الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العربية (1) فإنها من دينكم، وتعلموا (2) الفرائض فإنها من دينكم " وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة، يجمع ما يحتاج إليه؛ لأن الدين فيه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو (3) فقه أعماله.
[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالاعتبار]
وأما الاعتبار في مسألة العيد فمن وجوه: أحدها: أن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك، التي قال الله سبحانه (4) {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67] (5) كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم (6) في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد، موافقة في الكفر. والموافقة في بعض فروعه: موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي (7) من أخص ما تتميز به (8) الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة (9) في أخص شرائع الكفر، وأظهر شعائره (10) ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه.
(1) في (أ) : قدم الفرائض على العربية.
(2)
وتعلموا الفرائض. . إلخ: سقطت من (ج د) .
(3)
في المطبوعة: هو الطريق إلى فقه. . إلخ.
(4)
في المطبوعة زاد هنا قوله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)، سورة المائدة: من الآية 48.
(5)
سورة الحج: من الآية 67.
(6)
قوله: (في العيد وبين مشاركتهم) : سقطت من (ج د) .
(7)
في (ج د) : وهي.
(8)
في المطبوعة: بين الشرائع.
(9)
فيها موافقة: ساقطة من (ط) .
(10)
في (ج د) : شرائعه.
وأما مبدؤها فأقل أحواله: أن تكون معصية، وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«إن لكل قوم عيدا، وإن هذا عيدنا» وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار (1) ونحوه من علاماتهم؛ لأن تلك علامة وضعية (2) ليست من الدين، وإنما الغرض منها مجرد التمييز (3) بين المسلم والكافر، وأما العيد وتوابعه، فإنه من الدين الملعون هو وأهله، فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه.
وإن شئت أن تنظم هذا قياسا تمثيليا (4) قلت: (5) شريعة من شرائع الكفر، أو شعيرة من شعائره، فحرمت موافقتهم فيها كسائر شعائر الكفر وشرائعه، وإن كان هذا أبين من القياس الجزئي (6) .
ثم كل ما يختص به ذلك من عبادة وعادة، فإنما سببه هو كونه يوما مخصوصا، وإلا فلو كان كسائر الأيام لم يختص بشيء، وتخصيصه ليس من دين الإسلام في شيء، بل هو كفر به.
الوجه الثاني (7) أن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله؛ لأنه إما محدث
(1) في (أ) : الزنانير.
(2)
في (أ) : وصبغة. وفي (ط) : وصيغة.
(3)
في (ج د) : التميز.
(4)
قياس التمثيل هو إلحاق الشيء بنظيره، وهو الحكم على شيء بما حكم به على غيره بناء على جامع مشترك بينهما. انظر: مجموع الفتاوى للمؤلف (9 / 259) ، والرد على المنطقيين للمؤلف أيضًا (ص209) .
(5)
في المطبوعة: قلت: العيد شريعة. وهو أوضح للمعنى لكنه خلاف النسخ المخطوطة.
(6)
لعله يقصد بالقياس الجزئي: قياس العيد على مفردات الشرائع وجزئياتها، كقياس العيد على الصوم، كما أنه لا يجوز متابعة الكفار في صومهم، فكذلك لا تجوز متابعتهم في عيدهم، لأن كلا منهما من الشرائع، والله أعلم.
(7)
في المطبوعة زاد: من الاعتبار. وكان الأولى أن يجعله تهميشا.
مبتدع، وإما منسوخ، وأحسن أحواله - ولا حسن فيه - أن يكون بمنزلة صلاة المسلم إلى بيت المقدس.
هذا إذا كان المفعول مما يتدين به، وأما ما يتبع ذلك من التوسع في العادات من الطعام واللباس، واللعب والراحة، فهو تابع لذلك العيد الديني، كما أن ذلك تابع له (1) في دين الله:(2) الإسلام، فيكون بمنزلة أن يتخذ بعض المسلمين عيدا مبتدعا يخرج (3) فيه إلى الصحراء، ويفعل (4) فيه من (5) العبادات والعادات من جنس المشروع في يومي الفطر والنحر، أو مثل أن ينصب بنية يطاف بها وتُحج (6) ويُصنع لمن يفعل ذلك طعاما ونحو ذلك.
فلو كره المسلم ذلك، لكن (7) غير عادته ذلك اليوم، كما يغير أهل البدع عادتهم في الأمور العادية أو في بعضها؛ بصنعة (8) طعام وزينة ولباس وتوسيع (9) في نفقة، ونحو ذلك، من غير أن يتعبد (10) بتلك العادة المحدثة: ألم يكن (11) هذا من أقبح المنكرات؟ فكذلك موافقة هؤلاء (12) المغضوب عليهم والضالين وأشد.
(1) له: سقطت من (أ) .
(2)
في المطبوعة: في دين الإسلام.
(3)
في المطبوعة: يخرجون.
(4)
في المطبوعة: ويفعلون.
(5)
من: سقطت من (ج د) .
(6)
في المطبوعة: ويحج إليها. والبنية: البناء.
(7)
في المطبوعة: لكره.
(8)
في المطبوعة: بصنعها.
(9)
في (ج د) : وتوسع.
(10)
في المطبوعة: يتعبدوا.
(11)
في المطبوعة: كان هذا.
(12)
في (ج د) : والمغضوب عليهم.
نعم، هؤلاء يقرون على دينهم المبتدع، والمنسوخ، (1) مستسرين به، والمسلم لا يقر على (2) مبتدع ولا منسوخ، لا سرا ولا علانية، وأما مشابهة الكفار فكمشابهة أهل البدع وأشد.
