المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ذم بعض خصال الجاهلية] - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[تقديم بقلم معالي الدكتور الوزير عبد الله بن عبد المحسن التركي]

- ‌[مقدمة]

- ‌[القسم الأول: الدراسة]

- ‌[ترجمة موجزة للمؤلف]

- ‌[وصف النسخ المخطوطة للكتاب]

- ‌[الكتاب المحقق اسمه وتاريخ تأليفه]

- ‌[منهج تحقيق الكتاب والتعليق عليه]

- ‌[دراسة تحليلية لبعض موضوعات الكتاب]

- ‌[أولا الموضوع الرئيس للكتاب]

- ‌[ثانيا دراسة لبعض موضوعات الكتاب]

- ‌[الموضوع الأول تنبيه المؤلف على أصلين مهمين]

- ‌[الموضوع الثاني بعض أنواع البدع والشركيات التي ابتُليت بها الأمة]

- ‌[الموضوع الثالث أثر التشبُّه على الأمة]

- ‌[الموضوع الرابع قواعد أساسية في التشبه]

- ‌[الموضوع الخامس فئات من الناس نهينا عن التشبه بها]

- ‌[الموضوع السادس النهي يعم كل ما هو من سمات الكفار قديمًا وحديثًا]

- ‌[الموضوع السابع متى يباح التشبه بغير المسلمين]

- ‌[الموضوع الثامن في الأعياد والاحتفالات البدعية]

- ‌[الموضوع التاسع في الرطانة]

- ‌[الموضوع العاشر حول مفهوم البدعة]

- ‌[الموضوع الحادي عشر حول بدع القبور والمزارات والمشاهد والآثار ونحوها]

- ‌[القسم الثاني: الكتاب محققا مع التعليق عليه]

- ‌[خطبة الحاجة من كتاب المحقق]

- ‌[سبب تأليف الكتاب]

- ‌[فصل في حال الناس قبل الإسلام]

- ‌[بعض أمور أهل الكتاب والأعاجم التي ابتلي بها بعض المسلمين]

- ‌[الأمر بمخالفة المغضوب عليهم والضالين في الهدي الظاهر]

- ‌[فصل في ذكر الأدلة على الأمر بمخالفة الكفار عموما وفي أعيادهم خصوصا]

- ‌[بيان المصلحة في مخالفة الكفار والتضرر والمفسدة من متابعتهم]

- ‌[الاستدلال من القرآن على النهي عن اتباع الكافرين]

- ‌[الاستدلال من السنة على النهي عن اتباع الكافرين]

- ‌[الاختلاف الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[أنواع الاختلاف]

- ‌[عود إلى الاستدلال من القرآن على النهي عن مشابهة الكفار]

- ‌[النهي عن موالاة الكفار ومودتهم]

- ‌[وجوه الأمر بمخالفة الكفار]

- ‌[ذم بعض خصال الجاهلية]

- ‌[الفساد وأنواعه]

- ‌[التشبه مفهومه ومقتضاه]

- ‌[التشديد على النفس أنواعه وآثاره]

- ‌[فصل في ذكر فوائد خطبته صلى الله عليه وعلى آله وسلم العظيمة في يوم عرفة]

- ‌[فصل في الإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم]

- ‌[الوجه الأول من دلائل الإجماع]

- ‌[الوجه الثاني من دلائل الإجماع]

- ‌[الوجه الثالث في تقرير الإجماع]

- ‌[فصل في الأمر بمخالفة الشياطين]

- ‌[فصل في الفرق بين التشبه بالكفار والشياطين وبين التشبه بالأعراب والأعاجم]

- ‌[الناس ينقسمون إلى بر وفاجر ومؤمن وكافر ولا عبرة بالنسب]

- ‌[التفاضل بين جنس العرب وجنس العجم]

- ‌[النهي عن بغض العرب]

- ‌[أسباب تفضيل العرب]

- ‌[فصل في أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه]

- ‌[فصل في أقسام أعمال الكفار]

- ‌[فصل في الأعياد]

- ‌[طرق عدم جواز موافقتهم في أعيادهم]

- ‌[الطريق الأول أنه موافقة لأهل الكتاب فيما ليس في ديننا]

- ‌[الطريق الثاني الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار]

- ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالكتاب]

- ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالسنة]

- ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالإجماع والآثار]

- ‌[النهي عن موافقتهم في أعيادهم بالاعتبار]

- ‌[فصل في مشابهتهم فيما ليس من شرعنا]

الفصل: ‌[ذم بعض خصال الجاهلية]

الكتاب.» (1) وهو مروي من طرق (2) فيها لين لكن يصدق (3) بعضها بعضا (4) .

وفيه التنبيه على مخالفتنا لأهل الكتاب حتى في وضع الميت في أسفل القبر.

[ذم بعض خصال الجاهلية]

وأيضا عن عبد الله بن مسعود (5) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» متفق عليه (6) ودعوى الجاهلية ندب الميت، وتكون دعوى الجاهلية في العصبية.

(1) مسند أحمد (4 / 362، 363) في مسند جرير بن عبد الله، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2 / 474) ، الحديث رقم (7748)، وقال: حديث صحيح.

(2)

في (أط) : من طريق.

(3)

في المطبوعة: يعضد.

(4)

هذا بالنسبة للحديث بهذا اللفظ، أما أحاديث استحباب اللحد فهي صحيحة، فقد روى مسلم في صحيحه أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال في مرضه الذي مات فيه:"ألحدوا لي لحدا، وانصبوا علي اللبن نصبا، كما صنع برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم".

