المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ترجمة الحافظ السيوطي لفضيلة العارف بالله الشيخ المحدث: محمد الحافظ التيجانى - جمع الجوامع المعروف بـ «الجامع الكبير» - جـ ١

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌تقديم لفضيلة الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار الأمين العام لمجمع البحوث الإِسلامية

- ‌تقديم اعدته لجنة تحقيق الجامع الكبير بمجمع البحوث الإِسلامية

- ‌جمع الجوامع المعروف بالجامع الكبير تصدير لفضيلة الدكتور عبد الحليم محمود

- ‌ترجمة الحافظ السيوطي لفضيلة العارف بالله الشيخ المحدث: محمد الحافظ التيجانى

- ‌جمع الجوامع المعروف بالجامع الكبير للسيوطي

- ‌القسم الأول: الأقوال

- ‌حرف الهمزة

- ‌ذكر الهمزة مع الألف

- ‌ذكر الهمزة مع الهمزة

- ‌ذكر الهمزة مع الباء

- ‌الهمزة مع التاء

- ‌الهمزة مع الثاء

- ‌الهمزة مع الجيم

- ‌الهمزة مع الحاء

- ‌الهمزة مع الخاء

- ‌ الهمزة مع الدال

- ‌الهمزة مع الذال

- ‌الهمزة مع الراء

- ‌الألف مع السين

- ‌الهمزة والشين

- ‌الهمزة والصاد

- ‌الهمزة مع الضاد

- ‌الهمزة مع الظاء

- ‌الهمزة مع العين

- ‌الهمزة مع الغين

- ‌(الهمزة مع الفاء)

- ‌(في الصغير وليس في الكبير)

- ‌الهمزة مع القاف

- ‌في الصغير وليس في الكبير

- ‌الهمزة مع الكاف

- ‌أحاديث في الصغير وليست في الكبير مبدوءة بلفظ (أكبر)

الفصل: ‌ترجمة الحافظ السيوطي لفضيلة العارف بالله الشيخ المحدث: محمد الحافظ التيجانى

‌ترجمة الحافظ السيوطي لفضيلة العارف بالله الشيخ المحدث: محمد الحافظ التيجانى

هو الإِمام فخر المتأخرين، علم أعلام الدين، خاتمة الحفاظ أبو الفضل عبد الرحمن ابن أبي بكر بن محمَّد بن سابق الدين بن الفخر عثمان بن ناظر الدين محمَّد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمَّد بن الشيخ همام الدين الهمام الخضيرى الأسيوطى. وجده الأعلى همام الدين كان من أهل الحقيقة ومن مشايخ الطريق. ونسبته بالخضيرى لا يعلم المترجم عن نفسه إلا أنها نسبة للخضيرية محلة ببغداد، وقد حدثه من يشق به أنه سمع والده - رحمه الله تعالى - يذكر أن جده الأعلى كان أعجميًا، أو من الشرق، فالظاهر أن النسبة إلى المحلة المذكورة. وقد ولد بعد المغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة، وتوفى والده وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر، وقد وصل في القراءة إذ ذاك إلى سورة التحريم (1). وتولى تربيته العلامة كمال الدين بن الهمام الحنفى صاحب فتح القدير، وختم القرآن العظيم وله من العمر دون ثمان سنين كما ذكر هو عن نفسه، ثم حفظ عمدة الأحكام، ومنهج النووى، والبيضاوى، وألفية ابن مالك، وعرض الثلاثة على مشايخ الإِسلام. العلم البلقيني، والشرف المناوى، والعز الحنبلي، وشيخ الشيوخ الأقصرائى وغيرهم وأجازوه، وحضر مجالس الجلال المحلى سنة كاملة يومين في الجمعة، وحضر مجلس زين الدين رضوان العقبى، وشرع في الاشتغال بالعلم من ابتداء ربيع الأول سنة أربع وستين وثمانمائة هـ من الكواكب السائرة وحسن المحاضرة. ثم أخذ الفقه والنحو عن جماعة من الشيوخ منهم: الشيخ شمس الدين محمَّد بن موسى السبرائى، الذي قرأ عليه صحيح مسلم إلا قليلا منه، والشفاء وألفية ابن مالك حلا، فما أتمها إلا وقد صنف وأجازه بالعربية، ثم قرأ عليه قطعة من التسهيل، وسمع عليه الكثير من ابن المصنف، والتوضيح، وشرح الشذور، وفي المغنى في أصول

(1) الكواكب السائرة.

