المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فبين: أن عامة المختلفين هالكون من الجانبين، إلا فرقة واحدة، - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[تقديم بقلم معالي الدكتور الوزير عبد الله بن عبد المحسن التركي]

- ‌[مقدمة]

- ‌[القسم الأول: الدراسة]

- ‌[ترجمة موجزة للمؤلف]

- ‌[وصف النسخ المخطوطة للكتاب]

- ‌[الكتاب المحقق اسمه وتاريخ تأليفه]

- ‌[منهج تحقيق الكتاب والتعليق عليه]

- ‌[دراسة تحليلية لبعض موضوعات الكتاب]

- ‌[أولا الموضوع الرئيس للكتاب]

- ‌[ثانيا دراسة لبعض موضوعات الكتاب]

- ‌[الموضوع الأول تنبيه المؤلف على أصلين مهمين]

- ‌[الموضوع الثاني بعض أنواع البدع والشركيات التي ابتُليت بها الأمة]

- ‌[الموضوع الثالث أثر التشبُّه على الأمة]

- ‌[الموضوع الرابع قواعد أساسية في التشبه]

- ‌[الموضوع الخامس فئات من الناس نهينا عن التشبه بها]

- ‌[الموضوع السادس النهي يعم كل ما هو من سمات الكفار قديمًا وحديثًا]

- ‌[الموضوع السابع متى يباح التشبه بغير المسلمين]

- ‌[الموضوع الثامن في الأعياد والاحتفالات البدعية]

- ‌[الموضوع التاسع في الرطانة]

- ‌[الموضوع العاشر حول مفهوم البدعة]

- ‌[الموضوع الحادي عشر حول بدع القبور والمزارات والمشاهد والآثار ونحوها]

- ‌[القسم الثاني: الكتاب محققا مع التعليق عليه]

- ‌[خطبة الحاجة من كتاب المحقق]

- ‌[سبب تأليف الكتاب]

- ‌[فصل في حال الناس قبل الإسلام]

- ‌[بعض أمور أهل الكتاب والأعاجم التي ابتلي بها بعض المسلمين]

- ‌[الأمر بمخالفة المغضوب عليهم والضالين في الهدي الظاهر]

- ‌[فصل في ذكر الأدلة على الأمر بمخالفة الكفار عموما وفي أعيادهم خصوصا]

- ‌[بيان المصلحة في مخالفة الكفار والتضرر والمفسدة من متابعتهم]

- ‌[الاستدلال من القرآن على النهي عن اتباع الكافرين]

- ‌[الاستدلال من السنة على النهي عن اتباع الكافرين]

- ‌[الاختلاف الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[أنواع الاختلاف]

- ‌[عود إلى الاستدلال من القرآن على النهي عن مشابهة الكفار]

- ‌[النهي عن موالاة الكفار ومودتهم]

- ‌[وجوه الأمر بمخالفة الكفار]

- ‌[ذم بعض خصال الجاهلية]

- ‌[الفساد وأنواعه]

- ‌[التشبه مفهومه ومقتضاه]

- ‌[التشديد على النفس أنواعه وآثاره]

- ‌[فصل في ذكر فوائد خطبته صلى الله عليه وعلى آله وسلم العظيمة في يوم عرفة]

- ‌[فصل في الإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم]

- ‌[الوجه الأول من دلائل الإجماع]

- ‌[الوجه الثاني من دلائل الإجماع]

- ‌[الوجه الثالث في تقرير الإجماع]

- ‌[فصل في الأمر بمخالفة الشياطين]

- ‌[فصل في الفرق بين التشبه بالكفار والشياطين وبين التشبه بالأعراب والأعاجم]

- ‌[الناس ينقسمون إلى بر وفاجر ومؤمن وكافر ولا عبرة بالنسب]

- ‌[التفاضل بين جنس العرب وجنس العجم]

- ‌[النهي عن بغض العرب]

- ‌[أسباب تفضيل العرب]

- ‌[فصل في أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه]

- ‌[فصل في أقسام أعمال الكفار]

- ‌[فصل في الأعياد]

- ‌[طرق عدم جواز موافقتهم في أعيادهم]

- ‌[الطريق الأول أنه موافقة لأهل الكتاب فيما ليس في ديننا]

- ‌[الطريق الثاني الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار]

- ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالكتاب]

- ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالسنة]

- ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالإجماع والآثار]

- ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالاعتبار]

- ‌[فصل في مشابهتهم فيما ليس من شرعنا]

الفصل: فبين: أن عامة المختلفين هالكون من الجانبين، إلا فرقة واحدة،

فبين: أن عامة المختلفين هالكون من الجانبين، إلا فرقة واحدة، وهم أهل السنة والجماعة.

وهذا الاختلاف المذموم من الطرفين يكون سببه تارة: فساد النية؛ لما في النفوس من البغي والحسد وإرادة العلو في الأرض (1) ونحو ذلك، فيجب (2) لذلك ذم قول غيرها، أو فعله، أو غلبته ليتميز (3) عليه، أو يحب قول من يوافقه في نسب أو مذهب (4) أو بلد أو صداقة، ونحو ذلك، لما في قيام قوله من حصول الشرف والرئاسة (5) وما أكثر هذا من بني آدم، وهذا ظلم.

ويكون سببه - تارة - (6) جهل المختلفين بحقيقة الأمر الذي يتنازعان فيه، أو الجهل بالدليل الذي يرشد به أحدهما الآخر، أو جهل (7) أحدهما بما مع الآخر من الحق: في الحكم، أو في الدليل، وإن كان عالما بما مع نفسه من الحق حكما ودليلا.

والجهل والظلم: هما أصل كل شر، كما قال سبحانه:{وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72](8) .

[أنواع الاختلاف]

أما أنواعه: فهو (9) في الأصل قسمان:

(1) في المطبوعة زيادة: بالفساد.

(2)

في المطبوعة: فيجب لذلك ذم قول غيره. . إلخ.

(3)

في المطبوعة: ليتميز.

(4)

أو مذهب: ساقطة من (أط) .

(5)

في المطبوعة: في حصول الشرف والرئاسة له.

(6)

في المطبوعة: تارة أخرى.

(7)

في (ج د) : وجهل.

(8)

سورة الأحزاب: الآية 72.

(9)

في المطبوعة: أما أنواع الاختلاف فهي في الأصل قسمان.

ص: 148

اختلاف تنوع (1) واختلاف تضاد.

واختلاف التنوع على وجوه: منه: ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقا مشروعا، كما في القراءات التي اختلف فيها الصحابة، حتى زجرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) وقال:«كلاكما محسن» (3) .

