الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في ذكر فوائد خطبته صلى الله عليه وعلى آله وسلم العظيمة في يوم عرفة]
فصل (1) روى مسلم في صحيحه، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (2) عن أبيه (3) عن جابر في حديث حجة الوداع، قال: " حتى إذا زالت الشمس - يعني يوم عرفة - أمر بالقصواء (4) فرحلت له (5) فأتى بطن الوادي (6) فخطب الناس وقال: «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم (7)
(1) في المطبوعة زاد الناشر: " في ذكر فوائد خطبته صلى الله عليه وعلى آله وسلم العظيمة في يوم عرفة "، وكان الأولى أن يوضع في الهامش الأسفل أو الجانبي؛ لأنه لا يوجد في النسخ المخطوطة. وكلمة (فصل) سقطت من المطبوعة.
(2)
هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الشهير بجعفر الصادق، من الأئمة الثقات الفقهاء المشاهير، أخرج له البخاري ومسلم وسائر أصحاب السنن، توفي سنة (148 هـ) . انظر: تقريب التهذيب (1 / 132) ، ترجمة (92) ج.
(3)
هو: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو جعفر الباقر، من الأئمة الثقات الفضلاء المشاهير، أخرج له البخاري ومسلم وسائر الأئمة، توفي سنة (110 هـ) . انظر: تقريب التهذيب (2 / 192) ، ترجمة (542) م.
(4)
القصواء: اسم ناقته صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(5)
له: سقطت من (ط) . ورحلت له: أي شد على ظهرها الرحل ليركبها.
انظر: مختار الصحاح، مادة (ر ح ل) ، (ص 237) .
(6)
وادي عرنة.
(7)
أي: يوم عرفة.
هذا، في شهركم هذا (1) في بلدكم هذا (2) ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي (3) موضوع (4) ودماء الجاهلية موضوعة (5) وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث - كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل-، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من (6) ربانا ربا العباس بن عبد المطلب (7) فإنه موضوع كله. فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله؛ ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح؛ ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني (8) فماذا أنتم قائلون؟ ". قالوا: نحن نشهد أنك قد بلغت، وأديت ونصحت. فقال - بإصبعه السبابة (9) يرفعها إلى السماء وينكبها (10) إلى الناس-:" اللهم اشهد (11) - ثلاث مرات - "، ثم أذن،
(1) أي: شهر ذي الحجة.
(2)
أي: البلد الحرام (مكة) .
(3)
في (ب) قال: قدمي هذا. وهو خلاف ما في مسلم والنسخ الأخرى.
(4)
أي: باطل ومرفوض.
(5)
أي: باطلة وهدر، لا قود لها بعد الإسلام؛ لأنها إنما قامت على الظلم والحمية والعصبية الجاهلية.
(6)
من ربانا: سقطت من (ج د) . وهي في مسلم موجودة. وفي (أط) : " من " ساقطة.
(7)
هو: عم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. مرت ترجمته. انظر: فهرس الأعلام.
(8)
عني: ساقطة من (ك أ) .
(9)
السبابة هي التي تلي الإبهام، فأصابع اليد بالترتيب هي:
1-
الإبهام، 2- السبابة، 3- الوسطى، 4- الخنصر، 5- البنصر.
(10)
في المطبوعة: (وينكتها) . وكلا اللفظين وارد.
انظر: هامش صحيح مسلم (2 / 890) تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
(11)
في (أط) : اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات.
فأقام (1) فصلى الظهر؛ ثم أقام، فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئا، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف» وذكر تمام الحديث (2) .
فقال (3) صلى الله عليه وسلم: «كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع» (4) . وهذا يدخل فيه ما كانوا عليه من العادات والعبادات، مثل دعواهم: يا لفلان (5) ويا لفلان، ومثل أعيادهم، وغير ذلك من أمورهم.
ثم خص - بعد ذلك - الدماء والأموال التي كانت تستباح باعتقادات جاهلية، من الربا الذي كان في ذمم أقوام، ومن قتيل قتل في الجاهلية قبل إسلام القاتل وعهده، أو قبل إسلام المقتول وعهده: إما لتخصيصها بالذكر بعد العام، وإما لأن (6) هذا إسقاط لأمور معينة، يعتقد (7) أنها حقوق، لا لسنن عامة لهم، فلا تدخل في الأول، كما لم تدخل الديون التي ثبتت ببيع صحيح، أو قرض، ونحو ذلك.
ولا يدخل في هذا اللفظ: ما كانوا عليه في الجاهلية، وأقره الله في الإسلام، كالمناسك، وكدية المقتول بمائة (8) وكالقسامة، ونحو ذلك؛ لأن أمر الجاهلية معناه المفهوم منه: ما كانوا عليه مما لم يقره الإسلام، فيدخل في
(1) في (أط) : ثم أقام.
(2)
صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حديث رقم (1218) ، (2 / 886) وما بعدها.
(3)
في المطبوعة: يقول.
(4)
من الحديث السابق.
(5)
في (أ) : يال فلان. وفي (ط) : يا فلان ويا فلان.
(6)
في (ط) : وأما أن.
(7)
في المطبوعة: يعتقدون.
(8)
في المطبوعة: من الإبل.
ذلك: ما كانوا عليه وإن لم (1) ينه في الإسلام عنه بعينه.
وأيضا ما روى أبو داود والنسائي وابن ماجه، من حديث عياش (2) بن عباس (3) عن أبي الحصين (4) - يعني الهيثم بن شفي (5) - قال: " خرجت أنا وصاحب لي يُكنى أبا عامر - رجل من المعافر (6) - لنصلي (7) بإيلياء (8) وكان قاصهم رجل (9) من الأزد يقال له: أبو ريحانة (10) من الصحابة. قال أبو الحصين: فسبقني صاحبي إلى المسجد، ثم ردفته فجلست إلى جنبه، فسألني: هل أدركت قصص أبي ريحانة؟ قلت: لا. قال: سمعته يقول: نهى
(1) في (د) : ولم ينه عنه.
