الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأن حصول هذه المصلحة في الأعمال أقرب من حصولها في المكان.
ألا ترى أن متابعة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في أعمالهم أنفع وأولى من متابعتهم في مساكنهم ورؤية آثارهم (1) .
[التشبه مفهومه ومقتضاه]
وأيضا ما (2) هو صريح في الدلالة ما روى أبو داود في سننه حدثنا عثمان بن أبي شيبة (3) حدثنا أبو النضر (4) يعني هاشم بن القاسم حدثنا عبد الرحمن بن ثابت (5) حدثنا حسان بن عطية (6) عن أبي منيب
(1) ولو كان للناس في تتبع آثار الأنبياء ومساكنهم وقبورهم مصلحة دينية، أو معاشية لأرشدنا الله إليها، ولما خفيت على الخلق كثير من تلك الآثار والمساكن والقبور.
(2)
في المطبوعة: مما.
(3)
هو: عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي، أبو الحسن بن أبي شيبة، صاحب التفسير والمسند المشهور، من الطبقة العاشرة من الكوفيين، من حفاظ الحديث الثقات المشاهير، قال ابن حجر في تقريب التهذيب:"ثقة حافظ شهير وله أوهام، وقيل: كان لا يحفظ القرآن"، مات سنة (239 هـ) وعمره (83) سنة.
وانظر: تقريب التهذيب لابن حجر (2 / 13، 14) ، ترجمة رقم (107) .
(4)
هو: هاشم بن القاسم بن مسلم الليثي، مولاهم، البغدادي، أبو النضر، مشهور بكنيته ويلقب بقيصر، من الطبقة التاسعة في البغداديين وكان ثقة، قال ابن حجر في تقريب التهذيب:"ثقة ثبت"، توفي سنة (207 هـ) ، وعمره (73) سنة.
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7 / 335) ؛ وتقريب التهذيب لابن حجر (2 / 314) ، ترجمة رقم (39) هـ.
(5)
هو: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي الدمشقي، صدوق يخطئ، مات سنة (165) هـ. انظر: التقريب (1 / 474) ، (ت 886) . ويأتي كلام المؤلف عنه في المتن بعد سطور.
(6)
هو حسان بن عطية المحاربي، مولاهم، أبو بكر الدمشقي، ثقة فقيه عابد. مات بعد (120 هـ) بقليل. انظر: تقريب التهذيب (1 / 162) ، ترجمة رقم (237) ح.
الجرشي (1) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» (2) وهذا إسناد جيد فإن ابن أبي شيبة وأبا النضر وحسان بن عطية ثقات مشاهير أجلاء من رجال الصحيحين وهم أجل من أن يحتاجوا إلى أن يقال: هم من رجال الصحيحين.
وأما عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان فقال يحيى بن معين (3) وأبو زرعة (4) وأحمد بن عبد الله (5) ليس به
(1) هو: أبو المنيب الجرشي الأحدب، الدمشقي، من الطبقة الرابعة، ثقة وقد تكلم عنه المؤلف أيضا بما فيه الكفاية.
وانظر: تقريب التهذيب (2 / 477) ، ترجمة رقم (143) ؛ والكنى (1 / 252) .
(2)
سنن أبي داود، كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة، الحديث رقم (4031) ، (4 / 314) وسيأتي تفصيل الكلام عن الحديث في (1 / 272) .
(3)
هو الإمام الحافظ: يحيى بن معين بن عون الغطفاني، مولاهم، أبو زكريا، البغدادي، من الثقات الحفاظ المشهورين، إمام الجرح والتعديل، ومن أقران الإمام أحمد بن حنبل، وهو من الجهابذة النقاد، المجمع على إمامتهم وفضلهم توفي سنة (133 هـ) وعمره بضع وسبعون سنة انظر الجرح والتعديل (1 / 314- 318) ؛ وتقريب التهذيب (2 / 358) ، ترجمة رقم (181) ي.
(4)
هو: عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ الرازي، أبو زرعة، من كبار الأئمة المشهورين الثقات، وهو أيضا من أئمة الجرح والتعديل والنقاد الجهابذة، مات سنة (264 هـ)، وعمره (64) سنة. انظر: تقريب التهذيب (1 / 536) ، ترجمة رقم (1479) عبيد الله.
انظر: الجرح والتعديل (1 / 328- 349) .
(5)
في المطبوعة: العجلي وكذلك ذكر في جميع النسخ حين ذكر اسمه بعد قليل. هو أحد أئمة الجرح والتعديل في زمانه: أحمد بن عبد الله بن صالح أبو الحسن العجلي الكوفي، نزيل طرابلس المغرب، وصاحب: التاريخ والجرح والتعديل، ويعد من الأئمة الحفاظ في الحديث، توفي سنة (261 هـ) ، وعمره (80) سنة.
انظر: شذرات الذهب لابن العماد (1 / 141) الجزء الثاني.
بأس (1) .
وقال عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم (2) هو ثقة وقال أبو حاتم (3) هو مستقيم الحديث (4) .
وأما أبو (5) منيب (6) الجرشي فقال: فيه أحمد بن عبد الله العجلي هو ثقة وما علمت أحدا ذكره بسوء وقد سمع منه حسان بن عطية وقد احتج الإمام أحمد (7) وغيره بهذا الحديث.
وهذا الحديث أقل أحواله (8) أن (9) يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51](10)
(1) في (ج د) : ليس فيه بأس.
(2)
هو: عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو، العثماني - مولاهم- أبو سعيد، الدمشقي، الملقب بدحيم، من الثقات الحفاظ المتقنين، مات سنة (245 هـ) ، وعمره (75) سنة.
انظر: تقريب التهذيب (1 / 471) ، ترجمة رقم (856) ع عبد الرحمن.
(3)
هو: محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي، أبو حاتم، الرازي، الإمام المشهور، الحافظ، أحد الأئمة المشهود لهم بالصلاح والحفظ والإتقان، مع العلم بالرجال والجرح والتعديل، توفي سنة (277 هـ) ، وكان مولده سنة (195 هـ) .
انظر: تهذيب التهذيب (9 / 31- 34) ، ترجمة رقم (40) م محمد.
(4)
في (ط) : سقيم الحديث. وهو خطأ من الناسخ؛ لأن أبا حاتم وثقه مرة، وأخرى قال: شامي، لا بأس به. انظر: الجرح والتعديل (5 / 219)، (ت 1031) . فالناسخ حرف كلمة مستقيم فصارت: سقيم.
(5)
في (ج د) : أسقطت (أبو) ولعله سهو من الناسخين.
(6)
في (ب) : أبو حبيب.
(7)
في (ج د) أحمد: سقطت.
(8)
في (ب) : قال وأقل أحوال هذا الحديث.
(9)
في المطبوعة: أنه.
(10)
سورة المائدة: من الآية 51.
وهو نظير ما سنذكره عن عبد الله بن عمرو (1) أنه قال (2) من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم (3) وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة (4) .
فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك وقد يحمل على أنه (5) منهم في القدر المشترك الذي (6) شابههم فيه فإن كان كفرا، أو معصية، أو شعارا لها (7) كان حكمه كذلك.
وبكل حال يقتضي تحريم التشبه (8) بعلة كونه تشبها، والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه وهو نادر ومن تبع (9) غيره في فعل لغرض له في ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذا عن ذلك الغير، فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضا ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه، ففي كون هذا تشبها نظر لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه، ولما فيه من المخالفة، كما أمر بصبغ اللحى (10) وإحفاء الشوارب، مع أن قوله صلى الله عليه وسلم: «غيروا
(1) في المطبوعة: ابن عمر.
(2)
قال: ساقطة من (أب) .
(3)
النيروز: هو أول السنة القبطية. والمهرجان: عيد الفرس.
(4)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9 / 234) .
(5)
في المطبوعة: صار منهم.
(6)
في (ج د) : يشابههم.
(7)
في المطبوعة قال: أو شعارا للكفر أو للمعصية. وليست في المخطوطات.
(8)
في المطبوعة زيادة وحذف في العبارات قال: وبكل حال، فهو يقتضي التشبه بهم. . الخ.
(9)
في (أب ط) : اتبع.
(10)
في المطبوعة: وإعفائها. وهي زيادة ليست في النسخ المخطوطة.
الشيب، ولا تشبهوا باليهود.» (1) دليل على أن التشبه بهم يحصل بغير قصد منا، ولا فعل بل بمجرد ترك تغيير ما خلق فينا وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية.
وقد روى في هذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن التشبه بالأعاجم وقال: «من تشبه بقوم فهو منهم» (2) ذكره القاضي أبو يعلى (3) .
وبهذا احتج غير واحد من العلماء على كراهة أشياء من زي غير
(1) انظر: تخريج الحديث (ص 200) .
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"(4 / 314)، الحديث رقم (4031) ؛ وأحمد في المسند عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "بعثت بين يدي الساعة. " الحديث، إلى قوله:"ومن تشبه بقوم فهو منهم"، مسند أحمد (2 / 50)، وقد تقدم قول المؤلف عنه بأن إسناده جيد - يعني إسناد أبي داود - وقال في الفتاوى (25 / 331) :"هذا حديث جيد"، وذكره ابن حجر في فتح الباري (6 / 98) ، وذكر له شاهدا مرسلا بإسناد حسن، وذكره السيوطي في الجامع الصغير وأشار أنه "حسن"(1 / 590) ، حديث رقم (8593)، وقال الألباني في صحيح الجامع الصغير:"صحيح"، رقم (6025) .
(3)
هو: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد الفراء، أبو يعلى، القاضي، من مشاهير علماء الحنابلة في القرن الخامس الهجري، ومن فحول العلماء في الأصول والفروع وسائر فنون العلم، تولى القضاء، وله مصنفات كثيرة منها: الأحكام السلطانية، والكفاية، والعدة، وشرح الخرقي وغيرها، توفي سنة (458 هـ) ، وكانت ولادته سنة (380) .
انظر: طبقات الحنابلة (2 / 193- 230) .
المسلمين قال محمد بن أبي حرب (1) سئل أحمد عن نعل سندي (2) يخرج فيه. فكرهه للرجل والمرأة وقال: إن كان للكنيف (3) والوضوء (4) وأكره الصرار (5) وقال: هو من زي العجم.
وقد سئل سعيد بن عامر (6) عنه فقال: سنة نبينا أحب إلينا من سنة باكهن (7) .
وقال في رواية المروذي وقد سأله عن النعل السندي فقال: أما أنا فلا أستعملها، ولكن إن (8) كان للطين، أو المخرج (9) فأرجو، وأما من أراد الزينة فلا (10) ورأى على باب المخرج نعلا سنديا فقال: يتشبه (11) بأولاد الملوك.
(1) في المطبوعة: بن حرب. والصحيح ما أثبته من المخطوطات، وهو: محمد بن نقيب بن أبي حرب الجرجرائي، كان أحمد بن حنبل يكاتبه ويسأل عن أخباره، نقل عن الإمام وروى عنه مسائل جيدة. انظر: طبقات الحنابلة (1 / 331) ، (ت 105) .
(2)
نسبة إلى بلاد السند.
(3)
الكنيف في اللغة: الساتر، وهو المرحاض. انظر: مختار الصحاح، مادة (ك ن ف) ، (ص 580) .
(4)
في المطبوعة زاد: فلا بأس، وهو أتم للمعنى.
(5)
الصرار كما يظهر من العبارة: نوع من أنواع الأحذية التي يلبسها العجم.
(6)
هو: سعيد بن عامر الضبعي البصري، أبو محمد، من الصالحين الأخيار الثقات، وسيتكلم عنه المؤلف، ولد سنة (122 هـ) ، وتوفي سنة (208 هـ) .
انظر: تهذيب التهذيب (4 / 50، 51) ، (ت 79) .
(7)
باكهن: هو اسم ملك الهند، كما سيذكر المؤلف.
(8)
في المطبوعة: إذا.
(9)
لم أعرف ما المقصود بالمخرج، إلا أن يكون محل قضاء الحاجة (الكنيف) أو الانتعال للخروج لا للزينة.
(10)
انظر: مسائل الإمام أحمد للنيسابوري (2 / 145، 146) .
(11)
في (ب) : تتشبه. وفي (هـ) : تشبه. وفي المطبوعة: نتشبه.
وقال (1) حرب الكرماني (2) قلت لأحمد: فهذه النعال الغلاظ قال: هذه السندية قال: إذا كان للوضوء (3) أو للكنيف، أو لموضع ضرورة فلا بأس (4) وكأنه كره أن يمشي فيها (5) في الأزقة قيل: فالنعل من الخشب. قال: لا بأس بها أيضا (6) إذا كان موضع ضرورة.
قال حرب حدثنا أحمد بن نصر (7) حدثنا حبان بن موسى، (8) قال:
(1) في (ج د ط) : وقال أيضا.
(2)
في المطبوعة: أيضا، بعد الكرماني.
هو: حرب بن إسماعيل بن خلف الحنظلي الكرماني، رجل جليل من أتباع الإمام أحمد بن حنبل، سمع منه بعض المسائل، ونقلها عنه أتباع الإمام أحمد كالخلال وغيره، وهو فقيه بلده، وجعل إليه السلطان أمر الحكم في بلده.
