الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي أَخْبَارِ الْعَابِدَاتِ وَالْعَابِدِينَ وَالزُّهَّاد]
ِ) قَالَ الْحَسَنُ بْنُ اللَّيْثِ الرَّازِيّ قِيلَ لِأَحْمَدَ يَجِيئُك بِشْرٌ يَعْنُونَ ابْنَ الْحَارِثِ قَالَ لَا، تَعْنُونَ الشَّيْخَ نَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَذْهَبَ إلَيْهِ قِيلَ لَهُ نَجِيءُ بِك قَالَ لَا أَكْرَهُ أَنْ يَجِيءَ إلَيَّ أَوْ أَذْهَبَ إلَيْهِ فَيَتَصَنَّعُ لِي وَأَتَصَنَّعُ لَهُ فَنَهْلِك.
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَذُكِرَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ لَقَدْ كَانَ فِيهِ أُنْسٌ، وَقَالَ مَا كَلَّمْته قَطُّ نَقَلْته مِنْ الْوَرَعِ.
وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دِرَامٍ الْحَافِظُ بِالْكُوفَةِ حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُقْرِي الْبَغْدَادِيُّ ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ صَاحِبُ بِشْرٍ قَالَ: اعْتَلَّ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ فَعَادَتْهُ آمِنَةُ الرَّمْلِيَّةُ مِنْ الرَّمْلَةِ فَإِنَّهَا لَعِنْدَهُ إذْ دَخَلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَعُودُهُ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَ: هَذِهِ آمِنَةُ الرَّمْلِيَّةُ بَلَغَهَا عِلَّتِي فَجَاءَتْ مِنْ الرَّمْلَةِ تَعُودُنِي، فَقَالَ: فَسَلْهَا تَدْعُو لَنَا.
فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ إنَّ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَسْتَجِيرَانِك مِنْ النَّارِ فَأَجِرْهُمَا قَالَ أَحْمَدُ: فَانْصَرَفْت فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ طُرِحَتْ إلَيَّ رُقْعَةٌ فِيهَا مَكْتُوبٌ: بِاسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَدْ فَعَلْنَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ.
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَعَبِّدَاتِ فَأَخْبَرَتْنِي عَنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى أَنَّهَا عَمَدَتْ إلَى بَيْتِهَا فَفَوَّتَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا وَاقْتَصَرَتْ عَلَى قُرْصَيْنِ وَتَرَكَتْ الدُّنْيَا وَهِيَ تَسْأَلُك أَنْ تَدْعُوَ لَهَا قَالَ: فَقُلْت لَهَا قُولِي لِصَاحِبَةِ الْقُرْصَيْنِ تَدْعُو لِي.
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَا أَعْدِلُ بِفَضْلِ الْفَقْرِ شَيْئًا أَتَدْرِي إذَا سَأَلَك أَهْلُك حَاجَةً لَا تَقْدِرُ عَلَيْهَا أَيُّ شَيْءٍ لَك مِنْ الْأَجْرِ؟ مَا قَلَّ مِنْ الدُّنْيَا كَانَ أَقَلَّ لِلْحِسَابِ.
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ سَمِعْت أَحْمَدَ يَقُولُ إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ كَرَمًا وَكَرَمُ الْقَلْبِ الرِّضَا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ لِشُجَاعِ بْنِ مَخْلَدٍ يَا أَبَا الْفَضْلِ إنَّمَا هُوَ طَعَامٌ دُونَ طَعَامٍ وَلِبَاسٌ دُونَ لِبَاسٍ، وَإِنَّهَا أَيَّامٌ قَلَائِلُ.
وَقَالَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ مَا أَعْدِلُ بِالصَّبْرِ عَلَى الْفَقْرِ شَيْئًا، كَمْ بَيْنَ مَنْ يُعْطَى مِنْ الدُّنْيَا لِيُفْتَتَنَ إلَى آخَرَ تُزْوَى عَنْهُ قَالَ: وَذَكَرْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ بَعْضِ الْمُفْتِينَ شَيْئًا فِي الْوَرَعِ فَشَدَّدَ عَلَى السَّائِلِ وَهُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَا يَفْعَلُ أَوْ كَلَامًا ذَا مَعْنَاهُ إذَا كَانَ يُفْتِي وَقَالَ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَذَكَرَ قَوْمًا مِنْ الْمُتْرَفِينَ فَقَالَ الدُّنُوُّ مِنْهُمْ فِتْنَةٌ وَالْجُلُوسُ مَعَهُمْ فِتْنَةٌ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنْ أَرَدْت اللُّحُوقَ بِي فَلْيَكْفِك مِنْ الدُّنْيَا كَزَادِ رَاكِبٍ، وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الْأَغْنِيَاءِ وَلَا تَسْتَخْلِفِي ثَوْبًا حَتَّى تُرَقِّعِيهِ»
وَعَنْ مَكْحُولٍ قَالَ قُلْت لِلْحَسَنِ إنِّي أُرِيدُ الْخُرُوجَ إلَى مَكَّةَ قَالَ: إيَّاكَ أَنْ تَصْحَبَ رَجُلًا يَكْرُمُ عَلَيْك فَيَفْسُدُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَك.
