الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الزيارة غير مشروع ولا مأمور به، بل هو من البدع والضلال.
وكذلك السِّياحة لغير قصدٍ مُعَيَّن ليس ذلك مشروعًا لنا. قال الإمام أحمد: ليست السياحة من أمر الإسلام في شيء، ولا من فِعْل النبيين ولا الصالحين. والسياحة المذكورة في القرآن ليست هذه السياحة؛ فإن الله قد قال:(عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5))
(1)
.
ومعلوم أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين لا يُشْرع لهن هذه السياحة. ولكن قد فُسِّرت السياحة بالصيام، وفُسِّرت بالجهاد
(2)
، وكلاهما مَرْوي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الأول: فرواه عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن النبي صلى الله عليه وسلم مُرسلاً.
وأما الثاني فقال أبو داود في سننه
(3)
: "باب النهي عن السياحة"؛ وروى فيه حديث العلاء بن الحارث عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة أن رجلاً قال: يا رسول الله! ائذَن لي بالسِّياحةِ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ سِياحةَ أُمَّتي الجهادُ في سبيلِ الله".
وكذلك أيضًا رُوي
(4)
: "إن
رَهْبانية هذه الأمة: الجهادُ في سبيل الله
". إذ لا رهبانية في الإسلام، وأما ما ذكره في كتابه أن النصارى
(1)
سورة التحريم: 5.
(2)
انظر تفسير ابن كثير (4/ 1712 - 1713).
(3)
برقم (2486).
(4)
أخرجه أحمد (3/ 266) عن أنس بن مالك.
ابتدعوا الرهبانية فقد نهانا الله ورسوله عن البدع.
وثبت عنه في صحيح مسلم
(1)
وغيره عن جابر أنه كان يقول في خطبته: "إنَّ أصدَقَ الحديث كلام الله، وخيرُ الهَدْي هَدْي محمدٍ، وشَرُّ الأمورِ مُحْدَثاتُها، وكلُّ بدعة ضلالة".
وثبت عنه في السنن
(2)
الحديث الذي صححه الترمذي عن العرباض بن سارية قال: وعَظَنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم موعظةً بَليغةً فقال رجل: يا رسولَ الله! كأن هذه موعظةُ مُودِّع فماذا تَعْهَدُ إلينا؟ فقال: "أُوصيكم بالسَّمعِ والطاعةِ فإنَّ مَن يَعِشْ منكم سيَرَى بعدي اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الراشدينَ المَهْديِّين، تمسكُّوا بها، وعَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكم ومُحْدَثات الأمُور؛ فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالة".
فكيف بما نهى الله عنه ورسوله من العبادات المُبتدعةِ؟ كما أخرجا في الصحيحين
(3)
-واللفظ لمسلم- عن أنس بن مالك أنَّ نفرًا من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم سأَلوا أزواجَ النبيِّ عن عَمَلِهِ في السِّرِّ؟
فقال بعضُهم: لا أتزوَّجُ النِّساء. وقال بعضُهم: لا آكُلُ اللَّحْمَ.
وقال بعضُهم: لا أنامُ على فِراشٍ. فحمدَ الله وأثنَى عليه فقال: "ما بالُ أقوامٍ قالوا كذا وكذا؟ لكنِّي أُصلِّي وأنامُ، وأَصومُ وأُفْطِرُ، وأتزوَّجُ النساءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنتي فليس مِنِّي".
(1)
برقم (867).
(2)
أخرجه أبو داود (4607) والترمذي (2676) وابن ماجه (24، 44).
(3)
البخاري (5063) ومسلم (1401).
ولفظ البخاري
(1)
: جاء ثلاثة رهط بيوتَ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلما أخبروا كأنهم تَقَالُّوها! فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه وما تأخر؟ فقال أحدهم: أما أنا فإني أُصلِّي الليل أبدًا. وقال الآخر: أنا أصوم الدَّهر أبدًا. وقال الآخر: أنا اعتزل النساء فلا أتزوج. فجاء رسول الله [فقال]: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إنِّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنِّي أصومُ وأُفطِرُ، وأُصلِّي وأَرْقُد، وأَتزوَّجُ النِّساءَ، فَمَن رَغِبَ عن سنَّتي فليسَ مِنِّي".
وفي الصحيحين
(2)
عن سعد بن أبي وقاص قال: رَدَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مَظْعُونٍ التبتَّل، ولو أذِنَ له لاخْتَصينا.