ص: 25

فقه الحنفية، وشرح العقائد للتفتازانى، وقرأ على الشيخ الإِمام الصالح شمس الدين محمَّد بن الشيخ سعد الدين بن سعد بن خليل المرزبانى الحنفى الكافية لابن الحاجب وشرحها للمصنف، ومقدمة إيساغوجى في المنطق وشرحها للكافى، وقطعة من كتاب سيبويه حلا، وسمع عليه من المتوسط والشافية وشرحها للجاربردى، ومن ألفية العراقي ولزمه حتى مات سنة سبع وستين وثمانمائة، وأخذ الفرائض والحساب عن العلامة فرضى زمانه الشيخ شهاب الدين أحمد بن علي الشارمساحى الذي كان يقال إنه بلغ السنن العالية وجاوز المائة، قرأ عليه في شرحه على المجموع.

وقد أجيز العلامة السيوطي بتدريس العربية في مستهل سنة ست وستين وثمانمائة في هذه السنة (أي في سن الخامسة عشرة) فكان أول شيء ألفه شرح الاستعاذة والبسملة، وأوقف عليه شيخ الإِسلام علم الدين صالح البلقيني فكتب عليه تقريظا، ثم لزم درسه في الفقه من شوال سنة خمس وستين وثمانمائة إلى أن مات، فلازم ولده؛ فقرأ عليه من أول التدريب لوالده السراج البلقيني إلى باب الوكالة، وسمع عليه من أول الحاوى الصغير إلى العدد، ومن أول المنهاج إلى الزكاة؛ ومن أول التنبيه إلى قريب من باب الزكاة، وقطعة من الروضة من باب القضاء، وقطعة من تكملة شرح المنهاج للزركشي، ومن إحياء الموات إلى الوصايا أو نحوها، وأجازه بالتدريس والإفتاء من سنة ست وسبعين وثمانمائة وحضر تصديره. فلما توفى سنة ثمان وسبعين وثمانمائة لزم شيخ الإِسلام شرف الدين المناوى فقرأ عليه قطعة من المنهاج، وسمعه عليه في التقسيم إلى مجالس معينة، وسمع دروسا من شرح البهجة للعراقى ومن حاشيته عليها، ومن تقسيم البيضاوى وغيره، ولزمه إلى أن مات، ولزم في الحديث والعربية الشيخ الإِمام العلامة تقى الدين الشمنى فواظبه أربع سنين من شوال سنة ثمان وستين وثمانمائة، وسمع عليه المطول والتوضيح والمغنى، وحاشية عليه، وشرح المقاصد للتفتازانى، وقرأ عليه من الحديث كثيرا، ومن علومه شرحه على نظم النخبة لوالده، وكتب له تقريظًا على شرح ألفية ابن مالك، وعلى جمع الجوامع في العربية تأليفه، وشهد له غيره مرة بالتقدم في العلوم بلسانه وبنانه ورجع إلى قوله مجردًا في حديث.

ص: 26

ولزم المترجم شيخه العلامة محى الدين محمَّد بن سليم الكافيجى أربع عشرة سنة، وكتب له إجازة عظيمة، بعد أن قرأ عليه شرح القواعد له وأشياء من مختصراته، وسمع عليه من الكشاف وحواشيه، والمغنى، وتوضيح صدر الشريعة، والتلويح للتفتازانى، وتفسير البيضاوى، وغير ذلك من فنون التفسير والأصول والعربية والمعانى وما عداها.

