الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي وَعْظِ الْقُصَّاصِ وَنَفْعِهِمْ وَضَرَرِهِمْ وَكَذِبِهِمْ]
ْ (فِي وَعْظِ الْقُصَّاصِ وَنَفْعِهِمْ وَضَرَرِهِمْ وَكَذِبِهِمْ) قَالَ الْمَرْوَزِيُّ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ يُعْجِبُنِي الْقُصَّاصُ لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْمِيزَانَ وَعَذَابَ الْقَبْرِ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَتَرَى الذَّهَابَ إلَيْهِمْ؟ فَقَالَ أَيْ لَعَمْرِي إذَا كَانَ صَدُوقًا لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْمِيزَانَ وَعَذَابَ الْقَبْرِ قُلْتُ لَهُ كُنْتَ تَحْضُرُ مَجَالِسَهُمْ أَوْ تَأْتِيهِمْ قَالَ: لَا قَالَ: وَشَكَا رَجُلٌ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْوَسْوَسَةَ فَقَالَ عَلَيْكَ بِالْقُصَّاصِ، مَا أَنْفَعَ مَجَالِسِهِمْ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ مَا أَحْوَجَ النَّاسَ إلَى قَاصٍّ صَدُوقٍ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَكَرِيَّا التَّمَّارِ وَسُئِلَ عَنْ الْقُصَّاصِ وَالْمُعَبِّرِ فَقَالَ: يَخْرُجَ الْمُعَبِّرُ وَلَا يَخْرُجُ الْقُصَّاصُ وَقَالَ لَنَا يُعْجِبُنِي الْقَصَّاصُ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ الشَّفَاعَةَ وَالصِّرَاطَ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ مَا أَنْفَعَهُمْ لِلْعَامَّةِ وَإِنْ كَانَ عَامَّةُ مَا يَتَحَدَّثُونَ بِهِ كَذِبًا وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ أَكْذَبُ النَّاسِ الْقُصَّاصُ وَالسُّؤَالُ.
وَسُئِلَ عَنْ مُجَالَسَةِ الْقُصَّاصِ فَقَالَ: إذَا كَانَ الْقَاصُّ صَدُوقًا فَلَا أَرَى بِمُجَالَسَتِهِ بَأْسًا.
وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى فِي مَسْجِدٍ فَقَامَ سَائِلٌ فَسَأَلَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَخْرِجُوهُ مِنْ الْمَسْجِدِ هَذَا يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ مُهَنَّا إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سَأَلُوهُ عَنْ الْقَصَصِ فَرَخَّصَ فِيهِ، فَقُلْتُ لَهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ يَقُولُ مَا أَخْرَجَنِي إلَّا الْقُصَّاصُ وَلَوْلَاهُمْ مَا خَرَجْتُ، فَقَالَ لِي يُعْجِبُنِي الْقُصَّاصُ الْيَوْمَ لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ عَذَابَ الْقَبْرِ وَيُخَوِّفُونَ النَّاسَ، فَقُلْتُ لَهُ حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ قَالَ: جَاءَنَا سُفْيَانُ هَهُنَا
فَقُلْنَا نَسْتَقْبِلُ الْقُصَّاصَ بِوُجُوهِنَا؟ فَقَالَ وَلَّوْا الْبِدَعَ ظُهُورَكُمْ، فَقَالَ أَحْمَدُ: نَعَمْ هَذَا مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ ثَنَا هِشَامٌ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ سَمِعْتُ كُرْدُوسَ بْنَ قَيْسٍ وَكَانَ قَاصَّ الْعَامَّةِ بِالْكُوفَةِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَأَنْ أَقْعُدَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَجْلِسِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَ رِقَابٍ» قَالَ شُعْبَةُ. فَقُلْتُ أَيُّ مَجْلِسٍ قَالَ: كَانَ قَاصًّا. لَمْ أَجِدْ فِي كُرْدُوسٍ كَلَامًا وَعَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ الثِّقَاتِ الْكِبَارِ وَقَالَ أَيْضًا حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنُ نَفِيرٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْكِنْدِيِّ أَنَّهُ رَكِبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَسْأَلُهُ عَنْ ثَلَاثِ خِلَالٍ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَهُ عُمَرُ مَا أَقْدَمَكَ قَالَ لِأَسْأَلكَ عَنْ ثَلَاثٍ وَسَأَلَهُ الثَّالِثَةَ عَنْ الْقَصَصِ فَإِنَّهُمْ أَرَادُونِي عَلَى الْقَصَصِ، فَقَالَ: مَا شِئْتَ كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَمْنَعَهُ قَالَ إنَّمَا أَرَدْتُ، أَنْ أَنْتَهِيَ إلَى قَوْلِكَ قَالَ: أَخْشَى عَلَيْكَ أَنْ تَقُصَّ فَتَرْتَفِعَ عَلَيْهِمْ فِي نَفْسِكَ ثُمَّ تَقُصَّ فَتَرْتَفِعَ حَتَّى يُخَيَّلَ إلَيْكَ أَنَّكَ فَوْقَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الثُّرَيَّا فَيَضَعَكَ اللَّهُ عز وجل تَحْتَ أَقْدَامِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ إسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا فِي حَلْقَةِ الْمُعْتَزِلَةِ فَقَالَ: تَعَالَ، فَقَالَ فَجِئْتُ. فَقَالَ: إنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَعَلَيْكَ بِحَلْقَةِ الْقُصَّاصِ.