انظر: طبقات الحنابلة (1 / 145) .
(3)
في المطبوعة: هذه السندية إذا كانت. . الخ.
(4)
وهذا بمعنى الكلام السابق، انظر: مسائل الإمام أحمد للنيسابوري (2 / 145، 146) .
(5)
في المطبوعة: بها.
(6)
أيضا: ساقطة من (أ) .
(7)
هو أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي، أبو عبد الله، من الفضلاء الثقات، امتحن أيام الواثق في مسألة خلق القرآن، فلم يجب إلى القول بالبدعة (خلق القرآن) وأصر على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، كما أثبتها الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقتله الواثق، ونصب رأسه ببغداد سنة (231 هـ) ، وكان قتله وقتل كثيرين من أمثاله من أجلاء السلف وامتحانهم من نتائج بدع المعتزلة، أدعياء الحرية! انظر: تقريب التهذيب (1 / 27) ، ترجمة رقم (134) أ؛ وطبقات الحنابلة (1 / 81، 82) ، ترجمة رقم (75) .
(8)
هو: حبان بن موسى بن سوار السلمي المروزي، أبو محمد، روى عنه البخاري ومسلم وغيرهما، من الثقات المشهود لهم بالفضل، مات سنة (233 هـ) .
انظر: تهذيب التهذيب (2 / 174، 175) ، ترجمة رقم (315) .
سئل ابن المبارك (1) عن هذه النعال الكرمانية (2) فلم تعجبه وقال: أما في هذه غنية عن تلك؟ .
وروى الخلال (3) عن أحمد بن إبراهيم الدورقي (4) قال: سألت سعيد بن عامر عن لباس النعال السبتية (5) فقال: زي نبينا أحب إلينا من زي باكهن ملك الهند، ولو كان في مسجد المدينة لأخرجوه من المدينة.
سعيد بن عامر الضبعي إمام أهل البصرة علما ودينا، من شيوخ الإمام
(1) هو الإمام الجليل: عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي، مولاهم، المروزي، أبو عبد الرحمن، إمام أهل عصره في العلم والتقى والصلاح والفضل والرياسة، ومن مشاهير أئمة الحديث الحفاظ الثقات، وصفه ابن عيينة قائلا:"كان فقيها عالما عابدا زاهدا شيخا شجاعا شاعرا". اهـ، كما كان سخيا ناصحا للأمة، سيدا من سادات المسلمين، توفي رحمه الله بـ (هيت) منصرفه من الغزو سنة (181) ، وعمره (63) .
انظر: تهذيب التهذيب (5 / 382 - 387) ، (ت 657) .
(2)
نسبة إلى بلاد كرمان جنوب شرق العراق، أو بلاد كرمان التي بالهند. انظر: معجم البلدان (ص 454، 455) الجزء الرابع.
(3)
هو: أحمد بن محمد بن هارون، أبو بكر، الخلال، مرت ترجمته (ص 206) .
انظر: مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص 618) .
(4)
هو: أحمد بن إبراهيم بن كثير بن زيد الدورقي النكري، البغدادي، من الثقات الحفاظ، من كبار الذين صحبوا الإمام أحمد بن حنبل ونقلوا عنه، مات سنة (246 هـ) .
انظر: تقريب التهذيب (1 / 9، 10) ، ترجمة رقم (3) أ؛ ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص 610) .
(5)
النعال السبتية: نسبة إلى السبت، وهو جلود البقر المدبوغة بالقرظ، أو هو: كل جلد مدبوغ بالقرظ. انظر: القاموس المحيط (1 / 154) ، فصل السين، باب التاء.
في (ج) : السبتة.
أحمد قال يحيى بن سعيد القطان وذكر عنده سعيد بن عامر (1) فقال: هو شيخ المصر (2) منذ أربعين سنة (3) وقال أبو مسعود بن الفرات (4) ما رأيت بالبصرة مثل سعيد بن عامر (5) .
وقال الميموني (6) رأيت أبا عبد الله عمامته تحت ذقنه، ويكره غير ذلك وقال: العرب عمائمها (7) تحت أذقانها (8) وقال أحمد في رواية الحسن بن محمد (9) يكره أن
(1) في المطبوعة زاد: الضبعي.
(2)
في المطبوعة: البصرة.
(3)
انظر: تهذيب التهذيب (4 / 50) .
(4)
هو أحمد بن الفرات بن خالد الضبي الرازي، أبو مسعود، من أهل الحديث والفتيا، ومن أحفظ الناس لأخبار رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن الحفاظ الكبار، وله التصانيف الكثيرة، ومن الراسخين في العلم، وثقه الأئمة، وقال ابن حجر في تقريب التهذيب:"تكلم فيه بلا مستند"، توفي سنة (258 هـ) .
انظر: تهذيب التهذيب (1 / 66، 67) ، ترجمة رقم (117) ؛ وتقريب التهذيب (1 / 23) ، ترجمة رقم (102) .
(5)
انظر: تهذيب التهذيب (4 / 50) .
(6)
هو: عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الميموني الرقي، أبو الحسن، من الفضلاء الثقات من أصحاب الإمام أحمد، كان أحمد يقدمه ويجله، لازمه أكثر من عشرين سنة، وروى عنه مسائل كثيرة، ولد سنة (181 هـ) ، وتوفي سنة (274 هـ) .
انظر: طبقات الحنابلة (1 / 212- 216) ، ترجمة رقم (282) .
(7)
في (أب ط) : أعمتها.
(8)
انظر: المغني والشرح الكبير (1 / 309، 312، 313) تجد ما يشير إلى هذا بالمعنى وليس بالنص.
(9)
هو: الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، روى عن الإمام أحمد، وهو صاحب الشافعي، عدوه من الثقات، مات سنة (260 هـ) .
انظر: طبقات الحنابلة (1 / 138) ، ترجمة رقم (172) ؛ وتقريب التهذيب (1 / 170) ، ترجمة رقم (315) ح.
لا (1) تكون العمامة تحت الحنك كراهية شديدة، وقال: إنما يتعمم (2) بمثل ذلك اليهود والنصارى والمجوس (3) .
ولهذا أيضا كره أحمد لباس أشياء كانت شعار الظلمة في وقته من السواد (4) ونحوه وكره هو وغيره (5) تغميض العين (6) في الصلاة وقال: هو من فعل اليهود (7) .
وقد (8) روى أبو (9) حفص العكبري (10) بإسناده عن بلال بن أبي
(1) في (ب) : ألا يكون، وفي المطبوعة: أن تكون، بحذف (لا) النافية، وهو بعيد؛ لأنه يتغير المعنى المراد، وتوضحه العبارة التي قبله وهي قوله:"عمامته تحت ذقنه".
(2)
في (ط) : يتعمم بحذف (إنما) .
(3)
انظر: المغني والشرح الكبير (1 / 309، 310) ، تجد فيه ما يشير إلى هذا المعنى من كون عمائم المسلمين تحت الحنك وعمائم أهل الكتاب بخلاف ذلك.
(4)
المقصود بالسواد هنا: اللباس الذي لونه أسود من قبل الرجال، خاصة العمامة السوداء، وهي شعار ولاة وخلفاء الدولة العباسية، وقد وقع من بعضهم في عهد الإمام أحمد رحمه الله شيء من الظلم، ومن ذلك ما حصل من حمل الناس على التلفظ ببدعة القول بخلق القرآن. ولعل هذا ما أشار إليه الإمام أحمد من كراهة السواد؛ لأنه شعار الظلمة، والله أعلم.
(5)
ورد أن الإمام أحمد كره لبس الأحمر وقال: يقال: أول من لبسه آل قارون وآل فرعون، وكره كذلك لبس الأسود. انظر: الإنصاف (1 / 482) .
(6)
في (ب) : العينين.
(7)
انظر: المغني والشرح الكبير (1 / 662) في المغني.
(8)
في (ب) : وروى.
(9)
أبو: سقطت من (ط) .
(10)
هو: عمر بن إبراهيم بن عبد الله، أبو حفص، العكبري، المعروف بابن المسلم، من كبار فقهاء الحنابلة في القرن الرابع الهجري، وله اختيارات جيدة في مسائل المذهب وغيرها، ذكر له ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة مصنفات منها: المقنع وشرح الخرقي والخلاف بين أحمد ومالك، وتوفي أبو حفص سنة (387 هـ) .
انظر: طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (2 / 163- 166) ، ترجمة (627) .
حدرد (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تمعددوا، واخشوشنوا، وانتعلوا، وامشوا حفاة.» (2) .
وهذا مشهور محفوظ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى المسلمين، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في كلام الخلفاء الراشدين.
وقال الترمذي: حدثنا (3) قتيبة (4) . . . . . . . . . .
(1) في (أ) : بلال بن حدود، ولم أجد ترجمة لبلال بن أبي حدرد هذا إلا ما ذكره العجلوني في كشف الخفا: أن أبا نعيم أخرج هذا الحديث عن القعقاع بن أبي حدرد، والبغوي أخرجه عن ابن أبي حدرد دون أن يسميه، والطبراني أخرجه عن عبد الله بن أبي حدرد،، كما أنا ابن حجر أشار إلى هذا الحديث في الإصابة وإلى أن البغوي وابن شاهين، والطبراني أخرجوه عن القعقاع بن أبي حدرد، والله أعلم، راجع كشف الخفا (1 / 378) ؛ والإصابة (3 / 239) .
(2)
قال في كشف الخفا: " رواه الطبراني في معجمه الكبير، وابن شاهين في الصحابة، وأبو الشيخ وأبو نعيم في المعرفة " وذكر الحديث، ثم قال: وأخرجه البغوي أيضا في معجم الصحابة " وذكر أنه أخرجه الطبراني في الكبير، وآخرون. انظر: كشف الخفا ومزيل الإلباس (1 / 378) ، الحديث رقم (1018) ، وذكره ابن حجر في ترجمة القعقاع بن أبي حدرد، في الإصابة، وذكر أنه رواه كل من البغوي وابن شاهين والطبراني عن القعقاع بن أبي حدرد سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقوله: راجع الإصابة (3 / 239) .
(3)
حدثنا: سقطت من (هـ) .
(4)
هو: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي، أبو رجاء، من الحفاظ الثقات الأثبات، توفي سنة (240 هـ) وعمره (90) سنة.
انظر: تقريب التهذيب (2 / 123) ، ترجمة رقم (85) .
حدثنا ابن (1) لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود، ولا بالنصارى؛ فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف» (2) قال (3) وروى ابن المبارك هذا الحديث عن ابن لهيعة ولم يرفعه (4) .
وهذا وإن كان فيه ضعيف فقد تقدم الحديث المرفوع من تشبه بقوم فهو منهم (5) وهو محفوظ عن حذيفة بن اليمان أيضا من قوله وحديث ابن لهيعة يصلح للاعتضاد كذا كان يقول أحمد وغيره (6) .
وأيضا ما روى أبو داود (7) حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي (8) حدثنا محمد بن ربيعة (9) حدثنا أبو الحسن
(1) ابن: ساقطة من (أ) .
(2)
في (ب) : بالكف.
(3)
أي: أبو عيسى الترمذي.
(4)
وقال الترمذي أيضا قبل ذلك، بعد الحديث، " هذا حديث إسناده ضعيف" انظر: سنن الترمذي، كتاب الاستئذان، باب ما جاء في كراهية إشارة اليد بالسلام، حديث رقم (2695) ، (5 / 56، 57) ، وقد بين المؤلف هنا أن الحديث رغم ضعفه فله ما يعضده.
(5)
الحديث مر (ص 272) .
(6)
انظر: تهذيب التهذيب (5 / 373 ـ 379) ؛ وميزان الاعتدال (2 / 477) ؛ وتذكرة الحفاظ (1 / 239) .
(7)
في (أ) : قال: حدثنا.
(8)
في (أ) : قال: حدثنا.
(9)
هو: محمد بن ربيعة الكلابي، الرؤاسي الكوفي، أبو عبد الله، ابن عم وكيع، وثقة أكثر أئمة الحديث والجرح، كابن معين والدارقطني وابن حبان وأبو داود وغيرهم، يعد من الطبقة التاسعة من الكوفيين.
انظر: تهذيب التهذيب (9 / 162، 163) ، ترجمة رقم (235) .
العسقلاني (1) عن أبي جعفر بن محمد بن (2) علي بن ركانة، أو محمد بن علي بن ركانة (3) عن أبيه أن ركانة (4) صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم قال ركانة: وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم (5) على القلانس» (6) .
وهذا يقتضي أنه حسن عند أبي داود ورواه الترمذي أيضا عن قتيبة وقال: غريب وليس إسناده بالقائم، ولا نعرف أبا الحسن، (7)
(1) قال بن حجر في تقريب التهذيب: أبو الحسن العسقلاني مجهول، من السابعة " انظر: تقريب التهذيب (2 / 412) ، ترجمة رقم (41) الكنى ح.
