الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي الْوَحْدَةِ وَالْعُزْلَةِ وَالتَّوَاضُعِ فِي سِيرَةِ أَحْمَدَ]
َ) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كَانَ أَبِي أَصْبَرَ النَّاسِ عَلَى الْوَحْدَةِ وَقَالَ لَمْ يَرَ أَحَدٌ أَبِي إلَّا فِي مَسْجِدٍ أَوْ حُضُورِ جِنَازَةٍ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ وَكَانَ يَكْرَهُ الْمَشْيَ فِي الْأَسْوَاقِ وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ عَنْهُ: رَأَيْتُ الْوَحْدَةَ أَرْوَحَ لِقَلْبِي.
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ ذَكَرْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَلَى أَنْ يَلْتَقِيَا فَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ كَرِهَ بَعْضُهُمْ اللِّقَاءَ وَقَالَ يَتَزَيَّنُ لِي وَأَتَزَيَّنُ لَهُ، وَكَفَى بِالْعُزْلَةِ عِلْمًا، وَالْفَقِيهُ الَّذِي يَخَافُ اللَّهَ وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قُلْ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ أُخْمِلَ ذِكْرُكَ، فَإِنِّي أَنَا قَدْ بُلِيت بِالشُّهْرَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: أَشْتَهِي مَا لَا يَكُونُ، أَشْتَهِي مَكَانًا لَا يَكُونُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسَيِّبِيُّ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ إنِّي أُحِبُّ أَنْ آتِيَك فَأُسَلِّمَ عَلَيْك وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَكْرَهَ الرَّحْلَ، فَقَالَ: إنَّا لَنَكْرَهُ ذَلِكَ وَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت الْهَيْثَمَ بْنَ خَارِجَةَ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنْتَ عَرُوسٌ تُزَارُ وَلَا تَزُورُ.
وَمَنْ نَظَرَ فِي سِيرَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّه وَتَرْجَمَةِ مَا سَبَقَ وَمَا يَأْتِي وَمَا لَمْ نَذْكُرْهُ وَجَدَ هِمَّتَهُ فِي الْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ مِنْ أَعْلَى الْهِمَمِ، وَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ دَغْفَلًا دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ أَيُّ بَيْتٍ أَفْخَرُ، قَالَ: قَوْلُ الشَّاعِرِ:
لَهُ هِمَمٌ لَا مُنْتَهَى لِكِبَارِهَا
…
وَهِمَّتُهُ الصُّغْرَى أَجَلُّ مِنْ الدَّهْرِ
لَهُ رَاحَةٌ لَوْ أَنَّ مِعْشَارَ جُودِهَا
…
عَلَى الْبَرِّ كَانَ الْبَرُّ أَنْدَى مِنْ الْبَحْرِ
وَقَالَ صَالِحٌ: كَانَ أَبِي إذَا دَعَا لَهُ رَجُلٌ يَقُولُ الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا وَقَالَ عَامِرٌ: لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بَلَغَنِي أَنَّك رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ فَمِنْ أَيِّ
الْعَرَبِ أَنْتَ؟ فَقَالَ لِي يَا أَبَا النُّعْمَانِ نَحْنُ قَوْمٌ مَسَاكِينُ وَمَا نَصْنَعُ بِهَذَا؟ فَكَانَ رُبَّمَا جَاءَنِي أُرِيدُهُ عَلَى أَنْ يُخْبِرَنِي فَيُعِيدُ عَلَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ الْكَلَامِ وَلَا يُخْبِرُنِي بِشَيْءٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ الرُّومِيِّ: كُنْت كَثِيرًا مَا أَرَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَعْنِي وَهُوَ بِالْبَصْرَةِ يَأْتِي إلَى مَسْجِدِ بَنِي مَازِنٍ فَيُصَلِّي فِيهِ فَقُلْت يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إنِّي أَرَاك كَثِيرًا تُصَلِّي فِي هَذَا الْمَسْجِدِ قَالَ: إنَّهُ مَسْجِدُ آبَائِي وَقَالَ الْخَلَّالُ: حَدَّثَنَا الْمَرُّوذِيُّ قَالَ: حَضَرْت أَبَا ثَوْرٍ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إمَامُنَا، أَوْ قَالَ شَيْخُنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، فَجَعَلَ السَّائِلُ يَدْعُو لَهُ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ رَأْيِهِ، فَلَمَّا مَضَى الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ: هَذَا لَوْ أَخْبَرْته عَنْ رَأْيِي لَكَانَ يَعْنِي يَطُولُ فَحَيْثُ قُلْت لَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَرَّ وَسَكَتَ، وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إنَّ لِي وَالِدَةً مُقْعَدَةً تَسْأَلُك أَنْ تَدْعُوَ لَهَا قَالَ: فَغَضِبَ وَقَالَ: كَيْف قَصَدَتْنِي؟ قُلْ لِوَالِدَتِك تَدْعُو لِي، هَذِهِ مُبْتَلَاةٌ، وَأَنَا مُعَافًى. ثُمَّ دَعَا لَهَا وَعُوفِيَتْ.
وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مِنْ سَمَرْقَنْدَ بِكِتَابِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ يَجْعَلُ لَهُ مَجْلِسًا فَأَهْدَى إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ يَوْمًا ثَوْبًا فَأَعْطَاهُ رَجُلًا، فَقَالَ: اذْهَبْ بِهِ إلَى السُّوقِ فَقَوِّمْهُ، فَذَهَبَ فَجَاءَ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فَحَجَبَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى اشْتَرَى لَهُ ثَوْبَيْنِ وَمِقْنَعَةً أَوْ ثَوْبًا وَمِقْنَعَةً وَبَعَثَ بِهِ إلَيْهِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَحَدَّثَهُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَأَيْت أَبِي إذَا اخْتَفَى، أَكْثَرُ ذَلِكَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ.
وَقَالَ الْأَثْرَمُ رُبَّمَا يَتْرُكُ أَصْحَابُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَشْيَاءَ لَيْسَ لَهَا تَبِعَةٌ عِنْدَ اللَّهِ مَخَافَةَ أَنْ يُعَيَّرُوا بِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رضي الله عنه وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَشْتَرِي مِنْ السُّوقِ الْخُبْزَ وَيَحْمِلُ بِنَفْسِهِ فِي الزِّنْبِيلِ، وَرَأَيْتَهُ يَشْتَرِي الْبَاقِلَّا غَيْرَ مَرَّةً وَيَجْعَلُهُ فِي زُبْدِيَّةٍ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ فَيَحْمِلُهُ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِهِ وَقَالَ صَالِحٌ كَانَ أَبِي رُبَّمَا خَرَجَ إلَى الْبَقَّالِ فَيَشْتَرِي جِرْزَةَ حَطَبٍ فَيَحْمِلُهَا.
وَقَالَ الْخَلَّالُ: أَخْبَرَنَا الْمَرُّوذِيُّ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كَانَ
يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَدْ أُوصِي لِي بِجُبَّةٍ قَالَ: فَفَرِحْتُ بِهَا وَأَرَدْتُ أَنْ آخُذَهَا قَالَ: وَكَانَتْ أَعْجَبَتْنِي الْجُبَّةُ فَقُلْتُ رَجُلٌ صَالِحٌ وَقَدْ يُصَلِّي فِيهَا قَالَ فَجَاءُوا بِهَا وَمَعَهَا شَيْءٌ آخَرُ فَرَدَدْته كُلَّهُ وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادَةَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: مَا أَعْظَمَ بَرَكَةِ الْمِغْزَلِ وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: الْخَوْفُ مَنَعَنِي أَكْلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَمَا اشْتَهَيْتُهُ وَقَالَ الْخَلَّالُ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ صَدَقَةَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّيْرَفِيَّ قَالَ: أَتَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْحَمَّالُ وَذَلِكَ فِي آخِرِ سَنَةِ الْمِائَتَيْنِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إنَّ أَقْوَامًا يَسْأَلُونِي أَنْ أُحَدِّثَ فَهَلْ تَرَى ذَلِكَ؟ قَالَ فَسَكَتَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَطَالَ السُّكُوتَ قَالَ: فَقُلْتُ أَنَا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أُجِيبُكَ أَنَا؟ قَالَ تَكَلَّمْ قَالَ قُلْتُ لَهُ إنْ كُنْتَ تَشْتَهِي أَنْ تُحَدِّثَ فَلَا تُحَدِّثْ، وَإِنْ كُنْت تَشْتَهِي أَنْ لَا تُحَدِّثَ فَحَدِّثْ قَالَ فَكَأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ قَالَ فَلَمَّا انْبَسَطَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَشْتَهِي أَنْ يُحَدِّثَ.
وَقِيلَ لَبِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ يَا أَبَا نَصْرٍ الرَّجُلُ يَكُونُ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْقُرْآنِ فَتَرَى لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَيُعَلِّمَ النَّاسَ قَالَ إنْ كَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ فَلَا يَجْلِسُ.