المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالسنة] - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[تقديم بقلم معالي الدكتور الوزير عبد الله بن عبد المحسن التركي]

- ‌[مقدمة]

- ‌[القسم الأول: الدراسة]

- ‌[ترجمة موجزة للمؤلف]

- ‌[وصف النسخ المخطوطة للكتاب]

- ‌[الكتاب المحقق اسمه وتاريخ تأليفه]

- ‌[منهج تحقيق الكتاب والتعليق عليه]

- ‌[دراسة تحليلية لبعض موضوعات الكتاب]

- ‌[أولا الموضوع الرئيس للكتاب]

- ‌[ثانيا دراسة لبعض موضوعات الكتاب]

- ‌[الموضوع الأول تنبيه المؤلف على أصلين مهمين]

- ‌[الموضوع الثاني بعض أنواع البدع والشركيات التي ابتُليت بها الأمة]

- ‌[الموضوع الثالث أثر التشبُّه على الأمة]

- ‌[الموضوع الرابع قواعد أساسية في التشبه]

- ‌[الموضوع الخامس فئات من الناس نهينا عن التشبه بها]

- ‌[الموضوع السادس النهي يعم كل ما هو من سمات الكفار قديمًا وحديثًا]

- ‌[الموضوع السابع متى يباح التشبه بغير المسلمين]

- ‌[الموضوع الثامن في الأعياد والاحتفالات البدعية]

- ‌[الموضوع التاسع في الرطانة]

- ‌[الموضوع العاشر حول مفهوم البدعة]

- ‌[الموضوع الحادي عشر حول بدع القبور والمزارات والمشاهد والآثار ونحوها]

- ‌[القسم الثاني: الكتاب محققا مع التعليق عليه]

- ‌[خطبة الحاجة من كتاب المحقق]

- ‌[سبب تأليف الكتاب]

- ‌[فصل في حال الناس قبل الإسلام]

- ‌[بعض أمور أهل الكتاب والأعاجم التي ابتلي بها بعض المسلمين]

- ‌[الأمر بمخالفة المغضوب عليهم والضالين في الهدي الظاهر]

- ‌[فصل في ذكر الأدلة على الأمر بمخالفة الكفار عموما وفي أعيادهم خصوصا]

- ‌[بيان المصلحة في مخالفة الكفار والتضرر والمفسدة من متابعتهم]

- ‌[الاستدلال من القرآن على النهي عن اتباع الكافرين]

- ‌[الاستدلال من السنة على النهي عن اتباع الكافرين]

- ‌[الاختلاف الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[أنواع الاختلاف]

- ‌[عود إلى الاستدلال من القرآن على النهي عن مشابهة الكفار]

- ‌[النهي عن موالاة الكفار ومودتهم]

- ‌[وجوه الأمر بمخالفة الكفار]

- ‌[ذم بعض خصال الجاهلية]

- ‌[الفساد وأنواعه]

- ‌[التشبه مفهومه ومقتضاه]

- ‌[التشديد على النفس أنواعه وآثاره]

- ‌[فصل في ذكر فوائد خطبته صلى الله عليه وعلى آله وسلم العظيمة في يوم عرفة]

- ‌[فصل في الإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم]

- ‌[الوجه الأول من دلائل الإجماع]

- ‌[الوجه الثاني من دلائل الإجماع]

- ‌[الوجه الثالث في تقرير الإجماع]

- ‌[فصل في الأمر بمخالفة الشياطين]

- ‌[فصل في الفرق بين التشبه بالكفار والشياطين وبين التشبه بالأعراب والأعاجم]

- ‌[الناس ينقسمون إلى بر وفاجر ومؤمن وكافر ولا عبرة بالنسب]

- ‌[التفاضل بين جنس العرب وجنس العجم]

- ‌[النهي عن بغض العرب]

- ‌[أسباب تفضيل العرب]

- ‌[فصل في أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه]

- ‌[فصل في أقسام أعمال الكفار]

- ‌[فصل في الأعياد]

- ‌[طرق عدم جواز موافقتهم في أعيادهم]

- ‌[الطريق الأول أنه موافقة لأهل الكتاب فيما ليس في ديننا]

- ‌[الطريق الثاني الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار]

- ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالكتاب]

- ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالسنة]

- ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالإجماع والآثار]

- ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالاعتبار]

- ‌[فصل في مشابهتهم فيما ليس من شرعنا]

الفصل: ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالسنة]

الرقوب» (1) ونظائره كثيرة.

فسواء كانت الآية دالة على تحريم ذلك، أو كراهته أو استحباب تركه: حصل أصل المقصود؛ إذ من المقصود: بيان استحباب ترك موافقتهم أيضا؛ فإن بعض الناس قد يظن استحباب فعل ما فيه موافقة لهم؛ لما فيه من التوسيع على العيال، أو من إقرار الناس على اكتسابهم، ومصالح دنياهم، فإذا علم استحباب ترك ذلك: كان أول (2) المقصود.

[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالسنة]

وأما السنة (3) فروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: " ما هذان اليومان؟ "، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر» رواه أبو داود بهذا اللفظ (4) .

(1) جاء في حديث أخرجه مسلم في كتاب البر، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب، حديث رقم (2608) ، (4 / 2014)، وفيه:" ما تعدون الرقوب فيكم؟ " والرقوب هو من لا يعيش له ولد، فهو يرقب موته. انظر: لسان العرب، مادة (رقب) .

أراد المؤلف أن يستدل بهذه النصوص على هذه النعوت التي وصف الله بها عباد الرحمن، ومنها صفة عدم شهادة الزور، وعبودية الرحمن، إنما اتصفوا بها على وجه الحقيقة والكمال، وقد توجد هذه الصفات في غيرهم، لكن لا على الوجه الحقيقي المطلوب، وكذلك صفات المسكين، والمفلس، والرقوب، صفات لها معان لفظية مباشرة في عرف الناس، وهي: المسكنة والإفلاس في الدنيا، لكن لها معان في الحقيقة أكمل وأصدق وهي: المسكنة والإفلاس في الآخرة.

(2)

في المطبوعة: كان هو المقصود.

(3)

أي الاستدلال من السنة على أن موافقة الكافرين في أعيادهم لا تجوز. وسيذكر المؤلف في هذا الاستدلال سبعة وجوه، فوجه الدلالة الأول ص (486) ، والثاني ص (495) ، والثالث ص (499) ، والرابع ص (500) ، والخامس ص (504) ، والسادس ص (506) ، والسابع ص (508) .