(2)
وكذلك أبو جعفر بن محمد بن علي بن ركانة، قال ابن حجر: مجهول من السادسة "
تقريب التهذيب (2 / 406) ، (ت 14) .
(3)
هو: محمد بن علي بن يزيد بن ركانة، صدوق، من الطبقة السادسة، أخرج له أبو داود، انظر: تقريب التهذيب (2 / 193) .
(4)
هو الصحابي الجليل: ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب القرشي، وهو الذي صارعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرتين أو ثلاثا، وكان من أشد قريش، أسلم مع مسلمة الفتح،، ثم نزل المدينة، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحاديث، توفي في خلافة عثمان، وقيل: سنة (42 هـ) . انظر: أسد الغابة (2 / 187، 188) .
(5)
في المطبوعة: بالعمائم، الصحيح ما أثبته كما في أبي داود.
(6)
أخرجه أبو داود، في سننه، كتاب اللباس، باب في العمائم، حديث رقم (4078) ، (4 / 340، 341) والقلانس جمع قلنسوة، وهي لباس يكون تحت العمامة يشبه الطاقية، وإن صح الحديث فإنه يفيد أن المشركين يلبسون العمائم دون أن تكون تحتها قلانس، وأن المسلمين مأمورون بمخالفتهم فيكون لبس العمامة على القلنسوة من السنة، والله أعلم.
(7)
في المطبوعة: العسقلاني، وكذلك في الترمذي (4 / 248) .
ولا ابن ركانة (1) .
وهذا القدر لا يمنع أن يعتضد بهذا الحديث ويستشهد به، وهذا بين في أن مفارقة المسلم المشرك في اللباس أمر مطلوب للشارع (2) كقوله:«فرق (3) ما بين الحلال والحرام الدف والصوت» (4) فإن التفريق بينهما مطلوب في الظاهر، إذ الفرق بالاعتقاد والعمل بدون العمامة (5) حاصل فلولا أنه مطلوب بالظاهر أيضا لم يكن فيه فائدة.
وهذا كما أن الفرق بين (6) الرجال والنساء لما (7) كان مطلوبا ظاهرا
(1) انظر: سنن الترمذي، كتاب اللباس، باب العمائم على القلانس، حديث رقم (1784) ، (4 / 247) ، وقال في الحديث كما ذكر المؤلف إلا أن فيه زيادة " هذا حديث حسن غريب " وقال بعد أبي الحسن " العسقلاني "(4 / 248) كما أشرت آنفا.
(2)
في (أ) زاد: بدون العمامة: وهو خلط من الناسخ فقد أسقطها في محلها (بعد سطرين) .
(3)
في المطبوعة: فصل: وكذلك في الترمذي (3 / 398) .
(4)
أخرجه الترمذي في سننه، كتاب النكاح، باب ما جاء في إعلان النكاح، عن محمد بن حاطب الجمحي،، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " فصل ما بين الحلال. " إلخ الحديث، حديث رقم (1088)، (3 / 398) وقال الترمذي:" حديث محمد بن حاطب حديث حسن " وقال: " وفي الباب عن عائشة وجابر والربيع بنت معوذ "(3 / 398) . كما أخرجه أحمد في المسند (3 / 418) ، (4 / 77) . وابن ماجه في كتاب النكاح، باب إعلان النكاح، حديث رقم (1896) ، (1 / 611) ؛ والنسائي في كتاب النكاح، باب إعلان النكاح بالصوت وضرب الدف (2 / 6 / 127) بشرح السيوطي وحاشية السندي.
(5)
بدون العمامة: ساقطة من (أ) ، وقد زادها قبل سطرين كما أشرت.
(6)
في (ط) : من الرجال والنساء.
(7)
لما: سقطت من (أ) .
وباطنا «لعن (1) المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء وقال: أخرجوهم من بيوتكم» (2) ونفى المخنث (3) لما كان رجلا متشبها في الظاهر بغير (4) جنسه وأيضا عن أبي غطفان المري (5) قال (6) سمعت عبد الله بن عباس رضي الله (7) عنهما يقول: حين «صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا
(1) في المطبوعة: صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(2)
أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: " لعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال: " أخرجوهم من بيوتكم " قال: فأخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلانا وأخرج عمر فلانة " كتاب اللباس، باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت.
حديث رقم (5886) من فتح الباري، (10 / 333) . وأحاديث النهي عن تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال مشهورة مستفيضة في سائر الصحاح والسنن والمسانيد، وأفرد لها العلماء أبوابا في كتب الحديث والفقه وغيرها.
(3)
نفس المصدر السابق.
(4)
في (أب ط) : بغير بني جنسه، والمخنث هو: الذي يتشبه بالنساء في حركاته وكلامه ولباسه ونحو ذلك. انظر: فتح الباري (9 / 334) .
(5)
هو أبو غطفان بن طريف ـ وقيل ابن مالك ـ المري قيل: اسمه سعد، كان كاتب عثمان رضي الله عنه، ثم كتب لمروان ـ وكان قليل الحديث، وهو مدني ثقة، عده ابن سعد من الطبقة الثانية، وقال ابن حجر: من كبار الثالثة. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5 / 176)، وانظر: تقريب التهذيب (2 / 461) ، ترجمة رقم (18) الكنى.
(6)
قال: سقطت من المطبوعة.
(7)
رضي الله عنهما سقطت من (أد ط) .
كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع. قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه مسلم في صحيحه (1) .
وروى الإمام (2) أحمد عن ابن عباس (3) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه (4) اليهود وصوموا قبله يوما (5) أو بعده يوما» .
ورواه سعيد (6) بالإسناد ولفظه: «صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود وصوموا يوما قبله، أو يوما بعده» والحديث (7) رواه ابن أبي ليلى (8) عن داود بن علي (9) عن أبيه عن
(1) انظر: صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب أي يوم يصام عاشوراء، حديث رقم (1133) ، (2 / 797، 798) .
(2)
في (ب) قال: وروى أحمد.
(3)
في (ب) : رضي الله عنهما.
(4)
فيه: سقطت من (أب ط) .
(5)
في (أب ط) قال: وبعده يوما: وهو خطأ، وفي المطبوعة: يوما قبله أو يوما بعده، وفي المسند كما أثبته.
مسند الإمام أحمد (1 / 241) في مسند ابن عباس.
(6)
هو: سعيد بن منصور.
(7)
كذا في (أط) : وفي (ج د ب) والمطبوعة: والحديث الذي رواه. إلخ " والصحيح ما أثبته؛ لأن هذا السند هو الذي خرجه به أحمد في هذا الحديث الذي ساقه آنفا.
(8)
هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي الأنصاري الكوفي، أبو محمد، قاضي الكوفة، الفقيه، ضعفه أحمد بن حنبل، وقال: كان فقه ابن أبي ليلى أحب إلينا من حديثه، وقال ابن خزيمة، ليس بالحافظ وإن كان فقيها عالما، وهذا رأي سائر أهل الحديث قالوا بأنه عالم فاضل صدوق لكن شغله القضاء فساء حفظه. انظر: تهذيب التهذيب (9 / 301، 303) ، ترجمة (501) .
(9)
هو: داود بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي، تولى إمارة مكة والمدينة وغيرهما كما تولى موسم الحج، مقبول الحديث، توفي وهو أمير على المدينة سنة (133 هـ) وعمره (52) سنة، انظر تقريب التهذيب (1 / 233) ترجمة رقم (29) .
جده ابن عباس (1) .
فتدبر هذا يوم عاشوراء يوم فاضل يكفر (2) سنة ماضية (3) صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه ورغب فيه، ثم لما قيل له قبيل وفاته: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى. أمر بمخالفتهم بضم يوم آخر إليه، وعزم على ذلك (4) .
ولهذا استحب العلماء منهم الإمام أحمد أن يصوم تاسوعاء وعاشوراء، وبذلك عللت الصحابة رضي الله عنهم.
قال سعيد بن منصور: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار، سمع عطاء سمع (5) ابن عباس رضي الله عنهما (6) يقول: صوموا التاسع والعاشر، خالفوا اليهود (7) .
(1) هذا هو سند الحديث الذي ذكر الشيخ هنا أن أحمد رواه عن ابن عباس ـ كما ذكرت ـ راجع المسند (1 / 241) .
(2)
في (ب) : يكفر فيه، وفي المطبوعة: يكفر صيامه.
(3)
ورد في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال عن يوم عاشوراء: " أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله " وهو جزء من حديث رواه مسلم في كتاب الصيام، باب (36) ، حديث رقم (1162) ، (2 / 818) .
(4)
في المطبوعة: على فعل ذلك.
(5)
في المطبوعة: عن ابن عباس.
(6)
رضي الله عنهما: سقطت من (ج د) والمطبوعة.
(7)
أخرجه البيهقي (4 / 287) . وعبد الرزاق في المصنف (4 / 287) وهو صحيح الإسناد، فعبد الرزاق رواه عن ابن جريح، عن عطاء، عن ابن عباس، وكلهم ثقات. انظر: تقريب التهذيب، ترجمة عبد الرزاق (1
5) ، وترجمة ابن جريج (1 / 520) وترجمة عطاء بن أبي رباح الراوي عن ابن عباس هنا (2 / 22) .
وأيضا عن ابن (1) عمر رضي الله عنهما (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّا أمة أمية؛ لا نكتب ولا نحسب، الشهر: هكذا وهكذا» . يعني مرة: تسعة وعشرين، ومرة: ثلاثين. رواه البخاري ومسلم (3) .
فوصف هذه الأمة بترك الكتاب (4) والحساب الذي يفعله غيرها من الأمم في أوقات عبادتهم وأعيادهم، وأحالها على الرؤية حيث قال- في غير حديث-:«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» (5) وفي رواية: «صوموا من الوضح إلى الوضح» (6) أي من الهلال إلى الهلال (7) .
(1) في المطبوعة: عن عمر، وهو خلاف النسخ المخطوطة، وخلاف البخاري ومسلم، فهو عن ابن عمر كما أثبته.
(2)
رضي الله عنهما: سقطت من (ج د) .
(3)
صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" لا نكتب ولا نحسب "، حديث رقم (1913) من فتح الباري (4 / 136) ، وصحيح مسلم، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان برؤية الهلال. . إلخ، تابع حديث رقم (1080) ، (2 / 761) .
(4)
في المطبوعة: الكتابة.
(5)
أخرجاه في الصحيحين، وهو مستفيض في سائر كتب السنة.
انظر: صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا "، حديث رقم (1909) من فتح الباري (4 / 119) .
وصحيح مسلم، كتاب الصوم، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال. . إلخ، تابع حديث رقم (1080) ، (2 / 759) .
(6)
ذكره السيوطي في الجامع الصغير (2 / 103)، وقال:(طب) ، (ح)، أي: رواه: الطبراني في الكبير، هو حديث حسن.
(7)
من الهلال إلى الهلال: سقطت من (ب أط) .
وهذا: دليل على ما أجمع عليه المسلمون- إلا من شذ من بعض المتأخرين المخالفين (1) المسبوقين بالإجماع- من أن مواقيت الصوم والفطر والنسك إنما تقام بالرؤية عند إمكانها، لا بالكتاب والحساب، الذي تسلكه الأعاجم من الروم والفرس، والقبط، والهند، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى.
وقد روي عن (2) غير واحد من أهل العلم: أن أهل الكتابين قبلنا إنما أمروا بالرؤية - أيضا - في صومهم وعباداتهم، وتأولوا على ذلك قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183](3) ولكن أهل الكتابين بدّلوا.
ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تقدم رمضان باليوم واليومين (4) وعلل الفقهاء ذلك بما يخاف من أن يزاد في الصوم المفروض ما ليس منه (5) كما زاده أهل الكتاب، من النصارى، فإنهم زادوا في صومهم، وجعلوه فيما بين الشتاء
(1) في (أط) : الخالفين.
(2)
في المطبوعة: وقد روى غير واحد.
(3)
سورة البقرة: من الآية 183.
(4)
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:" لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلَّا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم "، وهذا لفظ البخاري في كتاب الصوم، باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين، حديث (1914) من فتح الباري، (4 / 127 ـ 128)، ولفظ مسلم:" لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلَّا رجلا كان يصوم صوما فليصمه "، صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، حديث رقم (1082) ، (2 / 762) . ورواه سائر أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد.
(5)
في (أ) : فيه.
والصيف، وجعلوا له طريقة من الحساب يتعرفونه (1) بها.
وقد يستدل بهذا الحديث، على خصوص النهي عن أعيادهم، فإن أعيادهم معلومة بالكتاب والحساب، والحديث فيه عموم.
أو يقال: إذا نهينا عن ذلك في عيد الله ورسوله، ففي غيرها (2) من الأعياد والمواسم أولى وأحرى، ولما (3) في ذلك من مضارعة الأمة الأمية سائر الأمم. وبالجملة فالحديث يقتضي اختصاص هذه الأمة بالوصف الذي فارقت به غيرها، وذلك يقتضي أن ترك المشابهة للأمم (4) أقرب إلى حصول الوفاء بالاختصاص.