الوجه الثالث: (3) أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس، وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس، بل عيدا، حتى يضاهى بعيد الله، بل قد يزيد عليه، حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر. كما قد سوله الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام فيما يفعلونه في أواخر (4) صوم النصارى، من الهدايا والأفراح، والنفقات، وكسوة الأولاد، وغير ذلك، مما يصير به مثل عيد المسلمين، بل البلاد المصاقبة للنصارى، التي قل علم أهلها وإيمانهم، قد صار ذلك أغلب عندهم وأبهى في نفوسهم من عيد الله ورسوله، على ما حدثني به الثقات.
وأما (5) ما رأيته بدمشق، وما حولها من أرض الشام، مع أنها أقرب إلى العلم والإيمان، فهذا الخميس الذي يكون في آخر صوم النصارى (6) يدور بدوران صومهم، الذي هو سبعة أسابيع، وصومهم؛ وإن كان في أوائل الفصل الذي تسميه العرب: الصيف، وتسميه العامة: الربيع، فإنه يتقدم ويتأخر ليس له حد واحد من السنة الشمسية، كالخميس الذي هو (7) في أول نيسان، بل يدور في
(1) في المطبوعة زاد: بشرط أن يكونوا مستسرين.
(2)
في المطبوعة: على دين مبتدع.
(3)
في المطبوعة زاد: من الاعتبار، ثم قال: يدل أنه. . إلخ.
(4)
من هنا تنتهي الورقة الساقطة من (ب)، وتبدأ الورقة التالية لها بقوله:(أواخر) وقد سبق التنبيه على بداية السقط (ص527) .
(5)
في المطبوعة: ويؤكد صحة ذلك ما رأيته. . إلخ.
(6)
مر الحديث عنه (ص356) ، وسيأتي (ص534، 535، 539) .
(7)
هو: ساقطة من (أب ط) .
نحو ثلاثة وثلاثين يوما، لا يتقدم أوله عن (1) ثاني شباط، ولا يتأخر أوله عن ثامن (2) آذار، بل يبتدئون بالاثنين الذي هو أقرب إلى اجتماع الشمس والقمر في هذه المدة، ليراعوا - كما زعموا (3) - التوقيت الشمسي والهلالي.
وكل ذلك بدع أحدثوها باتفاق منهم، خالفوا بها الشريعة التي جاءت بها الأنبياء، فإن الأنبياء ما وقتوا العبادات إلا بالهلال، وإنما اليهود والنصارى حرفوا الشرائع تحريفا ليس هذا موضع ذكره.
ويلي هذا الخميس يوم الجمعة، الذي جعلوه بإزاء يوم الجمعة التي صلب فيها المسيح على زعمهم الكاذب، يسمونها: جمعة الصلبوت، ويليه ليلة السبت التي يزعمون أن المسيح كان فيها في القبر، وأظنهم يسمونها: ليلة النور، وسبت النور، ويصطنعون (4) مخرقة (5) يروّجونها على عامتهم، لغلبة الضلال عليهم، يخيلون إليهم أن النور ينزل من السماء في كنيسة القمامة (6) التي ببيت المقدس، حتى يحملوا ما يوقد (7) من ذلك الضوء إلى بلادهم متبركين به، وقد علم كل ذي (8) عقل أنه مصنوع مفتعل، ثم يوم السبت يتطلبون (9) اليهود، ويوم
(1) عن: سقطت من (أ) .
(2)
في المطبوعة: ثاني آذار.
(3)
كما زعموا: سقطت من المطبوعة. وفي (أ) : قال: زعموا. أي أسقط: كما.
(4)
في المطبوعة: ويصنعون.
(5)
في (ج د) : مخرفة. وفي (ب) : فيها محرفة.
(6)
في (أ) : القيامة. وكنيسة القمامة هي أعظم كنيسة للنصاري ببيت المقدس، وللنصارى فيها مقبرة يسمونها القيامة: انظر: معجم البلدان لياقوت (4 / 396) .
(7)
في (أ) : يوفق.
(8)
ذي: مكانها بياض في (أ) .
(9)
في (أ) وفي المطبوعة: يطلبون. ولعل المعنى: أنهم يذكرون مطالبتهم اليهود بدم المسيح على حد زعمهم.
الأحد يكون العيد الكبير عندهم، الذي يزعمون أن المسيح قام فيه.
ثم الأحد الذي يلي هذا يسمونه الأحد الحديث، يلبسون فيه الجديد من ثيابهم ويفعلون فيه أشياء. وكل هذه الأيام عندهم أيام العيد، كما أن يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، وهم يصومون عن الدسم (1) .
ثم في مقدم فطرهم يفطرون، أو بعضهم، على ما يخرج من الحيوان، من لبن وبيض ولحم، وربما كان أول فطرهم على البيض، ويفعلون في أعيادهم وغيرها من أمور دينهم: أقوالا وأعمالا لا تنضبط.
ولهذا تجد نقل العلماء لمقالاتهم وشرائعهم تختلف، وعامته صحيح، وذلك أن القوم يزعمون أن ما وضعه رؤساء دينهم من الأحبار والرهبان من الدين، فقد لزمهم حكمه، وصار شرعا شرعه المسيح في السماء، فهم في كل مدة ينسخون أشياء، ويشرعون (2) أشياء من الإيجابات والتحريمات، وتأليف الاعتقادات، وغير ذلك، مخالفا لما كانوا عليه قبل ذلك، زعما منهم أن هذا بمنزلة نسخ الله شريعة بشريعة أخرى. فهم واليهود في هذا الباب وغيره على طرفي نقيض: اليهود تمنع أن ينسخ الله الشرائع، أو يبعث رسولا بشريعة تخالف ما قبلها، كما أخبر الله عنهم بقوله:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142](3) والنصارى تجيز لأحبارهم ورهبانهم شرع الشرائع ونسخها، فلذلك (4) لا ينضبط للنصارى شريعة تحكى (5) مستمرة على الأزمان.
وغرضنا لا يتوقف على معرفة تفاصيل باطلهم، ولكن يكفينا أن نعرف
(1) في المطبوعة زاد: وما فيه الروح.
(2)
في المطبوعة: ويشرعون غيرها أشياء.
(3)
سورة البقرة: من الآية 142.
(4)
في (أ) : فكذلك.
(5)
في المطبوعة: محكمة.
المنكر معرفة تميز بينه وبين المباح والمعروف، والمستحب والواجب، حتى نتمكن بهذه المعرفة من اتقائه واجتنابه كما نعرف سائر المحرمات؛ إذ الفرض علينا تركها، ومن لم يعرف المنكر - (1) جملة ولا تفصيلا - لم يتمكن من قصد اجتنابه، والمعرفة الجملية كافية، بخلاف الواجبات: فإن الغرض (2) لما كان فعلها، والفعل لا يتأتى (3) إلا مفصلا، وجبت معرفتها على سبيل التفصيل.
وإنما عددت أشياء من منكرات دينهم، لما رأيت طوائف المسلمين قد ابتلي ببعضها، وجهل كثير منهم أنها من دين النصارى الملعون هو وأهله، وقد بلغني أيضا أنهم يخرجون في الخميس الذي قبل ذلك، أو يوم السبت، أو غير ذلك، إلى القبور؛ يبخرونها، وكذلك ينحرون (4) في هذه الأوقات وهم يعتقدون أن في البخور بركة، ودفع أذى - وراء (5) كونه طيبا - ويعدونه من القرابين مثل الذبائح، ويزفونه (6) بنحاس، يضربونه كأنه ناقوس صغير، وبكلام مصنف، ويصلبون على أبواب بيوتهم، إلى غير ذلك من الأمور المنكرة.
ولست أعلم جميع ما يفعلونه، وإنما ذكرت (7) ما رأيت كثيرا من المسلمين يفعلونه، وأصله مأخوذ عنهم، حتى إنه (8) كان في مدة الخميس، تبقى الأسواق مملوءة من أصوات هذه النواقيس الصغار، وكلام الرقائين، من المنجمين وغيرهم، بكلام أكثره باطل، وفيه ما هو محرم أو كفر، وقد ألقي إلى
(1) في المطبوعة: لا جملة.
(2)
في المطبوعة: الفرض.
(3)
في (أ) : لا يأتي.
(4)
في (ج د) : يبخرون. وفي المطبوعة: يبخرون بيوتهم.
(5)
في المطبوعة: لا لكونه طيبًا. وفي (ب) : وراء لكونه.
(6)
في (ط) وفي المطبوعة: ويرقونه. ومعنى يزفونه: يحملونه مسرعين.
(7)
في المطبوعة: ذكرت ما ذكرت لما.
(8)
إنه: سقطت من (أج د) .
جماهير العامة أو جميعهم إلا من شاء الله.
وأعني بالعامة هنا: كل من لا يعلم حقيقة الإسلام، فإن كثيرا ممن ينتسب (1) إلى فقه أو دين قد شارك في ذلك، ألقي إليهم هذا البخور المرقي ينتفع (2) ببركته، من العين والسحر والأدواء والهوام، ويصورون في أوراق صور الحيات والعقارب، ويلصقونها في بيوتهم زعما منهم أن تلك الصور - الملعون فاعلها التي لا تدخل الملائكة بيتا هي فيه -: تمنع الهوام، وهو ضرب من طلاسم الصابئة.
ثم كثير منهم - على ما بلغني - يصلب (3) باب البيت، ويخرج خلق عظيم في الخميس المتقدم على هذا الخميس، يبخرون المقابر، ويسمون هذا المتأخر: الخميس الكبير، وهو عند الله الخميس المهين الحقير؛ هو وأهله ومن يعظمه (4) فإن كل ما عظم بالباطل من مكان زمان، أو حجر أو شجر أو بنية: يجب قصد إهانته، كما تهان الأوثان المعبودة، وإن كانت لولا عبادتها لكانت كسائر الأحجار.
ومما يفعله الناس من المنكرات: أنهم يوظفون على الأكرة (5) وظائف أكثرها كرها، من الغنم والدجاج واللبن والبيض، فيجتمع فيها تحريمان: أكل مال المسلم، أو المعاهد بغير حق، وإقامة شعار النصارى، ويجعلونه ميقاتا
(1) في (أب) : ينسب.
(2)
في (أ) : ينفع. وكذلك في المطبوعة.
(3)
في المطبوعة: على باب البيت. ومعنى يصلب باب البيت - والله أعلم -: يضع عليه الصليب لهذه المناسبة.
(4)
ومن يعظمه: سقطت من (أ) . وقد مر تعريف هذا الخميس أيضًا.
(5)
الأكرة: جمع أكّار وهو: الحرّاث (المزارع ونحوه)، ومعنى يوظفون: يقدرون ويفرضون عليهم. انظر: القاموس المحيط، فصل الهمزة، باب الراء (1 / 378) ، ومختار الصحاح، مادة (وظ ف) ، (ص728) .
في المطبوعة: الأماكن.
لإخراج الوكلاء، على المزارع، ويطبخون (1) فيه، ويصبغون (2) فيه البيض، وينفقون فيه النفقات الواسعة، ويزينون أولادهم، إلى غير ذلك من الأمور التي يقشعر منها قلب المؤمن الذي لم يمت قلبه، بل يعرف المعروف وينكر المنكر.