(4)

انظر: سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب صلاة العيدين، حديث رقم (1134) ، (1 / 675) نسخة الدعاس.

ص: 485

" حدثنا موسى بن إسماعيل (1) حدثنا حماد عن (2) حميد، عن أنس " ورواه أحمد (3) والنسائي (4) وهذا إسناد على شرط مسلم.

فوجه الدلالة: أن العيدين (5) الجاهليين (6) لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال:«إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين،» والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه؛ إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه (7) ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك اجتماعهما، كقوله سبحانه:{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50](8) وقوله: {وَبَدَّلْنَاهُمْ (9) بِجَنَّتَيْهِمْ (10) جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ: 16](11) وقوله: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة: 59](12)

(1) هو: موسى بن إسماعيل المنقري، التبوذكي، أبو سلمة، قال ابن حجر في التقريب:" ثقة ثبت من صغار التاسعة، ولا التفات إلى قول ابن خراش: تكلم فيه الناس " روى له الستة، توفي سنة (223 هـ) .

انظر: تقريب التهذيب (2 / 280) ، (ت 1431) أ.

(2)

في (أج د) : حماد بن حميد، وهو تحريف من النساخ، والصحيح حماد عن حميد، كما هو مثبت.

(3)

انظر: مسند أحمد (3 / 103) و (235) و (250) في مسند أنس بن مالك.

(4)

انظر: سنن النسائي، كتاب صلاة العيدين (3 / 179، 180) .

(5)

في المطبوعة: اليومين.

(6)

في (أ) : الجاهلين.

(7)

في (أ) : أن.

(8)

سورة الكهف: الآية 50.

(9)

في المخطوطات: فبدلناهم. وإنما الآية: وبدلناهم.

(10)

في (د) : بجنتين، وهو تحريف.

(11)

سورة سبأ: من الآية 16، وفي (ب) : وقف على جنتين، وفي (أ) : وقف على (خمط) .

(12)

سورة البقرة: من الآية 59.

ص: 486

وقوله: {وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} [النساء: 2](1) .

ومنه الحديث في المقبور (2) فيقال له: «انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به خيرا منه مقعدا في الجنة» ، ويقال للآخر:«انظر إلى مقعدك في الجنة، أبدلك الله به مقعدا من النار» (3) .

وقول عمر رضي الله عنه للبيد (4)" ما فعل شِعرك؟ قال: أبدلني الله به البقرة وآل عمران "(5) . وهذا كثير في الكلام.

فقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما» (6) يقتضي ترك الجمع بينهما، لا سيما وقوله:(7)«خيرا منهما» يقتضي الاعتياض بما شرع لنا، عما كان في الجاهلية.

(1) سورة النساء: من الآية 2.

(2)

في (أ) : القبور.

(3)

ورد في ذلك أحاديث مروية في الصحيحين والسنن بألفاظ متعددة، بعضها مطول وبعضها مختصر.

انظر: صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، حديث رقم (1374) من فتح الباري (3 / 232) .

وصحيح مسلم، كتاب الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، حديث رقم (2866) ، (4 / 2199) ، ورقم (2870) ، (4 / 2200) .

(4)

هو الصحابي الجليل: لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري، الشاعر المشهور، أسلم مع وفد قومه فحسن إسلامه وترك الشعر بعد الإسلام، وتوفي سنة (41هـ) وعمره (140) سنة.

انظر: أسد الغابة (4 / 260، 261) .

(5)

ذكره ابن حجر في الإصابة (3 / 326) ، في ترجمة لبيد، دون إسناد.

(6)

في المطبوعة قال: " قد أبدلكم الله بهما خيرا " وفي (أ) : قال: " أبدلكم بهما " فقط.

(7)

في (ب) : قوله لهم.

ص: 487

وأيضا فقوله لهم: «إن الله قد أبدلكم» لما سألهم عن اليومين فأجابوه: " بأنهما يومان كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية " دليل على أنه نهاهم عنهما اعتياضا بيومي الإسلام؛ إذ لو لم يقصد النهي لم يكن ذكر هذا الإبدال مناسبا؛ إذ أصل شرع اليومين (1) الإسلاميين كانوا يعلمونه (2) ولم يكونوا ليتركوه لأجل يومي الجاهلية.

وفي قول أنس: " ولهم يومان يلعبون فيهما "، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيرا منهما» دليل على أن أنسا رضي الله عنه فهم من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أبدلكم بهما» تعويضا باليومين المبدلين.

وأيضا فإن ذينك اليومين الجاهليين قد ماتا في الإسلام، فلم يبق لهما أثر على (3) عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا (4) عهد خلفائه، ولو لم يكن قد نهى الناس عن اللعب فيهما ونحوه مما كانوا يفعلونه، لكانوا قد بقوا على العادة؛ إذ العادات لا تغير إلا بمغير يزيلها، لا سيما وطباع النساء والصبيان وكثير من الناس متشوفة (5) إلى اليوم الذي يتخذونه عيدا للبطالة واللعب.

ولهذا قد يعجز كثير من الملوك والرؤساء عن نقل الناس عن عاداتهم في أعيادهم؛ لقوة مقتضيها من نفوسهم، وتوفر همم الجماهير على اتخاذها، فلولا قوة المانع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت باقية، ولو على وجه ضعيف، فعلم أن المانع القوي منه كان ثابتا، وكل ما منع منه الرسول منعا قويا كان محرما؛ إذ لا يعني بالمحرم إلا هذا.

(1) في المطبوعة زاد: الواجبين.

(2)

في المطبوعة: يعملونه.

(3)

في (ج د) : إلا على عهد.

(4)

في (ج د) : ولا على عهد.

(5)

في (ج د) : متشوقة: وكذلك المطبوعة، والمعنى متقارب.

ص: 488

وهذا أمر بين (1) لا شبهة فيه، فإن مثل ذينك العيدين، لو عاد الناس إليهما بنوع مما كان يفعل فيهما - إن رخص فيه - كان مراغمة بينه وبين ما نهى عنه، فهو المطلوب.

والمحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرهم عليها، أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها؛ فإن الأمة قد حذروا مشابهة اليهود والنصارى، وأخبروا أن سيفعل قوم منهم هذا المحذور، بخلاف دين الجاهلية، فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر، عند اخترام أنفس المؤمنين عموما، ولو لم يكن أشد منه، فإنه مثله على ما لا يخفى؛ إذ الشر الذي له فاعل موجود، يخاف على الناس منه أكثر من شر لا مقتضى له قوي.

