الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ترجمة موجزة للمؤلف]
ترجمة موجزة للمؤلف 1 - نسبه: هو شيخ الإسلام الإمام: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن محمد بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية، الحراني، ثم الدمشقي. كنيته: أبو العباس.
2 -
مولده ونشأته: وُلد يوم الاثنين العاشر من ربيع الأول بحران سنة (661هـ) ، ولما بلغ من العمر سبع سنين انتقل مع والده إلى دمشق هربًا من وجه الغزاة التتار، وقد نشأ في بيت علم وفقه ودين، فأبوه وأجداده وإخوته وكثير من أعمامه كانوا من العلماء المشاهير، منهم جده الأعلى (الرابع) محمد بن الخضر، ومنهم عبد الحليم بن محمد بن تيمية، وعبد الغني بن محمد بن تيمية، وجده الأدنى عبد السلام بن عبد الله بن تيمية مجد الدين أبو البركات صاحب التصانيف التي منها: المنتقى من أحاديث الأحكام، والمحرر في الفقه، والمسودة في الأصول وغيرها، وكذلك أبوه عبد الحليم بن عبد السلام الحراني، وأخوه عبد الرحمن وغيرهم.
ففي هذه البيئة العلمية الصالحة كانت نشأة صاحب الترجمة، وقد بدأ بطلب العلم أولًا على أبيه وعلماء دمشق، فحفظ القرآن وهو صغير، ودرس
الحديث والفقه والأصول والتفسير، وعُرف بالذكاء وقوة الحفظ والنجابة منذ صغره، ثم توسع في دراسة العلوم وتبحر فيها، واجتمعت فيه صفات المجتهد منذ شبابه، فلم يلبث أن صار إمامًا يعترف له الجهابذة بالعلم والفضل والإمامة، قبل بلوغ الثلاثين من عمره.
3 -
إنتاجه العلمي: وفي مجال التأليف والإنتاج العلمي، فقد ترك الشيخ للأمة تراثًا ضخمًا ثمينًا، لا يزال العلماء والباحثون ينهلون منه معينًا صافيًا، توفرت منه الآن المجلدات الكثيرة، من المؤلفات والرسائل والفتاوى والمسائل وغيرها، هذا من المطبوع، وما بقي مجهولًا أو مكنوزًا في عالم المخطوطات كثير.
ولم يترك الشيخ مجالًا من مجالات العلم والمعرفة التي تنفع الأمة، وتخدم الإسلام، إلا كتب فيه وأسهم بجدارة وإتقان، وتلك خصلة قلما توجد إلا عند العباقرة النوادر في التاريخ.
فلقد شهد له أقرانه وأساتذته وتلاميذه وخصومه بسعة الاطلاع، وغزارة العلم، فإذا تكلم في علم من العلوم أو فن من الفنون ظن السامع أنه لا يتقن غيره، وذلك لإحكامه له وتبحره فيه، وإن المطلع على مؤلفاته وإنتاجه، والعارف بما كان يعمله في حياته من الجهاد باليد واللسان، والذب عن الدين، والعبادة والذكر، ليعجب كل العجب من بركة وقته، وقوة تحمله وجلده، فسبحان من منحه تلك المواهب.
4 -
جهاده ودفاعه عن الإسلام: الكثير من الناس يجهل الجوانب العملية من حياة الشيخ، فإنهم عرفوه عالمًا ومؤلفًا ومفتيًا، من خلال مؤلفاته المنتشرة، مع أن له مواقف مشهودة في مجالات أخرى عديدة أسهم فيها إسهامًا قويًّا في نصرة الإسلام وعزة
المسلمين، فمن ذلك: جهاده بالسيف وتحريضه المسلمين على القتال، بالقول والعمل، فقد كان يجول بسيفه في ساحات الوغى مع أعظم الفرسان الشجعان، والذين شاهدوه في القتال أثناء فتح عكا عجبوا من شجاعته وفتكه بالعدو (1) .
أما جهاده بالقلم واللسان، فإنه رحمه الله وقف أمام أعداء الإسلام من أصحاب الملل والنحل والفرق والمذاهب الباطلة والبدع كالطود الشامخ، بالمناظرات حينًا وبالردود أحيانًا، حتى فند شبهاتهم ورد الكثير من كيدهم بحمد الله، فقد تصدى للفلاسفة، والباطنية، من صوفية وإسماعيلية ونصيرية وسواهم، كما تصدى للروافض والملاحدة، وفند شبهات أهل البدع التي تقام حول المشاهد والقبور ونحوها، كما تصدى للجهمية والمعتزلة وناقش المتكلمين والأشاعرة.
والمطلع على هذا الجانب من حياة الشيخ يكاد يجزم بأنه لم يبق له من وقته فضلة، فقد حورب وطورد وأُوذي وسُجن مرات في سبيل الله، وقد وافته منيته مسجونًا في سجن القلعة بدمشق.
ولا تزال بحمد الله ردود الشيخ سلاحًا فعَّالًا ضد أعداء الحق والمبطلين، لأنها إنما تستند إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهدي السلف الصالح، مع قوة الاستنباط، وقوة الاستدلال والاحتجاج الشرعي والعقلي، وسعة العلم، التي وهبها الله له.
وأكثر المذاهب الهدامة التي راجت اليوم بين المسلمين هي امتداد لتلك الفرق والمذاهب التي تصدى لها الشيخ وأمثاله من سلفنا الصالح، لذلك ينبغي للدعاة المصلحين أن لا يغفلوا هذه الناحية، ليستفيدوا مما سبقهم به سلفنا الصالح.
(1) انظر: الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار ص (67، 68) ، تحقيق زهير الشاويش.
