الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ التَّسْلِيمُ لِلَّهِ فِي اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ]
ِ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: قَدْ نَدَبَ اللَّهُ إلَى الدُّعَاءِ وَفِيهِ مَعَانٍ: الْوُجُودُ وَالْغِنَى وَالسَّمْعُ وَالْكَرَمُ وَالرَّحْمَةُ وَالْقُدْرَةُ، فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ لَا يُدْعَى، وَمَنْ يَقُولُ بِالطَّبَائِعِ يَعْلَمُ أَنَّ النَّارَ لَا يُقَالُ لَهَا كُفِّي، وَلَا النَّجْمُ لَا يُقَالُ لَهُ أَصْلِحْ مِزَاجِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ عِنْدَهُمْ مُؤَثِّرَةٌ طَبْعًا لَا اخْتِيَارًا، فَشَرَعَ الدُّعَاءَ وَالِاسْتِسْقَاءَ لِيُبَيِّنَ كَذِبَ أَهْلِ الطَّبَائِعِ وَقَالَ:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} [الحجر: 21] .
حَتَّى لَا يُطْلَبَ إلَّا مِنْهُ، ثُمَّ أَحَبَّ أَنْ يُظْهِرَ جَوَاهِرَ أَهْلِ الِابْتِلَاءِ فَقَالَ لِذَا اذْبَحْ وَلَدَك، وَقَرَنَ هَذَا بِالْبَلَاءِ لِيَحْمِلَهُمْ عَلَى الدُّعَاءِ وَاللَّجَاءِ.
وَقَالَ أَيْضًا فِي الْفُنُونِ: تَسْتَبْطِئُ الْإِجَابَةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِأَدْعِيَتِك فِي أَغْرَاضِك الَّتِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي بَاطِنِهَا الْمَفَاسِدُ فِي دِينِك وَدُنْيَاك، وَتَتَسَخَّطُ بِإِبْطَاءِ مُرَادِك مَعَ الْقَطْعِ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَمْنَعُك شُحًّا وَلَا بُخْلًا وَلَا نِسْيَانًا، وَقَدْ شَهِدَ لِصِحَّةِ ذَلِكَ مُرَاعَاتُهُ لَك.
وَلَا لِسَانَ يَنْطِقُ بِدُعَاءٍ، وَلَا أَرْكَانَ لِعَبْدِهِ، وَلَا قُوَّةً تَتَحَرَّك بِهَا فِي طَاعَةٍ مِنْ طَاعَاتِهِ، فَكَيْفَ وَجُمْلَتُك وَأَبْعَاضُك وَقْفٌ عَلَى خِدْمَتِهِ، وَلِسَانُك رَطْبٌ بِأَذْكَارِهِ؟ لَكِنْ إنَّمَا أُخِّرَ رَحْمَةً لَك وَحِكْمَةً وَمَصْلَحَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ إلَيْك بِذَلِكَ تَقْدِمَةً، فَقَالَ سُبْحَانَهُ:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216] .
وَأَنْتَ الْعَبْدُ الْمُحْتَاجُ تَتَخَلَّفُ عَنْ أَكْثَرِ أَوَامِرِهِ، وَلَا تَسْتَبْطِئُ نَفْسَك فِي أَدَاءِ حُقُوقِهِ. هَلْ هَذَا إنْصَافٌ أَنْ يَكُونَ مِثْلُك يُبْطِئُ عَنْ الْحُقُوقِ وَلَا تُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِك، ثُمَّ تَسْتَبْطِئُ الْحَكِيمَ الْأَزَلِيَّ الْخَالِقَ فِي بَابِ الْحُظُوظِ الَّتِي لَا تَدْرِي كَيْفَ حَالُك فِيهَا هَلْ طَلَبُهَا عَطَبٌ وَهَلَاكٌ، أَوْ غِبْطَةٌ وَصَلَاحٌ.
