الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الوجه الثاني من دلائل الإجماع]
الوجه الثاني من دلائل الإجماع (1) أن هذه القاعدة، قد أمر بها غير واحد، من الصحابة والتابعين، في أوقات متفرقة، وقضايا متعددة، وانتشرت ولم ينكرها منكر.
فعن قيس بن أبي حازم (2) قال: " دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه، على امرأة من أحمس (3) يقال لها: زينب (4) فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تتكلم؟ قالوا: حجت مصمتة، فقال لها: تكلمي! فإن هذا لا يحل، هذا عمل الجاهلية، فتكلمت فقالت: من أنت؟ قال: امرؤ من المهاجرين، قالت: أي المهاجرين؟ قال: من قريش. قالت: من أي قريش؟ قال: إنك لسؤول! وقال: أنا أبو بكر، قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت لكم أئمتكم، قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومكم رءوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ ! قالت: بلى، قال: فهم أولئك على الناس " رواه البخاري في صحيحه (5) .
(1) الوجه الأول بدأ من أول الفصل.
(2)
هو: قيس بن أبي حازم البجلي، أبو عبد الله، الكوفي، من التابعين الثقات الأجلاء، ويقال: إن له رؤية، والأصح أنه قدم إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليبايعه فوجده قد مات فبايع أبا بكر، وأخرج له الستة، توفي في حدود سنة (90 هـ)، وعمره قد جاوز المائة سنة. انظر: تقريب التهذيب (2 / 127) ، (ت 132) ؛ وتهذيب التهذيب (8 / 386، 389) ، (ت 689) .
(3)
في (ط) : من أحمر. والصحيح ما أثبته. انظر: فتح الباري (7 / 147- 148) . وأحمس: قبيلة من بجيلة. انظر: فتح الباري (7 / 150) .
(4)
قال في فتح الباري: زينب بنت المهاجر، روى حديثها محمد بن سعد في الطبقات، وذكر عن ابن منده أنها أدركت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وروت عن أبي بكر. انظر: فتح الباري (7 / 150) .
(5)
صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية، الحديث رقم (3834) ، (7 / 147- 148) فتح الباري.
فأخبر أبو بكر: أن الصمت المطلق لا يحل، وعقب ذلك بقوله: هذا من عمل الجاهلية، قاصدا بذلك عيب هذا العمل، وذمه (1) .
وتعقيب الحكم بالوصف: دليل على أن الوصف علة، ولم يشرع في الإسلام. فيدخل في هذا: كل ما اتخذ من عبادة، مما كان أهل الجاهلية يتعبدون به، ولم يشرع الله التعبد به في الإسلام، وإن لم ينوه عنه بعينه، كالمكاء والتصدية، فإن الله تعالى قال عن الكافرين:{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35](2) .
والمكاء: الصفير ونحوه.
والتصدية: التصفيق.
فاتخاذ هذا قربة وطاعة من عمل الجاهلية، الذي لم يشرع في الإسلام.
وكذلك: بروز المحرم وغيره للشمس، حتى لا يستظل بظل، أو ترك الطواف بالثياب المتقدمة (3) أو ترك كل (4) ما عمل في غير الحرم، ونحو ذلك من أمور الجاهلية التي كانوا يتخذونها عبادات، وإن كان قد جاء نهي خاص في
(1) ويشبه هذا ما يفعله بعض الناس في أكثر بلاد المسلمين وغيرها من الإضراب عن الطعام ونحوه احتجاجا على أمر ما، والقوانين الوضعية تحمي هذا العمل وتجعله نوعا من الاحتجاج المشروع مهما كان مبرره، وأرى أنه عمل جاهلي لا يستند إلى أي أصل مشروع، فهو عرف باطل، لا يُحق حقا ولا يُبطل باطلا، فهو أشبه بالتصرفات الصبيانية التي يجب أن لا يؤبه بها مهما كان مبررها؛ لأن إحقاق الحق والأمر بالمعروف، وإبطال الباطل وإنكار المنكر ودفع الظلم، كل ذلك إنما يكون باليد أو باللسان أو بالقلب، حسب الاستطاعة، أما الإضراب عما ينفع الإنسان في أمور معاشه فهو نوع من جلب الضرر للنفس قد يصل إلى قتلها وهو ما يسمى بالانتحار، وهذا محرم.
(2)
سورة الأنفال: من الآية 35.
(3)
في المطبوعة: بالثياب العادية.
(4)
في (ج د) : أو ترك ما عمل.
عامة هذه الأمور، بخلاف السعي بين الصفا والمروة، وغيره من شعائر الحج، فإن ذلك من شعائر الله، وإن كان أهل الجاهلية قد كانوا يفعلون ذلك في الجملة.
وقد قدمنا ما رواه البخاري في صحيحه، عن عمر بن الخطاب: أنه كتب إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس: " إياكم وزي أهل الشرك "(1) .
وهذا نهي منه للمسلمين عن كل ما كان من زي المشركين.
وقال الإمام أحمد في المسند: حدثنا يزيد (2) حدثنا عاصم (3) عن أبي عثمان النهدي، عن عمر أنه قال:" اتزروا، وارتدوا، وانتعلوا، والبسوا الخفاف، والسراويلات، والقوا الركب، وانزوا نزوا، وعليكم بالمعدية، وارموا الأغراض، وذروا التنعم وزي العجم، وإياكم والحرير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه، وقال: «لا تلبسوا من الحرير، إلا ما كان هكذا "، وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بإصبعيه» (4) .
(1) مر (ص 361) .
(2)
هو: يزيد بن هارون بن وادي- ويقال: ابن زاذان- بن ثابت السلمي، مولاهم، الواسطي، أبو خالد، من الأئمة الأعلام الحفاظ المشاهير، اتفقوا على توثيقه وإمامته. توفي سنة (186 هـ) ، وكانت ولادته سنة (117 هـ) .
انظر: تهذيب التهذيب (11 / 366- 369) ، (ت 711) ي.
(3)
هو: عاصم بن سليمان الأحول البصري، أبو عبد الرحمن، تولى قضاء المدائن، وتولى الحسبة في الكوفة في المكاييل والأوزان، من الحفاظ الثقات. مات سنة (142 هـ) .
انظر: تهذيب التهذيب (5 / 42، 43) ، (ت 73) ع.
(4)
مسند أحمد (1 / 43) في مسند عمر بن الخطاب، وأورد ابن حجر في فتح الباري حديثا قريبا من هذا عن الإسماعيلي من طريق علي بن الجعد عن شعبة.
انظر: فتح الباري (10 / 286) ، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف عن معمر، عن قتادة، عن عمر مطولا ولم يذكر الحرير.
انظر: المصنف (11 / 85، 86) ، الحديث رقم (19994) .
وقال أحمد: حدثنا حسن بن موسى (1) حدثنا زهير، حدثنا عاصم الأحول، عن أبي عثمان قال:" جاءنا كتاب عمر رضي الله عنه، ونحن بأذربيجان: يا عتبة بن فرقد (2) إياكم والتنعم، وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهانا عن لبوس الحرير وقال: " إلا هكذا " ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصبعيه» (3) وهذا ثابت على شرط الصحيحين (4) .
وفيه: أن عمر رضي الله عنه أمر بالمعدية، وهي زي (5) بني معد بن عدنان، وهم العرب، فالمعدية نسبة إلى معد، ونهى عن زي العجم وزي المشركين، وهذا عام كما لا يخفى، وقد تقدم هذا مرفوعا. والله أعلم به.
وروى الإمام أحمد في المسند: حدثنا أسود بن عامر (6) حدثنا حماد بن
(1) هو: الحسن بن موسى الأشيب، أبو علي، البغدادي، قاضي الموصل وغيرها، ثقة، من الطبقة التاسعة، أخرج له الستة. توفي سنة (229 هـ) .
انظر: تقريب التهذيب (1 / 171) ، (ت 323) .
(2)
هو الصحابي الجليل: عتبة بن فرقد بن يربوع بن حبيب السلمي، شهد خيبر، وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم غزوتين، ولاه عمر بن الخطاب بعض جيوش الفتوح، ففتح الموصل ثم نزل الكوفة، وتوفي بها.
انظر: الإصابة (2 / 455) ، (ت 5412) .
(3)
مسند أحمد (1 / 16) في مسند عمر بن الخطاب، وللحديث شواهد في الصحيحين كما سيأتي.
(4)
له شاهد في البخاري مختصر: انظر: كتاب اللباس، باب لبس الحرير للرجال، الأحاديث (5828 - 5830) فتح الباري (10 / 284) ؛ وفي صحيح مسلم، كتاب اللباس، الباب (2) ، الحديث رقم (2069) ، الرواية (12، 13) ، (36 / 1642) .
(5)
زي: ساقطة من (أ) .
(6)
هو: الأسود بن عامر الشامي - الملقب بشاذان - أبو عبد الرحمن، وثقه ابن المديني وغيره، وأخرج له الستة، توفي سنة (208 هـ) . انظر: خلاصة التذهيب (ص 37) .
سلمة عن أبي سنان (1) عن عبيد بن آدم (2) وأبي مريم (3) وأبي (4) شعيب (5) أن عمر كان بالجابية - فذكر فتح بيت المقدس - قال حماد بن سلمة: فحدثني أبو سنان عن عبيد بن آدم قال: " سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول لكعب: أين ترى أن أصلي، فقال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك، فقال: عمر ضاهيت اليهودية، لا، ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم إلى القبلة فصلى، ثم جاء فبسط رداءه فكنس الكناسة في ردائه، وكنس الناس (6) .
(1) هو: عيسى بن سنان الحنفي، أبو سنان، القسملي الفلسطيني، نزيل البصرة، قال ابن حجر:" لين الحديث " من السادسة، وضعفه أحمد والنسائي، وقواه ابن حبان.
انظر: تقريب التهذيب (2 / 98) ، (ت 880) ع؛ وخلاصة التذهيب (ص 302) .
(2)
عبيد بن آدم: ذكره الرازي في الجرح والتعديل، وقال:" سمع عمر بن الخطاب، وروى عن أبي هريرة " ولم يذكر فيه شيئا، وقال ابن حجر في تعجيل المنفعة:" وذكره ابن حبان في الثقات ". انظر: الجرح والتعديل (5 / 401) ، (ت 1857) ؛ وتعجيل المنفعة (ص 276) ، (ت 700) .
(3)
لعله: إياس بن صبيح الحنفي، أبو مريم، ولي القضاء بالبصرة، وهو أول من وليها، استعمله أبو موسى الأشعري (ولم أجد في كتب التراجم التي اطلعت عليها ما يفيدني بالجزم من هو أبو مريم هذا) . انظر: تهذيب التهذيب (12 / 232) .
(4)
في (أ) : وأبي مريم بن شعيب. وهو تحريف.
(5)
قال ابن حجر في تعجيل المنفعة: " أبو شعيب عن عمر رضي الله عنه، روى عنه أبو سنان، لا يعرف " وذكر كلاما يفيد أنه مجهول.
انظر: تعجيل المنفعة (1 / 495) ، (ت 1309) .
(6)
مسند أحمد (1 / 38) مسند عمر بن الخطاب، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (7 / 58)، وقال:" هذا إسناد جيد، اختاره الحافظ ضياء الدين المقدسي في كتابه المستخرج ". وانظر: المنار المنيف لابن القيم (ص 88، 89) مع الحاشية.
قلت: صلاة النبي الله صلى الله عليه وسلم في مسجد بيت المقدس في ليلة الإسراء: قد رواها مسلم في صحيحه، من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت (1) عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، قال-: فركبته حتى أتيت المقدس. قال: فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء. قال: ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال: جبريل عليه السلام: اخترت الفطرة. قال: ثم عرج بنا إلى السماء» (2) وذكر الحديث.
وقد كان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ينكر أن يكون صلى فيه؛ لأنه لم يبلغه ذلك، واعتقد أنه لو صلى فيه لوجب على الأمة الصلاة فيه.
فعمر رضي الله عنه عاب على كعب (3) مضاهاة اليهودية، أي مشابهتها في مجرد استقبال الصخرة؛ لما فيه من مشابهة من يعتقدها قبلة باقية، وإن كان المسلم لا يقصد أن يصلي إليها.
وقد كان لعمر رضي الله عنه في هذا الباب من السياسات المحكمة، ما هي مناسبة لسائر سيرته المرضية، فإنه رضي الله عنه هو الذي استحالت ذنوب الإسلام بيده غربا، فلم يفر عبقري فريه، حتى صدر الناس
(1) هو: ثابت بن أسلم البناني. مرت ترجمته. انظر: فهرس الأعلام.
(2)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حديث رقم (162) ، (1 / 145) .
(3)
هو: كعب بن ماتع الحميري، أبو إسحاق، المعروف بكعب الأحبار، تابعي مخضرم، كان من أهل اليمن فسكن الشام، أسلم في عهد أبي بكر، وقيل: أيام عمر، وكان قبل ذلك على دين اليهود، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، مات في خلافة عثمان وقد زاد عمره عن المائة. انظر: تقريب التهذيب (2 / 135)، (ت 53) . وانظر: تهذيب التهذيب (8 / 438 - 440) ، (ت 793) ك.
بعطن (1) فأعز (2) الإسلام، وأذل الكفر وأهله، وأقام شعار (3) الدين الحنيف، ومنع من كل أمر فيه تذرع (4) إلى نقض عرى الإسلام، مطيعا في ذلك لله ورسوله، وقافا عند كتاب الله، ممتثلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، محتذيا حذو صاحبيه، مشاورا في أموره للسابقين الأولين، مثل: عثمان وعلي وطلحة (5) والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، وغيرهم، ممن له علم، أو فقه، أو رأي، أو نصيحة للإسلام وأهله.
(1) جاء ذلك في حديث متفق عليه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: " أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة، على قليب، فجاء أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين نزعا ضعيفا والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربا فلم أر عبقريا يفري فريه، حتى روى الناس وضربوا بعطن ". انظر: صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب، حديث رقم (3682) من فتح الباري (7 / 41) ؛ وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عمر، حديث رقم (2393) ، (3 / 1862) .
(2)
في (أط) : فأطد.
(3)
في المطبوعة: شعائر.
(4)
في المطبوعة: نزوع.
(5)
هو الصحابي الجليل: طلحة بن عبيد الله بن عمرو بن كعب القرشي التيمي، أبو محمد، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر وأحد الستة أصحاب الشورى الذين عينهم عمر، وأحد النفر الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم أحد ووقاه السهام بيده حتى شلت يده، ورمي بسهم يوم الجمل فساح منه الدم حتى مات رضي الله عنه سنة (36 هـ)، وعمره (64) سنة. انظر: الإصابة (2 / 229، 230) ، (ت 4266) .
وبقية الصحابة الذين وردت أسماؤهم هنا قد مرت تراجمهم. راجع فهارس الأعلام.
حتى إن العمدة في الشروط على أهل الكتاب على شروطه، وحتى منع من (1) استعمال كافر أو ائتمانه على أمر الأمة، وإعزازه بعد إذ أذله الله، حتى روي عنه أنه حرق الكتب العجمية وغيرها.
وهو الذي منع أهل البدع من أن ينبغوا، وألزمهم (2) ثوب الصغار، حيث فعل بصبيغ بن عسل التميمي ما فعل في قصته المشهورة (3) .
وسيأتي عنه (4) إن شاء الله تعالى، في خصوص أعياد الكفار، من النهي عن الدخول عليهم فيها، ومن النهي عن تعلم رطانة الأعاجم، ما يبين (5) به (6) قوة شكيمته، في النهي عن مشابهة الكفار والأعاجم، ثم ما كان عمر قد قرره من السنن والأحكام والحدود.
فعثمان رضي الله عنه، أقر ما فعله عمر، وجرى على سنته في ذلك، فقد علم موافقة عثمان لعمر في هذا الباب.
(1) من: سقطت من المطبوعة.
(2)
في المطبوعة: وألبسهم.
(3)
قال: ابن القيم في أحكام أهل الذمة: " وقال عمر بن الخطاب لصبيغ بن عسل وقد سأله عن مسائل، فأمر بكشف رأسه، وقال: لو رأيتك محلوق لأخذت الذي فيه عيناك حتى أن تكون من الخوارج ". أحكام أهل الذمة (2 / 750) .
وذكر ابن حجر في الإصابة أنه كان يسأل عن متشابه القرآن، فضربه عمر حتى دمى رأسه، فقال: حسبك قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي. الإصابة (2 / 198) .
كما ذكره الدارمي بسننه في باب من هاب الفتيا وكره التنطع (1 / 54) .
وصبيغ هذا هو: صبيغ بن عسل، ويقال: ابن سهل الحنظلي، ويقال: التميمي، له إدراك، أي أنه أدرك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واتهمه عمر برأي الخوارج فحصل منه ما حصل في القصة الواردة آنفا. انظر: الإصابة (2 / 198، 199) .
(4)
في (ب) : وسيأتي ذكرها. وفي المطبوعة: وستأتي عند ذكرها.
(5)
في (ب) والمطبوعة: يتبين.