وَرَوَى أَيْضًا عَنْ زِيَادٍ النُّمَيْرِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَنَّهُ أَتَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: فَقَالَ لِي قُصَّ. فَقُلْتُ: كَيْفَ وَالنَّاسُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ بِدْعَةٌ، فَقَالَ لَوْ كَانَ بِدْعَةً مَا أَمَرْنَاكَ بِهِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل بِدْعَةً قَالَ: فَقَصَصْتُ فَجَعَلْتُ أَكْثَرَ قِصَصِي دُعَاءً رَجَاءَ أَنْ يُؤَمِّنَ قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقُصُّ وَهُوَ يُؤَمِّنُ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَ الْحَسَنُ إذَا قَصَّ الْقَاصُّ لَمْ يَتَكَلَّمْ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إجْلَالًا لِذِكْرِ اللَّهِ عز وجل.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ الْخَوَّاصِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ مَرْفُوعًا
«لَا يَقُصُّ إلَّا أَمِيرٌ أَوْ مَأْمُورٌ أَوْ مُخْتَالٌ» عَمْرٌو تَفَرَّدَ عَنْهُ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَبَاقِيهِ جَيِّدٌ تَابَعَهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي عَرِيبٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَوْفٍ وَتَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَيُقَالُ ابْنُ زَيْدٍ وَيُقَالُ ابْنُ يَزِيدَ قَاصُّ مَسْلَمَةَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ عَنْ عَوْفٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ إلَّا لِأَمِيرٍ يَعِظُ النَّاسَ وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا مَضَى لِيَعْتَبِرُوا أَوْ مَأْمُورٍ بِذَلِكَ فَحُكْمُهُ كَالْأَمِيرِ، وَلَا يَقُصُّ تَكَسُّبًا، أَوْ يَكُونُ الْقَاصُّ مُخْتَالًا يَفْعَلُ ذَلِكَ تَكَبُّرًا عَلَى النَّاسِ أَوْ مُرَائِيًا، وَقِيلَ أَرَادَ الْخُطْبَةَ لِأَنَّ الْأُمَرَاءَ كَانُوا يَلُونَهَا وَيَعِظُونَ النَّاسَ فِيهَا وَيَقُصُّونَ عَلَيْهِمْ أَخْبَارَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ قَالَ:
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الْقَاصُّ يَنْتَظِرُ الْمَقْتَ» لِمَا يَعْرِضُ فِي قَصَصِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ قَالَ: وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمَّا قَصُّوا هَلَكُوا. وَفِي رِوَايَةٍ لَمَّا هَلَكُوا قَصُّوا» أَيْ اتَّكَلُوا عَلَى الْقَوْلِ وَتَرَكُوا الْعَمَلَ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ هَلَاكِهِمْ، أَوْ بِالْعَكْسِ لَمَّا هَلَكُوا فَتَرَكُوا الْعَمَلَ أَخْلَدُوا إلَى الْقَصَصِ.
وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الْقَوْمِ يَجْتَمِعُونَ فَيَأْمُرُونَ رَجُلًا فَيَقُصُّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَوْمًا بَعْدَ الْأَيَّامِ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ قَالَ إنْسَانٌ لِابْنِ سِيرِينَ إنَّ أَبَا مِجْلَزٍ كَانَ لَا يَقْعُدُ إلَى الْقَاصِّ قَالَ قَعَدَ إلَيْهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ الْقَصَصُ بِدْعَةٌ وَنِعْمَ الْبِدْعَةُ، كَمْ مِنْ دُعَاءٍ مُسْتَجَابٍ وَأَخٍ مُسْتَفَادٍ وَقَالَ حَنْبَلٌ قُلْتُ لِعَمِّي فِي الْقُصَّاصِ قَالَ: الْقَصَّاصُ الَّذِي يَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَالتَّخْوِيفَ وَلَهُمْ نِيَّةٌ وَصِدْقُ الْحَدِيثِ، فَأَمَّا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْدَثُوا مِنْ وَضْعِ الْأَخْبَارِ وَالْأَحَادِيثِ فَلَا أَرَاهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَلَوْ قُلْتُ أَيْضًا إنَّ هَؤُلَاءِ يَسْمَعُهُمْ الْجَاهِلُ وَاَلَّذِي لَا يَعْلَمُ فَلَعَلَّهُ يَنْتَفِعُ بِكَلِمَةٍ أَوْ يَرْجِعُ عَنْ أَمْرٍ، كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَكْرَهُ أَنْ يُمْنَعُوا أَوْ قَالَ رُبَّمَا جَاءُوا بِالْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ بَعَثَ إلَيَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ يَا أَبَا أَسْمَاءَ إنَّا جَمَعْنَا النَّاسَ عَلَى أَمْرَيْنِ فَقَالَ وَمَا هُمَا قَالَ رَفْعُ الْأَيْدِي عَلَى الْمَنَابِرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْقَصَصُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ؟ فَقَالَ أَمَا إنَّهُمَا
أَفْضَلُ بِدْعَتِكُمْ وَلَسْتُ بِمُجِيبِكُمْ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا قَالَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَا أَحْدَثَ قَوْمٌ بِدْعَةً إلَّا رُفِعَ مِنْ السُّنَّةِ مِثْلُهَا، فَتَمَسَّكْ بِسُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ إحْدَاثِ بِدْعَةٍ» وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا أُحِبُّ أَنْ يُمِلَّ النَّاسَ وَلَا يُطِيلَ الْمَوْعِظَةَ إذْ وَعَظَ.
وَرَوَى حَنْبَلٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيّ مَاهَانَ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ مَرَّ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَلَى قَاصٍّ فَقَامَ إلَيْهِ فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُ النَّاسِخَ مِنْ الْمَنْسُوخِ؟ قَالَ: لَا قَالَ هَلْ تَعْرِفُ الْمُحْكَمَ مِنْ الْمُتَشَابِهِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: هَلْ تَعْرِفُ الزَّجْرَ مِنْ الْأَمْرِ؟ قَالَ: لَا. فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَرَفَعَهَا وَقَالَ إنَّ هَذَا يَقُولُ اعْرِفُونِي اعْرِفُونِي. وَبِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ انْتَهَى عَلِيٌّ إلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَقُصُّ فَقَالَ عَلِمْتَ النَّاسِخَ مِنْ الْمَنْسُوخِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ. وَعَنْ عَابِدِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِقَاصٍّ هَلْ تَعْرِفُ النَّاسِخَ مِنْ الْمَنْسُوخِ؟ قَالَ: لَا قَالَ فَعَلَامَ تَقُصُّ عَلَى النَّاسِ وَتَغُرُّهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَأَنْتَ لَا تَعْرِفُ حَلَالَ اللَّهِ مِنْ حَرَامِهِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ إذَا سَمِعْتُمْ السَّائِلَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاضْرِبُوهُ بِالْحَصَى.