الحديث الثاني: (2) ما رواه أبو داود، حدثنا داود (3) بن رشيد (4) حدثنا شعيب بن إسحاق (5) عن الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني

(1) في (أ) : تبين.

(2)

الحديث الأول هو حديث أنس المتقدم ذكره قريبا (ص 485) ، وهو في معرض الاستدلال على تحريم ابتداع الأعياد غير ما سنّه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(3)

داود بن رشيد: أسقط من المطبوعة.

(4)

هو: داود بن رشيد، الهاشمي بالولاء، الخوارزمي، أبو الفضل، وثقه ابن معين والدارقطني، وقال أبو حاتم: ثقة نبيل، أخرج له البخاري ومسلم وغيرهما، توفي سنة (239هـ) .

انظر: تهذيب التهذيب (3 / 184، 185) ، (ت 350) د.

(5)

هو: شعيب بن إسحاق بن عبد الرحمن الأموي، بالولاء، البصري، ثم الدمشقي، ثقة، أخرج له البخاري ومسلم والنسائي، وغيرهم، قال فيه أحمد: ما أصح حديثه، توفي سنة (189هـ) وعمره (70) سنة.

انظر: خلاصة تهذيب التهذيب (ص 166) ، وتقريب التهذيب (1 / 351) ، (ت 70) ش.

ص: 489

أبو قلابة، حدثني ثابت بن الضحاك (1) قال:«نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هل كان فيها وثن (2) من أوثان الجاهلية يعبد؟ "، قالوا (3) لا، قال: " فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ " قالوا (4) لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر (5) في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم» (6) أصل هذا الحديث في الصحيحين (7) وهذا الإسناد على شرط الصحيحين، وإسناده كلهم ثقات مشاهير، وهو متصل بلا عنعنة.

(1) هو الصحابي الجليل: ثابت بن الضحاك بن خليفة، الأنصاري، الأشهلي، شهد بيعة الرضوان، ولد سنة ثلاث من البعثة، وتوفي سنة (64 هـ) ، كان رديف الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم الخندق ودليله إلى حمراء الأسد.

انظر: الإصابة (1 / 193، 194) ، (ت 894) .

(2)

في (أ) : وثر، ولعلها تحريف.

(3)

في (د) : قال.

(4)

في (ب ج د) : قال.

(5)

في (ج د) : بالنذر.

(6)

انظر: سنن أبي داود، كتاب الأيمان والنذور، باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر، حديث رقم (3313) ، (3 / 607) .

(7)

جاء في صحيح البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:" من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه "، حديث رقم (6696) من فتح الباري، (11 / 581) ، وفي صحيح مسلم، كتاب النذر، باب لا وفاء لنذر في معصية الله، الحديث رقم (1641) ، (3 / 1262، 1263)، وجاء فيه:" لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد ". فلعل المؤلف يشير إلى هذين الحديثين، والله أعلم.

ص: 490

وبوانة: بضم الباء الموحدة من أسفل (1) فيه يقول وضاح اليمن (2) .

أيا نخلتي وادي بوانة ، حبذا

إذا نام حراس النخيل - جناكما (3)

وسيأتي وجه الدلالة منه.

وقال أبو داود في سننه: حدثنا الحسن بن علي (4) حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي (5) -من أهل الطائف - حدثتني سارة بنت مقسم (6) أنها سمعت ميمونة بنت

(1) في المطبوعة: قال: (بضم الموحدة)، ثم زاد:(موضع قريب من مكة) ، وأظنه تفسيرا من الشيخ حامد الفقي.

وبوانة: بالضم وتخفيف الواو: هضبة وراء ينبع قريبة من ساحل البحر وينبع، شمال مكة.

انظر معجم البلدان لياقوت (1 / 505) .

(2)

هو: عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كلال، من آل خولان، من حمير، شاعر مجيد، وله شعر رقيق في الغزل، وقد تغزل بأم البنين بنت عبد العزيز بن مروان، وزوجة الوليد بن عبد الملك، فقتله الوليد، وذلك سنة (90هـ) على وجه التقريب.

انظر: فوات الوفيات (2 / 272 - 275) ، (ت 252) ، والأعلام للزركلي (2 / 299) .

(3)

انظر: معجم البلدان لياقوت (1 / 506) .

(4)

هو: الخلال الحلواني الهذلي. مرت ترجمته. انظر: فهرس الأعلام.

(5)

هو: عبد الله بن يزيد بن مقسم، وهو ابن ضبة، الثقفي بالولاء، البصري، وأصله من الطائف، قال ابن حجر في التقريب:" صدوق " من الطبقة التاسعة، كما أشار ابن حجر في التهذيب إلا أن ابن المديني وثقه.

انظر الجرح والتعديل (5 / 200) ، (ت 929) ؛ وتقريب التهذيب (1 / 461) ، (ت742) ع؛ وتهذيب التهذيب (6 / 80) ، (ت 157) ع.

(6)

هي: سارة بنت مقسم الثقفية، عمة عبد الله بن يزيد، الراوي عنها هنا. قال ابن حجر في التقريب:" لا تعرف " من الطبقة الرابعة.

انظر: تقريب التهذيب (2 / 601) ، (ت1) س. النساء وخلاصة التذهيب (ص492) .

ص: 491

كردم (1) قالت: «خرجت مع أبي في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت الناس يقولون: رسول الله (2) صلى الله عليه وسلم، فجعلت أبدّه بصري (3) فدنا إليه أبي وهو على ناقة له معه درة كدرة الكتّاب، فسمعت الأعراب والناس يقولون: الطبطبية، الطبطبية (4) فدنا إليه أبي، فأخذ بقدمه، قالت: فأقر له، ووقف، فاستمع منه، فقال: يا رسول الله، إني نذرت إن ولد لي ولد (5) ذكر أن أنحر على رأس بوانة، في عقبة (6) من الثنايا، عدة من الغنم (7) -قال: لا أعلم إلا أنها قالت: خمسين - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل بها من هذه (8) الأوثان شيء؟ " قال: لا، قال: " فأوف

(1) هي الصحابية الجليلة: ميمونة بنت كردم الثقفية، من صغار الصحابة، لها حديث في أبي داود وابن ماجه.

انظر: أسد الغابة (5 / 552، 553) ، وتقريب التهذيب (2 / 615) ، (ت 12) م النساء.

وكردم أبوها هو: كردم بن سفيان بن أبان الثقفي، صحابي جليل.

انظر: الإصابة (3 / 290) ، (ت 7390) .