(6)
في المطبوعة زاد: ثبوت.
وروى سعيد (1) في سننه: حدثنا هشيم، عن خالد الحذاء (2) عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب (3) عن أبيه (4) قال:" خرج علي رضي (5) الله عنه، فرأى قوما قد سدلوا، فقال: ما لهم؟ كأنهم اليهود خرجوا من فهرهم "(6) . ورواه ابن المبارك وحفص بن غياث (7) عن خالد.
وفيه: " أنه رأى قوما قد سدلوا في الصلاة، فقال: كأنهم اليهود خرجوا من فهورهم (8) "(9) .
(1) يعني ابن منصور. . وكذا في (ب) .
(2)
هو: خالد بن مهران، أبو المنازل، البصري الحذاء، قال ابن حجر:" وهو ثقة يرسل، من الخامسة، وقد أشار حماد بن زيد إلى أن حفظه تغير لما قدم من الشام، وعاب عليه بعضهم دخوله في عمل السلطان " روى له جميع أصحاب الكتب الستة.
انظر: تقريب التهذيب (1 / 219) ، (ت 82) خ.
(3)
هو: عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني الخيواني، قال ابن حجر:" ثقة من الرابعة "، أخرج له مسلم والترمذي وابن ماجه والبخاري في الأدب المفرد.
انظر: تقريب التهذيب (1 / 482) ، (ت 957) ع.
(4)
أبوه هو: سعيد بن وهب الهمداني الخيواني، كان يقال له: القراد، كوفي مخضرم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم والنسائي، توفي سنة (76 هـ) .
انظر: تقريب التهذيب (1 / 307) س.
(5)
في (أط) : عليه السلام.
(6)
في المطبوعة: من فهورهم. وسيأتي تفسيرها في المتن. انظر: (ص 384) .
(7)
هو: حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي، الكوفي، القاضي، أبو عمر، قال ابن حجر:" ثقة فقيه، تغير حفظه قليلا في الآخر، من الثامنة "، توفي سنة (195 هـ)، وقد قارب الثمانين. انظر: تقريب التهذيب (1 / 189) ، (ت 465) .
(8)
في المطبوعة: فهرهم.
(9)
انظر: مصنف عبد الرزاق (1 / 364) ، (خ 1423) ؛ وسنن البيهقي (2 / 243) ؛ ومصنف ابن أبي شيبة (2 / 259) .
وقد روينا عن ابن عمر وأبي هريرة: " أنهما كانا يكرهان السدل في الصلاة (1) .
وقد روى أبو داود، عن سليمان الأحول (2) وعسل (3) بن سفيان (4) عن عطاء، عن أبي هريرة:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه» (5) . ومنهم من رواه عن عطاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، لكن قال هشيم: حدثنا عامر الأحول (6) قال: " سألت عطاء عن السدل في الصلاة،
(1) انظر: المصنف لابن أبي شيبة، حيث أخرج عنهما بسنده في كتاب الصلاة، باب من كره السدل في الصلاة (2 / 259) .
(2)
هو: سليمان بن أبي سليم المكي الأحول، وثقه أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم، وأخرج له الستة، يعد من الطبقة الخامسة.
انظر: تهذيب التهذيب (4 / 218) ، (ت 368) ؛ وتقريب التهذيب (1 / 330) ، (ت 492) .
(3)
في (ط) : وعلي بن سفيان. وهو تحريف لعسل.
(4)
هو: عسل بن سفيان التميمي اليربوعي، أبو قرة، البصري، ضعفه ابن معين وأحمد، وتكلم فيه ابن سعد والبخاري والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال: " يخطئ ويخالف على قلة روايته ". تهذيب التهذيب (7 / 194) ، (ت 369) .
(5)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما جاء في السدل في الصلاة، الحديث رقم (643) ، (1 / 423) ؛ والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية السدل في الصلاة، الحديث رقم (378) ، (2 / 217) ؛ وأحمد في المسند (2 / 295، 341) . والترمذي وأحمد لم يذكرا تغطية الفم. وأخرجه الحاكم في المستدرك عن سليمان الأحول عن عطاء، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقال الحاكم:" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجا فيه تغطية الرجل فاه في الصلاة ". المستدرك (1 / 253) .
(6)
هو: عامر بن عبد الواحد الأحول البصري. قال ابن حجر: " صدوق يخطئ، من الطبقة السادسة ". وقال أحمد: " ليس بقوي في الحديث "، وقال ابن معين:" ليس به بأس ". وقال أبو حاتم: " هو ثقة لا بأس به ". انظر: تقريب التهذيب (1 / 389) ، (ت 59) ع؛ والجرح والتعديل (6 / 326، 327) ، (ت 1817) .
فكرهه. فقلت: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم " (1) والتابعي إذا أفتى (2) بما رواه دل على ثبوته عنده.
لكن قد روي عن عطاء، من وجوه جيدة: أنه كان لا يرى بالسدل بأسا، وأنه كان يصلي سادلا (3) فلعل هذا كان قبل أن يبلغه الحديث، ثم لما بلغه رجع، أو لعله نسي الحديث، والمسألة مشهورة، وهو: عمل الراوي بخلاف روايته، هل يقدح فيها؟ (4) .
والمشهور عن أحمد وأكثر العلماء: أنه (5) لا يقدح فيها؛ لما تحتمله المخالفة من وجوه غير ضعف الحديث.
وقد روى عبد الرزاق عن، بشر بن رافع، عن يحيى بن
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2 / 242) ، وقد أخرجه موصولا عن سليمان الأحول، عن عطاء، عن أبي هريرة ولفظه كما في أبي داود والحاكم، ومنقطعا كما في رواية هشيم، وقال:" وهذا الإسناد وإن كان منقطعا ففيه قوة للموصول قبله ".