انظر: صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب: اللحد ونصب اللبن على الميت، حديث رقم (966) ، (2 / 665) .

(5)

في (ب) : عن ابن مسعود.

(6)

انظر: صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ليس منا من شق الجيوب، حديث رقم (1294) ، (3 / 163) من فتح الباري. وأطرافه في فتح الباري رقم (1297، 1298، 3519) في لفظ الأول منها: "لطم الخدود".

وانظر: صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود، حديث رقم (103) ، 1 / 99.

ص: 233

ومنه قوله فيما رواه أحمد عن أبي بن كعب (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تعزى بعزاء (2) الجاهلية، فأعضوه (3) بهن (4) أبيه، ولا تكنوا» (5) .

وأيضا عن أبي مالك الأشعري (6) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن (7) الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة وقال: النائحة إذا لم تتب قبل

(1) هو الصحابي الجليل: أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية، الأنصاري النجاري، كان من أصحاب العقبة الثانية، وشهد بدرا وأحدا وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، سيد القراء، ومن أصحاب الفتيا في الصحابة، وقال له الرسول:"ليهنك العلم أبا المنذر"، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم:"إن الله أمرني أن أقرأ عليك"، وكان عمر يسميه: سيد المسلمين، توفي رضي الله عنه في خلافة عثمان سنة (23 هـ) .

انظر: الإصابة (1 / 19، 20) ، (ت 32) .

(2)

قال البغوي في شرح السنة: "قوله: من تعزى بعزاء الجاهلية: أي انتسب وانتمى، كقولهم: يا لفلان، ويا لبني فلان، يقال: عزوت الرجل وعزيته: إذا نسبته، وكذلك كل شيء تنسبه إلى شيء".

شرح السنة للبغوي (13 / 121) ، شرح الحديث رقم (3541) .

(3)

فأعضوه بهن أبيه: الهن: الذكر. أي قولوا له: اعضض ذكر أبيك. ولا تكنوا. أي: صرحوا بلفظ الذكر بدون كناية، وهذا دليل على شناعة التعزي بعزاء الجاهلية.

انظر: شرح السنة للبغوي (13 / 121) .

(4)

في (أط) : فأعضوه هن.

(5)

مسند أحمد (5 / 136) ورواه أيضا عبد الله بن الإمام أحمد بسند آخر عن أبي بن كعب. انظر: المسند (5 / 133) وإسناد الحديث صحيح.

(6)

أبو مالك هذا اختلف فيه اختلافا كثيرا، والأرجح أنه: الحارث بن الحارث الأشعري، له صحبة. انظر: تهذيب التهذيب (12 / 218، 219) ، (ت 1002) ؛ والإصابة (1 / 275) ، (ت 1384) .

(7)

في (ب) : لا يتركوهن.

ص: 234

موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب» (1) رواه مسلم.

ذم في (2) الحديث من دعا (3) بدعوى الجاهلية، وأخبر أن بعض أمر الجاهلية لا يتركه الناس كلهم ذما لمن لم يتركه، وهذا كله يقتضي أن ما كان من أمر الجاهلية وفعلهم فهو مذموم في دين الإسلام، وإلا لم يكن في إضافة هذه المنكرات إلى الجاهلية ذم لها، ومعلوم أن إضافتها إلى الجاهلية خرج مخرج الذم (4) وهذا كقوله سبحانه وتعالى:{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33](5) فإن في (6) ذلك ذما للتبرج وذما لحال الجاهلية الأولى، وذلك يقتضي المنع من مشابهتهم في الجملة.

ومنه قوله لأبي ذر (7) رضي الله عنه لما عير رجلا بأمه: «إنك امرؤ

(1) انظر: صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة، حديث رقم (935) ، (2 / 644) .

(2)

في المطبوعة: في هذا الحديث.

(3)

في (أج د ط) : ادعى.

(4)

ومن المؤلم أنه بدأت في بعض العرب اليوم - من القوميين والبعثيين وغيرهم - شعارات وكتابات تتبنى إحياء منكرات الجاهلية وأوثانها وتقاليدها وأعرافها وأسواقها وشتى آثارها الحسية والمعنوية، بدعوى إحياء التراث والوطنية، وهذا ضلال مبين، كما سيبين المؤلف.

(5)

سورة الأحزاب: من الآية 33.

(6)

في المطبوعة: فإن ذلك ذم للتبرج، وذم لحال الجاهلية الأولى.

(7)

هو الصحابي الجليل: جندب بن جنادة بن سكن الغفاري أبو ذر، كان من السابقين إلى الإسلام، ولما أسلم بمكة أعلن إسلامه، وكان المسلمون يستخفون آنذاك، ورفع صوته أمام قريش بالشهادتين فضربوه،، ثم رجع إلى قومه،، ثم هاجر إلى المدينة بعد بدر وأحد، وكان صادق اللهجة، وذكروا أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصفه بذلك، كما قال فيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أيضا:"يرحم الله أبا ذر، يعيش وحده ويموت وحده، ويبعث وحده"، فلما حصل منه بعض الخلاف مع عثمان رضي الله عنه، وخاف عثمان افتراق الناس وفتنتهم فسيره إلى الربذة، فمات بها رضي الله عنه سنة (23) ، وصلى عليه ابن مسعود.

انظر: الإصابة (4 / 62 - 64) ، ترجمة رقم (384) الكنى.

ص: 235

فيك جاهلية» (1) . فإنه ذم لذلك الخلق ولأخلاق الجاهلية التي لم يجئ بها الإسلام.

