المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الاستدلال من القرآن على النهي عن اتباع الكافرين] - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[تقديم بقلم معالي الدكتور الوزير عبد الله بن عبد المحسن التركي]

- ‌[مقدمة]

- ‌[القسم الأول: الدراسة]

- ‌[ترجمة موجزة للمؤلف]

- ‌[وصف النسخ المخطوطة للكتاب]

- ‌[الكتاب المحقق اسمه وتاريخ تأليفه]

- ‌[منهج تحقيق الكتاب والتعليق عليه]

- ‌[دراسة تحليلية لبعض موضوعات الكتاب]

- ‌[أولا الموضوع الرئيس للكتاب]

- ‌[ثانيا دراسة لبعض موضوعات الكتاب]

- ‌[الموضوع الأول تنبيه المؤلف على أصلين مهمين]

- ‌[الموضوع الثاني بعض أنواع البدع والشركيات التي ابتُليت بها الأمة]

- ‌[الموضوع الثالث أثر التشبُّه على الأمة]

- ‌[الموضوع الرابع قواعد أساسية في التشبه]

- ‌[الموضوع الخامس فئات من الناس نهينا عن التشبه بها]

- ‌[الموضوع السادس النهي يعم كل ما هو من سمات الكفار قديمًا وحديثًا]

- ‌[الموضوع السابع متى يباح التشبه بغير المسلمين]

- ‌[الموضوع الثامن في الأعياد والاحتفالات البدعية]

- ‌[الموضوع التاسع في الرطانة]

- ‌[الموضوع العاشر حول مفهوم البدعة]

- ‌[الموضوع الحادي عشر حول بدع القبور والمزارات والمشاهد والآثار ونحوها]

- ‌[القسم الثاني: الكتاب محققا مع التعليق عليه]

- ‌[خطبة الحاجة من كتاب المحقق]

- ‌[سبب تأليف الكتاب]

- ‌[فصل في حال الناس قبل الإسلام]

- ‌[بعض أمور أهل الكتاب والأعاجم التي ابتلي بها بعض المسلمين]

- ‌[الأمر بمخالفة المغضوب عليهم والضالين في الهدي الظاهر]

- ‌[فصل في ذكر الأدلة على الأمر بمخالفة الكفار عموما وفي أعيادهم خصوصا]

- ‌[بيان المصلحة في مخالفة الكفار والتضرر والمفسدة من متابعتهم]

- ‌[الاستدلال من القرآن على النهي عن اتباع الكافرين]

- ‌[الاستدلال من السنة على النهي عن اتباع الكافرين]

- ‌[الاختلاف الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[أنواع الاختلاف]

- ‌[عود إلى الاستدلال من القرآن على النهي عن مشابهة الكفار]

- ‌[النهي عن موالاة الكفار ومودتهم]

- ‌[وجوه الأمر بمخالفة الكفار]

- ‌[ذم بعض خصال الجاهلية]

- ‌[الفساد وأنواعه]

- ‌[التشبه مفهومه ومقتضاه]

- ‌[التشديد على النفس أنواعه وآثاره]

- ‌[فصل في ذكر فوائد خطبته صلى الله عليه وعلى آله وسلم العظيمة في يوم عرفة]

- ‌[فصل في الإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم]

- ‌[الوجه الأول من دلائل الإجماع]

- ‌[الوجه الثاني من دلائل الإجماع]

- ‌[الوجه الثالث في تقرير الإجماع]

- ‌[فصل في الأمر بمخالفة الشياطين]

- ‌[فصل في الفرق بين التشبه بالكفار والشياطين وبين التشبه بالأعراب والأعاجم]

- ‌[الناس ينقسمون إلى بر وفاجر ومؤمن وكافر ولا عبرة بالنسب]

- ‌[التفاضل بين جنس العرب وجنس العجم]

- ‌[النهي عن بغض العرب]

- ‌[أسباب تفضيل العرب]

- ‌[فصل في أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه]

- ‌[فصل في أقسام أعمال الكفار]

- ‌[فصل في الأعياد]

- ‌[طرق عدم جواز موافقتهم في أعيادهم]

- ‌[الطريق الأول أنه موافقة لأهل الكتاب فيما ليس في ديننا]

- ‌[الطريق الثاني الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار]

- ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالكتاب]

- ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالسنة]

- ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالإجماع والآثار]

- ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالاعتبار]

- ‌[فصل في مشابهتهم فيما ليس من شرعنا]

الفصل: ‌[الاستدلال من القرآن على النهي عن اتباع الكافرين]

وافقناهم أو خالفناهم فيه، ومن نفس مشاركتهم فيه، وهذا هو الغالب على الموافقة والمخالفة المأمور بهما (1) والمنهي عنهما (2) فلا بد من التفطن لهذا المعنى، فإنه به يعرف معنى نَهْي الله لنا عن اتباعهم وموافقتهم، مطلقا ومقيدا.

واعلم: أن دلالة الكتاب على خصوص الأعمال وتفاصيلها، إنما يقع بطريق الإجمال (3) والعموم (4) أو الاستلزام (5) وإنما السنة هي التي تفسر الكتاب (6) وتبينه وتدل عليه، وتعبر عنه.

[الاستدلال من القرآن على النهي عن اتباع الكافرين]

فنحن نذكر من آيات الكتاب ما يدل على أصل هذه القاعدة - في الجملة - ثم نتبع ذلك الأحاديث المفسرة في أثناء الآيات وبعدها (7) قال الله سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ - وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ - ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 16 - 18]

(1) في (ج د) : بها.

(2)

في (ج د) : عنها.

(3)

المجمل ضد المفسر وهو: ما لا يفهم المراد منه ـ لتعدد معانيه ـ إلا ببيان.

انظر: أصول السرخسي (1 / 168) ؛ وأصول الفقه للخضري (ص 135) .

(4)

العام: كل لفظ ينتظم جمعا من الأسماء لفظا أو معنى.

أصول السرخسي (1 / 125) .

وعرف بعضهم العموم بقوله: " اللفظ الموضوع لاستغراق أفراد ما يصلح له ".

انظر: أصول الفقه للخضري (ص 147) .

(5)

الاستلزام: مأخوذ من الملازمة وهي عدم المفارقة.

انظر القاموس المحيط، فصل اللام باب الميم (4 / 177) .

(6)

في (ب) : في كتاب الله العزيز.

(7)

في المطبوعة: الأحاديث المفسرة لمعاني ومقاصد الآيات بعدها.

ص: 97

{إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: 19](1) أخبر سبحانه أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا، وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغيا من بعضهم على (2) بعض.

ثم جعل محمدا صلى الله عليه وسلم على شريعة شرعها له (3) وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في الذين لا يعلمون: كل من خالف شريعته.

