الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الوجه الثالث في تقرير الإجماع]
الوجه الثالث في تقرير الإجماع ما ذكره عامة علماء الإسلام من المتقدمين، والأئمة المتبوعين وأصحابهم، في تعليل النهي عن أشياء بمخالفة الكفار، أو مخالفة النصارى (1) أو مخالفة الأعاجم، وهو أكثر من أن يمكن استقصاؤه، وما من أحد له أدنى نظر في الفقه إلا وقد بلغه من ذلك طائفة، وهذا بعد التأمل والنظر، يورث علما ضروريا، باتفاق الأئمة، على النهي عن موافقة الكفار والأعاجم، والأمر بمخالفتهم.
وأنا أذكر من ذلك (2) نكتا في مذاهب الأئمة المتبوعين اليوم، مع ما تقدم في أثناء الكلام عن غير واحد من العلماء.
فمن ذلك أن الأصل المستقر عليه (3) في مذهب أبي حنيفة أن تأخير الصلاة أفضل من تعجيلها، إلا في مواضع يستثنونها، كاستثناء يوم الغيم، وكتعجيل الظهر في الشتاء - وإن كان غيرهم من العلماء يقول (4) الأصل أن التعجيل أفضل - فيستحبون تأخير الفجر (5) والعصر، والعشاء والظهر، إلا في الشتاء في غير الغيم (6) . ثم قالوا: يستحب تعجيل المغرب؛ لأن تأخيرها مكروه لما فيه من التشبه باليهود، وهذا أيضا قول سائر الأئمة (7) وهذه العلة منصوصة (8) كما تقدم.
(1) أو مخالفة النصارى: سقطت من المطبوعة.
(2)
في (أ) : في ذلك.
(3)
عليه: ساقطة من (أ) .
(4)
في المطبوعة: أن الأصل.
(5)
في المطبوعة: التأخير للفجر.
(6)
انظر: الإفصاح لابن هبيرة (1 / 103- 106) .
(7)
في (أب ط) : الأمة.
(8)
يشير إلى حديث النهي عن تأخير المغرب إلى اشتباك النجوم، والذي مر (ص 210) .
وقالوا أيضا: يكره السجود في الطاق؛ لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب، من حيث تخصيص الإمام بالمكان، بخلاف ما إذا كان سجوده في الطاق، وهذا أيضا ظاهر مذهب أحمد وغيره (1) وفيه آثار صحيحة عن الصحابة: ابن مسعود، وغيره (2) .
وقالوا: لا بأس أن يصلي وبين يديه مصحف معلق، أو سيف معلق؛ لأنهما لا يعبدان؛ وباعتباره: تثبت (3) الكراهة (4) ولا بأس أن يصلي على بساط فيه تصاوير؛ لأن فيه استهانة بالصورة، ولا يسجد على التصاوير (5) ؛ لأنه يشبه عبادة الصور، وأطلق الكراهة في الأصل؛ لأن المصلي معظم (6) .
قالوا: ولو لبس ثوبا فيه تصاوير كره (7) ؛ لأنه يشبه (8) حامل الصنم، ولا يكره تماثيل (9) غير ذوي الروح؛ لأنه لا يعبد (10) .
(1) انظر: المغني والشرح الكبير (2 / 47) في المغني، وفي العبارة غموض مما يشعر القارئ بأن فيها تناقضا من حيث إنه أشار إلى كراهة السجود في الطاق، ثم استثنى من الكراهة السجود في الطاق، ويظهر لي أنه يقصد أن الصلاة في الطاق بحيث يكون فيه كل جسم الإمام أن ذلك مكروه، بخلاف ما إذا وقع فيه سجوده وبقية جسمه خارجه.
(2)
نفس المصدر السابق.
(3)
في (ج د) : ثبتت.
(4)
في المطبوعة زاد: إلى غيرهما.
(5)
في المطبوعة: على الصورة.
(6)
في المطبوعة زاد: لله.
(7)
في (أط) : يكره.
(8)
في (د) : يشبه عبادة حامل الصنم.
(9)
في (أط) : تمثال.
(10)
في (ط) : غير ذوي روح لأنها لا تعبد.