وحضر عند الشيخ العلامة محقق الديار المصرية سيف الدين الحنفى دروسًا عديدة في الكشاف، والتوضيح وحاشيته عليه، وتلخيص المفتاح والعضد، وقرأ على قاضى القضاة العز أحمد بن إبراهيم الكتانى قطعة من جمع الجوامع لابن السبكي، وقطعة من نظم مختصر ابن الحاجب وشرحه، وكلاهما من تأليفه، وقرأ في المبيعات على الشيخ مجد الدين إسماعيل بن السباع وعلى الشيخ عز الدين عبد العزيز بن محمَّد الميقاتى، وقرأ في الطب على محمَّد بن إبراهيم الودانى، قدم عليهم القاهرة من الروم، وحضر عند الشيخ نصر الدين بن أبي بكر بن شادى الحصكفى دروسًا كثيرة، وقرأ على الشيخ شمس الدين البابى دروسًا من المنهاج في كتب الخراج إلى باب الجزية، وشيئا من البهجة.

وشرع في التصنيف في سنة ست وستين وثمانمائة، وبلغت مؤلفاته إلى حين وضع كتاب حسن المحاضرة ثلاثمائة كتاب، واشتهرت مصنفاته وسافر إلى بلاد الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب والتكرور.

وقد أفتى السيوطي في مستهل سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، وعقد إملاء الحديث من مستهل سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، ورزق التبحر في سبعة علوم هي: التفسير والحديث، والفقه، والنحو، والمعانى، والبيان، والبديع على طريقة العرب والبلغاء، لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة. ودون هذه السبعة في المعرفة لدى العلامة السيوطي أصول الفقه، والجدل، والتصريف، ودونها الإنشاء، والترسل، والفرائض، ودونها القراءات، ودونها الطب.

ص: 27

ومن ترجمته لنفسه قوله: (وقد كملت عندي الآن آلات الاجتهاد بحمد الله تعالى، أقول ذلك تحدثا بنعمة الله تعالى لا فخرًا .. ولو شئت أن أكتب في كل مسألة مصنفا بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية ومداركها ونقوحها وأجوبتها والموازنة بين اختلاف المذاهب فيها لقدرت على ذلك من فضل الله لا بحولى ولا بقوتى فلا حول ولا قوة إلا بالله، ويدل أنه كان في سرعة الكتابة والتأليف آية كبرى من آيات الله تعالى، ما قاله تلميذه الشمس الداودى: عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفًا وتحريرًا صلى الله عليه وسلم، وكان مع ذلك يملى الحديث، ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة. وكان أعلم زمانه بعلم الحديث وفنونه ورجاله وغريبه واستنباط الأحكام منه.

وفي ثبت الشهاب أحمد بن قاسم البونى عن المترجم أنه كان مراده أن يجمع جميع الأحاديث في كتاب واحد، فجمع ثمانين ألفًا في جامعه الكبير، ومات رحمه الله فلم يرد الله جمع الأحاديث كلها في كتاب واحد (اهـ من فهرس الفهارس).

ومشايخه في الرواية سماعا وإجازة كثيرون، أوردهم في المعجم الذي جمعهم فيه، وعدهم نحو مائة وخمسين. قال (ولم أكثر من سماع الرواية؛ لاشتغالى بما هو أهم وهو قراءة الدراية).

وممن شمله إجازتهم الحافظ ابن حجر - أحضره والده قبل موته وهو صغير إلى مجلسه (1). قال عنه المترجم في طبقات الحفاظ: لي منه إجازة عامة، ولا أستبعد أن تكون لي منه إجازة خاصة؛ فإن والدى كان يتردد إليه، وينوب في الحكم عنه، وإن يكن فاتنى حضور مجالسه، والفوز بسماع كلامه، والأخذ عنه، فقد انتفعت في الفن بتصانيفه، واستفدت منها الكثير اهـ. ونقل عنه مرة في بغية الوعاة فقال فيه:(شيخ شيوخنا الحافظ ابن حجر) وفي حسن المحاضرة قال: إنه لما حج شرب من ماء زمزم لأمور منها، أن يصل في الفقه إلى رتبة الشيخ سراج الدين البلقيني، وفي الحديث إلى رتبة الحافظ ابن حجر.

(1) الكواكب السائرة ص 226 ج 1.

