المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في طلب العلم وما يبدأ به منه وما هو فريضة منه وفضل أهله] - الآداب الشرعية والمنح المرعية - جـ ٢

[شمس الدين ابن مفلح]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي حُسْنِ الْمَلَكَةِ وَسُوءِ الْمَلَكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْإِخْوَانِ وَسُؤَالِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَدَبِ وَالتَّوَاضُعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَحَظِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُسْنِ الْجِوَارِ]

- ‌[فَصْلُ فِي حُبِّ الْفَقْرِ وَالْمَوْتِ وَالْحَذَرِ مِنْ الدُّنْيَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَحْدَةِ وَالْعُزْلَةِ وَالتَّوَاضُعِ فِي سِيرَةِ أَحْمَدَ]

- ‌[فَصْلٌ الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ وَمَا قِيلَ فِي تَسَاوِيهَا وَعَدَمِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَمَا يُبْدَأُ بِهِ مِنْهُ وَمَا هُوَ فَرِيضَةٌ مِنْهُ وَفَضْلِ أَهْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْعِظَةُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَّقِينَ بِالشِّعْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعِلْمُ مَوَاهِبُ مِنْ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ يُنَالُ بِالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ لَا بِالْحَسَبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَذَرُ مِنْ الْقَوْلِ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالظَّنِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَوْلِ الْعَالِمِ لَا أَدْرِي وَاتِّقَاءِ التَّهَجُّمِ عَلَى الْفَتْوَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْفَهْمِ فِي الْفِقْهِ وَالتَّثْبِيتِ وَعِلْمِ مَا يُخْتَلَفُ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ السُّؤَالِ عَنْ الْغَرَائِبِ وَعَمَّا لَا يُنْتَفَعُ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْأُغْلُوطَاتِ وَالْمُغَالَطَةِ وَسُوءِ الْقَصْدِ بِالْأَسْئِلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ هَدْيُ النَّبِيِّ فِي التَّنْبِيهِ وَصَرَاحَتُهُ فِي التَّعْلِيمِ]

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةُ الْكَلَامِ فِي الْوَسَاوِسِ وَخَطَرَاتِ الْمُتَصَوِّفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وَعْظِ الْقُصَّاصِ وَنَفْعِهِمْ وَضَرَرِهِمْ وَكَذِبِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْكَلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةُ التَّشَدُّقِ فِي الْكَلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْقُصَّاصِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّخَوُّلِ بِالْمَوْعِظَةِ خَشْيَةَ الْمَلَلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِهِ وَمَتَى يَكُونُ بِدْعَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْمُحَدِّثِ الَّذِي يُؤْخَذُ عَنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إنْصَافِ طُلَّابِ الْعِلْمِ وَمَنْ كَانَ يُحَابِي فِي التَّحْدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يُودَعَ الْعِلْمُ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَخْذِ الْعِلْمِ عَنْ أَهْلِهِ وَإِنْ كَانُوا صِغَارَ السِّنِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ خَيْرُ النَّاسِ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِالْخَيْرِ أَهْلُهُ وَجِيرَانُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ يَتَلَقَّى الْعِلْمَ مِمَّنْ يَنْتَفِعُ مِنْهُ بِغَيْرِ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَحْوِ كُتُبِ الْحَدِيثِ أَوْ دَفْنِهَا إذَا كَانَتْ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي كِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُتَعَارِضَةِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَفِقْهِهِ وَكَرَاهَةِ طَلَبِ الْغَرِيبِ وَالضَّعِيفِ مِنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ مَعْرِفَةُ عِلَلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِلْمِ الْإِعْرَابِ لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إصْلَاحِ اللَّحْنِ الْعَارِضِ لِمَتْنِ الْحَدِيثِ، وَمَتَى يَجُوزُ التَّحْدِيثُ وَمَنْ يُقَدَّمُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَكَانَةِ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَإِقْبَالِ الْأُلُوفِ عَلَى مَجَالِسِهِمْ، وَحَسَدِ الْخُلَفَاءِ لَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْدِيمِ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَالْإِخْلَاصِ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جَرْحِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ لِبَيَانِ الْحَقِيقَةِ وَمَعْرِفَةِ الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَطَإِ الثِّقَاتِ وَكَوْنِهِ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ بَشَرٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَاتِ مَنْ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْحَدِيثُ وَالدِّينُ وَمَنْ لَا يُؤْخَذُ عَنْهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَمْتِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْحَدِيثُ وَالْعِلْمُ وَهَدْيِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقَامَةِ فِي بِلَادِ الْعِلْمِ وَالرِّحْلَةِ عَنْ غَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَطَرِ كِتْمَانِ الْعِلْمِ وَفَضْلِ التَّعْلِيمِ وَمَا قِيلَ فِي أَخْذِ الْأَجْرِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ مُخَاطَبَةُ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وَضْعِ الْعَالِمِ الْمِحْبَرَةَ بَيْن يَدَيْهِ وَجَوَازِ اسْتِمْدَادِ الرَّجُلِ مِنْ مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ وَالْكُتُبِ وَالْكُتَّابِ وَأَدَوَاتِهِمْ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي نَظَرِ الرَّجُلِ فِي كِتَابِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ رِضَاهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَذْلِ الْعِلْمِ وَمِنْهُ إعَارَةُ الْكُتُبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِيَامِ أَهْلِ الْحَدِيثِ اللَّيْلَ وَخُشُوعِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَدَبِ مَعَ الْمُحَدِّثِ وَمِنْهُ التَّجَاهُلُ وَالْإِقْبَالُ وَالِاسْتِمَاعُ]

- ‌[فَصْلٌ لَا تَطْلُبْ مِنْ صَاحِبِ دُنْيَا حَاجَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْمُذَاكَرَةِ عَنْ النَّوَافِلِ وَفَضْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْأَصْدِقَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالشَّفَاعَةِ فِيهَا لَدَى الْأَئِمَّةِ وَالسَّلَاطِينِ]

- ‌[فَصْلٌ رَجُلٌ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَلَهُ قَرَابَةٌ وَلَهُمْ وَلِيمَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ الشَّكْوَى مِنْ الْمَرَضِ وَالضَّيْرِ وَاسْتِحْبَابِ حَمْدِ اللَّهِ قَبْلَ ذِكْرَهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُكْرِ النِّعَمِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ وَفَوَائِدِهِ فِي الِالْتِجَاءِ إلَى اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّبْرِ وَالصَّابِرِينَ وَفَوَائِدِ الْمَصَائِبِ وَالشَّدَائِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْتِقَاطِ مَا يَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَدَبِ الصُّحْبَةِ وَاتِّقَاءِ أَسْبَابِ الْمَلَلِ وَالْقَطِيعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْبَصِيرَةِ وَالنَّظَرِ فِي الْعَوَاقِبِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْكَارُ أَحْمَدَ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ وَتَوَاضُعُهُ وَثَنَاؤُهُ عَلَى مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُعَاءِ الْمَظْلُومِ عَلَى ظَالِمِهِ وَشَيْءٍ مِنْ مَنَاقِبِ أَحْمَدَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِخَارَةِ وَهَلْ هِيَ فِيمَا يَخْفَى أَوْ فِي كُلِّ شَيْءٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَقِيقَةِ الزُّهْدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَخْبَارِ الْعَابِدَاتِ وَالْعَابِدِينَ وَالزُّهَّاد]

- ‌[التُّهَمَةِ فِي الْبِدْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَبُّدِ الْجَهْلِ وَتَقَشُّفِ الرِّيَاءِ وَتَزَهُّدِ الشُّهْرَةِ وَعُبُودِيَّةِ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْ خَافَ مِنْ اللَّهِ عز وجل]

- ‌[فَصْلٌ أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُزَوِّجَ رَجُلًا فَأَرَادَ أَنْ يَجْتَمِعَ لَهُ الدُّنْيَا وَالدِّينُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سُنَّةِ الْمُصَافَحَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَمَا قِيلَ فِي التَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْبِيلِ الْمَحَارِمِ مِنْ النِّسَاءِ فِي الْجَبْهَةِ وَالرَّأْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّنَاجِي وَكَلَامِ السِّرِّ وَأَمَانَةِ الْمَجَالِسِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ لِإِسْكَاتِ الْغَضَبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدُّعَاءِ وَآدَابِهِ وَالْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّوَكُّلِ وَمُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ وَسُؤَالِ الْمَخْلُوقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَوْنِ التَّوَكُّلِ وَالدُّعَاءِ نَافِعَيْنِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّسْلِيمُ لِلَّهِ فِي اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ]

- ‌[فُصُولُ خَاصَّةُ بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ] [

- ‌فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ نَقْطِ الْمُصْحَفِ وَشَكْلِهِ وَكِتَابَةِ الْأَخْمَاسِ وَالْأَعْشَارِ وَأَسْمَاءِ السُّوَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَسْمَاءِ السُّوَرِ وَمَا تَجِبُ صِيَانَةُ الْمُصْحَفِ عَنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْقُرْآنُ بَدَلًا مِنْ الْكَلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاقْتِبَاسِ بِتَضْمِينِ بَعْضٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ وَحُكْمِ تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ وَالتَّابِعِيِّ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ حَالٍ إلَّا لِمَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقُرَّاءِ فِي السُّوقِ وَاخْتِلَافِ حَالِ الْقَارِئِ وَالسَّامِعِينَ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التِّلَاوَةِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ لِتَسْكِينِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَحْزِيبِ الْقُرْآنِ وَتَقْسِيمِ خَتْمِهِ عَلَى الْأَيَّامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ سُوَرِ الْمُفَصَّلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ الْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَرِوَايَتِهِ وَالتَّسَاهُلِ فِي أَحَادِيثِ الْفَضَائِلِ]