وقالوا (1) أيضا: إن صام يوم الشك ينوى أنه من رمضان، كره؛ لأنه تشبه بأهل الكتاب؛ لأنهم زادوا في مدة صومهم.
وقالوا: فإذا غربت الشمس، أفاض الإمام والناس معه على هيئتهم حتى يأتوا مزدلفة؛ لأن فيه إظهار مخالفة المشركين.
وقالوا أيضا لا يجوز الأكل والشرب والإدهان والتطيب في آنية الذهب والفضة، للرجال والنساء؛ للنصوص، ولأنه تشبه بزي المشركين، وتنعم بتنعم المترفين والمسرفين (2) .
وقالوا في تعليل المنع من لباس الحرير في حجة أبي يوسف (3) ومحمد (4) على أبي حنيفة، في المنع من افتراشه وتعليقه والستر به؛ لأنه من زي الأكاسرة، والجبابرة، والتشبه بهم حرام.
قال عمر: " إياكم وزي الأعاجم "(5) وقال محمد في الجامع الصغير:
(1) في (أ) : قال.
(2)
انظر: المغني والشرح الكبير (10 / 344) في المغني.
(3)
هو: القاضي أبو يوسف، واسمه: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، صاحب الإمام أبي حنيفة، ولد سنة (113 هـ) فقيه عالم، قلده الرشيد القضاء، وتوفي سنة (182 هـ) .
انظر: وفيات الأعيان (6 / 378 - 388) ، (ت 824) ؛ والفوائد البهية (ص 225- 226) .
(4)
هو: محمد بن الحسن بن واقد الشيباني، أبو عبد الله، صاحب الإمام أبي حنيفة، عالم فاضل فقيه، وله مصنفات، ولد سنة (132 هـ) ، وتوفي سنة (189 هـ) .
انظر: وفيات الأعيان (4 / 184 - 185) ، (ت 567) ؛ والفوائد البهية في تراجم الحنفية (ص 163) .
(5)
انظر: الهداية شرح بداية المبتدي، للرشداني (4 / 81) .
" ولا يتختم إلا بالفضة "(1) .
قالوا: وهذا نص على أن التختم بالحجر والحديد والصفر، حرام؛ للحديث المأثور:«أن (2) النبي صلى الله عليه وسلم رأى على رجل خاتم صفر (3) فقال: " مالي أجد منك ريح الأصنام؟» (4)«ورأى على آخر خاتم حديد فقال: " ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟» (5) .
ومثل هذا كثير في مذهب أبي حنيفة وأصحابه.
وأما مذهب مالك وأصحابه، ففيه ما هو أكثر من ذلك، حتى قال مالك فيما رواه ابن القاسم (6) في المدونة: " لا يحرم بالأعجمية، ولا يدعو بها،
(1) انظر: الهداية شرح بداية المبتدي، للرشداني (4 / 82) .
(2)
في (أ) : إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(3)
صفر: ساقطة من (أ) .
(4)
جاء ذلك في حديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاتم من شبه فقال له: ما لي أجد منك ريح الأصنام؟ " فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال: "ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟ " فطرحه فقال: يا رسول الله من أي شيء أتخذه؟ قال: "اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالا ". أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الخاتم، باب ما جاء في خاتم الحديد، حديث رقم (4223) ، (4 / 428، 429) . والترمذي في كتاب اللباس، باب ما جاء في الخاتم الحديد، حديث رقم (1785) ، (4 / 248) . وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، وفي الباب عن عبد الله بن عمرو". والنسائي في الزينة، باب مقدار ما يجعل في الخاتم من الفضة (8 / 172) ، وصححه ابن حبان (1467) . وأخرجه الإمام البغوي في شرح السنة وقال: "وإسناده غريب" (9 / 121، 122) .
(5)
نفس التعليق السابق.
(6)
هو: عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي المصري، أبو عبد الله، إمام فقيه، عالم زاهد، من كبار تلاميذ الإمام مالك، له كتاب (المدونة) رواه عن الإمام مالك، قال ابن حجر في التقريب:"ثقة، من العاشرة"، توفي سنة (291 هـ) .
انظر: تقريب التهذيب (1 / 495) ، (ت 1079) ع؛ والأعلام للزركلي (3 / 323) .
ولا يحلف " (1) .
قال: " ونهى عمر رضي الله عنه عن رطانة الأعاجم وقال: " إنها خب " (2) .
قال: " وأكره الصلاة إلى حجر منفرد في الطريق وأما أحجار (3) كثيرة فجائز "(4) .
قال: " ويكره ترك العمل يوم الجمعة كفعل أهل الكتاب يوم (5) السبت والأحد "(6) .
قال: " ويقال: من تعظيم الله تعظيم ذي الشيبة المسلم (7) قيل: " فالرجل يقوم للرجل له الفضل والفقه؟ قال: أكره ذلك، ولا بأس بأن (8) يوسع له في مجلسه ".
قال: " وقيام المرأة لزوجها حتى يجلس من فعل الجبابرة، وربما يكون الناس ينتظرونه فإذا طلع قاموا، فليس هذا من فعل الإسلام، وهو فيما ينهى عنه
(1) انظر: المدونة برواية سحنون عن ابن القاسم (1 / 62، 63) .
(2)
انظر: المدونة برواية سحنون عن ابن القاسم (1 / 63) .
(3)
في (ب) : حجارة.
(4)
انظر: المدونة برواية سحنون عن ابن القاسم (1 / 109) .
(5)
في (أ) : في السبت والأحد.
(6)
المدونة (1 / 154)، وقال:"قال مالك: وبلغني أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا يكرهون أن يترك الرجل العمل يوم الجمعة كما تركت اليهود والنصارى في السبت والأحد".
(7)
جاء في حديث أخرجه أبو داود في سننه عن أبي موسى الأشعري: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم"، الحديث، في كتاب الأدب، باب في تنزيل الناس منازلهم، حديث رقم (4843) ، (5 / 174)، وفي إسناده: أبو كنانة، مجهول، ويقال: إنه معاوية بن قرة، ولم يثبت ذلك. انظر: تقريب التهذيب (2 / 466) ، (ت 21) ، وبقية رجاله ثقات.
(8)
بأن: ساقطة من (أ) .
من التشبه بأهل الكتاب والأعاجم "، وفيما ليس من عمل المسلمين، أشد من (1) عمل الكوفيين وأبلغ، (2) مع (3) أن الكوفيين يبالغون في هذا الباب، حتى تكلم أصحاب أبي حنيفة في تكفير من تشبه بالكفار في لباسهم وأعيادهم.
وقال بعض أصحاب مالك: من ذبح بطيخة في أعيادهم (4) فكأنما ذبح خنزيرا.
وكذلك أصحاب الشافعي ذكروا هذا الأصل في غير موضع من مسائلهم، مما (5) جاءت به الآثار، كما ذكر غيرهم من العلماء، مثل ما ذكروه في النهي عن الصلوات في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها - مثل طلوع الشمس وغروبها - ذكروا تعليل ذلك بأن (6) المشركين يسجدون للشمس حينئذ، كما في الحديث:«إنها ساعة يسجد لها الكفار» (7) .
وذكروا في السحور وتأخيره: أن ذلك فرق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب.
وذكروا في اللباس: النهي عما فيه تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال.
وذكروا أيضا: ما جاء من أن المشركين كانوا يقفون بعرفات إلى اصفرار الشمس، ويفيضون من جمع بعد طلوع الشمس، وأن السنة جاءت بمخالفة
(1) من عمل: ساقطة من (أط) .
(2)
من هنا حتى قوله: وأما كلام أحمد وأصحابه (بعد ورقة من المخطوطة، ثلاث صفحات تقريبا) : ساقطة من (أ) .
(3)
في (ج د) : من.
(4)
في (ب ط) : عيدهم.
(5)
في المطبوعة: كما.
(6)
في (ب) : لأن.
(7)
الحديث مر في (ص 218) . انظر: فهرس الأحاديث.
المشركين في ذلك بالتعريف إلى الغروب، والوقوف بجمع إلى قبيل طلوع الشمس، كما جاء في الحديث:«خالفوا المشركين» (1) و «خالف هدينا هدي المشركين» (2) .
وذكروا أيضا: الشروط (3) على أهل الذمة، منعهم (4) عن التشبه بالمسلمين في لباسهم وغيره (5) مما يتضمن منع المسلمين أيضا من مشابهتهم في ذلك تفريقا بين علامة المسلمين وعلامة الكفار.
وبالغ طائفة منهم، فنهوا عن التشبه بأهل البدع، فيما (6) كان شعارا لهم، وإن كان (7) مسنونا، كما ذكره طائفة منهم في تسنيم القبور، فإن مذهب الشافعي: أن الأفضل تسطيحها (8) .
ومذهب أحمد وأبي حنيفة: أن الأفضل تسنيمها (9) .
ثم قال طائفة من أصحاب الشافعي: بل ينبغي تسنيمها في هذه الأوقات؛ لأن الرافضة تسطحها (10) ففي تسطيحها تشبه بهم فيما (11) هو شعار لهم.
(1) انظر: (ص 203) .
(2)
انظر: (ص 359) .
(3)
في (ب ط) : شروطا.
(4)
في (ط) : نمنعهم.
(5)
في (ط) : وغير لباسهم.
(6)
في (ط) والمطبوعة: مما.
(7)
في المطبوعة: وإن كان في الأصل مسنونا.
(8)
انظر: المغني والشرح الكبير (2 / 385) في المغني.
(9)
نفس المرجع السابق.
(10)
في المطبوعة زيادات هنا: قال: لأن شعار الرافضة اليوم تسطيحها.
(11)
في (ب) : مما.
وقالت طائفة: بل نحن نسطحها، فإذا سطحناها لم يكن تسطيحها شعارا لهم.
فاتفقت الطائفتان على (1) النهي عن التشبه بأهل البدع فيما هو شعار لهم، وإنما تنازعوا (2) في أن التسطيح: هل يحصل به ذلك أم لا؟
فإن كان هذا في التشبه بأهل البدع، فكيف بالكفار؟
وأما كلام أحمد وأصحابه في ذلك فكثير جدا، أكثر من أن يحصر، قد قدمنا منه طائفة من كلامه عند ذكر النصوص، عند قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«من تشبه بقوم فهو منهم» (3) وقوله: «أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى؛ لا تشبهوا بالمشركين» (4) وقوله: «إنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» (5) .
مثل قول أحمد: " ما أحب لأحد إلا أن (6) يغير الشيب ولا يتشبه بأهل الكتاب "(7) وقال لبعض أصحابه: " أحب لك أن تخضب ولا تشبه باليهود "(8) وكره حلق القفا. وقال: " هو من فعل المجوس (9) ومن تشبه بقوم فهو منهم ". وقال: " أكره النعل الصرار، وهو من زي العجم "(10) .
(1) في المطبوعة: على أن.
(2)
في (ب ط) : تنازعا.
(3)
انظر: (ص 269) .
(4)
انظر: (ص 203) .
(5)
انظر: (ص 360) .
(6)
في المطبوعة: ما أحب لأحد أن يغير الشيب. وهو قلب للمعنى المراد.
(7)
انظر: مسائل الإمام أحمد للنيسابوري (2 / 148) .
(8)
مسائل الإمام أحمد للنيسابوري (2 / 148) .
(9)
في المطبوعة زاد هنا: وقال.
(10)
انظر: مسائل الإمام أحمد لأبي داود (ص 261) .
وكره تسمية الشهور بالعجمية (1) والأشخاص بالأسماء الفارسية، مثل: آذرماه. وقال للذي دعاه: زي المجوس، زي المجوس؟ ونفض يده في وجهه (2) وهذا كثير في نصوصه (3) لا يحصر.
وقال حرب الكرماني: " قلت لأحمد: الرجل يشد وسطه بحبل ويصلي؟ قال: على القباء لا بأس به. وكرهه على القميص، وذهب إلى أنه من زي (4) اليهود، فذكرت له السفر، وأنا نشد ذلك على أوساطنا، فرخص فيه قليلا، وأما المنطقة والعمامة ونحو ذلك، فلم يكرهه، إنما كره الخيط، وقال: هو أشنع "(5) .