(2)
في (أ) : من حديث عباس عن أبي الحصين. وفي (ب ط) : من حديث عياش بن عياش. والصحيح ما أثبته.
(3)
هو: عياش بن عباس القتباني المصري، قال ابن حجر:" ثقة " من الطبقة السادسة، روى له مسلم وبقية أصحاب الكتب الستة عدا البخاري، مات سنة (133 هـ)، وسيتكلم المؤلف في توثيقه بعد سرد الحديث. انظر: تقريب التهذيب (2 / 95) ، (ت 849) ع.
(4)
في المطبوعة: المصري.
(5)
هو: الهيثم بن شفي الرعيني، أبو الحصين، الحجري، المصري، ثقة، من الطبقة الثانية. انظر: تقريب التهذيب (2 / 327) ، (ت 177) .
(6)
هو عبد الله بن جابر المعافري الحجري، المصري، مقبول، من الثالثة، أخرج له أبو داود والنسائي. تقريب التهذيب (2 / 444) ، (ت 15) .
(7)
في (أ) : لنصلي ماء بايليا. وهو خلط من الناسخ.
(8)
إيلياء: هي بيت المقدس. انظر: معجم البلدان لياقوت (1 / 293) .
(9)
في (ج د) : رجلا. على أنه خبر كان. ومعنى قاصهم: الذي يتلو عليهم الأخبار والأحاديث والقصص والمواعظ.
(10)
هو: سمعون بن يزيد بن خنافة، الأزدي، صحابي جليل، صحب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وروى عنه أحاديث، وسكن بيت المقدس، وشهد فتح دمشق، وقدم مصر، واشتهر بكنيته: أبو ريحانة. انظر: أسد الغابة (3 / 3) ش م.
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشر: عن الوشر (1) ؛ والوشم (2) ؛ والنتف (3) ؛ وعن مكامعة (4) الرجل الرجل بغير شعار؛ ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار؛ وأن يجعل الرجل بأسفل ثيابه حريرا، مثل الأعاجم؛ أو يجعل على منكبيه حريرا، مثل الأعاجم؛ وعن النهبى (5) ؛ وركوب النمور (6) ؛ ولبوس الخاتم إلا لذي سلطان " (7) . وفي رواية عن أبي ريحانة قال:" بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . "(8) هذا الحديث محفوظ من حديث عياش بن عباس. رواه عنه
(1) الوشر: هو أن تحدد المرأة أسنانها وترققها. انظر: مختار الصحاح، مادة (وش ر) ، (ص 723) .
(2)
الوشم: غرز الجلد بإبرة ونحوها وذر شيء عليها يصبغ الجلد.
انظر: مختار الصحاح، مادة (وش م) ، (ص 723) .
(3)
المقصود بالنتف هنا: نتف المرأة الشعر من وجهها، أو نتف الرجل لحيته أو حاجبه، ونتف الشعر الأبيض، ونتف الشعر عند المصيبة، ونحو ذلك.
انظر: عون المعبود (11 / 97) .
(4)
المكامعة: المضاجعة بين الرجلين أو المرأتين بدون ستر بينهما.
انظر: مختار الصحاح، مادة (ك م ع) ، (ص 579) .
(5)
في (ب) : النهي. وهو خطأ. والنهبى: من النهب وهو الغارة والسلب، كما تطلق على ما ينهب أيضا.
انظر: لسان العرب (1 / 773، 774) ، مادة (نهب) .
(6)
أي: ركوب جلود النمور، قيل: لأنها من زي الأعاجم. انظر: عون المعبود (11 / 98) .
(7)
سنن أبي داود، كتاب اللباس، باب من كرهه (أي الحرير) ، حديث رقم (4049) ، (4 / 325، 326) ؛ وسنن النسائي، في كتاب الزينة، باب النتف، (8 / 143، 144) ؛ ومسند أحمد (4 / 134) .
وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2 / 701) ، الحديث رقم (9494)، وقال:" حديث حسن " ولم أجده في سنن ابن ماجه.
(8)
أخرجه النسائي بلفظ: " بلغنا "، كتاب الزينة، باب تحريم الوشر (8 / 149) .
المفضل (1) بن فضالة، وحيوة بن شريح المصري (2) ويحيى بن أيوب (3) . وكل منهم ثقة، وعياش بن عباس روى له مسلم، وقال يحيى بن معين:" ثقة "(4) . وقال أبو حاتم: " صالح "(5) . وأما أبو الحصين - الهيثم بن شَفِيّ - قال الدارقطني: شَفِيّ بفتح الشين وتخفيف الفاء، وأكثر المحدثين يقولون: شُفَيّ، وهو غلط. وأبو عامر الحجري (6) فشيخان، قد روى عن كل واحد (7) منهما أكثر من واحد. وهما من الشيوخ القدماء.
وهذا الحديث قد أشكل على أكثر الفقهاء، من جهة أن يسير الحرير قد دل على جوازه نصوص متعددة، ويتوجه تحريمه على الأصل، وهو: أن يكون صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما كره أن يجعل الرجل على أسفل ثيابه، أو على منكبيه حريرا، مثل الأعاجم، فيكون المنهي عنه نوعا كان (8) شعارا
(1) هو: المفضل بن فضالة بن عبيد بن ثمامة الرعيني، ثم القتباني، أبو معاوية، المصري القاضي، من أهل الفضل والدين، ثقة في الحديث، توفي سنة (181 هـ)، وكانت ولادته سنة (107 هـ) . انظر: تهذيب التهذيب (10 / 273، 274) ، (ت 491) م.
(2)
هو: حيوة بن شريح بن صفوان التجيبي، أبو زرعة، المصري، قال ابن حجر في التقريب:" ثقة ثبت فقيه زاهد، من السابعة، مات سنة ثمان، وقيل: تسع وخمسين "، يعني: ومائة (158 هـ) . روى له أصحاب الكتب الستة.
انظر: تقريب التهذيب (1 / 208) ، (ت 658) ح.
(3)
هو: يحيى بن أيوب الغافقي، أبو العباس، المصري، قال ابن حجر:" صدوق ربما أخطأ، من السابعة "، توفي سنة (168 هـ) ، روى له أصحاب الكتب الستة.
انظر: التقريب (2 / 343) ، (ت 22) ي.
(4)
انظر: الجرح والتعديل (7 / 6) .
(5)
انظر: الجرح والتعديل (7 / 6) .
(6)
في المطبوعة: الأزدي.
(7)
واحد: سقطت من (أب ط) .
(8)
في (أ) : شعار الأعاجم. وفي (ط) : أو شعارا للأعاجم.
للأعاجم. فنهى عنه (1) لذلك، لا لكونه حريرا؛ فإنه لو كان النهي (2) عنه لكونه حريرا لعم الثوب كله، ولم يخص هذين الموضعين، ولهذا قال فيه:" مثل الأعاجم ".
والأصل في الصفة: أن تكون لتقييد الموصوف، لا لتوضيحه. وعلى هذا يمكن تخريج ما رواه أبو داود بإسناد صحيح عن سعيد بن أبي عروبة (3) عن قتادة، عن الحسن، عن (4) عمران بن حصين، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا أركب الأرجوان (5) ولا ألبس المعصفر، ولا ألبس القميص المكفف بالحرير ". قال (6) فأومأ الحسن إلى جيب قميصه، قال: وقال: " ألا (7) وطيب الرجال ريح لا لون له، ألا وطيب النساء لون لا ريح له» . قال سعيد: " أراه قال: إنما حملوا قوله في طيب النساء: على أنها إذا خرجت،
(1) في (أ) : كذلك.
(2)
في (ب) : المنهي عنه.
(3)
هو: سعيد بن أبي عروبة، مهران اليشكري - مولاهم - البصري، أبو النضر، قال ابن حجر:" ثقة حافظ له تصانيف، لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة "، من الطبقة السابعة، توفي سنة (156 هـ) ، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
انظر: تقريب التهذيب (1 / 302) ، (ت 226) .
(4)
في (أ) : عن الحسن بن عمران. وهو تحريف من الناسخ.
(5)
الأرجوان: يطلق على شجر له ورد، ويطلق على الصبغ الأحمر، وعلى الثوب المصبوغ بالأحمر، وهذا الأخير هو المعني في الحديث. قال الخطابي: في معالم السنن: " وأراه أراد به المياثر الحمر وقد تتخذ من ديباج وحرير، وقد ورد فيه النهي. . ".
معالم السنن للخطابي في هامش سنن أبي داود (4 / 324) .
وانظر: المعجم الوسيط (1 / 13) ، باب الهمزة.
(6)
قال: سقطت من المطبوعة.
(7)
في (أ) : إلا طيب. فأسقط واو العطف.
فأما إذا كانت عند زوجها فلتطيب بما شاءت " (1) . أو يخرج هذا الحديث على الكراهية فقط.
وكذلك قد يقال في الحديث الأول (2) لكن في ذلك نظر.
وأيضا، ففي الصحيحين عن رافع بن خديج (3) قال:«قلت: يا رسول الله! إنا لاقو العدو غدا، وليس معنا مدى (4) أفنذبح بالقصب (5) ؟ فقال: ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه، فكل، ليس السن والظفر، وسأحدثكم عن ذلك، أما السن: فعظم، وأما الظفر: فمدى الحبشة» (6) .
(1) انظر: سنن أبي داود، كتاب اللباس، باب من كرهه (أي: لبس الحرير) ، حديث رقم (4048) ، (4 / 324) . وللحديث شاهد في الترمذي، الحديث رقم (2788) ، كتاب الأدب، باب طيب الرجال والنساء (5 / 107) . وقال الترمذي:" هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ". وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (3 / 246) .
(2)
وهو حديث أبي ريحانة الذي جاء النهي فيه عن أن يجعل الرجل في أسفل ثيابه وعلى منكبيه حريرا مثل الأعاجم، أي أنه يخرج على الكراهة.
(3)
هو الصحابي الجليل: رافع بن خديج بن رافع بن عدي بن يزيد الأنصاري الأوسي، استصغره الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم أحد وأجازه فخرج بها وما بعدها، وكان عريف قومه في المدينة، ومات بها على أثر جراح أصابته يوم أحد، فانتقضت عليه بعد عمر طويل سنة (59 هـ)، وقيل:(73) ، وعمره (86) سنة.
انظر: الإصابة (1 / 495 - 496) ، (ت 2526) د.
(4)
المدى: جمع مدية وهي الشفرة (السكين) . انظر: مختار الصحاح، مادة (م د ى) ، (ص 619) .
(5)
القصب: قال في لسان العرب: " القصب كل نبات ذو أنابيب، واحدتها قصبة، وكل نبات كان ساقه أنابيب وكعوبا فهو قصب ".
انظر: لسان العرب (1 / 674) ، مادة (قصب) .
(6)
انظر: صحيح البخاري، كتاب الشركة، باب قسمة الغنم، حديث رقم (2488) من فتح الباري (5 / 131) ، وأيضا الأرقام (2507) ، (3075) وغيرها. وصحيح مسلم، كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم، إلا السن والظفر وسائر العظام، حديث رقم (1968) ، (3 / 1558) .
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الذبح بالظفر، معللا بأنها (1) مدى الحبشة، كما علل السن: بأنه عظم. وقد اختلف الفقهاء في هذا، فذهب أهل الرأي: إلى أن علة النهي كون الذبح بالسن والظفر يشبه الخنق، أو هو مظنة الخنق، والمنخنقة محرمة، وسوغوا على هذا: الذبح بالسن والظفر المنزوعين؛ لأن التذكية بالآلات المنفصلة المحددة (2) لا خنق فيه. والجمهور منعوا من ذلك مطلقا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى السن والظفر مما أنهر الدم (3) فعلم أنه من المحدد الذي لا يجوز التذكية به، ولو كان لكونه خنقا، لم يستثنه، والمظنة إنما تقام مقام الحقيقة إذا كانت الحكمة خفية أو غير منضبطة، فأما مع ظهورها وانضباطها فلا.