وأيضا ففي الصحيحين عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف (5) أنه سمع معاوية (6) عام حج على المنبر، وتناول قُصة (7) من شَعر كانت في يد حرسي (8) فقال: " يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت
(1) في (أ) : يتعرفونه، وهو تحريف من الناسخ، وفي (ط) : يعرفونه.
(2)
في المطبوعة: غيره، وهو أقرب للسياق.
(3)
في (ب) والمطبوعة: أو لما.
(4)
في (أط) : مشابهة الأمم.
(5)
هو: حميد بن عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة القرشي، من الطبقة الثانية، من التابعين، مدني ثقة، مات سنة (105هـ)، وقال ابن سعد:(95هـ) ، وعمره (73) سنة.
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5 / 153، 154) ؛ وتقريب التهذيب (1 / 203) ، ترجمة رقم (603) ح.
(6)
في (ب) : رضي الله عنه.
(7)
في (ج د) : قبضة، وأظنه تصحيف من النساخ.
(8)
الحرسي: الذي يتولى الحراسة ونحوها، وفي (ط) : حرشي، وفي (أ) : يدي حرسي.
رسول (1) الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ويقول: «إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم» (2) وفي رواية سعيد بن المسيب - في الصحيح - أن معاوية قال ذات يوم: " إنكم أحدثتم (3) زي سوء، وإن نبي الله (4) صلى الله عليه وسلم نهى عن الزور "، قال: وجاء رجل بعصا على رأسها خرقة. قال معاوية: " ألا وهذا الزور ".
قال قتادة: " يعني ما يكثر به النساء أشعارهن من الخرق "(5) .
وفي رواية عن ابن المسيب - في الصحيح - قال: " قدم معاوية المدينة، فخطبنا، وأخرج كبة من شعر، فقال: ما كنت أرى أن أحدا يفعله إلا اليهود، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه، فسماه الزور ".
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (6) عن وصل الشعر: " أن بني إسرائيل هلكوا حين أحدثه نساؤهم " يحذر أمته مثل ذلك، ولهذا قال معاوية:" ما كنت أرى أن أحدا يفعله إلا اليهود ".
(1) في (ج د ط) : النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي البخاري كما أثبته.
(2)
الحديث مروي في الصحيحين وقد مر تخريجه من مسلم (ص 133) ، وهذا اللفظ للبخاري، كتاب اللباس، باب وصل الشعر، حديث رقم (5932) ، (10 / 373) من فتح الباري.
(3)
في المطبوعة: اتخذتم، وفي مسلم كما هو مثبت.
(4)
في المطبوعة: النبي، وفي صحيح مسلم كما هو مثبت.
(5)
أخرج هاتين الروايتين عن ابن المسيب: مسلم في صحيحه، مع حديث حميد بن عبد الرحمن الذي أخرجه البخاري أيضا.
انظر: صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، حديث رقم (2127) ، (3 / 1679) ، وقد ذكر فيه جميع الروايات التي سردها المؤلف هنا.
(6)
النبي: ساقطة من (أ) .
فما كان من زي اليهود، الذي لم يكن عليه المسلمون: إما أن يكون مما يعذبون عليه، أو مظنة لذلك، أو يكون تركه حسما لمادة ما عذبوا عليه، لا سيما إذا لم يتميز ما هو الذي عذبوا عليه من غيره، فإنه يكون قد اشتبه المحظور بغيره، فيترك الجميع كما أن ما يخبرونا (1) به (2) لَمَّا اشتبه صدقه بكذبه: ترك الجميع.
وأيضا ما (3) روى نافع عن ابن عمر (4) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: قال عمر -: «إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما، فإن لم يكن (5) له إلا ثوب فليتزر به (6) ولا يشتمل اشتمال اليهود» رواه أبو داود وغيره، بإسناد صحيح (7) .
وهذا المعنى صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، من رواية جابر وغيره أنه:«أمر في الثوب الضيق، بالاتزار دون الاشتمال» (8) وهو قول جمهور أهل العلم، وفي
(1) أي أهل الكتاب، وفي المطبوعة: يخبرون.
(2)
به: سقطت من (أ) .
(3)
في (ب) : لما روى.
(4)
في (ب) : رضي الله عنهما.
(5)
في (أج د ط) والمطبوعة: فإن لم يكن له إلا ثوب، وفي (ب) وأبي داود كما هو مثبت.
(6)
به: سقطت من (ج د) .
(7)
انظر: سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب إذا كان الثوب ضيقا يتزر به، حديث رقم (635)، (1 / 418) واشتمال اليهود فسَّره الخطابي بقوله:" هو أن يجلل بدنه الثوب ويسبله من غير أن يشيل طرفه ". انظر: معالم السنن في هامش سنن أبي داود (1 / 418) .
(8)
انظر: صحيح مسلم، كتاب اللباس، باب النهي عن اشتمال الصماء، حديث رقم (2099) ، (3 / 1661) ؛ وصحيح البخاري، كتاب اللباس، باب (20، 21) ، الأحاديث من (5819 - 5822) من فتح الباري (10 / 278 - 279) ؛ وسنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب إذا كان الثوب ضيقا، حديث رقم (634) ، (1 / 417) .
مذهب أحمد قولان (1) .
وإنما الغرض: أنه قال: «لا يشتمل اشتمال اليهود» فإن إضافة (2) المنهي عنه إلى اليهود، دليل على أن لهذه الإضافة تأثيرا في النهي، كما تقدم التنبيه عليه.
وأيضا فمما (3) نهانا الله سبحانه فيه (4) عن مشابهة أهل الكتاب، وكان حقه أن يقدم في دلائل (5) الكتاب: قوله سبحانه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16](6) .
فقوله: ولا يكونوا مثلهم (7) نهي مطلق عن مشابهتهم (8) وهو خاص أيضا في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي.
(1) انظر: الإنصاف (1 / 469 - 470) .
(2)
إضافة: ساقطة من المطبوعة.
(3)
في (ج د) : مما.
(4)
في (ب ط) : مما نهانا عنه سبحانه عن مشابهة. . إلخ.
(5)
كذا في جميع النسخ المخطوطة. وفي المطبوعة: أوائل الكتاب. ولعله يقصد بدلائل الكتاب: ما مر من الاستدلال من كتاب الله على النهي عن مشابهة الكفار وأهل الكتاب (ص 93)، وكذلك قوله: أوائل الكتاب؛ فالقصد واحد.
(6)
سورة الحديد: من الآية 16، وفي المطبوعة أكمل الآية.
(7)
لعله يقصد مفهوم الآية، وإلا فليس هذا نصها. لذلك قال في المطبوعة:(وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) وهو نص الآية.
(8)
هذه الجملة وما بعدها وهي: " مشابهتهم وهو خاص أيضا في النهي عن ": سقطت من (د) .
وقد وصف الله سبحانه بها اليهود في غير موضع، فقال تعالى:{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ - ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (1) وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 73 - 74](2) وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [المائدة: 12](3) إلى قوله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 13](4) .
وإن قوما من هذه الأمة، ممن ينسب إلى علم أو دين (5) قد (6) أخذوا من هذه الصفات (7) بنصيب، يرى ذلك من له بصيرة، فنعوذ بالله من كل ما يكرهه الله ورسوله، ولهذا: كان السلف يحذرونهم (8) هذا.
(1) في (ب) وقف هنا، وقال: الآية. وأظنه اختصار من الناسخ.
(2)
سورة البقرة: الآيتان 73، 74.
(3)
في المطبوعة: سرد الآية.
(4)
سورة المائدة: الآيتان 12، 13.
(5)
في (أ) : إلى علم ودين.
(6)
في (ب) : لقد.
(7)
أي من الصفات التي اتصف بها أهل الكتاب وغيرهم من الأمم التي ضلت، مثل قسوة القلوب والاختلاف، والرهبانية وتحريف كلام الله، وغير ذلك مما سيذكره المؤلف.
(8)
في المطبوعة: يحذرون.
فروى البخاري - في صحيحه - عن أبي الأسود (1) قال: " بعث أبو موسى إلى قراء البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه، ولا يطولن عليكم الأمد، فتقسو قلوبكم، كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة كنا (2) نشبهها في الطول والشدة ببراءة، فأنسيتها، غير أني حفظت منها: (لو كان لابن آدم واديان من مال (3) لابتغى (4) واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب) . وكنا نقرأ سورة كنا (5) نشبهها بإحدى المسبحات، فأنسيتها، غير أني حفظت منها: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة) (6) ".
(1) هو: أبو الأسود الدؤلي - أو الديلي - واسمه: ظالم بن عمرو بن سفيان، من بني عدي بن الديل، البصري القاضي، أول من وضع علم النحو بأمر من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يقال: إنه أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قاتل مع علي يوم الجمل، وصفوه بأنه ذو دين وعقل ولسان وبيان وفهم وذكاء وحزم، وهو من ثقات التابعين، توفي سنة (69هـ) ، وعمره (85) سنة.
انظر: تهذيب التهذيب (12 / 10، 11) ، ترجمة رقم (52) الكنى.
(2)
كنا: ساقطة من المطبوعة، وفي مسلم كما هو مثبت.
(3)
في المطبوعة: من ذهب. وفي مسلم كما هو مثبت.
(4)
في (ب) : لابتغى لهما.
(5)
كنا: سقطت من (ب) .
(6)
هذا الحديث لم أجده بطوله في البخاري، إنما أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا، حديث رقم (1050) ، (2 / 726) ، بهذا اللفظ، وإنما أخرج البخاري جزءا منه عن ابن عباس وعبد الله بن الزبير وأنس، ولفظ رواية ابن عباس:" لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب "، والروايات الأخرى قريبة، من هذا مع اختلاف يسير في الألفاظ والسياق. انظر: صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال، الأحاديث رقم (6436، 6437، 6438، 6439، 6440) ، (11 / 253) من فتح الباري.
فحذر أبو موسى القراء عن (1) أن يطول عليهم الأمد، فتقسو قلوبهم.
ثم لما كان نقض الميثاق يدخل فيه نقض ما عهد إليهم من الأمر والنهي، وتحريف الكلم عن مواضعه، بتبديل (2) وتأويل كتاب الله أخبر ابن مسعود (3) بما يشبه ذلك.
فروى الأعمش، عن عمارة بن عمير (4) عن الربيع بن (5) عميلة الفزاري (6) حدثنا عبد الله (7) حديثا ما سمعت حديثا هو أحسن منه إلا كتاب الله، أو رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(8) «إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم، فاخترعوا كتابا من عند أنفسهم، اشتهته قلوبهم،
(1) عن: ساقطة من المطبوعة.
(2)
في (أب ط) : تبديل تأويل، وفي المطبوعة: وتبديل وتأويل.
(3)
في المطبوعة: رضي الله عنه.
(4)
هو: عمارة بن عمير التيمي الكوفي، من الطبقة الرابعة، قال ابن حجر: ثقة، ثبت، مات بعد المائة، وقيل: قبلها بسنتين.
انظر: تقريب التهذيب (2 / 50) ، ترجمة (377) ع.
(5)
في المطبوعة: بن أبي عميلة، وهو خلاف ما جاء في النسخ الأخرى وتهذيب التهذيب.
(6)
هو: الربيع بن عميلة الفزاري الكوفي، ذكر في تهذيب التهذيب أن ابن معين وابن حبان وابن سعد والعجلي، وثقوه.
انظر: تهذيب التهذيب (3 / 249، 250) ، وترجمة رقم (476) .
الفزاري: ساقطة من (أط) .
(7)
يعني ابن مسعود رضي الله عنه.
(8)
في المطبوعة: قال.
واستحلته (1) أنفسهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، كأنهم لا يعلمون، فقالوا اعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل فإن تابعوكم فاتركوهم، وإن خالفوكم فاقتلوهم، ثم قالوا: لا، بل أرسلوا إلى فلان رجل من علمائهم، فاعرضوا عليه هذا الكتاب، فإن تابعكم فلن يخالفكم أحد بعده (2) وإن خالفكم فاقتلوه، فلن يختلف عليكم بعده (3) أحد، فأرسلوا إليه، فأخذ ورقة فكتب فيها كتاب الله، ثم جعلها في قرن، ثم علقها في عنقه، ثم لبس عليها الثياب، ثم أتاهم فعرضوا عليه الكتاب، فقالوا: أتؤمن بهذا؟ فأوما إلى صدره فقال: آمنت بهذا، ومالي لا أومن بهذا؟ - يعني الكتاب الذي في القرن- فخلوا سبيله وكان له أصحاب يغشونه، فلما مات نبشوه فوجدوا القرن، فوجدوا (4) فيه الكتاب، فقالوا: ألا ترون قوله: آمنت بهذا، وما لي (5) لا أومن بهذا؟ إنما عنى هذا الكتاب، فاختلف بنو إسرائيل على بضع وسبعين ملة، وخير مللهم: أصحاب ذي القرن،» قال عبد الله:" وإن من بقي منكم سيرى منكرا، وبحسب امرئ يرى (6) منكرا لا يستطيع أن يغيره، أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره "(7) .
(1) في (أ) : واستحبته.
(2)
بعده: سقطت من (أ) .