وخلق كثير منهم يضعون ثيابهم تحت السماء رجاء لبركة مرور مريم عليها (3) فهل يستريب من في قلبه أدنى حياة من الإيمان أن شريعة جاءت بما قدمنا بعضه من مخالفة اليهود والنصارى، لا يرضى من شرعها ببعض هذه القبائح؟
ويفعلون ما هو أعظم من ذلك: يطلون أبواب بيوتهم ودوابهم بالخلوق والمغرة (4) وغير ذلك، وذلك من أعظم المنكرات عند الله تعالى، فالله تعالى يكفينا شر المبتدعة، وبالله التوفيق (5) .
وأصل ذلك كله: إنما هو اختصاص أعياد الكفار بأمر جديد، أو مشابهتهم في بعض أمورهم، يوضح ذلك: أن الأسبوع الذي يقع في آخر صومهم يعظمونه جدا ويسمون خميسه: (6) الخميس الكبير، وجمعته: الجمعة الكبيرة، ويجتهدون في التعبد فيه ما لا يجتهدون في غيره، بمنزلة العشر الأواخر من رمضان في دين الله ورسوله، والأحد الذي هو أول الأسبوع
(1) في المطبوعة: ويطحنون.
(2)
في (ج د) : ويصنعون.
(3)
في المطبوعة: لبركة من مريم تنزل عليها.
(4)
في المطبوعة: والمغراء. والمغرة: لون ليس بناصع الحمرة، والطين الأحمر.
انظر: القاموس المحيط، فصل الميم، باب الراء (2 / 140 ـ 141) .
(5)
السطران الأخيران: سقطا من (أ) .
(6)
في المطبوعة: بتسميته الخميس الكبير.
يصطنعون (1) فيه عيدا يسمونه: الشعانين، هكذا نقل بعضهم عنهم، ونقل بعضهم عنهم (2) أن الشعانين هو أول أحد في صومهم، يخرجون فيه بورق الزيتون ونحوه، ويزعمون أن ذلك مشابهة لما جرى للمسيح عليه السلام، حين دخل إلى بيت المقدس راكبا أتانا مع جحشها، فأمر بالمعروف ونهى (3) عن المنكر، فثار عليه غوغاء الناس، وكان اليهود قد وكلوا قوما معهم عصي يضربونه بها، فأورقت تلك العصي وسجد أولئك (4) للمسيح.
فعيد الشعانين مشابهة لذلك الأمر، وهو الذي سمي في شروط عمر وكتب الفقه:" أن لا يظهروه في دار الإسلام " ويسمون هذا العيد وكل مخرج يخرجونه إلى الصحراء: باعوثا، (5) فالباعوث (6) اسم جنس لما يظهر به الدين، كعيد الفطر والنحر (7) .
فما يحكونه عن المسيح عليه صلوات الله عليه وسلامه من المعجزات هو في حيز الإمكان، لا نكذبهم فيه؛ لإمكانه، ولا نصدقهم؛ لجهلهم وفسقهم، وأما موافقتهم في التعييد فإحياء دين أحدثوه، أو دين نسخه الله (8) .
ثم يوم الخميس الذي يسمونه الخميس الكبير، يزعمون أن في مثله نزلت المائدة التي ذكرها الله في القرآن، حيث. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) في (ج د) وفي المطبوعة: يصنعون.
(2)
ونقل بعضهم عنهم - الأخيرة - سقطت من (ب) والمطبوعة.
(3)
في (أ) : يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
(4)
في المطبوعة: أولئك الغوغاء.
(5)
في (ب) : باغوثًا، فالباغوث.
(6)
في المطبوعة: زاد: عند المسلمين.
(7)
في المطبوعة: زاد: عند المسلمين.
(8)
في (أ) زاد: في القرآن حيث. وهي عبارة ستأتي بعد سطر تقريبًا، فلعله خطفها بصر الناسخ، فأثبتها هنا.
قال (1){قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا (2) وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ} [المائدة: 114](3) فيوم الخميس هو يوم عيد المائدة، ويوم الأحد يسمونه عيد الفصح (4) وعيد النور، والعيد الكبير.
ولما كان عيدا صاروا يصنعون (5) لأولادهم البيض المصبوغ ونحوه؛ لأنهم فيه (6) يأكلون ما يخرج من الحيوان من لحم ولبن وبيض؛ إذ صومهم هو عن الحيوان وما يخرج منه، وإنما يأكلون في صومهم الحب وما يصنع منه: من زيت (7) وشيرج (8) ونحو ذلك.
وعامة هذه الأعمال المحكية عن النصارى، وغيرها مما لم يحك، قد زينها الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام، وجعل لها في قلوبهم مكانة وحسن ظن، وزادوا في بعض ذلك ونقصوا، وقدموا وأخروا؛ إما لأن بعض ما يفعلونه قد كان يفعله بعض النصارى، أو غيروه هم من عند أنفسهم، كما قد يغيرون بعض أمر الدين الحق. لكن كلما خصت (9) به هذه الأيام ونحوها، من الأيام التي ليس لها خصوص (10) في دين الله، وإنما
(1) قال: سقطت من (أ) .
(2)
في (أط) وفي المطبوعة: لم يكمل الآية.
(3)
سورة المائدة: الآية 114.
(4)
في (ب) : الفضح، وهو تصحيف. والفصح: هو عيد ذكرى قيامة المسيح من الموت، في اعتقاد النصارى الباطل. انظر: المعجم الوسيط (2 / 697) ، ولسان العرب، مادة (فصح) .
(5)
في المطبوعة: يصنعون فيه ولأولادهم.
(6)
فيه: سقطت من (أ) .
(7)
في المطبوعة: من خبز وزبيب.