ومنه قوله تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 26](2) فإن إضافة الحمية إلى الجاهلية اقتضى (3) ذمها فما كان من (4) أخلاقهم وأفعالهم، فهو كذلك.

ومن هذا ما رواه البخاري في صحيحه، عن عبيد الله (5) بن أبي يزيد (6)

(1) الحديث جاء في الصحيحين وغيرهما: انظر: صحيح البخاري: كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية، فتح الباري، حديث رقم (30) ، (1 / 84) وحديث رقم (6050) ؛ وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب إطعام المملوك مما يأكل، حديث رقم (1661) ، (3 / 1282، 1283) من ثلاث طرق؛ ومسنده أحمد (5 / 161) .

(2)

سورة الفتح: الآية 26.

(3)

في المطبوعة: يقتضي، والمعنى متقارب.

(4)

في المطبوعة سقطت: من.

(5)

في المطبوعة: عبد الله، والصحيح: عبيد الله انظر: إسناده في فتح الباري (7 / 156) .

(6)

هو: عبيد الله بن أبي يزيد المكي، مولى آل قارظ بن شيبة، وثقة النسائي والعجلي وابن معين وأبو زرعة، وغيرهم، وقال ابن سعد:" ثقة كثير الحديث" وعده ابن سعد في الطبقة الثالثة من المكيين، ومات سنة (126 هـ) وعمره (86) سنة. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5 / 481 ـ 482) ؛ وتهذيب التهذيب (7 / 56، 57) ، ترجمة رقم (109) .

ص: 236

أنه سمع ابن عباس قال: ثلاث (1) خلال من خلال الجاهلية الطعن في الأنساب والنياحة، ونسيت الثالثة قال سفيان (2) ويقولون: إنها الاستسقاء (3) بالأنواء" (4) .

وروى مسلم في صحيحه، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت» (5) فقوله: هما بهم كفر (6) . أي هاتان الخصلتان هما كفر قائم بالناس فنفس الخصلتين كفر حيث (7) كانتا من أعمال الكفار (8) وهما قائمتان بالناس لكن ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر يصير (9) كافرا الكفر المطلق حتى تقوم به حقيقة الكفر كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير مؤمنا (10) حتى يقوم به أصل الإيمان (11) وفرق بين الكفر المعرف باللام كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس بين العبد وبين الكفر - أو الشرك - إلا ترك الصلاة» (12) وبين كفر منكر في الإثبات.

(1) ثلاث: ساقطة من (أ) .

(2)

هو: سفيان بن عيينة: مرت ترجمته، انظر فهرس الأعلام.

(3)

في (ط) : ويقولون إنها الأنواء.

(4)

رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب القسامة، في الجاهلية، فتح الباري، حديث رقم (3850) ، (7 / 156) .

(5)

انظر صحيح مسلم كتاب الإيمان باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة حديث رقم (67)(1 / 82) .

(6)

كفر: أثبتها من (ب) وهي ساقطة من بقية النسخ.

(7)

حيث " ساقطة من (أ) .

(8)

في المطبوعة: من أعمال الكفر.

(9)

في المطبوعة: يصير بها كافرا.

(10)

في المطبوعة: يصير بها مؤمنا.

(11)

في المطبوعة: وحقيقته.

(12)

الحديث رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة (1 / 88) حديث، رقم (82) من طريقين: بلفظ: إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) والرواية الأخرى بنفس اللفظ إلا أنه قال: " بين الرجل. " إلخ الحديث، وأبو داود في كتاب السنة، باب في رد الإرجاء، حديث رقم (4678) ، (5 / 58، 59)، بلفظ:" بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة " والترمذي كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة، حديث رقم (2618، 2619، 2620) بألفاظ توافق ما في مسلم وأبي داود، وقال الترمذي (حديث حسن صحيح) ، (5 / 13) .

ص: 237

وفرق أيضا بين معنى الاسم المطلق إذا قيل: كافر أو مؤمن. وبين المعنى المطلق للاسم في جميع موارده كما في قوله: لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض (1) .

فقوله: (2)«يضرب بعضكم رقاب (3) بعض» تفسير الكفار في هذا الموضع، وهؤلاء يسمون كفارا تسمية مقيدة، ولا يدخلون في الاسم المطلق إذا قيل: كافر ومؤمن. (4) كما أن قوله تعالى: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6](5) سمى المني ماء تسمية مقيدة ولم يدخل في الاسم المطلق حيث قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6](6) .

(1) الحديث في الصحيحين وغيرهما: ورواه البخاري في كتاب العلم، باب الإنصات للعلماء، حديث رقم (121) من فتح الباري، (1 / 217) كما أخرجه في مواضع أخرى رقم (4405) ، (6869) ، (7080) .

ورواه مسلم في كتاب الإيمان، باب معنى قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، " لا ترجعوا بعدي كفار يضرب بعضكم رقاب بعض" حديث رقم (65، 66) ، (1 / 81 ـ 82) .

(2)

فقوله: ساقطة من (ط) .

(3)

في المطبوعة: بعضكم بعضا.

(4)

في المطبوعة: أو مؤمن.

(5)

سورة الطارق: من الآية 6.

(6)

سورة المائدة: من الآية 6.

ص: 238

ومن هذا الباب ما أخرجاه في الصحيحين عن عمرو بن دينار (1) عن جابر بن عبد الله قال: «غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثاب (2) معه ناس من المهاجرين حتى كثروا، وكان من المهاجرين رجل لعاب (3) فكسع (4) أنصاريا، فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتى تداعوا وقال الأنصاري: يا للأنصار. وقال المهاجري: يا للمهاجرين. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى الجاهلية، ثم قال: ما شأنهم؟ فأخبر (5) بكسعة المهاجري للأنصاري قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها خبيثة (6) وقال عبد الله (7) بن أبي

(1) وهو: عمرو بن دينار الجمحي ـ مولاهم ـ أبو محمد، الأثرم، من علماء التابعين، وحفاظهم وفقهائهم، وثقه الأئمة، وقال ابن سعد في طبقاته، وكان عمرو ثقة ثبتا كثير الحديث " وكان مفتي أهل مكة في زمانه، توفى سنة (126 هـ) .

انظر: تهذيب التهذيب (8 / 28، 29، 30) ؛ والطبقات الكبرى لابن سعد (5 / 480) .

(2)

ثاب: أي اجتمع وجاء. انظر: مختار الصحاح، مادة (ث وب) ، (ص 89) .

(3)

لعاب: كثير اللعب.

(4)

كسع: أي ضرب دبره بيده، أو بصدر قدمه: انظر: القاموس المحيط، باب العين، فصل الكاف، (3 / 81) .

(5)

في المطبوعة: فأخبروه، وفي البخاري كما أثبته.

(6)

في المطبوعة: منتنة، وهي في البخاري بلفظ " خبيثة " وفي مسلم بلفظ:"منتنة ".

(7)

هو: رأس المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد الخزرجي، أبو الحباب، المشهور بابن سلول، وسلول جدته لأبيه، كان سيد الخزرج قبيل الإسلام، فكانوا يزمعون تتويجه بالملك، وبعد بدر أظهر الإسلام، وأخذ يعمل المكائد بالمسلمين، من التخذيل عن الجهاد، والإرجاف والاستهزاء، والشماتة عند المصائب، ونشر الأكاذيب والبهتان، مات في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما صلى عليه نهاه الله عن ذلك بقوله تعالى: / 30 ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره، إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون / 30 سورة التوبة: الآية 84 انظر: الأعلام للزركلي (4 / 65) .

ص: 239

ابن (1) سلول: أوقد (2) تداعوا علينا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال (3) عمر: ألا تقتل (4) يا نبي (5) الله هذا الخبيث - لعبد الله - (6) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتحدث الناس أنه كان (7) يقتل أصحابه» (8) .

ورواه مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر (9) قال: «اقتتل غلامان غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار فنادى المهاجر (10) يا للمهاجرين ونادى الأنصاري: يا للأنصار فخرج رسول (11) الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ أدعوى الجاهلية؟ قالوا: لا يا رسول الله، إلا أن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر فقال: لا بأس ولينصر (12) الرجل أخاه ظالما أو مظلوما، إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصر وإن كان مظلوما

(1) في (أب) : ابن أبي سلول، وهو خطأ، ولعله من الناسخ.

(2)

في (أ) : أو قد.

(3)

في المطبوعة: فقال.

(4)

في (أ) والمطبوعة: نقتل.

(5)

في (ج د) والمطبوعة: يا رسول الله.

(6)

في (ب) : يعني عبد الله.

(7)

في المطبوعة: أنه يقتل.

(8)

صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب ما ينهى من دعوى الجاهلية. انظر: فتح الباري، حديث رقم (3518) ، (6 / 546) .

(9)

في المطبوعة: رضي الله عنه.

(10)

في (ب ج د ط) والمطبوعة: المهاجري، وما أثبته من (أ) أصح كما في مسلم.

(11)

في (أب ط) : النبي.

(12)

في المطبوعة: لينصر.

ص: 240

فلينصره» (1) فهذان الاسمان (2) المهاجرون والأنصار اسمان شرعيان جاء بهما الكتاب والسنة وسماهما الله بهما كما سمانا المسلمين (3) من قبل وفي هذا، وانتساب الرجل إلى المهاجرين (4) أو الأنصار انتساب حسن محمود عند الله وعند رسوله، ليس من المباح الذي يقصد به التعريف فقط، كالانتساب إلى القبائل والأمصار، ولا من المكروه أو المحرم، كالانتساب إلى ما يفضي (5) إلى بدعة أو معصية أخرى.

ثم مع هذا لما دعا كل (6) منهما طائفة منتصرا بها أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وسماها دعوى الجاهلية حتى قيل له: إن الداعي بها إنما هما غلامان لم يصدر ذلك من الجماعة فأمر بمنع الظالم، وإعانة المظلوم ليبين النبي (7) صلى الله عليه وسلم أن المحذور (8) إنما هو تعصب الرجل لطائفته مطلقا فعل أهل (9) الجاهلية، فأما نصرها بالحق من غير عدوان فحسن واجب أو مستحب.

ومثل هذا ما روى أبو داود وابن ماجه عن واثلة بن

(1) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما، حديث رقم (2584) ، (4 / 1998) .

(2)

في (ط) : اسمان.

(3)

في (ب) : مسلمين.

(4)

في (أب) والمطبوعة: والأنصار.

(5)

في (أب) : يقتضي بدعة.

(6)

في المطبوعة: كل واحد منهما.

(7)

في (أج د ط) : ليبين صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(8)

في المطبوعة: أن المحذور من ذلك.

(9)

في (ب) : فعل الجاهلية.

ص: 241

الأسقع (1) رضي الله عنه قال: قلت: «يا رسول الله ما العصبية قال: أن تعين قومك على الظلم» (2) .

وعن سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي (3) قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) هو الصحابي الجليل: واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر، من بني ليث بن عبد مناة، أسلم قبل غزوة تبوك، وشهدها، وكان ينزل ناحية المدينة قبل إسلامه، فلما أسلم كان من أهل الصفة، وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذهب إلى الشام، وكان يشهد المغازي، فشهد فتح دمشق وحمص وغيرهما، وتوفي بدمشق سنة (85 هـ) وعمره (105) سنين.

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7 / 407، 408) .

وانظر: الإصابة (3 / 626) ، ترجمة رقم (9087) .

(2)

سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في العصبية، حديث رقم (5119) ، (5 / 341) ، ورواه ابن ماجه من حديث فسيلة عن أبيها، وقد ذكر ابن حجر وغيره أن فسيلة بنت واثلة بن الأسقع، ونصه عن فسيلة:"سمعت أبي يقول: سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقلت: يا رسول الله، أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال: "لا، ولكن من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم".

انظر: سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب العصبية، حديث رقم (3949) ، (2 / 1302) ، وفي نسب فسيلة بنت واثلة، انظر: الإصابة (3 / 626) ، في ترجمة واثلة بن الأسقع، رقم (9087)، وقد سماها: نسيلة. وقال ابن حجر في التقريب: "مقبولة من الرابعة"(2 / 593) ، وسماها جميلة.

(3)

هو الصحابي الجليل: سراقة بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو بن تيم بن مدلج، الكناني، المدلجي، من بني مدلج، كان قبل إسلامه ممن طلب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبا بكر أثناء الهجرة ليسلمه لقريش، فساخت رجل فرسه، فعلم أنها معجزة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعمّى الخبر عنه وعن صاحبه أبي بكر وأعطاه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتابا فأسلم بعد حنين، وكان قال له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم:"كيف بك إذا لبست سواري كسرى ومنطقته وتاجه؟ " فلما فتحت فارس جاء عمر بها فألبسه إياها تحقيقا لوعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعجزته، وقال عمر: الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة بن مالك أعرابيا من بني مدلج، وكان سراقة رضي الله عنه شاعرا، توفي سنة (24 هـ) .

انظر: أسد الغابة (2 / 264، 265، 266) .

ص: 242

فقال: «خيركم المدافع عن عشيرته ما لم يأثم» رواه أبو داود (1) .

وروى (2) أيضا عن جبير بن (3) مطعم (4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية» (5) .

وروى (6) أيضا عن ابن مسعود (7) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نصر قومه

(1) انظر: سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في العصبية، حديث رقم (5120) ، (5 / 341) ، وفي الحديث أيوب بن سويد، قال أبو داود:"أيوب بن سويد ضعيف". سنن أبي داود (5 / 341)، وأيوب بن سويد هو: الرملي السيباني أبو مسعود، ضعفه أحمد وابن معين والبخاري، وأبو حاتم والنسائي، وسائر أئمة الحديث، توفي سنة (202 هـ) . انظر: تهذيب التهذيب (1 / 405، 406) ، وترجمته (745) .

(2)

في المطبوعة: أبو داود.

(3)

في (ج) : معظم، وهو خطأ.

(4)

هو الصحابي الجليل: جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل، القرشي، كان من حلماء قريش وساداتها، وكان نسابة، يؤخذ عنه النسب لقريش ولعامة العرب، وكان أبوه المطعم قد أجار الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قدم من الطائف حين ردته ثقيف لما دعاهم إلى الإسلام، كما أن المطعم أحد الذين قاموا في نقض الصحيفة الجائرة لمقاطعة المسلمين وبني هاشم وبني المطلب، أسلم جبير قبل الفتح، وقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليلة قربه من مكة في غزوة الفتح:"إن بمكة أربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشرك وأرغب لهم في الإسلام. . " وذكر منهم (جبير بن مطعم)، توفي سنة (57 هـ) . انظر: أسد الغابة (1 / 271، 272) .

(5)

سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في العصبية، حديث رقم (5121) ، (5 / 342) ، كما أخرج مسلم بمعناه في كتاب الإمارة، حديث رقم (1848) عن أبي هريرة.

(6)

في المطبوعة: أبو داود.

(7)

في المطبوعة: رضي الله عنه.

ص: 243

على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي (1) فهو ينزع بذنبه» (2) .

فإذا كان هذا (3) التداعي في هذه (4) الأسماء و (5) هذا الانتساب (6) الذي يحبه الله ورسوله فكيف بالتعصب مطلقا، والتداعي للنسب والإضافات التي هي: إما مباحة، أو مكروهة.

وذلك أن الانتساب إلى الاسم الشرعي أحسن من الانتساب إلى غيره، ألا ترى إلى ما رواه أبو داود من حديث محمد بن إسحاق (7) عن داود بن

(1) في (ج د ط) : تردى، ومعناه: أسقط، أو: سقط في بئر، أو: تهور من جبل، ونحوه، وينزع: يجذب ويقتلع. انظر: مختار الصحاح، مادة (ردي)(ص 240) ، ومادة (نزع)(ص 654) .

(2)

أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في العصبية، حديث رقم (5118) ، (5 / 341) وهو صحيح الإسناد. كما أخرجه أبو داود موقوفا على ابن مسعود برقم (5117) ، (5 / 340) ، المرجع نفسه.

(3)

في (ب) : على التداعي.