- ‌[فَصْلٌ رِوَايَةُ التَّكْبِيرِ مَعَ الْقُرْآنِ مِنْ سُورَةِ الضُّحَى إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْتِيلِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ وَالتَّخَشُّعِ وَالتَّغَنِّي بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التِّلَاوَةِ بِأَلْحَانِ الْخَاشِعِينَ لَا أَلْحَانِ الْمُطْرِبِينَ]

- ‌[فَصْلٌ تَكْرَارُ الْخَتْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِمَاعِ لِلْقُرْآنِ وَالْإِنْصَاتِ وَالْأَدَبِ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَعْتَرِي الْمُتَصَوِّفَةُ عِنْدَ سَمَاعِ الْوَعْظِ وَالْغِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الِاجْتِمَاعِ فِي الْمَسَاجِدِ فِي لَيَالِي الْمَوَاسِمِ وَالذَّهَابِ فِي أَيَّامِهَا إلَى الْمَقَابِرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَوُّذِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَالْبَسْمَلَةِ لِكُلِّ سُورَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَحْوَالِ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهَا الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ كُلُّ حَرْفٍ بِحَسَنَةٍ مُضَاعَفَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَأَهْلِهِ]

- ‌[فَصْل فِيمَا يَقُولُ مَنْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَطَيُّبِ الْمُصْحَفِ وَكُرْسِيِّهِ وَكِيسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُطَاسِ وَالتَّثَاؤُبِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ إذَا حَمِدَ اللَّهَ]

- ‌[فَصْل الْإِمَامَ يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَطْ]

- ‌[فَصْل الرَّجُلُ يُشَمِّت الْمَرْأَةَ إذَا عَطَسَتْ]

- ‌[فَصْل فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ كُلَّمَا عَطَسَ إلَى ثَلَاث]

- ‌[فَصْل تَشْمِيتِ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ دُونَ مَنْ لَمْ يَحْمَدْهُ]

- ‌[فَصْل فِيمَا يَنْبَغِي لِلْمُجَشِّي]

- ‌[فَصْل فِي التَّثَاؤُب وَمَا يَنْبَغِي فِيهِ]

- ‌[فَصْل فِي حُكْمِ التَّدَاوِي مَعَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ]

- ‌[فَصْل الصَّرَعُ مِنْ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ مَسْأَلَةِ الْحِمْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ الْحَمِيَّة مِنْ التَّمْر لِلرَّمَدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ وَاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ بِاعْتِدَالِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلَاجِ وَحِفْظِ الصِّحَّةِ بِدَفْعِ كُلِّ شَيْءٍ بِضِدِّهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ فِي الْأَكْحَالِ وَفَضِيلَةِ الْإِثْمِدِ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ وَفَائِدَتِهَا فِي الصِّحَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِرْقِ النَّسَاءِ وَمَا وَرَدَ فِي دَوَائِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشبرم]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْقُسْطِ الْبَحْرِيِّ الْهِنْدِيِّ وَالزَّيْتِ وَالزَّيْتُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصُّدَاعِ وَأَسْبَابِهِ وَفَائِدَةِ الْحِجَامَةِ وَالْحِنَّاءِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُذْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذَرِّ الرَّمَادِ عَلَى الْجُرْحِ وَفَوَائِدِ نَبَاتِ الْبَرْدِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَمْلِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ فِي النَّخْلِ وَثَمَرِهِ وَفَوَائِدِهِ وَتَشْبِيهُهُ الْمُؤْمِنَ بِهِ وَبِالْأُتْرُجِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللُّحُومِ وَأَنْوَاعِهَا وَأَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ وَمُعَالَجَتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخُبْزِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ وَأَنْوَاعِهِ وَخَوَاصِّهَا]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِطْبَابِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَائْتِمَانِهِمْ وَنَظَرِ الْأَطِبَّاءِ وَالطَّبِيبَاتِ إلَى الْعَوْرَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِي الطَّبِيبِ وَالْعَامِلِ مِنْ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ التَّمَائِمِ وَالتَّعَاوِيذِ وَالْكِتَابَةِ لِلْمَرَضِ وَاللَّدْغِ وَالْعَيْنِ وَنَحْوِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَيِّ وَالْحُقْنَةِ وَتَعَالِيقِ التَّمَائِمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاوِي بِالنَّجَسِ وَالْمُحَرَّمِ وَالْأَلْبَانِ وَالسُّمُومِ]

الفصل: ‌[فصل في طلب العلم وما يبدأ به منه وما هو فريضة منه وفضل أهله]

[فَصْلٌ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَمَا يُبْدَأُ بِهِ مِنْهُ وَمَا هُوَ فَرِيضَةٌ مِنْهُ وَفَضْلِ أَهْلِهِ]

قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه أَيُّهُمَا أَحَبُّ إلَيْك أَبْدَأُ ابْنِي بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالْحَدِيثِ قَالَ: لَا بِالْقُرْآنِ قُلْتُ: أُعَلِّمُهُ كُلَّهُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَعْسُرَ فَتُعَلِّمَهُ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ لِي: إذَا قَرَأَ أَوَّلًا تَعَوَّدَ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ لَزِمَهَا وَعَلَى هَذَا أَتْبَاعُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إلَى زَمَنِنَا هَذَا.

وَسَيَأْتِي قَرِيبًا قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ إنَّ الْعِلْمَ يُقَدَّمُ عَلَى نَفْلِ الْقُرْآنِ وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ إذَا كَانَ مُكَلَّفًا لِأَنَّهُ فَرْضٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى النَّفْلِ وَكَلَامُ أَحْمَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّغِيرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ وَاَلَّذِي سَأَلَ ابْنَ الْمُبَارَكِ كَانَ رَجُلًا فَلَا تَعَارُضَ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَيُقَدِّمُ حِفْظَ الْقُرْآنِ لِمَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ مِنْ الْمَعْنَى. وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يُمْكِنُ إدْرَاكُهَا وَالْفَرَاغُ مِنْهَا فِي الصِّغَرِ غَالِبًا، وَالْعِلْمُ عِبَادَةُ الْعُمُرِ لَا يُفْرَغُ مِنْهُ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَسَبَ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا وَاضِحٌ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ أَوْلَى لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِصُعُوبَتِهِ وَقِلَّةِ مَنْ يَعْتَنِي بِهِ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ وَلِهَذَا يُقَصِّرُ فِي الْعِلْمِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُهُ وَلَا يُقَصِّرُ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ حَتَّى يَشْتَغِلَ بِحِفْظِهِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاشْتِغَالُ فِي الْعِلْمِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ.

وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ: لِأَحْمَدَ مَا مَعْنَى لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ فِي إهَابٍ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ قَالَ: " هَذَا يُرْجَى لِمَنْ الْقُرْآنُ فِي قَلْبِهِ أَنْ لَا تَمَسَّهُ النَّارُ " فِي إهَابٍ يَعْنِي فِي قَلْبِ رَجُلٍ وَقَالَ: أَيْضًا فِي جِلْدٍ وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الشَّالَنْجِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: وَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فِي صَلَاتِهِ وَإِقَامَةِ عَيْنِهِ، وَأَقَلُّ مَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَسُورَتَانِ كَذَا وَجَدْتُهُ، وَلَعَلَّهُ وَسُورَةٌ، وَإِلَّا فَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُهُ؟ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ حِفْظُهُ مَا بَلَغَ أَنْ يُجْزِئَهُ فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ الْفَاتِحَةُ خَاصَّةً فِي الْأَشْهَرِ عَنْ أَحْمَدَ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي الْفِقْهِ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْإِجْمَاعِ قَبْلَ

ص: 33

السَّبْقِ وَالرَّمْيِ: اتَّفَقُوا أَنَّ حِفْظَ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَاجِبٌ وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى مَا هِيَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَا كَمِّيَّتِهِ بِمَا يُمْكِنُ ضَبْطُ إجْمَاعٍ فِيهِ إلَّا أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مَنْ حَفِظَ أُمَّ الْقُرْآنِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَسُورَةً أُخْرَى مَعَهَا فَقَدْ أَدَّى فَرْضَ الْحِفْظِ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ حِفْظِ جَمِيعِهِ وَأَنَّ ضَبْطَ جَمِيعِهِ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ لَا مُتَعَيِّنٌ.

وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَفِظَ الْقُرْآنَ وَهُوَ يَكْتُبُ الْحَدِيثَ يَخْتَلِفُ إلَى مَسْجِدٍ يَقْرَأُ وَيُقْرِئُ وَيَفُوتُهُ الْحَدِيثُ أَنْ يَطْلُبَهُ فَإِنْ طَلَبَ الْحَدِيثَ فَاتَهُ الْمَسْجِدُ وَإِنْ قَصَدَ الْمَسْجِدَ فَاتَهُ الْحَدِيثُ فَمَا تَأْمُرهُ قَالَ: بِذَا وَبِذَا فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ الْقَوْلَ مِرَارًا كُلُّ ذَلِكَ يُجِيبُنِي جَوَابًا وَاحِدًا بِذَا وَبِذَا.

وَسَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ الْمُبَارَكِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَيِّ شَيْءٍ أَجْعَلُ فَضْلَ يَوْمِي فِي تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ أَوْ فِي تَعَلُّمِ الْعِلْمِ؟ فَقَالَ هَلْ تُحْسِنُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَقُومُ بِهِ صَلَاتُك: قَالَ نَعَمْ قَالَ: عَلَيْك بِالْعِلْمِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ وَقِيلَ لَهُ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ قَالَ نَعَمْ لِأَمْرِ دِينِك وَمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يَنْبَغِيَ أَنْ تَعْلَمَهُ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُهُ وَلَا يُفَرِّطُ فِي ذَلِكَ قُلْتُ: فَكُلُّ الْعِلْمِ يَقُومُ بِهِ دِينُهُ قَالَ: الْفَرْضُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِهِ.

قُلْت: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ قَالَ الَّذِي لَا يَسَعُهُ جَهْلُهُ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُ الْعِلْمِ قَالَ أَمَّا مَا يُقِيمُ بِهِ دِينَهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَذَكَرَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّمَ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ مَنْصُور لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ تَذَاكَرَ بَعْضِ لَيْلَةٍ أَحَبُّ إلَيْك مِنْ إحْيَائِهَا قَالَ: الْعِلْمُ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ قُلْت الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالطَّلَاقُ وَنَحْوُ هَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: قَالَ لِي إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: «طَلَبُ الْعِلْمِ وَاجِبٌ» لَمْ يَصِحَّ الْخَبَرُ فِيهِ إلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ قَائِمٌ يَلْزَمُهُ طَلَبُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ وَزَكَاتِهِ إذَا وَقَعَتْ فَلَا حَاجَةَ لِلْوَالِدَيْنِ فِي ذَلِكَ.

وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ يَبْتَغِي عِلْمًا

ص: 34

فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ بِإِذْنِ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُ فَضِيلَةٌ فَالنَّوَافِلُ لَا تُبْتَغَيْ إلَّا بِإِذْنِ الْآبَاءِ وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّجُلُ يَطْلُبُ الْعِلْمَ وَيَسْتَأْذِنُ وَالِدَتَهُ فَتَأْذَنُ لَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُقَامَ أَحَبُّ إلَيْهَا قَالَ: إذَا كَانَ جَاهِلًا لَا يَدْرِي كَيْفَ يُطَلِّقُ وَلَا يُصَلَّى فَطَلَبُ الْعِلْمِ أَحَبُّ إلَيَّ. وَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَفَ فَالْمُقَامُ عَلَيْهَا أَحَبُّ إلَيَّ.

وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ: إنِّي أَطْلُبُ الْعِلْمَ وَإِنَّ أُمِّي تَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ تُرِيدُ حَتَّى أَشْتَغِلَ فِي التِّجَارَةِ، قَالَ لِي دَارِهَا وَأَرْضِهَا وَلَا تَدَعْ الطَّلَبَ وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ غَرِيبٌ عَنْ بَلَدِهِ طَلَبُ الْعِلْمِ أَحَبُّ إلَيْك أَمْ أَرْجِعُ إلَى أُمِّي؟ فَقَالَ لَهُ إذَا كَانَ طَلَبُ الْعِلْمِ مِمَّا لَا بُدَّ أَنْ تَطْلُبَهُ فَلَا بَأْسَ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَدِمَتْ السَّاعَةُ وَلَيْسَ أَدْرِي شَيْئًا مَا تَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: عَلَيْك بِالْعِلْمِ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ أَبَوَانِ مُوسِرَانِ يُرِيدُ طَلَبَ الْحَدِيثِ وَلَا يَأْذَنَانِ لَهُ قَالَ: يَطْلُبُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يَنْفَعُهُ، الْعِلْمُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَعَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا «إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْعِلْمِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودِ: إنَّ أَحَدَكُمْ لَمْ يُولَدْ عَالِمًا وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ وَقَالَ أَيْضًا: اُغْدُ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا وَلَا تَغْدُ إمَّعَةً بَيْنَ ذَلِكَ وَقَالَ أَيْضًا: اُغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا، أَوْ مُسْتَمِعًا وَلَا تَكُنْ الرَّابِعَ فَتَهْلَكَ وَقَالَ حَمَّادُ بْن حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ كُنَّ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُحِبًّا، أَوْ مُتَّبِعًا وَلَا تَكُنْ الْخَامِسَ فَتَهْلَكَ قَالَ الْحَسَنُ هُوَ الْمُبْتَدِعُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْن مَسْعُودِ تَعَلَّمُوا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَتَى يَحْتَاجُ إلَيْهِ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ

ص: 35

عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ. وَقَبْضُهُ ذَهَابُ أَهْلِهِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ وَالتَّعَمُّقَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْعِتْقِ فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَنْبِذُونَهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ.

وَقَالَ الْحَسَنُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا مَثَلُ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَرْضِ مَثَلُ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ إذَا رَآهَا النَّاسُ اقْتَدَوْا بِهَا، وَإِذَا عَمِيَتْ عَلَيْهِمْ تَحَيَّرُوا» وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ، إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا «إنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِنَحْوِهِ.

وَأَمَّا مَا يَذْكُرهُ بَعْضُ النَّاسِ " عُلَمَاءُ أُمَّتِي كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ " فَلَمْ أَجِدْ لَهُ أَصْلًا وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَلَا يَصِحُّ.

وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ " طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ " وَرَوَى ابْنُ شَاهِين ثَنَا سُلَيْمَانُ الْأَشْعَثُ ثَنَا حَفْصُ بْنُ مُسَافِرٍ الشِّيشِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إلَّا سُلَيْمَانَ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ أَحْمَدُ لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا لَكِنَّهُ يُفْرِطُ فِي التَّشَيُّعِ وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَيْسَ بِذَاكَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْمَتِينِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ أَحَادِيثُهُ حِسَانٌ.

وَرَوَاهُ حَسَّانُ ابْنُ سَارَةَ عَنْ ثَابِتٍ لَكِنَّ حَسَّانَ ضَعِيفٌ قَالَ ابْنُ شَاهِينَ وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابُ.

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصٍ بْنِ سُلَيْمَانَ الْقَارِئِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ عِنْدَهُمْ وَفِيهِ «وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَالذَّهَبَ» .

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ يُرْوَى

ص: 36

عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ لَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمُؤَدِّبُ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ فَرْوَةَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ سَمِعَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ» إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدِيثُهُ حَسَنٌ قَوَّاهُ الْأَكْثَرُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِهِ وَرَأَى ابْنُ الشِّخِّيرِ ابْنَ أَخٍ لَهُ يَتَعَبَّدُ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، الْعِلْمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ وَقَالَ مُهَنًّا: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: حَدِّثْنَا مَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَالَ: طَلَبُ الْعِلْمِ قُلْتُ: لِمَنْ، قَالَ: لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ قُلْتُ: وَأَيُّ شَيْءٍ يُصَحِّحُ النِّيَّةَ قَالَ يَنْوِي يَتَوَاضَعُ فِيهِ وَيَنْفِي عَنْهُ الْجَهْلَ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ ثَوَّابٍ قَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا أَعْلَمُ النَّاسَ فِي زَمَانٍ أَحْوَجُ مِنْهُمْ إلَى طَلَبِ الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا الزَّمَانِ قُلْتُ وَلِمَ؟ قَالَ: ظَهَرَتْ بِدَعٌ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ حَدِيثٌ وَقَعَ فِيهَا.

وَقَالَ بِشْرٌ الْحَافِي: لَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عَمَلًا أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ لِمَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَحَسُنَتْ نِيَّتُهُ وَقَالَ سُفْيَانُ: مَا أَعْلَمُ شَيْئًا يُرَادُ اللَّهُ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: طَلَبْنَا هَذَا الْعِلْمَ وَمَا لَنَا فِيهِ كَبِيرُ نِيَّةٍ ثُمَّ رَزَقَ اللَّهُ النِّيَّةَ بَعْدُ وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ حَبِيبٌ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: طَلَبنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَبَى أَنْ يَرُدَّنَا إلَّا إلَى اللَّهِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إنَّ مَعْمَرًا قَالَ: كَانَ يُقَالُ إنَّ الرَّجُلَ لَيَطْلُبُ الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَيَأْبَى عَلَيْهِ الْعِلْمُ حَتَّى يَكُونَ لِلَّهِ.

وَرَوَى الْخَلَّالُ أَخْبَرَنِي حَرْبٌ ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ قَالَ: قَالُوا لِسُفْيَانَ إنَّ أَصْحَابَ الْحَدِيث يَطْلُبُونَ الْحَدِيثَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، قَالَ طَلَبُهُمْ لَهُ نِيَّةٌ إسْنَادٌ صَحِيحٌ.