وأهواؤهم: هو (4) ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر، الذي هو من موجبات دينهم الباطل، وتوابع ذلك، فهم (5) يهوونه، وموافقتهم فيه اتباع لما (6) يهوونه، ولهذا: يفرح الكافرون (7) بموافقة المسلمين في بعض أمورهم ويسرون به، ويودون أن لو بذلوا (8) عظيما ليحصل ذلك، ولو فرض أن ليس الفعل من اتباع أهوائهم فلا ريب أن مخالفتهم في ذلك أحسم لمادة متابعتهم، وأعون على حصول مرضاة الله في تركها، وأن موافقتهم في ذلك قد تكون (9) ذريعة إلى موافقتهم في غيره، فإن من حام حول الحمى أوشك أن يواقعه، وأي الأمرين كان؛ حصل المقصود في الجملة؛ وإن كان الأول أظهر.

(1) سورة الجاثية: الآيات 16 - 19.

(2)

في (أب) : من بعضهم لبعضهم.

(3)

في المطبوعة: على شريعة من الأمر شرعها له، وهو زيادة على ما في النسخ الأخرى.

(4)

في المطبوعة: هي.

(5)

في (ب) : فيهم.

(6)

في (أ) : اتباع ما يهوونه.

(7)

في (ب) : الكفار.

(8)

في المطبوعة: مالا عظيما، وهو زيادة على ما في النسخ الأخرى.

(9)

(ب) : قد يكون.

ص: 98

وفي هذا الباب قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ - وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} [الرعد: 36 - 37](1) فالضمير (2) في (أهوائهم) ، يعود - والله أعلم - إلى ما تقدم ذكره، وهم الأحزاب الذين ينكرون بعضه (3) فدخل في ذلك كل من أنكر شيئا من القرآن: من يهودي أو نصراني أو غيرهما (4) وقد قال: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [الرعد: 37](5) ومتابعتهم فيما يختصون به من دينهم وتوابع دينهم اتباع لأهوائهم، بل يحصل اتباع أهوائهم بما هو دون ذلك.

ومن هذا أيضا قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120](6) .

فانظر كيف قال في الخبر: (مِلَّتَهُمْ) ، وقال في النهي (7)(أَهْوَاءَهُمْ) ، لأن القوم لا يرضون إلا باتباع الملة مطلقا، والزجر وقع عن اتباع أهوائهم في قليل أو كثير، ومن المعلوم أن متابعتهم في بعض ما هم عليه من الدين نوع متابعة لهم في بعض ما يهوونه، أو مظنة (8) لمتابعتهم فيما يهوونه، كما تقدم.

(1) سورة الرعد: الآيتان 36، 37.

(2)

في (أد ط) : والضمير.

(3)

في المطبوعة: بعض ما أنزل إليه. وهو مخالف لما في النسخ الأخرى.

(4)

في (ج د) : من يهودي أو نصراني وغيرهما.

(5)

سورة الرعد: من الآية 37، وفي المطبوعة:(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ)، سورة البقرة: من الآية 145.

(6)

سورة البقرة: من الآية 120.

(7)

في المطبوعة: وفي النهي.

(8)

في (د) : أو مظنة متابعتهم.

ص: 99

ومن هذا الباب قوله سبحانه: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 145](1){الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ - الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ - وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ - وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة: 146 - 150](2) .

قال غير واحد من السلف (3)" معناه: لئلا يحتج اليهود عليكم بالموافقة في القبلة، فيقولون: قد وافقونا في قبلتنا، فيوشك أن يوافقونا في ديننا، فقطع الله بمخالفتهم في القبلة هذه الحجة، إذ الحجة: اسم لكل ما يحتج به من حق وباطل، {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة: 150] (4) وهم قريش، فإنهم يقولون: عادوا إلى قبلتنا، فيوشك أن يعودوا إلى ديننا ".

فبين (5) سبحانه أن من حكمة نسخ القبلة وتغييرها مخالفة الناس (6)

(1) في (أط) : إلى قوله: (وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) .

(2)

سورة البقرة: الآيات 145 - 150.

(3)

ممن قال بهذا التفسير من السلف: مجاهد وعطاء والضحاك والربيع بن أنس وقتادة والسدي، وذكره ابن كثير عن أبي حاتم.

راجع: تفسير ابن كثير (1 / 195) ؛ وفتح القدير للشوكاني، الجزء الأول (ص 158) .

(4)

في (أد ط) : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) .

(5)

في (أب ط) : فقد بين الله سبحانه.

(6)

في المطبوعة: مخالفة الكافرين. أي بإسقاط كلمة (الناس) .

ص: 100

الكافرين في قبلتهم، ليكون ذلك أقطع لما يطمعون فيه من الباطل، ومعلوم أن هذا المعنى ثابت في كل مخالفة وموافقة، فإن الكافر إذا اتُّبع في شيء من أمره كان له في الحجة مثل ما كان أو قريب مما كان لليهود من الحجة في القبلة.

وقال سبحانه: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105](1) وهم: اليهود والنصارى، الذين افترقوا على أكثر من سبعين فرقة، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن متابعتهم (2) في نفس التفرق والاختلاف، مع أنه صلى الله عليه وسلم قد أخبر (3) أن أمته: ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة (4) مع أن قوله: لا تكن مثل فلان، قد يعم مماثلته بطريق اللفظ أو المعنى، وإن لم يعم دل على أن جنس مخالفتهم وترك مشابهتهم أمر مشروع، ودل على أنه (5) كلما بعد الرجل عن مشابهتهم فيما لم يشرع لنا كان أبعد عن الوقوع في نفس المشابهة المنهي عنها، وهذه مصلحة جليلة.

وقال سبحانه لموسى وهارون: {فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [يونس: 89](6) وقال سبحانه (7){وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142](8) وقال تعالى:

(1) سورة آل عمران: من الآية 105.

(2)

في (أب ط د) قال: ولهذا نهى عن مشابهتهم. . إلخ.

(3)

في (أب ط) قال: مع أنه قد أخبر. . إلخ.

(4)

سيأتي تخريج الحديث الوارد في ذلك. انظر فهرس الأحاديث.

(5)

في (ب د) : أن.

(6)

سورة يونس: 89.

(7)

قوله: وقال سبحانه: سقطت من (أط)، وفيهما:(وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ) : (وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) .

(8)

سورة الأعراف: الآية 142.

ص: 101

{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ (1) نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} [النساء: 115](2) إلى غير ذلك من الآيات.

وما هم (3) عليه من الهدي والعمل، هو من سبيل غير المؤمنين، بل ومن سبيل المفسدين، والذين لا يعلمون، وما يقدر عدم اندراجه في العموم، فالنهي ثابت عن جنسه، فيكون مفارقة الجنس بالكلية أقرب إلى ترك المنهي (4) ومقاربته مظنة وقوع المنهي عنه، قال سبحانه:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا (5) فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: 48] إلى قوله (6){وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49](7) ومتابعتهم في هديهم: هي (8) من اتباع ما يهوَوْنه، أو مظنة لاتباع ما يهوونه، وتركها معونة على ترك ذلك، وحسم لمادة متابعتهم فيما يهوونه.