(8)
في (أ) : وسيرج: والشيرج هو: زيت السمسم. المعجم الوسيط (1 / 505) .
(9)
في المطبوعة: لما اختصت.
(10)
في المطبوعة: خصوصية.
خصوصها (1) في الدين الباطل: إنما أصل تخصيصها من دين الكافرين، وتخصيصها بذلك فيه مشابهة لهم، وليس لجاهل (2) أن يعتقد أن بهذا تحصل المخالفة لهم، كما في صوم يوم عاشوراء؛ لأن ذلك فيما (3) كان أصله مشروعا لنا، وهم يفعلونه، فإنا نخالفهم في وصفه، فأما ما لم يكن في ديننا بحال، بل هو من دينهم، المبتدع أو المنسوخ، فليس لنا أن نشابههم لا في أصله، ولا في وصفه، كما قدمنا قاعدة ذلك فيما مضى.
فإحداث ما في هذه الأيام التي يتعلق تخصيصها بهم لا بنا، هو مشابهة لهم في أصل تخصيص هذه الأيام بشيء فيه تعظيم، وهذا بين على قول من يكره صوم يوم النيروز والمهرجان، لا سيما إذا كانوا يعظمون (4) اليوم الذي أحدث فيه ذلك.
ويزيد ذلك وضوحا أن الأمر قد آل إلى أن كثيرا من الناس صاروا في مثل هذا الخميس الذي هو عيد (5) الكفار - عيد المائدة - آخر خميس في صوم النصارى الذي يسمونه الخميس الكبير - وهو الخميس الحقير - يجتمعون في أماكن اجتماعات عظيمة، ويصبغون البيض ويطبخون باللبن، وينكتون (6) بالحمرة دوابهم، ويصنعون (7) الأطعمة التي لا تكاد تفعل في عيد الله ورسوله، ويتهادون الهدايا التي تكون في مثل مواسم الحج، وعامتهم قد نسوا أصل ذلك وعلته، وبقي عادة مطردة كاعتيادهم بعيدي الفطر والنحر وأشد.
(1) في (ج د) : خصصوها.
(2)
في (ج د) : للجاهل.
(3)
في (أ) : الآن ذلك فلما.
(4)
في المطبوعة: ذلك اليوم.
(5)
في المطبوعة: عند.
(6)
ينكتون: أي ينقطون. انظر: القاموس المحيط، فصل النون، باب التاء (1 / 165) .
(7)
في (أب ط) وفي المطبوعة: ويصطنعون.
واستعان الشيطان في إغوائهم بذلك أن الزمان زمان ربيع، وهو مبدأ العام الشمسي، فيكون قد كثر فيه اللحم واللبن والبيض ونحو ذلك، مع أن عيد النصارى ليس هو يوما محدودا من السنة الشمسية، وإنما يتقدم فيها ويتأخر، في نحو ثلاثة وثلاثين يوما كما قدمناه.
وهذا كله تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم» (1) وسببه (2) مشابهة الكفار في القليل من أمر عيدهم، وعدم النهي عن ذلك، وإذا كانت المشابهة في القليل ذريعة ووسيلة إلى بعض هذه القبائح؛ كانت محرمة، فكيف إذا أفضت إلى ما هو كفر بالله، من التبرك بالصليب والتعميد في المعمودية (3) أو قول (4) القائل: المعبود واحد وإن كانت الطرق مختلفة، ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن: إما كون الشريعة النصرانية واليهودية، المبدلتين المنسوختين، موصلة إلى الله؛ وإما استحسان بعض ما فيها، مما يخالف دين الله، أو التدين (5) بذلك، أو غير ذلك، مما هو كفر بالله وبرسوله، وبالقرآن وبالإسلام، بلا خلاف بين الأمة الوسط في ذلك، وأصل ذلك المشابهة والمشاركة.
وبهذا يتبين لك كمال موقع الشريعة الحنيفية، وبعض حكمة ما شرعه الله لرسوله من مباينة الكفار ومخالفتهم في عامة أمورهم؛ لتكون المخالفة أحسم لمادة الشر (6) وأبعد عن الوقوع فيما وقع فيه الناس.
(1) الحديث مر الكلام عنه. انظر: فهرس الأحاديث.
(2)
في المطبوعة: والسنن.
(3)
قال في المعجم الوسيط: (المعمودية - عند النصارى -: أن يغمس القس الطفل في ماء، يتلو عليه بعض فقر من الإنجيل، وهو آية التنصير عندهم) المعجم الوسيط (2 / 632) .
(4)
في (ج د) : وقول.
(5)
في (أ) : والتدين.
(6)
في (ب ج د) : الشرك. وهو وجيه فتأمل.
واعلم أنا لو لم نر موافقتهم قد أفضت إلى هذه القبائح لكان علمنا بما الطباع عليه (1) واستدلالنا بأصول الشريعة يوجب النهي عن هذه الذريعة، فكيف وقد رأينا من المنكرات التي أفضت إليها المشابهة ما قد يوجب الخروج من الإسلام بالكلية؟ .
وسر هذا الوجه: أن المشابهة تفضي إلى كفر، أو معصية غالبا، أو تفضي إليهما (2) في الجملة، وليس في هذا المفضي مصلحة، وما أفضى إلى ذلك كان محرما: فالمشابهة محرمة.
والمقدمة الثانية لا ريب فيها، فإن استقراء الشريعة في مواردها ومصادرها دال (3) على أن ما أفضى إلى الكفر - غالبا - حرم (4) وما أفضى إليه على وجه خفي حرم (5) وما أفضى إليه في الجملة ولا حاجة تدعو إليه، حرم (6) كما قد تكلمنا على قاعدة الذرائع، في غير هذا الكتاب.
