الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقبضها الإمام
(1)
باجتهاده، فهذا نظيرُ صلاتِه خلفَه؛ وإن كان الإمام يطلب منه الزكاة بحيث يجب طاعتُه، فهذا نظيرُ أن يُصلي خلفَه ما لا يُمكِنُه فِعلُه خلفَ غيرِه، كالجمعة والعيدين ونحوهما. ولهذا إذا قلنا: لا تَصِحُّ الصلاةُ خلفَ الفاسق، فإنه يجب فعلُ هذه الصلوات خلفَه، وفي الإعادة روايتان. فالأمرُ بفعل الصلاةِ خلفَه وبالإعادةِ يُشبِه الأمرَ بإيتاء الزكاة وبالإعادة.
ومع هذا فمذهب أهل السنة المأثور عن الصحابة أنه
يُجزِئ دفعُ الزكاة إلى الإمام الذي يَجُورُ في قَسْمِها
، فإجزاؤها مع أخذِها بالاجتهاد أولى، وإن كان ربُّ المال لا يُجزِئُه صَرفُها في غيرِ المصارف، لكن المأثور عن الصحابة الأمرُ بدفعِ الزكاة إليهم وبالصلاةِ خلفَهم.
والمفسدةُ في الزكاةِ أشدُّ، فإذا ساغ ذلك فهذا أسوغُ.
والسلف لم يأمروا مَن صلَّى خلفَهم بإعادة، ولا مَن دفعَ الزكاةَ إليهم بإعادة، ولهذا قال أحمد في رسالته في "السنة"
(2)
: إن من أعاد الجمعة فهو مبتدع. لكن المسألتان واحدة، فالمتفق عليه حجة على المختلَف فيه، وتخرج في صورة الوفاقِ ما في صورة النزاع، فإن طائفة من السلف ذهبوا إلى أنه لا يدفع إليهم الزكاة، كعبيد بن عمير وغيره، وكان عمر بن الخطاب هو أمير المؤمنين رضي الله عنه، الذي انتشرت الرعيةُ في زمنه، وكثرت الأموالُ، وعدلَ فيها صادقًا بارًّا راشدًا تابعًا للحق، فوضعَ الخراجَ على ما فتحَه عَنْوةً،
(1)
في الأصل: "فقبضها الاجتهاده".
(2)
ضمن "طبقات الحنابلة"(1/ 244).
كأرضِ السوادِ ونحوِها، ووَضع ديوانَ العطاء للمقاتِلة وللذُّزيَّة، وكان عثمان بن حُنَيف على الخراج، وزيد بن ثابت -فيما أظن- على ديوان العطاء. وما زالت هذه التسميةُ معروفةً:"ديوان الخراج" وهو المستخرَج من الأموالِ السلطانية؛ و"ديوان العطاء" كديوان الجيش وديوان النفقات ونحو ذلك.
ولِوُلَاةِ الأمور من الملوك ودُوَلِهم في ذلك عاداتٌ واصطلاحات، بعضها مشروع، وبعضُها مجتهَد فيه، وبعضُها محرَّم، كما للقضاة والعلماء والمشايخ، منهم من هو من أهل العلم والعدلِ كأهل السنة، فيتبعون النصَّ تارة والاجتهادَ أُخرى؛ ومنهم أهل جهلٍ وظلمٍ كأهل البدع المشهورة من ذوي المقالات والعبادات، وذوي الجهل والجور من القضاة والولاة.
وكانت سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في غاية الاستقامة والسَّداد، بحيث لم يُمكِن الخوارجَ أن يَطعنوا فيهما فضلاً عن أهل السنة. وأما عثمان وعلي رضي الله عنهما فهما من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، وسيرتهما سيرة العلم والعدل والهدى والرشاد والصدق والبر، لكن فيهما نوع مجتهَد فيه، والمجتهِد فيما اجتهد فيه إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وخطؤُه مغفور له، فاجتهاد الخلفاءِ أعظمُ وأعظمُ.
وأما عثمان فحصلَ منه اجتهاد في بعضِ قَسْمِ المال والتخصيصِ به، وفي بعض العقوبات هو فيها رضي الله عنه مجتهد، والعلماءُ منهم من يَرى رأيَه، ومنهم من لا يراه. وعلي رضي الله عنه حصل