وَرَوَى ذَلِكَ الْخَلَّالُ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه أَكْذَبُ النَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السُّؤَالُ وَالْقُصَّاصُ فَيَجِبُ مَنْعُ مَنْ يَكْذِبُ مُطْلَقًا، فَكَيْفَ إذَا كَانَ يَكْذِبُ وَيَسْأَلُ وَيَتَخَطَّى؟ وَكَيْفَ مَنْ يَكْذِبُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ فِي مِثْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ فَنَهْيُ مَنْ يَكْذِبُ مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ بَلْ وَيُنْهَى مَنْ رَوَى مَا لَا يَعْرِفُ أَصِدْقٌ هُوَ أَمْ كَذِبٌ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ وَلَا يَصْلُحُ لِلْكَلَامِ عَلَى الْعَوَامّ مُلْحِدٌ وَلَا أَبْلَهُ، وَكِلَاهُمَا يُفْسِدُ مَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ وَقَالَ: الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْكَشِفَ قَصْدُهُ مِنْ صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَقَلْبِهِ أَوْ لِسَانِهِ وَقَالَ مَا أَخْوَفَنِي عَلَى مَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هِمِّهِ أَنْ تَكُونَ غَايَةَ حَظِّهِ قَالَ وَسُئِلَ عَنْ قَوْمٍ يَجْتَمِعُونَ حَوْلَ رَجُلٍ يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ أَحَادِيثَ وَهُوَ غَيْرُ فَقِيهٍ؟ فَقَالَ هَذَا وَبَالٌ
عَلَى الشَّرْعِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْعَوَامّ تَفَرَّقُوا عَنْ مَجْلِسٍ مِثْلِ هَذَا وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ لِبَعْضٍ اسْتَغْفِرْ مِمَّا فَعَلْتَ كَثِيرًا وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ نَهَى عَنْهُ قِيلَ لَهُ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ أَبَذْلُ مَاءَ قِرَاحِي وَأَبْذُلُ حَقِّي مِنْ الْمَاءِ وَإِذَا هُوَ قَدْ نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى لَنَا الشَّيْخُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لَا يُسْقِيَنَّ أَحَدُكُمْ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» .
وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» وَقَدْ كُنْت أَشْرُطُ الْخِيَارَ لِنَفْسِي فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ، فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ إذَا وَرَدَ وَسَمِعَهُ الْعَوَامُّ كَانَ نَسْخًا عِنْدَهُمْ لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا الرَّاوِي إذَا كَانَ قَادِرًا أَنْ يُبَيِّنَ خُصُوصَ الْعَامِّ الْمُخَصَّصِ وَتَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ بِتَقْيِيدِهِ وَإِلَّا فَمُخَاطَرَةٌ، وَرُبَّمَا قَرَأَ نَفْسَ الرَّحْمَنِ مِنْ الْيَمِينِ " وَالْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ " وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ ظَاهِرَ هَذَا كَفَرَ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ السِّرِّ الْمَكْتُومِ لَا يَصْلُحُ لِإِيدَاعِ الْأَسْرَارِ كُلُّ أَحَدٍ وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ وَقَعَ بِكَنْزٍ أَنْ يَكْتُمَهُ مُطْلَقًا فَرُبَّمَا ذَهَبَ هُوَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِالْكَنْزِ، وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُخَاطِبَ الْعَوَامَّ بِكُلِّ عِلْمٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخُصَّ الْخَوَاصَّ بِأَسْرَارِ الْعِلْمِ لِاحْتِمَالِ هَؤُلَاءِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ أُولَئِكَ، وَقَدْ عُلِمَ تَفَاوُتُ الْأَفْهَامِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ} [النساء: 83] .
وَقَالَ {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]
وَقَالَ {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125] الْآيَةَ وَقَالَ عليه السلام «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وِعَاءَيْنِ بَثَثْتُ أَحَدَهُمَا وَلَوْ بَثَثْتُ الْآخَرَ لَقُطِعَ هَذَا الْحُلْقُومُ. وَهَذَا يُشْكِلُ فَيُقَالُ كَيْفَ كَتَمَ الْعِلْمَ؟ وَلَا أَحْسِبُ هَذَا الْمَكْتُومَ إلَّا مِثْلَ قَوْلِهِ «إذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي الْعَاصِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا جَعَلُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلًا» وَمِثْلَ ذِكْرِ قَتْلِ عُثْمَانَ وَمَا سَيَظْهَرُ مِنْ الْفِتَنِ.
وَمِنْ التَّغْفِيلِ تَكَلُّمِ الْقُصَّاصِ عِنْدَ الْعَوَامّ الْجَهَلَةِ بِمَا لَا يَنْفَعُهُمْ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَاطَبَ الْإِنْسَانُ عَلَى قَدْرِ فَهْمِهِ وَمُخَاطَبَةُ الْعَوَامّ صَعْبَةٌ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَرَى رَأْيًا يُخَالِفُ فِيهِ الْعُلَمَاءَ وَلَا يَنْتَهِي. وَقَدْ رَأَيْنَا أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِوَلَدِهَا مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا: هَذَا زَوْجِي كَافِرٌ قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَتْ: طَلَّقَنِي بُكْرَةً وَضَاجَعَنِي فِي اللَّيْلِ، فَقَالَ: أَنَا أَقْتُلُهُ وَمَا عَلِمَ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ وَأَنَّهُ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى ارْتِجَاعِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا، أَوْ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْوَطْءَ رَجْعَةٌ وَرَأَى رَجُلٌ رَجُلًا يَأْكُلُ فِي رَمَضَانَ فَهَمَّ بِقَتْلِهِ وَمَا عَلِمَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ فَالْوَيْلُ لِلْعُلَمَاءِ مِنْ مُقَاسَاةِ الْجَهَلَةِ.
ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «مَا أَنْتَ مُحَدِّثٌ قَوْمًا حَدِيثًا لَمْ تَبْلُغْهُ عُقُولُهُمْ إلَّا كَانَ عَلَى بَعْضِهِمْ فِتْنَةً» وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُسِرُّ إلَى قَوْمٍ وَلَا يُحَادِثُ قَوْمًا وَقَالَ عَمَّنْ وَعَظَ الْعَوَامَّ لِيَحْذَرَ الْخَوْضَ فِي الْأُصُولِ فَإِنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ ذَلِكَ لَكِنَّهُ يُوجِبُ الْفِتَنَ وَرُبَّمَا كَفَّرُوهُ مَعَ كَوْنِهِمْ جَهَلَةً.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْدَحَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَلَا يَتَعَرَّضَ بِتَخْطِئَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَقَلَّ أَنْ يَرْجِعَ ذُو هَوًى عَنْ عَصَبِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا فَمَا يَسْتَفِيدُ مُكَلِّمُ النَّاسِ بِمَا قَدْ رَسَخَ فِي قُلُوبِهِمْ غَيْرُهُ إلَّا الْبُغْضَ وَالْوَقِيعَةَ فِيهِ فَإِنْ سَأَلَهُ ذُو هَوًى تَلَطَّفَ فِي الْأَمْرِ وَأَشَارَ لَهُ إلَى الصَّوَابِ، وَذَكَرْتُ مَرَّةً أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْعَلَوِيِّينَ خَرَجُوا عَلَى الْخُلَفَاءِ فَعَادَانِي الْعَلَوِيُّونَ وَقُلْتُ مَا أَسْلَمَ أَبُو طَالِبٍ فَزَادَتْ عَدَاوَتُهُمْ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْوَاعِظِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِغَيْرِ الْوَعْظِ فَإِنَّهُ يُعَادَى وَمَا يَتَغَيَّرُ ذُو عَقِيدَةٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَغْرَاضَ الْعَوَامّ لَا يَقْدِرُ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَغْيِيرِهَا فَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ الْوُعَّاظِ مَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالتَّشَيُّعِ ذُكِرَ يَوْمًا أَنَّ عَلَيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَوْمًا شَرِبَ الْخَمْرَ حِينَ كَانَتْ مُبَاحَةً فَهَجَرُوهُ وَسَبُّوهُ وَسُئِلَ آخَرُ هَلْ يَسْمَعُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ صَلَاةَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ فَضَجُّوا بِلَعْنَتِهِ.
وَقَالَ آخَرُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الصِّبْيَانِ عَلِيٌّ فَغَضِبَ قَوْمٌ وَقَالُوا كَأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ مُسْلِمًا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ مُخَاطَبَةِ مَنْ لَا يَفْهَمُ بِمَا لَا يُحْتَمَلُ. وَقَدْ جَرَتْ فِتَنٌ بَيْنَ أَهْلِ الْكَرْخِ وَأَهْلِ بَابِ الْبَصْرَةِ سِنِينَ قُتِلَ فِيهَا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ لِمَ قَتَلَ وَلَا الْمَقْتُولُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُمْ أَهْوَاءٌ مَعَ الصَّحَابَةِ فَاسْتَبَاحُوا بِأَهْوَائِهِمْ الْقَتْلَ فَاحْذَرْ الْعَوَامَّ كُلَّهُمْ وَالْخَلْقَ جُمْلَةً فَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَسَدَ الزَّمَانُ فَلَا كَرِيمٌ يُرْتَجَى
…
مِنْهُ النَّوَالُ وَلَا مَلِيحٌ يُعْشَقُ.