والمقدمة الأولى قد شهد بها الواقع شهادة لا تخفى على بصير ولا أعمى، مع أن الإفضاء أمر طبيعي، قد اعتبره الشارع في عامة الذرائع التي سدها كما قد ذكرنا من الشواهد على ذلك: نحوا من ثلاثين أصلا منصوصة، أو مجمعا عليها في كتاب:(بطلان التحليل)(7) .
(1) في المطبوعة: بما فطرت الطبائع عليه.
(2)
في (أ) : إليها.
(3)
في (أ) : دل.
(4)
في المطبوعة: حرام.
(5)
في المطبوعة: حرام.
(6)
في المطبوعة: حرام.
(7)
في المطبوعة: كتاب (إقامة الدليل على بطلان التحليل) .
تنبيه: كتاب (إقامة الدليل على إبطال التحليل) للمؤلف يوجد ضمن الفتاوى الكبرى (3 / 97 ـ 405) ، ط دار المعرفة ببيروت، كما طبع في كتاب مستقل.
الوجه الرابع (1) أن الأعياد والمواسم في الجملة، لها منفعة عظيمة في دين الخلق ودنياهم، كانتفاعهم بالصلاة والزكاة والحج، ولهذا جاءت بها كل شريعة، كما قال تعالى:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 34](2) وقال: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ} [الحج: 67](3) .
ثم إن الله شرع على لسان خاتم النبيين من الأعمال ما فيه صلاح الخلق على أتم الوجوه، وهو الكمال المذكور في قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3](4) ولهذا أنزل الله هذه الآية في أعظم أعياد الأمة الحنيفية؛ فإنه لا عيد في النوع أعظم من العيد الذي يجتمع فيه المكان والزمان، وهو عيد النحر، ولا عين من أعيان هذا النوع أعظم من يوم كان قد (5) أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعامة المسلمين، وقد نفى الله تعالى الكفر وأهله.
والشرائع هي غذاء القلوب وقوتها كما قال ابن مسعود رضي الله عنه -ويروى مرفوعا -: «إن كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته وإن مأدبة الله هي القرآن» (6) .
ومن شأن الجسد إذا كان جائعا فأخذ من طعام حاجته؛ استغنى عن طعام
(1) في المطبوعة زاد: - كعادته -: من الاعتبار.
(2)
سورة الحج: من الآية 34.
(3)
سورة الحج: من الآية 67. وفي المطبوعة: عكس ترتيب الآيتين.
(4)
سورة المائدة: من الآية 3.
(5)
قد: سقطت من (أ) .
(6)
أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن سمرة، انظر: كنز العمال (1 / 514) ، رقم (2286) ، كما أخرجه البيهقي أيضا في شعب الإيمان عن ابن مسعود، المصدر السابق (1 / 526)، رقم (2356) . وأخرجه الحاكم عن ابن مسعود يرفعه بلفظ:" إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم. . " الحديث، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه بصالح بن عمر، وفيه إبراهيم بن مسلم، ضعفه الذهبي، مستدرك الحاكم، كتاب فضائل القرآن (1 / 555) مع التلخيص للذهبي في نفس الصفحة.
آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة، وتجشم، وربما ضره أكله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلّت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع، فإنه تعظم (1) محبته له ومنفعته به، ويتم دينه (2) ويكمل إسلامه.
ولذا تجد (3) من أكثر من (4) سماع القصائد لطلب صلاح قلبه؛ تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه، ومن أكثر من السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها؛ لا (5) يبقى لحج البيت الحرام (6) في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة، ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم، لا يبقى لحكمة (7) الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن (8) قصص الملوك وسيرهم؛ لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام، ونظير (9) هذا كثير (10) .
ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله
(1) في (ج د) : تعلم.
(2)
في المطبوعة: ويتم دينه به.
(3)
في (ب) : نجد.
(4)
من: ساقطة من (أ) .
(5)
لا: سقطت من (أ) .
(6)
الحرام: سقطت من (أ) . وهي في المطبوعة: المحرم.
(7)
في (ب) : من الإسلام.
(8)
في المطبوعة: أدمن على قصص الملوك.
(9)
نظير: سقطت من (أب) .
(10)
في المطبوعة: قال: ونظائر هذا كثيرة.
عنهم من السنة مثلها» (1) رواه الإمام أحمد.
وهذا أمر يجده من نفسه من نظر في حاله من العلماء، والعباد، والأمراء، والعامة وغيرهم، ولهذا عظمت الشريعة النكير على من أحدث البدع، وكرهتها (2) ؛ لأن البدع لو خرج الرجل منها كفافا لا عليه ولا له لكان الأمر خفيفا، بل لا بد أن يوجب له فسادا، منه (3) نقص منفعة الشريعة في حقه، إذ القلب لا يتسع للعوض والمعوض منه (4) .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في العيدين الجاهليين: «إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيرا منهما» (5) فيبقى اغتذاء قلبه من هذه الأعمال المبتدعة مانعا عن الاغتذاء، - أو من كمال الاغتذاء - بتلك الأعمال الصالحة (6) النافعة الشرعية، فيفسد عليه حاله من حيث لا يشعر (7) كما يفسد جسد المغتذي بالأغذية الخبيثة من حيث لا يشعر، وبهذا يتبين (8) لك بعض ضرر البدع.
إذا تبين هذا فلا يخفى ما جعل الله في القلوب من التشوق إلى العيد والسرور به والاهتمام بأمره، اتفاقا (9) واجتماعات وراحة، ولذة وسرورا، وكل ذلك يوجب تعظيمه لتعلق الأغراض به، فلهذا جاءت الشريعة في العيد، بإعلان
(1) الحديث مر الكلام عليه. انظر: فهرس الأحاديث.