(4)

في المطبوعة: في الأسماء.

(5)

في المطبوعة: وفي هذا الانتساب.

(6)

يقصد الانتساب إلى المهاجرين والأنصار، الذي جاء في الحديث السابق: يا للمهاجرين، يا للأنصار.

(7)

هو: محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار المطلبي، مولاهم، المدني، نزيل العراق، من الحفاظ المكثرين للحديث، وصاحب "المغازي" المشهور، ومن الأئمة المشهود لهم بالفضل والعلم والحفظ، وقد تكلم فيه بعضهم، لكن تصدى لذلك كثير من أئمة الحديث ووثقوه حتى قالوا: إنه لم يتكلم فيه سوى مالك وهشام بن عروة، ووجهوا كلامهما فيه بتوجيه يبرئه من الطعن في روايته للحديث، وسائر الأئمة يوثقه، قال أبو زرعة:"وابن إسحاق رجل قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه، وقد اختبره أهل الحديث فرأوا صدقا وخيرا"، وقد وثقه ابن معين، والعجلي وابن سعد، وابن حبان، وابن المبارك، وغيرهم، وأخذ عليه بعضهم روايته عن بني إسرائيل، وتساهله في رواية المغازي والسير، وتدليسه أحيانا، وقد روى له مسلم في المتابعات، وعلق له البخاري، ومن أهم أعماله الجليلة: جمع السيرة وكتابتها، توفي سنة (152 هـ) .

انظر: تهذيب التهذيب (9 / 38- 46) ، ترجمة رقم (51) .

ص: 244

(1) هو: داود بن الحصين مولى عمرو بن عثمان بن عفان، أبو سليمان، المدني، قال ابن عيينة: كنا نتقي حديثه، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو زرعة: لين، وقال ابن عدي: صالح الحديث، وقال ابن المديني: ما روى عن عكرمة فمنكر، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، كما وثقه ابن سعد والعجلي وخلاصة القول أن داود ثقة إلا في عكرمة كما أنه متهم برأي الخوارج لكنه لا يدعو إلى بدعته، توفي سنة (135 هـ) . انظر: الجرح والتعديل (3 / 408) ، ترجمة رقم (1874) ؛ وتقريب التهذيب (1 / 231) ، ترجمة (5) د.

(2)

هو: عبد الرحمن بن أبي عقبة، الفارسي، المدني، مولى الأنصار، ذكره ابن حبان في الثقات، يروي المراسيل، وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: مقبول، من الثالثة.

انظر: تهذيب التهذيب (6 / 232) ، ترجمة رقم (472) ؛ وتقريب التهذيب (1 / 492) ، ترجمة (1051) .

(3)

هو: أبو عقبة، أبو عبد الرحمن الراوي عنه هنا، الفارسي، مولى الأنصار، قيل: اسمه (رشيد)، وله صحبة. انظر: تهذيب التهذيب (12 / 171) ، ترجمة (805) في الكنى.

(4)

في المطبوعة: خذها مني وأنا. . الخ، وكذلك في أبي داود.

(5)

في المطبوعة: رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكذلك في أبي داود.

(6)

رواه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في العصبية، حديث رقم (5123) ، (5 / 343) . وابن ماجه في سننه، كتاب الجهاد، باب النية في القتال، حديث رقم (2874) ، (2 / 931) .

والحديث في إسناده عن عبد الرحمن بن أبي عقبة يروي المراسيل، وقد وثقه ابن حبان، وقال: يروي المراسيل كما أشرت في ترجمته.

ص: 245

حضه (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم على الانتساب إلى الأنصار، وإن كان بالولاء، وكان إظهار هذا أحب إليه من الانتساب إلى فارس بالصراحة، وهي نسبة حق، ليست محرمة.

ويشبه -والله أعلم- أن يكون من حكمة ذلك: أن النفس تحامي عن الجهة التي تنتسب (2) إليها فإذا (3) كان ذلك لله كان خيرا للمرء.

فقد دلت هذه الأحاديث على أن إضافة الأمر إلى الجاهلية يقتضي ذمه، والنهي عنه، وذلك يقتضي المنع من (4) أمور الجاهلية مطلقا، وهو المطلوب في هذا الكتاب (5) .

ومثل هذا ما روى (6) سعيد بن أبي سعيد (7) عن أبيه (8) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أذهب

(1) في (أ) : حضه وأن رسول الله، وهو خلط من الناسخ.

(2)

في (ج ط) : تنسب.

(3)

فإذا: سقطت من المطبوعة.

(4)

في المطبوعة: من كل أمور الجاهلية.

(5)

الكتاب: سقطت من (ج د ط) .

(6)

في (ب) : عن سعيد.

(7)

هو: سعيد بن أبي سعيد كيسان المقبري المدني، من الحفاظ المتقنين الثقات، وثقه الأئمة، وقالوا: اختلط قبل موته بأربع سنين، وتوفي سنة:(117 هـ)، وقيل:(123 هـ) .

انظر: تقريب التهذيب (2 / 38- 40) ، ترجمة رقم (61) .

(8)

هو: أبو سعيد، الراوي عنه هنا، كيسان بن سعيد المقبري، مولى أم شريك، ويقال: هو الذي يقال له: صاحب العباس، ثقة، ثبت، من الطبقة الثانية، توفي سنة (100 هـ) .

انظر: تقريب التهذيب (2 / 137) ، ترجمة رقم (81) .

ص: 246

عنكم (1) عبية (2) الجاهلية وفخرها بالآباء: مؤمن تقي أو فاجر شقي، أنتم بنو آدم وآدم من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها (3) النتن» (4) رواه أبو داود وغيره (5) وهو صحيح.