وَعَنْ سُفْيَانَ قَالَ: إنَّمَا فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى

ص: 37

غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَتَّقِي رَبَّهُ. وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ يُبْقِي اللَّهُ لِهَذَا الْعِلْمِ قَوْمًا يَطْلُبُونَهُ وَلَا يَطْلُبُونَهُ خَشْيَةً وَلَيْسَتْ لَهُمْ نِيَّةٌ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى كَيْ لَا يَضِيعَ الْعِلْمُ فَيَبْقَى عَلَيْهِمْ حُجَّةً. وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ لِلَّهِ وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَبْغَضُ إلَى اللَّهِ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ لِغَيْرِ اللَّهِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا يُونُس وَشُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبِي طُوَالَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ لَا يَتَعَلَّمُهُ إلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ شُرَيْحٍ. فُلَيْحٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَفِي مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا لِغَيْرِ اللَّهِ، أَوْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَعَنْ جَابِرِ مَرْفُوعًا «لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَلَا لِتُحَدِّثُوا بِهِ فِي الْمَجَالِسِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارَ النَّارَ» رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيّ، وَانْفَرَدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْكُتُبِ السِّتَّةِ فَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ.

وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ مُرْسَلًا. وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ هُوَ الْمَغَافِقِيُّ وَإِنْ كَانَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُمْ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ مَنَاكِيرِهِ.

وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ.

وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا حَدِيثُ «الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يُؤْمَرُ بِهِمْ إلَى النَّارِ وَهُمْ الْمُجَاهِدُ الْمُرَائِي لِيُقَالَ إنَّهُ جَرِيءٌ، وَالْمُنْفِقُ الْمُبَاهِي لِيُقَالَ إنَّهُ جَوَادٌ، وَالرَّجُلُ الَّذِي يَقُولُ تَعَلَّمْت الْعِلْمَ وَقَرَأْتُ الْقُرْآنَ، فَيَقُولُ اللَّهُ

ص: 38

كَذَبْتَ إنَّمَا أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانُ جَرِيءٌ وَفُلَان قَارِئٌ وَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ يُسْحَبُ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى يُلْقَى فِي النَّارِ.» .

وَعَنْ زَيْدٍ بْنِ أَرْقَمَ مَرْفُوعًا كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَقَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَنَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَدَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَنْ حَمَّادٍ بْنِ سَلِمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا وَفِيهِ «وَعَمَلٍ لَا يُرْفَعُ» بَدَلَ «نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ» وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ تَعَلَّمُوا فَمَنْ عَلِمَ فَلْيَعْمَلْ وَكَانَ يَقُولُ إنِّي لَأَحْسَبُ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْسَى الْعِلْمَ لِلْخَطِيئَةِ يَعْمَلُهَا.

وَعَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ بِهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» ؟ إسْنَاده جَيِّدٌ، وَسَعِيدٌ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَلَا وَجْهُ لِقَوْلِ أَبِي حَاتِمٍ مَجْهُولٌ.

وَرَوَى حَدِيثَهُ هَذَا التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ وَفِي نُسْخَةٍ سَلَّامٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مِقْسَمٍ وَهُوَ كَذَّابٌ مَتْرُوكٌ عِنْدَهُمْ، وَعَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ» وَأَمَّا مَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنِّي لَمْ أَجْعَلْ حُكْمِي وَعِلْمِي فِيكُمْ إلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْفِرَ لَكُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ وَلَا أُبَالِي» فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ السَّابِقَةُ، وَلَوْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِهِ الْعُلَمَاءُ الْأَخْيَارُ، وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلَا أَرَاهُ مَحْفُوظًا.

وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رُوَاةِ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ كَذَّابٌ مَتْرُوكٌ بِالِاتِّفَاقِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْعُلَمَاءِ: إنِّي أَضَعُ عِلْمِي فِيكُمْ إلَّا لِعِلْمِي بِكُمْ وَلَمْ أَضَعْ

ص: 39

عِلْمِي فِيكُمْ لِأُعَذِّبَكُمْ، انْطَلِقُوا فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» وَقَالَ:«يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: لَا تُحَقِّرُوا عَبْدًا آتَيْتُهُ عِلْمًا فَإِنِّي لَمْ أُحَقِّرْهُ حِينَ عَلَّمْتُهُ» قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بَاطِلٌ، وَذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بَعْضُ هَذَا عَنْ أَبِي عَمْرٍو الصَّنْعَانِيِّ قَالَ:«إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَزَلَتْ الْمَلَائِكَةُ الْعُلَمَاءَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْحِسَابِ قَالَ لَمْ أَجْعَلْ حُكْمِي فِيكُمْ إلَّا خَيْرًا أُرِيدُهُ فِيكُمْ اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا فِيكُمْ» .

وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الرَّجُلِ مَالٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَاجِبًا أَنْ يَتَعَلَّمَ الزَّكَاةَ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ كَيْفَ يُخْرِجُ وَأَيْنَ يَضَعُ، وَسَائِرُ الْأَعْمَالِ عَلَى هَذَا. وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا لِلذِّكْرِ كَفَّرَ سَبْعِينَ مَجْلِسًا مِنْ مَجَالِسِ الْبَاطِلِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ مَجَالِسِ الْبَاطِلِ قَالَ عَطَاءٌ وَمَجَالِسُ الذِّكْرِ كَيْفَ أُصَلِّي كَيْفَ أُزَكِّي كَيْفَ أَحُجُّ كَيْفَ أَنْكِحُ كَيْفَ أُطَلِّقُ كَيْفَ أَبِيعُ كَيْفَ أَشْتَرِي.

وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إنَّ قَوْمًا يَكْتُبُونَ الْحَدِيثَ وَلَا أَرَى أَثَرَهُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُرَى لَهُمْ وَقْرٌ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يُؤَوِّلُونَ فِي الْحَدِيثِ إلَى خَيْرٍ وَقَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا وَمَعِي كِتَابٌ لَهُ فَرَمَيْت بِهِ مِنْ قَامَتِي فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ تَرْمِي بِكَلَامِ الْأَبْرَارِ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: زَيْنُ الْعِلْمِ حِلْمُ أَهْلِهِ وَقَالَ أَيْضًا إنَّ هَذَا الْعِلْمَ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِمَنْ فِيهِ عَقْلٌ وَنُسُكٌ، فَالْيَوْمَ يَطْلُبُهُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا نُسُكَ فِيهِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْن أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: لَمْ نَرَ شَيْئًا إلَى شَيْءٍ أَزْيَنَ مِنْ حِلْمٍ إلَى عِلْمٍ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُد لِأَحْمَدَ كَتَبْتَ الْحَدِيثَ بِنِيَّةٍ قَالَ: شَرْطُ النِّيَّةِ شَدِيدٌ وَلَكِنْ حُبِّبَ إلَيَّ فَجَمَعْتُهُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ رَجُلٍ مَلَكَ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهُوَ رَجُلٌ جَاهِلٌ أَيَحُجُّ بِهَا، أَوْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ، قَالَ: يَحُجُّ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرِيضَةٌ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْعِلْمَ وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ قِيلَ: لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ لَهُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ تَرَى أَنْ يَصْرِفَهُ فِي الْغَزْوِ وَالْجِهَادِ أَوْ يَطْلُبَ الْعِلْمَ قَالَ: إذَا كَانَ جَاهِلًا يَطْلُبُ الْعِلْمَ أَحَبَّ إلَيَّ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى عَجِبْت لِمَنْ يَتَثَبَّطُ

ص: 40

عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَيَحْتَجُّونَ بِالْفُضَيْلِ وَلَعَلَّ الْفُضَيْلَ قَدْ اكْتَفَى لَيْسَ يَتَثَبَّطُ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا جَاهِلٌ وَقَالَ الرَّبِيعُ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ.

وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ مُطَرِّفٌ بْنُ الشِّخِّيرِ: فَضْلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ وَخَيْرُ دِينِكُمْ الْوَرَعُ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ مُطَرِّفٍ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: حَظٌّ مَنْ عِلْمٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ حَظِّ عِبَادَةٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مُذَاكَرَةُ الْعِلْمِ سَاعَةً أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ إحْيَاءِ لَيْلَةٍ، وَرُوِيَ مَنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عُتْبَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ لَئِنْ أَجْلِسَ مَجْلِسَ فِقْهٍ سَاعَةً أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ صِيَامِ يَوْمٍ وَقِيَامِ لَيْلَةٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ مَسْعُودٍ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ: الْعِلْمُ، فَكَرَّرَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ الْعِلْمَ، ثُمَّ قَالَ وَيْحَكَ إنَّ مَعَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ يَنْفَعُكَ قَلِيلُ الْعِلْمِ وَكَثِيرُهُ، وَمَعَ الْجَهْلِ بِاَللَّهِ لَا يَنْفَعُكَ قَلِيلُ الْعِلْمِ وَلَا كَثِيرُهُ وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: مُذَاكَرَةُ الْحَدِيثِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. .

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بِمِثْلِ الْفِقْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ: قَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ حَدَّثَنِي عَمْرو بْنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى لَمَقْعَدٌ كُنْتُ أَقْعُدُهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ عَمَلِ سَنَةٍ فِي نَفْسِي وَكَانَ يَحْيَى يَقُولُ فِيهِ سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى فَلَمْ يَقُلْهُ لَنَا يَعْلَى عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَهَذَا إنَّمَا قَالَهُ لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ عِلْمِهِ وَهَدْيِهِ وَسَمْتِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنْ

ص: 41

الْعَمَلِ لِمَنْ جَهِلَ، وَالْعَمَلُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ لِمَنْ عَلِمَ وَقَالَ حَرْبٌ سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ: النَّاسُ مُحْتَاجُونَ إلَى الْعِلْمِ قَبْلَ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ فِي كُلّ سَاعَةٍ وَالْخُبْزُ وَالْمَاءُ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ.

وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ قِيلَ لَهُ يَطْلُبُ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ بِقَدْرِ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ انْتَفَعَ بِهِ؟ قَالَ: الْعِلْمُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيُّ لَيْسَ قَوْمٌ عِنْدِي خَيْرًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَيْسَ يَعْرِفُونَ إلَّا الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: أَهْلُ الْحَدِيثِ أَفْضَلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْعِلْمِ وَقَالَ أَبُو إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعْتُ أَحْمَدَ وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَنَّ رَجُلًا قَالَ إنَّ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ قَوْمُ سُوءٍ، فَقَالَ هَذَا زِنْدِيقٌ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ أَكْثِرُوا مِنْ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ سِلَاحٌ وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ إنِّي لَأَسْمَعُ الْحَدِيثَ مَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَ بِهِ وَلَا أَعْمَلَ بِهِ وَلَكِنْ لِأُعِدَّهُ لِأَخٍ مِنْ إخْوَانِي يَقَعُ فِي الشَّيْءِ فَأَجِدُ لَهُ مَخْرَجًا، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ إلَى مَتَى يَكْتُبُ الرَّجُلُ قَالَ حَتَّى يَمُوتَ وَقَالَ نَحْنُ إلَى السَّاعَةِ نَتَعَلَّمُ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ «لَنْ يَشْبَعَ الْمُؤْمِنُ مِنْ خَبَرٍ يَسْمَعُهُ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الْجَنَّةَ» .

وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تَسُودُوا. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَابِ الْعُزْلَةِ: يُرِيدُ مَنْ لَمْ يَخْدِمْ الْعِلْمَ فِي صِغَرِهِ يَسْتَحِي أَنْ يَخْدِمَهُ بَعْدَ كِبَرِ السِّنِّ وَإِدْرَاكِ السُّؤْدُدِ قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رحمه الله قَالَ مَنْ تَرَأَّسَ فِي حَدَاثَتِهِ كَانَ أَدْنَى عُقُوبَتِهِ أَنْ يَفُوتَهُ حَظٌّ كَثِيرٌ مِنْ الْعِلْمِ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله قَالَ مَنْ طَلَب الرِّيَاسَةَ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَوَانِهِ لَمْ يَزَلْ فِي ذُلٍّ مَا بَقِيَ، وَقِيلَ لِلْمُبَرِّدِ لِمَ صَارَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَعْنِي ثَعْلَبَ أَحْفَظَ مِنْكَ لِلْغَرِيبِ وَالشِّعْرِ؟ قَالَ لِأَنِّي تَرَأَّسْتُ وَأَنَا حَدَثٌ وَتَرَأَّسَ وَهُوَ شَيْخٌ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ قَوْلَ عُمَرَ الْمَذْكُورَ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنْ ابْن عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ

ص: 42

الْأَحْنَفِ بْنِ قِيسٍ عَنْهُ قِيلَ مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ تَزَوَّجُوا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا تَرَأَّسْتَ فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّفَقُّهِ.

وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ زُفَرَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَا زُفَرُ لَا تُحَدِّثْ قَبْلَ وَقْتِكَ فَيُسْتَخَفَّ بِكَ.

وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ كَيْفَ تَعْرِفُ الْعَالِمَ الصَّادِقَ قَالَ الَّذِي يَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَيُقْبِلُ عَلَى آخِرَتِهِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: نَعَمْ هَكَذَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ.

وَقَالَ الْفُضَيْلُ: يُغْفَرُ لِسَبْعَيْنِ جَاهِلًا قَبْل أَنْ يُغْفَرَ لِعَالِمٍ وَاحِدٍ وَقَالَ أَحْمَدُ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ سَمِعْتُ فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ قَالَ يُغْفَرُ لِجَاهِلٍ سَبْعِينَ ذَنْبًا قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لِلْعَالِمِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: ثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ يُعَافِي الْأُمِّيِّينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا لَا يُعَافِي الْعُلَمَاءَ» . وَذَكَرَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ هَذَا الْخَبَرَ فِي تَرْجَمَةِ جَعْفَرٍ مِنْ الْمَنَاكِيرِ. قَالَ: وَقِيلَ أَخْطَأَ مَنْ حَدَّثَ بِهِ عَنْ جَعْفَرٍ. وَسَيَّارٌ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَحْمُولٌ إنْ صَحَّ عَلَى الْعَالِمِ الْفَاجِرِ.

وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ: الْعَالِمُ يُقْتَدَى بِهِ، لَيْسَ الْعَالِمُ مِثْلَ الْجَاهِلِ وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِ. وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا إنَّهُ قِيلَ لَهُ: لِمَنْ نَسْأَلُ بَعْدَكَ؟ فَقَالَ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ يَعْنِي الْوَرَّاقَ فَقِيلَ إنَّهُ ضَيِّقُ الْعِلْمِ فَقَالَ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِثْلُهُ يُوَفَّقُ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ لَا يَنْبَغِي الْخُرُوجُ مِنْ عَادَاتِ النَّاسِ إلَّا فِي الْحَرَامِ فَإِنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ الْكَعْبَةَ وَقَالَ «لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ الْجَاهِلِيَّةَ»

ص: 43

وَقَالَ عُمَرُ لَوْلَا أَنْ يُقَالَ عُمَرُ زَادَ فِي الْقُرْآنِ لَكَتَبْتُ آيَةَ الرَّجْمِ.

وَتَرَكَ أَحْمَدُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ لِإِنْكَارِ النَّاسِ لَهَا، وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَفَعَلَ ذَلِكَ إمَامُنَا أَحْمَدُ ثُمَّ تَرَكَهُ بِأَنْ قَالَ رَأَيْت النَّاسَ لَا يَعْرِفُونَهُ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ قَضَاءَ الْفَوَائِتِ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ بَعْضُ مَنْ يَرَاهُ.

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ رَأَى عَلَى طَلْحَةَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا فَقَالَ مَا هَذَا؟ قَالَ: إنَّهُ يَمْدُرُ، فَقَالَ إنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي بِكُمْ النَّاسُ، وَإِنَّ جَاهِلًا لَوْ رَأَى هَذَا لَقَالَ عَلَى طَلْحَةَ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ فَلَا يَلْبَسُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ شَيْئًا إنَّهُ مُحَرَّمٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كُنَّا نَمْزَحُ وَنَضْحَكُ فَلَمَّا صِرْنَا يُقْتَدَى بِنَا خَشِيتُ أَنْ لَا يَسْعَنَا التَّبَسُّمُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَوْ صَلَحَ الْقُرَّاءُ لَصَلَحَ النَّاسُ وَقَالَ أَيْضًا يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْحَدِيثِ مَكْفِيًّا لِأَنَّ الْآفَاتِ أَسْرَعُ إلَيْهِمْ وَأَلْسِنَةَ النَّاسِ إلَيْهِمْ أَسْرَعُ وَإِذَا احْتَالَ ذُلَّ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى لِبَاسٍ وَمَطْعَمٍ دُونٍ أَرَاحَ جَسَدَهُ وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ رَأَيْتُ بَيْنَ كَتِفَيْ عُمَرَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ رُقْعَةً بَعْضُهَا مِنْ أَدَمٍ وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ رَأَيْتُ عُمَرَ رضي الله عنه وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ رَقَّعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ثَلَاثَ رِقَاعٍ لُبِّدَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: لَوْ نَظَرْتَ إلَى ثِيَابِ شُعْبَةَ لَمْ تَكُنْ تَسْوَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. إزَارُهُ وَرِدَاؤُهُ وَقَمِيصُهُ، كَانَ شَيْخًا كَثِيرَ الصَّدَقَةِ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ رَأَيْتُ الثَّوْرِيَّ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَقَوَّمْتُ كُلَّ شَيْءٍ عَلَيْهِ حَتَّى نَعْلَهُ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةَ دَوَانِقَ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إذْ النَّاسُ نَائِمُونَ، وَنَهَارِهِ إذْ النَّاسُ مُفْطِرُونَ، وَبُكَائِهِ إذْ النَّاسُ يَضْحَكُونَ، وَبِحُزْنِهِ إذْ النَّاسُ يَفْرَحُونَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ الْعَالِمُ طَبِيبُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالْمَالُ الدَّاءُ فَإِذَا كَانَ الطَّبِيبُ يَجُرُّ الدَّاءَ إلَى نَفْسِهِ كَيْفَ يُعَالِجُ غَيْرَهُ؟ وَعَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام -

ص: 44

أَنَّهُ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ ارْضَوْا بِدَنِيِّ الدُّنْيَا مَعَ سَلَامَةِ الدِّينِ كَمَا رَضِيَ أَهْلُ الدُّنْيَا بِدَنِيِّ الدِّينِ مَعَ سَلَامَةِ الدُّنْيَا.

وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى أَنَّ الْفِقْهَ لَيْسَ بِسِعَةِ الْهَذَرِ وَكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ إنَّمَا الْفِقْهُ خَشْيَةُ اللَّهِ وَرَوَى أَيْضًا عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: لَا يَكُونُ الْعَالِمُ عَالِمًا حَتَّى يَكُونَ فِيهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ: لَا يُحَقِّرُ مَنْ دُونَهُ فِي الْعِلْمِ، وَلَا يَحْسُدُ مَنْ فَوْقَهُ، وَلَا يَأْخُذُ دُنْيَا.