(3)
في (ط) : أحد بعده.
(4)
في (أط) : ووجدوا.
(5)
لا: ساقطة من (أ) .
(6)
في (أ) : رأى.
(7)
ذكر ابن جرير الطبري هذا مختصرا في تفسيره جامع البيان، والمشهور بتفسير الطبري في تفسير سورة الحديد، عند قوله تعالى:" أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ " سورة الحديد: من الآية 16، (27 / 132) ، وذكره ابن كثير بطوله مع اختلاف يسير في ألفاظه، عن ابن أبي حاتم بسنده عن ابن مسعود. انظر: تفسير ابن كثير (6 / 559، 560) ، طبعة دار الأندلس المحققة (1385هـ) في تفسير الآية المشار إليها.
ولما نهى (1) الله عن التشبه بهؤلاء الذين قست قلوبهم، ذكر أيضا في آخر السورة حال الذين ابتدعوا الرهبانية، فما رعوها حق رعايتها فعقبها بقوله:(2){اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (3) وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 28 - 29](4) فإن الإيمان بالرسول: (5) تصديقه وطاعته (6) واتباع شريعته، وفي ذلك مخالفة للرهبانية؛ لأنه لم يبعث بها، بل نهى عنها، وأخبر: أن من اتبعه (7) كان له أجران، وبذلك جاءت (8) الأحاديث الصحيحة، من طريق ابن عمر وغيره، في مثلنا ومثل أهل الكتاب.
وقد صرح صلى الله عليه وسلم بذلك (9) فيما رواه أبو داود في سننه، من حديث ابن وهب (10) أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء (11) أن سهل بن
(1) في (ط) : ولما نهى سبحانه.
(2)
في المطبوعة: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله. . إلخ الآيات.
(3)
من هنا إلى قوله: فإن الإيمان بالرسول (سطر تقريبا) : سقط من (أط) .
(4)
سورة الحديد: الآيتان 28، 29.
(5)
في المطبوعة: هو تصديقه.
(6)
في (أ) : وإطاعته.
(7)
في المطبوعة زاد: من أهل الكتاب.
(8)
جاءت: ساقطة من (أ) .
(9)
بذلك: ساقطة من (أ) .
(10)
هو: عبد الله بن وهب، كذا في أبي داود، وهو القرشي، مولاهم، مرت ترجمته. انظر: فهرس الأعلام.
(11)
هو: سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء الكناني المصري، قال ابن حجر في التقريب:" مقبول، من السابعة ".
انظر: تقريب التهذيب (1 / 300) ، ترجمة رقم (213) سعيد.
أبي أمامة (1) حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات (2) رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم» (3) .
هذا (4) الذي في رواية اللؤلؤي (5) عن أبي داود، وفي رواية ابن داسة (6) عنه: " أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة، في زمان عمر بن عبد العزيز (7) وهو أمير بالمدينة، فإذا هو يصلي صلاة خفيفة، كأنها صلاة
(1) هو: سهل بن أبي أمامة: وأبو أمامة: أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري، الأوسي. ذكر ابن حجر عن ابن معين والعجلي وابن حبان أنه ثقة، توفي بالإسكندرية.
انظر: تهذيب التهذيب (4 / 246 - 247) ، (ت 422) س.
(2)
في (أ) : والديار.
(3)
سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الحسد، حديث رقم (4904) ، (5 / 209 - 210) ، وللحديث بقية في بعض نسخ أبي داود، وسيذكرها المؤلف هنا، وسمى هذه: رواية اللؤلؤي.
(4)
من هنا: قوله: (هذا الذي في رواية اللؤلؤي. .) إلى نهاية قوله: (ما كتبناها عليهم) ص 297: سقطت من (ج)، أي أنه أدخل قوله: ثم غدا من الغد. . إلخ في رواية اللؤلؤي، بينما أهمل رواية ابن داسة، وأظنه خلطا من الناسخ.
(5)
اللؤلؤي هو: محمد بن أحمد بن عمر البصري، اللؤلؤي، أبو علي، هو آخر من روى عن أبي داود سننه. انظر: اللباب في تهذيب الأنساب (3 / 134) ، باب اللام والواو.
(6)
هو: محمد بن أبي بكر بن عبد الرزاق بن داسة التمار، تلميذ أبي داود، وهو واللؤلؤي - السابقة ترجمته - اللذان يرويان عن أبي كتابه السنن، توفي سنة (346هـ) .
انظر: ترجمة أبي داود في مقدمة سننه التي أعدها عزت الدعاس (1 / 8)، وانظر: شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (2 / 373) .
(7)
هو: الخليفة العادل، أمير المؤمنين، عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، ويسمى: الخليفة الراشد الخامس؛ لصلاحه وعدله، ولد بالمدينة المنورة سنة (61هـ) ، وتولى إمارتها في عهد الوليد بن الملك، ثم استوزره سليمان بن عبد الملك بالشام، وعهد إليه بالخلافة بعد وفاته سنة (99هـ) ، فرفع المظالم وولى على الناس خيارهم وعم في عهده الأمن والرخاء والعدل رغم قصر عهده، توفي سنة (101هـ) .
انظر: البداية والنهاية (9 / 192 - 196) ؛ والأعلام للزركلي (5 / 50) .
المسافر (1) أو قريبا منها، فلما سلم قال: يرحمك الله، أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أم شيء تنفلته؟ قال: إنها (2) للمكتوبة، وإنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول:«لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله (3) عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله (4) عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات (5) رهبانية ابتدعوها، ما كتبناها عليهم» .
ثم غدا من الغد، فقال: ألا تركب لتنظر ولتعتبر (6) ؟ قال: نعم، فركبوا (7) جميعا، فإذا بديارٍ بادَ أهلها وانقضوا وفنوا، خاوية على عروشها، قال: أتعرف هذه الديار؟ فقال: نعم، ما (8) أعرفني بها وبأهلها، هؤلاء أهل ديار
(1) في (أط) : مسافر.
(2)
في (أ) : المكتوبة.
(3)
في (أب ط) : لم يذكر اسم الجلالة.
(4)
في (أب ط) : لم يذكر اسم الجلالة.
(5)
في (أط) : والديار، والصحيح ما أثبته، والديارات هي دور الرهبان والراهبات من النصارى.
انظر: المعجم الوسيط (1 / 306) ، والقاموس المحيط، فصل الدال، باب الراء، (2 / 34) .
(6)
في (ب ط) : لننظر ونعتبر، وفي المطبوعة: وننظر لنعتبر، وفي أبي داود كما أثبته.
(7)
في المطبوعة: فركبا.
(8)
في (أب ط) : فقال: ما أعرفني، وفي أبي داود: فقلت: ما أعرفني.
أهلكهم الله (1) ببغيهم وحسدهم؛ إن الحسد يطفئ نور الحسنات، والبغي يصدق ذلك أو يكذبه، والعين تزني والكف، والقدم، والجسد، واللسان، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه (2) .
فأما سهل بن أبي أمامة، فقد وثقه يحيى بن معين وغيره، وروى له (3) مسلم وغيره. أما ابن أبي العمياء، فمن أهل بيت المقدس ما أعرف حاله (4) لكن رواية أبي داود للحديث، وسكوته عنه: يقتضي أنه حسن عنده، وله شواهد في الصحيح (5) .
فأما ما فيه من وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالتخفيف: ففي الصحيحين عنه - أعني: أنس بن مالك - قال: " كان النبي (6) صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها "(7) .
وفي الصحيحين أيضا عنه قال: " ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة،
(1) في (أط) : أهلكهم البغي والحسد، وكذلك أبي داود.
(2)
هذا هو الحديث السابق الذي أشرت إليه في سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الحديث، حديث رقم (4904) ، (5 / 209، 210) .
(3)
له: سقطت من (أ) .
(4)
ذكرت أن ابن حجر قال: مقبول. وقال في التهذيب (4 / 57) : " ذكره ابن حبان في الثقات ".
(5)
سيذكر المؤلف شيئا منها هنا.
(6)
في (أ) : رسول الله.
(7)
رواه البخاري في كتاب الأذان، باب الإيجاز في الصلاة وإكمالها، حديث رقم (706) من فتح الباري، (2 / 201) . ومسلم في كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، حديث رقم (469) ، (1 / 342)، ولفظه:" عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم كان يوجز في الصلاة ويتم "، وفي لفظ:" أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان من أخف الناس صلاة في تمام ".
ولا أتم من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ". زاد البخاري: " وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف، مخافة أن تفتتن أمه " (1) .
وما ذكره أنس بن مالك من التخفيف: هو (2) بالنسبة إلى ما كان يفعله بعض الأمراء وغيرهم في قيام الصلاة، فإن منهم من كان يطيل القيام (3) زيادة على ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله في غالب الأوقات، ويخفف (4) الركوع والسجود والاعتدال فيهما (5) عما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله في غالب الأوقات، ولعل أكثر الأئمة، أو كثيرا منهم، كانوا قد صاروا يصلون كذلك، ومنهم من كان (6) يقرأ في الأخيرتين (7) مع الفاتحة، سورة، وهذا كله قد صار مذاهب لبعض الفقهاء، وكان الخوارج أيضا قد تعمقوا وتنطعوا كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم» (8) .
(1) انظر: صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي، حديث رقم (708) من فتح الباري (1 / 201، 202) ؛ وصحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، تحت الرقم السابق (469)(1 / 342)، وفيه الزيادة التي أشار الشيخ هنا أنها في البخاري ولفظها في مسلم:" كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة، فيقرأ بالسورة الخفيفة أو بالسورة القصيرة ".
(2)
في المطبوعة: فهو.
(3)
القيام: ساقطة من المطبوعة.
(4)
في (ب) : وتخفيف.
(5)
فيهما: ساقطة من (المطبوعة) .
(6)
كان: ساقطة من (أط) .
(7)
في المطبوعة: بالأخريين، وفي (ط) : في الأخريين.
(8)
هذا جزء من حديث ورد في الصحيحين وغيرهما:
انظر: صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة، حديث رقم (3610) من فتح الباري، (6 / 617) ؛ وصحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، حديث رقم (148) ، (2 / 744) .
ولهذا لما صلى علي (1) رضي الله عنه بالبصرة قال عمران (2)" لقد أذكرني (3) هذا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم "(4) .
وكانت صلاة رسول (5) الله صلى الله عليه وسلم معتدلة: كان يخفف القيام والقعود، ويطيل الركوع والسجود.
وقد جاء هذا مفسرا، عن أنس بن مالك نفسه، فروى النسائي عن قتيبة (6) عن العطاف بن خالد (7) عن زيد بن
(1) في المطبوعة: ابن أبي طالب.
(2)
في المطبوعة: ابن حصين.
هو الصحابي الجليل: عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي الكعبي، أبو نجيد، أسلم عام خيبر وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عدة غزوات، وبعثه عمر بن الخطاب إلى البصرة يفقه أهلها، وتولى قضاء البصرة في عهد عبد الله بن عامر، ثم استعفى فأعفاه، وكان مجاب الدعوة، ولم يشهد الفتنة، توفى سنة (52هـ) .
انظر: أسد الغابة (4 / 137، 138) .
(3)
في (أ) : ذكرني.
(4)
قول عمران في صلاة علي ورد في البخاري في أكثر من موضع وبألفاظ.
انظر: الأحاديث في فتح الباري، رقم (784) و (786) و (826) .
(5)
في (أط) : النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(6)
هو: قتيبة بن سعيد الثقفي، ثقة. مرت ترجمته. انظر: فهرس الأعلام.
(7)
هو: عطّاف بن خالد بن عبد الله بن العاص المخزومي، أبو صفوان، المدني، قال في تقريب التهذيب:" صدوق يهم، من السابعة، مات قبل مالك ".
تقريب التهذيب (2 / 24) ، (ت 212) ع.
وذكر المؤلف توثيق الأئمة له كأحمد وابن معين.
أسلم (1) قال: " دخلنا على أنس بن مالك، فقال: صليتم؟ قلنا: نعم. قال: يا جارية، هلمي لي وضوءا، ما صليت وراء إمام أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من إمامكم هذا - قال زيد - وكان عمر بن عبد العزيز يتم الركوع والسجود، ويخفف القيام والقعود (2) .
وهذا حديث صحيح، فإن العطاف بن خالد المخزومي قال فيه يحيى بن معين - غير مرة -:" هو ثقة "(3) . وقال أحمد بن حنبل: " هو من أهل مكة، ثقة صحيح الحديث، روى عنه نحو مائة حديث "(4) .
وقال ابن عدي: " يروي قريبا من مائة حديث، ولم أر بحديثه بأسا إذا حدث عنه ثقة "(5) .
وروى أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان (6) حدثني أبي عن وهب بن مانوس (7) سمعت سعيد بن جبير (8)
(1) هو: زيد بن أسلم العدوي، أبو عبد الله، أبوه مولى عمر بن الخطاب المدني، قال ابن حجر:" ثقة عالم، كان يرسل، من الثالثة "، توفي سنة (136هـ) .
انظر: تقريب التهذيب (1 / 272) ، (ت 157) ز.
