الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الموضوع التاسع في الرطانة]
الموضوع التاسع
في الرطانة لنا وقفة عند ما يسميه المؤلف "الرطانة"، وهو تعلم المسلمين وتكلمهم بغير اللغة العربية، وهذه المسألة من القضايا الملحة التي تواجه المسلمين في هذا العصر، والتي تحتاج إلى بحث طويل، واستجلاء للحكم الشرعي المفصل فيها، ولست هنا أنتزع ولا أصدر أحكامًا، بقدر ما أستخلص فوائد وتوجيهات من كلام المؤلف في هذا الموضوع، الذي يبين لنا الحكم العام، ومواقف السلف نحو اللغات الأخرى، وآثارها على دين المسلمين ومعتقدهم.
فقد بيَّن لنا أن للصحابة مواقف معروفة نحو ذلك، تتمثل بقول عمر:"إياكم ورطانة الأعاجم" فكانوا يكرهون أن يتكلم المسلم بغير العربية على وجه الاعتياد والدوام، ولغير ضرورة.
أما عند الحاجة والضرورة، وما تقتضيه مصلحة المسلمين العامة، فإن ذلك جائز، وقد جاءت السنة به، فقد «أمر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم السريانية» ، لغة يهود، ليقرأ في كتبهم، ويكتب بها إليهم، ويترجم كلامهم، ويأمن مكرهم.
كما كان الخلفاء الراشدون يفعلون ذلك، وكتبوا الدواوين بغير العربية، إلى أن صارت القدرة على تعريبها، وكان المسلمون مضطرين لمخاطبة الشعوب التي دخلت الإسلام بعد الفتوح بلغاتها كذلك.
أما التكلم بغير العربية لغير ضرورة، فإن السلف كانوا يكرهونه أشد الكراهية، وينهون عنه، ولهم في ذلك أقوال معروفة سرد المؤلف الكثير منها.
وكانوا يرون أن العربية من مستلزمات الدين، وغيرها شعار النفاق، لذلك لما فتحوا الأمصار، سارعوا إلى تعليم أهلها العربية حتى سرت سريان النور في الظلام، رغم صعوبة ذلك ومشقته.
فالعربية هي لغة الإسلام، ولغة القرآن، ولا يتأتى فهم الكتاب والسنة فهمًا صحيحًا سليمًا إلا بها، فهي من مستلزمات الإسلام وضرورياته، وإهمالها والتساهل بها لا بد أن يضعف من فهم الدين، ويساعد على الجهل به.
وأرى أنه من الخطأ الفادح: مزاحمة اللغة العربية باللغات الأخرى في مناهج التعليم في البلاد الإسلامية (1) على العموم، والعربية على الخصوص.
فليس هناك أي مبرر يجعل اللغات الأخرى تفرض في المدارس على جميع الطلبة، ولا على غالبهم، وفي كل المستويات، والواقع يثبت ما أقوله، فإن طلاب المدارس التي تفرض فيها اللغات الأجنبية اليوم، هم أضعف في اللغة العربية، في حين أنهم لم يكتسبوا من اللغات الأخرى شيئًا يذكر، فهم كالمنبت: لا ظهرًا أبقى، ولا أرضًا قطع، كما أنها تشكل عبئًا ثقيلًا، وشبحًا مخيفًا أمام أغلب الطلبة.
نعم، قد تكون هناك ضرورة للدول لتعلم بعض اللغات الأجنبية، وحينئذ يجب أن يتعلمها من يقع الاختيار عليه لحاجة الأمة، أو تفرض ذلك عليه طبيعة
(1) كانت العربية هي لغة المسلمين في كل العالم الإسلامي، حتى جاء الاحتلال فحارب العربية وأحلّ محلها اللغات القومية لكل بلد، أو إحدى اللغات الغربية خاصة الإنجليزية، مما أبعد الشعوب المسلمة عن فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسائر العلوم الإسلامية.
عمله أو دراسته، فتتعلم طائفة من أبناء الأمة لغات الأمم الأخرى بقدر الحاجة، أما أن تكون اللغة الدخيلة مفروضة على كل ناشئة المسلمين، فهذا ما أرى أنه خطأ، ويخالف حكم الإسلام، ولم يأت إلا عن جهل، أو إعجاب بالأعاجم، أو قصد إفساد شباب المسلمين والتضييق على لغتهم العربية، أو عن قصور في التفكير يكون سببه حب التقليد والشعور بالنقص.