(2)

رسول الله: أسقطت من (أ) .

(3)

أبدّه بصري: أتبعه بصري ولا أقطعه عنه.

(4)

في (أ) : الطنطينة الطنطينة. والصحيح ما أثبته كما في أبي داود.

والطبطبية: هي الدرة، وقوله: الطبطبية الطبطبية، أي: الدرة الدرة، على وجه التحذير، أو هي حكاية عن وقع الأقدام عند السعي، يريد: أقبل الناس إليه يسعون ولأقدامهم طبطبة.

انظر: تاج العروس (1 / 353) مع الهامش.

(5)

ولد: سقطت من (ج د) .

(6)

في (ج) : عقبته.

(7)

في (ج) : النعم. والصحيح: الغنم.

(8)

في المطبوعة وأبي داود: من الأوثان.

ص: 492

بما (1) نذرت به لله " قال: فجمعها فجعل يذبحها، فانفلتت منه شاة، فطلبها وهو يقول: اللهم أوف (2) بنذري، فظفر بها فذبحها» (3) .

قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار (4) حدثنا أبو بكر الحنفي (5) حدثنا عبد الحميد بن جعفر (6) عن عمرو بن شعيب، عن ميمونة بنت كردم (7) بن سفيان، عن أبيها. . نحوه (8) مختَصَرا شيء منه (9) قال: «هل بها

(1) في (أ) : بها. وهو تحريف.

(2)

في أبي داود: " اللهم أوف عني نذري ".

(3)

سنن أبي داود، كتاب الأيمان والنذور، باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر، الحديث رقم (3314) ، (3 / 607 - 609) .

وأخرجه ابن ماجه مختصرا بمعناه في كتاب الكفارات، باب الوفاء بالنذر، الحديث رقم (2131) ، (1 / 688) ، وكذلك أخرجه أحمد في المسند مختصرا (3 / 419) ، ومطولا بنحو رواية أبي داود التي ذكرها المؤلف (6 / 366) وفيه زيادة، الأول في مسند كردم، والثاني في مسند ميمونة بنت كردم.

(4)

هو: محمد بن بشار بن عثمان العبدي، البصري، أبو بكر - بندار - ثقة من الطبقة العاشرة، توفي سنة (252هـ) وعمره بضع وثمانون، أخرج له الستة.

انظر: تقريب التهذيب (2 / 147) ، (ت 71) .

(5)

هو: عبد الكبير بن عبد المجيد بن عبد الله البصري، أبو بكر، الحنفي، ثقة من الطبقة التاسعة، مات سنة (204هـ) ، أخرج له الستة.

انظر: تقريب التهذيب (1 / 515) ، (ت 1276) .

(6)

هو: عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم الأنصاري، الأوسي، أبو الفضل - أو أبو حفص - قال في التهذيب: قال أحمد: ثقة، وذكر ابن معين توثيقه، أخرج له مسلم والأربعة، توفي بالمدينة سنة (153هـ) وعمره (70) .

انظر: تهذيب التهذيب (6 / 111، 112) ، (ت 223) ع.

(7)

في (أب) : بنت كردفة: وهو تحريف لاسم كردم.

(8)

أي نحو الحديث السابق.

(9)

في أبي داود: مختصر منه شيء.

ص: 493

وثن (1) أو عيد من أعياد الجاهلية؟ " قال: لا، قال: قلت: إن أمي (2) هذه عليها نذر (3) مشي، أفأقضيه عنها؟ وربما قال ابن بشار: أنقضيه عنها؟ قال: " نعم» (4) .

وقال: حدثنا مسدد (5) حدثنا الحارث بن عبيد (6) أبو قدامة (7) عن عبيد (8) الله الأخنس (9) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه (10) عن جده، «أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: " يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك

(1) وثن: سقطت من (أ) .

(2)

في جميع النسخ المخطوطة: أم هذه. وفي أبي داود والمطبوعة كما أثبته.

(3)

كذا في جميع النسخ. وفي أبي داود: نذر، ومشي.

(4)

سنن أبي داود، كتاب الأيمان والنذور، باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر، الحديث رقم (3315) ، (3 / 609) ورجاله ثقات.

(5)

هو مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مستورد الأسدي البصري، أبو الحسن، قال ابن حجر في التقريب:" ثقة حافظ، يقال: إنه أول من صنف المسند بالبصرة " من الطبقة العاشرة، أخرج له البخاري وغيره، مات سنة (228هـ)، وقيل: إن اسمه: عبد الملك بن عبد العزيز.

انظر: تقريب التهذيب (2 / 242) ، (ت 1052) م.

(6)

هو: الحارث بن عبيد الأيادي البصري، أبو قدامة، قال ابن حجر في التقريب:" صدوق يخطئ " من الطبقة الثامنة وأخرج له مسلم وغيره.

انظر: تقريب التهذيب (1 / 142) ، (ت 45) ح.

(7)

في المطبوعة: أبو قدامة عبيد الله. فلعل (عن) سقطت سهوا.

(8)

في (أ) : عن جده عبيد الله، أي: بزيادة (جده) .

(9)

هو: عبيد الله بن الأخنس النخعي الخزاز، أبو مالك، قال ابن حجر:" صدوق " من السابعة، أخرج له البخاري ومسلم وغيرهما.

انظر: التقريب (1 / 530) ، (ت 1423) ع.

(10)

عن أبيه: سقطت من (أ) .

ص: 494

بالدف"، قال: " أوفي بنذرك "، قالت: " إني نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا - مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية - " قال: " لصنم؟ " قالت: لا، قال: " لوثن؟ " قالت: لا، قال: " أوفي بنذرك» (1) .

فوجه الدلالة: أن هذا الناذر كان قد نذر أن يذبح نعما: إما إبلا، وإما غنما، وإما كانت قضيتين، بمكان سماه، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم:«هل كان بها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قال: لا، قال: " فهل كان بها عيد من أعيادهم؟ " قال: لا، قال: " أوف بنذرك " ثم قال: " لا وفاء لنذر في معصية الله» .

وهذا يدل على أن الذبح بمكان عيدهم ومحل أوثانهم معصية لله، من وجوه:

أحدها: أن قوله: «فأوف بنذرك» (2) تعقيب للوصف بالحكم بحرف الفاء، وذلك يدل على أن الوصف هو سبب الحكم؛ فيكون سبب الأمر بالوفاء: وجود النذر خاليا من هذين الوصفين، فيكون الوصفان مانعين (3) من الوفاء، ولو لم يكن معصية لجاز الوفاء به.