(2)
سنن النسائي، كتاب الافتتاح، تخفيف القيام والقراءة، (2 / 166) .
(3)
انظر: تهذيب التهذيب (7 / 221، 223) ، ترجمة رقم (409)، وقد ذكر أن أحمد قال:" هو من أهل المدينة ".
(4)
انظر: المصدر السابق.
(5)
انظر: المصدر السابق.
(6)
عرّفه المؤلف بما يكفي، وكذلك أبوه إبراهيم، ذكر عنهما الشيخ ما فيه غنى عن ترجمتهما.
(7)
هو: العدني، ويقال: البصري. انظر: تهذيب التهذيب (11 / 166) ، (ت 287) و، وقد تكلم عنه الشيخ أيضا بما يكفي.
(8)
هو: سعيد بن جبير بن هشام الأسدي، مولاهم، الكوفي، أبو عبد الله، وقيل: أبو محمد، من أئمة السلف، من الطبقة الثالثة، ومن الفقهاء والعلماء الصالحين الثقات، وكان عابدا فاضلا ورعا، خرج مع ابن الأشعث على الحجاج والي بني أمية، فلما تمكن منه الحجاج قتله، وذلك سنة (95هـ) وعمره (49) ، وقيل (47) سنة.
انظر: تهذيب التهذيب (4 / 11 - 14) ، ترجمة (14) .
يقول: " سمعت أنس بن مالك يقول: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، من هذا الفتى - يعني عمر بن عبد العزيز - قال: فحزرنا (1) في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات "(2) .
وقال (3) يحيى بن معين: " إبراهيم بن عمر بن كيسان: يماني ثقة "(4) . وقال هشام بن يوسف: " أخبرني إبراهيم بن عمر، وكان من أحسن الناس صلاة "(5) ؛ وابنه عبد الله قال فيه أبو حاتم: " صالح الحديث "(6) .
ووهب بن مانوس - بالنون - يقوله (7) عبد الله هذا (8) وكان عبد الرزاق (9) يقوله: بالباء المنقوطة بواحدة (10) من أسفل. وهو شيخ
(1) حزرنا: قدرنا وخرصنا. انظر: مختار الصحاح، مادة (ح ر ز) ، (ص 133) .
(2)
سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب مقدار الركوع والسجود، حديث رقم (888) ، (1 / 551) ؛ وسنن النسائي، كتاب الافتتاح، باب عدد التسبيح في السجود، (2 / 224، 225) ؛ ومسند أحمد (3 / 162، 163) ، وقد تكلم المؤلف عن إسناد الحديث بما يكفي.
(3)
في (أ) : قال.
(4)
انظر تهذيب التهذيب (1 / 147) ، (ت 263) .
(5)
المصدر السابق.
(6)
انظر: الجرح والتعديل (5 / 3) ، ترجمة رقم (11) .
(7)
في (ج) : يقول.
(8)
يقصد: عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان، المذكور آنفا.
(9)
هو: عبد الرزاق بن همام الصنعاني، مرت ترجمته، انظر: فهرس الأعلام.
(10)
في (أ) : واحدة، والمقصود أن عبد الرزاق يسميه: ابن بانوس.
كبير (1) قديم، قد أخذ عنه إبراهيم هذا، واتبع ما حدثه (2) به، ولولا ثقته عنده لما عمل بما حدثه (3) به، وحديثه موافق لرواية زيد بن أسلم، وما أعلم فيه قدحا.
وروى مسلم في صحيحه، من حديث حماد بن سلمة، أخبرنا (4) ثابت (5) عن أنس (6) قال:" ما صليت خلف أحد أوجز صلاة من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام، كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقاربة، وكانت صلاة أبي بكر رضي الله عنه (7) متقاربة، فلما كان عمر (8) رضي الله عنه، مد في صلاة الفجر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا قال: سمع الله لمن حمده، قام حتى نقول: (9) قد أوهم، ثم يسجد ويقعد بين السجدتين، حتى نقول: (10) قد أوهم "(11) .
ورواه أبو داود، من حديث حماد بن سلمة، أنبأنا (12) ثابت وحميد، عن
(1) كبير: ساقطة من (أط) .
(2)
في (ط) : ما حدث.
(3)
في (ط) : ما حدث به.
(4)
في (أ) : أنا ثابت، أي: أنبانا.
(5)
هو: ثابت بن أسلم البناني البصري، مرت ترجمته، انظر: فهرس الأعلام.
(6)
في المطبوعة: بن مالك.
(7)
رضي الله عنه: ساقطة من (أط) .
(8)
في (ط) : بن الخطاب.
(9)
في (ب) : يقول.
(10)
في (ب) : يقول.
(11)
صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام، حديث رقم (473) ، (1 / 344)، وأوهم: بمعنى غلط وسها. انظر: مختار الصحاح، مادة (وهـ م) ، (ص 738) .
(12)
في (ط) : أخبرنا.
أنس بن مالك، قال:" ما صليت خلف رجل أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: " سمع الله لمن حمده قام " حتى نقول (1) قد أوهم. ثم يكبر ثم يسجد. وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم "(2) .
فجمع أنس رضي (3) الله عنه في هذا الحديث الصحيح، بين الإخبار بإيجاز النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصلاة وإتمامها، وبيّن أن من إتمامها الذي أخبر به: إطالة الاعتدالين، وأخبر في الحديث المتقدم: أنه ما رأى (4) أوجز من صلاته، ولا أتم.
فيشبه - والله أعلم - أن يكون الإيجاز عاد إلى القيام، والإتمام إلى الركوع والسجود؛ لأن القيام، لا يكاد يفعل إلا تاما، فلا يحتاج إلى الوصف بالإتمام، بخلاف الركوع والسجود والاعتدالين.
وأيضا، فإنه بإيجاز القيام، وإطالة الركوع والسجود تصير الصلاة تامة، لاعتدالها وتقاربها، فيصدق قوله:" ما رأيت أوجز ولا أتم ".
فأما إن أعيد الإيجاز إلى نفس ما أتم (5) والإتمام إلى نفس ما أوجز (6) ؛ فإنه يصير في الكلام تناقضا، لأن من طول القيام على قيامه (7) لم يكن دونه في إتمام
(1) في (أب) : يقول.
(2)
سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب طول القيام من الركوع، وبين السجدتين، حديث رقم (853) ، (1 / 532) ورجاله ثقات.
(3)
رضي الله عنه: ساقطة من (ب ج د) .
(4)
في (ط) : ما روى، ولعله تحريف من الناسخ.
(5)
في المطبوعة: إلى لفظ: لا أتم.
(6)
في المطبوعة أيضا قال: إلى لفظ: لا أوجز.
(7)
في المطبوعة: صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
القيام، إلا أن يقال: الزيادة في الصورة تصير (1) نقصا في المعنى، وهذا خلاف ظاهر اللفظ، فإن الأصل: أن يكون معنى الإيجاز والتخفيف غير معنى الإتمام والإكمال؛ ولأن زيد بن أسلم قال: " كان عمر يخفف القيام والقعود، ويتم الركوع والسجود " فعلم أن لفظ الإتمام عندهم، هو إتمام الفعل الظاهر.
وأحاديث أنس كلها تدل (2) على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل الركوع والسجود والاعتدالين، زيادة على ما يفعله (3) أكثر الأئمة. وسائر (4) روايات الصحيح تدل على ذلك.
ففي الصحيحين: عن حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال:" إني لا آلو أن أصلي بكم (5) كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا ".
قال ثابت: " فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه: وإذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما، حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة (6) مكث، حتى يقول القائل (7) قد نسي "(8) .
(1) في (ب) : يصير.
(2)
في (ب) : يدل.
(3)
في المطبوعة: فعله.
(4)
سائر: ساقطة من (أ) .
(5)
في المطبوعة: لكم، وفي مسلم والبخاري كما أثبته.
(6)
في (ط) : في السجدة.
(7)
في المطبوعة: نقول.
(8)
صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب المكث بين السجدتين، حديث رقم (821) فتح الباري (2 / 301) .
وصحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام، حديث رقم (472) ، (1 / 344) ، واللفظ لمسلم، ولفظ البخاري اختلافه يسير.
وفي رواية - في الصحيح -: " وإذا رفع رأسه بين السجدتين "(1) .
وفي (2) رواية للبخاري، من حديث شعبة، عن ثابت: " كان أنس ينعت لنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يصلي، (3) وإذا رفع رأسه من الركوع قام حتى نقول (4) قد نسي (5) فهذا يبين لك أن أنسا أراد بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إطالة الركوع والسجود، والرفع فيهما، على ما كان الناس يفعلونه، وتقصير القيام عما كان الناس يفعلونه (6) .
وروى مسلم في صحيحه، من حديث جعفر بن سليمان (7) عن ثابت، عن أنس قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه، وهو في الصلاة، فيقرأ بالسورة الخفيفة أو بالسورة القصيرة "(8) .
فبين أن التخفيف الذي كان يفعله (9) هو تخفيف القراءة، وإن كان ذلك
(1) انظر: صحيح البخاري، الحديث السابق.
(2)
في (ب) : لرواية.
(3)
كذا في (ط) ، وفي صحيح البخاري، وفي (ب ج د) والمطبوعة: فإذا.
(4)
في (ب) : يقول.
(5)
صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع، حديث رقم (800) من فتح الباري، (2 / 287) .
(6)
قوله: وتقصير القيام عما كان الناس يفعلونه: سقطت من (ج د) .
(7)
هو: جعفر بن سليمان الضبعي، البصري، أبو سليمان، من الطبقة الثامنة، ثقة، أخرج له البخاري ومسلم، قال ابن حجر في التقريب:" صدوق زاهد لكنه كان يتشيع "، توفي سنة (178هـ) .
انظر: تقريب التهذيب (1 / 131) ، (ت 83) ج.
(8)
صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، حديث رقم (470) ، (1 / 342) .
(9)
في المطبوعة: صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
يقتضي (1) ركوعا وسجودا يناسب القراءة، ولهذا قال:" كانت صلاته متقاربة "، أي يقرب بعضها من بعض.
وصدق أنس (2) فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بنحو الستين إلى المائة (3) يقرأ في الركعتين بطول المفصل بـ: الم. تنزيل، وهل أتى، وبالصافات، وبقاف؛ وربما قرأ أحيانا بما هو أطول من ذلك، وأحيانا بما هو أخف (4) .
فأما عمر رضي الله عنه، فكان يقرأ في الفجر بيونس، وهود، ويوسف، ولعله (5) علم أن الناس خلفه يؤثرون ذلك.
وكان معاذ رضي الله عنه: قد صلى خلفه (6) الآخرة ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف بقباء، فقرأ فيها بسورة البقرة (7) فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم (8) ذلك. وقال: «أفتان أنت يا معاذ، إذا أممت الناس فخفف، فإن من ورائك الكبير والضعيف وذا الحاجة. هلا قرأت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها،
(1) من هنا حتى قوله: (قريبا من قيامه بقدر معظمه) ، (ص 312) ، سطر (4) ، ورقة كاملة من المخطوطة (د) ساقطة.
(2)
في (أط) : رضي الله عنه.
(3)
انظر: صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في الفجر، حديث رقم (771) من فتح الباري (2 / 251) ، وصحيح مسلم، حديث رقم (647) ، (1 / 447) .
(4)
انظر: صحيح مسلم، كتاب الصلاة، الأحاديث رقم (457) ، (458) ، (1 / 336، 337) ، ورقم (879) ، (2 / 599) .
(5)
في (أط) : رضي الله عنه.
(6)
أي خلف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد فسرها في المطبوعة في المتن، وكان الأولى أن يضعها في الهامش.
(7)
أي قرأها في الصلاة.
(8)
في (أ) : عليه ذلك.
ونحوها (1) من السور؟» (2) .
فالتخفيف الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم معاذا، وغيره من الأئمة، هو ما كان يفعله - بأبي هو (3) وأمي صلى الله عليه وسلم، فإنه (4) كما قال أنس:" كان أخف الناس صلاة في تمام ".
وقد (5) قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (6) .
ثم إن عرض حال عرف منها إيثار المأمومين للزيادة على ذلك فحسن، فإنه صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب: بطولى الطوليين (7) وقرأ فيها بالطور.
وإن عرض ما يقتضي التخفيف عن ذلك فعل، كما قال في بكاء الصبي ونحوه.
(1) في المطبوعة: ونحوهما.
(2)
هذا الحديث بمعناه ورد في الصحيحين وغيرهما.
انظر: صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب من شكا إمامه إذا طول، حديث رقم (705) من فتح الباري (2 / 200) ؛ وصحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، حديث رقم (465) ، (1 / 339) .
(3)
في (ط) : هو بأبي وأمي.
(4)
في (ط) : فإنه كان كما قال أنس.
(5)
قوله: وقد قال: " صلوا كما رأيتموني أصلي ": ساقطة من (أ) .