(2)
في المطبوعة: قال: وحذرت منها. وأسقط: وكرهتها.
(3)
في المطبوعة: قال: فسادًا في قلبه ودينه ينشأ من نقص. . إلخ. وهي زيادة عما في جميع النسخ.
(4)
منه: سقطت من (أب ط) . وفي المطبوعة: عنه.
(5)
الحديث مر الكلام عليه (ص485) .
(6)
الصالحة: سقطت من المطبوعة.
(7)
في المطبوعة: (يعلم) بدل (يشعر) .
(8)
في (ب) : تبين.
(9)
في المطبوعة: إنفاقًا.
ذكر الله تعالى فيه، حتى جعل فيه من التكبير في صلاته وخطبته وغير ذلك: ما ليس في سائر الصلوات، وأقامت (1) فيه من تعظيم الله وتنزيل الرحمة فيه - خصوصا العيد الأكبر - ما فيه صلاح الخلق، كما دل عليه (2) قوله تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ - لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 27 - 28](3) .
فصار ما وُسِّع على النفوس فيه من العادات الطبيعية عونا على انتفاعها بما خص به من العبادات الشرعية؛ فإذا أعطيت النفوس في غير ذلك اليوم حظها، أو بعضه الذي يكون في عيد الله؛ فترت عن الرغبة في عيد الله (4) وزال ما كان له عندها من المحبة والتعظيم، فنقص بسبب ذلك تأثير العمل الصالح فيه (5) فخسرت النفوس (6) خسرانا مبينا.
وأقل الدرجات: أنك لو فرضت رجلين: أحدهما قد اجتمع اهتمامه بأمر العيد على (7) المشروع، والآخر مهتم بهذا وبهذا، فإنك بالضرورة تجد المتجرد للمشروع، أعظم اهتماما به من المشرك بينه وبين غيره، ومن لم يدرك هذا فلغفلته أو إعراضه، وهذا أمر يعلمه من يعرف بعض أسرار الشرائع.
وأما الإحساس بفتور الرغبة، فيجده كل أحد، فإنا نجد الرجل
(1) في (ج د) : وأقام. بالعطف على جعل. أما (أقامت) فالضمير يعود على الشريعة، فيكون العطف على: جاءت.
(2)
في المطبوعة: على ذلك.
(3)
سورة الحج: الآيتان 27، 28.
(4)
في (ج د) : في دين الله.
(5)
فيه: سقطت من (ب) .
في (أ) زاد بعد (فيه) : ذلك. ثم قال: وخسرت.
(6)
النفوس: ساقطة من المطبوعة.
(7)
على: سقطت من (أ) .
إذا كسا أولاده، أو وسع عليهم في بعض الأعياد المسخوطة، فلا بد أن تنقص (1) حرمة العيد المرضي من قلوبهم، حتى لو قيل: بل في القلوب ما يسع هذين، قيل: لو تجردت لأحدهما لكان أكمل.
الوجه الخامس (2) .
أن مشابهتهم في بعض أعيادهم يوجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، خصوصا إذا كانوا مقهورين تحت ذل الجزية والصغار، فرأوا (3) المسلمين قد صاروا فرعا لهم في خصائص دينهم، فإن ذلك يوجب قوة قلوبهم وانشراح صدورهم، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص، واستذلال (4) الضعفاء، وهذا أيضا أمر محسوس، لا يستريب فيه عاقل، فكيف يجتمع ما يقتضي إكرامهم بلا موجب مع شرع الصغار في حقهم؟ .
الوجه السادس (5) .
أن مما يفعلونه في عيدهم (6) ما هو كفر، وما هو (7) حرام وما هو (8) مباح لو تجرد عن مفسدة المشابهة، ثم التمييز بين هذا وهذا يظهر غالبا، وقد يخفى على كثير من العامة؛ فالمشابهة فيما لم يظهر تحريمه للعالم، يوقع العامي في أن يشابههم فيما هو حرام، وهذا هو الواقع.
(1) في (ج د ب) : ينقص.
(2)
في المطبوعة زاد: من الاعتبار. - كعادته -.
(3)
في المطبوعة: فإنهم يرون.
(4)
في (أ) : واستزلال.
(5)
في المطبوعة زاد أيضًا: من الاعتبار.
(6)
في المطبوعة زاد: منه.
(7)
في المطبوعة زاد: منه.
(8)
في المطبوعة زاد: منه.
والفرق بين هذا الوجه ووجه الذريعة أنا هناك (1) قلنا: الموافقة في القليل (2) تدعو إلى الموافقة (3) في الكثير، وهنا جنس الموافقة يلبس على العامة دينهم، حتى لا يميزوا بين المعروف والمنكر، فذاك بيان للاقتضاء (4) من جهة تقاضي الطباع بإرادتها، وهذا من جهة جهل القلوب باعتقاداتها.
الوجه السابع (5) .
ما قررته في وجه (6) أصل المشابهة: وذلك أن الله تعالى جبل بني آدم بل سائر المخلوقات، على التفاعل بين الشيئين المتشابهين، وكلما كانت المشابهة أكثر؛ كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم، حتى يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن (7) الآخر إلا بالعين فقط، ولما كان بين الإنسان وبين الإنسان (8) مشاركة في الجنس الخاص، كان التفاعل فيه أشد، ثم بينه وبين سائر الحيوان مشاركة في الجنس المتوسط، فلا بد من نوع تفاعل بقدره، ثم بينه وبين النبات مشاركة في الجنس البعيد مثلا، فلا بد من نوع ما من المفاعلة.