الثاني: أنه عقب ذلك بقوله: «لا وفاء لنذر في معصية الله» ولولا (4) اندراج الصورة المسئول عنها في هذا اللفظ العام، وإلا لم يكن في الكلام ارتباط، والمنذور في نفسه - وإن لم يكن معصية - لكن لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن الصورتين قال له:«فأوف بنذرك» ، يعني: حيث ليس هناك ما يوجب تحريم الذبح هناك، فكان جوابه صلى الله عليه وسلم فيه أمرا بالوفاء عند الخلو من هذا، ونهى عنه عند وجود هذا، وأصل الوفاء بالنذر معلوم، فبين ما لا وفاء فيه.

(1) سنن أبي داود، كتاب الأيمان والنذور، باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر (3 / 606) ، الحديث رقم (3312) وهو صحيح الإسناد.

(2)

(بنذرك) : سقطت من (أ) .

(3)

في المطبوعة: قال: فيكون وجود الوصفين مانعا.

(4)

في (أ) : ولو اندراج.

ص: 495

واللفظ العام إذا ورد على سبب، فلا بد أن يكون السبب مندرجا فيه.

الثالث: أنه لو كان الذبح في موضع العيد جائزا لسوغ (1) صلى الله عليه وسلم للناذر الوفاء به، كما سوغ لمن نذرت الضرب بالدف (2) أن تضرب به، بل لأوجب الوفاء به؛ إذ كان الذبح بالمكان المنذور واجبا، وإذا كان الذبح بمكان عيدهم منهيا عنه، فكيف الموافقة في نفس العيد بفعل بعض الأعمال التي تعمل بسبب عيدهم؟

يوضح ذلك: أن العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائد: إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك.

فالعيد: يجمع (3) أمورا:

منها: يوم عائد (4) كيوم (5) الفطر، ويوم الجمعة.

ومنها: اجتماع فيه.

ومنها: أعمال تتبع (6) ذلك: من العبادات، والعادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقا، وكل هذه الأمور قد تسمى عيدا.

فالزمان، كقوله صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة:«إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدا» .

والاجتماع والأعمال، كقول ابن عباس:«شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

(1) في (أ) : لشرع.

(2)

في (أ) : زيادة: على رأسه.

(3)

في (أ) : مجمع.

(4)

في (ج د) : عيد.

(5)

في (أ) : ليوم.

(6)

في المطبوعة: تجمع.

ص: 496

والمكان، كقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تتخذوا قبري عيدا» .

وقد يكون لفظ: (العيد) اسما لمجموع اليوم والعمل فيه، وهو الغالب، كقول النبي صلى الله عليه وسلم:«دعهما يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيدا، وإن هذا عيدنا» فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «هل بها (1) عيد من أعيادهم؟» يريد اجتماعا معتادا من اجتماعاتهم التي كانت (2) عيدا، فلما قال: لا، قال له:«أوف بنذرك» وهذا يقتضي أن كون البقعة مكانا لعيدهم: مانع من الذبح بها - وإن نذر -، كما أن كونها موضع أوثانهم كذلك، وإلا (3) لما انتظم الكلام، ولا حسن الاستفصال.

ومعلوم أن ذلك إنما هو لتعظيم البقعة التي يعظمونها بالتعييد فيها، أو لمشاركتهم في التعييد فيها، أو لإحياء شعار عيدهم فيها، ونحو ذلك؛ إذ ليس إلا مكان الفعل، أو نفس الفعل، أو زمانه.

فإن كان من أجل تخصيص البقعة - وهو الظاهر - فإنما نهى عن تخصيص البقعة لأجل كونها موضع عيدهم، ولهذا لمّا خلت من (4) ذلك أذن في الذبح فيها، وقصد التخصيص باق، فعلم: أن المحذور تخصيص بقعة عيدهم، وإذا كان تخصيص بقعة عيدهم محذورا، فكيف بنفس عيدهم؟ هذا كما أنه لما كرهها لكونها موضع شركهم بعبادة الأوثان، كان ذلك (5) أدل على النهي عن الشرك وعبادة الأوثان.

(1)(بها) : سقطت من (أ) .

(2)

في المطبوعة: التي كانت عندهم.

(3)

في (أ) : " ولما ". ولا ينتظم بها المعني، فلعل (إلا) سقطت سهوا.

(4)

في (أ) وفي المطبوعة: عن.

(5)

في (أ) : إذ دل.

ص: 497

وإن كان (1) النهي لأن في الذبح هناك موافقة لهم في عمل عيدهم، فهو عين مسألتنا؛ إذ مجرد الذبح هناك لم يكره على هذا التقدير إلا لموافقتهم في العيد؛ إذ ليس فيه محذور آخر، وإنما كان الاحتمال الأول أظهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأله إلا عن كونها مكان عيدهم، ولم يسأله: هل يذبح وقت عيدهم؟ ولأنه قال: «هل كان بها (2) عيد من أعيادهم» فعلم أنه وقت السؤال لم يكن العيد موجودا، وهذا ظاهر، فإن في الحديث الآخر: أن القصة كانت في حجة الوداع؛ وحينئذ لم يكن قد بقي عيد للمشركين.

فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يذبح في مكان كان الكفار يعملون فيه عيدا (3) وإن كان أولئك الكفار قد أسلموا وتركوا ذلك العيد، والسائل لا يتخذ المكان عيدا، بل يذبح فيه فقط: فقد ظهر أن ذلك سد للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم، خشية أن يكون الذبح هناك سببا لإحياء أمر تلك البقعة، وذريعة إلى اتخاذها عيدا، مع أن ذلك العيد إنما كان يكون - والله أعلم - سوقا يتبايعون فيها، ويلعبون، كما قالت له الأنصار:" يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية " لم تكن أعياد الجاهلية عبادة لهم، ولهذا فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين كونها مكان وثن، وكونها مكان عيد.

وهذا نهي شديد عن أن يُفعل شيء من أعياد الجاهلية على أي وجه كان.

وأعياد الكفار: من الكتابيين والأميين، في دين الإسلام، من جنس واحد، كما أن كفر الطائفتين سواء في التحريم، وإن كان بعضه أشد تحريما (4) من بعض، ولا يختلف حكمهما في حق المسلم، لكن أهل الكتابين أقروا على

(1) في (أ) : ذلك النهي.

(2)

في (ب) : فيها.

(3)

في (ب) : أعيادا.

(4)

في المطبوعة: تحرجا.