(6)
أخرجه البخاري في أكثر من موضع. انظر: كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة. . إلخ، حديث رقم (631)، (2 / 111) من فتح الباري. وفيه:" وصلوا كما رأيتموني أصلي ". وأحمد في المسند (5 / 53)، في مسند الحويرث بن مالك وفيه:" وصلوا كما تروني أصلي ".
(7)
طولي الطوليين: أي أطول السورتين اللتين هما المائدة والأعراف، وقيل: الأنعام والأعراف، وعلى التقديرين فطولاهما هي الأعراف.
انظر: فتح الباري (2 / 247) ؛ جامع الأصول (5 / 344) .
فقد تبين (1) أن حديث أنس تضمن مخالفة من خفف الركوع والسجود، تخفيفا كثيرا، ومن طول القيام تطويلا كثيرا. وهذا الذي وصفه أنس، (2) ووصفه سائر الصحابة.
فروى (3) مسلم في صحيحه، وأبو داود في سننه (4) عن هلال بن أبي حميد (5) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (6) عن البراء بن عازب (7) قال:" رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه، فركعته، فاعتداله بعد ركوعه، فسجدته، فجلسته بين السجدتين، فجلسته ما بين التسليم والانصراف: قريبا من السواء "(8) .
(1) في (ب) : بين.
(2)
في (ب ج) : بواو واحدة.
(3)
في المطبوعة: وروى.
(4)
في سننه: ساقطة من (ب ج) .
(5)
هو: هلال بن أبي حميد الجهني، مولاهم، ويقال: ابن حميد، الكوفي، الصدفي، ذكر ابن حجر عن ابن معين وابن حبان والنسائي توثيقه، وأخرج له البخاري ومسلم وغيرهما.
انظر: تهذيب التهذيب (11 / 77) ، ترجمة رقم (122) .
(6)
هو: عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني، من الطبقة الثانية من التابعين، إمام حافظ ثقة، مات بوقعة الجماجم سنة (86هـ) .
انظر: تقريب التهذيب (1 / 496) ، ترجمة (1094) ع.
(7)
هو الصحابي الجليل: البراء بن عازب بن الحارث بن عدي، الأوسي الأنصاري، من صغار الصحابة، غزا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أربع عشرة غزوة، وشهد مع علي الجمل وصفين، وقتال الخوارج، وقبل ذلك افتتح الري وشهد غزوة تستر مع أبي موسى. انظر الإضافة (1 / 147) ، حرف الباء.
(8)
صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام، حديث رقم (471) ، (1 / 343) .
وروى مسلم أيضا في صحيحه، عن شعبة (1) عن الحكم (2) قال:" غلب على الكوفة رجل - قد سماه - زمن ابن الأشعث (3) قال: فأمر أبا عبيدة بن عبد الله (4) أن يصلي بالناس، فكان يصلي، فإذا رفع رأسه من الركوع قام قدر ما أقول: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ".
قال الحكم: " فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن أبي ليلى، فقال: " سمعت البراء بن عازب يقول: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وركوعه، وإذا رفع رأسه من
(1) هو: شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي، مولاهم، الواسطي، ثم البصري، أبو بسطام، من الثقات الأئمة الحفاظ المتقنين، قال ابن حجر في التقريب:" كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث، وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال، وذب عن السنة، وكان عابدا، من السابعة، مات سنة ستين "، يعني: ومائة (160هـ) .
تقريب التهذيب (1 / 351) ترجمة رقم (67) ش.
(2)
هو: الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، أبو محمد، قال ابن حجر في التقريب:" ثقة، ثبت، فقيه، إلا أنه ربما دلس، من الخامسة "، توفي سنة (113 هـ) وعمره نيف وستون سنة. انظر: تقريب التهذيب (1 / 192) ، ترجمة رقم (494) ح.
(3)
هو: عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، خرج على الحجاج، وصارت له معه وقائع طويلة، واستولى على سجستان وكرمان وفارس والبصرة، حتى حدثت بينهما موقعة دير الجماجم التي دامت أكثر من 100 يوم انتهت بهزيمة ابن الأشعث فلجأ إلى رتبيل ملك الترك، وبتهديد الحجاج أرسل رتبيل رأس ابن الأشعث إليه سنة (85هـ) .
انظر: البداية والنهاية لابن كثير (9 / 35 - 37، 39 - 42) ؛ والأعلام للزركلي (3 / 323، 324) .
(4)
هو: أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، تابعي جليل، من الثالثة، كوفي، ثقة، مات بعد سنة (80هـ) . انظر: تهذيب التهذيب (2 / 448) ، (ت 86) الكنى.
الركوع (1) وسجوده، وما بين السجدتين، قريبا من السواء ". قال شعبة: " فذكرته لعمرو بن مرة (2) . فقال: قد رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى، فلم تكن صلاته هكذا (3) .
وروى البخاري (4) هذا الحديث - ما خلا القيام والقعود - قريبا من السواء (5) . وذلك لأنه (6) لا شك أن القيام - قيام القراءة - وقعود التشهد يزيد على بقية الأركان، لكن لما كان صلى الله عليه وسلم يوجز القيام، ويتم بقية الأركان، صارت قريبا من السواء.
فكل واحدة من الروايتين تصدق الأخرى، وإنما البراء: تارة قرب ولم يحدد، وتارة استثنى وحدد، وإنما جاز أن يقال في القيام مع بقية الأركان: قريبا، بالنسبة إلى الأمراء الذين (7) يطيلون القيام، ويخففون الركوع والسجود، حتى يعظم التفاوت.
(1) في المطبوعة: من ركوعه، وفي مسلم: كما أثبته.
(2)
هو: عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق الجملي المرادي، أبو عبد الله، الكوفي، الأعمى، قال ابن حجر في التقريب:" ثقة عابد، كان لا يدلس، ورمي بالإرجاء، من الخامسة، مات سنة ثماني عشرة ومائة وقيل: قبلها ".
تقريب التهذيب (2 / 78) ، ترجمة رقم (677) ع.
(3)
صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام، تابع حديث رقم (471) ، (1 / 343 - 344) .
(4)
في (ط) : وروى الحارث، وهو تحريف من الناسخ.
(5)
انظر: صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب المكث بين السجدتين، حديث رقم (820) من فتح الباري، (2 / 300، 301) .
(6)
لأنه: سقطت من (ط) .
(7)
في (ب) : الأمر الذي.
ومثل هذا: " أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف، فقرأ في الركعة (1) بنحو من سورة البقرة وركع. فكان ركوعه نحوا من قيامه، وكذلك سجوده "(2) .
ولهذا نقول في أصح القولين: إن ركوع صلاة الكسوف وسجودها يكون قريبا من قيامه بقدر معظمه، أكثر من النصف.
ومن أصحابنا وغيرهم من قال: إذا قرأ البقرة، يسبح في الركوع والسجود، بقدر قراءة مائة آية (3) . وهو ضعيف مخالف للسنة.
وكذلك (4) روى مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد (5) وغيره (6) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: بعد الرفع من الركوع من الذكر (7) ما يصدق حديث أنس والبراء (8) .
وكذلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التطوع: فإنه كان إذا صلى بالليل (9)
(1) في المطبوعة زاد: الأولى.
(2)
جاء ذلك في حديث طويل أخرجه مسلم في كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، تابع حديث رقم (904) ، (1 / 623)، وجاء فيه:(ثم ركع نحوا مما قام)، وقال:(وركوعه نحوا من سجوده) .
(3)
انظر: المغني مع الشرح الكبير (2 / 275) في المغني.
(4)
في (ب) : وكذا.
(5)
في المطبوعة: الخدري. وهو توضيح للاسم ينبغي أن يكون في الحاشية.
(6)
وغيره: ساقطة من (ب ج د) والمطبوعة.
(7)
من الذكر: سقطت من (ط) .
(8)
انظر: صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، حديث رقم (477)، (1 / 347) ولفظه: عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: " ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض. . " الحديث. ومثله عن عبد الله بن أبي أوفى، وعن عبد الله بن عباس.
انظر: صحيح مسلم، الكتاب والباب المشار إليهما سابقا.
(9)
بالليل: ساقطة من (ط) .
وحده طول لنفسه ما شاء، وكان (1) يقرأ في الركعة بالبقرة وآل عمران والنساء، ويركع (2) نحوا من قيامه، ويرفع نحوا من ركوعه، ويسجد نحوا من قيامه، ويجلس نحوا من سجوده (3) .
ثم هذا القيام الذي وصفه أنس وغيره بالخفة، والتخفيف الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم قد فسره النبي (4) صلى الله عليه وسلم بفعله وأمره وبلغ ذلك أصحابه فإنه لما صلى على المنبر قال:«إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي» (5) وقال لمالك بن الحويرث (6) وصاحبه (7)«صلوا كما رأيتموني أصلي» (8) .
وذلك: أنه ما من فعل في الغالب إلا وقد يسمى خفيفا بالنسبة إلى ما هو أطول منه، ويسمى طويلا بالنسبة إلى ما هو أخف منه، فلا حد له في اللغة، وليس الفعل (9) من العادات: كالإحراز، والقبض، والاصطياد، وإحياء الموات، حتى
(1) في (أط) : فكان.
(2)
قوله: نحوا من قيامه ويرفع: سقطت من (ط) .
(3)
جاء ذلك في حديث أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، حديث رقم (772) ، (1 / 536، 537) .
(4)
النبي: سقطت من (ب) . وفي (أط) : رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(5)
هذا جزء من حديث أخرجاه في الصحيحين: انظر: صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب الخطبة على المنبر، حديث رقم (917) ، من فتح الباري، (2 / 397) ، ورواه مسلم في كتاب المساجد، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، حديث رقم (544) ، (1 / 386، 387) ، وأحمد في المسند (5 / 339) في مسند سهل بن سعد.
(6)
هو الصحابي الجليل: مالك بن الحويرث بن أشيم بن زياد الليثي، سكن البصرة، وله أحاديث في الصحيحين والسنن، توفي سنة (74هـ) .
انظر: الإصابة (3 / 342، 343) ، (ت 7617) .
(7)
لم أجد لصاحبه ذكرا في المصادر التي اطلعت عليهما، وانظر: فتح الباري (2 / 112) .
(8)
الحديث في صحيح البخاري، وقد مر تخريجه (ص 308) .
(9)
في المطبوعة زاد: في الصلاة، وهو تفسير للكلمة، وكان الأولى إثباته في الحاشية؛ لأنه لا يوجد في كل النسخ المخطوطة.
يرجع في حده إلى عرف اللفظ، بل هو من العبادات، والعبادات (1) يرجع (2) في صفاتها ومقاديرها إلى الشارع، كما يرجع في أصلها إلى الشارع.
ولأنه لو جاز الرجوع فيه إلى عرف الناس في الفعل، أو في مسمى التخفيف، لاختلفت الصلاة الشرعية الراتبة، التي يؤمر (3) بها في غالب الأوقات، عند عدم المعارضات المقتضية للطول أو للقصر، اختلافا متباينا (4) لا ضبط له، ولكان لكل أهل عصر ومصر، ولكان لكل أهل حي وسكة، بل لأهل كل مسجد عرف في معنى اللفظ، وفي عادة الفعل، مخالفا لعرف الآخرين، وهذا مخالف لأمر الله ورسوله حيث قال:«صلوا كما رأيتموني أصلي» (5) ولم يقل: كما يسميه أهل أرضكم خفيفا، أو كما يعتادونه، وما أعلم أحدا من العلماء يقول ذلك فإنه؛ يفضي إلى تغيير الشريعة، وموت السنن، إما بزيادة وإما بنقص، وعلى هذا دلت سائر روايات الصحابة.
فروى مسلم في صحيحه عن زهير (6) عن سماك بن حرب (7) قال:
(1) في (ج) : العيادات. وهو تصحيف.
(2)
في (ب) : ترجع.
(3)
في المطبوعة: أمرنا.
(4)
في المطبوعة: مباينا.
(5)
الحديث مر تخريجه (ص 308) .
(6)
هو: زهير بن معاوية بن حديج بن الرحيل بن زهير الجعفي، أبو خيثمة، الكوفي، من الحفاظ الثقات المكثرين للحديث، أخرج له الستة وغيرهم، توفي سنة (172هـ)، وكانت ولادته سنة (100هـ) . انظر: تهذيب التهذيب (3 / 351ـ 353) ، (ت 648) .
(7)
هو: سماك بن حرب بن أوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي، أبو المغيرة، صدوق، من الطبقة الرابعة، توفي سنة (123هـ) .
انظر: تقريب التهذيب (1 / 332) ، ترجمة رقم (519) س.
" سألت جابر بن سمرة عن صلاة النبي (1) فقال: كان يخفف الصلاة، ولا يصلي صلاة هؤلاء "، قال:" وأنبأني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بقاف والقرآن المجيد، ونحوها "(2) .
وروى أيضا عن شعبة، عن سماك، عن جابر بن سمرة (3) قال:" كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى، وفي العصر بنحو ذلك، وفي الصبح أطول من ذلك "(4) .