وانظر: المصنف لعبد الرزاق (1 / 365) ، الحديث رقم (365) ، حيث ذكر مثل رواية هشيم عن معمر، عن عامر الأحول، عن عطاء.
(2)
في (ط) : إذا اقتدى.
(3)
ذكر أبو داود عن ابن جريج قال: " أكثر ما رأيت عطاء يصلي سادلا "، سنن أبي داود (1 / 424)، رقم (644) . كما ذكره البيهقي قال:" وروينا عن عطاء بن أبي رباح أنه صلى سادلا، وكأنه نسي الحديث، أو حمله على أن ذلك إنما لا يجوز للخيلاء، وكأنه لا يفعله خيلاء، والله أعلم "، السنن الكبرى (2 / 242)، وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن جريج قال:" رأيت عطاء يسدل ثوبه وهو في الصلاة "، المصنف (1 / 362) ، رقم (1408) .
(4)
في المطبوعة: في روايته.
(5)
أنه: سقطت من (ب) .
أبي (1) كثير (2) عن أبي عبيدة بن عبد الله (3)" أن أباه كره السدل في الصلاة "(4) . قال أبو عبيدة: «وكان أبي يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه» (5) .
وأكثر العلماء يكرهون السدل مطلقا. وهو مذهب أبي حنيفة (6) والشافعي (7) والمشهور عن أحمد (8) . وعنه أنه (9) إنما (10)
(1) هو: يحيى بن أبي كثير الطائي - مولاهم - أبو نصر، اليمامي. قال ابن حجر:" ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل" من الطبقة الخامسة، أخرج له أصحاب الكتب الستة وغيرهم.
توفي سنة (132 هـ) . انظر: تقريب التهذيب (1 / 356) ، (ت 158) ي.
(2)
في (أ) : عن يحيى بن أبي عبيدة بن عبد الله. وهو خلط من الناسخ.
(3)
هو: ابن مسعود. وقد زادها في المطبوعة، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود: مشهور بكنيته، كوفي ثقة، من الثالثة، توفي بعد سنة (80 هـ) .
انظر: التقريب (2 / 448) ، (ت 86) .
(4)
مصنف عبد الرزاق (1 / 364) ، حديث رقم (1417) .
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى وقال: تفرد به بشر بن رافع وليس بالقوي. السنن الكبرى للبيهقي (2 / 243) .
(5)
نفس المرجع السابق.
(6)
هو: النعمان بن ثابت التميمي، مولاهم، الكوفي، الإمام الفقيه، أول الأئمة الأربعة، ثقة عالم زاهد ورع، أراده المنصور على القضاء فأبى ورعا، وهو من المقلين للرواية، ولد سنة (80 هـ)، وتوفي سنة (150 هـ) . انظر: البداية والنهاية (10 / 107 - 108) ؛ والأعلام للزركلي (8 / 36) .
(7)
هو الإمام: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع المطلبي (الشافعي) الذي ينسب إليه المذهب الشافعي في الفقه، أحد الأئمة الأربعة، توفي سنة (204 هـ) ، وعمره (54) سنة.
(8)
انظر: مسائل الإمام أحمد لأبي داود (ص 40) ، باب السدل، والمغني والشرح الكبير (1 / 623) من المغني.
(9)
أنه: ساقطة من (ط) .
(10)
إنما: سقطت من (ب) .
يكرهه (1) فوق الإزار دون القميص؛ توفيقا بين الآثار في ذلك، وحملا للنهي على (2) لباسهم المعتاد.
ثم اختلف: هل السدل محرم يبطل الصلاة؟ .
فقال ابن أبي موسى (3) فإن صلى سادلا، ففي الإعادة روايتان، أظهرهما: لا يعيد.
وقال أبو بكر عبد العزيز (4) " إن لم تبد عورته؛ فلا (5) يعيد باتفاق. ومنهم من لم يكره السدل، وهو قول مالك (6) وغيره.
والسدل المذكور هو أن يطرح الثوب على أحد كتفيه، ولا يرد أحد طرفيه على كتفه الآخر (7) هذا هو المنصوص عن أحمد، وعلله: بأنه فعل اليهود، وقال حنبل (8) " قال أبو عبد الله: والسدل أن يسدل (9) أحد طرفي الإزار ولا ينعطف به عليه، وهو لبس اليهود، وهو على الثوب
(1) في المطبوعة و (ط) : يكره.
(2)
في المطبوعة: عن.
(3)
ترجمته ستأتي، انظر: فهرس الأعلام.
(4)
هو: عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزدان بن معروف، أبو بكر، المعروف بغلام الخلال، يعد من كبار علماء المذهب الحنبلي، وله اختيارات وآراء في الفقه كثيرة، ومن مصنفاته. الشافي، والمقنع، وتفسير القرآن، وزاد المسافر، والتنبيه، وغيرها، وكان رحمه الله مع فقهه ذا ورع وزهد، توفي سنة (363 هـ) ، وعمره (78) سنة.
انظر: طبقات الحنابلة (2 / 119 - 127) ، (ت 611) .
(5)
فلا يعيد: ساقطة من (أ) .
(6)
انظر: المدونة الكبرى للإمام مالك برواية سحنون عن ابن القاسم (1 / 108) .
(7)
في (ج د) : الأخرى.
(8)
في المطبوعة: قال أحمد بن حنبل. وهو خطأ كما هو واضح في السياق.
(9)
أن يسدل: سقطت من (أ) .
وغيره (1) مكروه السدل (2) في الصلاة " (3) .
وقال صالح بن أحمد: " سألت أبي عن السدل في الصلاة؟ فقال: يلبس الثوب، فإذا لم يطرح أحد طرفيه على الآخر، فهو السدل "(4) . وهذا هو الذي (5) عليه عامة العلماء.