ص: 28

وكذلك فعل ابن حجر، فإنه شرب ماء زمزم؛ على أن يكون كالحافظ الذهبي فبلغهما الله أملهما.

وقد ذكر أن العلامة السيوطي قد أخذ العلم عن ستمائة شيخ هكذا لتلميذه الشعرانى في طبقاته الصغرى، على الرغم مما في ترجمته من حسن المحاضرة أنهم بلغوا نحو مائة وخمسين، وهو الذي لتلميذه الحافظ الداودى في ترجمته، ورتبهم على حروف المعجم ونحوه في شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد. ولكن الشعرانى قال - بعد ما سبق عنه من عدهم - أنه قد نظمهم في أرجوزه، قال وهم أربع طبقات:(الأولى) من يروى عن أصحاب الفخر ابن البخارى والشرف الدمياطى ووزيره والحجار وسليمان بن حمزة وأبى نصر بن الشيرازى ونحوهم (الثانية) من يروى عن السراج البلقيني والحافظ أبي الفضل العراقي ونحوهما وهي دون التي قبلها في العلو. (الثالثة) من يروى عن الشرف ابن الكويك ونحوه وهي دون الثانية. (الرابعة) من يروى عن أبي زرعة بن الزين العراقي وابن الجزرى ونحوهما.

وظفر بالأخذ عن أربعة من أصحاب الصدر الميدومى وله في ذلك معاجم اهـ. ولعل روايته عن المذكور مع روايته عن محمَّد بن مقبل الحلبى أعلى ما حصل له.

ومن شيوخ العلامة السيوطي بدر الدين محمَّد بن الحافظ بن حجر، ووجيه الدين أبو الجود عبد الرحمن بن محمَّد بن إبراهيم المرشدى، وشرف الدين عيسى بن سليمان الطنوبى (وخديجة) بنت عبد الرحمن بن علي العقيلي، وشرف الدين أحمد بن محمَّد العقيلي، والحافظ تقى الدين بن فهد، وأخوه ولى الدين أبو الفتح عطية، ووالدهما مجيب الدين أبو بكر، والحافظ نجم الدين محمَّد، وشرف الدين إسماعيل بن أبي بكر الزبيدى و (آسية) بنت جاد الله بن صالح الطبرى، و (صفية) بنت ياقوت المكية، والفخر أبو بكر بن أحمد بن إبراهيم المرشدى، و (رقية) بنت عبد القوى بن محمَّد الجائى، و (أم حبيبة) بنت أحمد بن محمَّد بن موسى السويكى، و (كمالية) بنت أحمد بن محمَّد بن ناصر المكي والرضى أبو حامد محمَّد بن محمَّد بن ظهيرة، المكي

ص: 29

وأخوه ولى الدين محمَّد والإمام محب الدين محمَّد بن محمَّد الطبري و (أم الفضل) هاجر بنت الشرف المقدسي و (خديجة) بنت علي بن الملقنى، وأختها صالحة، و (سارة) بنت محمَّد البالسى، و (أم هانئ) بنت أبي الحسن الهورينى، و (كمالية) بنت محمَّد ابن محمَّد المرجانى وغيرهم.

وقال أبو الحسنات محمَّد عبد الحي اللكنوي في حواشيه على الموطأ بعد أن ذكر السيوطي:

وتصانيفه كلها مشتملة على فوائد لطيفة، وفرائد شريفة، تشهد كلها بتبحره، وسعة نظره، ودقة فكره، وأنه حقيق بأن يعد من مجددي الملة المحمدية، في بدء المائة العاشرة وآخر التاسعة كما ادعاه بنفسه، وشهد بكونه حقيقا به من جاء بعده كعلى القاري المكي في المرآة شرح المشكاة اهـ.

وقال القاري في شرح المشكاة:

شيخ شيوخنا السيوطي هو الذي أحيا علم التفسير في الدر المنثور وجمع جميع الأحاديث المتفرقة في جامعه المشهور، وما ترك فنا إلا فيه له متن أو شرح مسطور بل وله زيادات ومخترعات يستحق أن يكون هو المجدد في القرن العاشر كما ادعاه وهو في دعواه مقبول ومشكور. اهـ. (ص 347 جـ 1).