ولست مبالغًا حينما أقول: إنه لا تزال كتب الشيخ وردوده هي أقوى سلاح للتصدي لهذه الفرق الضالة والمذاهب الهدامة التي راجت وبدأت تخرج أعناقها اليوم من جديد، والتي هي امتداد للماضي، لكن منها تلك التي تزينت بأزياء العصر، وغيرّت أسماءها فقط، مثل البعثية، والاشتراكية، والقومية، والقاديانية، والبهائية، وسواها من الفرق والمذاهب، ومنها ما بقي على شعاره القديم كالشيعة، والرافضة، والنصيرية، والإسماعيلية، والخوارج ونحو ذلك.
5 -
خصاله: بالإضافة إلى ما اشتهر به هذا الإمام من العلم والفقه في الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد وهبه الله خصالًا حميدة، اشتهر بها وشهد له بها الناس، فكان سخيًّا كريمًا يؤثر المحتاجين على نفسه في الطعام واللباس وغيرهما، وكان كثير العبادة والذكر وقراءة القرآن، وكان ورعًا زاهدًا لا يكاد يملك شيئًا من متاع الدنيا سوى الضروريات، وهذا مشهور عنه عند أهل زمانه حتى بين عامة الناس، وكان متواضعًا في هيئته ولباسه ومعاملته مع الآخرين، فما كان يلبس الفاخر ولا الرديء من اللباس، ولا يتكلف لأحد يلقاه، واشتهر أيضًا بالمهابة والقوة في الحق، فكانت له هيبة عظيمة عند السلاطين والعلماء وعامة الناس، فكل من رآه أحبه وهابه واحترمه، إلا من سيطر عليهم الحسد من أصحاب الأهواء ونحوهم.
كما عرف بالصبر وقوة الاحتمال في سبيل الله، وكان ذا فراسة، وكان مستجاب الدعوة، وله كرامات مشهودة. رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
6 -
عصره: لقد عاش المؤلف رحمه الله في عصر كثرت فيه البدع والضلالات، وسادت كثير من المذاهب الباطلة، واستفحلت الشبهات، وانتشر الجهل والتعصب والتقليد الأعمى، وغزيت بلاد المسلمين من قبل التتار والصليبيين (الإفرنج) .
ونجد صورة عصره جلية واضحة من خلال مؤلفاته التي بين أيدينا؛ لأنه اهتم بأجلِّ أمور المسلمين وأخطرها، وساهم في علاجها بقلمه ولسانه ويده، فالمتأمل في مؤلفات الشيخ يجد الصورة التالية لعصره:
- كثرة البدع والشركيات خاصة حول القبور والمشاهد والمزارات المزعومة، والاعتقادات الباطلة في الأحياء والموتى، وأنهم ينفعون ويضرون، ويُدعون من دون الله.
- انتشار الفلسفات والإلحاد والجدل.
- هيمنة التصوف والطرق الصوفية الضالة على العامة من الناس، ومن ثم انتشار المذاهب والآراء الباطنية.
- توغل الروافض في أمور المسلمين، ونشرهم للبدع والشركيات، وتثبيطهم للناس عن الجهاد، ومساعدتهم للتتار، أعداء المسلمين.
- وأخيرًا نلاحظ تَقَوِّي أهل السنة والجماعة بالشيخ وحفزه لعزائمهم، مما كان له الأثر الحميد على المسلمين إلى اليوم، في التصدي للبدع والمنكرات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح لأئمة المسلمين وعامتهم.
وقد وقف الشيخ رحمه الله في عصره إزاء هذه الانحرافات موقفًا مشهودًا، آمرًا وناهيًا، وناصحًا، ومبينًا، حتى أصلح الله على يديه الكثير من أوضاع المسلمين، ونصر به السنة وأهلها، والحمد لله.
7 -
وفاته: إن من علامات الخير للرجل الصالح، وقبوله لدى المسلمين: إحساسهم بفقده حين يموت، لذلك كان السلف يعدون كثرة المصلين على جنازة الرجل من علامات الخير والقبول له، لذلك قال الإمام أحمد:"قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم يوم الجنائز"(1) أي أن أئمة السنة يفقدهم الناس إذا ماتوا ويكونون أكثر مشيعين يوم يموتون، ولقد شهد الواقع بذلك، فما سمع الناس بمثل جنازتي الإمامين: أحمد بن حنبل، وأحمد بن تيمية، حين ماتا، من كثرة من شيعهما وخرج مع جنازة كل منهما، وصلى عليهما، فالمسلمون هم شهداء الله في أرضه.
هذا وقد توفي الشيخ رحمه الله، وهو مسجون بسجن القلعة بدمشق، ليلة الاثنين 20 من شهر ذي القعدة سنة (728هـ) ، فهبَّ كل أهل دمشق ومن حولها للصلاة عليه وتشييع جنازته، وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر جنازته جمهور كبير جدًّا يفوق الوصف.
رحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء (2) .
(1) انظر: مناقب الإمام أحمد، لابن الجوزي ص (505) . تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي.
(2)
مصادر الترجمة:
1-
الأَعلام، لخير الدين الزركلي (1 / 144) .
2-
الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للحافظ عمر البزار، تحقيق زهير الشاويش.
3-
البداية والنهاية، لابن كثير (4 / 135 - 139) .
4-
شذرات الذهب، لابن العماد (6 / 80 - 86) .
5-
فوات الوفيات، لمحمد بن شاكر الكتبي (1 / 74 - 80) .
6-
كتاب الذيل على طبقات الحنابلة، لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد البغدادي (ص (387 - 408) .
7-
مناقب الإمام أحمد بن حنبل، لابن الجوزي، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي.