الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي عِلْمِ الْإِعْرَابِ لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ]
ِ) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَمِنْ الْعُلُومِ الَّتِي تَلْزَمُ صَاحِبَ الْحَدِيثِ مَعْرِفَتُهُ لِلْإِعْرَابِ لِئَلَّا يَلْحَنَ وَلِيُورِدَ الْحَدِيثَ عَلَى الصِّحَّةِ.
كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَضْرِبُ وَلَدَهُ عَلَى اللَّحْنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَضْرِبُ وَلَدَهُ عَلَى اللَّحْنِ قَالَ: وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى رضي الله عنهما: أَمَّا بَعْدُ فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ وَتَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، إسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَرُوِيَ الثَّانِي عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ، فَذَكَرَهُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ شُعْبَةُ: مَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ الْحَدِيثَ وَلَا يَتَعَلَّمُ النَّحْوَ مَثَلُ الْبُرْنُسِ لَا رَأْسَ لَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ اللَّحْنُ فِي الْكَلَامِ أَقْبَحُ مِنْ آثَارِ الْجُدَرِيِّ فِي الْوَجْهِ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ إذَا سَرَّك أَنْ تَعْظُمَ فِي عَيْنِ مَنْ كُنْت فِي عَيْنِهِ صَغِيرًا، أَوْ يَصْغُرَ فِي عَيْنِك مَنْ كَانَ فِيهَا كَبِيرًا، فَتَعَلَّمْ الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُجَرِّئُك عَلَى الْمَنْطِقِ وَتُدْنِيك مِنْ السُّلْطَانِ قَالَ الشَّاعِرُ:
اللَّحْنُ يَصْلُحُ مِنْ لِسَانِ الْأَلْكَنِ
…
وَالْمَرْءُ تُعْظِمُهُ إذَا لَمْ يَلْحَنِ
وَلَحْنُ الشَّرِيفِ مَحَطَّةٌ مِنْ قَدْرِهِ
…
فَتَرَاهُ يَسْقُطُ مِنْ لِحَانِ الْأَعْيُنِ
وَتَرَى الدَّنِيَّ إذَا تَكَلَّمَ مُعْرِبًا
…
حَازَ النِّهَايَةَ بِاللِّسَانِ الْمُعْلِنِ
وَإِذَا طَلَبْت مِنْ الْعُلُومِ أَجَلَّهَا
…
فَأَجَلُّهَا مِنْهَا مُقِيمُ الْأَلْسُنِ
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي مَكَان آخَرَ أَنَّ قَائِلَ هَذَا لَوْ كَانَ مُهْتَدِيًا لَقَالَ: فَأَجَلُّهَا مِنْهَا مُقِيمُ الْأَدْيُنِ وَمَا قَالَهُ حَقٌّ قَالَ: وَقَالُوا الْعَرَبِيَّةُ تَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ
وَقَالُوا مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجِدَ فِي نَفْسِهِ الْكِبَرَ فَلْيَتَعَلَّمْ النَّحْوَ، كَذَا قَالَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَيُرْوَى أَنَّ الْمَأْمُونَ كَانَ يَتَفَقَّدُ مَا يَكْتُبُ بِهِ الْكُتَّابُ، فَيُسْقِطُ مَنْ لَحَنَ، وَيَحُطُّ مِقْدَارَ مَنْ أَتَى بِمَا غَيْرُهُ أَجْوَدُ مِنْهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، فَكَانَ الْكُتَّابُ يُثَابِرُونَ عَلَى النَّحْوِ لَمَّا كَانَ الرُّؤَسَاءُ يَتَفَقَّدُونَ هَذَا مِنْهُمْ وَيُقَرِّبُونَ الْعُلَمَاءَ، كَمَا قَالَ الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ: جَاءَنِي رَسُولُ الرَّشِيدِ فَنَهَضْت وَدَخَلْت وَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ، وَمُحَمَّدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَأْمُونُ عَنْ يَسَارِهِ، وَالْكِسَائِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ يُطَارِحُهُمْ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ، فَقَالَ لِي الرَّشِيدُ: كَمْ اسْمٌ {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137] ؟
فَقُلْت: ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْمُ اللَّهِ عز وجل، وَالْكَافُ الثَّانِيَةُ اسْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْهَاءُ مَعَ الْمِيمِ اسْمُ الْكُفَّارِ، قَالَ الرَّشِيدُ: كَذَا قَالَ الرَّجُلُ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إلَى الْكِسَائِيّ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى مُحَمَّدٍ فَقَالَ أَفَهِمْت؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَارْدُدْهُ عَلَيَّ إنْ كُنْت صَادِقًا، فَرَدَّهُ عَلَى مَا لَفَظْت بِهِ، فَقَالَ: أَحْسَنْت أَمْتَعَ اللَّهُ بِك. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ مَنْ يَقُولُ:
نَفْلِقُ هَامًا لَمْ تَنَلْهُ أَكُفُّنَا
…
بِأَسْيَافِنَا هَامَ الْمُلُوكِ الْقَمَاقِمِ
فَقُلْت الْفَرَزْدَقُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: كَيْفَ يَفْلِقُ هَامًا لَمْ تَنَلْهُ كَفُّهُ؟ قُلْت: عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، كَأَنَّهُ قَالَ نَفْلِقُ بِأَسْيَافِنَا مِنْ الْمُلُوكِ الْقَمَاقِمِ هَامًا لَمْ تَنَلْهُ أَكُفُّنَا عَلَى التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِفْهَامِ، فَقَالَ أَصَبْت، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْكِسَائِيّ فَحَادَثَهُ سَاعَةً ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيَّ فَقَالَ: أَعِنْدَك مَسْأَلَةٌ؟ قُلْت: نَعَمْ، لِصَاحِبِ هَذَا الْبَيْتِ قَالَ: هَاتِ، فَقُلْت:
أَخَذْنَا بِآفَاقِ السَّمَاءِ عَلَيْكُمْ
…
لَنَا قَمَرَاهَا وَالنُّجُومُ الطَّوَالِعُ
قَالَ الرَّشِيدُ: أَفَادَنَا هَذَا الشَّيْخُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ قَالَا نَعَمْ، عَلَّمَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ أَنَّ الْقَمَرَيْنِ هَهُنَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، قَالُوا سِيرَةُ الْعُمَرَيْنِ يُرِيدُونَ
أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَمَا قِيلَ: مَا اطَّرَدَ الْأَسْوَدَانِ، يُرِيدُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قُلْت: أَزِيدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي السُّؤَالِ قَالَ: زِدْ قُلْت: فَلِمَ اسْتَحْسَنُوا هَذَا قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعَ شَيْئَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشْهَرَ مِنْ الْآخَرِ غَلَبَ الْأَشْهَرُ؛ لِأَنَّ الْقَمَرَ أَشْهَرُ عِنْدَ الْعَرَبِ لِأُنْسِهِ وَكَثْرَةِ بُرُوزِهِمْ فِيهِ وَمُشَاهَدَتِهِمْ إيَّاهُ دُونَ الشَّمْسِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ، وَتِلْكَ الْقِصَّةُ فِي قَوْلِهِمْ: الْعُمْرَانِ لِطُولِ خِلَافَةِ عُمَرَ وَكَثْرَةِ الْفُتُوحِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ اللَّيْلُ لِأَنَّهُمْ فِيهِ أَفْرَغُ، وَسَمَرُهُمْ فِيهِ أَكْثَرُ.