وقوله صلى الله عليه وسلم إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها. سنده صحيح ورجاله رجال الصحيح (ص 522 جـ 4/ المستدرك) رواه أبو داود والحاكم والبيهقي في المعرفة عن أبي هريرة.

واتفق علماء الحديث أن الخليفة العادل الإِمام عمر بن عبد العزيز هو المجدد على رأس المائة الأولى وأن الشافعي الإِمام على رأس المائة الثانية.

وقال الحافظ ابن كثير قد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث. والظاهر أنه يعم جملة من العلماء من كل طائفة وكل صنف من مفسر ومحدث وفقيه ونحوى ولغوى وغيرهم. من فيض القدير جـ 2 ولا شك في أن الحافظ السيوطي من

ص: 30

المجددين. ويصح أن يكون في عصره غيره من المجددين ولا ينكر فضل الحافظ السخاوى في تمكنه في علل الأحاديث ونقد الرجال. وكلاهما فاضل انتفعت به الأمة.

وقال الشعرانى: لو لم يكن للسيوطى من الكرامات إلا إقبال الناس على تأليفه في سائر الأقطار بالكتابة والمطالعة لكان في ذلك كفاية. اهـ.

قال السيد محمد عبد الحى الكتانى:

هذا أمر جدير بالاعتبار فإن مؤلفاته بالنسبة لمعاصريه وشيوخه حصلت على إقبال عظيم عند الأمة الإسلامية لم يحصل عليها غيره. ولا تكاد تجد خزانة في الدنيا - عربية أو أعجمية - تخلو عن العدد العديد منها بخلاف مؤلفات أقرانه بل وشيوخه. وقال ابن القاضى في درة الحجال إن تصانيفه لا تحصى تجاوز الألف. اهـ.

وقال ابن العماد في الشذرات إن تلميذه الحافظ الداودى استقصى أسماء مؤلفاته الحافلة الكبيرة الكاملة الجامعة فنافت عدتها على خمسمائة مؤلف. وقد أشتهر أكثر مؤلفاته في حياته في أقطار الأرض شرقًا وغربًا، وكان آية كبرى في سرعة التأليف قال تلميذه الداودى: عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاث كراريس تأليفًا وتحريرًا، وكان مع ذلك يملى الحديث ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة. اهـ.

وفى مشيخة البدر القرافى لدى ترجمة شيخه أبى عبد الله محمد بن أبى الصفا شهاب الدين أحمد البكرى أنه قرأ على شيخه الحافظ السيوطى فهرس أسماء مؤلفاته قال وهى ستمائة مؤلف. اهـ.

ونشر في آخر كشف الظنون فهرس مؤلفات السيوطى أوصلت فيه إلى خمسمائة وأربعة كتب. قال السيد محمد عبد الحى الكتانى (وقد ظفرت) في مصر بكراسة من تأليف السيوطى عدد فيها تآليفه إلى سنة 904 قبل موته بسبع سنين أوصل فيها عدد مؤلفاته إلى 538 فعدد ماله في علم التفسير 73 وفى الحديث 205 والمصطلح 32 والفقه 71 وأصول الفقه والدين والتصوف 20 واللغة والنحو والتصريف 66 والمعانى والبيان والبديع 6 والكتب الجامعة من فنون 8 الطبقات والتاريخ 30 الجميع

ص: 31

537 ومن الغريب ما في ثبت الشهاب أحمد بن قاسم البونى أن شيخًا له سماه من أهل المغرب أخبره أن المترجم له الجلال السيوطى شرح مختصر خليل قال: وهو حبس في رواق سيدنا عثمان بالمدينة المنورة، وأغرب من هذه ما ذكر البونى أيضًا من أن السيوطى كان شافعيًا، ثم أنه تنقل لمذهب المالكية، والصواب أن السيوطى ما مات حتى كان يجتهد ويختار، وله في الباب "المعجم الكبير والصغير 2 والمنتقى 3 وفهرسة المرويات 4 وحاطب ليل 5 وزاد المسير 6 وجياد المسلسلات ونسخة منها في المكتبة التيمورية بمصر انظر رقم 941 من فن الحديث 7 والمسلسلات الصغرى 8 وترتيب طبقات شيوخه المنظوم. انظر كلا في حرفه وكانت سنة الإملاء المعروفة عند المحدثين اندثرت من موت الحافظ ابن حجر سنة 752 فافتتحه وأحياه السيوطى أول سنة 872 فأملى نحوًا من ثمانين مجلسًا ثم خمسين أخرى انظر التدريب له.