وفي صحيح البخاري
(3)
وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قائمًا في الشَّمس فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا أبو إسرائيل، نذر أن يقوم في الشمس ولا يجلس ولا يستظل وأن يصوم، فقال:"مُرُوه فلْيَجْلِس، وليَسْتَظِلَّ وليَتكلم وليتِمَّ صومَه".
فلما كان هذا النَّاذِرُ نَذَرَ ما هو سُنَّة وما هو بدعة أَمَرَه بالوفاء بالسنة دون البدعة، كما في صحيح البخاري
(4)
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن نَذرَ أن يُطيعَ الله فليُطِعْهُ، ومَن نذر
(1)
في الموضع المذكور.
(2)
البخاري (5074) ومسلم (1402).
(3)
برقم (6704).
(4)
برقمي (6696، 6700).
أن يعصي الله فلا يَعْصِهِ".
وهذا متفق عليه بين أئمة الدين، لكن تنازَعُوا هل عليه كفارة يمينٍ أو نذرِ ما ليس مشروعًا؛ بعد اتفاقهم على أنه لا يفعله؟
فقيل: لا شيء عليه، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وغيرهما لأنه ليس في هذا الحديث وغيره أنه أمر له بالتكفير.
وقيل: بل عليه كفارة يمين، وهو ظاهر مذهب أحمد، لما ثبت في صحيح مسلم
(1)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كفارةُ النَّذْرِ كفارةُ يمينٍ". وفي السنن
(2)
عنه أنه قال: "لا نَذْرَ في معصيةٍ وكفارتُه كفارةُ يمينٍ".
وقد ثبت في الصحيح
(3)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضلُ الصيام صيامُ داود، كان يصومُ يومًا ويُفْطِرُ يومًا، وأفضلُ القيام قيام داود كان ينامُ نصف الليل ويقوم ثُلُثه وينام سُدُسه". وقد استفاض عنه في الصحيح
(4)
أنه نهى عن مداومة الصيام والقيام وقراءة القرآن في أقل من ثلاث. وأمثال ذلك من النصوص التي تُبيِّن ما بَعَث الله به رسوله من الحنيفية السمحة. كما جاء في الحديث: "أَحَبُّ الدين إليَّ الحنيفية السَّمحة"
(5)
.
(1)
برقم (1645) عن عقبة بن عامر.
(2)
أخرجه أبو داود (1525) والترمذي (1525) والنسائي (7/ 26، 27) وابن ماجه (2125) عن عائشة.
(3)
البخاري (1131) ومسلم (1159).
(4)
البخاري (5052) ومسلم (1159).
(5)
أخرجه أحمد (5/ 266) والبخاري في الأدب المفرد (287) عن ابن عباس نحوه.
وفي الصحيح
(1)
عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ هذا الدِّين متين وإنه لَن يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلا غَلَبَهُ، واستَعِينُوا بالغَدْوَةِ والرَّوحَةِ وشيء من الدُّلجَةِ، والقصدَ القصدَ تبلغوا".
وفي الصحيحين
(2)
عنه أنه قال: "اكْلَفُوا مِن العَمَلِ ما تُطِيقُونَ؛ فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا".
وفي السنن
(3)
عنه أنه قال: "لكل عامل شِرَّةٌ وفتر، فمن كانت فترته إلى سُنَّة فقد اهتدى، ومن أخطأَها فقد ضَلَّ". وفي لفظ: "ولكل شِرَّةٍ فَتْرَ؛ فإن [كان] صاحبها سَدَّدَ وقارب فارجوه، وإن أُشير إليه بالأصابع فلا تَعُدُّوهُ".
فقيل للحسن البصري لما رَوَى هذا الحديث: "إنَّك إذا مَرَرت بالسُّوق فإنَّ النَّاس يُشِيرون إليك؟ فقال: "لم يُرِد ذلك، وإنما أرادَ المُبْتَدِع في دينه والفاجر في دنياه". وهو كما قال الحسن رضي الله عنه، فإنَّ من الناس من يكون له شدَّة ونشاط وحدة واجتهاد عظيم في العبادة، ثم لابُدَّ من فُتُور في ذلك. وهم في الفَتْرَة نوعان:
منهم: من يلزم السنَّة فلا يترك ما أمر به، ولا يفعل ما نُهِيَ عنه بل يلزم عبادة الله إلى الممات؛ كما قال تعالى:(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99))
(4)
، يعني الموتَ، قال الحسن البصري: لم يَجْعَل
(1)
البخاري (39، 6463) عن أبي هريرة.