ولأجل هذا الأصل: وقع التأثر والتأثير في بني آدم، واكتساب (9) بعضهم أخلاق بعض بالمعاشرة والمشاكلة (10) . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) في (ب) : قد قلنا.
(2)
(2، 3) ما بين الرقمين سقط من (أ) .
(3)
(2، 3) ما بين الرقمين سقط من (أ) .
(4)
في (أ) وفي المطبوعة: الاقتضاء.
(5)
في المطبوعة زاد: من الاعتبار. ـ كعادته ـ.
(6)
وجه: سقطت من (أ) .
(7)
في (أ) : على الآخر.
(8)
وبين الإنسان: ساقطة من المطبوعة.
(9)
في (ب) : واكتسبت.
(10)
في (أ) : بالمعاشرة والمشاركة. وفي المطبوعة: بالمشاركة والمعاشرة.
وكذلك (1) الآدمي إذا عاشر نوعا من الحيوان اكتسب بعض أخلاقه، ولهذا صار الخيلاء والفخر في أهل الإبل، وصارت السكينة في أهل الغنم، وصار الجمالون والبغالون فيهم أخلاق مذمومة، من أخلاق الجمال والبغال، وكذلك الكلابون، وصار الحيوان الإنسي، فيه بعض أخلاق الناس (2) من المعاشرة والمؤالفة وقلة النفرة.
فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة، توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي.
وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين، هم أقل كفرا من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة (3) اليهود والنصارى، هم أقل إيمانا من غيرهم ممن جرد الإسلام، والمشاركة (4) في الهدي الظاهر توجب أيضا مناسبة وائتلافا، وإن بعد المكان والزمان، فهذا أيضا أمر محسوس، فمشابهتهم في أعيادهم -ولو بالقليل- هو سبب لنوع ما من اكتساب أخلاقهم التي هي ملعونة، وما كان مظنة لفساد خفي غير منضبط؛ علق الحكم به، وأدير (5) التحريم عليه، فنقول: مشابهتهم في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في عين الأخلاق والأفعال المذمومة. بل في نفس الاعتقادات، وتأثير ذلك لا يظهر ولا ينضبط، ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قد لا يظهر ولا ينضبط، وقد يتعسر أو يتعذر زواله بعد حصوله، ولو تفطن له، وكل ما كان سببا إلى مثل هذا الفساد فإن الشارع يحرمه، كما دلت عليه الأصول المقررة.
(1) في (ب) : ولذلك.
(2)
في المطبوعة: الإنس.
(3)
في (أ) : أكثروا معاشرة. وفي (ج د ب) : الذين عاشروا اليهود. . إلخ.
(4)
في (أ) : والمشاكلة.
(5)
في المطبوعة: وأدار.
الوجه الثامن (1) أن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة (2) وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة، حتى إن الرجلين إذا كانا من بلد واحد، ثم اجتمعا في دار غربة، كان بينهما من المودة (3) والائتلاف أمر عظيم، وإن كانا في مصرهما لم يكونا متعارفين، أو كانا متهاجرين، وذلك لأن الاشتراك في البلد نوع وصف اختصا به عن بلد الغربة. بل لو (4) اجتمع رجلان في سفر، أو بلد غريب، وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو الثياب، أو الشعر، أو المركوب (5) ونحو ذلك؛ لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما، وكذلك تجد (6) أرباب الصناعات (7) الدنيوية يألف بعضهم بعضا (8) ما لا يألفون (9) غيرهم، حتى إن ذلك يكون مع المعاداة والمحاربة: إما على الملك، وإما على الدين (10) .
وتجد الملوك ونحوهم من الرؤساء، وإن تباعدت ديارهم وممالكهم بينهم مناسبة تورث مشابهة ورعاية من بعضهم لبعض، وهذا كله موجب الطباع ومقتضاه. إلا أن يمنع من ذلك دين أو غرض خاص.
(1) في المطبوعة زاد: من الاعتبار. كعادته.
(2)
في (ج د) : وصحبه.
(3)
في المطبوعة زاد: والموالاة.
(4)
لو: سقطت من (أ) .
(5)
في (ج د) : المركب.
(6)
في (ج) : تجد بين أرباب.
(7)
في (ج د) زيادة بعد الصناعات وهي: أكثر مما بين غيرها وكذلك نجد أرباب الصناعات الدنيوية. . إلخ. وهو تكرار من النساخ.
(8)
بعضًا: سقطت من (ج د) .
(9)
في (ج د) : يألفه.
(10)
في المطبوعة: وكذلك تجد.
فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية، تورث المحبة والموالاة لهم؛ فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟ فإن إفضاءها (1) إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ - فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ - وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 51 - 53](2) .
وقال تعالى فيما يذم بها أهل الكتاب: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ - كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ - تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ - وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 78 - 81](3) .
فبين سبحانه وتعالى أن الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه مستلزم لعدم ولايتهم، فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان؛ لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم.
وقال سبحانه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22](4) .
(1) في (أج د) : اقتضاءها.
(2)
سورة المائدة: الآيات51، 52، 53.
(3)
سورة المائدة: من الآيات 78 - 81.
(4)
سورة المجادلة: من الآية 22.
فأخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يواد كافرا؛ فمن واد الكفار فليس بمؤمن، والمشابهة الظاهرة مظنة الموادة، فتكون محرمة، كما تقدم تقرير مثل ذلك.
واعلم أن وجوه الفساد في مشابهتهم كثيرة، فلنقتصر على ما نبهنا عليه (1) .
(1) في (ب) : فلتقتصر على ما بيناه عليه. وفي (ج د) : على ما بيناه. وفي المطبوعة: كما أثبته من (أ) إلا أنه زاد بعدها: والله أعلم.