ومثله اختلاف الأنواع في صفة الأذان، والإقامة، والاستفتاح، والتشهدات، وصلاة الخوف، وتكبيرات العيد، وتكبيرات الجنازة (4) إلى غير ذلك مما قد (5) شرع (6) جميعه، وإن كان قد يقال إن بعض أنواعه أفضل.

ثم نجد لكثير من الأمة في ذلك من الاختلاف؛ ما أوجب اقتتال طوائف منهم (7) على شفع الإقامة وإيثارها، ونحو ذلك، وهذا عين المحرم ومن لم يبلغ هذا المبلغ؛ فتجد كثيرا منهم في قلبه من (8) الهوى لأحد (9) هذه الأنواع والإعراض عن الآخر (10) أو النهي عنه، ما دخل (11) به فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

(1) في (أط) بنوع. وفي (ج د) : نوع.

(2)

في المطبوعة: حتى زجرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاختلاف.

(3)

سبقت الإشارة إلى الحديث، وهو في البخاري رقم (2410) من فتح الباري.

(4)

(أب ط) : الجنائز.

(5)

قد: سقطت من (ج د) .

(6)

في (أ) : شرح.

(7)

في المطبوعة زاد: كاختلافهم.

(8)

من: سقطت من (أ) .

(9)

في (ط) لأجل.

(10)

في (د ج ط) : الأخرى.

(11)

في (ط) : فأدخل.

ص: 149

ومنه: ما يكون كل من القولين هو في (1) معنى قول الآخر؛ لكن العبارتان مختلفتان، كما قد يختلف كثير من الناس في ألفاظ الحدود (2) وصيغ (3) الأدلة، والتعبير عن المسميات، وتقسيم الأحكام، وغير ذلك ثم الجهل أو الظلم (4) يحمل على حمد (5) إحدى المقالتين وذم الأخرى.

ومنه ما يكون المعنيان غيرين (6) لكن لا يتنافيان؛ فهذا قول صحيح، وهذا (7) قول صحيح (8) وإن لم يكن معنى أحدهما هو معنى الآخر، وهذا كثير في المنازعات جدا (9) .

ومنه ما يكون طريقتان مشروعتان، ورجل (10) أو قوم قد سلكوا هذه الطريق، وآخرون قد سلكوا الأخرى، وكلاهما حسن في الدين.

(1) في (ب) : في المعنى. وفي المطبوعة زاد: في الواقع.

(2)

في المطبوعة زاد: والتعريفات.

(3)

في (أب ط) : وصوغ.

(4)

في المطبوعة زاد: هو الذي.

(5)

في (ب ط) : حمل. وهو بعيد.

(6)

غيرين. أي: متغايرين.

(7)

في المطبوعة: وذاك.

(8)

قوله: وهذا قول صحيح: سقط من (ب ج د ط) .

(9)

وذلك مثل اختلاف الصحابة في تأويل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة "، فإن بعض الصحابة فهم منها أنه لا بد أن تكون صلاة العصر في بني قريظة ولو خرج منها أنها لا بد أن تكون صلاة العصر في بني قريظة ولو خرج وقتها، فلم يصلها إلا وقت العشاء، وآخرون فهموا من الأمر وجوب التوجه إلى بني قريظة، وصلوها في وقتها قبل وصولهم بني قريظة؛ لأنهم لم يستطيعوا الوصول قبل فوات الوقت، وكلا الفريقين أصاب في اجتهاده وعمله وسيأتي كلام المؤلف عن هذا.

(10)

في المطبوعة: ولكن قد سلك رجل أو قوم هذه الطريقة. . إلخ.

ص: 150

ثم الجهل أو الظلم: يحمل على ذم (1) إحدهما (2) أو تفضيلها بلا قصد صالح، أو بلا علم، أو بلا نية وبلا علم (3) .

وأما اختلاف التضاد فهو: القولان المتنافيان: إما في الأصول وإما في الفروع، عند الجمهور الذين يقولون:" المصيب واحد "، وإلا فمن قال:" كل مجتهد مصيب " فعنده: هو (4) من باب اختلاف التنوع، لا اختلاف التضاد فهذا الخطب فيه أشد؛ لأن القولين يتنافيان؛ لكن نجد كثيرا من هؤلاء قد يكون القول الباطل الذي مع منازعه فيه (5) حق ما، أو معه دليل يقتضي حقا ما، فيرد الحق في الأصل هذا (6) كله، حتى يبقى هذا مبطلا في البعض (7) كما كان الأول مبطلا في الأصل (8) كما رأيته لكثير من أهل السنة في مسائل القدر والصفات والصحابة، وغيرهم.

وأما أهل البدعة: فالأمر فيهم ظاهر (9) وكما (10) رأيته لكثير من

(1) في (أ) : عدم.

(2)

في المطبوعة: أحدهما، أو تفضيله.

(3)

في المطبوعة: وبلا علم. ساقطة.

(4)

هو: ساقطة من (ط) .

(5)

فيه: ساقطة من (أ) .

(6)

في المطبوعة: في هذا الأصل كله. تقديم وتأخير، وهو تفسير للعبارة تصير به أوضح، لكن النسخ المخطوطة كلها على ما أثبته.

(7)

أي في بعض أقواله وحججه ومنازعاته، وإن كان في الأصل الحق معه، كبعض أهل السنة.

(8)

أي أن أصل قوله وحججه ومنازعاته قائمة على الخطأ لكن قد يكون معه شيء من الحق ينبغي الاعتراف له به مع أصل الخاطئ كأهل البدع.

(9)

أي أن أهل البدع ظاهر بطلان قولهم ونزاعهم؛ لقيام الحجة عليهم بالكتاب والسنة، وليس معهم من الحق ما يلزم الخصم بالاعتراف لهم بالحق.

(10)

في (ب) : ولذلك. وفي المطبوعة: وكذلك رأيت منه كثيرا.

ص: 151

الفقهاء، أو لأكثر المتأخرين في مسائل الفقه، وكذلك (1) رأيت الاختلاف كثيرا بين بعض المتفقهة، وبعض المتصوفة، وبين فرق (2) المتصوفة، ونظائره كثيرة.

ومن جعل الله له هداية ونورا رأى من هذا ما يتبين له (3) به منفعة ما جاء في الكتاب والسنة: من النهي عن هذا وأشباهه، وإن كانت القلوب الصحيحه تنكر هذا (4) ابتداء، لكن نور على نور (5) .

وهذا القسم - الذي سميناه: اختلاف التنوع - كل واحد من المختلفين مصيب فيه بلا تردد، لكن الذم واقع على من بغى على الآخر فيه، وقد دل القرآن على حمد كل واحد من الطائفتين في مثل ذلك (6) إذا لم يحصل (7) بغي كما في قوله:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: 5](8) .