قلت: وكذلك كره أصحابه أن يشد وسطه على الوجه الذي يشبه فعل أهل الكتاب. فأما ما سوى ذلك: فإنه لا يكره في الصلاة على الصحيح المنصوص، بل يؤمر من صلى في قميص واسع الجيب أن يحتزم، كما جاء في الحديث (6) ؛ لئلا يرى عورة نفسه.
وقال الفقهاء من أصحاب الإمام (7) أحمد وغيره، منهم: القاضي أبو يعلى، وابن عقيل، والشيخ أبو محمد عبد القادر
(1) بالعجمية: ساقطة من (أط) .
(2)
انظر: (ص 362) .
(3)
أي نصوص الإمام أحمد.
(4)
زي: سقطت من المطبوعة.
(5)
انظر: المغني والشرح الكبير (1 / 624) في المغني. وانظر: مسائل الإمام أحمد للنيسابوري (1 / 59) .
(6)
جاء ذلك في حديث أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يصلي الرجل حتى يحتزم". المسند (2 / 472) ، كما أخرجه بلفظ آخر أيضا عن أبي هريرة (2 / 387، 458) .
(7)
الإمام: سقطت من (ب ج د) .
الجيلي (1) وغيرهم؛ في أصناف اللباس وأقسامه: ومن اللباس المكروه: ما خالف زي العرب، وأشبه زي الأعاجم وعادتهم. ولفظ عبد القادر:" ويكره كل ما خالف زي العرب، وشابه زي الأعاجم "(2) .
وقال أيضا أصحاب أحمد وغيرهم منهم أبو الحسن الآمدي، المعروف بابن البغدادي - وأظنه نقله أيضا عن أبي عبد الله بن حامد -:" ولا يكره غسل اليدين في الإناء الذي أكل فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وقد نص أحمد على ذلك، وقال: لم يزل العلماء يفعلون ذلك ونحن نفعله، وإنما تنكره العامة "، وغسل اليدين بعد الطعام مسنون، رواية واحدة (3) .
وإذا قدم ما يغسل فيه اليد، فلا يرفع حتى يغسل الجماعة أيديها (4) ؛ لأن الرفع من زي الأعاجم، وكذلك قال (5) الشيخ أبو محمد عبد القادر الجيلي: " ويستحب أن يجعل ماء اليد (6) في طست (7)
(1) هو: عبد القادر بن أبي صالح بن عبد الله الجيلي ثم البغدادي، عالم فقيه صالح زاهد، ولد سنة (490 هـ) ، وتوفي سنة (561 هـ) ، وكان من الفقهاء الوعاظ وله كرامات، إلا أن المتصوفة زادوا فيها وبالغوا، ونسبوا إليه بعض الحكايات الباطلة والتي لا يقرها الشرع وتنافي الاعتقاد السليم، وتخل بالتوحيد، وكل ذلك كذب عليه ومحض افتراء كعادة المتصوفة عندما يقدسون أحدا. انظر: الذيل على طبقات الحنابلة (1 / 290- 301) .
(2)
الغنية لطالبي طريق الحق، لعبد القادر الجيلاني (ص 28) .
(3)
انظر: المغني والشرح الكبير (8 / 120) في المغني.
(4)
في المطبوعة: أيديهم. والمعنى أنه يترك الإناء حتى يغسل الجميع أيديهم فيه.
(5)
في (ب) : ولذلك.
(6)
في (أط) : الأيدي.
(7)
كذا في (ب ج د) والمطبوعة: طست. بالسين المهملة. وفي (أط) : طشت. وطست وطشت: كلاهما جائز لغة. وهو معرب. انظر: القاموس المحيط، فصل الطاء، باب التاء (1 / 158) . والطست: إناء كبير مستدير من نحاس ونحوه يغسل فيه. انظر: المعجم الوسيط (2 / 563) .
واحد (1) لما روي في الخبر: " لا تبددوا يبدد الله شملكم "(2) .
وروي أنه صلى الله عليه وسلم: «نهى أن يرفع الطست (3) حتى يطف» يعني يمتلئ.
وقالوا أيضا - ومنهم أبو محمد (4) عبد القادر - في تعليل كراهة حلق الرأس، على إحدى الروايتين: لأن في ذلك تشبها بالأعاجم (5) وقال صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» (6) .