وأما ما ذكره أبو الحسن الآمدي (6) وابن عقيل (7) من أن السدل هو إسبال الثوب بحيث ينزل عن (8) قدميه ويجره، فيكون هو إسبال الثوب، وجره المنهي عنه؛ فغلط مخالف لعامة العلماء وإن كان الإسبال والجر منهيا عنه بالاتفاق والأحاديث فيه أكثر، وهو محرم على الصحيح، لكن ليس هو السدل.
(1) في (أط) : وغير الثوب.
(2)
السدل: ساقطة من المطبوعة.
(3)
لم أجد هذا اللفظ وإنما وجدت ما يفيده. انظر: مسائل الإمام أحمد لأبي داود (ص 40) . وانظر: مسائل الإمام أحمد للنيسابوري (1 / 59) .
(4)
انظر: مسائل الإمام أحمد للنيسابوري (1 / 59) بمعناه.
(5)
في (أ) : وهذا هو النهي وعليه عامة العلماء.
(6)
هو: علي بن محمد بن عبد الرحمن البغدادي، الآمدي، من أصحاب القاضي أبي يعلى، ومن كبار فقهاء الحنابلة في عصره، له مؤلفات منها: عمدة الحاضر، وكفاية المسافر، توفي سنة (467 هـ) . انظر: ذيل طبقات الحنابلة (1 / 8، 9) .
(7)
هو: علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن أحمد، أبو الوفاء، العالم الفقيه الحنبلي، ولد سنة (431 هـ) ، برع في الفقه وأصوله، وألف في ذلك المؤلفات الكثيرة ومن أشهرها: كتاب الفنون في شتى العلوم، فيما يزيد عن مائتي مجلد، والفصول، والمفردات، وعمدة الأدلة، والإرشاد، ونفي التشبيه، وكان رحمه الله من المدافعين عن الإمام أحمد ومذهبه، واتهم ببعض آراء المبتدعة، ويقال: إنه رجع وتاب، توفي رحمه الله سنة (513 هـ) .
انظر: الذيل على طبقات الحنابلة (1 / 142، 163) ، (ت 66) .
(8)
في (ج د) : على.
وليس الغرض (1) عين هذه المسألة، وإنما الغرض أن عليا رضي الله عنه شبه السادلين باليهود، مبينا بذلك كراهة فعلهم، فعلم أن مشابهة اليهود: أمر كان قد استقر عندهم كراهته.
وفُهر اليهود - بضم الفاء -: مدارسهم. وأصلها: بهر (2) وهي عبرانية فعربت، هكذا ذكره الجوهري (3) وكذلك ذكر ابن فارس (4) وغيره: أن فهر اليهود: مدارسهم. وفي (العين) عن الخليل بن أحمد (5) أن (6) فهر اليهود: مدارسهم.
وسنذكر عن علي رضي الله عنه، من كراهة التكلم بكلامهم، ما يؤيد (7) هذا، وما (8) في الحديث المذكور من النهي عن تغطية الفم، فقد علله بعضهم
(1) في المطبوعة: الغرض هنا.
(2)
في المطبوعة: بهرو.
(3)
هو: إسماعيل بن حماد الجوهري، أبو نصر، من أئمة اللغة، ويعد من أذكياء العالم النوادر، وكان حسن الخط، له مصنفات منها: الصحاح في اللغة، وقد تلقاه العلماء بالقبول، ومنها: كتاب في العروض، ومقدمة في النحو، توفي سنة (393 هـ) . انظر: لسان الميزان (1 / 400) ، (ت 1258) ؛ والأعلام للزركلي (1 / 313) .
(4)
هو: أحمد بن فارس بن زكريا الرازي اللغوي، أبو الحسين، إمام في علوم شتى، وخاصة اللغة، له مصنفات منها: المجمل، وحلية الفقهاء، توفي سنة (390 هـ) . انظر: وفيات الأعيان (1 / 118 - 119) ، (ت 49) .
(5)
هو: الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي اليحمدي، أبو عبد الرحمن، إمام في النحو واللغة، واضع علم العروض، وهو أستاذ سيبويه، ولد سنة (100 هـ) . له كتاب (العين) في النحو، وله مؤلفات أخرى، توفي بالبصرة سنة (170 هـ) .
انظر: الأعلام للزركلي (2 / 314) .
(6)
أن: ساقطة من (أط) .
(7)
في (ج د) : ما يؤيده.
(8)
في المطبوعة: وأما ما في الحديث. . فقد علله.
بأنه فعل المجوس عند نيرانهم التي يعبدونها، فعلى هذا: تظهر (1) مناسبة الجمع بين النهي عن السدل، وعن تغطية الفم، بما في كلاهما (2) من مشابهة الكفار، مع أن في كل منهما معنى آخر يوجب الكراهة، ولا محذور في تعليل الحكم بعلتين.
فهذا عن الخلفاء الراشدين، وأما سائر الصحابة رضي الله عنهم فكثير، مثل: ما قدمناه عن حذيفة بن اليمان: أنه لما دعي إلى وليمة فرأى شيئا من زي العجم خرج وقال: " من تشبه بقوم فهو منهم "(3) .
وروى أبو محمد الخلال (4) بإسناده عن عكرمة (5) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " سأله رجل: أحتقن؟ قال: لا تبد (6) العورة، ولا تستن بسنة المشركين ". فقوله: " لا تستن بسنة المشركين "(7) عام.
(1) في (ب ج د) : يظهر.
(2)
في المطبوعة: كل منهما. وجاءت في جميع المخطوطات (كلاهما) والأصح لغة (كليهما) لأنها مضافة لمضمر.
(3)
انظر: التعليق (ص 361) من هذا المجلد.
(4)
هو: الحسن بن محمد بن الحسن بن علي، أبو محمد، الخلال، عالم فاضل من أهل بغداد، ولد سنة (352 هـ)، وله مؤلفات منها: أخبار الثقلاء، والمجالس العشر، خرج المسند على الصحيحين. انظر: الأعلام للزركلي (2 / 213) .