قُلْت: أَفِيهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى الْكِسَائِيّ فَقَالَ: أَتَعْرِفُ فِي هَذَا غَيْرَ مَا قُلْنَاهُ مِمَّا أَفَدْتنَاهُ؟ قَالَ: لَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ وَفَاءُ الْمَعْنَى، فَأَمْسَكَ عَنِّي قَلِيلًا ثُمَّ قَالَ: أَتَعْرِفُ فِيهِ أَنْتَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا قُلْت: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَقِيَتْ الْغَايَةُ الَّتِي افْتَخَرَ بِهَا قَائِلُ هَذَا الشِّعْرِ قَالَ قُلْت: الشَّمْسُ أَرَادَ بِهَا إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ، وَالْقَمَرُ ابْنُ عَمِّك مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَالنُّجُومُ أَنْتَ وَالْخُلَفَاءُ مِنْ آبَائِك وَمَنْ يَكُونُ مِنْ وَلَدِك إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَتَهَلَّلَ وَجْهُهُ وَقَالَ: حَسَنٌ وَاَللَّهِ، وَالْعِلْمُ كَثِيرٌ لَا يُحَاطُ بِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا الشَّيْخَ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا فَيُفِيدَنَاهُ، وَإِنَّ هَذَا الْعُمَرِيَّ لَأَبْلَغُ إلَى غَايَةِ الْفَخْرُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ تَحْمِلُ إلَى مَنْزِلِ الشَّيْخِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَتَقَدَّمَ بِهَا مِنْ سَاعَتِهِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَغَيْرُهُ وَمِمَّنْ امْتَنَعَ مِنْ النَّحْوِيِّينَ مِنْ مُلَازَمَةِ السُّلْطَانِ، إجْلَالًا لِلْعِلْمِ وَغِنَى نَفْسٍ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَبَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَازِنِيُّ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كَانَ الْخَلِيلُ مِنْ الزُّهَّادِ الْمُنْقَطِعِينَ إلَى الْعِلْمِ، وَمِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ الْمُتَقَشِّفِينَ فِي الْعِبَادَةِ، أَرْسَلَ إلَيْهِ سُلَيْمَانُ بْنُ حُبَيْتٍ الْمُهَلَّبِيُّ لَمَّا وَلِيَ، فَنَثَرَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِهِ كَثِيرًا وَامْتَنَعَ أَنْ يَأْتِيَهُ وَكَتَبَ إلَيْهِ:
أَبْلِغْ سُلَيْمَانَ أَنِّي عَنْهُ فِي سَعَةٍ
…
وَفِي غِنًى غَيْرَ أَنِّي لَسْت ذَا مَالِ
شُحًّا بِنَفْسِي إنِّي لَا أَرَى أَحَدًا
…
يَمُوتُ هُزْلًا وَلَا يَبْقَى عَلَى حَالِ
وَالرِّزْقُ عَنْ قَدَرٍ لَا الضَّعْفُ يُنْقِصُهُ
…
وَلَا يَزِيدَنَّ فِيهِ حَوْلُ مُحْتَالِ
وَالرِّزْقُ يَغْشَى أُنَاسًا لَا طَبَاخَ لَهُمْ
…
كَالسَّيْلِ يَغْشَى أُصُولَ الدِّنْدِنِ الْبَالِي
كُلُّ امْرِئٍ بِسَبِيلِ الْمَوْتِ مُرْتَهَنٌ
…
فَاعْمَلْ لِبَالِك إنِّي شَاغِلٌ بَالِي
وَالْفَقْرُ فِي النَّفْسِ لَا فِي الْمَالِ نَعْرِفُهُ
…
وَمِثْلُ ذَاكَ الْغِنَى فِي النَّفْسِ لَا الْمَالِ
وَأَمَّا الْمَازِنِيُّ، فَأَشْخَصَهُ الْوَاثِقُ إلَى سُرَّ مَنْ رَأَى لِأَنَّ جَارِيَةً غَنَّتْ وَرَاءَ سِتَارِهِ
أَظُلَيْمُ إنَّ مُصَابَكُمْ رَجُلًا
…
أَهْدَى السَّلَامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ
فَقَالَ لَهَا الْوَاثِقُ: رَجُلٌ، فَقَالَتْ: لَا أَقُولُ إلَّا كَمَا عَلِمْت، فَقَالَ لِلْفَتْحِ: كَيْفَ هُوَ يَا فَتْحُ؟ فَقَالَ: هُوَ خَبَرُ إنَّ كَمَا قُلْت، فَقَالَتْ الْجَارِيَةُ: عَلَّمَنِي أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْعَرَبِيَّةِ الْمَازِنِيُّ فَأَمَرَ بِإِشْخَاصِهِ فَأُشْخِصَ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: فَلَقِيَنِي يَعْقُوبُ بْنُ السِّكِّيتِ فَسَأَلَنِي فَأَجَبْته بِالنَّصْبِ فَقَالَ: فَأَيْنَ خَبَرُ إنَّ قُلْت ظُلْمُ، ثُمَّ أَتَى الْمَازِنِيُّ، فَأَجَابَهُ بِمَقَالَةِ الْجَارِيَةِ.
