قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)

(3)

الآية، وقال تعالى:(وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ)

(4)

الآية، وقال تعالى:(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)

(5)

.

فأمرَ الله بالصلاة والمحافظة عليها؛ والذَّمُّ لمن أضاعها أكثرُ مِن

(1)

أخرجه ابن ماجه (3992) عن عوف بن مالك. وفي الباب عن معاوية بن أبي سفيان عند أحمد (4/ 102) والدارمي (2521) وأبي داود (4597).

وسعد بن أبي وقاص عند عبد بن حميد في مسنده (148).

(2)

رواها الترمذي (2641) عن عبد الله بن عمرو، وقال: هذا حديث حسن غريب مفسَّر.

(3)

سورة النور: 36.

(4)

سورة الأنعام: 52.

(5)

سورة طه: 132.

ص: 230

أنْ يُذكر هنا، حتى إنه أوجب الصلاةَ في الأمن والخوف، رجالاً وركبانًا في الإقامة والسفر، وفي الصحةِ والمرضِ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حُصين

(1)

: "صَلِّ قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جَنْبٍ".

وحتى إنه إذا عَدِمَ الماء أو خاف الضَّرر باستعماله أُمِرَ بأنْ يتيممَ بالصَّعيدِ الطيِّب والتمسُّحِ له، ولا يجور تأخيرُها عن وقتها بحالٍ من الأحوال، إلا أنه في حال العُذْرِ يكونُ الوقت مشتركًا بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فيجوز الجمعُ بين العشاءين.

وشرعَ اللهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم الصلواتِ الخمسَ والجماعاتِ، حتى أمرهُم الله أنْ يُقيموها في الجماعةِ حالَ الخوف، قال الله تعالى:(وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ)

(2)

الآية.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

: "لقد هَمَمْتُ أنْ آمُرَ بالصلاة فتُقامَ، ثمَّ أنطَلِقَ مع رجالٍ معهم حُزَم مِن حَطَبٍ إلى قومٍ لا يشهدونَ الصلاةَ، فأُحَرقَ عليهم بيوتَهم بالنار".

وقال

(4)

: "تفضُلُ صلاةُ الجماعة على صلاة الفَذ خَمْسًا وعشرين درجةً".

(1)

أخرجه البخاري (1117) عن عمران.

(2)

سورة النساء: 102.

(3)

أخرجه البخاري (644 ومواضع أخرى) ومسلم (651) عن أبي هريرة.

(4)

أخرجه البخاري (646) عن أبي سعيد.

ص: 231

وقد شرع الله للمسلمين سماع كتابه في الصلاة وخارج الصلاة، لا سيَّما في صلاة الفجر، كما قال تعالى:(وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78))

(1)

.

وكان أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحدًا منهم يقرأ والباقون يستمعون، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول

(2)

: "يا أبا موسى ذَكَرْنَا ربَّنا" فيقرأُ وهم يستمعون.

وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج على أهل الصُّفَّةِ فوجدَ فيهم رجلاً يقرأ وهم يستمعون، فجلس معهم يستمعُ

(3)

.

وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند السَّماع كما ذكر الله تعالى في كتابه توجَلُ قلوبُهم وتقْشعِرُّ جلودُهم وتَدْمَعُ عيونُهم. قال الله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)

(4)

، وقال تعالى:(وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ)

(5)

، وقال تعالى:(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)

(6)

، وقال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا

(1)

سورة الإسراء: 78.

(2)

أخرجه الدارمي (3496) عن الزهري عن أبي سلمة.

(3)

أخرجه أحمد (3/ 357، 397) عن جابر نحوه.

(4)

سورة الزمر: 23.

(5)

سورة المائدة: 83.

(6)

سورة الحديد: 16.

ص: 232

لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204))

(1)

.

فلما كان التابعون فيهم مَن يموتُ أو يَصْعَقُ عند سماع القرآن فمِنَ السلف مَن أنكرَ ذلك ورآه بدعةً، وأنَّ صاحبَه متكلِّف، وأمَّا أكثرُ السَّلف والعلماء فقالوا: إنْ [كان] صاحبُه مغلوبًا، والسماع مشروعًا، فهذا لا بأس به، فقد صَعِقَ الكليمُ لما تجلَّى ربُّه للجبل، بل هو حال حَسَن محمود فاضِل بالنسبة إلى مَن يَقْسُو قلبُه.

وحالُ الصحابة ومَنْ سلك سبيلَهم أفضلُ وأكملُ، فإنَّ الغَشِيَّ والصرَاخَ والاختلاجَ إنَّما يكون لقوة الوارد على القلب، وضَعْفِ القلب عن حَمْلِهِ، فلو قَوِيَ القلبُ -كحال نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه- لكان أفضلَ وأكملَ.

ولو لم يَرِدْ على القلبِ ما يحرِّكُه لكان قاسيًا مذمومًا، كما ذمَّ الله تعالى اليهود على قسوة القلوب.

وما زال السلفُ كذلك إلى حَدِّ المئة الثالثة، صار قوم من العبَّاد يجتمعونَ لسماع القصائد المرقِّقة، وربما ضَرَبوا بالقضيب لذلك، ويُسَمُّون ذلك التَّغْبيرَ، فأنكر الأئمةُ ذلك، ورأَوا أنه بدعةٌ محدثةٌ؛ إذْ لم يفعلْه السلفَ حتى قال فيهم الشافعيُّ رضي الله عنه: خَلَّفْتُ ببغداد شيئًا أحْدَثَتْهُ الزَّنادقة يُسَمُّونَه التَّغْبِير، يَصدُّون به الناسَ عن القرآن.

(1)

سورة الأعراف: 204.

ص: 233

وكَرِهَ أحمد الجلوسَ معهم فيه، وقال: هو مُحْدَثٌ أكرهُه، ورأى أنَّهم لا يُهْجَرونَ؛ لأنهم مُتأولُون.

وحضر هذا السَّماعَ المُحْدَثَ قوم من الصالحين وكرهوه.

وتركُهُ أفضلُ من حضورِه. والذين حضروه اشترطوا له شروطًا كثيرة مثل المكان والخُلَاّن والخلوة من المفاسد.

ومع هذا فالحجَّةُ من الكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة مع من كرِهَهُ، ونهى عن التعبُّدِ به، وإن كان يُرَخَّصُ في الأفراح للنساء والصبيان في أنواع من الغناء وضرب الدُّف كما جاءت به السنة، فهذا نوع من اللهْو واللعِب، ليس هو من نوع العبادات والقُرب والطَّاعات، كما يفعله المبتدعون للسَّماع المحدث، وبكل حالٍ فالإكثارُ منه حتى يُفعَلَ في المساجد، وحتى يُشتَغل به عن الصلوات، وحتى يُقَدَّمَ على القراءةِ والصلاةِ، وحتى يُجعلَ شعار الشيخ وأتباعِه، وحتى يُضرب بالمعازف، لا ريبَ أنَّه مِن أعظم المنكرات، وهو مُضاهاة لعبادة المشركين الذين قال الله تعالى فيهم:(وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً)

(1)

. قال السلف: المكاءُ: الصَّفِيرُ نحوُ الغناء، والتَّصْدِيَةُ: التَّصفِيقُ باليد.

فَمَنِ اتخذ الغناءَ والتصفيقَ قُربةً ففيه شَبَه من هؤلاء، وإذا شَغَلَهُ عمَّا أمر به وفَعَلَهُ في المسجد، فقد انْدَرج في قوله:(وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ) الآية، وفي قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا

(1)

سورة الأنفال: 35.

ص: 234

الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59))

(1)

؛ وفي قوله: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا)

(2)

، لا سيما وقد قيل: إنها نزلت في أعيادِ الجاهلية المشابهة لهذا السَّماع المشتمل على اللهو واللعب.

قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)

(3)

، وقيل: إنَّ هذا من الزُّور. وقد قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ)

(4)

. وقال الله تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ)

(5)

. وقال تعالى: (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61))

(6)

.

وقد روى الطبراني

(7)

عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قال: يا ربِّ اجعلْ لي قرآنًا، قال: قرآنكَ الشِّعرُ، قال: اجعلْ لي مؤذنًا، قال: مؤذنك المزمار، قال: اجعلْ لي بيتًا، قال: بيتك الحمَّام".

والأحاديثُ في هذا كثيرة.

فإذا كان الشيخ يَزعُمُ أنَه يدعو إلى الله وإلى طاعته، ليس شعارُهُ إلا جمعَ الناس على مزمورِ الشيطان ومؤذِّنِه وقراءتِه، وقَلَّ أنْ يَجمعَهم

(1)

سورة مريم: 59.

(2)

سورة الأنعام: 70.

(3)

سورة الفرقان: 72.

(4)

سورة لقمان: 6.

(5)

سورة الإسراء: 64.

(6)

سورة النجم: 16.

(7)

في "المعجم الكبير"(11/ 103).

ص: 235

على أذان الله وقراءتِه وصلاتِه، كان إمامًا من أئمة الضَّلال الذين (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41))

(1)

، وكان من اتَّبعهُ له نَصِيبٌ من قوله تعالى:(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68))

(2)

.

وقال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29))

(3)

.

والناسُ وإن كانوا قد تكلَّموا في الغناء، هل هو حرامٌ أو مكروهٌ أو مُباحٌ؟ فما قال أحدٌ من المهتدين: إنه قربة أو طاعةٌ، ومَن قال ذلك فقد اتبع غير سبيل المؤمنين، ودخل في مشابهة النصارى والصابئين، ولهذا ذكر العلماء أنه من إحداثِ الزنادِقَة.

وكيف يتصَوَّرُ أن يكون قربةً، وقد مضت القرون الثلاثة: قرنُ الصحابة والتابعين وتابعيهم، وذلك لا يُفْعَلُ في شيءٍ من أمصار المسلمين، لا في الحجاز ولا في اليمن ولا في الشام ولا في العراق ولا في مِصر ولا في خُراسان ولا في المغرب.

فالواجب على أهل الإسلام التعاونُ على البر والتقوى، والتواصي

(1)

سورة القصص: 41.

(2)

سورة الأحزاب: 66 - 68.

(3)

سورة الفرقان: 27 - 29.

ص: 236

بالحق، والتواصي بالصبر والبر، واتباعُ شرائع الإسلام، وكَبْتُ هذه الطرق الجاهلية والضَّلالات الخارجية، ورَدُّ ما تنازعَ الناسُ فيه إلى كتاب الله تعالى و [سُنَّةِ] رسوله، وهو الطريق المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وتجنُّبُ طريق المغضوب عليهم اليهود ومن شابههم في بعض أمورهم من غواة المنتسبين إلى الفقه والحكمة، ومن طريق الغالين المنتسبين إلى التَّعبُّدِ والتَّصَوُّفِ والفقر.

وعلى أهل الإسلام أن ينصَحَ بعضُهم لبعضٍ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

: "الدينُ النصيحةُ، الدينُ النصيحةُ، الدين النصيحةُ"، قالوا:[لِمَنْ؟، قال:]"لله ولرسوله ولأئمةِ المسلمين وعامَّتِهم".

وقد قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104))

(2)

، وقال تعالى:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)

(3)

.

فهؤلاء الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر أطِبَّاءُ الأديان، الذين تُشفَى بهم القلوب المريضة، وتهتدي بهم القلوب الضالة، وترشُدُ بهم القلوبُ الغاوية، وتستقيم بهم القلوبُ الزائغة، وهم أعلامُ الهدى ومصابيح الدُّجى.

(1)

أخرجه مسلم (55) عن تميم الداري.

(2)

سورة آل عمران: 104.

(3)

سورة التوبة: 71.

ص: 237

والهدى والمعروفُ اسمٌ لكل ما أُمر به من الإيمان ودعائمه وشعَبه، كالتوبة والصبر والشكر والرجاء والخوف والمحبة والإخلاص والرضَا والإنابة وذكر الله تعالى ودعائه والصدق والوفاء وصلة الأرحام وحسن الجوار وأداء الأمانة والعدل والإحسان والشجاعة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وغير ذلك.