واعلم: أن في كتاب الله من النهي عن مشابهة الأمم الكافرة وقصصهم التي فيها عبرة لنا بترك ما فعلوه كثيرًا، مثل قوله لما ذكر ما فعله بأهل الكتاب

(1) في (أد ط) : وقف هنا (الْمُؤْمِنِينَ) ، ولم يكمل الآية، ولعله تصرف من النساخ.

(2)

سورة النساء: الآية 115.

(3)

يعني أهل الكتاب والمشركين، وسائر الكافرين.

(4)

في المطبوعة: المنهي عنه.

(5)

في (أط) : وقف هنا: (فِي مَا آتَاكُمْ)، ثم قال:(وَلَا تَتَّبِعْ. .) الآية.

(6)

في المطبوعة: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) ، وبهذا يكون سرد الآيات متصلة.

(7)

سورة المائدة: الآيتان 48، 49.

(8)

في (د) : هو.

ص: 102

من المثلات (1){فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2](2) وقوله: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف: 111](3) وأمثال ذلك، ومنه ما يدل على مقصودنا، ومنه ما فيه إشارة وتتميم للمقصود.

ثم متى كان المقصود بيان أن مخالفتهم في عامة أمورهم أصلح لنا؛ فجميع الآيات دالة على ذلك وإن كان المقصود أن مخالفتهم واجبة علينا، فهذا إنما يدل عليه بعض الآيات دون بعض، ونحن ذكرنا ما يدل على أن مخالفتهم مشروعة في الجملة، إذ كان (4) هو المقصود هنا.

وأما تمييز دلالة الوجوب، أو الواجب (5) عن غيرها (6) وتمييز (7) الواجب عن غيره، فليس هو المقصود هنا.

وسنذكر إن شاء الله أن مشابهتهم في أعيادهم من الأمور المحرمة، فإنه هو المسألة المقصودة (8) بعينها، وسائر المسائل (9) إنما جلبها (10) تقرير القاعدة الكلية العظيمة المنفعة.

وقال الله عز وجل:

(1) المثلات: جمع مثلة، وهي العقوبة.

انظر: مختار الصحاح، مادة (م ث ل) ، (ص 615) .

(2)

سورة الحشر: من الآية 2.

(3)

سورة يوسف: من الآية 111.

(4)

في المطبوعة: إذ كان هذا هو.

(5)

في (أب) : سقطت كلمة: أو الواجب.

(6)

في (ط) : عن غيرهما.

(7)

في (ج) : أو تمييز.

(8)

في المطبوعة: هنا بعينها.

(9)

في المطبوعة زاد: سواها.

(10)

في المطبوعة زاد: إلى هنا.

ص: 103

{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ - وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ - كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ - أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ - وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ - وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ - يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: 67 - 73](1) بين الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات - أخلاق المنافقين وصفاتهم، وأخلاق المؤمنين وصفاتهم - وكلا الفريقين مُظهِر للإسلام ووعد المنافقين المظهرين للإسلام مع هذه الأخلاق، والكافرين المظهرين للكفر نار جهنم، وأمر نبيه (2) بجهاد الطائفتين.

ومنذ بعث الله (3) محمدا صلى الله عليه وسلم، وهاجر إلى المدينة، صار الناس (4) ثلاثة أصناف:

(1) سورة التوبة: الآيات 67 - 73.

(2)

في (ب) : وأمر نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(3)

في المطبوعة زيادة: عبده ورسوله.

(4)

أي إزاء الإسلام.

ص: 104

مؤمن، ومنافق، وكافر.

فأما الكافر - وهو المظهر للكفر - فأمره بَيِّن، وإنما الغرض هنا متعلق بصفات المنافقين المذكورة في الكتاب والسنة، فإنها هي التي تخاف (1) على أهل القبلة (2) فوصف الله سبحانه المنافقين بأن بعضهم من بعض، وقال في المؤمنين:{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71](3) وذلك لأن المنافقين تشابهت قلوبهم وأعمالهم وهم مع ذلك {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14](4) فليست قلوبهم متوادة متوالية إلا ما دام الغرض الذي يؤمونه مشتركا بينهم، ثم يتخلى بعضهم عن بعض، بخلاف المؤمن؛ فإنه يحب المؤمن، وينصره بظهر الغيب، وإن تناءت بهم الديار وتباعد الزمان.

ثم وصف سبحانه كل واحدة من الطائفتين بأعمالهم في أنفسهم (5) وفي غيرهم، وكلمات الله جوامع، وذلك أنه لما (6) كانت أعمال المرء المتعلقة بدينه قسمين:

أحدهما: أن يعمل ويترك.

والثاني: أن (7) يأمر غيره بالفعل والترك.

(1) في (ب) : يخاف منها على أهل القبلة.

(2)

أهل القبلة: هم المسلمون، وسموا بذلك لأنهم يتجهون في صلاتهم إلى القبلة وهي جهة الكعبة.

(3)

سورة التوبة: من الآية 71.

(4)

سورة الحشر: من الآية 14.

(5)

في (ب ج د) : في نفسهم.

(6)

لما: سقطت من (ط) .

(7)

أن: سقطت من (ب) .

ص: 105

ثم فعله: إما أن (1) يختص هو بنفعه أو ينفع به غيره؛ فصارت الأقسام ثلاثة ليس لها رابع:

أحدها: ما يقوم بالعامل (2) ولا يتعلق بغيره كالصلاة مثلا.

والثاني: ما يعمله لنفع غيره كالزكاة.

والثالث: ما يأمر غيره أن يفعله، فيكون الغير هو العامل، وحظه هو الأمر به.

فقال سبحانه في صفة المنافقين: {يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [التوبة: 67](3) وبإزائه في صفة المؤمنين: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71](4) .

والمعروف:

اسم جامع لكل ما يحبه الله من الإيمان والعمل (5) الصالح.

والمنكر:

اسم جامع لكل ما نهى (6) الله عنه.

ثم قال: {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} [التوبة: 67](7) قال مجاهد: (8) " يقبضونها عن

(1) أن: سقطت من (د) .

(2)

في (ب ج) : ما يقوم بالعامل لا يتعلق بغيره أي بحذف واو العطف.

(3)

سورة التوبة: من الآية 67.

(4)

سورة التوبة: من الآية: 71.

(5)

في (ب) : ومن العمل الصالح.

(6)

في المطبوعة زاد: لكل ما كرهه الله. وفي (ب) : "لكل" ساقطة.

(7)

سورة التوبة: من الآية 67.

(8)

هو الإمام: مجاهد بن جبر المخزومي، مولاهم، المكي، أبو الحجاج، من الأئمة الثقات من الطبقة الثالثة من التابعين ومن كبار المفسرين والفقهاء توفي سنة (103 هـ) وعمره 83 سنة، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة وسائر أهل الحديث.

انظر: تقريب التهذيب (2 / 229) ، (ت 922) ، م؛ والطبقات الكبرى لابن سعد (5 / 466) و (467) .