وأيضا، فإنه مخالف لتعليل رسول الله صلى الله عليه وسلم المنصوص في الحديث، ثم اختلف هؤلاء: هل يمنع من التذكية بسائر (4) العظام، عملا بعموم العلة؟ على قولين، في مذهب أحمد وغيره.
وعلى الأقوال الثلاثة (5) فقوله صلى الله عليه وسلم: «وأما الظفر، فمدى الحبشة» بعد
(1) في (ب ج د) : بأنه. و (بأنها) أصح لغة.
(2)
في (ب) والمطبوعة: المحدودة.
(3)
انظر: المغني والشرح الكبير (11 / 43، 45) من المغني.
وانظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد (1 / 548، 549) .
(4)
في (أ) : بساير الطعام. وفي (ط) : كسائر العظام.
(5)
هي بإيجاز: أولا: أن علة النهي بالذبح بالسن والظفر كونه يشبه الخنق، وعلى هذا يجوز الذبح بالسن والظفر المنزوعين.
ثانيا: المنع من الذبح بهما مطلقا؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استثناهما مما أنهر الدم، فهو من المحدد الذي لا يجوز التذكية به.
ثالثا: أن النهي يشمل سائر العظام عملا بعموم الأدلة.
قوله: «سأحدثكم عن ذلك» يقتضي أن هذا الوصف - وهو كونه مدى الحبشة - له تأثير في المنع: إما أن يكون علة، أو دليلا على العلة؛ أو وصفا من أوصاف العلة، أو دليلها (1) والحبشة في أظفارهم طول، فيذكون بها دون سائر الأمم، فيجوز أن يكون نهى (2) عن ذلك؛ لما فيه من مشابهتهم فيما يختصون به.
وأما العظم: فيجوز أن يكون نهيه عن التذكية به (3) كنهيه عن الاستنجاء به؛ لما فيه من تنجيسه على الجن، إذ الدم نجس، وليس الغرض هنا ذكر مسألة الذكاة بخصوصها (4) فإن فيها كلاما ليس هذا موضعه.
وأيضا، في الصحيحين عن الزهري (5) عن سعيد بن المسيب (6) قال:" البحيرة التي يمنح (7) درها للطواغيت، فلا يحلبها أحد من الناس، والسائبة: كانوا يسيبونها لآلهتهم، لا يحمل عليها شيء "، وقال: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت عمرو بن عامر الخزاعي (8) يجر قصبه
(1) أي دليل العلة.
(2)
في المطبوعة: نهيه.
(3)
به: ساقطة من (أ) .
(4)
في (ب) : خصوصها.
(5)
هو الإمام: محمد بن مسلم بن شهاب. مرت ترجمته. انظر: فهرس الأعلام.
(6)
هو الإمام: سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب القرشي المخزومي، من أئمة التابعين وعلمائهم الأثبات، ومن الفقهاء الكبار، قال ابن حجر:" من كبار الثانية، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه ". مات بعد التسعين هجرية وقد ناهز الثمانين.
انظر: تقريب التهذيب (1 / 305، 306) ، (ت 260) س.
(7)
في (ط) : يمنع ردها الطواغيت.
(8)
ذكر عنه المؤلف ما يكفي للتعريف به. وانظر: فتح الباري (6 / 547 - 549) .
في النار، كان أول من سيب السوائب» (1) .
وروى مسلم، من حديث سهيل (2) بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف، أخا (3) بني كعب، وهو يجر قصبه في النار» (4) .
وللبخاري، من حديث أبي صالح (5) عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف، أبو خزاعة» (6) .
هذا من العلم المشهور: أن عمرو بن لحي هو (7) أول من نصب الأنصاب
(1) صحيح البخاري، كتاب المناقب وباب قصة خزاعة، حديث رقم (3521) من فتح الباري (6 / 547) ؛ وصحيح مسلم، كتاب الجنة، باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء، تابع الحديث رقم (2856) ، (4 / 2192) .
انظر: هامش صحيح مسلم (4 / 2191) .
(2)
في (أ) : سهل. والصحيح ما أثبته، وهو: سهيل بن أبي صالح، ذكوان السمان، أبو يزيد، المدني، صدوق، أخرج له الخمسة والبخاري تعليقا ومقرونا. توفي في خلافة المنصور.
انظر: تقريب التهذيب (1 / 338) ، (ت 580) .
(3)
في بعض نسخ مسلم: أبا بني كعب.
(4)
صحيح مسلم، الكتاب والباب السابقان، حديث رقم (2856) ، (4 / 2191- 2192) .
(5)
هو: ذكوان، أبو صالح، السمان الزيات المدني، مولى جويرية بنت الأحمس الغطفاني، من الثقات الأجلاء الصالحين، أخرج له الستة، توفي سنة (101هـ) .
انظر: تهذيب التهذيب (3 / 219 - 220) ، (ت 417) .
(6)
صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب قصة خزاعة، الحديث رقم (3520) من فتح الباري (6 / 547) .
(7)
هو: ساقطة من (أط) .
حول البيت، ويقال: إنه جلبها من البلقاء (1) من (2) أرض الشام، متشبها بأهل البلقاء، وهو أول من سيب السائبة، ووصل الوصيلة، وحمى الحام، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه «يجر قصبه في النار» وهي الأمعاء ومنه سمي القصاب بذلك؛ لأنها تشبه القصب، ومعلوم أن العرب قبله كانوا على ملة أبيهم إبراهيم على شريعة التوحيد، والحنيفية السمحة، دين أبيهم (3) إبراهيم.
فتشبه عمرو بن لحي - وكان عظيم أهل مكة يومئذ؛ لأن خزاعة كانوا ولاة البيت قبل قريش، وكان سائر العرب متشبهين بأهل مكة؛ لأن فيها بيت الله، وإليها الحج، ما زالوا معظمين من زمن إبراهيم عليه السلام، فتشبه عمرو بمن رآه في الشام، واستحسن بعقله ما كانوا عليه، ورأى أن في تحريم ما حرمه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، تعظيما لله ودينا، فكان ما فعله أصل الشرك في العرب، أهل دين إبراهيم، وأصل تحريم الحلال، وإنما فعله متشبها فيه بغيره من أهل الأرض، فلم يزل الأمر يتزايد ويتفاقم حتى غلب على أفضل الأرض الشرك بالله عز وجل، وتغيير دينه (4) إلى أن بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فأحيا ملة إبراهيم عليه السلام وأقام التوحيد، وحلل ما كانوا يحرمونه.
وفي سورة الأنعام، من عند قوله تعالى:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا} [الأنعام: 136] إلى قوله: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ} [الأنعام: 140](5) إلى آخر السورة، خطاب مع هؤلاء الضرب؛ ولهذا
(1) البلقاء: هي البلاد الواقعة بين الشام ووادي القرى شمال جزيرة العرب، وقاعدتها عمّان، فهي تشكل جزءا من الأردن الآن، وكانت قديما من أعمال دمشق.
انظر: معجم البلدان لياقوت (1 / 489) .
(2)
من: ساقطة من (أ) .
(3)
أبيهم: ساقطة من (أب ط) .
(4)
في المطبوعة: وتغير دينه الحنيف، وهو خلاف جميع النسخ.
(5)
سورة الأنعام: من الآيات 136-140.
يقول تعالى في أثنائها: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 148](1) .
ومعلوم أن مبدأ هذا التحريم: ترك الأمور المباحة تدينا، وأصل هذا التدين: هو من التشبه بالكفار، وإن لم يقصد (2) التشبه بهم.
فقد تبين لك: أن من أصل دروس دين الله وشرائعه، وظهور الكفر والمعاصي: التشبه بالكافرين، كما أن من أصل كل خير: المحافظة على سنن الأنبياء وشرائعهم، ولهذا عظم وقع البدع في الدين، وإن لم يكن فيها تشبه بالكفار، فكيف إذا جمعت الوصفين؟
ولهذا جاء في الحديث: «ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع عنهم من السنة مثلها» (3) .
وأيضا، فقد (4) روى أبو داود في سننه، وغيره من حديث هشيم (5) أخبرنا أبو بشر (6) عن أبي عمير بن. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) سورة الأنعام: من الآية 148.
(2)
في المطبوعة: وإن لم يقصد المتدين. وهي زيادة ليست في النسخ المخطوطة.
(3)
أخرج أحمد في مسنده عن غضيف بن الحرث في حديث جاء في آخره. قال: لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " ما أحدث قوم بدعة إلا رفع الله مثلها من السنة. . " الحديث. المسند (4 / 105) وذكره السيوطي في الجامع الصغير، وقال:" حديث حسن ". الجامع الصغير (2 / 480) ، حديث رقم (7790) .
(4)
في (أط) : فروى.
(5)
هو: هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي، أبو معاوية بن أبي خازن، الواسطي، ثقة، حافظ، ثبت، متفق على إمامته، قال ابن حجر:" ثقة، ثبت، كثير التدليس، والإرسال الخفي "، مات سنة (183هـ) وقد قارب الثمانين.
انظر: تقريب التهذيب (2 / 320) ، (ت 103) هـ.
(6)
هو: جعفر بن إياس، أبو بشر بن أبي وحشية، قال عنه ابن حجر:" ثقة، من أثبت الناس في سعيد بن جبير، وضعفه شعبة في حبيب بن سالم وفي مجاهد "، أخرج له الستة، وهو يعد من الطبقة الخامسة، توفي سنة (126هـ) .
انظر: تقريب التهذيب (1 / 129) ، (ت 70) ج.
أنس (1) عن عمومة له من الأنصار، قال: «اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة، كيف يجمع الناس لها؟ فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن (2) بعضهم بعضا، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكروا له القُنْع (3) شبور اليهود، فلم يعجبه ذلك، وقال:" هو من أمر اليهود "، قال: فذكروا (4) له الناقوس، فقال:" هو من فعل (5) النصارى "، فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه (6) وهو مهتم لِهَمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، فأري الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: يا رسول الله! إني لبين نائم ويقظان، إذ أتاني آت، فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يوما قال: ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " له ما منعك أن تخبرنا؟ "، فقال: سبقني عبد الله بن زيد، فاستحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله " قال: " فأذن بلال "، قال: أبو بشر: " فحدثني أبو عمير: أن الأنصار
(1) هو: أبو عمير بن أنس بن مالك الأنصاري، أكبر ولد أنس، وقيل: اسمه عبد الله، قال ابن حجر في التقريب:" ثقة ". انظر: تقريب التهذيب (2 / 456) ، (ت 192) .
(2)
في (أط) : أذن.
(3)
في (ط) : النقع.
(4)
في (أ) : فذكر.
(5)
في (أط) : هو من أمر النصارى.
(6)
هو الصحابي الجليل: عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي الحارثي، شهد العقبة وبدرا وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومات سنة (32هـ) وعمره (64) سنة، وصلى عليه عثمان، رضي الله عنهما.
انظر: الإصابة (2 / 312) ، (ت 4686) ؛ وأسد الغابة (3 / 165 - 167) .
تزعم أن عبد الله بن زيد، لولا أنه كان يومئذ مريضا، لجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا» (1) .
