الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في الإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم]
[الوجه الأول من دلائل الإجماع]
فصل وأما الإجماع (1) فمن وجوه من ذلك: أن أمير المؤمنين عمر، في الصحابة رضي الله عنهم، ثم عامة الأئمة بعده، وسائر الفقهاء، جعلوا في الشروط المشروطة (2) على أهل الذمة من النصارى وغيرهم، فيما شرطوه على أنفسهم: " أن نوقر المسلمين، ونقوم لهم من مجالسنا، إذا (3) أرادوا الجلوس، ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم (4) قلنسوة، أو عمامة، أو نعلين، أو فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكتنى بكناهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئا من السلاح، ولا نحمله، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية، ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقادم رءوسنا، وأن نلزم زينا حيثما كان، وأن نشد الزنانير (5) على أوساطنا، وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا، ولا نظهر
(1) أي: إجماع الصحابة والتابعين والأئمة من بعدهم على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم في الجملة، حيث ذكر المؤلف قبل ذلك الأدلة من القرآن، ثم من السنة.
(2)
المشروطة: سقطت من (ج) .
(3)
في المطبوعة: إن.
(4)
في المطبوعة: ملابسهم.
(5)
الزنانير: جمع زنار: وهو حزام يشده النصارى على أوساطهم.
انظر: القاموس المحيط، فصل الزاي، باب الراء (3 / 42) .
صليبا (1) ولا كتبا، (2) في شيء من طرق المسلمين، ولا أسواقهم، ولا نضرب بنواقيسنا في كنائسنا إلا ضربا خفيا (3) ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين " رواه حرب (4) بإسناد جيد (5) .
وفي رواية أخرى رواها الخلال: " وأن لا نضرب بنواقيسنا إلا ضربا خفيا (6) في جوف كنائسنا ولا نظهر عليها صليبا ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون، وأن لا نخرج صليبا ولا كتابا (7) في سوق المسلمين، ولا نخرج باعوثا - والباعوث: يخرجون يجتمعون كما يخرج (8) يوم الأضحى والفطر - ولا شعانينا ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين، وأن لا نجاورهم بالخنازير (9) ولا نبيع الخمور. . . " إلى أن قال: " وأن نلزم زينا حيثما كنا، وأن لا نتشبه بالمسليمن في لبس قلنسوة (10) ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فرق
(1) في (ب) : صليبنا.
(2)
في المطبوعة زاد: من كتب ديننا.
(3)
في المطبوعة: خفيفا.
(4)
هو حرب الكرماني: سبقت ترجمته. انظر: فهرس الأعلام.
(5)
أخرج البيهقي أكثره، مع اختلاف في السياق، بسنده في السنن الكبرى، كتاب الجزية، باب الإمام يكتب كتاب الصلح على الجزية (9 / 202) .
انظر: أحكام أهل الذمة لابن القيم (2 / 661، 662) .
(6)
في المطبوعة: خفيفا.
(7)
ولا كتابا: ساقطة من (أ) .
(8)
في المطبوعة زيادة واختلاف في العبارات: إنهم يخرجون مجتمعين كما نخرج. . إلخ.
(9)
في (ب ط) : بالجنائز. وما أثبته أصح. انظر: أحكام أهل الذمة لابن القيم (2 / 725) .
(10)
في (ب) : ولا قلنسوة.
شعر، ولا في مراكبهم، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكتني بكناهم، وأن نجز مقادم رءوسنا، ولا نفرق نواصينا، وأن نشد الزنانير على أوساطنا " (1) .
وهذه الشروط أشهر شيء في كتب الفقه والعلم، وهي مجمع عليها في الجملة، بين العلماء من الأئمة المتبوعين، وأصحابهم، وسائر الأئمة، ولولا شهرتها عند الفقهاء لذكرنا ألفاظ كل طائفة فيها. وهي أصناف:
الصنف الأول: ما مقصوده: التمييز عن المسلمين، في الشعور واللباس والأسماء والمراكب والكلام، ونحوها؛ ليتميز المسلم عن الكافر، ولا يتشبه أحدهما بالآخر (2) في الظاهر، ولم يرض عمر رضي الله عنه والمسلمون بأصل التمييز، بل بالتميز (3) في عامة الهدي، على تفاصيل معروفة في غير هذا الموضع.
وذلك يقتضي: إجماع المسلمين على التمييز (4) عن الكفار ظاهرا، وترك التشبه بهم ولقد كان أمراء الهدى، مثل العمرين (5) وغيرهما، يبالغون في تحقيق ذلك بما يتم به المقصود.
(1) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (9 / 202)، وانظر: أحكام أهل الذمة لابن القيم (2 / 659، 660) .
(2)
في المطبوعة: ولا يشبه أحدهما الآخر.
(3)
في (ج د) والمطبوعة: التمييز.
(4)
في المطبوعة: التميز.
(5)
العمران: عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، أو عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق، سماهما العمرين من باب التغليب كما يقال: القمران، للشمس والقمر والأول أرجح لأمرين:
الأول: أن ما أثر عن عمر بن عبد العزيز من أحكام أهل الذمة أكثر مما أثر عن أبي بكر.
والثاني: أن أهل الذمة في عهد عمر بن عبد العزيز أكثر منهم في عهد أبي بكر. والله أعلم.
ومقصودهم من هذا التميز: كما روى الحافظ أبو الشيخ الأصبهاني (1) بإسناده في شروط أهل الذمة، عن خالد بن عرفطة (2) قال:" كتب عمر رضي الله عنه إلى الأمصار: أن تجز (3) نواصيهم - يعني النصارى - ولا يلبسوا لبسة (4) المسلمين؛ حتى يعرفوا "(5) .
وقال القاضي أبو يعلى في مسألة حدثت في وقته: " أهل الذمة مأمورون بلبس الغيار، فإن امتنعوا؛ لم يجز لأحد من المسلمين صبغ (6) ثوب من ثيابهم؛ لأنه لم يتعين عليهم صبغ ثوب بعينه ".
قلت: وهذا فيه خلاف: هل يلزمون (7) بالتغيير أم (8) الواجب (9) إذا امتنعوا أن نغير نحن؟ وأما وجوب أصل المغايرة: فما علمت فيه خلافا.
وقد روى أبو الشيخ الأصبهاني، في شروط أهل الذمة بإسناده، أن عمر بن
(1) هو الحافظ الكبير: أبو محمد، عبد الله بن محمد بن جعفر بن أحمد بن فارس، الأصبهاني، ولد سنة (248هـ) ، وكان من المحدثين الثقات، توفي سنة (346هـ) .
انظر: اللباب في تهذيب الأنساب (1 / 69) . وانظر: لسان الميزان (7 / 64) ، (ت 607) ، مادة (الكنى) .
(2)
هو الصحابي الجليل: خالد بن عرفطة بن سنان العذري، استخلفه سعد بن أبي وقاص على الكوفة، وبعثه معاوية إلى عبد الله بن أبي الحوساء حين خرج عليه فقتله خالد، وتوفي سنة (60هـ) . انظر: أسد الغابة (2 / 87، 88) .
(3)
في (ج د) والمطبوعة: وأن لا يجزوا. والصحيح ما أثبته كما مر في النص السابق.
(4)
في (ج د) : ألبسة. وفي المطبوعة: لبس.
(5)
انظر: أحكام أهل الذمة لابن القيم (ص 743) .
(6)
في (أ) : صنيع. وفي (ب) : صبيغ.
(7)
هم: سقطت من (ج د) والمطبوعة.
(8)
في (أ) : أو.
(9)
في المطبوعة زاد: علينا.
الخطاب كتب: " أن لا تكاتبوا أهل الذمة، فتجري بينكم وبينهم المودة، ولا تكنوهم، وأذلوهم ولا تظلموهم، ومروا نساء أهل الذمة: أن (1) يعقدن زناراتهن، ويرخين نواصيهن، ويرفعن عن سوقهن؛ حتى يعرف زيهن من المسلمات، فإن رغبن (2) عن ذلك، فليدخلن في (3) الإسلام طوعا أو كرها ".
وروى أيضا أبو الشيخ (4) بإسناده، عن محمد بن قيس (5) وسعد (6) بن عبد الرحمن بن حبان، قالا:" دخل ناس من بني تغلب على عمر بن عبد العزيز وعليهم العمائم كهيئة العرب، فقالوا يا أمير المؤمنين ألحقنا بالعرب، قال: فمن أنتم؟ قالوا نحن بنو تغلب، قال: أولستم من أوسط العرب؟ قالوا: نحن نصارى، قال: عليّ بجلم (7) فأخذ من نواصيهم، وألقى العمائم، وشق رداء كل واحد شبرا، يحتزم به، وقال: لا تركبوا السروج، واركبوا على الأكف، ودلوا رجليكم (8) من شق واحد "(9) .
(1) في المطبوعة: أن لا يعقدن.
(2)
في (ب) : زغن، من الزيغ.
(3)
في (ج د) والمطبوعة: إلى الإسلام.
(4)
أي: الأصبهاني.
(5)
لا أدري من هو محمد بن قيس هذا، فلعله قاص عمر بن عبد العزيز، أو قاضيه، المدني.
انظر: التاريخ الكبير للبخاري (1 / 212، 213) ، (ت 666) .
(6)
في (ج د) والمطبوعة: سعيد. وكذلك ورد اسمه في أحكام أهل الذمة لابن القيم (2 / 744) ، ولم أجد له ترجمة.
(7)
الجلم: هو ما يجز به الشعر ونحوه، وهو آلة كالمقص.
انظر: مختار الصحاح، مادة (ج ل م) ، (ص 108) .
(8)
في المطبوعة: أرجلكم.
(9)
انظر: أحكام أهل الذمة لابن القيم (2 / 742) .
وعن مجاهد أبي (1) الأسود قال: " كتب عمر بن عبد العزيز: أن لا يضرب الناقوس خارجا من الكنيسة (2) ". وعن معمر (3)" أن عمر بن عبد العزيز كتب: أن امنع من قِبَلك، فلا يلبس نصراني قباء، ولا ثوب خز، ولا عصب، وتقدم في ذلك أشد التقدم، واكتب فيه حتى لا يخفى على أحد نهي عنه، وقد ذكر لي أن كثيرا ممن قبلك من النصارى قد راجعوا لبس العمائم، وتركوا لبس (4) المناطق على أوساطهم واتخذوا الوفر (5) والجمام (6) وتركوا التقصيص، ولعمري إن كان يصنع ذلك فيما قبلك، إن ذلك بك ضعف وعجز، فانظر كل شيء كنت نهيت عنه، وتقدمت فيه، إلا تعاهدته وأحكمته ولا ترخص فيه، ولا تعد عنه شيئا "(7) .
ولم أكتب سائر ما كانوا يأمرون به في أهل الكتاب؛ إذ الغرض هنا: التمييز.
وكذلك فعل جعفر بن محمد بن هارون المتوكل (8) بأهل الذمة في خلافته، واستشار (9) في ذلك الإمام (10) أحمد بن (11) حنبل، وغيره،
(1) في المطبوعة: ابن الأسود، ولم أجد له ترجمة.
(2)
ذكره ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2 / 716) .
(3)
هو: معمر بن راشد. مرت ترجمته. انظر: فهرس الأعلام.
(4)
لبس: ساقطة من (ب) .
(5)
الوفر: جمع وفرة، وهي: الشعر المجتمع على الرأس، وما جاوز شحمة الأذن منه. انظر: القاموس المحيط، فصل الواو، باب الراء (2 / 160)، والجمام: جمع جمة، وهي: مجتمع شعر الرأس. انظر: المصدر السابق، فصل الجيم، باب الميم (4 / 92، 93) .
(6)
في المطبوعة: والجمم.
(7)
ذكره ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2 / 741، 742) .
(8)
هو: الخليفة العباسي. مرت ترجمته. انظر: فهرس الأعلام.
(9)
في المطبوعة: واستشارته.
(10)
الإمام: ساقطة من (ب) .
(11)
ابن حنبل: ساقطة من (ب ج د) .
وعهوده في ذلك، وجوابات أحمد بن حنبل له معروفة.
ومن جملة الشروط (1) .
* ما يعود بإخفاء منكرات دينهم، وترك إظهارها (2) كمنعهم من إظهار الخمر والناقوس، والنيران والأعياد، ونحو ذلك.
* ومنها: ما يعود بإخفاء شعار دينهم (3) كأصواتهم بكتابهم.
فاتفق عمر رضي الله عنه، والمسلمون معه وسائر العلماء بعدهم (4) ومن وفقه الله تعالى من ولاة الأمور (5) على منعهم من أن يظهروا في دار الإسلام شيئا مما يختصون به، مبالغة في أن لا يظهروا في دار الإسلام خصائص المشركين، فكيف إذا عملها المسلمون وأظهروها (6) .
* ومنها: ما يعود بترك إكرامهم وإلزامهم الصغار (7) الذي شرعه الله تعالى.
ومن المعلوم: أن تعظيم أعيادهم، ونحوها، بالموافقة، فيها (8) نوع من إكرامهم (9) فإنهم يفرحون بذلك، ويسرون به، كما يغتمون بإهمال أمر دينهم الباطل.
(1) أي: شروط الذمة، والتي أشار المؤلف إلى الأول منها (ص 365) .
(2)
هذا هو الصنف الثاني من شروط الذمة.
(3)
وهذا هو الصنف الثالث.
(4)
في المطبوعة: بعده.
(5)
في (ط) : في الأمر.
(6)
في (ب) والمطبوعة: وأظهروها هم.
(7)
هذا هو الصنف الرابع والأخير من أصناف شروط أهل الذمة.
(8)
في المطبوعة: هو نوع.
(9)
في (ط) : من كرامتهم.