الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي الْعُطَاسِ وَالتَّثَاؤُبِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ إذَا حَمِدَ اللَّهَ]
تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَجَوَابُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ. قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْن حَمْدَانَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: بَلْ هُمَا سُنَّةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ قِيلَ: بَلْ وَاجِبَانِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَيُسَنُّ أَنْ يُغَطِّيَ الْعَاطِسُ وَجْهَهُ وَيَخْفِضَ صَوْتَهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَسْمَعُ جَلِيسُهُ لِيُشَمِّتَهُ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَأَحْمَدَ بْنِ أَصْرَمَ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيَبْعُدُ مِنْ النَّاسِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْبَغْدَادِيُّ غَرِيبٌ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا انْتَهَى كَلَامُهُ وَيَحْمَدُ اللَّهَ جَهْرًا.
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِعِ مِنْ إفْرَادِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى قَالَ الرَّازِيّ: مِنْ الْأَطِبَّاءِ: الْعُطَاسُ لَا يَكُونُ أَوَّلَ مَرَضٍ أَبَدًا إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ زُكْمَةٌ قَالَ ابْن هُبَيْرَةَ: فَإِذَا عَطَسَ الْإِنْسَانُ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ عَلَى صِحَّةِ بَدَنِهِ وَجَوْدَةِ هَضْمِهِ وَاسْتِقَامَةِ قُوَّتِهِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ، وَلِذَلِكَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ. وَكَذَلِكَ الطَّنِينُ فِي الْأُذُنِ فَإِنَّهُ مِنْ حَاسَّةِ السَّمْعِ فَإِذَا طَنَّتْ أُذُنُ الْإِنْسَانِ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى مُثْنِيًا عَلَيْهِ بِمَا أَرَاهُ مِنْ دَلِيلِ حُسْنِ صَنْعَتِهِ فِيهِ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَبْدَانِ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الطَّنِينَ لَا يَعْرِضُ لِمَنْ قَدْ فَسَدَ سَمْعُهُ كَذَلِكَ لَا يَعْرِضُ لِلشُّيُوخِ إلَّا نَادِرًا انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ الْأَطِبَّاءُ: الدَّوِيُّ وَالطَّنِينُ فِي الْأُذُنِ قَدْ يَكُونُ مِنْ حَاسَّةِ السَّمْعِ وَلَا خَطَرَ فِيهِ، وَيَكُونُ مِنْ أَرْيَاحٍ غَلِيظَةٍ مُحْتَبِسَةٍ فِي الدِّمَاغِ أَوْ كَيْمُوسَاتٍ غَلِيظَةٍ فِيهِ، وَعِلَاجُهُ إسْهَالُ الْبَطْنِ بِالْإِيرَاحَاتِ الْكِبَارِ وَكَبِّ الْأُذُنِ عَلَى بُخَارِ الرَّيَاحِينِ اللَّطِيفَةِ وَهَجْرِ الْأَطْعِمَةِ الْغَلِيظَةِ الَّتِي تَمْلَأُ الرَّأْسَ مِثْلَ الْفُومِ وَالْكُرَّاتِ وَالْجَوْزِ، وَيُقَطِّرُ فِي الْأُذُنِ دُهْنَ اللَّوْزِ الْمُرِّ وَيَكُونُ الْغِذَاءُ اسفيدناجات أَوْ مَاءَ الْحِمَّصِ انْتَهَى كَلَامُهُمْ.
وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: «وَإِذَا طَنَّتْ أُذُنُهُ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلْيَقُلْ ذَكَرَ اللَّهُ مَنْ ذَكَرَنِي بِخَيْرٍ» ؛ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى كَلَامُهُ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْمَلُ هَذَا، وَهَذَا الْخَبَرُ مَوْضُوعٌ أَوْ ضَعِيفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ هَذَا وَلَا الَّذِي قَبْلَهُ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ شَرْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ»
؛ لِأَنَّ الْعُطَاسَ يَدُلّ عَلَى خِفَّةِ بَدَنٍ وَنَشَاطٍ وَالتَّثَاؤُبَ غَالِبًا لِثِقَلِ الْبَدَنِ وَامْتِلَائِهِ وَاسْتِرْخَائِهِ فَيَمِيلُ إلَى الْكَسَلِ فَأَضَافَهُ إلَى الشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّهُ يُرْضِيهِ أَوْ مِنْ تَسَبُّبِهِ لِدُعَائِهِ إلَى الشَّهَوَاتِ وَيَقُولُ مَنْ سَمِعَ الْعَاطِسَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَوْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ وَيَقُول هُوَ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، وَفِي الرِّعَايَةِ وَزَادُوا {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: 6] أَوْ يَقُول: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، وَقِيلَ: بَلْ يَقُولُ: مِثْلَ مَا قِيلَ: لَهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا عَطَسَ فَقِيلَ: لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ: يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ، وَيَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ رَوَاهُ مَالِكٌ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: التَّشْمِيتُ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ، وَهَذَا مَعْنَى مَا نَقَلَ غَيْرُهُ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وُجُوهٍ.
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْعَاطِسُ وَإِنْ كَانَ الْمُشَمِّتُ كَافِرًا فَيَقُولُ: آمِينَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَإِنْ قَالَ الْمُشَمِّتُ الْمُسْلِمُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ فَحَسَنٌ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ، وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ إلَّا قَوْلَهُ: وَإِنْ كَانَ الْمُشَمِّتُ كَافِرًا. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَفْظَانِ (أَحَدُهُمَا) يَهْدِيكُمْ اللَّهُ.
(وَالثَّانِي) يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ. كَذَا قَالَ: وَصَوَابُهُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ الْقَاضِي: وَيَخْتَارُ أَصْحَابُنَا يَهْدِيكُمْ اللَّهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يُدِيمُ اللَّهُ هُدَاكُمْ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَلَا يُسْتَحَبُّ تَشْمِيتُ الْكَافِرِ فَإِنْ شَمَّتَهُ أَجَابَهُ بِآمِينَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ فَإِنَّهَا دَعْوَةٌ تَصْلُحُ لِلْمُسْلِمِ
وَالْكَافِرِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ «كَانَتْ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: رَحِمَكُمْ اللَّهُ، فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ دَيْلَمٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَحَكِيمٍ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ: شَيْخٌ صَدُوقٌ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحٌ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَشْمِيتُ الذِّمِّيِّ ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَوْ عَطَسَ يَهُودِيٌّ قُلْتُ لَهُ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ قُلْتُ: أَيُّ شَيْءٍ يُقَالُ لِلْيَهُودِيِّ؟ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِبَّ تَشْمِيتَهُ؛ لِأَنَّ التَّشْمِيتَ تَحِيَّةٌ لَهُ فَهُوَ كَالسَّلَامِ وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالسَّلَامِ كَذَلِكَ التَّشْمِيتُ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتَّ خِصَالٍ إنْ تَرَكَ مِنْهُنَّ شَيْئًا تَرَكَ حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ، إذَا دَعَاهُ أَنْ يُجِيبَهُ وَإِذَا مَرِضَ أَنْ يَعُودَهُ، وَإِذَا مَاتَ أَنْ يَحْضُرَهُ، وَإِذَا لَقِيَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَهُ أَنْ يَنْصَحَهُ، وَإِذَا عَطَسَ أَنْ يُشَمِّتَهُ أَوْ يُسَمِّتَهُ» فَلَمَّا خَصَّ الْمُسْلِمَ بِذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ فِي السُّنَنِ إلَّا قَوْلَهُ " حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ "،
وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ» وَذَكَرَهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: التَّخْصِيصُ بِالْوُجُوبِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ إنَّمَا يَنْفِي ذَلِكَ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ كَمَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي النَّصِيحَةِ، وَإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ لَا تَنْفِي جَوَازَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْبَابٍ وَلَا كَرَاهَةٍ كَإِجَابَةِ دَعَوْتِهِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَهُوَ ظَاهِرُ
كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَكَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ إنَّمَا نَفَى الِاسْتِحْبَابَ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ تَعَاطُسِ الْيَهُودِ عِنْدَ النَّبِيِّ وَكَانَ يُجِيبُهُمْ بِالْهِدَايَةِ، وَإِذَا كَانَ فِي التَّهْنِئَةِ وَالتَّعْزِيَةِ وَالْعِيَادَةِ رَاوِيَتَانِ فَالتَّشْمِيتُ كَذَلِكَ انْتَهَى كَلَامهُ.
فَظَهَرَ فِي تَشْمِيتِ الْكَافِرِ أَقْوَالٌ: الْجَوَازُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالتَّحْرِيمُ.
وَالتَّشْمِيتُ بِالشِّينِ وَالسِّينِ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْمُعْجَمَةُ أَفْصَحُ قَالَ ثَعْلَبُ: مَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ أَبْعَدَكَ اللَّهُ عَنْ الشَّمَاتَةِ. وَبِالْمُهْمَلَةِ هُوَ السَّمْتُ وَهُوَ الْقَصْدُ وَالْهُدَى قَالَ اللَّيْثُ: التَّشْمِيتُ ذِكْرُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَمِنْهُ قَوْلُكَ لِلْعَاطِسِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ مَعْنَاهُ هَدَاكَ اللَّهُ إلَى السَّمْتِ وَذَلِكَ لِمَا فِي الْعَاطِسِ مِنْ الِانْزِعَاجِ وَالْقَلَقِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الشِّينُ الْمُعْجَمَةُ عَلَى اللُّغَتَيْنِ.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ أَيْضًا: يُقَالُ سَمَّتْ الْعَاطِسَ وَشَمَّتَهُ إذَا دَعَوْتَ لَهُ بِالْهُدَى وَقَصْدِ السَّمْتِ وَالْمُسْتَقِيمِ قَالَ: وَالْأَصْلُ فِيهِ السِّينُ الْمُهْمَلَةُ فَقُلِبَتْ شِينًا مُعْجَمَةً وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ يُقَالُ: شَمَّتَهُ وَسَمَتَ عَلَيْهِ إذَا دَعَوْتُ لَهُ بِخَيْرٍ، وَكُلُّ دَاعٍ بِالْخَيْرِ فَهُوَ مُشَمِّتٌ وَمُسَمِّتٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ: التَّشْمِيتُ بِالشِّينِ وَالسِّينِ الدُّعَاءُ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَالْمُعْجَمَةُ أَعْلَاهَا يُقَال: شَمَّتَ فُلَانًا وَشَمَّتَ عَلَيْهِ تَشْمِيتًا فَهُوَ مُشَمِّتٌ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الشَّوَامِتِ، وَهِيَ الْقَوَائِمُ كَأَنَّهُ دَعَا لِلْعَاطِسِ بِالثَّبَاتِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَبْعَدَكَ اللَّهُ عَنْ الشَّمَاتَةِ وَجَنَّبَكَ مَا يُشَمَّتُ بِهِ عَلَيْكَ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ ثَعْلَبٌ: الِاخْتِيَارُ بِالسِّينِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السَّمْتِ وَهُوَ الْقَصْدُ وَالْحُجَّةُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الشِّينُ أَعْلَى فِي كَلَامِهِمْ وَأَكْثَرُ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:: كُلُّ دَاعٍ لِأَحَدٍ بِخَيْرٍ فَهُوَ مُشَمِّتٌ وَمُسَمِّتٌ وَالشَّوَامِتُ قَوَائِمُ الدَّابَّةِ وَهُوَ اسْمٌ لَهَا قَالَ أَبُو عَمْرٍو يُقَالُ: لَا تَرَكَ اللَّهُ لَهُ شَامِتَةً أَيْ: قَائِمَةً.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّ فِيهِ كَلَامًا، وَلَعَلَّهُ حَسَّنَ الْحَدِيثَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَرُدَّ عَلَيْهِ مَنْ حَوْلَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَرُدَّ عَلَيْهِمْ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعِنْدَهُ «فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَغَيْرِهِ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ حَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ» . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
وَكَرَاهَةُ تَشْمِيتِ مَنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ إنْ شَمَّتَهُ غَيْرُهُ فَلْيُشَمِّتْهُ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تَشْمِيتِ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ لَكِنْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ» .
قَالَ فِي الْغُنْيَةِ وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إنَّ الْعَبْدَ إذَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ الْمَلَكُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: رَبِّ الْعَالَمِينَ بَعْدَ الْحَمْدُ قَالَ الْمَلَكُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ رَبُّكَ» فَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ذِكْرَهُ عَلَى الْآدَمِيِّ، وَهَذَا الْخَبَرُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ فِي الْمُخْتَارِ مِنْ طَرِيقِهِ مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ: رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَإِذَا قَالَ: رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ.» وَرَوَى سَعِيدُ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا عَطَسَ الرَّجُلُ وَهُوَ وَحْدَهُ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلْيَقُلْ يَرْحَمْنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ فَإِنَّهُ يُشَمِّتُهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَسَبَقَ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي السَّلَامِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ» شَكَّ الرَّاوِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ مَرْفُوعًا «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلْيَقُلْ يَغْفِرْ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَفِيهِ «أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ عِنْدَ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ: سَالِمٌ وَعَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ مِمَّا قُلْتُ: لَكَ قَالَ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ لَمْ تَذْكُرْ أُمِّي بِخَيْرٍ وَلَا بِشَرٍّ قَالَ: إنَّمَا قُلْتُ: لَكَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّا بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ ثُمَّ قَالَ: إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ الْحَدِيث» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِي لَفْظٍ «فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَسْعَدَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ حَضْرَمِيِّ مَوْلَى الْجَارُودِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: «عَطَسَ رَجُلٌ إلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأَنَا أَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَقُولَ إذَا عَطَسْنَا إنَّمَا عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» إسْنَادٌ جَيِّدٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ زِيَادَةَ.