(2)
البخاري (6465) ومسلم (782) عن عائشة.
(3)
الترمذي (2453) عن أبي هريرة. وقال: حسن صحيح غريب. وأخرجه أحمد (2/ 188) عن عبد الله بن عمرو.
(4)
سورة الحجر: 99.
الله لعباده المؤمنين أجلاً دون الموت.
ومنهم: من يخرج إلى البدعة في دينه أو فُجُور في دنياه حتى يُشير إليه الناس، فيقال: هذا كان مجتهدًا في الدِّين ثم صار كذا وكذا. فهذا مِمَّا يخاف على من عَدَل
(1)
عن العبادات الشرعية إلى الزيارات البدعية. ولهذا قال أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود: "اقتصاد في سُنَّة خير من اجتهادٍ في بِدْعة".
ومع هذا فجِنْس الجهاد أفضل، بل قد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: مَرَّ رجل مِن أصحاب رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بشعبٍ فيه عُيَينة مِن ماءٍ عَذْبة فأَعْجَبَتْهُ. فقال: لو اعتزلتُ الناس، فأَقَمتُ في هذا الشِّعْب، ولن أفْعَلَ حتى أَستأذِنَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فذَكَرَ ذلك لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لا تفعل فإنَّ مُقامَ أحدِكم في سبيلِ الله أفضلُ من صلاتِه في بيتِه سبعينَ عامًا، أَلَا تُحِبُّونَ أن يَغفِرَ اللهُ لكم ويُدْخِلَكم الجَنَّة؛ اغْزُوا في سبيلِ الله، مَن قاتلَ في سبيلِ الله فَوَاقَ ناقةٍ وجَبَتْ له الجَنَّةُ"
(2)
. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وفَوَاقُ النَّاقة: ما بين الحلبتين.
وجماع الأمر ما قاله الفضيل بن عياض في قوله: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)
(3)
قال: أَخْلَصُه وأَصْوَبُه، قالوا يا أبا علي! ما أَخْلَصُه
(1)
في الأصل: "بدل".
(2)
أخرجه أحمد (2/ 446، 524) والترمذي (1650).
(3)
سورة الملك: 2.
وأَصْوَبُه؟ قال: إنَّ العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقْبَل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقْبَل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالِص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السُنَّة.
وهذا كما قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110))
(1)
. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: اللهمَّ اجعل عملي كُلّه صالحًا، واجعله لِوَجهِك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا.
والعملُ الصالح هو المشروع، وهو طاعة الله ورسوله، وهو فِعل الحسنات التي يكون الرجل به مُحْسنًا. قال تعالى:(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125))
(2)
. وقال: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112))
(3)
.
ولابد في الرِّباط والهجرة والجهاد وسائر الأعمال الشرعية من السنة التي هي روح العمل، كما في الصحيحين
(4)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما الأعمالُ بالنيّات، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نَوَى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
(1)
سورة الكهف: 110.
(2)
سورة النساء: 125.
(3)
سورة البقرة: 112.
(4)
البخاري (6953 ومواضع أخرى) ومسلم (1907) عن عمر.
وفي الصحيحين
(1)
عنه أنه قيل له: يا رسول الله! الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: "مَن قاتلَ لتكونَ كلمةُ الله هي العُلْيا فهو في سبيل الله".
قال تِعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40))
(2)
.
فالله تعالى يوفقنا وسائر إخواننا المؤمنين لما يُحِبُّه ويرضاه لنا من الأحوال والأعمال الباطنة والظاهرة، ويُجَنِّبنا ما يكرهه لنا من ذلك كُلِّه.
وأعظم من ذلك أن يتشاغل المسلمون بقتال بعضهم بعضًا، كما يجري بين أهل الأهواء من القبائل وغيرها، كقيس ويمن وجَرْم وتغلب ولَخْم وجُذَام وغير هؤلاء، مع مجاورتهم للثغور، فيَدَعون الرِّباط والجهاد الذي هو سعادة الدنيا والآخرة -كما قال تعالى:(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ)
(3)
يعني: إما النصر والظفر، وإما الشهادة والجنة- ويشتغلون بقتال الفتن والأهواء الذي هو خسارة الدنيا والآخرة.