بل قد ذكر طوائف من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما: كراهة أشياء؛ لما فيها من التشبه بأهل البدع، مثل ما قال غير واحد من الطائفتين - ومنهم عبد القادر -:" ويستحب أن يتختم في يساره؛ للآثار، ولأن خلاف ذلك عادة وشعار للمبتدعة "(7) .
وحتى إن طوائف من أصحاب الشافعي، استحبوا تسنيم القبور، وإن كانت السنة عندهم تسطيحها؛ قالوا: لأن ذلك صار شعارا للمبتدعة.
وليس الغرض هنا (8) تقرير أعيان هذه المسائل، ولا الكلام على ما قيل فيها بنفي ولا إثبات، وإنما الغرض بيان ما اتفق عليه العلماء من كراهة التشبه بغير أهل الإسلام.
(1) في المطبوعة: واحدة.
(2)
لم أجده.
(3)
كذا في (ب ج د) والمطبوعة: الطست، وفي (أط) : الطشت.
(4)
أبو محمد: سقطت من (ب ج د) .
(5)
الغنية، لعبد القادر الجيلاني (1 / 15 - 16) .
(6)
الحديث مر (ص 269، 272) .
(7)
الغنية (1 / 24) .
(8)
من هنا حتى قوله: ما اتفق عليه العلماء (سطر ونصف تقريبا) ساقطة من (أ) .
وقد يتردد العلماء في بعض فروع هذه القاعدة؛ لتعارض الأدلة فيها، أو لعدم اعتقاد بعضهم اندراجه في هذه القاعدة، مثل ما نقله الأثرم (1) قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن لبس الحرير في الحرب؟ فقال: " أرجو أن لا يكون به بأس "(2) .
قال: وسمعت أبا عبد الله يسأل عن المنطقة والحلية فيها؟ فقال: " أما المنطقة فقد كرهها قوم، يقولون: من (3) زي العجم (4) وكانوا يحتجزون العمائم ". وهذا إنما علق القول فيه؛ لأن في المنطقة منفعة عارضت ما فيها من التشبه، ونقل عن بعض السلف أنه كان يتمنطق (5) فلهذا حكى الكلام عن غيره وأمسك. ومثل هذا: هل يجعل قولا له إذا سئل عن مسألة فحكى فيها جواب غيره ولم يردفه بموافقة ولا مخالفة؟ فيه لأصحابه وجهان:
أحدهما: نعم؛ لأنه لولا موافقته له (6) لما لكان قد أجاب السائل (7) لأنه إنما سأله عن قوله، ولم يسأله أن يحكي له مذاهب (8) الناس.
(1) هو: أحمد بن محمد بن هانئ الطائي - ويقال: الكلبي- الأثرم، الإسكافي، من أصحاب الإمام أحمد الذين رووا عنه، ونقل مسائل كثيرة، وصنفها ورتبها أبوابا، وكان عالما حافظا جليل القدر، ثقة. توفي سنة (273 هـ) .
انظر: طبقات الحنابلة (1 / 66 - 74) ، ترجمة رقم (57) ؛ وتقريب التهذيب (1 / 25) ، (ت 117) .
(2)
انظر: المغني والشرح الكبير (1 / 627) في المغني.
(3)
في المطبوعة: هي زي الأعاجم.
(4)
في (ج د) والمطبوعة: الأعاجم.
(5)
في (أط) : يتنطق.
(6)
في المطبوعة: لكان.
(7)
في المطبوعة زاد: بغيره. بعد: السائل.
(8)
في المطبوعة: مذهب.
والثاني: لا يجعل بمجرد ذلك قولا له؛ لأنه إنما حكاه فقط، ومجرد الحكاية لا يدل على الموافقة.
وفي لبس المنطقة أثر (1) وكلام ليس هذا موضعه.
ولمثل هذا تردد كلامه في القوس الفارسية، فقال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن القوس الفارسية؟ فقال: " إنما كانت قسي الناس العربية ". ثم قال: " إن بعض الناس احتج بحديث عمر رضي الله عنه: (جعاب وأدم) (2) ". قلت: حديث أبي عمرو بن حماس (3) ؟ قال: " نعم "(4) . قال: أبو عبد الله يقول: " فلا تكون جعبة إلا للفارسية (5) والنبل فإنما هو قرن ".