فأضاف العبية (6) والفخر إلى الجاهلية يذمها (7) بذلك وذلك يقتضي ذمها بكونها مضافة (8) إلى الجاهلية وذلك يقتضي ذم (9) الأمور المضافة إلى الجاهلية.

(1) في (أ) : غبنة الجاهلية فخرها، وفي (ب) : عيبة الجاهلية، وفي (ط) : عتبة الجاهلية، وكله تحريف.

(2)

العبية: الكبر والنخوة والفخر، انظر: شرح السنة للبغوي (13 / 124) .

(3)

في المطبوعة: بآنفها.

(4)

رواه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في التفاخر بالأحساب، حديث رقم (5116) ، (5 / 339، 340) ، وقد أشار المؤلف إلى أنه صحيح.

(5)

ممن رواه أيضا الترمذي في سننه كتاب المناقب باب في فضل الشام واليمن حديث رقم (3955) ورقم (3956) ، (5 / 734، 735) ، وفي لفظ الترمذي اختلاف يسير وتقديم وتأخير.

قال الترمذي: "وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس". وقال بعد الحديث الأول (3955) : "وهذا حديث حسن غريب"، وقال بعد الحديث الثاني (3956) :"وهذا أصح عندنا من الحديث الأول، وسعيد المقبري قد سمع أبا هريرة، ويروي عن أبيه أشياء كثيرة عن أبي هريرة رضي الله عنه". سنن الترمذي (5 / 734، 735) .

(6)

في (ب) : العيبة، وهو خطأ كما ذكرت.

(7)

في المطبوعة: يذمهما.

(8)

في المطبوعة: ذمهما بكونهما مضافين. بالتثنية، وهي مفردة في جميع النسخ، كما أثبته.

(9)

في المطبوعة: ذم كل الأمور.

ص: 247

ومثله ما روى مسلم في صحيحه عن أبي قيس زياد بن رباح (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية (3) يغضب لعصبية، أو يدعو إلى عصبية، أو ينصر عصبية فقتل فقتله (4) جاهلية (5) ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده (6) فليس مني ولست منه» (7) .

ذكر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الأقسام الثلاثة التي يعقد لها الفقهاء باب قتال أهل القبلة من البغاة (8) والعداة وأهل العصبية.

(1) كذا جاء في المطبوعة، وفي جميع النسخ: ابن رباح، وكذلك في بعض كتب التراجم، لكن أكثرها على أنه ابن رياح - بالياء- كما في مسلم أيضا، وهو: زياد بن أبي رباح المدني، أو البصري، أبو قيس، وكناه بعضهم بأبي رباح، من حفاظ الحديث، وثقه الأئمة، من الطبقة الثالثة.

انظر: تهذيب التهذيب (3 / 366، 367) ، ترجمة رقم (672) .

(2)

رضي الله عنه: سقطت من (ج د) .

(3)

في المطبوعة: عمياء، والصحيح ما أثبته كما في مسلم، والعمية: الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه، كما سيذكر المؤلف في الصفحة التالية.

انظر: الحاشية على صحيح مسلم (3 / 1476) .

(4)

كذا في (أط) : وقتله. وكذلك في صحيح مسلم، وفي (ب ج د) : فقتله.

(5)

في المطبوعة: قتل قتلة جاهلية.

(6)

في (ب ج د) والمطبوعة: لذي عهدها، وفي مسلم كما أثبته من (أط) .

(7)

انظر: صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن (3 / 1476، 1477) ، حديث رقم (1848) ، من طرق بينها اختلافات يسيرة في ألفاظها.

(8)

في المطبوعة: البغاء.

ص: 248

فالقسم الأول الخارجون عن طاعة السلطان، فنهى عن نفس الخروج عن الطاعة والجماعة وبين أنه إن (1) مات، ولا طاعة عليه (2) مات ميتة جاهلية، فإن أهل الجاهلية من العرب ونحوهم لم يكونوا يطيعون أميرا عاما على ما هو (3) معروف من سيرتهم.

ثم ذكر (4) الذي يقاتل تعصبا لقومه، أو أهل بلده ونحو ذلك وسمى الراية عمية (5) لأنه الأمر الأعمى الذي لا يدرى وجهه فكذلك قتال العصبية يكون عن غير علم بجواز قتال هذا.

وجعل قتلة المقتول قتلة جاهلية سواء غضب بقلبه، أو دعا بلسانه، أو (6) ضرب بيده وقد فسر ذلك فيما رواه مسلم أيضا (7) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول (8) الله صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل، ولا يدري المقتول على أي شيء قتل فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: الهرج (9) القاتل والمقتول في

(1) في (ب) : من مات.

(2)

في المطبوعة: لإمام.

(3)

في (ط) : على ما هو عليه معروف.

(4)

هذا هو القسم الثاني.

(5)

في المطبوعة: عمياء.

(6)

في (أب ط) : أو نصر.

(7)

أيضا: سقطت من (أب) .

(8)

في (أ) : النبي.

(9)

الهرج: الفتنة والاختلاط والقتل. انظر: مختار الصحاح، مادة (هـ ر ج) ، (ص 694) .