ص: 106

الإنفاق في سبيل الله " (1) وقال قتادة: " يقبضون أيديهم عن كل خير " (2) فمجاهد أشار إلى النفع بالمال، وقتادة أشار إلى النفع بالمال والبدن.

وقبض اليد: عبارة عن الإمساك (3) كما في قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29](4) .

وفي قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64](5) وهي (6) حقيقة عرفية (7) ظاهرة من اللفظ، أو هي مجاز مشهور (8)

(1) ذكر المفسرون أن مجاهدا قال في قوله تعالى: (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) : لا يبسطونها بالنفقة في حق، والمعنى متقارب. راجع تفسير الطبري (10 / 120) ؛ وتفسير مجاهد، تحقيق عبد الرحمن السورتي (ص 283)، أما اللفظ الذي ذكره المؤلف هنا فهو لابن كثير في تفسيره ولم يعزه لأحد. انظر: تفسير ابن كثير (2 / 368) .

(2)

انظر: تفسير الطبري (10 / 121) .

(3)

في (أ) : الأموال.

(4)

سورة الإسراء: من الآية 29.

(5)

سورة المائدة: من الآية 64.

(6)

في (ج د) : وفي حقيقة عرفية. وليس لوجود (في) هنا معنى. لذلك توهم الناسخ للمخطوطة (د) : أن العبارة سقط فوضع بعد (في) نقاط كذا: (في. . حقيقة) .

(7)

الحقيقة العرفية عرفها المؤلف في كتاب (الإيمان) بأنها: " هي ما صار اللفظ دالا فيها على المعنى بالعرف لا باللغة " مثل الدابة: أصله في اللغة: اسم لكل ما يدب، ثم صار عرفا لذوات الأربع. انظر: كتاب الإيمان (ص 80) .

(8)

للمؤلف رحمه الله رأي مشهور في المجاز، فهو يرى: أن تقسيم الألفاظ الدالة على معانيها إلى حقيقة ومجاز اصطلاح حادث جاء بعد انقضاء القرون الثلاثة الفاضلة، فلم يتكلم به أحد من الصحابة، ولا التابعين، ولا الأئمة المشهورين بالعلم كمالك، والثوري، والأوزاعي، وأبي حنيفة، والشافعي، بل ولا أئمة النحو كالخليل، وسيبويه، وأبي عمرو بن العلاء، ونحوهم، ويرى أنه من حيل الفرق كالمعتزلة، والمتكلمين، فهو لهم باب من أبواب التأويل، والتحريف لكلام الله ورسوله خاصة في أسماء الله وصفاته، وأن له مفاسد لغوية وشرعية وعقلية.

راجع: مجموع الفتاوى للمؤلف (7 / 87 - 117) ، و (20 / 400 - 497) ؛ وكتاب الإيمان من (72 - 100) .

ص: 107

وبإزاء قبض أيديهم قوله في المؤمنين: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [التوبة: 71](1) فإن الزكاة - وإن كانت قد صارت حقيقة عرفية (2) في الزكاة المفروضة - فإنها اسم لكل نفع للخلق: من نفع بدني، أو مالي. فالوجهان هنا كالوجهين في قبض اليد.

ثم قال: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67](3) ونسيان الله ترك ذكره، وبإزاء ذلك (4) في صفة المؤمنين:{وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} [التوبة: 71] فإن الصلاة أيضا تعم الصلاة (5) المفروضة، والتطوع، وقد يدخل فيها كل ذكر الله: إما لفظا وإما (6) معنى، قال ابن مسعود (7) رضي الله عنه: " ما دمت تذكر الله فأنت في صلاة وإن كنت في

(1) سورة التوبة: من الآية 71.

(2)

في المطبوعة حقيقة شرعية.

(3)

سورة التوبة: من الآية 67.

(4)

في المطبوعة زاد: قال.

(5)

في (أب) : نعم المفروضة.

(6)

في (أب) : أو معنى.

(7)

هو الصحابي الجليل: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، حليف بني زهرة، أسلم مبكرا في مكة حين أسلم سعيد بن زيد وزوجته فاطمة بنت الخطاب، وقيل: إنه أسلم سادس ستة، وهو أول من جهر بالقرآن بمكة حتى أوذي في ذلك، خدم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهاجر الهجرتين، وصلى القبلتين، وشهد بدرا وأحدا وسائر المشاهد، من أعلم الصحابة بالقرآن والتفسير، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بذلك، وجهه عمر بن الخطاب إلى الكوفة يعلم الناس، واستقدمه عثمان إلى المدينة، وتوفي بها عام 32هـ. راجع: أسد الغابة (3 / 256 - 260) ؛ والإصابة (2 / 368 - 370) ، (ت 4954) .

ص: 108

السوق " (1) وقال معاذ بن جبل (2) " مدارسة العلم التسبيح".

ثم ذكر (3) ما وعد الله به المنافقين والكفار: من النار (4) ومن اللعنة، ومن العذاب المقيم (5) وبإزائه ما وعد (6) المؤمنين: من الجنة والرضوان، ومن الرحمة.

(1) لم أجد هذا في المصادر التي اطلعت عليها.

(2)

في (ب) : رضي الله عنه.

هو الصحابي الجليل: معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن، أحد السبعين الذين شهدوا بيعة العقبة من الأنصار، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من أعلم الصحابة بالقرآن، وشهد له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك، كما شهد له بأنه أعلم الأمة بالحلال والحرام، ومن أهل الفتوى في الصحابة، بعثه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى اليمن قاضيا ومرشدا، ثم عاد إلى المدينة في عهد أبي بكر، وقاتل مع أبي عبيدة في الشام، واستخلفه أبو عبيدة على الجيش حين أصيب بالطاعون، وتوفي معاذ رضي الله عنه بناحية الأردن عام (18هـ) وعمره 33 سنة. راجع: أسد الغابة (4 / 376 - 378) ؛ والإصابة ترجمة (8037) ؛ وغاية النهاية في طبقات القراء (2 / 301) ترجمة (3620) .

(3)

في (ب) : ثم ذكر الله تعالى.

(4)

في (أط) : في الآخرة.

(5)

في المطبوعة: من اللعنة ومن النار والعذاب المقيم في الآخرة. وهو خلاف النسخ الأخرى.

(6)

في المطبوعة: ما وعد الله المؤمنين.

ص: 109

ثم في ترتيب الكلمات وألفاظها أسرار كثيرة، ليس هذا موضعها، وإنما الغرض تمهيد قاعدة لما سنذكره إن شاء الله (1) .

وقد قيل: إن قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [التوبة: 68](2) إشارة إلى ما هو لازم لهم في الدنيا والآخرة من الآلام النفسية: غمّا وحزنا، وقسوة وظلمة قلب (3) وجهلا، فإن للكفر والمعاصي من الآلام العاجلة الدائمة ما الله به عليم، ولهذا تجد غالب هؤلاء لا يطيّبون عيشهم إلا بما يزيل العقل، ويلهي (4) القلب (5) ومن تناول مسكر، أو رؤية مُلْهٍ، أو سماع مطرب، ونحو ذلك (6) وبإزاء (7) ذلك قوله في المؤمنين:{أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة: 71](8) فإن الله

(1) في (ج) : إن شاء الله تعالى.