وروى سعيد بن منصور في سننه: حدثنا أبو عوانة (2) عن مغيرة (3) عن عامر الشعبي (4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اهتم (5) بالصلاة اهتماما شديدا، تبين (6) ذلك فيه، وكان فيما اهتم به من أمر الصلاة (7) أن ذكر الناقوس، ثم قال:" هو من أمر (8) النصارى ". ثم أراد أن يبعث رجالا يؤذنون الناس بالصلاة، في الطرق، ثم قال:" أكره أن أشغل رجالا عن صلاتهم بأذان غيرهم "(9) وذكر رؤيا عبد الله بن زيد.
(1) انظر: سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب بدء الأذان، حديث رقم (498) و (1 / 335 - 337) .
(2)
هو: وضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي البزار، أبو عوانة، اشتهر بكنيته، قال ابن حجر:" ثقة، ثبت من السابعة "، روى له أصحاب الكتب الستة، وهو صاحب المسند، توفي سنة (176هـ) . انظر: تقريب التهذيب (2 / 331) ، (ت 33) و.
(3)
هو: المغيرة بن مقسم الضبي، مولاهم، أبو هشام، الكوفي الفقيه، وثقة ابن معين والعجلي والنسائي وابن سعد وغيرهم، وكان يدلس، ذكره ابن حجر عن ابن فضل، توفي سنة (136هـ) . انظر: تهذيب التهذيب (10 / 269، 270) ، (ت 482) .
(4)
هو: عامر بن شراحيل الشعبي، الإمام المشهور، قال ابن حجر:" ثقة مشهور، فقيه فاضل، من الثالثة، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه "، توفي سنة (103هـ) وعمره (80) سنة. انظر: تقريب التهذيب (1 / 387) ، (ت 46) ع.
(5)
في المطبوعة: بأمر الصلاة.
(6)
في المطبوعة: ليتبين.
(7)
أن: سقطت من (ج د) .
(8)
في المطبوعة: فعل.
(9)
لم أجده في القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور.
ويشهد لهذا ما أخرجاه في الصحيحين، عن أبي قلابة (1) عن أنس قال:«لما كثر الناس، ذكروا أن يعلموا (2) وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن ينوروا نارا، ويضربوا ناقوسا، فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة» (3) .
وفي الصحيحين، عن ابن جريج (4) عن نافع عن ابن عمر قال:«كان المسلمون حين قدموا المدينة، يجتمعون فيتحينون الصلاة (5) وليس ينادي بهم أحد، فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: قرنا مثل قرن اليهود، فقال عمر: أَوَلا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بلال قم فناد بالصلاة» (6) .
(1) هو: عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي البصري، أبو قلابة، قال ابن حجر:" ثقة، فاضل، كثير الإرسال " أخرج له الستة، ومات بالشام هاربا من القضاء سنة (104هـ) . انظر: التقريب (1 / 417) ، (ت 319) ؛ وطبقات ابن سعد (7 / 183- 185) .
(2)
في (أط) : يعلموهم.
(3)
صحيح البخاري: كتاب الأذان، باب بدء الأذان، حديث رقم (603) من فتح الباري، (2 / 77) ؛ وصحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب الأمر بشفع الأذان؛ وإيتار الإقامة، حديث رقم (378) ، (1 / 286) .
(4)
هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي، مولاهم، المكي أبو الوليد، أحد الأعلام الفقهاء المشاهير، من الثقات الفضلاء، يرسل ويدلس، روى له أصحاب الكتب الستة وغيرهم، توفي سنة (150هـ) وقد جاوز السبعين. انظر: تقريب التهذيب (1 / 520) ، (ت 1324) ع؛ وخلاصة تذهيب التهذيب (ص 244) .
(5)
في المطبوعة: للصلاة، وفي البخاري كما أثبته من النسخ المخطوطة، وفي مسلم: للصلوات.
(6)
صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب بدء الأذان، حديث رقم (604) من فتح الباري، (2 / 77) ؛ وصحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب بدء الأذان، حديث رقم (377) ، (1 / 285) .
ما يتعلق بهذا الحديث: من شرع (1) الأذان، ورؤيا عبد الله بن زيد وعمر، وأمر عمر أيضا بذلك، وما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان قد سمع الأذان ليلة أسري (2) به. إلى غير ذلك، ليس هذا موضع ذكره، وذكر الجواب عما قد يستشكل منه.
وإنما الغرض هنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كره بوق اليهود المنفوخ بالفم، وناقوس النصارى المضروب باليد، علل هذا بأنه من أمر اليهود، وعلل هذا بأنه من أمر النصارى؛ لأن ذكر الوصف عقيب الحكم، يدل على أنه علة له، وهذا يقتضي نهيه عن كل ما هو من أمر اليهود والنصارى.
هذا مع أن قرن اليهود يقال: إن أصله مأخوذ عن موسى عليه السلام، وأنه كان يضرب بالبوق في عهده، وأما ناقوس النصارى فمبتدع، إذ عامة شرائع النصارى أحدثها أحبارهم ورهبانهم.
وهذا (3) يقتضي كراهة هذا النوع من الأصوات مطلقا في غير الصلاة (4) أيضا؛ لأنه من أمر اليهود والنصارى، فإن النصارى يضربون بالنواقيس في أوقات متعددة غير أوقات عباداتهم.
وإنما شعار الدين الحنيف: الأذان المتضمن للإعلان بذكر الله، الذي به تفتح أبواب السماء، فتهرب (5) الشياطين، وتنزل الرحمة.
وقد ابتلي كثير من هذه الأمة، من الملوك وغيرهم، بهذا الشعار اليهودي والنصراني (6) حتى إنا رأيناهم في هذا الخميس
(1) في المطبوعة: شرح.
(2)
في (ط) : ليلة الإسراء به.
(3)
في المطبوعة: وهو.
(4)
في (أط) : في غير الصلوات.
(5)
في (أط) : وتهرب الشياطين.
(6)
في المطبوعة: شعار اليهود والنصارى.