(5)
هو: عكرمة البربري، أبو عبد الله، المدني، مولى ابن عباس، أصله من البربر، من علماء التابعين ومن المتبحرين بالتفسير، من كبار تلاميذ ابن عباس، اتهم ببدعة الخوارج الصفرية، ووثقه أئمة الحديث، قال ابن حجر: "ثقة، ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا ثبتت عنه بدعة، من الثالثة، مات سنة (107 هـ) .
انظر: تقريب التهذيب (2 / 30) ، (ت 277) ع؛ وتهذيب التهذيب (7 / 263- 273) ، (ت 475) ع.
(6)
في المطبوعة: احتقن لا تبد العورة.
(7)
قوله: (لا تستن بسنة المشركين) : سقطت من (ج د) .
وقال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي (1) حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا الحجاج بن حسان (2) قال:" دخلنا على أنس بن مالك فحدثني أخي (3) المغيرة (4) قال: وأنت يومئذ غلام، ولك قرنان، أو قصتان، فمسح رأسك وبرك عليك وقال: احلقوا هذين، أو قصوهما (5) فإن هذا زي اليهود (6) "(7) علل النهي عنهما بأن ذلك زي اليهود، وتعليل النهي بعلة يوجب أن تكون العلة مكروهة (8) مطلوب عدمها، فعلم أن زي اليهود - حتى في الشعر - مما يطلب عدمه، وهو المقصود.
(1) هو: الحسن بن علي بن محمد الهذلي الخلال الحلواني، نزيل مكة، أبو علي، "ثقة، حافظ، له تصانيف، من الحادية عشرة"، أخرج له البخاري ومسلم وغيرهما.
انظر: تقريب التهذيب (1 / 168) ، (ت 296) ح.
(2)
هو: حجاج بن حسان العبسي البصري، وثقه أحمد وابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي: ليس به بأس، من الخامسة. انظر: تقريب التهذيب (1 / 152) ، (ت 150) ح؛ وتهذيب التهذيب (2 / 200) ، (ت 371) ح.
(3)
أخي: ساقطة من (د) .
(4)
كذا في جميع النسخ، والصحيح كما في سنن أبي داود: كما حدثتني أختي المغيرة، وفي نسخة: النغيرة، قالت. . إلخ. انظر: سنن أبي داود (4 / 412) مع الهامش، نسخة الدعاس.
ومغيرة هي: بنت حسان التميمية، قال ابن حجر في التقريب: مقبولة، من الخامسة وهي من مستغربات الأسماء في النساء. انظر: تقريب التهذيب (2 / 614)(ت 7) م النساء.
(5)
في (أ) : أو قصروهما.
(6)
انظر: سنن أبي داود، كتاب الترجل، باب ما جاء في الرخصة، حديث رقم (4197) ، (4 / 412) .
(7)
من هنا حتى قوله: حتى في الشعر (سطر ونصف تقريبا) : سقط من (ط) .
(8)
في (أ) : مكرها مطلوبا عدمها.
وروى ابن أبي عاصم (1) حدثنا وهب بن بقية (2) حدثنا خالد الواسطي (3) عن عمران بن حدير (4) عن أبي مجلز (5) أن معاوية قال: " إن تسوية القبور من السنة، وقد رفعت اليهود والنصارى، فلا تشبهوا بهم "(6) .
يشير معاوية إلى ما رواه مسلم في صحيحه، عن فضالة بن عبيد (7) «أنه
(1) هو: أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني البصري، من أئمة الحديث الحفاظ الثقات، ولي قضاء أصفهان بعد صالح بن أحمد، له مصنفات كثيرة من أشهرها: السنة، وهو مطبوع، والآحاد والمثاني، والديات، والأوائل، وغيرها، توفي سنة (287 هـ) ، وكنيته أبو بكر.
انظر: البداية والنهاية لابن كثير (11 / 84) ؛ والأعلام للزركلي (1 / 189) .
(2)
هو: وهب بن بقية بن عثمان بن شابور بن عبيد بن آدم بن زياد الواسطي، أبو محمد، المعروف بـ (وهبان) ، وثقه ابن معين، والخطيب، وذكره ابن حبان في الثقات، توفي سنة (239 هـ) ، وكانت ولادته سنة (155 هـ) .
انظر: تهذيب التهذيب (11 / 159- 160) ، (ت 270) و.
(3)
هو: خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطمان الواسطي، المزني، مولاهم، قال ابن حجر في التقريب:" ثقة، ثبت، من الثامنة"، توفي سنة (182 هـ) ، ومولده سنة (110 هـ) ، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة وغيرهم.
انظر: تقريب التهذيب (1 / 215) ، (ت 46) خ.
(4)
هو: عمران بن الحدير السدي، أبو عبيدة، البصري، قال ابن حجر في التقريب:"ثقة، من السادسة "، توفي سنة (149 هـ) ، أخرج له مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وغيرهم.
انظر: تقريب التهذيب (2 / 82) ، (ت 718) ع.
(5)
هو: لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري، الشهير بأبي مجلز، ثقة، من كبار الطبقة الثالثة، توفي سنة (106 هـ) . انظر: تقريب التهذيب (2 / 340) ، (ت 1) لا.
في (أ) : عن أبي مخلد، وهو تحريف.
(6)
رجاله ثقات.
(7)
هو الصحابي الجليل: فضالة بن عبيد بن نافذ بن قيس بن صهيب، الأنصاري الأوسي، أسلم قديما ولم يشهد بدرا، وشهد بعدها أحدا، وما بعدها من المشاهد، كما شهد فتح الشام ومصر، وولي الغزو، وولاه معاوية قضاء دمشق بعد أبي الدرداء، وتوفي في عهد معاوية سنة (53 هـ) . انظر: الإصابة (3 / 206) ، (ت 6992) ف.