(2)

سورة التوبة: من الآية 68.

(3)

في (أ) : وظلمة وجهلا. فأسقطت كلمة (قلب) .

(4)

في (ط) : ويلقي.

(5)

في المطبوعة: إلا بما يزيل عقولهم، ويلهي قلوبهم.

(6)

ولذلك نجد كثيرا من المسلمين اليوم لما انحرفوا عن دين الله وارتكبوا المعاصي وكثر فيهم الخبث؛ زادت آلامهم النفسية، وقست قلوبهم، وحرمت لذات الإيمان والطمأنينة، وأخذوا يهربون من هذا القلق والعذاب النفسي بكل ما وفرته لهم المدنية الحديثة الزائفة، من وسائل التلهي والعبث: من مسكرات، ومخدرات، وأغان، بالإضافة إلى الوسائل الأخرى التي ابتليت بها الأمة كالرياضة، والفن، وما يدخل تحتهما من عبث ومجون، وما تروجه أجهزة الإعلام من هذا كله وغيره. كل هذا مما يلهي القلب ويفسد الضمير ويضعف الإيمان، إنما سببه شعور أهل المعاصي بآلام الذنوب، ولذلك نجد أطباء الأمراض النفسية يكثرون، ويزداد عليهم الطلب، كما أن مظاهر القلق وضعف الإيمان، من الانتحار، والانهيار العصبي، والهستريا، والخنفسة، والاستهتار، كلها تزداد كل يوم مع تمادي الناس في الغواية والرذيلة، نسأل الله العافية.

(7)

بإزاء: أي بمقابلة ذلك.

(8)

سورة التوبة: من الآية 71.

ص: 110

يعجل للمؤمنين من الرحمة في قلوبهم، وغيرها بما (1) يجدونه من حلاوة الإيمان ويذوقونه من طعمه، وانشراح صدورهم للإسلام، إلى غير ذلك من السرور بالإيمان، والعلم (2) والعمل الصالح، بما لا يمكن وصفه.

وقال سبحانه في تمام خبر المنافقين: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا} [التوبة: 69](3) وهذه الكاف قد قيل: إنها رفع (4) خبر مبتدأ محذوف، تقديره: أنتم كالذين من قبلكم. وقيل: إنها (5) نصب بفعل محذوف تقديره: فعلتم كالذين من قبلكم، كما قال النمر بن تولب:(6)" كاليوم مطلوبا ولا طالبا "

أي: لم أر كاليوم، والتشبيه - على هذين القولين - في أعمال الذين من قبل، وقيل: إن التشبيه في العذاب ثم قيل: العامل محذوف، أي: لعنهم وعذبهم كما لعن (7) الذين من قبلكم،

(1) في (ب) : مما يجدونه.

(2)

في المطبوعة: والعلم النافع.

(3)

سورة التوبة: من الآية 69.

(4)

الكلام ناقص، ويتم السياق لو قال: إنها في موضع رفع. وفي (ط) : قال: إنها خبر مبتدأ.

(5)

وكذلك هنا لو قال: إنها في موضع نصب؛ لكان أتم للمعنى. وفي (أ) : وقيل: نصب.

(6)

هو: النمر بن تولب بن زهير بن أقيس العكلي، شاعر مخضرم عاش في الجاهلية طويلا، وأدرك الإسلام فأسلم، وفد على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكتب عنه كتابا لقومه، روى عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديثا، وكان رجلا كيسا كريما من ذوي النعمة والوجاهة، ذكره عمر بن الخطاب يوما فترحم عليه، ويعده المؤرخون من المعمرين، توفي في آخر خلافة أبي بكر أو في خلافة عمر.

راجع: أسد الغابة (5 / 39) ؛ والأعلام للزركلي (8 / 48) .

(7)

في (ب) : كما لعن الله من قبلكم.

ص: 111

وقيل (1) - وهو أجود -: بل العامل ما تقدم، أي: وعد الله المنافقين كوعد الذين من قبلكم، ولعنهم كلعن الذين من قبلكم، ولهم عذاب مقيم كالذين من قبلكم أو (2) محلها نصب، ويجوز أن يكون رفعا، أي: عذاب كعذاب الذين من قبلكم.

وحقيقة الأمر على هذا القول: أن الكاف تناولها (3) عاملان ناصبان، أو ناصب ورافع، من جنس قولهم: أكرمت وأكرمني زيد (4) والنحويون لهم فيما إذا لم يختلف العامل، كقولك (5) أكرمت وأعطيت زيدا - قولان: أحدهما: وهو قول سيبويه (6) وأصحابه: أن العامل في الاسم هو أحدهما وأن الآخر حذف معموله؛ لأنه لا يرى اجتماع عاملين على معمول واحد.

والثاني: قول الفراء وغيره من الكوفيين: أن الفعلين عملا في هذا الاسم، وهو يرى أن العاملين يعملان في المعمول الواحد.

(1) وقيل: ساقطة من (أ) .

(2)

في (ج د) والمطبوعة: فمحلها نصب.

(3)

في المطبوعة: تنازعها.

(4)

في قوله: أكرمت وأكرمني زيد. تناوله عاملان، الأول: ناصب وهو أكرمت، على أن زيدا مفعول، والثاني: أكرمني، على أن زيدا هو فاعل الإكرام فغلب عامل الرفع، وحذف المنصوب وجوبا؛ لأن العامل من غير بابي: كان وظن.

(5)

في (ج د) : كقولهم.

(6)

سيبويه: عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي - بالولاء - يلقب بسيبويه - ومعناها بالفارسية: رائحة التفاح: لزم الخليل بن أحمد فدرس عليه النحو حتى فاقه، فصار إماما من أئمة النحو، فهو أول من بسط هذا العلم، فصنف كتابه:(كتاب سيبويه) ولد عام (148 هـ)، وتوفي (180 هـ) . راجع: الأعلام لللزركلي (5 / 81) ، ط 4.

ص: 112

وعلى هذا اختلافهم في نحو قوله: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17](1) . وأمثاله.

فعلى قول الأولين يكون التقدير: وعد الله المنافقين النار، كوعد الذين من قبلكم ولهم عذاب مقيم، كالذين من قبلكم، أو كعذاب الذين (2) . من قبلكم ثم حُذف اثنان من هذه المعمولات؛ لدلالة الآخر عليهما (3) وهم يستحسنون حذف الأولين (4) .

وعلى القول الثاني يمكن أن يقال: الكاف المذكورة بعينها هي المتعلقة بقوله: (وعد) وبقوله: (ولعن) وبقوله (5){وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [التوبة: 68] لأن الكاف لا يظهر فيها إعراب، وهذا على القول بأن عمل الثلاثة النصب ظاهر.

