الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طاعةُ الله ورسوله وملازمةُ الكتاب والسنة، وأقلُّ أحوالهم الصدقُ والبر، كما [أنّ]
علامة الفاجر الكذبُ والفجور
.
قال النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
: "عليكم بالصدق فإنَّ الصدقَ يهدي إلى البِرِّ وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصدق حتى يُكتب عند الله صِدِّيقًا، وإيَّاكم والكذبَ فإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذبُ ويتحرَّى الكذب حتى يُكتب عند الله كذَّابًا".
وهكذا قال الله تعالى في القرآن: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222))
(2)
.
فأخبرَ أنَّ الشياطين تنَزَّلُ على الكذَّاب في قوله، الفاجر في فعله، كما كانت تنَزَّلُ على المتنبِّئين الكذَّابين مثل الأسودِ العَنْسِيِّ ومسيلمة الكذاب والمختارِ بن أبي عبيد؛ حتى قالوا لابن عمر أو لابن عباس
(3)
رضى الله عنهما: إن المختارَ يَزْعُم أنه يُنَزَّلُ عليه فقال: صَدَقَ: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)).
وقالوا لآخر
(4)
: إنه يزعُمُ أنه يوحى إليه، فقال: صَدَقَ: (وَإِنَّ
(1)
أخرجه البخاري (6094) ومسلم (2607) عن عبد الله بن مسعود.
(2)
سورة الشعراء: 221 - 222.
(3)
هذا مرويّ عن عبد الله بن الزبير، كما في تفسير الطبري (19/ 77). وروي عن ابن عمر وابن عباس نحوه واستشهدا بآية سورة الأنعام. انظر تفسير ابن كثير (3/ 1356).
(4)
روي عن ابن عمر في المصدر السابق.
الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ)
(1)
.
فمن كان من أتباع الكذابين المتنبئين، فإنَّ أولئك كان يَظْهَرُ عليهم أشياءُ، والساحرُ والمُشَعْبذُ يَفعل أشياءَ، فإذا جاءت عَصَا الشريعةِ المحمدية ابتلعتْ ما صَنعَه الخارجون عنها من السِّحْر المُفْتَرَى، (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69))
(2)
.
وقد يُفَضِّلُ شيخَه على رسول الله صلى الله عليه وسلم غُلُوًّا فيه، كما غَلَتِ النصارى في المسيح بن مريم عليه السلام، وغلتِ الرافضةُ في عليٍّ رضي الله عنه، بل الغاليةُ من النصارى والرَّافضة أَعْذَرُ من هؤلاء الغالية في بعض المشايخ المسلمين، كبعض المنتسبين إلى الشيخ أحمد بن الرِّفاعيّ والشيخ عَدِيٍّ أو الشيخ يونُسَ
(3)
.
…
له في الصيام وبعضُهم في الصدقة وبعضُهم في العلم وبعضهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أنواع أُخَرَ، مع اتفاق قلوبِهم واجتماع كلمتِهم واعتصامهم بحبل الله تعالى، كما قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103))
(4)
.
(1)
سورة الأنعام: 121.
(2)
سورة طه: 69.
(3)
سقطت بعده ورقة أو أكثر، فذهب بعض الكلام.
(4)
سورة آل عمران: 102 - 103.
وقد يتنازعون في بعض أمور الدين، فإذا تنازعوا في شيءٍ من ذلك رَدُّوهُ إلى الله تعالى ورسوله، والكتاب والسنة، كما أمر الله ورسوله، وليس أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعَ كلُّ ما يقوله ويفعلُه، بل كلُّ أحد يُؤخَذُ من قوله وفعله ويتركُ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه الإمامُ الذي فرضَ الله طاعتَه وأوجَب متابعتَه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبتِه
(1)
: "إنَّ أصدق الكلام كلام الله، وإن خير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".