قَالَ الْمَازِنِيُّ: قُلْت لِابْنِ قَادِمٍ وَلِابْنِ سَعْدٍ، لَمَّا كَابَرَنِي: كَيْفَ تَقُولُ نَفَقَتُك دِينَارًا أَصْلَحُ مِنْ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَ: دِينَارًا قُلْت: كَيْفَ تَقُولُ: ضَرْبُك زَيْدًا خَيْرٌ لَك؟ فَنَصَبَ، قُلْت: فَرِّقْ بَيْنَهُمَا فَانْقَطَعَ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الْوَاثِقِ وَحَضَرَ ابْنُ السِّكِّيتِ فَقَالَ لِي الْوَاثِقُ: هَاتِ مَسْأَلَةً فَقُلْت لِيَعْقُوبَ: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ} [يوسف: 63] .
مَا وَزْنُهُ مِنْ الْفِعْلِ؟ قَالَ: نَفْعَلْ، قَالَ الْوَاثِقُ: غَلِطْت، ثُمَّ قَالَ لِي: فَسِّرْهُ، فَقُلْت: نَكْتَلْ تَقْدِيرُهُ نَفْتَعِلُ نَكْتَيِلُ فَانْقَلَبَتْ الْيَاءُ أَلِفًا لِفَتْحِ مَا قَبْلَهَا، فَصَارَ لَفْظُهَا نَكْتَالُ، فَأُسْكِنَتْ اللَّامُ لِلْجَزْمِ لِأَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ، وَحُذِفَتْ الْأَلِفُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا هُوَ الْجَوَابُ، فَلَمَّا خَرَجْنَا عَاتَبَنِي يَعْقُوبُ، فَقُلْت: وَاَللَّهِ مَا قَصَدْت تَخْطِئَتَك وَلَكِنْ كَانَتْ فِي نَفْسِي هَيِّنَةَ الْجَوَابِ، وَلَمْ أَظُنَّ أَنَّهَا تَعْزُبُ عَلَيْك.
قَالَ: وَحَضَرَ يَوْمًا آخَرَ وَاجْتَمَعَ جَمَاعَةُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ فَقَالَ لِي الْوَاثِقُ: يَا مَازِنِيُّ، هَاتِ مَسْأَلَةً فَقُلْت: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28]
وَلَمْ يَقُلْ: بَغِيَّةً وَهِيَ صِفَةٌ لِمُؤَنَّثٍ فَأَجَابُوا بِجَوَابَاتٍ لَيْسَتْ مُرْضِيَةً، فَقَالَ لِي الْوَاثِقُ: هَاتِ الْجَوَابَ، فَقُلْت: لَوْ كَانَتْ بَغِيٌّ عَلَى تَقْدِيرِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ لَحِقَتْهَا الْهَاءُ إذًا لَكَانَتْ مَفْعُولَةً بِمَعْنَى: امْرَأَةٌ قَتِيلٌ وَكَفٌّ خَضِيبٌ، وَتَقْدِيرُ بَغِيٍّ هَهُنَا لَيْسَ بِفَعِيلٍ إنَّمَا هُوَ فَعُولٌ، وَفَعُولٌ لَا تَلْحَقُهُ الْهَاءُ فِي وَصْفِ التَّأْنِيثِ نَحْوَ امْرَأَةٌ سُكُونٌ وَبِئْرٌ شَطُونٌ إذَا كَانَتْ بَعِيدَةَ الرِّشَاءِ، وَتَقْدِيرُ بَغِيٍّ بَغَوِيٌّ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ نَحْوَ سَيِّدٍ وَمَيِّتٍ، فَاسْتَحْسَنَ الْجَوَابَ ثُمَّ اسْتَأْذَنْته فِي الْخُرُوجِ فَقَالَ: أَلَا أَقَمْت عِنْدَنَا: فَقُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ لِي بُنَيَّةً أُشْفِقُ أَغِيبُ عَنْهَا قَالَ: كَأَنِّي بِهَا قَدْ قَالَتْ مَا قَالَتْ ابْنَةُ الْأَعْشَى لِلْأَعْشَى:
أُرَانَا إذَا أَضْمَرَتْك الْبِلَادُ
…
نُجْفَى وَتُقْطَعُ مِنَّا الرَّحِمْ
وَقُلْت أَنْتَ:
تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرُبْت مُرْتَحِلًا
…
يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا
عَلَيْك مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْت فَاغْتَمِضِي
…
يَوْمًا فَإِنَّ بِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا
فَوَاَللَّهِ مَا أَخْطَأَ مَا فِي نَفْسِي، فَأَمَرَ لِي بِجَائِزَةٍ وَأَذِنَ لِي فِي الِانْصِرَافِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَفَرَّ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ مِنْ الْحَجَّاجِ قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ إذْ سَمِعْت رَجُلًا يُنْشِدُ:
رُبَّمَا تَجْزَعُ النُّفُوسُ مِنْ الْأَمْرِ
…
لَهُ فُرْجَةٌ كَحَلِّ الْعِقَالِ
قَدْ مَاتَ الْحَجَّاجُ فَلَمْ أَدْرِ بِأَيِّهِمَا كُنْت أَشَدَّ فَرَحًا؟ أَبِمَوْتِ الْحَجَّاجِ أَوْ قَوْلِهِ: فُرْجَةٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ أَحَدُ الْقُرَّاءِ وَالنَّحْوِيِّينَ: كَانَ مُمْتَنِعَ الْجَانِبِ قَلِيلَ الْغِشْيَانِ لِلسُّلْطَانِ حَتَّى ذَكَرَهُ الْفَرَزْدَقُ وَعَيَّرَهُ الْكِبْرَ وَهَجَاهُ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَمِنْ النَّحْوِيِّينَ مَنْ سَارَعَ إلَى السَّلَاطِينِ وَلَمْ يَحْمَدْ الْعَاقِبَة، مِنْهُمْ سِيبَوَيْهِ وَابْنُ السِّكِّيتِ كَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَا لَمَّا وَرَدَ سِيبَوَيْهِ إلَى الْعِرَاقِ شَقَّ أَمْرُهُ عَلَى
الْكِسَائِيّ، فَأَتَى جَعْفَرَ بْنَ يَحْيَى وَالْفَضْلَ بْنَ يَحْيَى فَقَالَ: أَنَا وَلِيُّكُمَا وَصَاحِبُكُمَا، وَهَذَا الرَّجُلُ قَدْ قَدِمَ لِيُذْهِبَ مَحَلِّي، قَالَا فَاحْتَمِلْ لِنَفْسِك فَسَنَجْمَعُ بَيْنَكُمَا، فَجُمِعَا عِنْدَ الْبَرَامِكَةِ وَحَضَرَ سِيبَوَيْهِ وَحْدَهُ، وَحَضَرَ الْكِسَائِيُّ وَمَعَهُ الْفَرَّاءُ وَعَلِيٌّ الْأَحْمَرُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَسَأَلُوهُ كَيْفَ تَقُولُ: كُنْت أَظُنُّ أَنَّ الْعَقْرَبَ أَشَدُّ لَسْعَةً مِنْ الزُّنْبُورِ، فَإِذَا هُوَ هِيَ أَوْ هُوَ إيَّاهَا؟
فَقَالَ: أَقُولُ: فَإِذَا هُوَ هِيَ، فَقَالَ لَهُ: أَخْطَأْت وَلَحَنْت، فَقَالَ يَحْيَى: هَذَا مَوْضِعٌ مُشْكِلٌ فَمَنْ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ؟ قَالُوا: هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابُ بِالْبَابِ، فَأُدْخِلَ أَبُو الْجَرَّاحِ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ فَسُئِلُوا فَقَالُوا نَقُولُ: فَإِذَا هُوَ إيَّاهَا فَانْصَرَمَ الْمَجْلِسُ عَلَى أَنَّ سِيبَوَيْهِ قَدْ أَخْطَأَ وَحُكِمَ عَلَيْهِ، فَأَعْطَاهُ الْبَرَامِكَةُ وَأُخِذَ لَهُ مِنْ الرَّشِيدِ وَبُعِثَ بِهِ إلَى بَلْدَةٍ فَيُقَالُ: إنَّهُ مَا لَبِثَ إلَّا يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ كَمَدًا قَالَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ: وَأَصْحَابُ سِيبَوَيْهِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْجَوَابَ عَلَى مَا قَالَ سِيبَوَيْهِ، وَهُوَ فَإِذَا هُوَ هِيَ وَهَذَا مَوْضِعُ الرَّفْعِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَمَّا ابْنُ السِّكِّيتِ فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ النَّحْوِيُّ قَالَ قَالَ لِي يَعْقُوبُ بْنُ السِّكِّيتِ: أُرِيدُ أُشَاوِرُك فِي شَيْءٍ قُلْت: قُلْ قَالَ: إنَّ الْمُتَوَكِّلَ قَدْ أَدْنَانِي وَقَرَّبَنِي وَنَدَبَنِي إلَى مُنَادَمَتِهِ فَمَا تَرَى؟ قُلْت: لَا تَفْعَلْ وَكَرِهْت لَهُ النِّهَايَةَ، فَدَافَعَ بِهِ يَعْقُوبُ ثُمَّ تَطَلَّعَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ فَشَاوَرَنِي، فَقُلْت: يَا أَخِي أُحَذِّرُك عَلَى نَفْسِك، فَإِنَّهُ سُلْطَانٌ وَأَكْرَهُ أَنْ تَزِلَّ بِشَيْءٍ، فَحَمَلَهُ حُبُّ ذَلِكَ عَلَى أَنْ خَالَفَنِي فَقَتَلَهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ لِشَيْءٍ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِي أَمْرِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَكَانَ أَوَّلُهُ مِزَاحًا وَكَانَ ابْنُ السِّكِّيتِ يَتَشَيَّعُ فَقَتَلَهُ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمِنْ النَّحْوِيِّينَ مَنْ قَرُبَ مِنْ السَّلَاطِينِ فَحَظِيَ عِنْدَهُمْ، مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ: أَقَامَ الْكِسَائِيُّ بِالْبَصْرَةِ عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ رَحَلَ إلَى الْكُوفَةِ، فَأَخَذَ عَنْ أَعْرَابٍ لَيْسُوا بِفُصَحَاءَ فَأَفْسَدَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، فَقَدْ صَارَ النَّحْوُ كُلُّهُ مِنْ الْبَصْرَةِ؛ لِأَنَّ الْكِسَائِيَّ مِنْهُمْ تَعَلَّمَ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَى الْأَخْفَشِ كِتَابَ سِيبَوَيْهِ، وَيُحْكَى أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:
وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الرُّؤَسَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي النَّحْوِ إلَّا بَصْرِيٌّ، حَتَّى إنَّهُمْ حُجَجٌ فِي اللُّغَةِ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ لِفَصَاحَتِهِمْ، وَكَانُوا لَا يَأْخُذُونَ إلَّا عَنْ الْفُصَحَاءِ مِنْ الْأَعْرَابِ، وَلَهُمْ السَّبْقُ وَالتَّقْدِيمُ، مِنْهُمْ أَبُو الْأَسْوَدِ وَأَبُو عَمْرٍو، وَسَمِعْت عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: سَاءَنِي أَنَّ خَلَفًا الْبَزَّارَ عَلَى جَلَالَتِهِ وَمَحَلَّهُ تَرَكَ الْكِسَائِيَّ، وَهُوَ أُسْتَاذُهُ فَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ حَرْفًا وَاحِدًا، مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ فِي تَصْنِيفِهِ كِتَابَ الْقِرَاءَاتِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ثُمَّ عَرَّفَنِي غَيْرُ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: قَالَ لِي سَيِّدِي الرَّشِيدُ، فَتَرَكَهُ وَقَالَ: إنَّ إنْسَانًا مِقْدَارُ الدُّنْيَا عِنْدَهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ أَجْلِهَا هَذَا الْإِجْلَالَ، لَحَرِيٌّ أَنْ لَا يُؤْخَذَ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْعِلْمِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ كَانَ الْأَصْمَعِيُّ مُتَّصِلًا بِالرَّشِيدِ وَكَانَ يُقَدِّمُهُ وَيَتَكَلَّمُ فِي مَجْلِسِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ أَنَّهُ قَالَ: النَّحْوُ أَوَّلُهُ شُغْلٌ، وَآخِرُهُ بَغْيٌ، وَرَدَّ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَى ذَلِكَ، وَسِيقَ فِي فُصُولِ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ فِي الْكِتَابَةِ، وَيَأْتِي بَعْدَ نِصْفِ كُرَّاسَةٍ أَيْضًا.
وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي بَاب الِاصْطِلَاحِ الْمُحْدَثَ الَّذِي اسْتِعْمَالُهُ خَطَأٌ قَالَ: وَاسْتَعْمَلُوا يَفْعَلْ ذَلِكَ بِغَيْرِ لَامِ الْأَمْرِ، وَهَذَا مِنْ الْخَطَأِ الْقَبِيحِ الَّذِي يُقْلَبُ مَعَهُ الْمَعْنَى فَيَصِيرُ خَبَرًا، وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ، وَإِنْ جُزِمَ أَيْضًا فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَكُونُ بِغَيْرِ لَامٍ إلَّا فِي شُذُوذٍ وَاضْطِرَارٍ، عَلَى أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ أَصْحَابِهِ حَذْفُ اللَّامِ مِنْ الْأَمْرِ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ لَا تُضْمَرُ؛ وَلِأَنَّ عَوَامِلَ الْأَفْعَالِ أَضْعَفُ مِنْ عَوَامِلِ الْأَسْمَاءِ، وَأَنَّ مَا أُنْشِدَ فِيهِ مِنْ الشِّعْرِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ، وَهُوَ:
مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَك كُلُّ نَفْسِ
كَذَا قَالَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 64] .
قِيلَ هُوَ خَبَرٌ مِنْ اللَّهِ عَنْ حَالِهِمْ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إنَّهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ لَهُمْ
بِالْحَذَرِ، فَتَقْدِيرُهُ لِيَحْذَرْ الْمُنَافِقُونَ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَالْعَرَبُ رُبَّمَا أَخْرَجَتْ الْأَمْرَ عَلَى لَفْظِ الْخَبَرِ فَيَقُولُونَ: يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ وَيُعَذِّبُ الْكَافِرَ، يُرِيدُونَ لِيَرْحَمْ وَيُعَذِّبْ فَيُسْقِطُونَ اللَّامَ وَيُجْرُونَهُ مَجْرَى الْخَبَرِ فِي الرَّفْعِ، وَهُمْ لَا يَنْوُونَ إلَّا الدُّعَاءَ، وَالدُّعَاءُ مُضَارِعٌ لِلْأَمْرِ. وَأَمَّا الْجَزْمُ بِلَامٍ مُقَدَّرَةٍ فَيَجُوزُ كَثِيرًا مُطَّرِدًا بَعْدَ أَمْرٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ} [إبراهيم: 31] .
وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ جَوَابُ قُلْ، وَالتَّقْدِيرُ: قُلْ لَهُمْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ يُقِيمُوا، أَيْ إنْ تَقُلْ لَهُمْ يُقِيمُوا. وَرَدَّهُ قَوْمٌ بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ لَا يُوجِبُ أَنْ يُقِيمُوا، وَاخْتَارَ ابْنُ مَالِكٍ هَذَا الرَّدَّ، وَلَمْ يَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْعِبَادِ الْكُفَّارَ، بَلْ الْمُؤْمِنِينَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ {لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} [إبراهيم: 31] وَإِذَا أَمَرَهُمْ الرَّسُولُ قَامُوا.
وَقِيلَ: يُقِيمُوا جَوَابُ أَقِيمُوا الْمَحْذُوفَةِ أَيْ: أَنْ يُقِيمُوا، يُقِيمُوا وَرُدَّ بِوُجُوبِ مُخَالَفَةِ جَوَابِ الشَّرْطِ لَهُ فِي الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ أَوْ فِيهِمَا، فَلَا يَجُوزُ قُمْ تَقُمْ، وَبِأَنَّ الْمُقَدَّرَ لِلْمُوَاجَهَةِ وَيُقِيمُوا عَلَى لَفْظِ الْغَيْبَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ إذَا كَانَ الْفَاعِلُ وَاحِدًا، وَيَجُوزُ الْجَزْمُ فَاللَّامُ الْأَمْرِ مُقَدَّرَةً قَلِيلًا بَعْدَ قَوْلٍ بِلَا أَمْرٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ، وَلَا يَجُوزُ الْجَزْمُ بِهَا بِلَا أَمْرٍ وَلَا قَوْلٍ وَلَا ضَرُورَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنَّمَا ذَكَرْت ذَلِكَ لِكَثْرَةِ كِتَابَةِ " يُعْتَمَدُ ذَلِكَ " وَنَحْوِهَا وَكَثْرَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ إلَّا إنْكَارَهُ فَيُنْكِرُهُ، وَيُوَافِقُهُ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَعْلَمُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.