وفى النور السافر في أخبار القرن العاشر للسيد عبد القادر العيدروسى أن المترجم ولى المشيخة في مواضع متعددة من القاهرة ثم إنه زهد في جميع ذلك وانقطع إلى الله بالروضة.

وفى كتابه حسن المحاضرة ثبت بمؤلفاته في فنون التفسير والحديث والفقه والعربية والأصول والبيان والتصوف والتاريخ والأدب والأجزاء المقررة في مسائل مخصوصة على ترتيب الأبواب. من شاء فليطالعها ولنذكر هنا بعض مؤلفاته في الحديث.

البحر الذى ذخر في شرح ألفية الأثر - تحفة الغاية بتخليص المتشابه - التدريب في شرح التقريب - تذكرة المؤتسى في حديث من حدث ونسى - التعريف بآداب التأليف - تقريب الغريب - التهذيب في الزوائد على التقريب - جياد المسلسلات - ذيل طبقات الحفاظ للذهبى - زوائد الرجال على تهذيب الكمال - الروض المكلل والورد المعلل - ريح النسرين فيمن عاش من الصحابة مائة وعشرين - إسعاف المبطأ برجال الموطأ - أسماء المدلسين - شد الرحال في ضبط الرجال - طبقات ابن سعد - عين الإصابة في

ص: 32

معرفة الصحابة - الفارق بين المؤلف والسارق - في حلاوة المسانيد - شرح الدر في شرح ألفية ابن مالك.

ولما بلغ العلامة السيوطى أربعين سنة من عمره أخذ في التجرد للعبادة والانقطاع إلى الله تعالى والاشتغال به صرفا، والإعراض عن الدنيا وأهلها كأنه لم يعرف أحدًا منهم وشرع في تحرير مؤلفاته التى سبقت الإشارة إليها، وترك الإِفتاء والتدريس واعتذر عن ذلك في مؤلف ألفه في ذلك وسماه بالتنفيس، وأقام في روضة المقياس فلم يتحول منها إلى أن مات، لم يفتح طاقات بيته التى على النيل من سكناه، وكان الأمراء والأغنياء يأتون إلى زيارته ويعرضون عليه الأموال النفيسة فيردها، وأهدى إليه الغورى خصيًا وألف دينار فرد الألف وأخذ الخصى فأعتقه وجعله خادمًا في الحجرة النبوية، وقال لقاصد السلطان لا تعد تأتينا قط بهدية فإن الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك.

وكان لا يتردد إلى السلطان ولا إلى غيره وطلبه مرارًا فلم يحضر إليه وقيل له: إن بعض الأولياء كان يتردد إلى الملوك والأمراء في حوائج الناس فقال: اتباع السلف في عدم ترددهم أسلم لدين المسلم.

وألف كتابًا سماه ما رواه الأساطين في عدم التردد إلى السلاطين، وقد نظم صاحب الكواكب هذا الكتاب في منظومة لطيفة حافلة زاد فيها على ما ذكره السيوطى زيادات شريفة، (في الكواكب السائرة).

وجاء في الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم في المنام والشيخ السيوطى يسأله عن بعض الأحاديث والنبى صلى الله عليه وسلم يقول له هات يا شيخ السنة. وذكر الشيخ عبد القادر الشاذلى عنه أنه كان يقول رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يقظة فقال لى يا شيخ الحديث. فقلت له يا رسُول الله أمن أهل الجنة أنا؟ قال: [نعم]. فقلت من غير عذاب يسبق فقال صلى الله عليه وسلم[لك ذلك]. وألف في ذلك كتاب تنوير الحلك في إمكان رؤية النبى والملك.