وَقَالَ أَحْمَدُ إنَّمَا قَوِيَ بِشْرٌ لِأَنَّهُ كَانَ وَحْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ، لَيْسَ مَنْ كَانَ مُعِيلًا كَمَنْ كَانَ وَحْدَهُ لَوْ كَانَ إلَيَّ مَا بَالَيْت مَا أَكَلْت.
وَقَالَ أَيْضًا لَوْ تَرَكَ النَّاسُ التَّزْوِيجَ مَنْ كَانَ يَدْفَعُ الْعَدُوَّ؟ لِبُكَاءِ الصَّبِيِّ بَيْنَ يَدَيْ أَبِيهِ مُتَسَخِّطًا يَطْلُبُ مِنْهُ خُبْزًا أَفْضَلَ مِنْ كَذَا وَكَذَا يَرَاهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يَلْحَقَ الْمُتَعَبِّدَ الْأَعْزَبُ وَقَالَ فِي الْفُنُونِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إذَا طَلَبَ إلَى ذِي الْعَيْلَةِ عَيْلَتُهُ شَهْوَةً فَأَيْنَ يَلْحَقُهُ الْقَائِمُ الصَّائِمُ» .
وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرَهُ تَمَتَّعُوا مِنْ الدُّنْيَا: إنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُحَدِّثِينَ حِرْصَهُمْ عَلَى الدُّنْيَا قَالَ الْمَرُّوذِيُّ وَذَكَرْت رَجُلًا مِنْ الْمُحَدِّثِينَ فَقَالَ أَنَا أَشَرْت بِهِ أَنْ يُكْتَبَ عَنْهُ وَإِنَّمَا أَنْكَرْت عَلَيْهِ حُبَّهُ الدُّنْيَا. وَقَدْ سَبَقَ مَعْنَى هَذَا فِي فُصُولِ الْعِلْمِ وَأَنَّ الْعَالِمَ لَيْسَ كَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُقْتَدَى بِهِ.
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ وَسَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَدْ تَفَكَّرْت فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] .
ثُمَّ قَالَ تَفَكَّرْت فِي وَفِيهِمْ وَأَشَارَ نَحْوَ الْعَسْكَرِ وَقَالَ: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] قَالَ رِزْقُ يَوْمٍ بِيَوْمٍ خَيْرٌ قَالَ وَلَا يَهْتَمُّ لِرِزْقِ غَدٍ وَقَالَ أَبُو دَاوُد كَانَتْ مُجَالَسَةُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مُجَالَسَةَ الْآخِرَةِ لَا يَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَمَا رَأَيْته ذَكَرَ الدُّنْيَا قَطُّ وَقَالَ أَحْمَدُ لِرَجُلٍ لَوْ صَحَحْت مَا خِفْت أَحَدًا وَسَبَقَ بِنَحْوِ أَرْبَعَةِ كَرَارِيسَ فِي فَضَائِلِهِ.
وَسُئِلَ عَنْ الْحُبِّ فِي اللَّهِ فَقَالَ: هُوَ أَنْ لَا يُحِبَّهُ لِطَمَعِ الدُّنْيَا. وَفِيهِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي» وَلِلتِّرْمِذِيِّ.
وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا قَالَ اللَّهُ «الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ» وَلِأَبِي دَاوُد هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَفِيهِ «قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا» وَلِمَالِكٍ وَأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: «وَجَبَتْ جَنَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِي وَالْمُتَجَالِسِينَ فِي» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ الْمَلَكَ قَالَ لِلَّذِي زَارَ أَخَاهُ: إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْك إنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّك كَمَا أَحْبَبْته فِيهِ» وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ «مَا أَحَبَّ عَبْدٌ عَبْدًا إلَّا أَكْرَمَ رَبَّهُ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقُ بِهِمْ قَالَ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»
وَذَكَرَ أَحْمَدُ الدُّنْيَا فَقَالَ قَلِيلُهَا يُجْزِي وَكَثِيرُهَا لَا يُجْزِي وَقَالَ لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا حَتَّى تَكُونَ فِي مِقْدَارِ لُقْمَةٍ ثُمَّ أَخَذَهَا امْرُؤٌ مُسْلِمٌ فَوَضَعَهَا فِي فَمِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ لَمَا كَانَ مُسْرِفًا.