الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقديم لفضيلة الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار الأمين العام لمجمع البحوث الإِسلامية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:
فالجامع الكبير للإمام الحافظ المحدث عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي رحمه الله، ورضى عنه، وجزاه عن السنة المحمدية خير ما يجزى به العلماء المحققين المخلصين.
وهذا السفر الضخم يعد بحق نموذجا فريدًا في جمع السنة، واستيعاب معظم ما ورد من الأحاديث على اختلاف مراتبها، وتباين درجاتها، من الصحة والحسن، وغير ذلك من مراتب الحديث: كالضعيف، والغريب، والعزيز، والمرسل، والمنقطع، على صورة من الترتيب الميسر.
وقد حرص الإِمام السيوطي رضي الله عنه وطيب ثراه على أن يجمع كل ما تصل إليه يده من أحاديث الرسول وسنته صلى الله عليه وسلم جمعًا مرتبًا على قسمين:
الأول: قسم الأقوال، وهو مرتب على حسب حروف المعجم.
الثاني: قسم الأفعال، وهو مرتب على حسب المسانيد: مسانيد الرواة، وهذا العمل الجليل الذي قام به الإِمام السيوطي في عصره منذ خمسة قرون، يعد أكبر خدمة للسنة، ويعتبر إحياؤه إحياء لتراث إسلامى أصيل؛ لأنه خطوة مباركة تتبعها خطوات؛ ليتحقق إنجاز موسوعة السنة التي أوصى المؤتمر الثالث لمجمع البحوث الإِسلامية بعملها، وما كان لهذا العمل العظيم أن يتم إلا إذا سبق بجمع السنة واستيعابها من مصادرها الصحيحة وأصولها المعتمدة.
وقد كفانا الإِمام السيوطي مؤنة هذا العمل، وذلله لنا حتى نسير على نهجه
ونزيد عليه في عمل الموسوعة الحديثية كل ما نعثر عليه في مراجع الحديث وأصوله مما لم يصل إليه الإِمام السيوطي.
ومهما قيل من نقد للجامع الكبير، بأنه لم يسلم من الأحاديث الضعيفة والمتكلم فيها، فإن ذلك لا يقلل من أهميته، فهو عمل علمى جليل، قد أضاف إلى المكتبة الإِسلامية سفرا ضخما، وتراثا إسلاميًا أصيلًا، يجب الحفاظ عليه، والعمل على إحيائه، وتناوله بالبحث والتحقيق، والشرح والتعليق، على أن الإِمام السيوطي جزاه الله خيرا، لم يفته أن ينبه في جامعه الكبير إلى درجة كل حديث، وأن يعزوه إلى الأصل الذي نقله عنه، حتى ييسر على القارئ مهمة مراجعة الأحاديث في أصولها، وتتبعها في مصادرها، كما أنه رضي الله عنه لم يدَّع أن جامعه قد برئ من الأحاديث الضعيفة والموضوعة إذْ لم يفته أن ينبه عليها غالبًا في أمانة العالم الثبت المحقق، وهذا المنهج العلمى الدقيق الذي التزمه الإِمام السيوطي في جامعه الكبير يرفع من قدره، ويؤكد الثقة في أمانته العلمية، ويهدم كل نقد يوجه إليه.
والإمام السيوطي قد أشار في مقدمة جامعه الكبير إلى أنه قد عنى فيه بجمع كل ما استطاع جمعه من السنة مرتبة أبجديًا، ومرتبة مسانيد، وهذا العمل جهد مشكور، ومحاولة محمودة، في سبيل حصر السنة، والإحاطة بها على اختلاف مراتبها، وتباين أسانيدها، وإذا كان الفضل يذكر لأهله، فلقد كان لسلفى في الأمانة العامة لمجمع البحوث الإِسلامية فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود فضل السبق في العمل الجاد على إخراج هذا الكنز الثمين، وإحياء ذلك التراث الخالد، الذي ظل خمسة قرون لم يكتب له النشر، وبقى محفوظًا في مخطوطات أثرية طوال هذه القرون.
وقد أولى فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود هذا المشروع ما يستحقه من رعاية وبذل في سبيل إخراجه وتحقيقه جهدًا مشكورًا، فكون لذلك لجنة من العلماء المتخصصين، لمراجعة النسخ الخمسة المخطوطة المصورة من النسخ الأصلية للجامع الكبير، ومقابلة هذه المخطوطات بعضها على بعض، حتى يتسنى إعداد نسخة مضبوطة صحيحة، تصلح للنشر، وقد زود اللجنة بجميع المراجع والأصول من كتب السنة، بل
أنشأ مكتبة خاصة بمجمع البحوث الإِسلامية لخدمة اللجان العلمية وتيسير مهمة الباحثين والخبراء، فشكر الله له جهده وأعظم مثوبته.
ولقد كان لزامًا على بعد أن أسند إلى أمر الأمانة العامة لمجمع البحوث الإِسلامية أن أبارك هذا العمل الجليل الذي بدأ به سلفى مشكورًا، وأن أدفع به إلى الأمام، وأن أشجع القائمين بأمر تحقيق الجامع الكبير، وأضع أمامهم ما يعينهم على أداء مهمتهم وييسر لهم سبيل إخراجه وتحقيقه على خير ما يرجو الغيورون على دين الله والحفاظ على شرعه، وسنة نبيه محمَّد صلى الله عليه وسلم.
وها نحن الآن بعون الله تعالى وتوفيقه، نقوم بتقديم الجامع الكبير للقراء في أنحاء العالم الإسلامي وغيره بعد أن قامت اللجنة المختصة بأمر تحقيقه بإنجاز قدر كبير منه ونحن من جانبنا نَعِد أن نبذل بعون الله وحسن توفيقه كل جهد وطاقة في سبيل إنجاح هذا المشروع الجليل.
والله تعالى أسأل أن يوفقنا إلى خدمة دينه، والعمل على مرضاته، إنه نعم المولى وخير المستعان، {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .
دكتور
محمد عبد الرحمن بيصار
شوال سنة 1390 هـ
ديسمبر سنة 1970 م