ورؤية من كان في الدنيا لمن كان في الدار الآخرة في اليقظة لا تكون إلا حالة

ص: 33

تجريد روحى تخرق فيه العادة كما خرقت لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه حين رأى جيش سارية وهو بنهاوند، وحين ناداه وبلغه صوته وأيقن به وعمل بمقتضاه.

وكذلك هذه الرؤية وراثة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث اجتمع ببعض الأنبياء وهم في الدار الآخرة والعلماء ورثة الأنبياء، ويجب عرض ما يقع للمرء في مثل هذه المشاهد على الشريعة فهى الميزان والمرجع والحكم فحكمها واحد، واعترض على وقوع هذه الرؤية بأنها لو كانت جائزة لوقعت لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا النبى صلى الله عليه وسلم في اليقظة وحل ما بينهم من المشاكل والخلاف، وأجيب بأن رؤية النبى صلى الله عليه وسلم في النوم حق، وهى ثابتة. ولا يقال لماذا لم يروا النبى صلى الله عليه وسلم في النوم ويحل لهم مشاكلهم؟ والجواب عنهما واحد وأن ما وقع لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يؤخذ بالتسليم ويحمل على أحسن الوجوه، وليس هناك خلاف في أن القدرة تشمل ذلك بالوجه الممكن عقلا وشرعا والمرجع في كل ذلك إلى الشريعة فلا يؤخذ من هذه المشاهد حكم شرعى، وإنما هى مبشرات تسر أصحابها ولا تغرهم.

وقال الشيخ عبد القادر قلت له: يا سيدى كم رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يقظة؟ فقال، بضعا وسبعين مرة.

ومحاسن العلامة السيوطى ومناقبه لا تحصى كثرة، وكفاه - كما تقدم - كثرة مؤلفاته مع تحريرها وتدقيقها، وله شعر كثير أكثره متوسط وجيده كثير وغالبه في الفوائد العلمية والأحكام الشرعية.

وكانت وفاته رضي الله عنه في سحر ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وتسعمائة في منزله بروضة المقياس، وقد استكمل من العمر إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية عشر يوما. وكان له مشهد عظيم ودفن في حوش قوصون خارج باب القرافة وصلى عليه غائبة بدمشق بالجامع الأموى يوم الجمعة ثانى رجب سنة إحدى عشرة المذكورة، ونسب إلى أسيوط باعتبارها بلد والده ولم يولد بها ولم يتوف بها.

ص: 34

وقال الشيخ نجم الدين الغزى: وقد رثى بالمراثى الحافلة ورثاه عبد الباسط بن خليل الحنفى بقصيدة ذكرها في الكواكب. قال: ولم أقف إلا على هذه القصيدة في تاريخ ابن طولون، ذكر أنه استملاها من بعض من قدم عليهم دمشق من القادمين فكتبها من خطه لئلا تخلو الترجمة من مرثية ما، رحمه الله تعالى اهـ.

وليس يضير الحافظ السيوطى أن استدركت عليه بعض أمور فإن هذا شأن البشر. وقال الإمام مالك رضي الله عنه ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا صاحب هذه الحجرة الشريفة صلى الله عليه وسلم. وما يستدرك على العلماء هو خدمة لكتبهم إذا كان الاستدراك صحيحا وخلا من التعنت.

وقد ترجم للسيوطى ابن رياس في تاريخه، والشعرانى في ذيل طبقاته، والغزى في الكواكب السائرة - والعيدروس في النور السافر، وجمال الدين الشبلى في السنا الباهر والأسدى في طبقات الشافعية، وعبد الغنى النابلسى في رحلته، وأبو العباس الفاسى في رحلته وتلميذه عبد القادر بن محمد الشاذلى المالكى، كما أفرد له بالترجمة الحافظ الداودى. وترجم له أيضا صاحب فهرس الفهارس السيد محمد عبد الحى الكتانى.

ص: 35