قال الأثرم، قلت لأبي عبد الله: في تفسير مجاهد: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ} [فصلت: 5](6) قال: " كالجعبة للنبل "(7) قال: " فإن كان يسمي جعبة للنبل، فليس ما احتج به الذي قال هذا بشيء "، ثم قال:" ينبغي أن يسأل عن هذا أهل العربية ".
(1) ذكر ابن القيم في زاد المعاد أن شيخ الإسلام ابن تيمية قال: لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شد على وسطه منطقة. زاد المعاد (1 / 131) .
(2)
الجعاب جمع جعبة وهي كنانة النشاب (التي توضع فيها السهام) .
انظر: القاموس المحيط، باب الباء، فصل الجيم (1 / 48) .
(3)
في (ج د) : ابن حماش. والصحيح بالسين المهملة.
هو: أبو عمرو بن حماس بن عمرو الليثي، من الطبقة السادسة، من العباد المجتهدين، ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب عن أبي حاتم أنه مجهول. وقال ابن حجر في التقريب:"مقبول". توفي سنة (139 هـ) . انظر: تهذيب التهذيب (12 / 178) ، مادة (الكنى) ؛ وتقريب التهذيب (2 / 454) ، (ت 171) ، مادة (الكنى) .
(4)
مسند عمر.
(5)
في (ب ج د) : إلا الفارسية.
(6)
سورة فصلت: من الآية 5.
(7)
انظر: تفسير مجاهد، تحقيق السورتي، (ص 569) ، ط الأولى، تفسير سورة فصلت: من الآية 5.
قال أبو بكر: قيل لأبي عبد الله: الدراعة يكون (1) لها فرج؟ فقال: " كان لخالد (2) بن معدان دراعة لها فرج من بين يديها قدر ذراع " قيل لأبي عبد الله: فيكون لها فرج من خلفها؟ قال: " ما أدري، أما من بين يديها فقد سمعت، وأما من خلفها فلم أسمع " قال: إلا أن في ذلك سعة له عند الركوب (3) ومنفعة ". قال: " وقد احتج بعض الناس في هذا بقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60](4) قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: واحتج بهذه الآية بعض الناس في القوس الفارسية، ثم قلت: إن أهل خراسان يزعمون أنه لا منفعة لهم في القوس العربية، وإنما النكاية عندهم للفارسية (5) قال:" كيف؟ ! وإنما فتحت الدنيا بالعربية ". قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: ورأيتهم بالثغر لا يكادون يعدلون بالفارسية، قال:" إنما رأيت الرجل بالشام متنكبا قوسا عربية "(6) .
وروى الأثرم، عن حفص بن عمر (7) حدثنا رجاء بن مرجى (8)
(1) في (ج د) : تكون. والدرعية: الثوب من الصوف، والجبة المشقوقة المقدم. انظر: المعجم الوسيط (1 / 280) . طبعة المكتبة العلمية بطهران.
(2)
في (أ) : كان خالد.
(3)
في (ج د) : الركوع.
(4)
سورة الأنفال: من الآية 60.
(5)
في (أ) : الفارسية.
(6)
قال ابن قدامة في المغني: "وظاهر كلام أحمد إباحة الرمي بالقوس الفارسية، ونص على جواز المسابقة بها". انظر: المغني والشرح الكبير (11 / 157) في المغني.
(7)
لا أدري من هو حفص بن عمر هذا، فالذين يعرفون بهذا الاسم كثيرون، ولكني لم أجد من أشار إلى حفص الذي روى عن رجاء وروى عنه الأثرم.
(8)
هو: رجاء بن مرجى بن رافع الغفاري، أبو محمد بن أبي رجاء المروزي، حافظ ثقة متقن، إمام في علم الحديث، توفي سنة (249 هـ) .
انظر: تهذيب التهذيب (3 / 269، 270) ، (ت 508) ر.
في (ب أط) : رجاء بن رجا. وفي (ج د) : رجاء بن مرجا.