وقد كانوا (9) اختلفوا في قطع الأشجار فقطع قوم وترك آخرون.

وكما في قوله:

(1) في (ب) : وكذلك رأيته لا اختلاف. وهو خلط من الناسخ.

(2)

قوله: وبين فرق المتصوفة. ساقطة في (د) .

(3)

له: سقطت من (أب ط) .

(4)

أي رد الحق الذي مع الخصم عند الاختلاف والخصومة، أو أنها تنكر الاختلاف ابتداء.

(5)

في المطبوعة زاد: ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. وهي زيادة ليست في المخطوطات.

(6)

في المطبوعة: هذا.

(7)

في المطبوعة زاد: من إحداهما.

(8)

سورة الحشر: من الآية 5.

(9)

في المطبوعة: زيادة وتغيير في العبارة حيث قال: وقد كان الصحابة في حصار بني النضير اختلفوا في قطع الأشجار والنخيل.

ص: 152

{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ - فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 78 - 79](1) فخص سليمان بالفهم وأثنى عليهما بالعلم والحكم.

وكما في إقرار النبي صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة (2) - (3) لمن صلى العصر في وقتها، ولمن أخرها إلى أن وصل إلى بني قريظة (4) .

(1) سورة الأنبياء: الآيتان 78، 79.

(2)

بنو قريظة هم: حي من اليهود نزل قبل الإسلام حول المدينة، وهم حلفاء الأوس ولهم مزارع وقصور وحصون قرب المدينة.

كانوا قد وادعهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أن لا يحاربوا ولا يمالئوا عليه عدوه، لكنهم نقضوا عهدهم يوم الأحزاب مع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وظاهروا الأحزاب من مشركي قريش وغطفان، فلما أفشل الله الأحزاب وأذهب ريحهم جاء جبريل عليه السلام بالأمر من الله بأن يتوجه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه إلى بني قريظة قبل أن يضعوا أسلحتهم، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " فحاصرهم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فحكم بأن:" تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم "، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" قضيت بحكم الله ".

انظر القصة بطولها في: السيرة النبوية لابن كثير (3 / 223- 243) . وانظر: صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم. في فتح الباري (7 / 407- 416) .

(3)

في المطبوعة زاد: وقد كان أمر المنادي ينادي: " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " وهذه الزيادة لا توجد في النسخ الأخرى.

(4)

وذلك إشارة للحديث المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو قوله: " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة "، فبعض الصحابة صلى في الطريق الصلاة في وقتها، وآخرون أخروها حتى وصلوا إلى بني قريظة بعد فوات وقت العصر، فأقرهم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم جميعا. وفي مسلم (الظهر) بدل العصر.

انظر: البخاري، كتاب الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء، في فتح الباري حديث رقم (946) ، (2 / 436) ، وطرف الحديث رقم (4119) ، وصحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو حديث رقم (1770) ، (3 / 1391) .

ص: 153

وكما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ (1) فله أجر» (2) . . ونظائره كثيرة.

وإذا جعلت هذا (3) قسما آخر صار الاختلاف ثلاثة أقسام (4) .

وأما القسم الثاني من الاختلاف المذكور في كتاب الله: فهو ما حمد فيه إحدى الطائفتين، وهم المؤمنون، وذم فيه الأخرى (5) كما في قوله تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253](6) إلى قوله:

(1) في المطبوعة: قال: ولم يصب. بدل: فأخطأ.

(2)

جاء هذا الحديث متفقا عليه بلفظ: " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ".

انظر: صحيح البخاري، كتاب الاعتصام، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، الحديث رقم (7352) في فتح الباري (13 / 318) .

وصحيح مسلم، كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، الحديث رقم (1716) ، (3 / 1342) .

(3)

الإشارة إلى الاختلاف التنوع الذي يكون كل واحد من المختلفين فيه مصيبا.

(4)

وهذه الأقسام الثلاثة كما بينها المؤلف تكون هي: (أ) ما يذم فيه كلا الطائفتين المتنازعتين، وهو من اختلاف التنوع، وهو القسم الأول.

(ب) ما يذم فيه إحدى الطائفتين المتنازعتين، وتحمد الأخرى، وهو من اختلاف التضاد، وهو القسم الثاني.

(ج) ما يحمد فيه كلا الطائفتين المتنازعتين، ويكون هو القسم الثالث.

(5)

وذم فيه الأخرى: ساقطة من (ب) .

(6)

في المطبوعة: سرد الآية.

ص: 154

{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} [البقرة: 253](1) .

فقوله: {وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ} [البقرة: 253] حمد لإحدى الطائفتين - وهم المؤمنون - وذم للآخرى، وكذلك قوله:{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج: 19] إلى قوله (2){إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الحج: 23](3) مع ما ثبت في الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه: " أنها نزلت في المقتتلين (4) يوم بدر: علي (5) وحمزة (6)

(1) سورة البقرة: الآية 253.

(2)

في المطبوعة: سرد الآيات.

(3)

سورة الحج: من الآيات 19 - 23.

(4)

في (ب) : المقاتلين. أو المقتلين.

(5)

هو الصحابي الجليل: علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي، أبو الحسن، رابع الخلفاء الراشدين، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول من أسلم بعد خديجة، وقيل: بعدها وبعد أبي بكر وهو صبي، زوجه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ابنته فاطمة، واستخلفه في فراشه يوم الهجرة على ودائع الناس، وحضر سائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبلى في الحرب والجهاد والمبارزة، وفتح الله على يديه خيبر، بويع بالخلافة بعد عثمان حتى قتله عبد الرحمن بن ملجم سنة (40 هـ) ، وكان أقضى الصحابة ومن أعلمهم رضي الله عنه.

انظر: البداية والنهاية (7 / 324- 362) ، وطبقات ابن سعد (3 / 19- 40) .

(6)

هو الصحابي الجليل: عم رسول الله، وأخوه من الرضاعة: حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، أسلم في السنة الثانية من البعثة فقوي جانب المسلمين لأن حمزة من أعز قريش وأقواها شكيمة، وهاجر وشهد بدرا وأحدا وفيها قتل رضي الله عنه سنة (3 هـ) ، وكان يسمى أسد الله وأسد رسوله.

انظر: (2 / 46- 50) ؛ وطبقات ابن سعد (3 / 8) .

ص: 155

وعبيدة (1) والذين بارزوهم من قريش وهم: عتبة وشيبة والوليد (2) .