وَرَوَى أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: الْفَقِيهُ الْوَرِعُ الزَّاهِدُ الْمُقِيمُ عَلَى سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّذِي لَا يَسْخَرُ بِمَنْ أَسْفَلَ مِنْهُ وَلَا يَهْزَأُ بِمَنْ فَوْقَهُ وَلَا يَأْخُذُ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَهُ اللَّهُ عز وجل حُطَامًا وَقَالَ أَيْضًا مَا رَأَيْتُ فَقِيهًا قَطُّ.

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ كَانَ الرَّجُلُ يَطْلُبُ الْعِلْمَ فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يُرَى ذَلِكَ فِي تَخَشُّعِهِ وَهَدْيِهِ وَلِسَانِهِ وَبَصَرِهِ وَيَدِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَالكِ بْنِ دِينَارٍ سَأَلْت الْحَسَنَ مَا عُقُوبَةُ الْعَالِمِ قَالَ: مَوْتُ الْقَلْبِ قُلْتُ وَمَا مَوْتُ الْقَلْبِ قَالَ: طَلَبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّهُ يُقَالُ وَيْلٌ لِلْمُتَفَقِّهِينَ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ، وَالْمُسْتَحَلِّينَ الْمُحَرَّمَاتِ بِالشُّبُهَاتِ وَقَالَ مَالِكُ إنَّ حَقًّا عَلَى مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ وَخَشْيَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَّبِعًا لِأَثَرِ مَنْ مَضَى قَبْلَهُ وَقَالَ الرَّبِيعُ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: أَخْشَى أَنْ أَطْلُبَ الْعِلْمَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ أَنْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: زِينَةُ الْعِلْمِ الْوَرَعُ وَالْحِلْمُ وَقَالَ أَيْضًا لَا يَجْمُلُ الْعِلْمُ وَلَا يَحْسُنُ إلَّا بِثَلَاثِ خِلَالٍ: تَقْوَى اللَّهِ، وَإِصَابَةِ السُّنَّةِ، وَالْخَشْيَةِ.

وَقَالَ أَيْضًا لَيْسَ الْعِلْمُ مَا حُفِظَ، الْعِلْمُ مَا نَفَعَ وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ لِأَيُّوبَ إذَا حَدَثَ لَك عِلْمٌ فَأَحْدِثْ فِيهِ عِبَادَةً وَلَا يَكُنْ هَمُّكَ أَنْ تُحَدِّثَ بِهِ النَّاسَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُول: قَالَتْ أُمُّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: اذْهَبْ فَاطْلُبْ الْعِلْمَ حَتَّى أَعُولَكَ أَنَا بِمِغْزَلِي، فَإِذَا كَتَبْتَ عَشَرَةَ أَحَادِيثَ فَانْظُرْ هَلْ فِي نَفْسِكَ زِيَادَةٌ فَابْتَغِهِ وَإِلَّا فَلَا تَتَعَنَّى.

وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ

ص: 45

بَلَغَنِي أَنَّ الْعُلَمَاءَ فِيمَا مَضَى كَانُوا إذَا تَعَلَّمُوا عَمِلُوا. وَإِذَا عَمِلُوا، شُغِلُوا، وَإِذَا شُغِلُوا فُقِدُوا، وَإِذَا فُقِدُوا طُلِبُوا. وَإِذَا طُلِبُوا هَرَبُوا وَقَالَ عُمَرُ: تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَتَعَلَّمُوا لِلْعِلْمِ السَّكِينَةَ وَالْحِلْمَ وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ يُعْلِمُكُمْ وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تُعَلِّمُونَ وَلَا تَكُونُوا مِنْ جَبَّارِي الْعُلَمَاءِ فَلَا يَقُومُ عَمَلُكُمْ مَعَ جَهْلِكُمْ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ: تَغْفُلُونَ عَنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَةِ. التَّوَاضُعِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: اتَّقُوا الْفَاجِرَ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَالْجَاهِلَ مِنْ الْمُتَعَبِّدِينَ، فَإِنَّهُ آفَةُ كُلِّ مَفْتُونٍ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْعَالِمِ الْفَاجِرِ، وَالْعَابِدِ الْجَاهِلِ فَإِنَّ فِتْنَتَهُمَا فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ. ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ.

وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رحمه الله إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَالِمَ الْمُتَوَاضِعَ وَيُبْغِضُ الْعَالِمَ الْجَبَّارَ. وَيَأْتِي الْخَبَرُ فِي فُصُولِ كَسْبِ الْمَالِ فِي الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ.

وَعَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «إنِّي أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي زَلَّةَ الْعَالِمِ، وَمِنْ حُكْمٍ جَائِرٍ، وَهُوًى مُتَّبَعٍ» .

وَفِي لَفْظٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ «اتَّقُوا زَلَّةَ الْعَالِمِ وَانْتَظِرُوا فَيْئَتَهُ» كَثِيرٌ كَذَّابٌ مَتْرُوكٌ، وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي تَرْجَمَتِهِ، وَقَدْ صَحَّحَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا إنَّ «أَشَدَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي ثَلَاثٌ: زَلَّةُ عَالِمٍ، وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ، وَدُنْيَا تَقْطَعُ أَعْنَاقَكُمْ، فَاتَّهِمُوهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ» يَزِيدُ ضَعِيفٌ وَلَمْ يُتْرَكْ وَقَالَ دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُفْسِدُ النَّاسَ ثَلَاثَةٌ: أَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ، وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ حَقٌّ، وَزَلَّةُ الْعَالِمِ.

وَقَدْ قَالَ مَنْصُورٌ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه: إنِّي لَآمُرُكُمْ بِالْأَمْرِ وَمَا أَفْعَلُهُ وَلَكِنْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَأْجُرَنِي فِيهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحَبَّاتِ أَوْ أَنَّهُ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ التَّوَاضُعِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ثَنَا الصَّعْقُ بْنُ حَزَنٍ عَنْ عَقِيلٍ الْجَعْدِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَدْرِي أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: فَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ أَعْلَمُهُمْ بِالْحَقِّ إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ وَإِنْ كَانَ مُقَصِّرًا فِي الْعَمَلِ وَإِنْ كَانَ يَزْحَفُ عَلَى اسْتِهِ» . قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي

ص: 46

عَقِيلٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ يَرْوِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: غَيْرُ مَعْرُوفٍ قَالَ وَيُمْكِنُ إجْرَاءُ الْخَبَرِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَكُونُ تَرْكُهُ الْعَمَلَ زَلَّةً مِنْهُ تَنْتَظِرُ فَيْئَتَهُ.

وَلَمَّا حَجَّ سَالِمٌ الْخَوَّاصُ لَقِيَ ابْنَ عُيَيْنَةَ فِي السُّوقِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ كَوْنَهُ فِي السُّوقِ فَأَنْشَدَ ابْنُ عُيَيْنَةَ:

خُذْ بِعِلْمِي وَإِنْ قَصَّرْتُ فِي عَمَلِي

يَنْفَعْكَ عِلْمِي وَلَا يَضْرُرْكَ تَقْصِيرِي

وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ:

خُذْ مِنْ عُلُومِي وَلَا تَنْظُرْ إلَى عَمَلِي

وَاقْصِدْ بِذَلِكَ وَجْهَ الْوَاحِدِ الْبَارِي

وَإِنْ مَرَرْتَ بِأَشْجَارٍ لَهَا ثَمَرٌ

فَاجْنِ الثِّمَارَ وَخَلِّ الْعُودَ لِلنَّارِ

فَالْمُرَادُ إذَا كَانَ أَهْلًا لِأَخْذِ الْعِلْمِ عَنْهُ وَلَكِنَّهُ مُقَصِّرٌ فِي الْعَمَلِ وَإِلَّا كَانَ مَرْدُودًا عَلَى قَائِلِهِ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ لَزِمَهُ تَعَلُّمُ شَيْءٍ وَقِيلَ أَوْ كَانَ فِي حَقِّهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَقِيلَ أَوْ نَفْلًا وَلَا يَحْصُلُ لَهُ فِي بَلَدِهِ فَلَهُ السَّفَرُ فِي طَلَبِهِ بِغَيْرِ إذْنِ أَبَوَيْهِ وَبَقِيَّةِ أَقَارِبِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَكَلَامُ أَحْمَدَ السَّابِقُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ يَدُلُّ لِهَذَا الْقَوْلِ، وَغَيْرُهَا عَنْ أَحْمَدَ يُخَالِفُهَا قَالَ الْقَاضِي وَمِمَّا يَجِبُ إنْكَارُهُ تَرْكُ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ لِمَا يَجِبُ تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ نَحْوُ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِمَعْرِفَةِ الصَّلَوَاتِ وَجُمْلَةِ الشَّرَائِعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَرَائِضِ وَيَلْزَمُ النِّسَاءَ الْخُرُوجُ لِتَعَلُّمِ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «فِي الصِّبْيَانِ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ» فَأَوْلَى أَنْ يُضْرَبَ الْمُكَلَّفُ عَلَى تَعَلُّمِ ذَلِكَ.

وَوَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْمُعَلِّمَ وَالْمُتَعَلِّمَ كَذَلِكَ وَيَرْزُقُهُمَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قِوَامًا لِلدِّينِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْجِهَادِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا نَشَأَ الْوَلَدُ عَلَى مَذْهَبٍ فَاسِدٍ فَيَتَعَذَّرُ زَوَالُهُ مِنْ قَلْبِهِ.