حدثني عبد الله بن بشر (1) عن أبي راشد الحبراني (2) وأبي الحجاج السكسكي (3) عن علي قال: «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوكأ على قوس له عربية، إذ رأى رجلا معه قوس فارسية، فقال: " ألقها، فإنها (4) ملعونة، ولكن عليكم بالقسي (5) العربية، وبرماح القنا، فبها يؤيد الله الدين، وبها يمكن لكم في الأرض» (6) .
ولأصحابنا في القوس الفارسية ونحوها كلام طويل، ليس هذا موضعه، وإنما نبهت بذلك على أن ما لم يكن من هدي المسلمين، بل هو (7) من هدي العجم أو نحوهم، وإن ظهرت فائدته، ووضحت منفعته، تراهم يترددون فيه، ويختلفون؛ لتعارض الدليلين: دليل ملازمة الهدي الأول، ودليل
(1) كذا في جميع النسخ: بن بشر، بالشين المعجمة، ومثله في سنن ابن ماجه (2 / 939) . لكن أكثر كتب التراجم التي اطلعت عليها تسميه: ابن بسر، بالسين المهملة. وهو عبد الله بن بسر السكسكي الحبراني الحمصي، أبو سعيد، سكن البصرة، من الطبقة الخامسة، ضعيف، ضعفه يحيى بن سعيد القطان والنسائي وأبو حاتم والدارقطني.
انظر: الجرح والتعديل (5 / 12) ، (ت 57) ؛ وتهذيب التهذيب (5 / 159 - 160) ، (ت 272) .
(2)
هو: أبو راشد الحبراني الحميري الحمصي، اسمه: أخضر - وقيل: النعمان - من كبار التابعين، قال فيه العجلي:"شامي تابعي ثقة لم يكن في زمانه بدمشق أفضل منه". وذكر ذلك ابن حجر في التهذيب.
انظر: تهذيب التهذيب (12 / 91- 92) ، (ت 402) ، مادة (الكنى) .
(3)
لم أجد له ترجمة.
(4)
في المطبوعة: فهي.
(5)
في (ب ط) : بقسي. وفي أن: بنفسي.
(6)
أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الجهاد، باب السلام، الحديث رقم (2810) ، (2 / 939) ، وإسناده عند ابن ماجه فيه عبد الله بن بسر، ضعيف، وأشعث بن سعيد، متروك. انظر: تهذيب التهذيب (5 / 129- 160) .
(7)
هو: ساقطة من (ج د) .
استعمال هذا الذي فيه منفعة بلا مضرة، مع أنه ليس من العبادات (1) وتوابعها، وإنما هو من الأمور الدنيوية، وأنت ترى عامة كلام أحمد إنما يثبت الرخصة بالأثر عن عمر، أو بفعل خالد بن معدان (2) ليثبت بذلك أن ذلك كان يفعل على عهد السلف، ويقرون عليه، فيكون من هدي المسلمين، لا من هدي الأعاجم وأهل الكتاب، فهذا هو وجه الحجة، لا أن مجرد فعل خالد بن معدان حجة.
وأما ما في هذا الباب عن سائر أئمة المسلمين، من الصحابة والتابعين وسائر الفقهاء، فأكثر من أن يمكن ذكر عشره، وقد قدمنا في أثناء الأحاديث كلام بعضهم الذي يدل على كلام الباقين، وبدون ما ذكرناه يعلم إجماع الأمة على كراهة التشبه بأهل الكتاب والأعاجم في الجملة، وإن كانوا قد يختلفون في بعض الفروع، إما لاعتقاد بعضهم أنه ليس من هدي الكفار، أو لاعتقاد أن فيه دليلا راجحا، أو لغير ذلك، كما أنهم مجمعون على اتباع الكتاب والسنة، وإن كان قد يخالف بعضهم شيئا من ذلك لنوع تأويل. والله سبحانه أعلم.
(1) في (ج د) : أو. والمطبوعة: ولا.
(2)
هو: خالد بن معدان الكلاعي الحمصي، أبو عبد الله، من الثقات العباد المشهود لهم بالفضل، من الطبقة الثالثة، روى له جميع أصحاب الكتب الستة وغيرهم، قال ابن حجر:"ثقة عابد يرسل كثيرا". مات سنة (103 هـ) .
انظر: تقريب التهذيب (1 / 218) ، (ت 80) خ.