وإذا قيل: إن الثالث يعمل الرفع؛ فوجهه: أن العمل واحد في اللفظ، إذ التعلق تعلق معنوي لا لفظي.

وإذا عرفت أن من الناس من يجعل التشبيه في العمل، ومنهم من يجعل التشبيه في العذاب، فالقولان متلازمان إذ المشابهة في الموجب تقتضي المشابهة في الموجَب، وبالعكس فلا خلاف معنوي بين القولين.

وكذلك ما ذكرناه من اختلاف النحويين في وجوب في (6) الحذف وعدمه - إنما هو اختلاف في تعليلات ومآخذ، لا تقتضي (7) اختلافا لا في إعراب،

(1) سورة ق: الآية 17.

(2)

في (ب) : الذين هم.

(3)

أي على المحذوف.

(4)

في (ب) : الأول.

(5)

في (أط) : وقوله: لهم عذاب.

(6)

(ب ج د ط) : وجود (بالدال) .

(7)

في (ب) : في التعديلات وما أخذ لا يقتضي.

ص: 113

ولا في معنى؛ فإذن: الأحسن أن تتعلق الكاف بمجموع ما تقدم: من العمل والجزاء، فيكون التشبيه فيهما لفظا (1) .

وعلى القولين الأولين: يكون قد دل على أحدهما لفظا، على الآخر لزوما (2) .

وإن سلكت طريقة الكوفيين - على هذا - كان أبلغ وأحسن؛ فإن لفظ الآية يكون قد دل على المشابهة في الأمرين من غير حذف، وإلا فيضمر (3) حالكم كحال الذين من قبلكم، ونحو ذلك، وهو قول من قدره: أنتم كالذين من قبلكم.

ولا يسع هذا المكان بسطا أكثر من هذا (4) فإن الغرض متعلق بغيره.

وهذه المشابهة في هؤلاء (5) بإزاء ما وصف الله به المؤمنين من قوله: {وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة: 71](6) فإن طاعة الله ورسوله تنافي مشابهة الذين من قبل (7) قال سبحانه: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69](8) .

فالخطاب في قوله: {كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً} [التوبة: 69] وقوله: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ} [التوبة: 69]

(1) في المطبوعة: لفظيا.

(2)

في (ب) زاد: يكون قد دل على مشابهة أمرين أحدهما. ثم قال: وإن سلكت. . إلخ.

(3)

في (ج د) : فيضمن.

(4)

في (أب ط) : ولا يتسع هذا المكان لبسط هذا أكثر من هذا.

(5)

الإشارة إلى المنافقين.

(6)

سورة التوبة: من الآية 71.

(7)

في المطبوعة: من قبلكم.

(8)

سورة التوبة: من الآية: 69.

ص: 114

إن كان للمنافقين، كان من باب خطاب التلوين والالتفات، وهذا انتقال من المغيَّب (1) إلى الحضور، كما في قوله:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ - إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 3 - 5]

ثم حصل الانتقال من الخطاب إلى المغيب (2) في قوله: {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [التوبة: 69](3) وكما (4) في قوله: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا} [يونس: 22](5) وقوله: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7](6) فإن الضمير في قوله: {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [التوبة: 69] الأظهر أنه عائد إلى المستمتعين الخائضين من هذه الأمة كقوله (7) - فيما بعد -: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [التوبة: 70](8) وإن كان الخطاب لمجموع الأمة المبعوث إليها، فلا يكون الالتفات إلا في الموضع الثاني.

وأما قوله: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ} [التوبة: 69] ففي تفسير عبد الرزاق (9) عن

(1) في المطبوعة: الغيبة.

(2)

في المطبوعة: الغيبة.

(3)

سورة التوبة: من الآية 69.

(4)

في (أط) : كما. (بحذف واو العطف) .

(5)

سورة يونس: الآية 22.

(6)

سورة الحجرات: الآية 7.

(7)

في (ب) : لقوله.

(8)

سورة التوبة: من الآية 70.

(9)

هو: الإمام عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري، الصنعاني، أبو بكر، ولد عام (126 هـ) ، وكان من الأئمة الحفاظ الثقات في الحديث، والتفسير، والفقه، وله مصنفات أشهرها: المصنف في الحديث، وتفسير القرآن، وكتاب السنن في الفقه، وكتاب المغازي. توفي سنة (210 هـ) .

انظر: طبقات الحنابلة (1 / 289) ، (ت 280) ؛ والأعلام للزركلي (3 / 3531) .

ص: 115

معمر (1) عن الحسن (2) في قوله: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ} [التوبة: 69] قال: بدينهم (3) ويروى ذلك عن أبي هريرة (4) رضي الله عنه وروي عن ابن عباس (5) بنصيبهم من الآخرة في الدنيا (6) وقال آخرون: بنصيبهم من

(1) هو: معمر بن راشد بن أبي عمر الأزدي، إمام حافظ ثقة متقن للحديث، وفقيه، ولد بالبصرة عام (95 هـ) ، وسكن اليمن، وأقام واشتهر بها، حتى توفي عام (153 هـ) .

انظر: البداية والنهاية (9 / 266، 267) ؛ وتقريب التهذيب (2 / 266) ، (ت 1284) .

(2)

هو: الحسن بن يسار البصري أبو سعيد، من كبار التابعين ولد سنة (21 هـ) بالمدينة وسكن البصرة، وكان حبر الأمة وإمامها في زمانه في الحديث، والفقه، والتفسير، وكان قد شب في كنف علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان يدخل على الولاة فيأمرهم وينهاهم حتى صارت له هيبة عظيمة توفي سنة (110 هـ) .

انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان (2 / 69- 73) ، (ت 156) ؛ وتهذيب التهذيب (2 / 263- 270) ، (ت 488) .

(3)

انظر: تفسير ابن كثير (3 / 368) حيث ذكر عن الحسن، وتفسير ابن جرير (10 / 123) ذكره مسندا.

(4)

انظر: تفسير ابن كثير (2 / 368) حيث ذكر ذلك عن أبي هريرة أيضا.

(5)

هو الصحابي الجليل: حبر الأمة: عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ترجمان القرآن، وإمام المسلمين في التفسير، فقد دعا له الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن يعلمه الله التأويل ويفقه في الدين، فكان يسمى الحبر؛ ويسمى البحر، لسعة علمه في التفسير، واللغة، والمغازي، وأشعار العرب، وأيامهم، وكان مقدما عند الخلفاء الراشدين يستشيرونه في معضلات الأمور، ولي الحج بأمر عثمان سنة 35، وشهد قتال الخوارج مع علي وناظرهم وألزمهم الحجة، وتأمر على البصرة ثم سكن الطائف حتى مات بها سنة (68 هـ) ، وكانت ولادته قبل الهجرة بثلاث سنين.

انظر: البداية والنهاية لابن كثير (8 / 295- 306) ؛ والطبقات الكبرى لابن سعد (3 / 635 - 372) .

(6)

انظر المقباس في تفسير ابن عباس للفيروزآبادي (ص 124) .