ص: 47

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ عَلِيٍّ {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] قَالَ: عَلِّمُوهُمْ الْخَيْرَ.

وَقَدْ رَوَى الْخَلَّالُ فِي أَخْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ إلَى الْكُوفَةِ فَكُنْتُ فِي بَيْتٍ تَحْتَ رَأْسِي لَبِنَةٌ فَحُمِمْتُ فَرَجَعْتُ إلَى أُمِّي وَلَمْ أَكُنْ اسْتَأْذَنْتُهَا.

وَقَالَ الْفُضَيْلُ: الْعُلَمَاءُ رَبِيعُ النَّاسِ إذَا رَآهُمْ الْمَرِيضُ لَا يَشْتَهِي أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وَإِذَا رَآهُمْ الْفَقِيرُ لَا يَشْتَهِي أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ شِرَارُ كُلِّ ذِي دِينٍ عُلَمَاؤُهُمْ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ.

وَرَوَى الْخَلَّالُ أَنْبَأْنَا مُحَمَّدٌ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ قَالَ: قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ: كَفَى بِخَشْيَةِ اللَّهِ عِلْمًا، وَبِالِاغْتِرَارِ بِاَللَّهِ جَهْلًا. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ لَا يَكُونُ الرَّجُلُ عَالِمًا حَتَّى يَكُونَ بِهِ عَامِلًا.

وَقَالَتْ: عَائِشَةُ «مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَنْسِبُ أَحَدًا إلَّا إلَى الدِّينِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوا الْعِلْمَ وَوَضَعُوهُ عِنْدَ أَهْلِهِ لَسَادُوا أَهْلَ زَمَانِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ وَضَعُوهُ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا لِيَنَالُوا مِنْ دُنْيَاهُمْ فَهَانُوا عَلَيْهِمْ رَوَاهُ الْخَلَّالُ.

وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَمَةَ الْبَصْرِيِّ عَنْ نَهْشَلٍ وَهُوَ كَذَّابٌ مَتْرُوكٌ عِنْدَهُمْ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوا الْعِلْمَ وَوَضَعُوهُ عِنْدَ أَهْلِهِ لَسَادُوا أَهْلَ زَمَانِهِمْ وَلَكِنَّهُمْ أَتَوْا بِهِ أَهْلَ الدُّنْيَا فَاسْتَخَفُّوا بِهِمْ.

سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ جَعَلَ هُمُومَهُ هَمًّا وَاحِدًا كَفَاهُ اللَّهُ سَائِرَ هُمُومِهِ. وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ وَأَحْوَالُ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ» .

وَفِي حَوَاشِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلِي ذَكَرَ الْمَدَائِنِيُّ فِي كِتَابِ السُّلْطَانُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ لَوْ أَنَّ حَمَلَةَ الْعِلْمِ حَمَلُوهُ بِحَقِّهِ لَأَحَبَّهُمْ اللَّهُ عز وجل وَمَلَائِكَتُهُ وَأَهْلُ طَاعَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ. وَلَكِنْ حَمَلُوهُ لِطَلَبِ الدُّنْيَا فَمَقَتَهُمْ اللَّهُ وَهَانُوا عَلَى النَّاسِ.

ص: 48

وَقَالَ مَالِكٌ وَجَّهَ إلَيَّ الرَّشِيدُ أَنْ أُحَدِّثَهُ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ الْعِلْمَ يُؤْتَى وَلَا يَأْتِي. فَصَارَ إلَى مَنْزِلِي فَاسْتَنَدَ مَعِي عَلَى الْجِدَارِ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ مِنْ إجْلَالِ اللَّهِ إجْلَالَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، فَقَامَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيَّ قَالَ فَقَالَ بَعْدَ مُدَّةٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تَوَاضَعْنَا لِعِلْمِكِ فَانْتَفَعْنَا بِهِ، وَتَوَاضَعَ لَنَا عِلْمُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَلَمْ نَنْتَفِعْ بِهِ.

وَرُوِيَ نَحْوُ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ مَعَ طَاهِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَرُوِيَ أَنَّ طَاهِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ بِبَغْدَادَ فَطَمِعَ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَطَمِعَ أَنْ يَأْتِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ أَبُو عُبَيْدٍ فَقَدِمَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ وَعَبَّاسُ الْعَنْبَرِيُّ فَأَرَادَا أَنْ يَسْمَعَا غَرِيبَ الْحَدِيثِ فَكَانَ يَحْمِل كُلَّ يَوْمٍ كِتَابَهُ وَيَأْتِيهِمَا فِي مَنْزِلِهِمَا فَيُحَدِّثَهُمَا فِيهِ.

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمَهْدِيَّ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ حَاجًّا جَاءَهُ مَالِكُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَأَمَرَ الْمَهْدِيُّ ابْنَهُ مُوسَى الْهَادِي وَهَارُونَ الرَّشِيدَ أَنْ يَسْمَعَا مِنْهُ فَطَلَبَاهُ إلَيْهِمَا فَامْتَنَعَ فَعَاتَبَهُ الْمَهْدِيُّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ لِلْعِلْمِ نَضَارَةً يُؤْتَى أَهْلُهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ: الْعِلْمُ أَهْلٌ أَنْ يُوَقَّرَ وَيُؤْتَى أَهْلُهُ، فَأَمَرَهُمَا وَالِدُهُمَا بِالْمَصِيرِ إلَيْهِ، فَسَأَلَهُ مُؤَدِّبُهُمَا أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ: إنَّ أَهْلَ هَذِهِ الْبَلْدَةِ يَقْرَءُونَ عَلَى الْعَالِمِ كَمَا يَقْرَأُ الصِّبْيَانُ عَلَى الْمُعَلِّمِ، فَإِذَا أَخْطَئُوا أَفْتَاهُمْ، فَرَجَعُوا إلَى الْخَلِيفَةِ فَعَاتَبَهُ الْمَهْدِيُّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ سَمِعْنَا هَذَا الْعِلْمَ مِنْ رِجَالٍ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ وَعُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَابْنُ هُرْمُزَ، وَمِنْ بَعْدِهِمْ أَبُو الزِّنَادِ وَرَبِيعَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ شِهَابٍ كُلُّ هَؤُلَاءِ يُقْرَأُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَقْرَءُونَ، فَقَالَ الْمَهْدِيُّ: فِي هَؤُلَاءِ قُدْوَةٌ، صِيرُوا إلَيْهِ فَاقْرَءُوا عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا.

وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ طَلَبُوهُ لِمَا عِنْدَ اللَّهِ لَهَابَهُمْ النَّاسُ وَلَكِنْ طَلَبُوا بِهِ الدُّنْيَا فَهَانُوا عَلَى النَّاسِ وَقَالَ سُفْيَانُ: مَا زَالَ الْعِلْمُ عَزِيزًا حَتَّى حُمِلَ إلَى أَبْوَابِ الْمُلُوكِ وَأَخَذُوا عَلَيْهِ أَجْرًا فَنَزَعَ اللَّهُ الْحَلَاوَةَ مِنْ

ص: 49

قُلُوبِهِمْ وَمَنَعَهُمْ الْعَمَلَ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَصُونَ الْعِلْمَ وَلَا يَبْذُلُهُ وَلَا يَحْمِلُهُ إلَى النَّاسِ خُصُوصًا إلَى الْأُمَرَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ أَنْشَدَ لِنَفْسِهِ:

يَقُولُونَ لِي فِيكَ انْقِبَاضٌ وَإِنَّمَا

رَأَوْا رَجُلًا عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا

أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَاهُمْ هَانَ عِنْدَهُمْ

وَمَنْ لَزِمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا

وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ الْعِلْمِ إنْ كَانَ كُلَّمَا

بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِي سُلَّمَا

وَمَا كُلُّ بَرْقٍ لَاحَ لِي يَسْتَفِزُّنِي

وَلَا كُلُّ مَنْ فِي الْأَرْضِ أَرْضَاهُ مُنْعِمَا

إذَا قِيلَ هَذَا مَنْهَلٌ قُلْتُ قَدْ أَرَى

وَلَكِنَّ نَفْسَ الْحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَا

وَلَمْ أَبْتَذِلْ فِي خِدْمَةِ الْعِلْمِ مُهْجَتِي

لِأَخْدِمَ مَنْ لَاقَيْتُ لَكِنْ لِأُخْدَمَا

أَأَشْقَى بِهِ غَرْسًا وَأَجْنِيهِ ذِلَّةً

إذًا فَاتِّبَاعُ الْجَهْلِ قَدْ كَانَ أَحْزَمَا

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوهُ صَانَهُمْ

وَلَوْ عَظَّمُوهُ فِي النُّفُوسِ لَعُظِّمَا

وَلَكِنْ أَذَلُّوهُ فَهَانَ وَدَنَّسُوا

مُحَيَّاهُ بِالْأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا

وَأَرْسَلَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ يَطْلُبُ مِنْهُ الْحُضُورَ إلَيْهِ لِأَجْلِ مَسْأَلَةٍ وَقَعَتْ لَهُ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ حَمَّادُ إنَّا أَدْرَكْنَا الْعُلَمَاءَ وَهُمْ لَا يَأْتُونَ أَحَدًا، فَإِنْ وَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ فَأْتِنَا فَاسْأَلْنَا عَمَّا بَدَا لَكَ. وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ وَفِيهَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سُلَيْمَانَ جَاءَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: مَالِي إذَا نَظَرْتُ إلَيْكَ امْتَلَأْتُ رُعْبًا؟ فَقَالَ حَمَّادُ: سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: «إنَّ الْعَالِمَ إذَا أَرَادَ بِعِلْمِهِ وَجْهَ اللَّهِ هَابَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُكْثِرَ بِهِ الْكُنُوزَ هَابَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ» وَالْقِصَّةُ طَوِيلَةٌ وَفِيهَا أَنَّهُ عَرَضَ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَقْبَلْهَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِيُقَسِّمَهَا وَيُفَرِّقَهَا.

وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:

إذَا شِئْتَ أَنْ تَسْتَقْرِضَ الْمَالَ مُنْفِقًا

عَلَى شَهَوَاتِ النَّفْسِ فِي زَمَنِ الْعُسْرِ

فَسَلْ نَفْسَكَ الْإِنْفَاقَ مِنْ كَنْزِ صَبْرِهَا

عَلَيْكَ وَإِرْفَاقًا إلَى زَمَنِ الْيُسْرِ

فَإِنْ فَعَلَتْ كُنْتَ الْغَنِيَّ وَإِنْ أَبَتْ

فَكُلُّ مَنُوعٍ بَعْدَهَا وَاسِعُ الْعُذْرِ

ص: 50

وَقَالَ أَبُو الْحَارِثِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَتَرَى الرَّجُلَ أَنْ يَرْحَلَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ قَالَ نَعَمْ قَدْ رَحَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُمْ.

وَرَوَى عَنْهُ الْخَلَّالُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يُقِيمُ بِبَلْدَةٍ وَيَنْزِلُ فِي الْحَدِيثِ دَرَجَةً قَالَ لَيْسَ طَلَبُ الْعِلْمِ هَكَذَا لَوْ طَلَبَ الْعِلْمَ هَكَذَا مَاتَ آثِمًا، يُؤْخَذُ الْعِلْمُ عَنْ الْأَكَابِرِ.

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ إنْ كُنْتُ لَأُسَافِرُ مَسِيرَةَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ لَقَدْ أَقَمْتُ بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَا لِي حَاجَةٌ إلَّا رَجُلٌ يَقْدَمُ عِنْدَهُ حَدِيثٌ فَأَسْمَعُهُ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَافَرَ مِنْ أَقْصَى الشَّامِ إلَى أَقْصَى الْيَمَنِ فَسَمِعَ كَلِمَةً تَنْفَعُهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ أَمْرِهِ مَا رَأَيْتُ سَفْرَهُ ضَاعَ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ «ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ، عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ وَرَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِي وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا» ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ: خُذْهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِي مِثْلِهَا إلَى الْمَدِينَةِ يَعْنِي مِنْ الْكُوفَةِ. وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ إلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ وَإِنَّ جَابِرًا رَحَلَ إلَيْهِ شَهْرًا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ ابْتَاعَ بَعِيرًا وَسَارَ شَهْرًا إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، وَالْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَنَا اللَّهُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَدْ رَحَلَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا تَقَبَّلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ. وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ فَتَاهَتْ فَآتَاهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، مَرَّتَيْنِ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ إذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ قَالُوا: قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالُوا جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسْأَلكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ قَالَ

ص: 51

كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ يَا عِمْرَانُ أَدْرِكْ نَاقَتَكَ فَقَدْ ذَهَبَتْ، فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهَا فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا وَأَيْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ.»

قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: فِيهِ الرِّحْلَةُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَجَوَازُ السُّؤَالِ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَعْلَمُهُ، وَجَوَازُ الْعُدُولِ عَنْ سَمَاعِ الْعِلْمِ إلَى مَا يُخَافُ فَوَاتُهُ؛ لِأَنَّ عِمْرَانَ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ لِأَجْلِ نَاقَتِهِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، وَجَوَازُ إيثَارُ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِ عِمْرَانَ وَدِدْتُ أَنَّهَا ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ.

وَقَالَ مُهَنَّا سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُذْرِيُّ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولَهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْجَاهِلِينَ وَإِبْطَالَ الْبَطَّالِينَ، وَتَأْوِيلَ الْغَالِينَ» فَقُلْتُ لِأَحْمَدَ هُوَ كَلَامٌ مَوْضُوعٌ؟ قَالَ لَا، هُوَ صَحِيحٌ، فَقُلْتُ لَهُ سَمِعْتَهُ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، قُلْت مَنْ؟ قَالَ حَدَّثَنِي بِهِ مِسْكِينٌ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ مُعَاذٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. ثُمَّ رَوَاهُ الْخَلَّالُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَغَوِيِّ ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَنَا مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُذْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَتَابَعَهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُعَاذٍ.

وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الثِّقَةِ مِنْ أَشْيَاخِهِمْ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَرُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ ضَعِيفَةٍ، قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَاعْتَنَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَحَاوَلَ تَصْحِيحَهُ وَاحْتَجَّ بِهِ فِي أَنَّ كُلَّ مَنْ حَمَلَ الْعِلْمَ فَهُوَ عَدْلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ وَأَبُو دَاوُد لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَنُعَيْمٌ ثِقَةٌ وَقَالَ النَّسَوِيُّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ.

ص: 52

وَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ.

وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ ابْن حِبَّانَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.

وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا تَطَوُّعًا فَأَفْطَرَ لِطَلَبِ الْعِلْم؟ فَقَالَ إذَا احْتَاجَ إلَى طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ. فَقِيلَ لَهُ لِأَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ أَفْضَلُ؟ فَسَكَتَ.

وَقَالَ الْمَرْوَزِيُّ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَصِفُ كَيْفَ يُؤْخَذُ الْعِلْمُ قَالَ: نَنْظُرُ مَا كَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَنْ أَصْحَابِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَنْ التَّابِعِينَ وَقَالَ أَبُو دَاوُد سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ إذَا جَاءَ الشَّيْءُ عَنْ الرَّجُلِ مِنْ التَّابِعِينَ لَا يُوجَدُ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ. قَالَ لَا، وَلَكِنْ لَا يَكَادُ يَجِيءُ شَيْءٌ عَنْ التَّابِعِينَ إلَّا وَيُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ.

وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْن حَنْبَلٍ وَقَدْ أَقْبَلَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ بِأَيْدِيهِمْ الْمَحَابِرُ، فَأَوْمَأَ إلَيْهَا، وَقَالَ: هَذِهِ سُرُجُ الْإِسْلَامِ، يَعْنِي الْمَحَابِرَ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْلَا الْمَحَابِرُ، لَخَطَبَتْ الزَّنَادِقَةُ عَلَى الْمَنَابِرِ.

وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: رَآنِي الشَّافِعِيُّ وَأَنَا فِي مَجْلِسٍ وَعَلَى قَمِيصِي حِبْرٌ وَأَنَا أُخْفِيهِ، فَقَالَ: لِمَا تُخْفِيهِ وَتَسْتُرهُ؟ فَإِنَّ الْحِبْرَ عَلَى الثَّوْبِ مِنْ الْمُرُوءَةِ؛ لِأَنَّ صُورَتَهُ فِي الْأَبْصَارِ سَوَادٌ وَفِي الْبَصَائِرِ بَيَاضٌ.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَيَنْبَغِي تَجْوِيدُ الْخَطِّ وَتَحْقِيقُهُ دُونَ الْمَشْقِ وَالتَّعْلِيقِ، وَيُكْرَهُ تَضْيِيقُ السُّطُورِ، وَتَدْقِيقُ الْقَلَمِ فَإِنَّ النَّظَرَ إلَى الْخَطِّ الدَّقِيقِ يُؤْذِي قَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ رَآنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَنَا أَكْتُبُ خَطًّا دَقِيقًا فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ أَحْوَجُ مَا تَكُونُ إلَيْهِ يَخُونُك قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُضَيِّقُ السُّطُورَ لِعَدَمِ الْكَاغِدِ. وَقَدْ رَأَيْتُ فِي وِجْهَةٍ مِنْ خَطِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيِّ أَحَدًا وَثَمَانِينَ سَطْرًا.

وَقَالَ الْبَغَوِيّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَا أَطْلُبُ الْعِلْمَ إلَى أَنْ أَدْخُلَ الْقَبْرَ وَقَالَ صَالِحٌ رَأَى رَجُلٌ مَعَ أَبِي مِحْبَرَةً فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ هَذَا

ص: 53

الْمَبْلَغَ وَأَنْتَ إمَامُ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ مَعِي الْمِحْبَرَةُ إلَى الْمَقْبَرَةِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إظْهَارُ الْمِحْبَرَةِ مِنْ الرِّيَاءِ.

وَذَكَرَ لَهُ الصِّدْقَ وَالْإِخْلَاصَ فَقَالَ بِهَذَا ارْتَفَعَ الْقَوْمُ.

وَرَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ إذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ كَانَ يَوْمَ غَنِيمَةٍ. وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ دَارَسَهُ وَتَعَلَّمَ مِنْهُ، وَإِذَا لَقِيَ مَنْ دُونَهُ تَوَاضَعَ لَهُ وَعَلَّمَهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ وَقَالَ الْأَحْنَفُ: مُذَاكَرَةُ الرِّجَالِ تَلْقِيحٌ لِعُقُولِهَا. وَيَأْتِي بِنَحْوِ كُرَّاسَةٍ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا.

ص: 54