فمن اتبع رجلاً غير الرسول -صلوات الله وسلامُه عليه- في كلِّ أقوالِه وأفعالِه مُعْرضًا عن الكتاب والسنة، أو غَلا في محبَّةِ بعضهم وتعظيمه حتى جاوزَ به حدَّه، وفضَّلَه على نُظَرائه تفضيلاً كثيرًا بلا بيِّنة، فهو مُضَاهٍ للنصارى الذين قال الله في حقهم:(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)
(2)
الآية، وقال تعالى:(مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا)
(3)
الآية، وقال تعالى:(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ)
(4)
الآية، وقال تعالى:(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ)
(5)
الآية.
(1)
أخرجه مسلم (867) عن جابر.
(2)
سورة التوبة: 31.
(3)
سورة آل عمران: 79.
(4)
سورة سبأ: 22.
(5)
سورة المائدة: 77.
فإن الله تعالى ذَمَّ النصارى بكونهم غَلَوْا في الأنبياء والعلماء والعُبَّاد حتى جاوزوهُم حَدَّهم، فعبدُوهم حيث أطاعوهم فيما ابتدع
(1)
الأحبار والرهبان من الدين، وحللُوا لهم الحرام وحرَّموا عليهم الحلال، هكذا فسَّرَهُ النبي صلى الله عليه وسلم؛ واعتقدوا في المسيح نوعًا من الإلهية، وضاهاهم على ذلك مَن اعتقد في علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيرِه من الأئمة أو بعض الأنبياء نوعًا من الإلهية، ومَن اعتقد في بعض الشيوخ نوعًا من الإلهية، حتى إنهم سجدوا لهم أحياءً وأمواتًا، ويَرْغَبُونَ إليهم في قبورهم في جلب المنافع ودفع المضارِّ، كما كان المشرِكون يرغبون إلى آلهتهم، ولهذا قال سبحانه وتعالى:(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57))
(2)
.
قال ابن مسعودٍ وغيرُه
(3)
: كان أقوام يدعون عُزَيرًا والمسيح والملائكة، فقال الله تعالى: هؤلاء الذين تدعونهم يتقرَّبون إلى الله كما تتقرَّبون إليه ويرجون الله ويخافونه.
كما قال بعضُ الفقهاء: إنَّ بعض الفقراء أوصاه عند موته: إذا كان لك حاجة أو أمر مُهِمٌّ أو ضيقٌ استوحِني أو استوحِ بي.
نعوذ بالله من الشرك والضلال، وهم لا يملكون كشف الضرِّ
(1)
في الأصل: "ابتدعوا".
(2)
سورة الإسراء: 56 - 57.
(3)
انظر تفسير الطبري (15/ 72 - 73) وابن كثير (5/ 2103).
عنكم ولا تحويلا، وكما قال سبحانه:(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)
(1)
وقال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)
(2)
وقال تعالى: (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)
(3)
.
فهؤلاء الضُّلَاّلُ عَمَدوا إلى ما لم يشرَعْه الله تعالى من البدع والضلالات والغُلُوِّ في الصالحين، وتمسَّكوا به وعَمَدُوا إلى دين الله تعالى الذي بَعَثَ به رسولَه فأعرضوا عن بعضِه؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
(4)
: "بنيَ الإسلام على خمسٍ: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسولُ الله وإقام الصلاة وإيتاءِ الزكاة وصومِ رمضان وحَجِّ البيت".
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لمَّا سأَله جبريلُ عليه السلام عن الإسلام والإيمانِ والإحسان قال
(5)
: "الإسلامُ أن تشهدَ أن لا إله إلا الله وإنَّ محمدًا رسولُ الله وتُقيمَ الصلاة وتُؤتي الزَّكاة وتَصومَ رمضان وتَحُجَّ البيتَ، والإيمانُ أن تؤمن بالله وملائكته [وكتبه] ورسلِه والبَعْثِ بعد الموت
(1)
سورة سبأ: 22 - 23.
(2)
سورة البقرة: 255.
(3)
سورة الأنبياء: 28.
(4)
أخرجه البخاري (8) ومسلم (16) عن ابن عمر.
(5)
أخرجه مسلم (8) عن عمر. وأخرجه البخاري (50، 4777) ومسلم (9، 10) عن أبي هريرة نحوه.