ص: 498

دينهم، مع ما فيه من أعيادهم، بشرط: أن لا يظهروها، ولا شيئا من دينهم، وأولئك لم يقرّوا، بل أعياد الكتابيين التي تتخذ دينا وعبادة: أعظم تحريما من عيد يتخذ لهوا ولعبا؛ لأن التعبد بما يسخطه الله ويكرهه أعظم من اقتضاء الشهوات بما حرمه؛ ولهذا كان الشرك أعظم إثما من الزنا، ولهذا كان جهاد أهل الكتاب أفضل من جهاد الوثنيين، وكان من قتلوه من المسلمين له أجر شهيدين.

وإذا كان الشارع قد حسم مادة أعياد أهل الأوثان خشية أن يتدنس المسلم بشيء من أمر الكفار، الذين قد يئس الشيطان أن يقيم أمرهم في جزيرة العرب؛ فالخشية من تدنسه بأوضار (1) الكتابيين الباقين أشد، والنهي عنه أوكد، كيف وقد تقدم الخبر الصادق بسلوك طائفة من هذه الأمة سبيلهم؟

الوجه الثالث من السنة (2) أن هذا الحديث وغيره، قد دل على أنه كان للناس في الجاهلية أعياد يجتمعون فيها، ومعلوم أنه (3) بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ محى الله ذلك عنهم، فلم يبق شيء من ذلك.

ومعلوم أنه لولا نهيه ومنعه لما ترك الناس تلك الأعياد؛ لأن المقتضي لها قائم من جهة الطبيعة التي تحب ما يصنع في الأعياد - خصوصا أعياد الباطل - من اللعب واللذات، ومن جهة العادة التي ألفت ما يعود من العيد، فإن العادة طبيعة ثانية، وإذا كان المقتضي قائما قويا، فلولا المانع القوي؛ لما درست تلك الأعياد.

(1) في (ج د) وفي المطبوعة: بأوصاف. والأوضار: هي الأوساخ.

انظر: القاموس المحيط (2 / 160) ، فصل الواو، باب الراء.

(2)

الوجه الأول مضى (ص 486) في عدم إقرار الجاهلية، والثاني (ص495) في تحريم الذبح بمكان عيدهم ومحل أوثانهم.

(3)

في المطبوعة: أنه لما بعث.

ص: 499

وهذا يوجب العلم اليقيني، بأن إمام المتقين صلى الله عليه وسلم كان يمنع أمته منعا قويا عن أعياد (1) الكفار، ويسعى في دروسها (2) وطمسها (3) بكل سبيل، وليس (4) في إقرار أهل الكتاب على دينهم، إبقاء لشيء من أعيادهم في حق أمته، كما أنه ليس في ذلك إبقاء في حق أمته؛ لما هم عليه في سائر أعمالهم (5) من سائر كفرهم ومعاصيهم، بل قد بالغ صلى الله عليه وسلم في أمر أمته بمخالفتهم في كثير من المباحات، وصفات الطاعات؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم، ولتكون المخالفة في ذلك حاجزا ومانعا عن سائر أمورهم، فإنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أصحاب (6) الجحيم، كان أبعد لك عن أعمال أهل الجحيم.

فليس بعد حرصه على أمته ونصحه لهم غاية (7) - بأبي هو وأمي - وكل ذلك من فضل الله عليه وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون (8) .

الوجه الرابع من السنة: ما خرّجاه في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «دخل عليّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين (9) فقال أبو بكر رضي الله عنه: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك يوم عيد، فقال

(1) في (أط) : يمنع منعا قويا أمته من أعياد.

(2)

في (أ) : درسها.

(3)

وطمسها: سقطت من (أ) . وفي (ط) : وطموسها.

(4)

في (ج د) : منم.

(5)

في سائر أعمالهم: سقطت من (ج د) .

(6)

في (ج د ط) وفي المطبوعة: أهل الجحيم.

(7)

في (أط) وفي المطبوعة: أخّر (غاية) بعد (بأبي هو وأمي) .

(8)

في المطبوعة: لا يشكرون.

(9)

في (ج د) : بمغنتين.

ص: 500

رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا بكر: إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا» (1) .

وفي رواية: «يا أبا بكر: إن لكل قوم عيدا، وإن عيدنا هذا اليوم» (2) وفي الصحيحين أيضا أنه قال: «دعهما يا أبا بكر؛ فإنها أيام عيد» ، وتلك الأيام أيام منى (3) .

فالدلالة من وجوه: أحدها: قوله: «إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا» فإن هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم، كما أن الله سبحانه لما قال:{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: 148](4) وقال: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48](5) أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم، وذلك أن اللام تورث الاختصاص، فإذا كان لليهود عيد وللنصارى عيد؛ كانوا مختصين به فلا نشركهم (6) فيه، كما لا نشركهم (7) في قبلتهم وشرعتهم.

وكذلك أيضا، على هذا: لا ندعهم يشركوننا في عيدنا.

(1) انظر: صحيح مسلم، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب، الحديث رقم (892) ، (2 / 607، 608) ؛ وصحيح البخاري، كتاب العيدين، باب سنة العيدين لأهل الإسلام، الحديث رقم (952) ، (2 / 445) .

(2)

صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه المدينة، الحديث رقم (3931) ، (7 / 264) من فتح الباري.

(3)

صحيح البخاري، كتاب العيدين، باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين، الحديث رقم (987) ، (2 / 474) فتح الباري.

(4)

سورة البقرة: من الآية 148.

(5)

سورة المائدة: من الآية 48.

(6)

في (أ) : يشركهم.

(7)

في (أ) : يشركهم.

ص: 501

الثاني (1) قوله: «وهذا عيدنا» ، فإنه يقتضي حصر عيدنا في هذا، فليس لنا عيد سواه، وكذلك قوله:«وإن عيدنا هذا اليوم» فإن التعريف باللام والإضافة يقتضي الاستغراق، فيقتضي أن يكون جنس عيدنا منحصرا في جنس ذلك اليوم، كما في قوله (2)" تحريمها التكبير وتحليلها التسليم "(3) .

وليس غرضه صلى الله عليه وسلم الحصر في عين ذلك العيد، أو عين ذلك اليوم، بل الإشارة إلى جنس المشروع، كما تقول الفقهاء: باب صلاة العيد، وصلاة العيد كذا وكذا، ويندرج فيها صلاة العيدين، وكما يقال: لا يجوز صوم يوم العيد.