والمُنْكَرُ اسمٌ لكلِّ ما نهى اللهُ عنه من الكفر والكذب والخيانة والفواحش والظلم والجور والبخل والجبن والكبر والرياء والقطيعة وسوء المسألة واتباع الهوى وغير ذلك.

فإن كان الشيخُ المتبوعُ آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، داعيًا إلى الخير، مصلحًا لفساد القلوب، شافيًا لمرضاها، كان من دُعاة الخير وقادة الهُدى وخِيارِ هذه الأُمَّة.

نسألُ الله أن يُكثر من هؤلاء ويُقويهم، ويَدْمغَ بالحقِّ الباطلَ، ويُصلحَ هذه الأمة. والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا.

(تمَّت الرسالةُ بعون الله ومَنِّه من كلام شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية، قدَّس الله روحه وسقى ضريحه).

* * *

ص: 238

شرح حديث "لا يَزني الزاني حينَ يَزني وهو مؤمنٌ"

ص: 239

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ الحافظ الإمام، شيخ الإسلام، وأستاذ العلماء الأعلام، تقي الدين أحمد بن [عبد الحليم بن] عبد السلام، الشهير بابن تيمية رحمه الله تعالى وجزاه عن المسلمين خيرًا:

فصل

في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح

(1)

: "لا يَزني الزَّاني حين يَزني وهو مؤمنٌ، ولا يَشرب الخمرَ حين يَشربُها وهو مؤمن، ولايَسرِقُ السارقُ حين يسرق وهو مؤمن، ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذاتَ شرفٍ يَرْفعُ النَّاسُ إليه فيها أبصارَهم وهو حين يَنْتَهِبُها مؤمن".

وللناس في هذا وأمثاله كلام كثير مضطرب، فإن هذه من مسائل الأسماء والأحكام.

فالخوارج والمعتزلة يحتجون بهذا على أن صاحب الكبيرة لم يَبْقَ معه من الإيمان بل ولا من الإسلام شيء أصلاً، بل يستحق التخليد في النار، ولا يخرج منها بشفاعة ولا غيرها.

ومعلوم أن هذا القول مخالف لنصوص الكتاب والسنة الثابتة في غير موضع.

(1)

أخرجه البخاري (2475 ومواضع أخرى) ومسلم (57) عن أبي هريرة.

ص: 241

والمرجئة والجهمية يقولون: إيمان الفاسق تام كامل لم ينقص منه شيء، ومثل هذا إيمان الصديقين والشهداء والصالحين. ويتأولون مثل هذا الحديث على أن المنفي موجب الإيمان، أو ثمرته، أو العمل به، ونحو ذلك من تأويلاتهم.

والصحابة والتابعون لهم بإحسان، وأهل الحديث، وأئمة السنة يقولون: لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد، بل يخرج منها من في قلبه مثقال ذرة من إيمان كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة، بخلاف قول الخوارج والمعتزلة.

ويقولون: إن الإيمان يتفاضل، وليس إيمان من نفى الشارع عنه الإيمان كإيمان أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

ومنهم من ينفي عنه إطلاق الاسم، ويقول: خرج من الإيمان إلى الإسلام، كما يُروى ذلك عن أبي جعفر الباقر وغيره. وهو قول كثير من أهل السنة من أصحاب أحمد وغيرهم، وقال بمعنى هذا القول حماد بن سلمة، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل في غير موضع، وسهل بن عبد الله التُّسْتَرِيّ وغيرهم من أئمة السنة.

فإن أصحاب المنزلة بين المنزلتين ينفون اسم الإسلام، وأولئك يقولون بالتخليد في النار، وأولئك يقولون: ليس معه من الإيمان شيء. وهم لا يقولون معه من الإيمان شيء ما يَخرج به من النار ويدخل به الجنة، وبين القولين هذه الفروق الثلاثة.

وعلى هذا قول من يقول إن الأعراب الذين قالوا: (ءَامَنَّا)،

ص: 242