وفي الصحيحين
(4)
عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه [قال]: "إذا
(1)
البخاري (7458) ومسلم (1904) عن أبي موسى الأشعري.
(2)
سورة الأنفال: 39 - 40.
(3)
سورة التوبة: 52.
(4)
البخاري (31) ومسلم (2888).
التَقَى المسلمانِ بسيفَيْهِما فالقاتلُ والمقتولُ في النارِ". فقيل: يا رسول الله! هذا القاتلُ فما بالُ المقتولِ؟ قال: "إنه كان حريصًا على قتلِ صاحبِهِ".
وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107))
(1)
.
وهذه الفتيا لا تحتمل البسط في هذه الورقة، وإنما نبهنا على النكت الجامعة.
(والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل). تمت
(1)
سورة آل عمران: 102 - 107.
قاعدة في الأموال السلطانية
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل
الأموالُ السلطانية والأموالُ العقدية من وقفٍ ونذورٍ ووصيةٍ ونحو ذلك، الأصلُ في ذلك مبنيٌّ على شيئين:
أحدهما: أن يَعلم المسلمُ بما دلَّ عليه كتابُ الله وسنةُ رسوله وإجماعُ المؤمنين نصًّا واستنباطًا.
ويَعلم الواقعَ من ذلك في الولاةِ والرعيَّهِ، ليعلمَ الحق من الباطل، ويعلمَ مراتبَ الحقِّ ومراتبَ الباطلِ، ليستعملَ الحق بحسب الإمكان، ويَدَعَ الباطلَ بحسب الإمكان، ويُرجِّحَ عند
(1)
التعارضِ أحقَّ الحقَّينِ، ويَدفعَ أبطلَ الباطلَيْنِ.
فنقول: إن الأموال المشتركة السلطانيةَ الشرعيةَ ثلاثةٌ: الفَيء، والمغانمُ، والصدقةُ. وإذا صَنَّف العلماءُ كُتُبَ الأموالِ -ككتاب "الأموال" لأبي عُبيد ولحُمَيْد بن زَنْجويه، و"الأموال" للخلَاّل من جوابات أحمد، وغير ذلك- فهذه هي الأموالُ التي يتكلَّمون فيها.
وكذلك من العلماء مَن يَجمع الكلامَ فيها في الكُتُب المصنَّفةِ في رُبُع الأموال، كما في "المختصر" للمُزَني و"مختصرِ" الخَرَقي وغيرِهما
(1)
في الأصل: "عن".
كتابُ قَسْمِ الفَيء والغَنائم والصدقة، يَذكُرونَه قبلَ قَسْمِ الوصايا والفرائض بعد قسْم الوقوف. ومنهم من يذكر قَسْمَ الصدقةِ في كتاب الزكاة، وقَسْمَ المغانمِ والفيء في الجهاد، كما هي طريقةُ كثيرٍ من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرِهم. ومنهم من يذكر الخراجَ والفيءَ في كتاب الإمارة، كما فعلَ أبو داود في "السنن" في كتاب الخراج والإمارة.
وهذه الأموالُ الثلاثة ثابتة مُستَخْرَجُها ومَصروفُها بكتابِ الله وسنةِ رسوله، وأكثرُها مُجتَمع عليه، وفيها مواضعُ مُتنازعٌ فيها بين العلماء. فإنّ الله فرضَ الزكاةَ في الأموال وذكرَ أهلَها في كتابه بقوله:(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) الآية
(1)
. والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قد بيَّن من ذلك ما أجملَه الكتابُ بما سَنَّه من نُصُبِ الزكاةِ وفَرائضِها، وفَسَّرَ من مواضعِها، وعَمِلَ به خلفاؤُه من بعدِه.
وكذلك المغانم، قد أحلَّها الله بكتابه وسنَّةِ رسوله، وقَسَمَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون، وهيَ المالُ المأخوذُ من الكفّارِ بالقتال، وما أُخِذَ من المرتدّين والخارجين عن شريعةِ الإسلام، فتفصيلُه ليس هذا موضعَ ذِكرِه. ويُسمَّى أيضًا فَيْئًا وأنفالاً.
وكذلك الفَيءُ الخاصّ، وهو ما أُخِذَ من الكفّارِ بغيرِ قتالٍ، ذكره الله في سورة الحشر
(2)
، وجَرَى قَسْمُه في سنة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم
(1)
سورة التوبة: 60.
(2)
الآيتين 6 - 7.