وكذا قوله: «وإن هذا اليوم» أي جنس هذا اليوم، كما يقول القائل لما يعاينه (4) من الصلاة: هذه صلاة المسلمين، ويقال لمخرج الناس (5) إلى الصحراء (6) وما يفعلونه من التكبير والصلاة ونحو ذلك (7) هذا عيد المسلمين، ونحو ذلك (8) .

(1) في المطبوعة: الوجه الثاني.

(2)

زاد في المطبوعة: في الصلاة.

(3)

هذا جزء من حديث أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة، الباب (3) ، الحديث (3)، ولفظه:" مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم "، وقال:" هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن "(1 / 8، 9) .

وأبو داود في كتاب الصلاة، الباب (74) ، حديث (618) بلفظ الترمذي؛ وابن ماجه، كتاب الطهارة، الباب (3) ، الحديث رقم (275) و (276) ؛ وأحمد في المسند (1 / 123، 129) ؛ والحاكم وصححه (1 / 132) .

(4)

في المطبوعة: يعانيه. هو تصحيف.

(5)

في المطبوعة: ويقال لمخرج المسلمين.

(6)

في (أ) : الصحرات.

(7)

ما بين الرقمين: سقط من (أط) .

(8)

ما بين الرقمين: سقط من (أط) .

ص: 502

ومن هذا الباب: حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«يوم عرفة ويوم النحر، وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب» . رواه أبو داود (1) والنسائي (2) والترمذي وقال: حديث حسن صحيح (3) .

فإنه دليل مفارقتنا (4) لغيرنا في العيد، والتخصيص بهذه الأيام الخمسة؛ لأنه يجتمع فيها العيدان: المكاني والزماني، ويطول زمنه، وبهذا يسمى العيد الكبير، فلما كملت فيه صفات التعييد: حصر الحكم فيه لكماله، أو لأنه هو عد أياما (5) وليس لنا عيد هو أيام إلا هذه الخمسة.

الوجه الثالث: أنه رخص في لعب الجواري بالدف، وتغنيهن، معللا بأن لكل قوم عيدا، وأن هذا عيدنا، وذلك يقتضي أن الرخصة معللة بكونه عيد المسلمين، وأنها لا تتعدى إلى أعياد الكفار، وأنه لا يرخص (6) في اللعب في أعياد الكفار، كما يرخص (7) فيه في أعياد المسلمين؛ إذ لو كان ما فعل في عيدنا من ذلك (8) اللعب يسوغ (9) مثله في أعياد الكفار أيضا لما قال: «فإن لكل

(1) انظر: سنن أبي داود في كتاب الصوم، باب صيام أيام التشريق، الحديث رقم (2418) ، (2 / 804) .

(2)

انظر: سنن النسائي، كتاب الحج، باب النهي عن صوم يوم عرفة (5 / 252) .

(3)

والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في كراهة الصوم في أيام التشريق، الحديث رقم (773)، (3 / 143) . وكلهم رواه بلفظ:" وأيام التشريق " بدل: " أيام منى ".

(4)

لغيرنا: مكانها في (أ) بياض.

(5)

كذا في جميع النسخ. وفي المطبوعة: عيد الأيام.

(6)

في (أ) : لا يرض.

(7)

في (أ) : لا يرض.

(8)

في (ب) : (من فعل) بدل (من ذلك) .

(9)

يسوغ مثله: مكانها بياض في (أ) .

ص: 503

قوم عيدا، وإن هذا عيدنا» لأن تعقيب الحكم بالوصف بحرف الفاء دليل على أنه علة، فيكون علة الرخصة: أن كل أمة مختصة بعيد، وهذا عيدنا، وهذه العلة مختصة (1) بالمسلمين.

فلو كانت الرخصة معلقة باسم (عيد) لكان الأعم مستقلا بالحكم، فيكون الأخص عدم التأثير، فلما علل بالأخص علم أن الحكم لا يثبت بالوصف الأعم، وهو مسمى: عيد، فلا يجوز لنا أن نفعل في كل عيد للناس من اللعب ما نفعل في عيد المسلمين، وهذا (2) هو المطلوب، وهذا فيه دلالة على النهي عن التشبه بهم في اللعب ونحوه.

الوجه الخامس (3) من السنة: أن أرض العرب ما زال فيها يهود ونصارى، حتى أجلاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته، وكان اليهود بالمدينة كثيرا (4) في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد هادنهم حتى نقضوا العهد طائفة بعد طائفة، وما زال بالمدينة يهود، وإن لم يكونوا كثيرا، فإنه صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي، وكان في اليمن يهود كثير، والنصارى بنجران وغيرها، والفرس بالبحرين.

ومن المعلوم أن هؤلاء كانت لهم أعياد يتخذونها، ومن المعلوم أيضا أن المقتضي لما يفعل في العيد: من الأكل، والشرب، واللباس، والزينة، واللعب، والراحة، ونحو ذلك: قائم في النفوس كلها إذا

(1) في (أ) : مخصة.

(2)

في (أ) : وهذا المطلوب.

(3)

في المطبوعة: الوجه الرابع من السنة، وأظنه وهم من القائم على الطبع (الشيخ محمد حامد الفقي) رحمه الله، فإن المؤلف سبق أن ذكر الوجه الرابع، ولعل الشيخ حامد وهم، فخلط بين أوجه الدلالة من حديث الجاريتين، حيث ذكر المؤلف منها ثلاثة أوجه ثم ذكر الوجه الخامس من السنة، وبين أوجه الاستدلال من السنة؛ لأنهما متداخلان، وربما يكون هذا الخلط من النسخة التي طبعت عنها المطبوعة، والله أعلم.

(4)

كثيرا: سقطت من المطبوعة.

ص: 504

لم يوجد مانع، خصوصا في نفوس الصبيان والنساء، وأكثر الفارغين من الناس.

ثم من كانت له خبرة بالسيرة، علم يقينا أن المسلمين على عهده صلى الله عليه وسلم ما كانوا يشركونهم في شيء من أمرهم، ولا يغيرون لهم عادة في أعياد الكافرين (1) بل ذلك اليوم عند (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر المسلمين يوم من الأيام لا يخصونه بشيء أصلا إلا ما قد اختلف فيه من مخالفتهم فيه، كصومه. على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

فلولا أن المسلمين كان (3) دينهم الذي تلقوه عن نبيهم منع (4) من ذلك وكف (5) عنه، لوجب أن يوجد من بعضهم فعل بعض ذلك؛ لأن المقتضي إلى ذلك قائم، كما تدل عليه الطبيعة والعادة، فلولا المانع الشرعي لوجد مقتضاه، ثم على هذا جرى عمل المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين.