وهذا يبين ما رواه مسلم أيضا، عن زائدة (5) حدثنا سماك، عن جابر بن سمرة:" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بقاف والقرآن المجيد وكانت (6) صلاته بعد تخفيفا "(7) أنه أراد - والله أعلم - بقوله: " وكانت صلاته بعد "، أي بعد الفجر، أي أنه يخفف الصلوات التي بعد الفجر، عن الفجر (8) .
(1) في (ب ج د) والمطبوعة: عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي مسلم: كما أثبته من (أط) .
(2)
صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، تابع حديث رقم (458) ، (1 / 337) .
(3)
هو الصحابي الجليل: جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب بن حجير، العامري السوائي، حليف بني زهرة، وأبوه صحابي كذلك، توفي رضي الله عنه سنة (74 هـ) .
انظر: الإصابة (1 / 212) ، ترجمة رقم (1018) .
(4)
صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، حديث رقم (459) ، (1 / 337) .
(5)
هو: زائدة بن قدامة الثقفي، أبو الصلت، الكوفي، ثقة، ثبت، صاحب سنة، وكان شديدا على أهل البدع، استشهد غازيا في أرض الروم سنة (161 هـ) .
انظر: تهذيب التهذيب (3 / 306 - 307) ، (ت 571) .
(6)
في المطبوعة: وكان، وكذلك في مسلم.
(7)
صحيح مسلم، الكتاب والباب السابقين، الحديث (458) ، (1 / 337) .
(8)
عن الفجر: ساقطة من (ط) .
فإنه في الرواية الأولى جمع بين وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخفيف، وأنه كان يقرأ في الفجر بقاف (1) .
وقد ثبت في الصحيح عن أم سلمة (2)«أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر بالطور في حجة الوداع، وهي طائفة من حول الناس تسمع قراءته» (3) وما عاش بعد حجة الوداع إلا قليلا، والطور من نحو (4) سورة قاف.
وثبت في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما (5) أنه قال: " إن أم الفضل (6) . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) من هنا حتى قوله: (ولأن سائر الصحابة) ، ص (318) سطر (3) سقط من (أط) ما يعادل ورقة من المخطوطتين.
(2)
هي الصحابية الجليلة: أم المؤمنين، أم سلمة، هند بنت أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو المخزومية القرشية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد وفاة زوجها سنة (4 هـ) ، أسلمت قديما في مكة وهاجرت إلى الحبشة، وأصابها في سبيل دينها بلاء فصبرت، وكانت ذات جلد ورأي وجمال، ماتت سنة (62 هـ) .
انظر: الإصابة (4 / 458) ، (ت 1308) .
(3)
انظر: صحيح البخاري، كتاب الحج، باب طواف النساء مع الرجال، حديث رقم (1619) ، (3 / 480) من فتح الباري، مع حديث رقم (1626) ، (3 / 486) ، حيث يفيد الحديث الثاني أن الصلاة هي صلاة الصبح، والأول فيه أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرأ سورة الطور. والنسائي، كتاب مناسك الحج، باب طواف الرجال مع النساء، (6 / 223، 224) .
(4)
في المطبوعة: نحوا من.
(5)
رضي الله عنهما: سقطت من (ج د) .
(6)
هي: لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهرم، الهلالية، أم الفضل، زوج العباس بن عبد المطلب، صحابية جليلة، وهي لبابة الكبرى، أم عبد الله والفضل وغيرهما، أسلمت قبل الهجرة، وماتت في خلافة عثمان رضي الله عنهما.
انظر: الإصابة (4 / 398) ، (ت 942) .
في مسلم: أن أم الفضل بنت الحارث (1 / 338) .
سمعته وهو يقرأ {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1](1) فقالت: يا بني، لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرأ بها في المغرب (2) .
فقد أخبرت أم الفضل: أن ذلك آخر ما سمعته يقرأ بها في المغرب، وأم الفضل لم تكن من المهاجرات، بل هي من المستضعفين، كما قال ابن عباس:(3) كنت أنا وأمي (4) من المستضعفين، الذين عذرهم الله " (5) . فهذا السماع كان متأخرا.
وكذلك في الصحيح عن زيد بن ثابت (6) " أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بطولى الطوليين (7) . وزيد من صغار الصحابة.
(1) سورة المرسلات: الآية 1.
(2)
صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، حديث رقم (462) ، (1 / 338) . وصحيح البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في المغرب، حديث رقم (763) من فتح الباري، (2 / 246) .
(3)
في (ب) : رضي الله عنه.
(4)
في المطبوعة: كنت أنا وأبي، وهو خطأ، فأبوه العباس لم يكن من المستضعفين.
انظر: فتح الباري (8 / 255) .
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التفسير، تفسير سورة النساء، باب قوله:" وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ "، رقم (4587) من فتح الباري، (8 / 255) .
(6)
هو الصحابي الجليل: زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد الأنصاري الخزرجي، من صغار الصحابة، أول مشاهده الخندق، وكانت معه راية بني النجار، ومن كتّاب الوحي، وتعلم القرآن صغيرا، فأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتعلم السريانية ليأمن مكر اليهود فكان يقرأ ويكتب له بها، وجمع القرآن في عهد أبي بكر، وقال فيه الرسول:" أفرضكم زيد "، ومن العلماء الراسخين، توفي سنة (45 هـ) .
انظر: الإصابة (1 / 561، 562) ، ترجمة رقم (2880) .
(7)
صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في المغرب، حديث رقم (764) من فتح الباري، (2 / 246) .
وكذلك (1) صلى بالمؤمنين (2) في الفجر بمكة، وأدركته سعلة عند ذكر موسى وهارون (3) فهذه الأحاديث وأمثالها، تبين أنه صلى الله عليه وسلم كان في آخر حياته يصلي في الفجر بطوال المفصل، وشواهد هذا كثيرة (4) ؛ ولأن سائر الصحابة اتفقوا على أن هذه كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ما زال يصليها، ولم يذكر أحد أنه نقص (5) صلاته في آخر عمره عما (6) كان يصليها، وأجمع (7) الفقهاء على أن السنة أن يقرأ في الفجر بطوال المفصل.
وقوله: " ولا يصلي صلاة هؤلاء " إما أن يريد به: من كان يطيل الصلاة على (8) هذا أو (9) من كان ينقصها عن ذلك، أي إنه كان صلى الله عليه وسلم يخففها، ومع ذلك: فلا يحذفها حذف هؤلاء الذين يحذفون الركوع والسجود، والاعتدالين، كما دل عليه حديث أنس والبراء، أو كان أولئك الأمراء ينقصون القراءة، أو القراءة وبقية الأركان، عما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله. كما روى أبو قزعة (10) قال:
(1) في (ب) : ولذلك.
(2)
أي قرأ سورة المؤمنون. انظر: فتح الباري (2 / 255) .
(3)
جاء ذلك في حديث أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، حديث رقم (455) ، (1 / 336) .
(4)
في (ج) : كثير.
(5)
في (ب) : نقض.
(6)
في (ب) : كما.
(7)
وأجمع: ساقطة من (ط) .
(8)
في (أ) : عن هذه.
(9)
في المطبوعة: ومن.
(10)
هكذا ورد اسمه في جميع النسخ: أبو قزعة، والأصح أن اسمه: قزعة، بدون أبو، وهو قزعة بن يحيى أبو الغادية البصري، وثقه أئمة الحديث، من الطبقة الثالثة، وأخرج أحاديثه أهل الكتب الستة وغيرهم.
انظر: تهذيب التهذيب (8 / 377) ، (ت 667) ، وكذا في مسلم " قزعة "، (1 / 335) ؛ وتقريب التهذيب (2 / 126) ، (ت 111) ق.
" أتيت أبا سعيد الخدري (1) وهو مكثور (2) عليه، فلما تفرق الناس عنه، قلت: إني لا أسألك عما سألك هؤلاء عنه، قلت: أسألك عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما لك في ذلك من خير فأعادها عليه، فقال: كانت صلاة الظهر تقام، فينظلق أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ، ثم يرجع إلى المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى ".
وفي رواية " مما يطولها "(3) رواه مسلم في صحيحه (4) .
فهذا يبين لك أن أبا سعيد رأى صلاة الناس أنقص من هذا.
وفي الصحيحين عن أبي برزة (5) قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح فينصرف الرجل، فيعرف جليسه، وكان يقرأ في الركعتين، أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة " هذا لفظ البخاري (6) .
وعن عبد الله (7) بن عمر رضي الله عنهما قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمرنا بالتخفيف، وإن كان ليؤمنا بالصافات، رواه أحمد
(1) في المطبوعة: رضي الله عنه.
(2)
مكثور عليه: أي الناس من حوله كثير لطلب العلم في الظهر وقضاء الحوائج ونحوه.
(3)
في (أ) : مما يطيلها.
(4)
صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر، حديث رقم (454) ، (1 / 335) .
(5)
هو الصحابي الجليل: أبو برزة، نضلة بن عبيد، وقيل: نضلة بن عبد الله الأسلمي، نزل البصرة، ثم مرو، ثم عاد إلى البصرة وبها توفي سنة (60 هـ) .
انظر: أسد الغابة (5 / 146، 147) الكنى.
(6)
انظر: صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في الفجر، حديث رقم (771) من فتح الباري، (2 / 251) .
(7)
في (ب) : عن ابن عمر.
والنسائي (1) .
وعن الضحاك بن عثمان (2) عن بكير بن عبد الله (3) عن سليمان بن يسار (4) عن أبي هريرة قال: " ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان " قال سليمان: " كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفف الأخيرتين، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل ويقرأ في الصبح بطوال المفصل (5) "، رواه النسائي وابن ماجه، وهذا إسناد على شرط مسلم.
والضحاك بن عثمان قال فيه أحمد ويحيى (6)" هو ثقة "(7) وقال فيه
(1) مسند أحمد (2 / 26) ؛ وسنن النسائي، كتاب الإمامة، باب الرخصة للإمام في التطويل، (2 / 95) ، وإسناده صحيح.
(2)
هو: الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي، أبو عثمان، المدني، من السابعة، قال ابن حجر في التقريب:" صدوق يهم "، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. تقريب التهذيب (1 / 373) ، (ت 11) ض.
(3)
هو: بكير بن عبد الله بن الأشج، مولى بني مخزوم، أبو عبد الله، المدني، نزيل مصر، قال ابن حجر في التقريب:" ثقة، من الخامسة "، توفي سنة (120 هـ) .
تقريب التهذيب (1 / 108) ، (ت 137) ب.
(4)
هو: سليمان بن يسار الهلالي المدني، مولى ميمونة، وقيل: مولى أم سلمة، وأحد الفقهاء السبعة، من كبار الطبقة الثالثة، ثقة، فاضل، مات على رأس المائة هجرية.
انظر: تقريب التهذيب (1 / 231) ، ترجمة (505) س.
(5)
أخرجه النسائي في كتاب الافتتاح، باب تخفيف القراءة والقيام، (2 / 167) . وأخرجه ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر، حديث رقم (827) ، (1 / 270) مختصرا.
(6)
يحيى: هو ابن معين.
(7)
انظر: تهذيب التهذيب (4 / 447) ، (ت 777) .
ابن سعد: " كان ثبتا "(1) .
ويدل على ما ذكرناه: ما روى مسلم في صحيحه عن عمار بن ياسر (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة (3) من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة (4) وإن من البيان لسحرا» (5) .
فقد جعل طول الصلاة علامة على فقه الرجل، وأمر بإطالتها، وهذا الأمر إما أن يكون عاما في جميع الصلوات، وإما أن يكون المراد به صلاة الجمعة. فإن كان اللفظ (6) عاما فظاهر، وإن كان المراد (7) صلاة الجمعة (8) فإذا أمر بإطالتها، مع كون الجَمْع فيها يكون (9) عظيما، فيه من الضعفاء والكبار وذوي
(1) المصدر السابق، وقد راجعت ترجمة المذكور في الطبقات الكبرى لابن سعد (المطبوعة) ، فلم أجده (5 / 422) .
(2)
هو الصحابي الجليل: عمار بن ياسر بن عامر بن مالك العنسي، حليف بني مخزوم، من السابقين الأولين للإسلام، وعذب في ذات الله هو وأبوه وأمه، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول لهم:" صبرا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة "، هاجر إلى المدينة وشهد المشاهد كلها مع رسول الله، وقتل في صفين سنة (37 هـ) . انظر: الإصابة (2 / 513) ، (ت 5704) .
(3)
مئنة: أي علامة. انظر: شرح النووي (6 / 158) ؛ ومختار الصحاح، مادة (م أن) ، (ص 612) .
(4)
في (أب ط) : الخطب، وفي مسلم كما هو مثبت من (ج د) والمطبوعة.
(5)
صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، حديث رقم (869) ، (2 / 594) .
(6)
في (د) قال: فإن كان اللفظ وإن كان المراد، فإذا أمر بإطالتها. . إلخ، ففيه حذف وتغيير، وأظن ذلك خلط من الناسخ.
(7)
في المطبوعة: المراد به.
(8)
في (ب) : تكرار لقوله: وإن كان المراد صلاة الجمعة، ولعله سهو من الناسخ.
(9)
في (ب) : فيكون.