وأكثر الاختلاف الذي يؤول إلى الأهواء بين الأمة من القسم الأول (3) وكذلك آل إلى سفك الدماء، واستباحة الأموال، والعداوة والبغضاء؛ لأن (4) إحدى الطائفتين لا تعترف للأخرى بما معها من الحق ولا تنصفها بل تزيد على ما مع نفسها (5) من الحق زيادات من الباطل والأخرى كذلك.

وكذلك (6) جعل الله مصدره (7) البغي في قوله: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [البقرة: 213] ؛ (8) لأن البغي: مجاوزة الحد.

وذكر هذا في غير موضع من القرآن ليكون عبرة لهذه الأمة.

(1) هو الصحابي الجليل: عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم القرشي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أسلم مبكرا في مكة، ثم هاجر إلى المدينة، وكان له منزلة عالية عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعقد له أول لواء للمهاجرين، وشهد بدرا وبارز فيها عتبة من المشركين، فاختلفا ضربتين فتوفي على إثرها رضي الله عنه.

انظر أسد الغابة (2 / 356، 357) .

(2)

عتبة وشيبة هما ابنا ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشيان، كان من عتاة المشركين وأشدهم على رسول الله وعلى المؤمنين حربا وإيذاء، فكانا ممن دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأعيانهم.

أما الوليد فهو ابن عتبة بن ربيعة المذكور، وكان أيضا من عتاة قريش في مكة. انظر: البداية والنهاية (3 / 273) .

(3)

وهو ما يذم فيه كلا الطائفتين المتنازعتين.

(4)

في (ج) : لا أن، وهو خطأ.

(5)

في (ب ج) : أنفسها.

(6)

في (ب) : ولهذا.

(7)

في المطبوعة: مصدر الاختلاف البغي.

(8)

سورة البقرة: من الآية 213.

ص: 156

وقريب من هذا الباب: ما خرجاه في الصحيحين عن أبي الزناد (1) عن الأعرج (2) عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ذروني (3) ما تركتكم فإنما هلك (4) من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر (5) فائتوا منه ما استطعتم» (6) فأمرهم بالإمساك عما لم يؤمروا به (7) معللا (8) بأن سبب هلاك الأولين إنما كان كثرة السؤال،

(1) هو: عبد الله بن ذكوان الأموي - بالولاء - من أئمة السلف، قال أحمد: ثقة، أمير المؤمنين - يعني في الحديث - وقال البخاري: أصح الأسانيد: أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة، توفي سنة (130 هـ) .

انظر خلاصة التذهيب (196) ؛ والجرح والتعديل (5 / 49، 50) ، (ت 227) .

(2)

هو: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، أبو داود، المدني، مولى ربيعة بن الحارث، عالم ثقة ثبت، من الطبقة الثالثة، مات بالإسكندرية سنة (117 هـ) .

انظر: الجرح والتعديل (5 / 297) ، (ت 1408) ؛ وتقريب التهذيب (1 / 501) ، (ت 1142) .

(3)

في البخاري: دعوني.

(4)

في البخاري: فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم.

(5)

في البخاري: بشيء.

(6)

رواه البخاري في كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. انظر: فتح الباري حديث رقم (7288) ، (13 / 251) . بهذا الإسناد. ومسلم في كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، حديث رقم (1337) ، (2 / 975) بغير هذا الإسناد الذي ذكره المؤلف كما أنه رواه بهذا الإسناد -الذي أشار إليه المؤلف - وأسانيد أخرى كلها عن أبي هريرة، في كتاب الفضائل، باب توقيره صلى الله عليه وعلى آله وسلم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، أو لا يتعلق به تكليف، حديث رقم (1337) ، (4 / 1830، 1831) بألفاظ متقاربة وفيهما بعض الاختلاف عن الألفاظ التي أوردها المؤلف.

(7)

في (أج د ط) : به ساقطة.

(8)

في المطبوعة: معللا ذلك.

ص: 157

ثم الاختلاف على الرسل بالمعصية، كما أخبرنا الله عن بني إسرائيل من مخالفتهم أمر موسى في الجهاد وغيره، وفي كثرة سؤالهم عن صفات البقرة (1) .

لكن هذا الاختلاف (2) على الأنبياء: هو (3) - والله أعلم - مخالفة الأنبياء (4) كما يقول: اختلف الناس على الأمير إذا خالفوه.

والاختلاف الأول: مخالفة (5) بعضهم بعضا (6) وإن كان الأمران متلازمين أو أن الاختلاف عليه (7) هو الاختلاف فيما بينهم، فإن اللفظ يحتمله.

ثم الاختلاف كله (8) قد يكون في التنزيل والحروف، كما في حديث ابن مسعود (9) وقد يكون في التأويل كما يحتمله حديث عبد الله بن عمرو، فإن حديث عمرو بن شعيب (10) يدل على ذلك، إن كانت هذه القصة (11)

(1) في المطبوعة زاد: التي أمرهم بذبحها.

(2)

في (أب ط) : اختلاف.

(3)

في (ب ط) : وهو.

(4)

في المطبوعة: للأنبياء.

(5)

في (ب) : بمخالفة.

(6)

في (أب ط) : لبعض.

(7)

أي على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(8)

في (ط) : قد يكون كله.

(9)

وهو المشار إليه (1 / 143) .

(10)

هو: عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، اضطرب قول أئمة الجرح والتعديل فيه، وغالبهم على توثيقه، إنما أنكروا عليه بعض رواياته عن أبيه عن جده، وهو ثقة في نفسه، قال ابن حجر في التقريب:"صدوق" أخرج له الأربعة. انظر: تقريب التهذيب (2 / 72) ، (ت 607) ؛ وتهذيب التهذيب (8 / 48- 55) ، (ت 80) .

(11)

في (ب) : القضية.

ص: 158

قال أحمد في المسند: حدثنا إسماعيل (1) حدثنا داود بن أبي هند (2) عن عمرو بن شعيب عن أبيه (3) عن جده (4) «أن نفرا كانوا جلوسا بباب النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان (5) ! فقال: " أبهذا أمرتم؟ أو بهذا بعثتم: أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إنما ضلت الأمم قبلكم في (6) مثل هذا؛ إنكم لستم مما ههنا في شيء، انظروا الذي أمرتم (7) به فاعملوا به، والذي

(1) هو: إسماعيل ابن عُلية - وعُلية أمه - وأبوه: إبراهيم بن مِقْسَم، أبو بشر الأسدي، أحد الأئمة الأعلام الحفاظ الثقات المتقنين، ولد سنة (110 هـ) وتوفي سنة (193 هـ) .

انظر الجرح والتعديل (2 / 153 - 154) ؛ وخلاصة التذهيب (ص 32) .

(2)

هو: داود بن أبي هند وكنيته: أبو بكر، أبوه مولى آل الأعلم القشيريين، ثقة كثير الحديث، توفي سنة (139 هـ) .

انظر: طبقات ابن سعد (7 / 255) ؛ والجرح والتعديل (3 / 411، 412) ، (ت 1881) .

(3)

أبوه هو: شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، صدوق، ثبت سماعه من جده، يعد من الطبقة الثامنة.

انظر: تقريب التهذيب (1 / 353) ، (ت 84) .

(4)

أي جد شعيب وهو: عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي، مرت ترجمته (1 / 129) . وقال بعضهم: إن المقصود جد عمرو بن شعيب وهو محمد بن عبد الله بن عمرو وعلى هذا تكون روايته مرسلة؛ لأن جده محمد ليست له صحبة، لكن هذا رأي مرجوح قد فنده الأئمة. انظر: تهذيب التهذيب (4 / 356) ، (8 / 48- 55) .

(5)

يعني أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم احمر وجهه من الغضب كما لو فقئ في وجهه حب الرمان، وحب الرمان أحمر.

(6)

في المطبوعة: بمثل. وهو خلاف النسخ والمسند.

(7)

في المطبوعة: أمرتكم. وهو خلاف النسخ والمسند.

ص: 159

نهيتم (1) عنه فانتهوا عنه» (2) وقال (3)(حدثنا يونس (4) حدثنا حماد بن سلمة (5) عن حميد (6) ومطر (7) الوراق. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1) في المطبوعة: نهيتكم، وهو خلاف النسخ والمسند.

(2)

عنه: زائدة في جميع النسخ، فليست في حديث المسند المشار إليه.

الحديث أخرجه أحمد في المسند (2 / 196) . ورجاله ثقات، وأخرج ابن ماجه نحوه في المقدمة، باب في القدر، الحديث رقم (85) ، (1 / 33)، وقال صاحب الزوائد في حديث ابن ماجه:"هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات".

(3)

يعني: أحمد بن حنبل.

(4)

في (ب) : يونس بن محمد.

هو: يونس بن محمد بن مسلم المؤدب، البغدادي، من التاسعة، ثقة صدوق، كذا قال أبو زرعة، وأبو حاتم، ويحيى بن معين وغيرهم، مات رحمه الله سنة (207هـ) .

انظر: تقريب التهذيب (2 / 386) ، (ت 489) .

وانظر: الجرح والتعديل (9 / 246)(ت 1023) ، باب الميم.

(5)

هو: حماد بن سلمة بن دينار أبو سلمة، مولى ربيعة بن مالك، من بني تميم، قال ابن سعد:" قالوا: وكان حماد بن سلمة ثقة كثير الحديث، وربما حدث بالحديث المنكر " وتغير حفظه أخيرا، وهو من كبار الطبقة الثامنة، وكان عالما جليلا كثير الحديث، ثقة عابدا.

انظر: طبقات ابن سعد (7 / 282) ؛ وتقريب التهذيب (1 / 197) ، (ت 542) .

(6)

هو: حميد بن أبي حميد (طرخان) الطويل، أبو عبيدة، بصري من الطبقة الرابعة، مولى لطحة الطلحات الخزاعي، وقال عنه رجال الحديث: ثقة كثير الحديث، مدلس، وربما دلس عن أنس بن مالك، مات سنة (142هـ) .

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7 / 252) .

وتقريب التهذيب لابن حجر (1 / 202) ، (ت 589) .

(7)

هو: مطر بن طهمان الوراق، الخراساني، أبو رجاء، روى عن الحسن وقتادة ورجاء بن حيوة، وغيرهم، وروى عنه شعبة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد وغيرهم، وعده ابن سعد من الطبقة الرابعة من البصريين، وقال:" وكان فيه ضعف في الحديث "، وقال عنه يحيى بن معين:" ضعيف في حديث عطاء بن أبي رباح "، وقال أيضا:" مطر الوراق صالح "، وذكر ابن أبي حاتم:" حدثنا عبد الرحمن قال: سئل أبو زرعة عن مطر الوراق فقال: صالح، كأنه لين أمره "، وقال ابن حجر في التقريب:" صدوق كثير الخطأ " مات سنة 125هـ، أخرج له مسلم والأربعة.

انظر: تهذيب التهذيب (7 / 167، 168) ؛ وتقريب التهذيب (2 / 252) ، (ت 1164) ؛ والطبقات الكبرى لابن سعد (7 / 254) .

ص: 160

وداود بن أبي هند (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه، وهم يتنازعون في القدر (2) - فذكر الحديث) (3)

وقال أحمد (4) .

حدثنا أنس (5) بن عياض، حدثنا أبو حازم (6) عن عمرو بن شعيب، عن

(1) في (أ) : زاد: عن عمرو بن. . ولم يكمل.

وكلهم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، انظر: المسند (2 / 196) .

(2)

في (ب) : وذكر الحديث.

(3)

الحديث في مسند أحمد (2 / 196) .

(4)

ابن حنبل.

(5)

هو: أنس بن عياض الليثي المديني، أبو ضمرة، عده ابن سعد في الطبقة السابعة من التابعين من أهل المدينة، وقال - أي ابن سعد - فيه:" وكان ثقة كثير الحديث "، روى عن ربيعة الرأي، وأبي حازم وغيرهما، قال فيه أبو زرعة:" لا بأس به "، وقال يحيى بن معين:" ثقة ".

انظر: الطبقات لابن سعد (5 / 436) ؛ والجرح والتعديل (2 / 289) .

(6)

هو: سلمة بن دينار الأعرج التمار، المدني القاضي، مولى الأسود بن سفيان، وثقه أحمد بن حنبل وغيره، قال في تقريب التهذيب:" ثقة عابد " مات في خلافة المنصور.

انظر: الجرح والتعديل (4 / 159) ، ترجمة (701) ؛ وتقريب التهذيب (1 / 316) ، ترجمة (360) .

ص: 161

أبيه، عن جده قال:«لقد جلست أنا وأخي (1) مجلسا ما أحب أن لي به حمر النعم: أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة (2) من صحابة (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس عند باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرق بينهم فجلسنا حجرة (4) إذ ذكروا آية من القرآن فتماروا (5) فيها حتى ارتفعت أصواتهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا، قد احمر وجهه يرميهم بالتراب، ويقول: " مهلا يا قوم، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم: باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا، وإنما (6) أنزل (7) يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه» (8) .

وقال أحمد حدثنا أبو معاوية (9) حدثنا داود بن أبي هند، عن

(1) لم أجد ما يدل على من هو المقصود بأخيه في المصادر التي اطلعت عليها، لكن لعله أخوه محمد بن عمرو بن العاص، وهذا هو الذي يظهر لي؛ لأن المراجع لم تذكر له أخا غير محمد هذا.

انظر: الإصابة (3 / 3، 381) ؛ والفتح الرباني للبنا (18 / 40) .

(2)

المشيخة: جمع شيخ، وهم كبار السن والقدر والمنزلة.

(3)

في (ب) والمطبوعة: أصحاب. وفي مسند أحمد كما أثبته.

(4)

أي: ناحية. انظر: القاموس المحيط، فصل الحاء، باب الراء (2 / 4) .

(5)

تماروا: تجادلوا.

(6)

قوله: " وإنما أنزل يصدق بعضه بعضا "، سقطت من النسختين:(ج د) ، وهي موجودة في مسند أحمد.

(7)

أنزل: سقطت من (ط) .

(8)

الحديث رواه أحمد في المسند (2 / 181) ، وله شاهد عنده أيضا، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده (2 / 185) مختصرا، وله شواهد أخرى سيذكرها المؤلف هنا.

(9)

هو: محمد بن خازم الضرير، أبو معاوية، مولى لبني سعد، قال فيه أحمد بن حنبل:" أبو معاوية الضرير في غير حديث الأعمش مضطرب لا يحفظها حفظا جيدا "، وقال في تقريب التهذيب:" ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره "، مات سنة (95هـ) .

انظر: الجرح والتعديل (7 / 246، 247، ترجمة رقم (1360) ؛ وتقريب التهذيب لابن حجر (2 / 257) ، (ت 167) .

ص: 162

عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم، والناس يتكلمون في القدر قال: فكأنما تفقأ (1) في وجهه حب الرمان من الغضب قال: فقال لهم: " ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ بهذا هلك من كان قبلكم» ، قال (2) فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم أشهده ما غبطت نفسي بذلك المجلس أني (3) لم أشهده (4) .

هذا حديث محفوظ عن عمرو بن شعيب رواه عنه الناس، ورواه ابن ماجه (5) في سننه من حديث أبي معاوية، كما سقناه.

(1) في (أج د ط) : يفقاء. لكنه في (ب) والمطبوعة والمسند كما أثبته. وفي ابن ماجه: (يفقأ) .

(2)

أي: عبد الله بن عمرو بن العاص.

(3)

في المطبوعة: إذ. وما أثبته أصح كما في المسند.

(4)

الحديث رواه أحمد في المسند (2 / 178) مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.

(5)

رواه ابن ماجه بهذا اللفظ: (حدثنا علي بن محمد، حدثنا أبو معاوية، حدثنا داود بن أبي هند، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه وهم يختصمون في القدر، فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال: " بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض. بهذا هلكت الأمم قبلكم "، قال: فقال عبد الله بن عمرو: ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه) .

انظر: سنن ابن ماجه، المقدمة، باب في القدر، حديث رقم (85) ، (1 / 33) . وقد أشرت إلى قول صاحب الزوائد أن الحديث صحيح الإسناد ورجاله ثقات.

ص: 163

وقد كتب أحمد في رسالته (1) إلى المتوكل (2) هذا الحديث، وجعل يقول لهم في مناظرته يوم الدار (3)" إنا قد نهينا أن نضرب كتاب الله بعضه ببعض " وهذا لعلمه رحمه الله بما في خلاف هذا الحديث من الفساد العظيم.

وقد روى هذا المعنى الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقال: " حديث حسن غريب " وقال: " وفي الباب عن عمر (4) وعائشة (5)

(1) ذكر هذه الرسالة ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد (ص 461، 462) ، تحقيق د. عبد الله التركي. وذكرها أيضا أبو نعيم في الحلية (9 / 216- 217) في ترجمة الإمام أحمد.

(2)

هو: جعفر بن المعتصم بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور العباس، الخليفة العباسي، ولد سنة (207هـ) ، وبويع له بالخلافة بعد أخيه الواثق سنة (232هـ) ، وكانت خلافته نصرا للسنة وأهلها وقمعا للبدع وأهلها، فقد أفرج عن الإمام أحمد في فتنة القول بخلق القرآن وأكرمه وأكرم علماء الحديث والسنة، وضيق على أهل البدع وأصحاب الفرق (10 / 349، 352) .

(3)

هي دار إسحاق بن إبراهيم وزير الخلافة العباسية.

(4)

هو ثاني الخلفاء الراشدين: عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، أسلم قبل الهجرة بخمس سنين، وقوي جانب المسلمين بإسلامه فقد أظهروا دعوتهم بعده، ولي الخلافة سنة (13هـ) ، وفتح الفتوحات في الشام والعراق ومصر، ومصر الأمصار، ودون الدواوين، وكان رضي الله عنه آية في العدل والحزم والسداد وقوة التدابير والسياسة والحكمة والشجاعة، توفي مطعونا سنة (24هـ) .

انظر: أسد الغابة (4 / 52 - 78) .

(5)

عائشة: أم المؤمنين بنت أبي بكر الصديق، زوج الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تزوجها في مكة وعمرها ست سنين ودخل بها في المدينة وعمرها تسع في السنة الثانية للهجرة، ولم يتزوج بكرا غيرها، وهي أحب أزواجه إليه، أنزل الله براءتها من الإفك من السماء، حفظت من السنة كثيرا، وهي أعلم النساء، أخبرها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوما أن جبريل يقرئها السلام، توفي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعمرها 18 سنة وأخبر أنها أفضل النساء وأنها زوجه في الجنة، توفيت رضي الله عنها سنة (58هـ) وعمرها (67) سنة.

انظر: البداية والنهاية لابن كثير (8 / 91- 94) .

ص: 164

وأنس (1) " (2) .

وهذا باب واسع لم نقصد (3) له ههنا، وإنما الغرض التنبيه على ما يخاف على الأمة من موافقة الأمم قبلها؛ إذ الأمر في هذا الحديث - كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) أصل هلاك بني آدم:" إنما كان التنازع في القدر "، وعنه نشأ

(1) هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، شهد بدرا وهو لم يبلغ سن الرشد، خدم الرسول عشر سنين، فكان من المكثرين لرواية الحديث، دعا له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكثرة المال والولد ودخول الجنة، واستعمله أبو بكر وعمر على عمالة البحرين وشكراه في ذلك، ثم استقر منزله بالبصرة حتى توفي بها رضي الله عنه سنة (93هـ) . عن أكثر من مائة سنة.