وَقَالَ أَيْضًا بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُنَبِّهُك عَلَى الِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِك وَسِرِّك وَمَالِك، بِالِاحْتِيَاطِ لِمَالِ غَيْرِك، لَقَدْ أَوْجَبَ عَلَيْك ذَلِكَ التَّحَرُّزَ وَالتَّحَفُّظَ وَالِارْتِيَادَ وَالْمُبَالَغَةَ فِي الِانْتِقَادِ لِكُلِّ مَحَلٍّ تُودِعُهُ سِرًّا أَوْ مَالًا أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ، أَوْ مَشُورَةٍ تَقْتَبِسُ بِهَا رَأْيًا، وَنَبَّهَك عَلَى مَا هُوَ أَوْكَدُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ تَعْلَمَ بِأَنَّك وَإِنْ بَلَغْت الْغَايَةَ مِنْ الْفَهْمِ وَالْعَقْلِ وَالتَّجْرِبَةِ يَجُوزُ أَنْ يَعْلَمَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ تَقْصِيرَك عَنْ تَدْبِيرِ نَفْسِك، فَإِذَا بَالَغَتْ فِي الدُّعَاءِ الْمَحْبُوبِ نَفْسَك جَازَ لَهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُعْطِيَك بِحَسَبِ مَا طَلَبْت، وَلَا يُرْخِي لِذَلِكَ الْعِنَانَ بِحُكْمِ مَا لَهُ أَرَدْت، بَلْ يَحْبِسُ عَنْك لِصَلَاحِك، وَيُضَيِّقُ عَلَيْك مَا وَسَّعَهُ عَلَى غَيْرِك نَظَرًا لَك؛ لِأَنَّهُ فِي حِجْرِ الرُّبُوبِيَّةِ مَا دُمْت عَبْدًا.
فَإِذَا أَخْرَجَك عَنْ رِبْقَةِ التَّكْلِيفِ سَرَّحَك تَسْرِيحًا، وَلَا تَطْلُبْ التَّخْلِيَةَ حَالَ حَبْسِك، وَلَا التَّصَرُّفَ بِحَسْبِ مُرَادِك حَالَ حَجْرِك فَلَسْت رَشِيدًا فِي مَصَالِحِك، فَكُنْ بِاَللَّهِ كَالْيَتِيمِ، مَعَ الْوَلِيِّ الْحَمِيمِ، تَسْتَرِحْ مِنْ كَدِّ التَّسَخُّطِ، وَتَنْجُو مِنْ مَأْثَمِ الِاعْتِرَاضِ وَالتَّحَيُّرِ، وَلَيْسَ يُمْكِنُك هَذَا إلَّا بِشِدَّةِ بَحْثٍ وَنَظَرٍ فِي حُبِّك وَقَدْرِك.
فَإِذَا عَلِمْت أَنَّك بِالْإِضَافَةِ إلَى الْحِكْمَةِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ الْإِلَهِيِّ دُونَ الْيَتِيمِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْوَلِيِّ بِكَثِيرٍ، صَحَّ لَك التَّفْوِيضُ وَالتَّسْلِيمُ، وَاسْتَرَحْت مِنْ كَدِّ الِاعْتِرَاضِ وَمَرَارَةِ التَّسَخُّطِ وَالتَّدْبِيرِ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:{وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا} [الإسراء: 65] .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ فِي أَسْرِ الْأَقْدَارِ تُصْرَفُ فَإِنْ اعْتَرَضْت صِرْت فِي أَسْرِ الشَّيْطَانِ، فَلَأَنْ تَكُونَ فِي أَسْرِ مَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْك خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي أَسْرَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا مَحِيصَ لَك عَنْهُ، وَالْآخَرُ أَنْتَ أَوْقَعْت نَفْسَك فِيهِ. وَلَا أَقْبَحَ مِنْ عَاقِلٍ حَمَاهُ اللَّهُ وَحَجَرَ عَلَيْهِ حَمِيمُهُ نَظَرًا لَهُ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ عَدُوًّا بِقُبْحِ آثَارِ وَلِيِّهِ عَنْدَهُ، وَيُسْخِطُهُ عَلَيْهِ لِيُفْسِدَ عَلَيْهِ مَعَ الْوَلِيِّ. وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا.
وَقَالَ أَيْضًا كُلُّ حَالٍ خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَغْتَنِمَ تِلْكَ اللَّحْظَةَ فَإِنَّهَا سَاعَةُ إجَابَةٍ. فَحُضُورُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَلْبِ الْعَبْدِ حُضُورٌ وَاسْتِحْضَارٌ، وَخَيْرُ أَوْقَاتِ الطَّلَبِ اسْتِحْضَارُ الْمُلُوكِ، وَمَنْ اشْتَدَّتْ فَاقَتُهُ فَدَعَا، أَوْ اشْتَدَّ خَوْفُهُ فَبَكَى، فَذَلِكَ الْوَقْت الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ فِيهِ فَإِنَّهُ سَاعَةُ إجَابَةٍ وَسَاعَةُ صِدْقٍ فِي الطَّلَبِ وَمَا دَعَا صَادِقٌ إلَّا أُجِيبَ. وَسَبَقَ مَا يُسْتَعْمَلُ لِإِزَالَةِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ قُبَيْلَ فُصُولِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَفِي الْكَلَامِ عَلَى دَعْوَةِ ذِي النُّونِ عليه السلام. وَيَأْتِي أَدْعِيَةٌ فِي فُصُولِ التَّدَاوِي.