الحقير (1) الصغير (2) يزفون (3) البخور، ويضربون له بنواقيس صغار، حتى إن من الملوك من كان يضرب بالأبواق، والدبادب (4) في أوقات الصلوات الخمس، وهو (5) نفس ما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من كان يضرب بها طرفي النهار، تشبها منه - زعم (6) - بذي القرنين، ووكل ما دون ذلك إلى ملوك الأطراف.
وهذه المشابهة لليهود والنصارى، وللأعاجم (7) من الروم والفرس، لما غلبت على ملوك المشرق (8) هي وأمثالها، مما خالفوا به هدي المسلمين، ودخلوا فيما كرهه الله ورسوله؛ سُلِّط عليهم الترك الكافرون (9) الموعود
(1) في (أط) : الحقير: ساقطة.
(2)
الخميس الصغير: يوم من أيام النصارى التي يحتفلون بها، وهو الواقع قبل آخر خميس من أيام صومهم، ويحتفلون بهذا الخميس الصغير تقديما للاحتفال بيوم الخميس الكبير وهو آخر صوم النصارى، وهو عيد المائدة.
انظر: التفاصيل عن هذا الخميس في (1 / 531) ، وما بعدها من هذا الكتاب.
(3)
في (أ) : يرقون البخور، وفي المطبوعة: يبخرون البخور، ومعنى يزفون البخور: يحملونه ويقدمونه.
(4)
الدبادب: الطبول ونحوها.
(5)
في (ط) : وهي.
(6)
كذا في جميع النسخ المخطوطة، وفي المطبوعة: كما زعم، وهو أتم للمعنى.
(7)
وللأعاجم: ساقطة من (ط) .
(8)
في (ب ج د) والمطبوعة: ملوك الشرق.
(9)
في المطبوعة: سلط الله عليهم الترك الكافرين.
والمقصود بالترك الكافرين هنا: التتار الذين اجتاحوا بلاد المسلمين في القرن السابع الهجري، وسيشير المؤلف إلى أن التتار هم بادية الترك (1 / 418) ، كما ذكر القلقشندي في كتابه (القلائد في التعريف بقبائل عرب الزمان) أن التتار يدخلون في جنس الترك، (ص 28) ، تحقيق إبراهيم الأنباري.
بقتالهم، حتى فعلوا في العباد والبلاد ما لم يجر في دولة الإسلام مثله، وذلك تصديق قوله صلى الله عليه وسلم:«لتركبن سنن من كان قبلكم» (1) كما تقدم.
وكان المسلمون على عهد نبيهم، وبعده، لا يعرفون وقت الحرب إلا السكينة وذكر (2) الله سبحانه، قال قيس بن عباد:(3) - وهو من كبار التابعين (4) -: " كانوا يستحبون خفض الصوت: عند الذكر، وعند القتال، وعند الجنائز "(5) .
وكذلك سائر الآثار تقتضي أنهم كانت عليهم السكينة، في هذه المواطن، مع امتلاء القلوب بذكر الله، وإجلاله وإكرامه. كما أن حالهم في الصلاة كذلك.
وكان رفع الصوت في هذه المواطن الثلاثة (6) من عادة أهل الكتاب والأعاجم، ثم قد ابتلى بها كثير من هذه الأمة. وليس هذا موضع استقصاء ذلك.
(1) مر الحديث وتخريجه (ص 169) . انظر: فهرس الأحاديث.
(2)
في (ب) : وذكر اسم الله تعالى.
(3)
في المطبوعة: بن عبادة، وهو وهم، فالصحيح بن عباد.
(4)
هو: قيس بن عباد الضبعي، البصري، أبو عبد الله، قال ابن حجر:" ثقة، من الثانية، مخضرم، مات بعد الثمانين، ووهم من عده من الصحابة " روى له البخاري ومسلم وغيرهما، مات بعد الثمانين هجرية.
انظر: تقريب التهذيب (2 / 129) ، (ت 152) ق.
(5)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الجنائز، باب كراهية رفع الصوت في الجنائز (4 / 74) . وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الجنائز، باب في رفع الصوت (4 / 274) . وانظر: مصنف عبد الرزاق (4 / 453) .
(6)
في (أط) : الثلاث.
وأيضا، فعن عمرو بن ميمون الأودي (1) قال:«قال عمر رضي الله عنه: كان أهل الجاهلية، لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبير، كيما نغير، قال: فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأفاض قبل طلوع الشمس» (2) .
وقد روي في هذا الحديث - فيما أظنه - أنه قال: «خالف هدينا هدي المشركين» (3) وكذلك (4) كانوا يفيضون من عرفات قبل الغروب (5) فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإفاضة بعد الغروب، ولهذا: صار الوقوف إلى ما بعد الغروب واجبا عند جماهير العلماء، وركنا
(1) في المطبوعة: الأزدي، والصحيح كما هو مثبت: الأودي.
هو: عمرو بن ميمون الأودي، أبو عبد الله، ويقال: أبو يحيي، ثقة، عابد، مشهور، روى له أصحاب الكتب الستة وغيرهم، مات سنة (74هـ) .
انظر: تقريب التهذيب (2 / 80) ، (ت 689) ع.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب متى يدفع من جمع، حديث رقم (1684) من فتح الباري، (3 / 531) مع اختلاف يسير في ألفاظه، والترمذي في كتاب الحج، باب ما جاء أن الإفاضة قبل طلوع الشمس، حديث رقم (896) ، (3 / 242) . وأحمد في المسند (1 / 39، 42، 50، 54) في مسند عمر بن الخطاب، وألفاظه قريبة من سياق المؤلف هنا.
(3)
أخرج البيهقي في السنن الكبرى عن المسور بن مخرمة، وذكر حديثا عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ذكر أن المشركين يدفعون من عرفة عند غروب الشمس حتى تكون على رؤوس الجبال، ثم قال:" هدينا مخالف هديهم " وذكر أنهم يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس، ثم قال:" هدينا مخالف لهديم " كما ذكره مرسلا أيضا. وقد اختصرت الحديث عن السنن الكبرى للبيهقي (5 / 125) ، باب الدفع من المزدلفة.