ص: 116

الدنيا (1) .

قال أهل اللغة: الخلاق: هو النصيب والحظ، كأنه ما خلق للإنسان، أي ما قدر له، كما يقال:(القسم) لما قسم له، و (النصيب) لما نصب له، أي أثبت.

ومنه قوله تعالى: {مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 102](2) أي: من نصيب، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما يلبس الحرير من لا خلاق له في الآخرة» (3) .

والآية تعم ما ذكره العلماء جميعهم، فإنه سبحانه قال:{كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا} [التوبة: 69] فتلك القوة التي كانت فيهم كانوا يستطيعون أن يعملوا بها للدنيا والآخرة، وكذلك أموالهم وأولادهم، وتلك القوة والأموال والأولاد: هو الخلاق، فاستمتعوا بقوتهم وأموالهم وأولادهم في الدنيا، ونفس الأعمال التي عملوها بهذه القوة والأموال: هي دينهم، وتلك الأعمال، لو أرادوا بها الله، والدار الآخرة؛ لكان لهم ثواب في الآخرة عليها، فتمتعهم بها أخذ حظوظهم العاجلة بها، فدخل في هذا من لم يعمل إلا لدنياه، سواء كان جنس العمل من العبادات، أو غيرها (4) .

(1) ممن قال بهذ القول الإمام السدي، انظر: فتح القدير للشوكاني (2 / 380) .

(2)

سورة البقرة: من الآية 102، وفي المطبوعة: ذكر الآية الأخرى أيضا: (وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) سورة البقرة: من الآية 200، لكن بقية النسخ لم تشر إلى الآية الأولى.

(3)

ورد ذلك في حديث أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.

انظر: صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب من تجمل للوفود، الحديث رقم (6081) من فتح الباري (10 / 500) .

وصحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة. . إلخ، الحديث رقم (2068) ، (2069) ، (3 / 1639، 1641) .

(4)

في (أط) : أو من غيرها.

ص: 117

ثم قال سبحانه: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69](1) .

وفي (الذي) وجهان: أحسنهما أنها صفة المصدر، أي كالخوض الذي خاضوه (2) فيكون العائد محذوفا كما في قوله (3) {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71] (4) وهو كثير فاش في اللغة، والثاني: أنه صفة الفاعل، أي: كالفريق (5) أو الصنف أو الجيل الذي خاضوه، كما لو قيل: كالذين خاضوا.

وجمع سبحانه بين الاستمتاع بالخلاق، وبين الخوض، لأن فساد الدين (6) إما أن يقع بالاعتقاد الباطل، والتكلم به، أو يقع في العمل بخلاف الاعتقاد الحق.

والأول: هو البدع (7) ونحوها.

والثاني: (8) فسق الأعمال ونحوها (9) .

(1) سورة التوبة: من الآية 69.

(2)

في (ج د) : خاضوا.

(3)

في المطبوعة: أورد الآية بتمامها: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) سورة يس: الآية 71. وهو خلاف النسخ الأخرى.

(4)

سورة يس: الآية 71.

(5)

في (أب ط) : كالفوج.

(6)

في (أ) : الدنيا.

(7)

وذلك مثل: الزيادة في العبادات، والدعاء عند القبور، والبناء عليها، وزيارة المشاهد - غير المساجد الثلاثة ومشاعر الحج التي نص عليها الشارع - وزيادة الأعياد، كأعياد الميلاد، وأعياد المناسبات، والأعياد الوطنية، ونحوها، فكل هذه الأمور من الخوض بالباطل.

(8)

في المطبوعة: هو فسق الأعمال.

(9)

وذلك مثل: أكل الربا، وشرب المسكر، والزنا، وأكل أموال الناس بالباطل، والسرقة، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، فهذا ونحوه من الاستمتاع بالخلاق كما أشار إليه المؤلف رحمه الله.

ص: 118

والأول: من جهة الشبهات.

والثاني: من جهة الشهوات.

ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه.

وكانوا يقولون: احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون (1) فهذا (2) يشبه المغضوب عليهم، الذين يعلمون الحق ولا يتبعونه وهذا (3) يشبه الضالين الذين يعملون بغير علم.

ووصف بعضهم أحمد بن حنبل (4) فقال: " رحمه الله، عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، أتته البدع

(1) جاء ذلك عن سفيان بن عيينة، انظر: شرح السنة للبغوي (1 / 318)، وقال: تعوذوا بالله من فتنة. . . إلخ.

(2)

أي العالم الفاجر.

(3)

أي العابد الجاهل.

(4)

هو: الإمام أحمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، أبو عبد الله، ولد سنة (164 هـ) ببغداد، وطلب العلم وهو صغير، ورحل إلى سائر الأقطار وأخذ عن علمائها حتى اشتهر بالحفظ والإتقان، إلى أن صار إماما من أئمة الحديث والفقه، مع التقى والصلاح والقوة في الحق واتباع السنة، وبلغت شهرته الآفاق خاصة بعدما وقف وقفته المشهورة أمام بدعة القول بخلق القرآن، تلك الوقفة التي قهقرت المعتزلة وسائر الفرق اليوم، والإمام أحمد هو إمام المذهب الحنبلي في الفقه، وله مؤلفات كثيرة في السنة، والتفسير، والتوحيد، وغيرها، أشهرها المسند، وقد توفي رحمه الله سنة (241 هـ) .

انظر البداية وانهاية لابن كثير (10 / 325 - 343) .

ص: 119

فنفاها (1) والدنيا فأباها " (2) .

وقد وصف الله أئمة المتقين فقال: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24](3) فبالصبر تُترك الشهوات وباليقين تُدفع الشبهات.

ومنه قوله: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3](4) وقوله: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} [ص: 45](5) .

ومنه الحديث المرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب البصر (6) الناقد عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات» (7) .

(1) في (أب) : عكس العبارتين فقال: البدع فأباها، والدنيا فنفاها.

(2)

أخرج ابن الجوزي هذا القول بالسند عن أبي عمير عيسى بن محمد بن النحاس الرملي الفلسطيني، في مناقب الإمام أحمد (173) ، كما أخرجها عنه أيضا ابن كثير في البداية والنهاية (10 / 336)، وكناه: أبو عمر.

(3)

سورة السجدة: الآية 24.

(4)

سورة العصر: الآية 3.

(5)

سورة ص: من الآية 45.

(6)

في المطبوعة: البصير.

(7)

أشار المؤلف إلى هذا الأثر في الفتاوى (20 / 58) و (28 / 44) ، لكنه لم يذكر سنده، وذكره أيضا في درء تعارض العقل والنقل (2 / 105) وفي (5 / 131)، وقال: رواه البيهقي مرسلا، كما رواه البيهقي في الزهد (ص 362) برقم (952) ؛ وأبو نعيم في الحلية (6 / 199) بلفظ يقاربه، وقال عنه العراقي في المغني - تخريج الإحياء - (4 / 388) :" وأبو نعيم في الحلية من حديث عمران بن حصين، وفيه حفص بن عمر العدني ضعفه الجمهور " وقال الزبيري في إتحاف السادة المتقين شرح الإحياء 10 / 105 بعد أن نقل كلام العراقي: " قلت: ورواه كذلك البيهقي في الزهد، وأبو مطيع في أماليه، وأبو مسعود بن إبراهيم الأصبهاني في كتاب الأربعين بلفظ (عند مجئ. .) ". اهـ.