غاية ما كان يوجد من بعض الناس: ذهاب إليهم يوم العيد للتنزه بالنظر إلى عيدهم، ونحو ذلك، فنهى عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة عن ذلك، كما سنذكره، فكيف لو كان بعض الناس يفعل ما يفعلونه، أو ما هو بسبب عيدهم؟ بل لما ظهر من بعض المسلمين اختصاص يوم عيدهم بصوم؛ مخالفة لهم، نهاه الفقهاء، أو كثير منهم، عن ذلك؛ لأجل ما فيه من تعظيم ما لعيدهم، أفلا يستدل بهذا على أن المسلمين تلقوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم المنع عن مشاركتهم في أعيادهم؟ وهذا بعد التأمل بين جدا.

(1) في (ب ج د) : الكفار.

(2)

في (أ) : بل ذلك يوم عيد رسول الله.

(3)

في (ب ج د) : كان من دينهم، وفي المطبوعة: كذلك.

(4)

في المطبوعة: المنع.

(5)

في المطبوعة: والكف.

ص: 505

الوجه السادس (1) من السنة: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع: اليهود غدا والنصارى بعد غد» متفق عليه (2) .

وفي لفظ صحيح: «بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه، فهدانا الله له» (3) .

وعن أبي هريرة، وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان (4) للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضي لهم - وفي رواية بينهم - قبل الخلائق» رواه مسلم (5) .

وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة: (عيدا) في غير موضع، ونهى عن إفراده بالصوم؛ لما فيه من معنى العيد.

(1) في المطبوعة قال: والوجه الخامس، وهو وهم كما أسلفت.

(2)

أخرجه البخاري في مواضع كثيرة. انظر: كتاب الوضوء، باب البول في الماء الدائم، حديث رقم (238) من فتح الباري، (1 / 345) مختصرا؛ ورواه بألفاظ أتم رقم (876) و (896) و (3486) وغيرها. ومسلم في كتاب الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة، حديث رقم (855) ، (2 / 585، 586) .

(3)

هذه الرواية توجد في مسلم لكن بزيادة: " فاختلفوا فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق " تحت الرقم المشار إليه آنفا (2 / 586)، وهذه الزيادة بعد قوله:" وأوتيناه من بعدهم " وقبل: " فهذا يومهم ".

(4)

كان: سقطت من المطبوعة.

(5)

صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة، حديث رقم (856) ، (2 / 586) .

ص: 506

ثم إن في هذا الحديث ذكر أن الجمعة لنا، كما أن السبت لليهود، والأحد للنصارى، واللام تقتضي الاختصاص.

ثم هذا الكلام: يقتضي الاقتسام، إذا قيل: هذه ثلاثة أثواب (1) أو ثلاثة غلمان: هذا لي، وهذا لزيد، وهذا لعمرو (2) أوجب ذلك أن يكون كل واحد مختصا بما جعل له، ولا يشرك فيه غيره، فإذا نحن شاركناهم (3) في عيدهم يوم السبت، أو عيد (4) يوم الأحد؛ خالفنا هذا الحديث، وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي، فكذلك في العيد الحولي، إذ لا فرق، بل إذا كان هذا في عيد يعرف بالحساب العربي، فكيف بأعياد الكافرين العجمية التي لا تعرف إلا بالحساب الرومي القبطي، أو الفارسي أو العبري، ونحو ذلك؟ .

وقوله صلى الله عليه وسلم: «بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه، فهدانا الله» أي: من أجل، كما يروى أنه قال:«أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، واسترضعت في بني سعد بن بكر» (5) .

والمعنى والله أعلم: أي نحن الآخرون في الخلق السابقون في

(1) في (أط) : أبواب.

(2)

في (ج د) : لعمر.

(3)

في (أب د) : شركناهم.

(4)

في (أ) : أو عيدهم يوم الأحد.

(5)

قال في كشف الخفا: أورده أصحاب الغرائب ولا يعلم من أخرجه ولا إسناده.

انظر: كشف الخفا (1 / 232) ، حديث رقم (609) .

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1 / 413) ، رقم (2696)، بلفظ:" أنا أعربكم، أنا من قريش، ولساني لسان بني سعد بن بكر "، وقال السيوطي: حديث صحيح، وذكر أنه عن ابن سعد بن يحيى بن يزيد السعدي مرسلا.

وذكره البغوي في شرح السنة (4 / 202) دون إسناد.

وذكر الألباني أنه موضوع. انظر: ضعيف الجامع الصغير وزيادته 187- 188، رقم 1303.

ص: 507

الحساب والدخول إلى الجنة، كما قد جاء في الصحيح: أن هذه الأمة أول (1) من يدخل الجنة من الأمم (2) وأن محمدا صلى الله عليه وسلم أول من يفتح له باب الجنة (3) وذلك لأنا أوتينا الكتاب من بعدهم، فهدينا لما اختلفوا فيه من العيد السابق للعيدين الآخرين، وصار عملنا (4) الصالح قبل عملهم، فلما سبقناهم إلى الهدى والعمل الصالح جعلنا سابقين لهم في ثواب العمل الصالح.

ومن قال: (بيد)، هنا (5) بمعنى: غير، فقد أبعد.

الوجه السابع (6) من السنة: ما روى كريب (7) مولى ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أرسلني ابن عباس وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة رضي الله عنها، أسألها: أي الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صياما؟ قالت: كان يصوم يوم السبت، ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام، ويقول: " إنهما يوما عيد للمشركين، فأنا أحب أن أخالفهم» .

(1) في (ب) : أولى.

(2)

من ذلك ما ورد في صحيح مسلم في حديث أبي هريرة، الذي سبقت الإشارة إليه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " نحن الآخرون، الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة. . "، حديث تابع رقم (855) ، (2 / 585 - 586) .

(3)

جاء ذلك في حديث أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" أنا أول الناس يشفع في الجنة. . " حديث رقم (197)، (1 / 188) وفيه:" فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك ".

(4)

في (أ) : علمنا.

(5)

في (ج د) : هذا.

(6)

في المطبوعة: الوجه السادس، وهو خطأ كما أسلفت.

(7)

هو: كريب بن أبي مسلم، الهاشمي بالولاء، المدني، من الطبقة الثالثة من التابعين، ثقة، أخرج له الستة، توفي سنة (98 هـ) . انظر: تقريب التهذيب (2 / 134) ، (ت 43) .

ص: 508