ص: 249

النار» (1) والقسم الثالث: الخوارج (2) على الأمة (3) إما من العداة الذين غرضهم الأموال كقطاع الطريق ونحوهم، أو غرضهم الرياسة كمن يقتل أهل المصر (4) الذين هم (5) تحت حكم غيره مطلقا، وإن لم يكونوا مقاتلة، أو من الخارجين عن السنة الذين يستحلون دماء أهل القبلة مطلقا كالحرورية (6) الذين قتلهم علي رضي الله عنه.

ثم إنه صلى الله عليه وسلم سمى الميتة والقتلة ميتة جاهلية وقتلة جاهلية على وجه الذم لها والنهي عنها وإلا لم يكن قد زجر عن ذلك.

(1) رواه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل. . الخ، حديث رقم (2908) من طريقين فيهما بعض الاختلاف عن السياق الذي ذكره المؤلف.

ولفظ الأول: "والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل. ولا يدري المقتول في أي شيء قتل".

ولفظ الثاني: "والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل" فقيل: كيف ذلك؟ قال: "الهرج، القاتل والمقتول في النار". (4 / 2231، 2232) .

(2)

في (ج د) : الخارج على الأمة.

(3)

أي الذين يخرجون على الأمة لأي غرض، وليس المقصود بهم فرقة الخوارج فحسب.

(4)

في المطبوعة: مصر.

(5)

هم: سقطت من (ب ط) .

(6)

الحرورية: اسم يطلق على الخوارج في عهد علي، نسبة إلى حروراء: موضع قرب الكوفة، نزل به الخوارج حين اعتزلوا جيش علي رضي الله عنه.

انظر: البداية والنهاية (7 / 278- 280) . وانظر: معجم البلدان (2 / 245) .

ص: 250

فعلم أنه كان قد قرر (1) عند أصحابه أن ما أضيف إلى الجاهلية من ميتة، أو قتلة ونحو ذلك فهو مذموم منهي عنه وذلك يقتضي ذم كل ما كان من أمور (2) الجاهلية وهو المطلوب.

ومن هذا ما أخرجاه في الصحيحين عن المعرور بن سويد (3) قال «رأيت أبا ذر عليه حلة وعلى غلامه مثلها، فسألته عن ذلك فذكر أنه ساب رجلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيره بأمه فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنك امرؤ فيك جاهلية وفي رواية قلت: على ساعتي هذه من كبر السن قال: نعم هم إخوانكم وخولكم (4) جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه (5) مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه» (6) .

(1) في المطبوعة: قد تقرر. وهم أتم للمعنى، لكنه خلاف جميع النسخ المخطوطة.

(2)

في (أ) : من أموره.

(3)

هو: أبو أمية، المعرور بن سويد الأسدي، أحد بني سعد بن الحارث، كوفي من الطبقة الثانية، من حفاظ الحديث المكثرين الثقات، عمر (120) سنة.

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6 / 118) ؛ وتقريب التهذيب (2 / 263) ، ترجمة رقم (1265) م.

(4)

في (ج) : وحر لكم. وهو تحريف. ومعنى خولكم: أي عبيدكم وإمائكم.

(5)

في (ج د) : ويلبسه.

(6)

الحديث في البخاري، كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية، انظر: فتح الباري، حديث رقم (30) ، (1 / 84) ، وحديث رقم (6050) ، (10 / 465) ، مع اختلاف يسير في ألفاظ والسياق عما ساقه المؤلف هنا.

وفي صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب إطعام المملوك مما يأكل، حديث رقم (1661) ، (3 / 1282- 1283) من عدة طرق، وفيها اختلاف في ترتيب السياق عما ذكره المؤلف، لكن الألفاظ التي ساقها هنا كلها وردت في البخاري ومسلم بتفاوت يسير في السياق.

ص: 251

ففي هذا الحديث أن كل ما كان من الجاهلية فهو مذموم؛ لأن قوله: فيك جاهلية. ذم لتلك الخصلة، فلولا أن هذا الوصف يقتضي ذم ما اشتمل عليه لما حصل به المقصود.

وفيه أن التعيير بالأنساب من أخلاق الجاهلية.

وفيه أن الرجل (1) مع فضله وعلمه ودينه قد يكون فيه بعض هذه الخصال المسماة بجاهلية وبيهودية (2) ونصرانية (3) ولا يوجب ذلك كفره، ولا فسقه.

وأيضا ما رواه مسلم في صحيحه عن نافع (4) بن جبير بن مطعم (5) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، (6) ومبتغ (7) في الإسلام سنة

(1) يعني به المسلم مطلقا، رجلا كان أو امرأة لكنه قال: الرجل، على سبيل التغليب.

(2)

في المطبوعة: ويهودية.

(3)

في (ج د) : وبنصرانية.

(4)

في المطبوعة: عن جبير بن مطعم، أي:(عن) بدل (ابن) ، وهو خطأ من المطبوعة وما أثبته هو الصحيح.

(5)

هو: نافع بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل القرشي، المدني، من الطبقة الثالثة، ثقة فاضل، مات سنة (99 هـ) .

انظر: تقريب التهذيب (2 / 295) ، ترجمة رقم (16) ن؛ والطبقات الكبرى لابن سعد (5 / 205- 207) .

(6)

الإلحاد: الميل عن القصد، والعدول عن الحق. والمقصود هنا: انتهاك حرمة الحرم سواء بفعل المعاصي وارتكاب الكبائر، أو بإيذاء الناس أو قتلهم، أو انتهاك حرماتهم وأمنهم، أو بفعل ما خص الله الحرم بالنهي عنه فيه من تحريم قتل الصيد وعضد الشجر به ونحو ذلك.

(7)

في (ج د) : ومبتدع.

ص: 252