انظر الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني (1 / 71)، (ت 277) . وانظر: البداية والنهاية (9 / 88 - 92) .

(2)

في الترمذي: كتاب القدر، باب ما جاء في التشديد في الخوض في القدر، حديث رقم (2133) ، (4 / 443)، ونصه:" حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي البصري، حدثنا صالح المري، عن هاشم بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى احمر وجهه، حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان، فقال: " أبهذا أمرتم؟ أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر؛ عزمت عليكم، عزمت عليكم ألا تنازعوا فيه".

قال أبو عيسى: " وفي الباب: عن عمر وعائشة وأنس، وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث صالح المري، وصالح المري له غرائب ينفرد بها لا يتابع عليها ".

(3)

في (ب) : لم يقصد له هنا.

(4)

تتضح العبارة إذا قلنا: أن أصل هلاك بني آدم إنما. . إلخ، أي بزيادة (أن) .

ص: 165

مذهب المجوس (1) القائلين بالأصلين: النور والظلمة، ومذهب (2) الصابئة (3) وغيرهم القائلين بقدم العالم، ومذاهب كثير من مجوس هذه الأمة (4) وغيرهم.

وهذا مذهب (5) كثير ممن عطل الشرائع.

(1) المجوس: قوم يعبدون النور والنار والظلمة والشمس والقمر، ويزعمون أن للكون إلهين، وهم في بلاد فارس وما حولها، وقد قضى الإسلام على هذه النحلة ظاهرا، لكن بقيت لها آثار في بعض الطوائف كالشيعة، وإخوان الصفا، والبهائية، والنصيرية الباطنية، والقدرية وغيرها.

(2)

في (ط) : ومذاهب.

(3)

الصابئ في اللغة: الذي يترك دينه إلى دين آخر، والصابئة قوم يعبدون الكواكب والملائكة، وقيل: هم قوم لا دين لهم إنما هم باقون على فطرتهم، ورجح هذا ابن كثير.

انظر: تفسير ابن كثير (1 / 104) .

(4)

مجوس هذه الأمة: أطلقه السلف على القدرية، وقد وردت بتسمية القدرية (مجوس هذه الأمة) آثار بعضها مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، منها ما ذكر ابن ماجه في سننه، الحديث رقم (92) ، (1 / 35) ؛ وأبو داود في سننه، كتاب السنة، باب القدر، الحديث رقم (4691) ؛ وأحمد في مسنده (2 / 125) ، (5 / 407) ؛ وابن أبي عاصم في كتاب السنة (1 / 144، 145) ، الحديث رقم (329) .

وسائر هذه الروايات ضعفها أئمة الحديث، لكن يعضد بعضها بعضا، ووجه تسمية القدرية بمجوس هذه الأمة أنهم حين قالوا بأن الله تعالى لم يخلق الشر ولم يقدره، اضطروا إلى القول بأن الإنسان هو خالق أفعاله، كما تزعم المعتزلة، فهم بهذا أشبهوا المجوس، بل تابعوهم بقولهم: إن الله إله الخير والنور، والشر والظلمة لها خالق آخر غيره بزعمهم، تعالى الله عما يقوله الظالمون علوا كبيرا.

انظر: الفرق بين الفرق (ص94، 95) .

وانظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (8 / 258- 261) .

(5)

في (أط) : مذاهب.

ص: 166

فإن القوم تنازعوا في علة فعل الله سبحانه وتعالى لما فعله، فأرادوا أن يثبتوا شيئا يستقيم لهم به تعليل فعله (1) بمقتضى قياسه سبحانه على المخلوقات، فوقعوا في غاية (2) الضلال؛ إما بأن (3) فعله ما زال لازما له، وإما بأن (4) الفاعل اثنان؛ وإما بأنه (5) يفعل البعض، والخلق (6) يفعلون البعض، وإما بأن ما فعله لم يأمر بخلافه، وما أمر به لم يقدر خلافه وذلك حين عارضوا بين فعله وأمره، حتى أقر فريق بالقدر وكذبوا بالأمر، وأقر فريق بالأمر وكذبوا بالقدر، حين (7) اعتقدوا جميعا أن اجتماعهما محال، وكل منهما مبطل بالتكذيب بما صدق به الآخر.

وأكثر ما يكون ذلك لوقوع المنازعة في الشيء القليل قبل إحكامه وجمع حواشيه وأطرافه ولهذا قال: «ما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه» (8) .

والغرض (9) بذكر هذه الأحاديث: (10) التنبيه من الحديث (11) على مثل ما في القرآن من قوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69](12) .

(1) فعله: سقطت من (أ) .

(2)

في (أب ط) : عامة.

(3)

في المطبوعة قال: بأن زعموا.

(4)

في المطبوعة قال: بأن زعموا.

(5)

في المطبوعة قال: بأن زعموا.

(6)

والخلق: سقطت من (أ) .

(7)

في (ط) : حتى.

(8)

الحديث مر (ص162) .

(9)

في المطبوعة: في ذكر.

(10)

في المطبوعة: هو التنبيه.

(11)

في المطبوعة: والسنة.

(12)

سورة التوبة: من الآية 69.

ص: 167

ومن ذلك: ما روى الزهري (1) عن سنان بن أبي سنان الدؤلي (2) عن أبي واقد الليثي (3) أنه قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حدثاء (4) عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينيطون (5) بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر! إنها السنن (6) قلتم - والذي نفسي بيده - كما قالت بنو (7) إسرائيل لموسى (8)

(1) هو: محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري، من بني زهرة بن كلاب، أبو بكر، هو أول من دون الحديث وسمع عن بعض الصحابة، تابعي مدني، ومن الحفاظ الثقات، ومن المكثرين للحديث مع إتقان وفقه، يعد من الطبقة الرابعة، توفي رحمه الله سنة (125هـ) .

انظر: تقريب التهذيب (2 / 207) ، ترجمة (702) ؛ والجرح والتعديل (8 / 71- 74) ، ترجمة (318) .

(2)

هو: سنان بن أبي سنان الدؤلي - أو الديلي - تابعي، مدني من الطبقة الثالثة، قال في تقريب التهذيب: ثقة، مات سنة (105هـ) .

انظر: تقريب التهذيب (1 / 334) ، ترجمة (537) .

(3)

هو الصحابي الجليل: الحارث بن عوف بن أسيد بن جابر الليثي، أبو واقد قيل: إنه شهد بدرا كما شهد الفتح وحنين، وكان يحمل راية قومه، كما شهد تبوك، واليرموك، توفي رضي الله عنه سنة (68هـ)، وقيل:(85 هـ) .

انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (4 / 215، 216) ، ترجمة رقم (1211) .

وانظر: أسد الغابة (5 / 319، 320) .

(4)

في المطبوعة: حديثو.

(5)

في المطبوعة: ينيطون، ومعنى ينوطون: يعلقون.

(6)

السنن: جمع (سنة) وهي الطريقة والوجهة، والمقصود: إنها الطريقة التي سلكها من قبلكم من الأمم كاليهود والنصارى حين وقعوا في هذه البدع، والحديث يفسره آخره.

انظر: مختار الصحاح، مادة (س ن ن) ، (ص317) .

(7)

في (ط) : بني.

(8)

لموسى: سقت من (أب ط) .

ص: 168

{اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: 138] لتركبن سنن من كان قبلكم» رواه مالك (1) والنسائي (2) والترمذي وقال: (هذا حديث حسن صحيح)(3) ولفظه «لتركبن سنة من كان قبلكم» (4) .

وقد قدمت ما خرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى

(1) هو: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، أبو عبد الله، الإمام الفقيه، والمحدث الحافظ، إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة، ينسب إليه المذهب المالكي، روى عن كثير من التابعين، وروى عنه خلق كثير من المحدثين الحفاظ، وكان في غاية الدقة والثقة في الحديث، لذلك قال البخاري: أصح الأسانيد: مالك عن نافع، عن ابن عمر، ويعد في الطبقة السابعة من التابعين من أهل المدينة، له مصنفات أشهرها: الموطأ، توفي رحمه الله سنة (179هـ) وعمره (85) سنة.

انظر: تقريب التهذيب (2 / 223) ، ترجمة (859) ؛ والبداية والنهاية (10 / 174) .

(2)

هو: أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن نمر بن دينار النسائي، أبو عبد الرحمن، والنسائي نسبة إلى (نسا) ، قرية بخرسان، الإمام الحافظ الثقة، صاحب السنن المعروفة بسنن النسائي، أحد الكتب الستة التي اتفقت الأمة على اعتمادها وقبولها، كان إماما مشهودا له بالعلم والفضل والتقى والصلاح، توفي رحمه الله سنة (303) عن خمس وثمانين سنة.

انظر: البداية والنهاية (11 / 123، 124) ؛ وتقريب التهذيب (1 / 16) ، ترجمة رقم (57) .

(3)

سنن الترمذي (4 / 475) .

(4)

الحديث أخرجه أحمد في المسند (5 / 218) في مسند أبي واقد الليثي، والترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم، حديث رقم (2180) ، (4 / 475) ، وصححه كما ذكر المؤلف، ولم أجده في موطأ مالك ولا في سنن النسائي (السنن الصغرى) .

ص: 169

لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " قالوا يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟» (1) .

وما رواه البخاري (2) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتأخذن أمتي مأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع "، قالوا: فارس والروم؟ قال: " فمن الناس إلا أولئك؟» (3) .

وهذا كله خرج منه مخرج الخبر عن وقوع ذلك، والذم لمن يفعله، كما كان يخبر عما يفعله الناس بين يدي الساعة من الأشراط والأمور المحرمات.

فعلم أن مشابهتها (4) اليهود والنصارى، وفارس والروم، مما ذمه الله ورسوله، وهو المطلوب ولا يقال: فإذا كان الكتاب والسنة قد دلا على وقوع (5) ذلك، فما فائدة النهي عنه؟ لأن الكتاب والسنة أيضا (6) قد (7) دلا

(1) مر الكلام حول الحديث ص (79) ، وهو في البخاري حديث رقم (7319، 7320) . وفي مسلم رقم (2669) من أكثر من طريق، إلا أنه ليس في روايتي البخاري ومسلم قوله:" حذو القذة بالقذة " إنما جاء في الصحيحين: " شبرا بشبر وذراعا بذراع ".

(2)

هو الإمام: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري، أبو عبد الله صاحب أصح كتاب بعد كتاب الله، وهو صحيح البخاري، اتفقت الأمة على إمامته في الحديث، قال ابن حجر في التقريب:" جبل الحفظ، وإمام الدنيا في فقه الحديث "، توفي سنة (256هـ) ، وعمره (62) سنة.

انظر: تقريب التهذيب (2 / 144) ، (ت 43) .

(3)

انظر: صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" لتتبعن سنن من كان قبلكم "، الحديث رقم (7319) من فتح الباري (13 / 200) .

(4)

في المطبوعة: مشابهة هذه الأمة، وهو بيان لمرجع الضمير.

(5)

في (ب) : فعل ذلك.

(6)

في (ب) : سقطت أيضا.

(7)

في (أد ط) : سقط قد.

ص: 170

على أنه لا يزال في هذه الأمة طائفة متمسكة بالحق الذي بعث (1) به محمد (2) صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة (3) وأنها لا تجتمع على ضلالة (4) ففي النهي عن ذلك تكثير لهذه الطائفة المنصورة، وتثبيتها، وزيادة إيمانها، فنسأل الله المجيب أن يجعلنا منها (5) .

وأيضا: لو فرض أن الناس لا يترك أحد منهم هذه المشابهة المنكرة؛ لكان في العلم بها معرفة القبيح، والإيمان بذلك؛ فإن (6) نفس العلم والإيمان بما كرهه الله خير، وإن لم يعمل به، بل فائدة العلم والإيمان أعظم من فائدة مجرد العمل الذي لم يقترن به علم، فإن الإنسان إذا عرف المعروف وأنكر المنكر كان خيرا من أن يكون ميت القلب لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من رأى منكم منكرا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان» (7) رواه مسلم.

وفي لفظ: «ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» (8) .

(1) في المطبوعة: بعث الله.

(2)

في المطبوعة: محمدا.

(3)

أحاديث الطائفة التي تتمسك بالحق إلى قيام الساعة أحاديث صحيحة وثابتة وكثيرة في الصحاح والسنن والمسانيد، وقد ذكر المؤلف منها الكثير.

(4)

حديث: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) مر. انظر فهرس الأحاديث.

(5)

في (ب) : منهم. وقوله: فنسأل الله المجيب أن يجعلنا منها: ساقطة من (أ) .

(6)

بذلك فإن: سقطت من (أ) .

(7)

صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، حديث رقم (49) ، (1 / 69) .

(8)

هذا اللفظ أيضا في صحيح مسلم، في الكتاب والباب المذكورين آنفا، حديث رقم (50) ، (1 / 70) ، وسياق الحديث، في جهاد الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون.

ص: 171