ص: 120

فقوله سبحانه: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ} [التوبة: 69] إشارة إلى اتباع الشهوات، وهو داء العصاة، وقوله:{وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69] إشارة إلى اتباع الشبهات، وهو داء المبتدعة وأهل الأهواء والخصومات، وكثيرا ما يجتمعان، فقلّ من تجد (1) في اعتقاده فسادا إلا وهو يظهر (2) في عمله.

وقد دلت الآية على أن الذين كانوا من (3) قبل استمتعوا وخاضوا، وهؤلاء فعلوا مثل أولئك.

ثم قوله: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ} [التوبة: 69] و {وَخُضْتُمْ} [التوبة: 69] خبر عن وقوع ذلك في الماضي وهو ذم لمن يفعله، إلى يوم القيامة، كسائر ما أخبر الله به عن الكفار (4) والمنافقين، عند مبعث (5) محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه ذم لمن (6) حاله كحالهم إلى يوم القيامة، وقد يكون خبرا عن أمر دائم (7) مستمر؛ لأنه - وإن كان بضمير الخطاب - فهو كالضمائر (8) في نحو قوله:(اعْبُدُوا)(9) و (اغْسِلُوا)(10)

و

(1) في (ب) : يجد.

(2)

في المطبوعة: ظاهر.

(3)

في المطبوعة: الذين كانوا من قبل، وهو زيادة عما في النسخ الأخرى.

(4)

في المطبوعة: عن أعمال وصفات الكفار، وهو زيادة عما في النسخ الأخرى.

(5)

في المطبوعة: عند مبعث عبده ورسوله محمد. . إلخ، وهو زيادة عما في النسخ الأخرى.

(6)

في المطبوعة: لمن يكون حاله، وهو زيادة عما في النسخ الأخرى.

وفي (ج أد ط) : لمن حالهم، بدون الكاف.

(7)

في (ج د) : وإثم مستمر.

(8)

في المطبوعة: و (أ) : كالضمير.

(9)

وردت في القرآن الكريم إحدى وعشرين مرة، أولها قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ سورة البقرة: الآية 21، وآخرها قوله تعالى حكاية نوح عليه السلام: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ) سورة نوح: الآية 3.

(10)

نص الآية: (فَاغْسِلُوا) بالفاء، وهو قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) سورة المائدة: الآية 6.

ص: 121

{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77](1) و (آمنوا)(2) كما أن جميع الموجودين في وقت النبي صلى الله عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة (3) مخاطبون بهذا الكلام؛ لأنه كلام الله، وإنما الرسول مبلغ له (4) .

وهذا مذهب عامة المسلمين - وإن كان بعض من تكلم في أصول الفقه، اعتمد أن الضمير (5) إنما يتناول الموجودين حين (6) تبليغ الرسول وأن سائر الموجودين دخلوا: إما بما علمناه بالاضطرار من استواء الحكم، كما لو خاطب النبي صلى الله عليه وسلم واحدا من الأمة، وإما بالسنة، وإما بالاجماع، وإما بالقياس، فيكون: كل من حصل منه هذا الاستمتاع والخوض مخاطبا بقوله: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ} [التوبة: 69] و {وَخُضْتُمْ} [التوبة: 69] وهذا أحسن القولين (7) .

(1)(ارْكَعُوا) وردت في ثلاث آيات: قوله تعالى: (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) سورة البقرة: الآية 43، وقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ)، سورة الحج: الآية 77، وقوله تعالى:(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ) سورة المرسلات: الآية 48، أما كلمتي:(ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) فلم ترد إلا في سورة الحج: الآية 77، أما (اسْجُدُوا) وحدها فقد وردت في القرآن الكريم ثمان مرات.

(2)

(آمنوا) بصيغة الأمر، وردت في القرآن ثماني عشرة مرة.

(3)

في (أب ط) : سقطت عبارة (إلى يوم القيامة) ، ولعله سهو من النساخ.

(4)

في المطبوعة: مبلغ عن الله.

(5)

في المطبوعة: اعتمد أن ضمير الخطاب.

(6)

في (ب) : عند.

(7)

الإشارة إلى القول بأن قوله تعالى: (فَاسْتَمْتَعْتُمْ) و (وَخُضْتُمْ) خبر عن أمر دائم مستمر مخاطب به من وجد من عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن بعده إلى يوم القيامة، وهذا هو الذي وصفه المؤلف بأحسن القولين.

أما القول الثاني فهو القول بأنه خبر عن وقوع ذلك في الماضي، وهو ذم لمن يفعله إلى يوم القيامة، أي دون الدخول في الخطاب مباشرة.

أما القول الثالث، وهو قول بعض الأصوليين فهو وإن كان أقرب مذكور إلا أنه جاء معترضا كما يبدو من سياق الكلام، فتأمله.

ص: 122

وقد توعد الله سبحانه هؤلاء المستمتعين الخائضين بقوله (1){أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [التوبة: 69](2) وهذا هو المقصود هنا من هذه الآية، وهو أن الله قد أخبر أن (3) في هذه الأمة من استمتع بخلاقه، كما استمتعت الأمم قبلهم، وخاض كالذي خاضوا وذمهم على ذلك، وتوعدهم على ذلك (4) ثم حضهم على الاعتبار بمن قبلهم فقال:{أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ (5) وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [التوبة: 70](6) الآية.

وقد قدمنا: أن طاعة الله ورسوله في وصف المؤمنين بإزاء ما وصف به هؤلاء (7) من مشابهة القرون المتقدمة، وذم من يفعل ذلك (8) وأمره (9) بجهاد الكفار والمنافقين - بعد هذه الآية - دليل على جهاد هؤلاء المستمتعين الخائضين.

(1) في (أط) : قال: (وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وهي من سورة البقرة: الآية 217، لكن آية التوبة التي أثبتها من بقية النسخ هي التي عناها المؤلف؛ لأن الكلام حول آيات صفات المنافقين في سورة التوبة، فإدخال آية البقرة خلط من الناسخين.

(2)

سورة التوبة: الآية 69.

(3)

أن: سقطت من (ج) .

(4)

في: (ب ط) : عليه.

(5)

في (ب) والمطبوعة: وقف عند قوله: وثمود.

(6)

سورة التوبة: الآية 70.

(7)

الإشارة "هؤلاء" إلى المنافقين والكفار.

(8)

قوله: وذم من يفعل ذلك: سقطت من (أ) .

(9)

في (أب) : وأمر الله، وفي (ط) : وأمر به بجهاد.

ص: 123