أمر بقبر فسوي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها» (1) . رواه مسلم (2) .
وعن (3) علي أيضا قال: «أمرني النبي (4) صلى الله عليه وسلم أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته، ولا تمثالا إلا طمسته» (5) . رواه مسلم.
وسنذكر - إن شاء الله تعالى - عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: " من بنى ببلاد المشركين، وصنع نيروزهم، ومهرجانهم، حتى يموت: حشر معهم يوم القيامة "(6) .
وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها: أنها كرهت الاختصار في الصلاة، وقالت (7)" لا تشبهوا باليهود ". هكذا رواه بهذا اللفظ (8) سعيد بن منصور،
(1) انظر: صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر، حديث رقم (968) ، (2 / 666) .
(2)
رواه مسلم: سقطت من (ج د) .
(3)
في المطبوعة زاد: وعن أبي الهياج الأسدي.
(4)
في (أط) : رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(5)
انظر: صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر، حديث رقم (969) ، (2 / 666)، ولفظه:"عن أبي الهياج الأسدي، قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته".
(6)
أخرجه البيهقي في سننه (9 / 234) .
(7)
في (أط) وقال: ولا يستقيم.
(8)
في (ب) : عن سعيد.
حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن مسلم (1) عن مسروق، عن عائشة، وقد تقدم من رواية البخاري في المرفوعات (2) .
وروى سعيد، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح (3) عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب (4) قال:" دخلت مع ابن عمر مسجدا بالجحفة، فنظر إلى شرافات، فخرج إلى موضع فصلى فيه، ثم قال لصاحب المسجد: إني رأيت في مسجدك هذا - يعني الشرافات (5) - شبهتها بأنصاب الجاهلية، فمر (6) بها أن تكسر "(7) .
وروى سعيد أيضا عن ابن مسعود: أنه كان يكره الصلاة في
(1) هو: مسلم بن صبيح الهمداني، أبو الضحى، الكوفي العطار، ثقة، فاضل، مات سنة (100 هـ)، أخرج له الستة. انظر: تقريب التهذيب (2 / 245) ، (ت 1087) .
(2)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف، كتاب الصلاة، باب وضع الرجل يده في خاصرته في الصلاة، حديث رقم (3338) ، (2 / 273، 274) ، وإسناده صحيح عن معمر، عن الثوري، عن الأعمش بالإسناد الذي أشار إليه المؤلف، وفيه:"كما يصنع اليهود". وأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع، عن الأعمش أيضا باللفظ الذي ذكره المؤلف:"لا تشبهوا باليهود"، وسبقت الإشارة إليه في البخاري، (ص 224) من هذا الكتاب.
(3)
هو: عبد الله بن أبي نجيح - واسم أبي نجيح: يسار، المكي، الثقفي، مولاهم، أبو يسار، من المحدثين الثقات، وربما دلس، واتهم بالقول بالقدر، مات سنة (131 هـ) . انظر: تهذيب التهذيب (6 / 54) ، (ت 101) .
(4)
هو: إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب الأسدي، وثقه أبو زرعة وابن سعد والدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات.
انظر: تهذيب التهذيب (1 / 321، 313) ، (ت 570) أ.
(5)
الشرافات: جمع شرفة، وهي ما يوضع في أعلى البناء، من أبنية تزينها، تكون مثلثة أو مربعة ونحو ذلك.
(6)
في المطبوعة: تمر بها.
(7)
انظر: مصنف ابن أبي شيبة (1 / 309) ، وفيه ما يفيد هذا المعنى لا نصه.
الطاق (1) وقال: " إنه في (2) الكنائس، فلا تشبهوا بأهل الكتاب "(3) .
وعن عبيد بن أبي الجعد (4) قال: " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: إن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المسجد "(5) . يعني الطاقات.
وهذا الباب فيه كثرة عن الصحابة.
وهذه القضايا التي ذكرناها: بعضها في مظنة الاشتهار، وما علمنا أحدا خالف ما ذكرناه عن الصحابة رضي الله عنهم، من كراهة التشبه بالكفار والأعاجم في الجملة، وإن كان بعض هذه المسائل المعينة فيها خلاف وتأويل ليس هذا موضعه.
وهذا كما أنهم مجمعون على اتباع الكتاب والسنة (6) وإن كان قد يختلف في بعض أعيان المسائل لتأويل (7) .
فعلم اتفاقهم على كراهة التشبه بالكفار والأعاجم.
(1) الطاق هو ما نسميه المحراب، والطاق: ما عقد من الأبنية، أي عطف وحني، ومنه المحراب. انظر: القاموس المحيط، باب القاف، فصل الطاء (3 / 269) .
(2)
في المطبوعة: من.
(3)
انظر: المصنف لابن أبي شيبة (1 / 59)، كما أخرجه البزار بإسناد حسن عن ابن مسعود. انظر: كشف الأستار عن زوائد البزار (1 / 210) ، رقم (416) .
(4)
هو: عبيد بن أبي الجعد الغطفاني، قال ابن حجر:"صدوق من الثالثة"، وثقه ابن حبان. انظر: تقريب التهذيب (1 / 542) ، (ت 1539) ع؛ وخلاصة التذهيب (ص 254) .
(5)
أخرج عبد الرزاق عن الثوري، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبيد بن أبي الجعد الأشجعي، عن كعب قال:(يكون في آخر الزمان قوم ينقص أعمارهم ويزينون مساجدهم، ويتخذون بها مذابح كمذابح النصارى. .) إلخ. انظر: المصنف (2 / 413)، رقم (3903) . وانظر: السنن الكبرى للبيهقي (2 / 439) .
(6)
في (ط) : فإن.
(7)
لتأويل: ساقطة من (أ) .