(4)
في (ب) : ولذلك.
(5)
في (أب ط) : قبل غروب الشمس.
عند بعضهم، وكرهوا شدة الإسفار (1) صبيحة جمع.
ثم الحديث قد ذكر فيه قصد المخالفة للمشركين.
وأيضا فعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» متفق عليه (2) .
وعن جبير بن نفير (3) عن عبد الله بن عمرو قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: " إن هذه من ثياب الكفار، فلا (4) تلبسها» رواه مسلم (5) .
علل النهي عن لبسها بأنها: من ثياب الكفار، وسواء أراد أنها مما يستحله الكفار بأنهم (6) يستمتعون بخلاقهم في الدنيا، أو مما يعتاده الكفار لذلك.
كما أنه في الحديث قال: (7) إنهم يستمتعون بآنية الذهب والفضة في
(1) في المطبوعة: بالفجر.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الأشربة، باب الشرب في آنية الذهب، وباب آنية الفضة، حديث رقم (5632) ، ورقم (5633) ، (10 / 94 - 96) . ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة. . حديث رقم (2067) ، من طرق كثيرة وألفاظ (3 / 1637- 1638) .
(3)
هو: جبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي الحمصي، من الطبقة الثانية، مخضرم، ولأبيه صحبة، وهو ثقة جليل، روى له مسلم وأصحاب السنن الأربعة، والبخاري في الأدب المفرد، توفى سنة (80هـ) . انظر: تقريب التهذيب (1 / 126) ، (ت 44) .
(4)
في (ج د) : لا تلبسها.
(5)
صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر، حديث رقم (2077) ، (4 / 1647) .
(6)
بأنهم: ساقطة من (ج د) .
(7)
يقصد معنى الحديث، وليس هذا نصه، فقد ساق نصه في الحديث المتفق عليه قبل قليل.
الدنيا، وهي للمؤمنين في الآخرة، ولهذا كان العلماء يجعلون اتخاذ الحرير وأواني الذهب والفضة تشبها بالكفار.
ففي الصحيحين عن أبي عثمان النهدي (1) قال: «كتب إلينا عمر رضي الله عنه ونحن بأذربيجان، مع عتبة بن فرقد: يا عتبة إنه ليس من كد أبيك، ولا من كد أمك، فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك، وإياكم (2) والتنعم، وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبوس الحرير، وقال: " إلا هكذا " - ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأصبعيه (3) الوسطى والسبابة وضمهما» (4) .
وروى أبو بكر الخلال، بإسناد عن محمد بن سيرين، أن حذيفة بن اليمان أتى بيتا، فرأى فيه حارستان (5) فيه أباريق الصفر والرصاص، فلم يدخله، وقال:" من تشبه بقوم فهو منهم "(6) . وفي لفظ آخر: (فرأى شيئا من زي العجم
(1) في (ب) : المهندي. والمطبوعة: الهندي. والصحيح كما هو مثبت، وهو: عبد الرحمن بن مل بن عمرو بن عدي النهدي، أبو عثمان، أسلم وصدق، ولم ير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وثقة ابن المديني وأبو حاتم والنسائي، من العباد الصالحين، توفي سنة (100هـ) وعمره أكثر من (130) سنة، انظر: خلاصة تهذيب الكمال (ص 235) .
(2)
في المطبوعة: وإياك.
(3)
في (أط) : أصبعيه.
(4)
هذا لفظ مسلم وفيه زيادة: " إنه ليس من كدك ". صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب. . إلى قوله: والحرير على الرجال. . تابع الحديث رقم (2069) ، الرقم الخاص بالحديث (12) ، (3 / 1642) ، أخرجه البخاري مختصرا، كتاب اللباس، باب لبس الحرير للرجال، حديث رقم (5830) من فتح الباري، (10 / 284) .
(5)
في (ج د) والمطبوعة: حادثتين.
(6)
يظهر أن هذا جاء في كتاب الجامع للخلال، ولم أجده.
فخرج وقال: من تشبه بقوم فهو منهم) .
وقال علي بن أبي صالح (1) السواق (2)" كنا في وليمة، فجاء أحمد بن حنبل، فلما دخل نظر إلى كرسي في الدار عليه فضة، فخرج فلحقه صاحب الدار، فنفض يده في وجهه وقال: زي المجوس! زي المجوس! "(3) . وقال في رواية صالح (4)(إذا كان في (5) الدعوة مسكر، أو شيء من منكر آنية المجوس: الذهب والفضة، أو ستر الجدران بالثياب، خرج ولم يطعم) .
ولو تتبعنا ما في هذا الباب (6) عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع ما دل عليه كتاب الله لطال (7) .
(1) كذا في جميع النسخ: ابن أبي صالح، والصحيح: ابن أبي صبح.
انظر: طبقات الحنابلة (1 / 234) .
(2)
علي ابن أبي صبح السواق: ذكره ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة وقال: (حكى عن إمامنا أشياء) ، ذكره في الطبقة الأولى (1 / 234) ، ترجمة رقم (326) .
(3)
ذكره ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1 / 234)، وذكر بدل كلمة (عليه فضة) :(عليه صورة) .
(4)
هو: صالح بن الإمام أحمد بن حنبل، أبو الفضل، وأكبر أولاد الإمام أحمد، ولي قضاء، أصبهان وطرسوس، من الفضلاء الصالحين الثقات، اشتهر بالكرم والسخاء، مات بأصبهان سنة (266هـ) ، وكانت ولادته سنة (203هـ) .
انظر: طبقات الحنابلة (1 / 173- 176) ، (ت 232) .
(5)
في (ب) : في الوليمة الدعوة.
(6)
يعني ما ورد في السنة من النهي عن التشبه بالكفار والأعاجم ونحوهم.
(7)
في المطبوعة زاد: بنا القول.